العودة الى الصفحة السابقة
الصدوقيين

الصدوقيين

جون نور


إذا أردنا أن نعرف كيف يجمع الشيطان قلوب الأعداء المتخاصمين، لتتآلف معاً في تعاون خبيث لتحقيق أسوأ المقاصد، فلندرس تاريخ جماعة الصدوقيين.

وإذا أردنا أن نعرف كيف تتحول أنبل المهن وأقدس الوظائف إلى امتهان واحتراف يهبط بها إلى الحضيض، فلندرس تاريخ جماعة الصدوقيين.

جماعة الصدوقيين يرجع تاريخها إلى رئيس كهنة اسمه صادوق عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، ولعله ينتسب إلى صادوق رئيس الكهنة في عهد داود وسليمان الذي حفظت رئاسة الكهنوت في عائلته منذ ذلك الوقت حتى عصر المكابيين في الفترة ما بين العهد القديم والجديد... وسمى خلفاؤه وأنصاره صدوقيون.

لقد كان صادوق هذا مفكراً وتقياً وصالحاً، يحب الله لذاته، ويكرّس حياته لخدمته ابتغاء التقرب إلى شخصه وجلاله المبارك دون مطمع آخر... وقد علّم صادوق الناس أن محبة الناس لله ينبغي أن تكون خالصة من الغرض، نقية من الذات. لكن أتباع صادوق، مسخوا هذا التعليم الراقي، فنادوا بأنه لا يوجد ثواب ولا عقاب... لا يوجد خلود ولا توجد ملائكة ولا أرواح... وبذلك انحرفوا بالتعليم الذي يسمو بالإنسان إلى قمة الإنسانية، وأنزلوه إلى حضيض المادية الخالية من كل روحانية.

من يدرس الأناجيل، يرى اسم الفريسيين ملازماً لاسم الصدوقيين في مناسبات كثيرة.

لقد كان الصدوقيون على خلاف دائم محتدم مع الفريسيين. وهم مجموعة أخرى من المتدينين اليهود. كان الفريسيون مدققين في تنفيذ صغائر الأمور في الناموس المكتوب والناموس الشفوي، بينما كان الصدوقيون يهملون الناموس الشفوي علناً ولا يبالون به.

شيئاً واحداً جمع بين الفريسيين والصدوقيين... هذا الشيء هو العداء السافر ليسوع الناصري، والتآمر ضده، ومحاولة اصطياده والإيقاع به بأي وسيلة كانت، وأخيراً اشتركوا معاً في الشهادة ضده، ليقع تحت حكم الموت، موت الصليب.

قادهم التزمت الديني إلى أن يقودوا يسوع إلى الصليب، ظانين أنهم بذلك يؤدون خدمة لله كانوا يغارون على الناموس حسب فهمهم المتزمت له.

لقد عاش يسوع يعلّم تعاليمه الصافية الرائعة، ولم يصطدم بالصدوقيين، إلا مرة واحدة.

لم يكن الخلاف الديني هو سبب عداء الصدوقيين للمسيح، لأنهم كانوا على خلاف مع الفريسيين أيضاً لكن شيئاً آخر أثار الصدوقيين. فقد جاء يسوع مرة إلى الهيكل، «وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا.... فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!» (يوحنا 2: 14 - 16). وفي موضع آخر قال «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (متّى 21: 13).

هذا هو الذي أثار الصدوقيين حتى جاءوا إليه وقالوا له: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ؟» (متّى 21: 23).

فما الذي أثار الصدوقيين في هذا العمل؟ أن يسوع لمس حافظة نقودهم... وهاجم سلطانهم واستغلالهم... لذلك قاموا يدافعون عن مكانتهم وثروتهم وسلطانهم.

فقد كان الهيكل هو ينبوع الذهب الذي يجمع منه الكهنة ورؤساء الكهنة ثروتهم، ويستغلون الناس بأسلوب بشع.

إننا نجد جماعة الصدوقيين تأخذ مكان الصدارة في مأساة الصليب... فهم الذين اتفقوا مع يهوذا على تسليمه لهم... لأن رؤساء الكهنة كانوا من الصدوقيين، وهم الذين جاءوا للقبض على يسوع... وهم الذين كانوا يطلبون شهادة زور على يسوع، وهم الذين اشتركوا مع الفريسيين في محاكمته أمام مجمع اليهود، وهم الذين دفعوه إلى بيلاطس الوالي، وهم الذين حرّضوا الجموع أن ينادوا بإطلاق باراباس وبصلب يسوع... بل لا تتعجبوا عندما تعلمون أن رؤساء الكهنة وهم صدوقيون كانوا واقفين بجوار الصليب يجدفون على يسوع ويستهزئون به ويقولون: «إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ!» (متّى 27: 42).

هذا إذن هو الجواب... إن يسوع هدد نفوذ الصدوقيين... وكشف استغلالهم... واقترب من مصادر ثروتهم...

كم من الناس، يتخذون من الدين ستاراً، ومن الفضيلة وسيلة وحجة يهاجموا بها غيرهم من الناس... بل يقودونهم أحياناً إلى صليب، صليب من التعيير أو الانتقاد... صليب من التآمر والدسائس... وهم لا يغارون على الدين أو الفضيلة أو الحق الإلهي... لكنهم يدافعون عن مصالحهم الذاتية ونفوذهم ومركزهم والجماعات التي ينتمون إليها...

فلنحذر – لئلا نقسوا على إخوتنا الضعفاء، فتزداد قلوبنا قساوة... ولنحذر لئلا تعمينا مصالحنا الشخصية، فنستغل كل شيء حتى أقدس المناصب، وأطهر المبادئ، لحماية أنانيتنا... فهذه هي خطية جماعة الصدوقيين التي قادت يسوع إلى الصليب.

كلمة أخيرة نوجهها إلى كل من له أذن للسمع ليسمعها.. أين الآن جماعة الصدوقيين... لقد انتهوا تماماً من الوجود... لكن المسيح الذي أوصلوه إلى الصليب حي تتعبد له القلوب، وتترنم باسمه الملايين...

وهكذا ستكون نهاية أحفاد الصدوقيين من المستغلين... فإن عين القدير لا تغفل ولا تنام... وإن كان إلهنا يمهل كثيراً، لكنه لا يهمل أبداً.