العودة الى الصفحة السابقة
العذراء المباركة - أم يسوع

العذراء المباركة - أم يسوع

لوقا 1: 26 – 38 ويوحنا 2: 1- 11

جون نور


«26 وَفِي اٰلشَّهْرِ اٰلسَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ اٰلْمَلاَكُ مِنَ اٰللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ اٰلْجَلِيلِ اٰسْمُهَا نَاصِرَةُ، 27 إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اٰسْمُهُ يُوسُفُ. وَاٰسْمُ اٰلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28 فَدَخَلَ إِلَيْهَا اٰلْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا اٰلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي اٰلنِّسَاءِ». 29 فَلَمَّا رَأَتْهُ اٰضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ اٰلتَّحِيَّةُ! 30 فَقَالَ لَهَا اٰلْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اٰللهِ. 31 وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ اٰبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32 هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَاٰبْنَ اٰلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ اٰلرَّبُّ اٰلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33 وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى اٰلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».

«34 فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35 فَأَجَابَ اٰلْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ اٰلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ اٰلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً اٰلْقُدُّوسُ اٰلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى اٰبْنَ اٰللهِ. 36 وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِاٰبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ اٰلشَّهْرُ اٰلسَّادِسُ لِتِلْكَ اٰلْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً، 37 لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اٰللهِ». 38 فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ اٰلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا اٰلْمَلاَكُ».

1 وَفِي اٰلْيَوْمِ اٰلثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا اٰلْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. 2 وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى اٰلْعُرْسِ. 3 وَلَمَّا فَرَغَتِ اٰلْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». 4 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا اٰمْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». 5 قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَاٰفْعَلُوهُ». 6 وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ اٰلْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. 7 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «اٰمْلأُوا اٰلأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. 8 ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اٰسْتَقُوا اٰلآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ اٰلْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. 9 فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ اٰلْمُتَّكَإِ اٰلْمَاءَ اٰلْمُتَحَوِّلَ خَمْراً، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ لٰكِنَّ اٰلْخُدَّامَ اٰلَّذِينَ كَانُوا قَدِ اٰسْتَقَوُا اٰلْمَاءَ عَلِمُوا دَعَا رَئِيسُ اٰلْمُتَّكَإِ اٰلْعَرِيسَ 10 وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ اٰلْخَمْرَ اٰلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ اٰلدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ اٰلْخَمْرَ اٰلْجَيِّدَةَ إِلَى اٰلآنَ». 11 هٰذِهِ بِدَايَةُ اٰلآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا اٰلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ».

أعزائي تحتل العذراء المباركة – في تفكيرنا – المكانة التي أعطاها لها الكتاب المقدس. والعهد الجديد لا يقدم لنا مريم كالشخصية الرئيسية فيها، بل يقدم لنا شخص ربنا يسوع المسيح نفسه، شخصية سائدة على الجميع. وتظهر لنا العذراء في كل المواقف كتابعة ليسوع. وارتباطها به يعطيها مكانتها الممتازة.

وفي هذه الحلقة نقصد، لا مجرد النظر إلى شخصية العذراء نفسها، بل معاملة ربنا لها. وقصة الإنجيل الكريم تقدمها لنا عذراء من بيت داود مخطوبة لرجل اسمه يوسف. وحسب قائمة النسب في بشارة لوقا تنحدر من سلالة داود. وهكذا نرى العذراء فتاة قروية هادئة بسيطة. وتشير إليها بعض كتابات اليهود كأم يسوع وابنة هالي. وعن طريق هذا النسب يجرى في عروقها الدم الملكي دم داود. وهكذا كان يوسف، ولكنه جاء من داود عن طريق سليمان، بينما جاءت مريم عن طريق ناثان.

وعاشت مريم في الناصرة بحدودها وأخطارها وامتيازاتها. وكانت الناصرة في ذلك الوقت مدينة صغيرة مكتظة بالسكان الذين كانوا يتراوحون بين العشرة آلاف والعشرين ألفاً. أما عن أخطارها فتحدثنا الإكتشافات والحفريات الأخيرة بأن الناصرة كانت بؤرة للفساد. وهذا ما قصده نثنائيل عندما تساءل: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا 1: 46). أما عن امتيازاتها فهي كباقي المدن الصغيرة يجد فيها الناس الفرصة للتفكير الشخصي والفردي، أكثر مما يفعلون في المدن الكبيرة حيث تكون الحياة كلها ضجة وزحاماً.

ولما ظهر الملاك لمريم في الناصرة أقرأها السلام. وقال لها أيضاً: «أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا!». وفي هذا إشارة إلى الإنعام العظيم الذي أعطى لها. ثم أضاف إلى هذا قوله: «اَلرَّبُّ مَعَكِ» (لوقا 1: 28). وفي هذا نرى إعلاناً عجيباً لفتاة الناصرة التي كانت تعيش في وسط الفساد، طاهرة الذيل. وتسلك في شريعة إله آبائها.

وإذا نتتبع القصة تواجهنا حقيقة أخرى تكشف عن سجايا العذراء. ويخبرنا لوقا أنها اضطربت عندما سمعت قول الملاك متعجبة ما عسى أن تكون هذه التحية. ثم يتبع ذلك الإعلان المعطى لها، والذي سبقته عبارة التطمين: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ» (لوقا 1: 30). ثم يعلن لها المركز السامي المعطى لها في قصد الله والمتضمن في القول: «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ... وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لوقا 1: 31 - 33). ولكل عبارة في هذا القول معناها الخاص. ويمكن تلخيصها في أن الملاك أخبر مريم بأنها اختيرت لشرف عظيم بأن تكون أماً للمسيِّا الذي انتظرته الدهور.

ونرى في جواب مريم أمانتها الكاملة. قالت للملاك: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» (لوقا 1: 34). وجاءها الجواب ببساطة فائقة: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ» (لوقا 1: 35). وهو جواب يزيح كل صعوبة أمام الذين يؤمنون بإله الكتاب المقدس.

وفي خضوع تام وطاعة مُسلمّة قالت مريم: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا 1: 38). وبهذا سلَّمت نفسها لقصد الله وقوته.

بعد ذلك نشاهد مريم في بيت لحم وقت ولادة يسوع. وبعيداً عن بيتها، وفي الخان حيث لم يكن من يعينها، ولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود. وحوّلت أول صيحة للطفل الوليد، إلى نغم جميل من الفرح والسرور.

ولما وصل الرعاة إلى حيث وُلد يسوع أخبروا عن الأغنية التي سمعوها والنشيد الذي تبعها. «وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا» (لوقا 2: 19).

ونرى مريم بعد ذلك في البيت مع الأهل لعمل الطقس لابنها عندما أعطته الاسم الذي أعلنه لها الملاك. ثم نراها في الهيكل لما أخذ سمعان الشيخ طفلها بين ذراعيه، وقال تسبيحته العظيمة، وسمعته مريم وتعجبت من قوله إن سيفاً سيجوز في نفسها.

وتبع ذلك زيارة المجوس والهروب إلى مصر والعودة إلى الناصرة. وفي كل هذه السنوات الإثنتي عشرة، كرّست مريم حياتها لتربية طفلها وتعليمه دروسه الأولية في الكتب المقدسة. والآن لنرَ كيف عاملها يسوع.

نعرف أنه بعد عودتهم من الهيكل إلى الناصرة، كان خاضعاً لوالديه. أي أنه عندما صار ابن الشريعة في سن الثانية عشرة خضع لأمه بمحض اختياره.

وأخيراً نرى العذراء في يوم الخمسين مع الآخرين من تلاميذه ينتظرون الوعد المجيد. وفي الساعة العظيمة لما نزل الروح القدس عليهم، كانت مريم واحدة بينهم.

إنا نجد في هذه القصة قصة مريم العذراء تعليماً سامياً وهو أن كل خدمة شريفة كريمة تؤدَّى في سبيل الله لا بد أن تمتزج بالألم في هذه الحياة.

كما أن هذه القصة تظهر لنا عظمة الأمومة وتقديس الطفولة.

كما ترينا أيضاً أن الروح القدس وحده هو الذي يقرَّب المسيح إلى إدراكنا ويجعلنا نفهمه فهماً صحيحاً، لأن المسيح هو الحق كما قال عن نفسه. والروح القدس يرشد إلى جميع الحق.

هذه هي العذراء في عيادة ابنها الطبيب الأعظم. نراها وديعة مباركة، وممتلئة نعمة، ولذلك فجميع الأجيال تطوبها.