العودة الى الصفحة السابقة
آدم..

آدم..

«قَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 26:1)

جون نور


سأتحدث في هذه الحلقة من أسماء وأحداث في الكتاب المقدس عن الرجل الأول في تاريخ البشرية وهو أبونا آدم.

قد لا يعرف التاريخ البشري شخصيات كثيرة اختلف حولها الكتّاب والشعراء ورجال الدين والعلم والأدب والفلسفة والاجتماع والفن كما اختلفوا حول أبينا آدم، على أنه مهما تختلف هذه النظريات وتتنوع، ومهما يكن حظها من الاقتراب إلى الحق أو البعد عنه، فمما لا شبهة فيه، أن العصور الحديثة أخذت تؤكد – أكثر من أي وقت مضى – أن قصة آدم، كما وردت في الكتاب المقدس، هي أدق وأصح القصص عن الإنسان الأول، كم يكون إذاً فذاً وجميلاً، ونحن ندرس شخصية أبينا آدم الأول، أن نقف قليلاً من هذه القصة، وما رافقها من قصص وتقاليد وأساطير ونظريات، لنخرج بصورة واضحة جلية عن آدم!! من هو!! وكيف جُرب وسقط وعوقب!!؟ وكيف خلص وأخذ طريقه مرة أخرى إلى الفردوس!!؟

مما لا شك فيه، ونحن بصدد دراسة وتحليل شخصية آدم، لا بد من الاعتراف بأن شخصيته من أعقد وأعسر الشخصيات التي واجهها العقل البشري، وذلك لأنه فضلاً عن كونه أول وأقدم إنسان.. فإن المؤرخين والكتّاب ينظرون إليه كمثال ورمز للجنس البشري بأكمله، بما في هذا الجنس من مزايا وعيوب وأمجاد وسقطات، من المؤكد أن آدم لم يكن جميلاً فحسب، بل لعله أجمل رجل خُلق على هذه الأرض، وقد كان اليهود يعتقدون أن الله عندما أراد أن يصنعه، تمثل بشراً سوياً، ثم أبدعه على الصورة التي تمثل بها، فقالوا إن آدم كان أشبه في جماله بابن الله على جبل التجلي!! وسواء صح رأي هؤلاء أو أولئك أو لم يصح، فمن المؤكد أن آدم كان يتمتع بجمال مذهل أخاذ، وكيف لا يكون كذلك وهو ختام عمل الله المبدع في الخليقة!!؟ وكيف لا يكون كذلك، وقد صنعه الله بكيفية متميزة متفردة عن غيره من المخلوقات!!؟ فهذه كان يقول لها: لتكن فتكون!!؟ أما هو فقد قال فيه: لـ «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا».

فمما لا شبهة فيه أن آدم كان عظيماً وكيف لا يكون كذلك. ولقد خلقه الله على صورته وشبهه إذ قال: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا».

لقد خلق الله آدم ليسود، إذ هو وكيل الله ونائبه على هذه الأرض. ومن ثم أعطاه الله أن يملأها ويخضعها، ويتسلط على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض، ما كان آدم ليبقى في الأرض بمفرده، أو هو وحواء فقط، بل خُلق على صورة الله، وخُلق لينال بركة الله ويثمر ويكثر ويملأ الأرض، وإذ ندرس حياة آدم وحواء وكيف جربا واخطئا نجد بأن الخطية جاءتهما بالخزي والعار، إذ أدركا بعد ذلك وأول كل شيء أنهما عريانان، ولعل هذا أول ما يحس به المرء عند ارتكاب الخطية!! ولعل هذا هو الدافع الذي يجعله يرتكب الخطية في الظلام!! وعندما سمع آدم وحواء صوت الرب الإله ماشياً في وسط الجنة عند هبوب ريح النهار فزعا وخافا، وهذا ما تصنعه الخطية دائماً بمرتكبها، إذ تظهره في مظهر الضعيف الأعزل الذي تمسك به حبال آثامه وشروره، فلا يستطيع الهروب من عدل الله، مهما حاول إلى ذلك سبيلاً، لقد ظن آدم وحواء في بادئ الأمر، أن التعدي والأكل من الشجرة، سيجعلهما مثل الله، وفي مستواه تعالى، ولكنهما تبينا آخر الأمر، أنهما أضافا إلى ضعفهما ضعفاً، إذ لم يجسرا على النظر إلى الله فحسب، بل خشياً حتى من مجرد الاستماع إلى صوته عند هبوب ريح النهار!! والخطية توهم المرء على الدوام أنه قوي، وجسور، حتى يرتكبها، فإذا به يكتشف أنه ضعيف، وجبان، وأنه أعجز من أن يواجه نفسه، أو المجتمع، أو صوت الله!!

إن قصة آدم لم تنته بالطرد أو الموت أو الهلاك، وهيهات لها أن تكون كذلك، وقد سبقت نعمة الله فأعدت له الخلاص المجاني الكامل العظيم!! لقد حاول آدم وحواء تغطية الخطية تغطية مشوهة حمقاء: «فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ» (تكوين 3: 7) وهما أول من يعلم أنها لا يمكن أن تبقى أو تستر، أما الله فقد ستر عريهما وخزيهما بذبيحة: «وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا» (تكوين 3: 21) إذ «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين 9: 22).

العقاب الذي أوقعه الله على أبوينا الأولين لم يكن لمجرد العدالة الإلهية فحسب، بل كان أكثر من ذلك تحتمه وتلزم به رحمته الفائقة!! فلو أن آدم وحواء أكلا من شجرة الحياة وهما خاطئان، لكانت الحياة لهما أمر عقاب وعذاب، ولكان بقاؤهما في الجنة هو الجحيم بعينه، ولكن الطرد والتشريد والتعب والألم ولذعة الضمير لهما كان الباب الضيق والطريق الكرب إلى الفردوس المردود.

دعونا إذاً نشكر الله لا على الشمس المشرقة فحسب بل على الغيوم أيضاً!! ولا على النسيم الخفيف بل على الريح العاصف أيضاً!! ولا على الماء الرقراق بل على الأمواج المزبدة كذلك، ولنهتف من الأعماق مع الرسول بولس قائلين: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ... فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا» (رومية 8: 28 - 30)!!..

نعم عزيزي المستمع لقد سبق الله فأعد لك خلاصاً في ذبيحة المسيح على الصليب وكما فدى الله أبونا آدم وأمنا حواء هو يقدم لك خلاص في هذه الذبيحة الكاملة.