العودة الى الصفحة السابقة
المسيح.. رسالة سلام

المسيح.. رسالة سلام

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام سأتحدث في هذه الحلقة من أسماء وأحداث في الكتاب المقدس عن الشخصية الفريدة والرئيسية في الكتاب إلا وهي شخصية المسيح، هو الذي جاء إلى عالمنا برسالة سلام من الله في وقت كان العالم وما زال بأشد الحاجة إلى سلام فكم أيها الأعزاء هو افتقارنا في هذا العصر إلى سلام في داخلنا يهدئ أعصابنا المضطربة، ومخاوفنا من الاضطرابات التي تلف العالم من حولنا، وخاصة عن السلام في علاقاتنا مع الآخرين. في هذه الأيام كم تلجأ البشرية ونحن أيضا إلى أساليب شتى لتحقيق هذا السلام المنشود - وليس ثمة إلا قاعدة واحدة لبلوغ هذا الهدف. وأقصد بها نشيد الملائكة الذين رنموا عند ولادة المسيح قائلين :«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14). نعم على الأرض السلام، لأهل السلام والمودة والمحبة. وبغير هذا لن يكون على الأرض سلام.

إن مجيء المسيح إلى عالمنا كان ومضة ناصعة من النور الباهر، كشفت عن رؤيا جديدة، كان العالم في أشد الافتقار إليها. يُقال إن تسع عشرة من الحضارات العشرين التي شهدها العالم انهارت وفنيت لأنها ميّزت بين الناس في محسوبية صارخة، ولم تفطن إلى قدر الإنسان البشري، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو مكانته الاجتماعية. ولكن مجيء المسيح إلى عالمنا جاء ليحدثنا بأن لكل فرد من البشر قدراً وكرامة، فهو أحد الذين جاء المسيح من أجلهم، وأحبهم والذين يسكن الله فيهم.

فأين نحن من المسيح وتعاليمه اليوم..؟ كل حكومات العالم تعنى بحفظ وثائقها وأوراقها في أقبية من الصلب لا تمتد إليها يد التخريب والتدمير… ويحاول أتباعهم الاهتمام بحفظ أقوالهم للأجيال القادمة بشتى الوسائل…

أما ذلك المعلم الأعظم فقد وثقوا أقواله وتعاليمه، حيث لا الزمن ولا السوس ولا الصدأ، ولا يد الإنسان المخربة، تقدر أن تمتد بسوء إلى أقواله. لأنه علم أن الأرض والسماء تزولان ولكن كلامه لا يزول بل تبقى أقواله خالدة على الزمن، لأن فيها الحق والحياة

نعم هذا هو يسوع المعلم الأعظم الذي لم يسطر مخطوطاً، ولم يكتب نصوصاً، ولم يصنف كتاباً، ولم ينقش على الحجر عبارة. بل قد غرس بذور أقواله في عقول وقلوب وضمائر من اتبعوه. إنه هو النور لأبصارنا، والذروة العليا المتسامية لأفكارنا وخلجات قلوبنا، والأفق البعيد البعيد لآمالنا، وهيهات أن نبلغه!

كانت تعاليمه فريدة في ذاتها، لا مثيل لها لأنه قرن تعاليمه بنفسه. ذلك لأن تعاليمه لم تكن مقتصرة على الأقوال التي نطق بها، بل تضمنت تعاليمه صفاته المعصومة عن الخطأ، وأعمال الرحمة والشفاء التي أتاها. لقد علّم على مقتضى ما عاش به عملاً، وما انفرجت عنه شفتيه قولاً…

غريب هذا المعلم فهو لم يقف في قاعة من قاعات المحاضرات، ولم تكن له فصول ومقررات. على منبر لم يقف، ولم يقسم مواعظه إلى أبواب وأقسام عامة بل علّم حيثما، اتفق وأينما وجد خطاة ومتألمون.

كانت تعاليمه من الحياة للحياة. لذلك علم عند البئر في ساعة الظهيرة، ليعين امرأة خاطئة كانت في نزاع مع زوجها الخامس! وعلّم فوق الجبل، وعلى سطوح المنازل في الليل، وتحت ظلال أشجار الزيتون في البساتين، وفي الطرقات الضيقة بين حقول الحنطة، ومن فوق سفينة صياد، ووسط زنابق الحقل التي رصعت مروج فلسطين وسهولها.

علّم عن الخلود عند قبر مفتوح، يوم أعاد أخاً ميتاً عزيزاً على أختيه المفجوعتين. وعلّم عن شفقة الله ورعايته يوم شهد عصفوراً صغيراً يسقط على تراب الأرض في طريق عام.

وعلّم عن الإيمان والاتكال على الله من مؤخرة سفينة وسط عاصفة عاتية. وعلّم عن العطف والحنان بدموعه الساخنة التي سكبها يوم ألقى نظرة الوداع على أبراج وقباب المدينة التي أراد خلاصها.

وكانت له طريقته الخاصة في التعليم فلم يجد مساساً بكرامته في أن يهبط إلى أقل مستوى في البساطة والسذاجة. ولم يخشَ أبداً أن يمثل الحق بالأشياء العادية والأوضاع المألوفة في حياة الناس. فلقد تكلم في منتهى البساطة، وفي ذروة من السمو، عن رغيف الخبز، وكأس الماء البارد، وقطعة النقود المفقودة، وحبة الخردل الصغيرة، والخميرة في عجين المرأة، والخروف الضال، والكرمة وأغصانها، والابن الضال، والطريق الضيق، وثعالب الأرض وطيور السماء، وأزهار الحقل، والمصابيح.. بل قد استخدم أشياء أخرى أبسط من هذه في تعاليمه مثل ثقب الإبرة، والشوك، والحجارة.

ومن الخواص البارزة التي امتازت بها تعاليمه عن سواه أنه جسّمها في ذاته وعبّر عنها مجلوة صافية في حياته فحين قال: «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا» أردف هذه العبارة بقوله «كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا» (يوحنا 13: 34). وحين تكلم عن التواضع، مثله عملياً في تنازله وغسل أرجل تلاميذه.في هذه كلها توجد قصة يسوع الذي جاء إلينا في جسم البشر ليكون مثلنا مجرباً في كل شيء ما عدا الخطية ليسمو بنا لنكون في علاقة مميزة مع أبيه السماوي علاقة الأب بالابن علاقة لم يقدر الأنبياء والرسل أن يتجاسروا أن يقولوا في دعوتهم «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30) وكما أنا في الاب كذلك أنتم أيضاً.... نعم أيها الأحباء كما أن المسيح هو والآب واحد نصبح نحن في المسيح أولاد الله مبررين بدم المسيح وفداءه الأزلي.