العودة الى الصفحة السابقة
ما هي المعمودية؟

ما هي المعمودية؟

سلسلة لكل سؤال جواب


لا تذكر كلمة «عمد - معمودية» وسائر مشتقاتها في العهد القديم، ولكنها ترد كثيراً في العهد الجديد، نقلاً عن الكلمة اليونانية «بابتزو» ومشتقاتها، وهي تعني:

(1) يغمر أو يغمس أو يغطس.

(2) يصبغ بالغمر.

(3) يصبغ بدون تحديد الطريقة.

(4) يطلي.

(5) يبلل او يرطب أو يغسل أو يغطي بالماء.

(6) ينقع.

وأول ذكر لها في العهد الجديد هو ما جاء عن يوحنا المعمدان حيث كان «يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، قَائِلاً: تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ... حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ.. وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ» (متّى 3: 1 - 5). وقد قال يوحنا المعمدان عندما نظر يسوع مقبلاً إليه: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!.. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ.. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ» (يوحنا 1: 29 - 34). ومن هنا نعلم أن الله أرسل يوحنا ليعمد لكي يُظهر ابن الله لإسرائيل.

أما المعمودية المسيحية فقد أمر بها الرب يسوع المسيح قبيل صعوده إلى السماء، إذ أوصى تلاميذه قائلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متّى 28: 18، 19). ونقرأ في إنجيل مرقس: «وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16).

وهذا ما تمَّمه الرسل في يوم الخمسين، إذ قال بطرس لمن نخسوا في قلوبهم، وقالوا له ولسائر الرسل: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ... فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أعمال الرسل 2: 37 - 41).

وهناك قضيتان تتعلقان بالمعمودية:

(1) من هم الذين يُعَّمدون ؟

(2) كيفية إجراء المعمودية.

أولاً - من هم الذين يعتمدون:

هناك رأيان مختلفان في هذا الموضوع:

(أ) رأي يعتقد بأن المعمودية للمؤمنين وأطفالهم، ويبنون رأيهم على:

(1) تعامل الله في العهد القديم مع إبراهيم وعائلته، فكان ختان أطفال المؤمنين في العهد القديم، يُدخل أبناءهم في العهد مع الله، إذ يصبحون بالختان «أبناء العهد» (تكوين 17: 9 - 14)، ولا يمكن أن يكون الإنجيل أضيق حدوداً من شريعة العهد القديم.

(2) إذا كان الله قد أمر شعبه في العهد القديم بضرورة ختان أولادهم ليدخلوا في العهد معه، لكي يربوهم في مخافة الرب ويعلِّموهم شريعته، مع الوعد أن يكون لهم إلهاً وهم يكونون له أولاداً. وإذا كان الله لا تغيير عنده، فلماذا لا تستمر معاملته للأولاد على هذا الأساس في العهد الجديد؟ وكما كان الختان علامة العهد في العهد القديم، فكيف لا تكون المعمودية علامة الدخول في العهد الجديد؟

(3) قال المسيح: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 19: 14، مرقس 10: 13 - 15).

(4) قال الرسول بطرس في ختام كلامه في يوم الخمسين: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا» (أعمال الرسل 2: 38 و39).

(5) يقول الرسول بولس: «لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ» (1كورنثوس 7: 14).

(6) يسجل سفر الأعمال حوادث عديدة عن عماد أهل البيت «مثل ليدية «وأهل بيتها» (أعمال الرسل 16: 15)، وسجان فيلبي (أعمال الرسل 16: 33)، وبيت استفانوس (1كورنثوس 1: 16).

(ب) رأي يعتقد أن المعمودية للمؤمنين البالغين فقط: ويبنون رأيهم على:

(1) أمر المسيح قبيل صعوده: «اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (متّى 28: 19، 20). كما قال لهم: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقس 16: 15، 16). فالتلمذة - أي الإيمان - تسبق المعمودية، فيجب أن يؤمن الشخص أولاً ويصبح تلميذاً للمسيح قبل أن يحق له الاعتماد باسمه.

(2) عندما نادى الرسول بطرس بالإنجيل في يوم الخمسين، آمن عدد كبير قيل عنهم: «فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا» (أعمال الرسل 2: 41) فقبول الكلمة أي الإيمان بالمسيح، سبق المعمودية.

(3) عندما بشر فيلبس الخصي الحبشي، وسأل الخصي: «هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟ فَقَالَ فِيلُبُّسُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ. فَأَجَابَ وَقَالَ: أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ» (أعمال الرسل 8: 36، 37). وواضح كل الوضوح أن فيلبس اشترط الإيمان قبل المعمودية، فلم يعمَّد الخصي إلا بعد اعترافه بالإيمان بالرب يسوع المسيح ابن الله.

(4) يقول الرسول بطرس عن الذين آمنوا عندما كرز بالإنجيل في بيت كرنيليوس، ورأى أن الروح القدس قد حل «عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ. .. أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضًا؟ وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ» (أعمال الرسل 10: 44 - 48). فلم يأمر بطرس بعمادهم إلا بعد أن تأكد أولاً من إيمانهم بالرب يسوع المسيح.

(5) يقول الرسول بولس: «أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟» (رومية 6: 3 و4). فالرسول يربط بين المعمودية والحياة الجديدة، كما يقول أيضاً: «لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ» (غلاطية 3: 27).

(6) يقول الرسول بطرس المعمودية ليست «إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بطرس 3: 21). وكيف يستطيع الطفل أن يكون له مثل هذا الضمير الصالح الذي يتجاوب مع الله على أساس قيامة المسيح؟

(7) يردون على الحجج المختلفة التي يقدمها أنصار معمودية الأطفال بالآتي:

* لم تحل المعمودية محل الختان الذي كان علامة عهد بين الله وبين نسل إبراهيم، فقد ختن الرسول بولس تيموثاوس رغم عماده من قبل كتلميذ للمسيح (أعمال الرسل 16: 3). ثم أن الختان كان للذكور فقط، أما المعمودية فلكل من يؤمن، ذكراً كان أم أنثى.

ولو كانت المعمودية حلت محل الختان، لكانت الفرصة المناسبة لإعلان ذلك، عند انعقاد المجمع من الرسل والمشايخ في الكنيسة في أورشليم لبحث مسألة الختان ذاته، فكان يكفي للوصول إلى القرار الحاسم، القول إنه لم تعد حاجة للختان لأن المعمودية قد حلت محله، ولكن لم يحدث ذلك (ارجع إلى الأصحاح الخامس عشر من سفر أعمال الرسل) فالختان كان رمزاً لختان القلب بالروح (رومية 2: 28، 29). وهو ما كان يعوز إليهود الذين كانوا مختونين بالجسد، ولكنهم كانوا «قُسَاةَ الرِّقَابِ، وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ» (أعمال الرسل 7: 51).

وإن كان هناك وجه شبه بين الختان والمعمودية، فهو أن كل من يولد في عائلة إبراهيم - حسب الجسد - كان له الحق أن يختن في اليوم الثامن من مولده، وهكذا يجب الآن على كل من يولد الولادة الجديدة بالروح بالإيمان بالمسيح، فيصبح ابنا لله، أن يعتمد.

** أما قول الرب: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ» (متّى 19: 14)، فهو يتضمن رغبة الولد في الإتيان إلى الرب. وكم من مؤمنين أتوا إلى الرب في سن الصبا، حين يكون الإيمان صادقاً، قبل أن تظلم الخطية الذهن وتعمي البصر. وقد قال الرب: «إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 18: 3)، أي أن يكونوا في بساطة ونقاء الذهن والقلب، كما يقول الرسول بولس: «لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ. وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ» (1كورنثوس 14: 20).

*** يقول الرسول بطرس: «لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ» (أعمال الرسل 2: 39) ولا شك في أن الوعد بغفران الخطايا وعطية الروح القدس، مقدم للجميع وليس لهم ولأولادهم فقط، بل «لِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا» (أعمال الرسل 2: 39)، فلم يكن الموعد هو «المعمودية» بل الإيمان لنوال مغفرة الخطايا وعطية الروح القدس الذي به ختم المؤمنون إلى يوم الفداء (أفسس 1: 13، 4: 30).

**** أما الاستناد إلى ما جاء في 1كورنثوس 7: 14، بأن الأولاد «مقدسون» فلا تعني أنهم مؤمنون أو مخلصون، لأن الشريك غير المؤمن يقال عنه أيضاً إنه «مقدس» فهل معنى ذلك أن الرجل غير المؤمن أو الوثني الذي له زوجة مؤمنة، ويقال عنه إنه «مقدس في المرأة» له الحق في أن يعتمد دون أن يؤمن؟

(8) أما فيما يتعلق بمعمودية «أهل البيت»، فالدراسة الدقيقة المخلصة لكلمة الله في كل حالة، تؤيد أن المعمودية لا بد أن يسبقها الإيمان:

* ففي حالة سجان فيلبي، نقرأ أن بولس وسيلا «كَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.. وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ» (أعمال الرسل 16: 32 - 34). فكان الكلام لجميع من في بيته، لجميع من سمعوا الكلام ووعوه وقبلوه، حتى قيل أيضاً: «وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ».

** قيل عن ليدية إنها: «اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا» (أعمال الرسل 16: 15). ولا يُذكر من هم أهل بيتها بالتفصيل، ولكن قيل عنهم: «فَخَرَجَا (بولس وسيلا) مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ» (أعمال الرسل 16: 40).

*** يقول الرسول بولس إنه عمد «بيت استفانوس» (1كورنثوس 1: 16)، ثم يذكر في نهاية الرسالة «أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ، وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ، كَيْ تَخْضَعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ، وَكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيَتْعَبُ» ( 1كورنثوس 16: 15، 16) فهو يتكلم عن رجال ناضجين خادمين للقديسين ويتعبون في عمل الرب، وليس عن أطفال.

(9) إن معمودية الأطفال، والاعتقاد بالتجديد بالمعمودية، يقفان عقبة في طريق الكرازة بالإنجيل لأناس شبوا منذ نعومة أظفارهم «متجددين» و«أبناء لله» بينما الإيمان الشخصي هو السبيل الوحيد للخلاص ونوال الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16، 36 إلخ). فليس الإيمان بالمسيح شيئاً وراثياً، ولكنه عطية من الله بعمل الروح القدس (أفسس 2: 8، 1كورنثوس 12: 3)، «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ» (يوحنا 1: 12، 13).

ثانياً - كيفية إجراء المعمودية:

هناك ثلاثة آراء مختلفة حول كيفية إجراء المعمودية، وإن كانت الغالبية تقر أن الأصل هو المعمودية بالتغطيس، ويرجع هذا الاختلاف إلى استخدام كلمة «بابتو» (bapto) أو «بابتزو» (baptizo) ومشتقاتها في اليونانية. فهي في الكتابات اليونانية الكلاسيكية، تعني:

(1) يغمر أو يغطَّس.

(2) يغطي بالماء.

(3) يبلل تماماً.

(4) ينقع أو يصبغ.

والآراء الثلاثة هي:

(أ) المعمودية بالرش: ويستند أصحابها إلى الاعتبارات الآتية:

(1) كان الرش وسيلة للتطهير في كثير من الحالات في العهد القديم (خروج 24: 6 - 8، لاويين 14: 7، العدد 19: 9، 17). وقد وصفت هذه الحالات في الرسالة إلى العبرانيين (9: 10) «بغسلات» أو «معموديات» حيث تستخدم الكلمة اليونانية «بابتزامواس» (baptismois). كما يتكلم عن «رَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ» (عبرانيين 9: 13، انظر العدد 19: 9، 17 )، ورش كتاب العهد وجميع الشعب (عبرانيين 9: 19، انظر خروج 24: 6 - 8)، ويقولون إن هذه كلها كانت أمثلة للمعمودية.

(2) لا يوجد أمر صريح في العهد الجديد بإجراء المعمودية بالتغطيس وبخاصة في ضوء أن عدد الذين آمنوا في يوم الخمسين كان ثلاثة آلاف نفس، فكيف كان يمكن تعميدهم في داخل أورشليم بغير «الرش» في يوم واحد (أعمال الرسل 2: 41).

(3) قابل فيلبس الخصي الحبشي في الصحراء حيث لا تتوفر مياه إلا للرش (أعمال الرسل 8: 26).

(4) آمن سجان فيلبي في نصف الليل داخل السجن، فكيف كان يمكن تعميدة بغير الرش ؟ (أعمال الرسل 16: 25).

(5) إن كلمة «بابتزو» ومشتقاتها استخدمت أيضاً للدلالة على الغسل أو الاغتسال (انظر مثلاً مرقس 7: 4، لوقا 11: 38).

(6) إن استخدام الرش للمعمودية تأكيد على أن دم يسوع المسيح هو وحده الذي يطهر من الخطية، فهو بذلك أبلغ تعبير عن الإنجيل. فقد لا يستطيع الإنسان فهم تعليم الاتحاد بالمسيح في موته ودفنه وقيامته - رغم أنه حق كتابي عجيب - ومع ذلك لا يمنعه عدم الفهم هذا من الذهاب إلى السماء، ولكن لا يستطيع أحد أن يذهب إلى السماء إلا إذا آمن بأن دم يسوع المسيح يطهر من الخطية.

(ب) المعمودية بالسكب: ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن المعمودية ترمز إلى إنسكاب الروح القدس. فانسكاب الماء الطاهر على المعتمد، إنما يشير إلى انسكاب الروح القدس على المؤمن، ويقولون:

(1) إن يوحنا المعمدان قال «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى 3: 11)، فالمعمودية المسيحية يصاحبها انسكاب الروح القدس، الذي يُعبَّر عنه بسكب الماء.

(2) أوصى الرب يسوع نفسه أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا «مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال الرسل 1: 4 و5)، ويرون أن الرب يربط هنا بين المعمودية والامتلاء بالروح القدس. وإن كان بطرس قد ذكر أن انسكاب الروح القدس في يوم الخمسين، كان إتماماً لنبوة يوئيل (أعمال الرسل 2: 16 - 21)، إلا أنه قال للسامعين: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 2: 38).

(جـ) المعمودية بالتغطيس: يستند أصحاب هذا الرأي إلى:

(1) إن كلمة «بابتزو» (أي المعمودية) تعني الغمر أو الغمس أساساً، أما مفهوم السكب أو الغسل فمفهوم ثانوي للكلمة اليونانية.

وتستخدم الكلمة اليونانية «بابتزو» (baptizo) في الترجمة السبعينية للعهد القديم، لتؤدي معنى التغطيس كما في حالة نعمان السرياني الذي أمره أليشع النبي أن يغتسل سبع مرات، «فَنَزَلَ وَغَطَسَ فِي الأُرْدُنِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ» (2ملوك 5: 10، 14)، وكذلك «غمس» الكاهن أصبعه في الدم (لاويين 4: 17)، وانغماس أرجل الكهنة في مياه الأردن (يشوع 3: 15)، وغمس يوناثان طرف النشابة في قطر العسل (1صموئيل 14: 27)، وصبغ الرِجل بالدم (مزمور 68: 23).

(2) في كثير من المواضع في كلمة الله، ترتبط المعمودية بالنزول إلى الماء والصعود منه، مما يعني أنه تمت بالتغطيس (انظر متّى 3: 16، مرقس 1: 8 - 10، أعمال الرسل 8: 38).

(3) كان تعميد الدخلاء في فترة ما بين العهدين القديم والجديد، يتم بالتغطيس كما تدل على ذلك مخطوطات قمران، وقد سار على نهجهم يوحنا المعمدان الذي كان يعمد في نهر الأردن، «فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ» (يوحنا 3: 23). ويؤيد ذلك ما جاء عن معمودية الرب يسوع من يوحنا حيث نقرأعن صعوده من الماء (متّى 3: 16، مرقس 1: 10).

(4) يقول الرب يسوع: «لِي صِبْغَةٌ (معمودية - baptizo) أَصْطَبِغُهَا (أعتمد بها)، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟» (لوقا 12: 50) في إشارة إلى موته على الصليب (انظر أيضاً مرقس 10: 38، 39، متّى 20: 22، 23).

(5) يعلمنا العهد الجديد أن المعمودية تعبير عن الاتحاد مع المسيح في موته ودفنه وقيامته (رومية 6: 3 - 5)، والتغطيس وحده هو الذي يمكن أن يعبر عن الموت والدفن (انظر أيضاً كولوسي 2: 12).

(6) إن معمودية المؤمن بالتغطيس فيها شهادة قوية لموت المسيح الكفاري وقيامته بالجسد، فهي صورة حية مؤثرة للإنجيل، كما أنها تتيح للمؤمن المتعمد الاعتراف علناً بإيمانه بالمسيح واتحاده به.

معمودية الروح القدس

أولاً - الأساس الكتابي:

ترجع عبارة «معمودية الروح القدس» إلى ما جاء في الأناجيل الأربعة عن قول يوحنا المعمدان: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى 3: 11 - انظر أيضاً مرقس 1: 8، لوقا 3: 16، يوحنا 1: 33). كما نقرأ في إنجيل يوحنا: «وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قِائِلاً: إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا 7: 37 - 39).

في عشية يوم القيامة - بعد أن أظهر الرب نفسه لتلاميذه - قال لهم: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» (يوحنا 20: 21 و22). والأرجح أن هذا لم يكن مجرد عمل رمزي، بل كان عربوناً لعطية الروح القدس الذي كان سيحل عليهم بقوة.

وقد أوصى الرب تلاميذه - بعد قيامته من بين الأموات، وقبيل صعوده إلى السماء: «أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال الرسل 1: 4، 5). ثم قال لهم: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أعمال الرسل 1: 8).

وقد تحقق هذا الوعد في يوم الخمسين، عندما كان الجميع معاً بنفس واحدة، «وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال الرسل 2: 1 - 4). وقد أوضح بطرس أن هذا ما قيل بيوئيل النبي (أعمال الرسل 2: 16، 17).

وفي الأصحاح العاشر من سفر أعمال الرسل، وبينما كان بطرس يكرز بالإنجيل للمجتمعين في بيت كرنيليوس في قيصرية، «حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ... لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضًا» (أعمال الرسل 10: 44، 45). وأخبر الرسول بولس بذلك الكنيسة في أورشليم قائلاً: «فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ. فَتَذَكَّرْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 11: 15، 16).

ثانياً - أهمية معمودية الروح القدس:

(1) من وجهة نظر العهد القديم: إن نبوة يوئيل التي اقتبسها الرسول بطرس، تدل على حدوث أمر خارق للعادة، إذ يحل الروح القدس بصورة جديدة وبقوة جديدة وعلى العديد من الفئات من البشر.

كان الروح القدس - في العهد القديم - يحل على أفراد، أما في يوم الخمسين، فقد حل الروح القدس على كل فرد في التلاميذ - الكنيسة - كما أن الروح القدس حل عليهم ليمكث فيهم بصفة دائمة تحقيقاً لموعد الرب (يوحنا 14: 16، 17)، بينما كان الروح القدس - في العهد القديم - يحل على الشخص حلولاً وقتياً لغرض معين. كما أن الروح القدس حل على التلاميذ بملئه إذ «امْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 2: 4)

(2) في أقوال الرب المقام: أمر الرب تلاميذه قائلاً: «فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لوقا 24: 49). وفي حديثه الأخير في العلية تكلم عن المعزي «الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26). كما قال لهم: «مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ... وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ» (يوحنا 16: 13).

وكان من المناسب أن الروح الذي يرشدهم إلى جميع الحق، يأتي في ملئه، بعد - وليس قبل - أن يتمم المسيح عمل الفداء، ويصعد إلى مجده. فالروح القدس الآن يأخذ مما للمسيح ويخبر التلاميذ. وهكذا فإن معمودية الروح القدس في يوم الخمسين، هي الحادثة التاريخية العظيمة التي بدأ بها عصر جديد، وبدأ التلاميذ الكرازة بالإنجيل بقوة الروح القدس.

(3) بالنسبة للكنيسة: لقد سبق أن تكلم الرب بأنه سيبني كنيسته (متّى 16: 18). ولكن لم تبدأ الكنيسة حقيقة إلا بحلول الروح القدس في يوم الخمسين، فهو يوم ميلاد الكنيسة. فالروح القدس هو الذي يربط الكنيسة في وحدة روحية واحدة، ليجعل منها جسداً واحداً للمسيح (1كورنثوس 12: 13)، بقوة الروح القدس تقوم رسالتها الروحية في العالم، فالروح القدس هو الذي يمنح المواهب المختلفة لكل واحد بمفرده كما يشاء (1كورنثوس 12: 4، 11) لتكميل القديسين وبنيان جسد المسيح (أفسس 4: 12). كما أنه هو الذي يقدس المؤمنين (1بطرس 1: 2).

ثالثاً - معمودية الروح القدس حدثت مرة واحدة:

يتساءل البعض: هل معمودية الروح القدس حدثت مرة واحدة أم أنها تتكرر بين وقت وآخر ؟ إن القرائن كلها تدل على أنه حادث لن يتكرر، وإن كان قد تم على مرحلتين: الأولى في يوم الخمسين على تلاميذ من إليهود أمام مشهد من جمع كبير من شعوب كثيرين. والثانية في بيت كرنيليوس على تلاميذ من الأمم، وهكذا «نَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ» وجعل من الاثنين – في نفسه – «إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا» (أفسس 2: 14، 15). كما تدل على ذلك القرائن الآتية: -

(1) في الأصحاح الأول من سفر أعمال الرسل، قال الرب للتلاميذ أنهم «سيعمَّدون بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال الرسل 1: 5)، وهذا معناه أن ذلك سيكون حادثأً معيناً في زمن محدد.

(2) إن قول الرسول بطرس بأن ذلك كان إتماماً لنبوة يوئيل (أعمال الرسل 2: 17 - 21)، يدل على أن بطرس رأى فيما حدث أمام سامعيه، إتماماً محدداً لنبوة يوئيل.

(3) إنه لم يُذكر إلا عن حادثة أخرى وحيدة أنها معمودية بالروح القدس، كانت التكملة لما حدث في يوم الخمسين كما سبق التنويه (أعمال الرسل 10: 44 - 48، 11: 15 - 17)، إذ نجد:

(أ) الرؤية العجيبة التي رآها بطرس وهو على سطح البيت في يافا (أعمال الرسل 10: 11 - 16)، مما يدل على أن ما سيحدث بعد ذلك امر بالغ الأهمية.

(ب) التكلم بألسنة (10: 45 و46).

(جـ) يعلن بطرس للكنيسة في أورشليم أن الروح القدس حل على الأمم - كرنيليوس وأهل بيته - «كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ» (أعمال الرسل 11: 15).

(د) يصرِّح بطرس أن ذلك كان إتماماً لوعد الرب بأنهم «سيعمَّدون بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 11: 16 و17).

(هـ) اعترف المؤمنون من إليهود الذين سمعوا كلام بطرس، بأن ذلك كان دليلاً على أن الله أعطى «الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!» (أعمال الرسل 11: 18).

وهكذا نرى أن المعمودية بالروح القدس التي حدثت في بيت كرنيليوس ترتبط ارتباطاً مباشراً وثيقاً بانسكاب الروح في يوم الخمسين، وقد فتحت باب الإنجيل للأمم، مما يجعلها في تناسق كامل مع ما حدث في يوم الخمسين، فقد كانت نقطة فاصلة أثبتت أن الأمم وإليهود صاروا شركاء في بركات العهد الجديد.

(4) لا نجد في كل الرسائل شيئاً عن تكرار المعمودية بالروح القدس، ولا شك في أن ذلك أمراً بالغ العجب، لو أن الرسل عرفوا أن المعمودية بالروح القدس يمكن أن تتكرر، دون أن يذكروا أو يلمحوا إلى شيء من ذلك. ويقول الرسول بطرس: «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ... وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا» (1كورنثوس 12: 13)، فهو يعتبر أن ذلك قد تم فعلاً في الماضي ولن يتكرر. ومن هنا نرى أن المعمودية بالروح القدس في يوم الخمسين بالارتباط مع المعمودية بالروح القدس في حالة كرنيليوس التي كانت استكمالاً للمعمودية بالروح القدس حسب تعليم العهد الجديد، هي معمودية واحدة تمت على مرحلتين، هي عطية الروح القدس في ملئه، مانحاً لكل البركات الروحية اللازمة لبنيان الكنيسة، فهي عطية دائمة من الله لشعبه. ففي كل رسائل العهد الجديد، نجد من الواضح افتراض وجود الروح وعمله، في كل المؤمنين. فكل الأوامر والتحريضات الموجودة في الرسائل، تقوم على أساس افتراض أن المعمودية بالروح القدس قد تمت فعلاً، بناء على وعد الرب يسوع المسيح لتلاميذه، جاء الروح القدس ليمكث معهم ويكون فيهم إلى الأبد (يوحنا 14: 16، 17).

فيجب ألا نخلط بين بعض التحريضات الواردة في العهد الجديد والمعمودية بالروح القدس. فعندما يُطلب من المؤمنين أن: «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ» (غلاطية 5: 16)، وأن «امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أفسس 5: 18)، أو عندما يقال عن «الروح» إنه «مسحة» (كما في 1يوحنا 2: 20 - 27)، و«عربون الميراث» (أفسس 1: 14)، وغيرها من التعبيرات المشابهة في رسائل العهد الجديد، فيجب ألا نفهم من ذلك أن المقصود هو «المعمودية بالروح» فهي تعبيرات عن جوانب من عمل الروح في المؤمنين، أو عن استخدام المؤمن لمواهب الروح القدس، وليس عن المعمودية التاريخية بالروح القدس.

رابعاً - العلاقة بين المعمودية بالروح القدس وغيرها من المعموديات:

هناك ثلاث نقاط ختامية يلزم الالتفات إليها، وهي العلاقة بين المعمودية بالروح القدس، والمعمودية بالنار، والمعمودية بالماء، ووضع الأيدي.

(1) نلاحظ أن المعمودية بالنار ترتبط بالمعمودية بالروح في كلام يوحنا المعمدان عن المسيح الذي «سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى 3: 11، لوقا 3: 16). وهناك من يظن أن المعمودية بالروح القدس والمعمودية بالنار مترادفان، ولكن سياق الكلام في كل من إنجيلي متّى ولوقا يدل على مفهوم آخر، فسيكون عمل المسيح عملاً مزدوجاً، هو التطهير والتدمير. فضمير جمع المخاطب في «سيعمِّدكم» في حديث يوحنا المعمدان، يرجع إلى جميع من كان يخاطبهم وفيهم من سيؤمن بالمسيح، ومن لن يؤمن به، ولكن عمل المسيح سيشمل جميع الناس، فسيتجدد البعض بالإيمان به وتتنقى حياتهم بعمل الروح القدس، وحيث يقول: «الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» (متّى 3: 12، لوقا 3: 17). فالذين يؤمنون ينقيهم ثم يأخذهم إلى مجده. أما الذين لا يؤمنون فسيكون نصيبهم الدينونة بالنار الأبدية.

(2) إن المعمودية بالروح القدس لا تلغي المعمودية بالماء، وهو أمر واضح جداً في كل الأحداث المسجلة في سفر أعمال الرسل حيث نجد إجراء المعمودية بالماء يتم دائماً للمؤمنين بعد المعمودية بالروح القدس، وشهادة على ذلك. كما أن ذلك واضح في الإشارات المختلفة للمعمودية بالماء في الرسائل حتى إنه لا حاجة بنا إلى تناول ذلك بالتفصيل (انظر رومية 6: 3، 1كورنثوس 1: 14، 17، 10: 2، 12: 13، 15: 29، غلاطية 3: 27، أفسس 4: 5، كولوسي 2: 12، 1بطرس 3: 21).

(3) نجد في رسائل أعمال الرسل (8: 17، 19: 6) أن الروح القدس حل على المؤمنين بعد وضع أيدي الرسل عليهم (في السامرة وفي أفسس)، ولكن يجب ألا يظن أن هذه كانت نوعاً من المعمودية بالروح - بمعناها الدقيق - بل هي حالات استقبال المؤمنين للروح القدس الذي أعطى في ملئه في يوم الخمسين، ويُختم به كل من يؤمن بالرب يسوع (انظر أفسس 1: 13، 4: 30).

المعمودية بالنار

يصرح يوحنا المعمدان بالقول: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» (متّى 3: 11، 12، لوقا 3: 16، 17). فالمعمودية بالنار - إذا - هي الدينونة الرهيبة التي ستقع على غير المؤمنين في اليوم الأخير (انظر متّى 13: 30، 41 - 51، 25: 41، 46)، كما يذكر ملاخي النبي عن يوم مجئ الرب الذي سيكون «مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ» (ملاخي 3: 2 و3).

كما يقول الرب نفسه: «لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ» (مرقس 9: 49). ويبدو أن هذا ينطبق على الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين، مع هذا الفارق الكبير، وهو أن المؤمن يدرك أنه في الواقع مذنب يستحق الدينونة لولا أن تداركته نعمة الله، فأخذ الرب يسوع مكانه واحتمل نيران العدل الإلهي نيابة عنه، ولذلك فهو «لاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ» (يوحنا 5: 24)، إذ احتملها الرب يسوع نيابة عنه، وهو مستعد أن يعمل فيه روح القداسة ليحرق كل شائبة في حياته، لأن «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ» (عبرانيين 12: 29). وعلى الجانب الآخر، سيعرف غير المؤمن قسوة «نَارٍ لاَ تُطْفَأُ»، «النَّارِ الأَبَدِيَّةِ»، في «بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ» (متّى 3: 12، 25: 41، رؤيا 20: 10، 15).

المعمودية من أجل الأموات

يكتب الرسول بولس إلى الكورنثيين، في إثباته لحقيقة قيامة الأجساد: «وَإِلاَّ فَمَاذَا يَصْنَعُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ الْبَتَّةَ، فَلِمَاذَا يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ؟ وَلِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ؟» (1كورنثوس 15: 29 و30).

وقد تشعبت الآراء حول تفسير هذه العبارات منذ العصور الأولى، وقد لا يوجد إلا القليل جداً من الآيات التي تماثل هذه في صعوبة التفسير واختلف الآراء حولها اختلافاً شاسعاً.

(أ) وسنذكر هنا مجموعة من أهم الآراء:

(1) كانت هذه المعمودية بالنيابة من أجل من ماتوا قبل أن يعتمدوا، وهو ما قال به ترتليان، والذي ذكر أن أتباع «ماركيون» الهرطوقي كانوا يمارسون هذه المعمودية. كما يذكر إبيفانيوس أن «الكرنثيين» (أتباع كرنثوس الهرطوقي) هم الذين كانوا يمارسون هذه المعمودية، ولكن لم يكن المؤمنون يمارسونها.

(2) قال يوحنا فم الذهب إنها تعني معمودية المؤمن من أجل جسده المائت ليبِّين أنه يؤمن أنه سيقوم بالجسد ثانية.

(3) المعمودية من أجل الأموات، أي لضمان اتحاده - بعد موته - مع أقربائه المؤمنين الذين رقدوا قبلاً.

(4) إن هذه المعمودية تتم، بسبب حياة الشهداء المسيحيين، قبل استشهادهم من أجل الإيمان الذي كان السبب في تغيير حياة هؤلاء الذين يعتمدون.

(5) إنهم كانوا يعتمدون لأخذ مكان من ماتوا، لتكميل عدد المؤمنين، ولعل ذلك كان للتعجيل بمجيء الرب ثانية بالعمل على إتمام شرط من شروط هذا المجئ.

(6) يقول البعض إنها كانت «معمودية فوق الأموات» (وهي ترجمة أخرى يرون أن اللغة اليونانية تحتملها عوضاً عن عبارة «من أجل الأموات») أي إجراء المعمودية فوق قبورهم، للتعبير عن تضامنهم معهم.

(7) إنها تعني الاغتسال الطقسي من النجاسة بسبب ملامستهم لجسد ميت.

(8) إنها تعني مجازياً الصلاة من أجل الأموات، كما أن كلمة «ذبيحة» تستخدم مجازياً للتعبير عن الصلاة في العهد الجديد.

(9) المعمودية لغسل الخطايا المميتة.

(ب) أهم النقاط التي تجب مراعاتها في تفسير هذه العبارة:

(1) السياق العام إذ يجب أن يكون الكلام مؤيداً لقيامة الأموات.

(2) الارتباط في الفكر بين العددين 29، 30، فهما إمَّا حجتان منفصلتان، أو هما جزءان من حجة واحدة.

(3) التوافق بين أي تفسير لها وبين الفكر الرسولي والممارسات الرسولية.

(4) مراعاة التركيب النحوي في العبارة «من أجل الأموات»، فالتفسير السادس أعلاه يشترط في تفسير حرف الجر والاسم أيضاً.

(جـ) الخلاصة:

إن هذه القضية من القضايا التي يصعب الجزم برأي قاطع فيها، فبعض التفاسير المذكورة أعلاه يبدو فيها الاعتساف في فهم العبارة اليونانية، فمثلاً نجد أن التفسير الثاني من أكثرها قبولاً إذ لا تعترضه صعوبات لاهوتية، ولكن يشوبه ضعف في تفسير التركيب النحوي للعبارة. ويدافع البعض (وبخاصة إرمياس ورايدر) عن التفسير الثالث، ولكن يبدو أن التفسير الأول هو أقربها إلى المنطق، وبخاصة – كما سبق القول - أن أتباع ماركيون الهرطوقي كانوا يمارسون المعمودية بالنيابة، ربما نتيجة إساءة فهمهم لقول الرسول بولس لم يكن يبدي موافقته على هذه الممارسة، ولكنه كان يريد أن يبرز التناقض في موقف من يمارسون «المعمودية من أجل الأموات» وفي نفس الوقت ينكرون القيامة. وليس في إبرازه لهذا التناقض أي تلميح إلى موافقته عليها.

معمودية يوحنا

لُقبِّ يوحنا «بالمعمدان» لأنه جاء «يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلاً: تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ» (متّى 3: 1، 2)، فكانت معموديته أساساً «معمودية للتوبة» (متّى 3: 11، مرقس 1: 4، لوقا 3: 3، أعمال الرسل 13: 24، 19: 4)، فكان من يعتمدون من يوحنا يعترفون بخطاياهم ويعبرون عن توبتهم لمغفرة الخطايا (متّى 3: 6، مرقس 1: 5).

وقد «جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ. حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متّى 3: 13 - 17، مرقس 1: 9 - 11، لوقا 3: 21، 22).

وعندما «نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!.. أَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ. وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ (إله) قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ» (يوحنا 1: 29 - 34).

ويجد بعض المسيحيين - منذ العصور الأولي - صعوبة في معمودية الرب يسوع من يوحنا المعمدان، ولكنها كانت - على الأقل - تعبيراً من المسيح عن تكريسة الكامل لمشيئة الله، وكذلك تعبيراً عن تنازله ليجعل من نفسه واحداً مع شعبه أمام الله. وحالما صعد يسوع من الماء، ونزل روح الله في هيئة منظورة، مثل حمامة، واستقر عليه «وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متّى 3: 16، 17).