العودة الى الصفحة السابقة
ما هي معمودية الروح القدس؟

ما هي معمودية الروح القدس؟

سلسلة لكل سؤال جواب


أولاً - الأساس الكتابي:

ترجع عبارة «معمودية الروح القدس» إلى ما جاء في الأناجيل الأربعة عن قول يوحنا المعمدان: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى 3: 11 انظر أيضاً مرقس 1: 8، لوقا 3: 16، يوحنا 1: 33). كما نقرأ في إنجيل يوحنا: «وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى قِائِلاً: إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا 7: 37-39).

وفي عشية يوم القيامة - بعد أن أظهر الرب نفسه لتلاميذه - قال لهم: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» (يوحنا 20: 21 و22). والأرجح أن هذا لم يكن مجرد عمل رمزي، بل كان عربوناً لعطية الروح القدس الذي كان سيحل عليهم بقوة.

وقد أوصى الرب تلاميذه - بعد قيامته من بين الأموات، وقبيل صعوده إلى السماء: «أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، لأَنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال الرسل 1: 4، 5). ثم قال لهم: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أعمال الرسل 1: 8).

وقد تحقق هذا الوعد في يوم الخمسين، عندما كان الجميع معاً بنفس واحدة، «وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ» (أعمال الرسل 2: 2).

«وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال الرسل 2: 3 و4). وقد أوضح بطرس أن هذا ما قيل بيوئيل النبي (أعمال الرسل 2: 16 و17).

وفي الأصحاح العاشر من سفر أعمال الرسل، وبينما كان بطرس يكرز بالإنجيل للمجتمعين في بيت كرنيليوس في قيصرية، «حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ... لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضًاً» (أعمال الرسل 10: 44، 45). وأخبر الرسول بولس بذلك الكنيسة في أورشليم قائلاً: «فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ. فَتَذَكَّرْتُ كَلاَمَ الرَّبِّ كَيْفَ قَالَ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَاءٍ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَسَتُعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 11: 15، 16).

ثانياً - أهمية معمودية الروح القدس:

(1) من وجهة نظر العهد القديم: إن نبوة يوئيل التي اقتبسها الرسول بطرس ، تدل على حدوث أمر خارق للعادة ، إذ يحل الروح القدس بصورة جديدة وبقوة جديدة وعلى العديد من الفئات من البشر.

كان الروح القدس - في العهد القديم - يحل على أفراد، أما في يوم الخمسين، فقد حل الروح القدس على كل فرد في التلاميذ - الكنيسة - كما أن الروح القدس حل عليهم ليمكث فيهم بصفة دائمة تحقيقاً لموعد الرب (يوحنا 14: 16 و17)، بينما كان الروح القدس - في العهد القديم - يحل على الشخص حلولاً وقتياً لغرض معين. كما أن الروح القدس حل على التلاميذ بملئه إذ «امْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل 2: 4).

(2) في أقوال الرب المقام: أمر الرب تلاميذه قائلاً: «فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لوقا 24: 49). وفي حديثه الأخير في العلية تكلم عن المعزي «الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ... فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26). كما قال لهم: «مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ.. وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ» (يوحنا 16: 13).

وكان من المناسب أن الروح الذي يرشدهم إلى جميع الحق، يأتي في ملئه، بعد - وليس قبل - أن يتمم المسيح عمل الفداء، ويصعد إلى مجده. فالروح القدس الآن يأخذ مما للمسيح ويخبر التلاميذ. وهكذا فإن معمودية الروح القدس في يوم الخمسين، هي الحادثة التاريخية العظيمة التي بدأ بها عصر جديد، وبدأ التلاميذ الكرازة بالإنجيل بقوة الروح القدس.

(3) بالنسبة للكنيسة: لقد سبق أن تكلم الرب بأنه سيبني كنيسته (متّى 16: 18). ولكن لم تبدأ الكنيسة حقيقة إلا بحلول الروح القدس في يوم الخمسين، فهو يوم ميلاد الكنيسة. فالروح القدس هو الذي يربط الكنيسة في وحدة روحية واحدة، ليجعل منها جسداً واحداً للمسيح (1كورنثوس 12: 13)، بقوة الروح القدس تقوم رسالتها الروحية في العالم، فالروح القدس هو الذي يمنح المواهب المختلفة لكل واحد بمفرده كما يشاء (1كورنثوس 12: 4، 11) لتكميل القديسين وبنيان جسد المسيح (أفسس 4: 12). كما أنه هو الذي يقدس المؤمنين (1بطرس 1: 2).

ثالثاً - معمودية الروح القدس حدثت مرة واحدة:

يتساءل البعض: هل معمودية الروح القدس حدثت مرة واحدة أم أنها تتكرر بين وقت وآخر؟ إن القرائن كلها تدل على أنه حادث لن يتكرر، وإن كان قد تم على مرحلتين: الأولى في يوم الخمسين على تلاميذ من اليهود أمام مشهد من جمع كبير من شعوب كثيرين. والثانية في بيت كرنيليوس على تلاميذ من الأمم، وهكذا «نَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ» وجعل من الاثنين - في نفسه - «إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًاً» (أفسس 2: 14، 15). كما تدل على ذلك القرائن الآتية:

(1) في الأصحاح الأول من سفر أعمال الرسل، قال الرب للتلاميذ أنهم سيعمَّدون «بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» (أعمال الرسل 1: 5)، وهذا معناه أن ذلك سيكون حادثاً معيناً في زمن محدد.

(2) إن قول الرسول بطرس بأن ذلك كان إتماماً لنبوة يوئيل (أعمال الرسل 2: 17-21) ، يدل على أن بطرس رأى فيما حدث أمام سامعيه، إتماماً محدداً لنبوة يوئيل.

(3) إنه لم يُذكر إلا عن حادثة أخرى وحيدة أنها معمودية بالروح القدس، كانت التكملة لما حدث في يوم الخمسين كما سبق التنويه (أعمال الرسل 10: 44-48، 11: 15-17)، إذ نجد:

- الرؤية العجيبة التي رآها بطرس وهو على سطح البيت في يافا (أعمال الرسل 10: 11-16) ، مما يدل على أن ما سيحدث بعد ذلك أمر بالغ الأهمية.

- التكلم بألسنة (أعمال الرسل 10: 45 و46).

- يعلن بطرس للكنيسة في أورشليم أن الروح القدس حل على الأمم - كرنيليوس وأهل بيته - «كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ» (أعمال الرسل 11: 15).

- يصرِّح بطرس أن ذلك كان إتماماً لوعد الرب بأنهم سيعمدون بالروح القدس (أعمال الرسل 11: 16 و17).

- اعترف المؤمنون من اليهود الذين سمعوا كلام بطرس، بأن ذلك كان دليلاً على أن الله أعطى «الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!» (أعمال الرسل 11: 18).

وهكذا نرى أن المعمودية بالروح القدس التي حدثت في بيت كرنيليوس ترتبط ارتباطاً مباشراً وثيقاً بانسكاب الروح في يوم الخمسين، وقد فتحت باب الإنجيل للأمم، مما يجعلها في تناسق كامل مع ما حدث في يوم الخمسين، فقد كانت نقطة فاصلة أثبتت أن الأمم واليهود صاروا شركاء في بركات العهد الجديد.

(4) لا نجد في كل الرسائل شيئاً عن تكرار المعمودية بالروح القدس، ولا شك في أن ذلك أمراً بالغ العجب، لو أن الرسل عرفوا أن المعمودية بالروح القدس يمكن أن تتكرر، دون أن يذكروا أو يلمحوا إلى شيء من ذلك. ويقول الرسول بطرس: «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ... وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا» (1كورنثوس 12: 13)، فهو يعتبر أن ذلك قد تم فعلاً في الماضي ولن يتكرر. ومن هنا نرى أن المعمودية بالروح القدس في يوم الخمسين بالارتباط مع المعمودية بالروح القدس في حالة كرنيليوس التي كانت استكمالاً للمعمودية بالروح القدس حسب تعليم العهد الجديد، هي معمودية واحدة تمت على مرحلتين، هي عطية الروح القدس في ملئه، مانحاً لكل البركات الروحية اللازمة لبنيان الكنيسة، فهي عطية دائمة من الله لشعبه. ففي كل رسائل العهد الجديد، نجد من الواضح افتراض وجود الروح وعمله، في كل المؤمنين. فكل الأوامر والتحريضات الموجودة في الرسائل، تقوم على أساس افتراض أن المعمودية بالروح القدس قد تمت فعلاً، بناء على وعد الرب يسوع المسيح لتلاميذه، جاء الروح القدس ليمكث معهم ويكون فيهم إلى الأبد (يوحنا 14: 16، 17).

فيجب ألا نخلط بين بعض التحريضات الواردة في العهد الجديد والمعمودية بالروح القدس. فعندما يُطلب من المؤمنين أن: «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ» (غلاطية 5: 16)، وأن «امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أفسس 5: 18)، أو عندما يقال عن «الروح» إنه «مسحة» (كما في 1يوحنا 2: 20-27)، و«عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا» (أفسس 1: 14)، وغيرها من التعبيرات المشابهة في رسائل العهد الجديد، فيجب ألا نفهم من ذلك أن المقصود هو «المعمودية بالروح» فهي تعبيرات عن جوانب من عمل الروح في المؤمنين، أو عن استخدام المؤمن لمواهب الروح القدس، وليس عن المعمودية التاريخية بالروح القدس.

رابعاً - العلاقة بين المعمودية بالروح القدس وغيرها من المعموديات:

هناك ثلاث نقاط ختامية يلزم الالتفات إليها، وهي العلاقة بين المعمودية بالروح القدس، والمعمودية بالنار، والمعمودية بالماء، ووضع الأيدي.

(1) نلاحظ أن المعمودية بالنار ترتبط بالمعمودية بالروح في كلام يوحنا المعمدان عن المسيح الذي «سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ» (متّى 3: 11، لوقا 3: 16). وهناك من يظن أن المعمودية بالروح القدس والمعمودية بالنار مترادفان، ولكن سياق الكلام في كل من إنجيلي متّى ولوقا يدل على مفهوم آخر، فسيكون عمل المسيح عملاً مزدوجاً، هو التطهير والتدمير. فضمير جمع المخاطب في «سَيُعَمِّدُكُمْ» في حديث يوحنا المعمدان، يرجع إلى جميع من كان يخاطبهم وفيهم من سيؤمن بالمسيح، ومن لن يؤمن به، ولكن عمل المسيح سيشمل جميع الناس، فسيتجدد البعض بالإيمان به وتتنقى حياتهم بعمل الروح القدس، وحيث يقول: «الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» (متّى 3: 12، لوقا 3: 17). فالذين يؤمنون ينقيهم ثم يأخذهم إلى مجده. أما الذين لا يؤمنون فسيكون نصيبهم الدينونة بالنار الأبدية.

(2) إن المعمودية بالروح القدس لا تلغي المعمودية بالماء، وهو أمر واضح جداً في كل الأحداث المسجلة في سفر أعمال الرسل حيث نجد إجراء المعمودية بالماء يتم دائماً للمؤمنين بعد المعمودية بالروح القدس، وشهادة على ذلك. كما أن ذلك واضح في الإشارات المختلفة للمعمودية بالماء في الرسائل حتى إنه لا حاجة بنا إلى تناول ذلك بالتفصيل (انظر رومية 6: 3، 1كورنثوس 1: 14، 17، 10: 2، 12: 13، 15: 29، غلاطية 27، أفسس 4: 5، كولوسي 2: 12، 1بطرس 3: 21).

نجد في رسائل أعمال الرسل (8: 17، 19: 6) أن الروح القدس حل على المؤمنين بعد وضع أيدي الرسل عليهم (في السامرة وفي أفسس)، ولكن يجب ألا يظن أن هذه كانت نوعاً من المعمودية بالروح - بمعناها الدقيق - بل هي حالات استقبال المؤمنين للروح القدس الذي أعطى في ملئه في يوم الخمسين، ويُختم به كل من يؤمن بالرب يسوع (انظر أفسس 1: 13، 4: 30). (أخذ هذا الموضوع عن دائرة المعارف الكتابية).