العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

الوجود


انّ أسلوب السؤال يعد من أفضل أساليب التعليم. فالمعلم يسأل والتلميذ يجيب، أو التلميذ يسأل والمعلم يجيب.

هناك أسئلة حياتية وجودية ينبغي على كل امرء التأمل فيها. على سبيل المثال: من أين أتيت؟ ولماذا أنا موجود؟ وأين ينتهي مصيري؟ الى ما هنالك من أسئلة شبيهة متعددة.

والكتاب المقدس يتبنّى هذا الأسلوب الناجع، إِذ يطرح أسئلة عديدة تتناول المسائل الخطيرة في حياة الفرد. ويمكننا أن نصنّفها الى ثلاثة أصناف. أولاً: أسئلة يوجّهها الله الى الإِنسان، ثانيا: أسئلة تتصارع في ذهن الإِنسان الذي يحاول أن يصل الى حلّ لها، ثالثاً: أسئلة يطرحها الإِنسان على خالقه.

ليس كل سؤال يثير الشك والتساؤل في عقل الإِنسان، بل أنّ هناك أسئلة تتطلّب أجوبة جلية وحاسمة، كمن يطلب المعرفة في العلوم ويفتش عنها بغيرة واجتهاد.

نعود الى التصنيف الأول: الله يسأل الإِنسان: «أين أنت يا آدم؟». ونجد هذا السؤال في الكتاب المقدس في سفر التكوين ﴿3 :9﴾. وعليك أيها الإِنسان أن تضع اسمك مكان اسم آدم عندما كان الله يسأل عنه قائلاً: «أين أنت؟» هل تتّجه نحو الله أو أنك تتهرّب منه وتنغمس في ملذات العالم وشروره؟ أو أنك تتناسى مسؤوليتك تجاه الخالق وتبتعد عنه؟

التصنيف الثاني: سؤال الإِنسان لنفسه: «من هو الإِنسان؟». وهذا السؤال ذكره النبي داود وهو يتأمل في عظمة الاله ودناءة الإِنسان. فكيف تردّ على هذا السؤال؟

كان الفيلسوف الالماني «شوبنهور» جالساً مرة على مقعد في حديقة يتأمل في مشاكل الحياة ويتساءل: «من أنا؟ لا أدري». فهناك أجوبة متنوعة تتبادر الى أذهان المفكرين، مثلاً: الإِنسان حيوان ناطق. الإِنسان آلة عجيبة معقدة. ولكن هل تكتفي بهذه الأجوبة وتطمئن إِليها نفسك؟ بالتأكيد لا.

نجد في الكتاب المقدس أفضل جواب على هذا السؤال: «خلق الله الإِنسان على صورته». إِلا أنّ الإِنسان شوّه تلك الصورة البديعة وضلّ عن طريق السّماء.

التصنيف الثالث: سؤال يوجّهه الإِنسان الى ربه. جاء مرة شاب الى يسوع وسأله: «أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟». كان هذا الشاب وجيهاً ثرياً، يتوقع النجاح في مستقبله. ولكنه لم يطمئن الى ما حصل عليه وما كان يرجوه. ماذا ينتفع الإِنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ كان الشاب الوجيه قد سأل نفسه مراراً: «ما هو مصيري الأبدي؟ الى أين أنا ذاهب بعد الموت؟» لم يكتف بالأجوبة التقليدية التي ورثها عن علماء دينه وفقهاء شريعته، بل ألحّ وسعى لإِيجاد جواب أكيد تطمئن لها نفسه. فكان جواب المعلم الالهي الصالح: «تعال اتبعني». وهذا القول نفسه بصيغة الأمر موجّه لك أيها الأخ العزيز: «تعال واتبع المسيح».

إِلا أنّ السؤال الذي أريد أن أنبّر عليه يختص بوجود الله وشعور البشر بحضوره المستمر. لقد كتب الرسول يعقوب: «أنت تؤمن أنّ الله واحد. حسناً تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون» ﴿يعقوب 2: 19﴾. وهذا يعني أنّ مجرد التصديق بوحدانية الله غير مرضي عند الله، فالشيطان ذاته يصدّق ويرتعش.

والله يخاطبنا على فم نبيه ويسأل: «ألعلي إِله من قريب يقول الرب ولست إِلهاً من بعيد؟ اذا اختبأ إِنسان في أماكن مستترة فما أراه أنا يقول الرب؟ أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب؟» ﴿ارميا 23: 23-24﴾.فماذا تفكر يا أخي؟ هل الرب قريب بالنسبة لك وهل تشعر بهذا القرب؟

روى أحدهم حادثة بغية توضيح هذه المسألة قائلاً: «كنت جالساً في غرفتي أتكلم مع اثنين ولا أراهما، أحدهما بعيد والآخر قريب». ثم فسرّ المتكلم إِيضاحه بقوله: «كنت أتكلم مع زميلي بالهاتف وهو في مدينة تبعد 300 ميلاً عن مدينتي. وكنت أتكلم أيضاً مع إِلهي في الصلاة وهو حسب قول الشاعر أقرب من يدي ورجلي. فمعجزة الصلاة أعظم جداً مما نفكر».

نقرأ في الكتاب المقدس أن المسيح هو شمس البر الذي أشرق على عالمنا ولا يزال يشرق في حياة الذين يطلبونه بإِيمان وإِخلاص. وصرّح هو عن نفسه «أنا هو نور العالم» ﴿يوحنا8: 12﴾.

تبعد الشمس عن أرضنا مسافة هائلة، إِلا أنّه بالرغم من بعدها عن كوكبنا الأرضي نقول: دخلت الشمس من خلال الشباك وهي تنير بيوتنا. في بريطانيا أحياناً تغطي الغيوم وجه الشمس مدة أسبوع كامل ولا يراها الناس. ولكن هل يجرؤ أحد على الادّعاء بعدم وجود الشمس لأنّ الغيوم تحجبها عن الأبصار؟ فزعم كهذا يكون دليلاً على الغباوة والجهل. «قال الجاهل في قلبه ليس إِله» ﴿مزمور 14: 1﴾.

هناك من ينكر وجود الله تصريحاً وهناك من ينكره تلميحاً، فيعيش وكأنّ الله غائب. كأنّه بعيد لا يهتم بمصير الإِنسان. هل أنت من فريق الملحدين أو أنت من فريق المهملين غير المكترثين بوجود الله؟

اذن التصديق النظري لا يفيدك البتة، فأنت بحاجة الى الإِيمان الحي، وللثقة بالرب. قيل عن ابراهيم وهو يُعتبر أبو المؤمنين إنه خليل الله وعن موسى إنه كليم الله. فالايمان الحي يجعلنا أولاد الله وأحباء المسيح نتكلم مع الرب كمن يتحدث مع الخليل أو الصديق.

نعود الى كلمة النبي: هل هو إِله بعيد أم قريب؟ فإِن كنت من الملحدين فهو بعيد، وإِن كنت من المهملين فيعرفك من بعيد ﴿مزمور 138: 6﴾.

ومهما كان الأمر، فإِننا لا نقدر أن نختبئ منه وحيثما نكون يرانا إِذ يملأ السموات و الأرض. هذه أقوال مخيفة، فالله يرى خطايانا الخفية ويسمع أقوالنا البذيئة ويعرف أفكارنا الشريرة. ولكن إِله البر والقداسة هو أيضاً الاله الحنون الرحوم. الله نور والله محبة. فالاله البعيد أصبح قريباً عندما جاء المسيح الى عالمنا التعيس. «فالكلمة ﴿أي المسيح﴾ صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجداً... مملوءاً نعمة وحقاً» ﴿يوحنا 1: 14﴾. تجسّد من كان كلمة الله منذ الأزل لكي ندرك في حياته مجد الله ومحبته الفائقة. جاء المسيح ليطلب ويخلص الخطاة، ملحدين كانوا أم مهملين. هم خطاة وأنت أيضا خاطئ مسكين، تحتاج الى نعمة الرب الغافرة. فالأعمال الصالحة لا تكفّر عن خطايانا المتعددة. أما المسيح ففي تكفيره على الصليب قادر أن يمحو خطايانا ويطهرنا من كل إِثم.

فماذا عليك أن تفعل لكي تتأكد من حضور الرب في حياتك كي تثق بأنّه مخلصك؟ «قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلّص المنسحقي الروح» ﴿مزمور 34: 18﴾. انكسار القلب هو التوبة الحقة، نندم ونحزن على آثامنا ونلجأ الى مخلصنا طالبين منه النعمة والغفران.

وقول آخر «الرب قريب لكل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق». ﴿المزمور 145: 18﴾ فمع انكسار القلب يجب أن تدعو الرب في الدعاء المخلص الجدّي.

فصلّ واطلب من المسيح أن يقبلك ويمنحك الحياة الأبدية والسلام مع الله والفرح الذي لا يُنطق به. لأنه قد قال، وكلامه لا يزول: «تعالوا اليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلَّموا مني... فتجدوا راحة لنفوسكم» ﴿متى 11: 28-29﴾.