العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

القصّة من أولها


بينما كنت أقلّب صفحات مجلة "سيدتي" العربية التي تصدر في لندن، فؤجئت بالرسم الكاريكاتوري المدرج فيها. ضحكت جداً على الرسم لأنه مليء بالطرافة والظرافة من جهة، وحقيقي، ومن صميم الواقع من جهة ثانية. إنه بالحق معبّر عن المعاناة التي تعيشها الكثير من النساء في مجتمعاتنا العربية. وليس في مجتمعاتنا العربية فحسب، بل في مجتمعات الغرب وبلاد الغربة سواء في أميركا أو في أستراليا أو في أوروبا، وإن تكن بنسب أقل. فكم من امرأة تعيش معاناة عدم مشاركة الرجل لها في البيت، أو من قساوة المعاملة، أو من عدم احترامها كإنسانة تشكل نصف المجتمع.

قد يتّفق البعض مع هذا الرأي، في حين قد يخالفه البعض الآخر. في كلا الحالتين، لا بد لنا أن نسلّط الأضواء على معاناة المرأة وان اختلفت نسبة هذه المعاناة هنا في بلاد الغربة عنها في بلادنا، أو اتخذت لها طابعاً آخر. فنظرة واحدة نلقيها على ما تكتبه الصحف العربية في بلاد المهجر عن بعض المآسي المنتشرة، أو إذا ما أولينا آذاننا للإصغاء لبعض القصص الحقيقية الواقعية، فإننا للحال سنهبّ لطرح هذه القضايا المهمة والتي من غير الممكن أن يُغضَّ الطَرْفُ عنها. وسواء في حالة السعد والرخاء أو القهر والرثاء، نبقى نحن النساء العربيات بشكل عام نبحث عن هويتنا المسلوبة والضائعة في زحام الحياة وفي تخبّط المجتمعات. ولمعرفة هويتنا الحقيقية كنساء، لِمَ لا نعود يا سيدتي المرأة (وندعوكَ معنا يا سيدي الرجل) إلى القصة من أولها، إلى بداية الخليقة فنعرف من هذا المصدر الصحيح مركزنا كنساء، دورنا في المجتمع والعائلة، وقيمتنا كأفراد….عساها تكون بمثابة بصيص نور لنا جميعاً في درب هذه الحياة، يصحح اعوجاجنا أو سوء فهمنا. فإلى جذور القصة إذن، التي نجدها مدوّنة في سفر التكوين أي سفر التأسيس الذي هو أول سفر في الكتاب المقدس والأصحاح الثاني.

فبعد أن خلق الرب الإله آدم من الأرض، أخذه ووضعه في جنه عدن ليعملها ويحفظها، عندئذٍ: "قال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره"… "وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره. فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظمي ولحم من لحمي. هذه تُدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت" (تكوين 18:2+20ب+21-23).

قال الله: "ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره". لماذا؟ لأن آدم لم يجد لنفسه معيناً نظيره. إذ أن باقي المخلوقات التي وضعها الله تحت تصرفه وأتى بها الله ليرى بماذا يدعوها آدم، كانت خلائق من نوع آخر. لهذا نجده يتوق إلى إنسان مثله، إلى أنيس ورفيق له في الحياة يتمتع معه ببركات الله، ويرافقه في رحلة الحياة. لهذا ارتأى الله الخالق العظيم أن يصنع لآدم معينا نظيره. لكن، ماذا تعني كلمة نظير في اللغة العربية؟ كلمة نظير تعني المشابه، الموافق، المطابق، المثيل، والمساوي. أي غير مختلف. إذن، فإن الصفة التي وصف الله بها المرأة التي عمل هي صفة النظير أي المساوي… فالمرأة مساوية للرجل، مثيلة له ونظيرة في القيمة والمستوى والقدر.

والآن ماذا عن صفة المعين؟ أجل فكلمة معين مستمدة من الفعل الرباعي أعان يعين عونا فهو معين. والمعين كل من يقوم بعمل المساعدة. فالمرأة التي أحضرها الله لآدم وصفها بالمعين، إذ أن دورها أو مهمتها أن تقدم العون لشريك حياتها. والمعينة ليست أدنى في القيمة من المقدَّم له العون، إنما هي اليد اليمنى له التي يرتكز عليها. وعندما يُنسب إلى أي شخص صفة المعين، معناه أنه شخص قادر على تحمّل الأعباء وإلا فكيف يمكن للضعيف أن يعين؟ فالمعين يشاطر أفراح الحياة وأتراحها مع شريكه، المعين يشترك في تحمل المسؤوليات في الحياة إلى جانب الرجل وعليه أن يكمل أحدهما الآخر.

لكن السؤال هو: من غيّر هذه الصورة الجميلة التي أرادها الله منذ بدء الخليقة؟ كيف تشوّهت حتى أصبحت المرأة المخلوق الضعيف والأدنى؟ أيضاً عودة إلى القصة من أولها… فبعد أن دوّن لنا الوحي المقدس وأعطانا هذه الصورة الجميلة عن خليقة الله الكاملة، أخبرنا أيضاً كيف وقع الإنسان في التعدي، وبالتالي تغيّر المفهوم الذي أراده الله منذ البدء. لقد أوصى الله آدم وحواء أن لا يأكلا من شجرة معرفة الخير والشر، بل يوم يأكلان منها موتاً يموتا. ووقع كلاهما في العصيان إذ أكلا من الشجرة. وما حصل بعد ذلك هو أن الله عاقبهما على ذلك، وكان نصيب المرأة من العقاب بأن قال الله لها: "تكثيراً أكثّر أتعاب حبلك، وبالوجع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك".

وعليه نجد أن سيادة الرجل على المرأة لم تأتِ إلا بعد السقوط في العصيان على الله. وتحوّل هذا المفهوم مع الزمن إلى سيادة مطلقة راح يمارسها الرجل على المرأة. وتعرّضت المرأة وعانت الكثير من جراء هذه السيطرة التي اتخذت طابع الهيمنة والاحتواء الكلي بفعل ميل الإنسان الطبيعي بعد السقوط إلى الأنانية وحب الذات.

لكن، لم يبقَ الوضع على هذه الشاكلة، أن الله يكره الخطية التي فصلت بينه وبين الإنسان وهو لا يحب أن يبقى الإنسان بعيداً عنه وعن الشركة معه. لهذا ففي ملء الزمان أرسل الله كلمته الأزلي مولوداً من مريم العذراء المباركة. وبمجيء المسيح بيّن الله محبته لكل بني البشر دون استثناء. ولا عجب أن يفوه الرب يسوع المسيح بهذه الكلمات العظيمة: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". إذن، ليس هناك فرق بل الكل واحد في نظر الله لأن الله أحب العالم بأسره. لا فرق بين ذكر أو أنثى عبد أو حر، فقير أو غني، يهودي أو أممي. وعليه، كان المسيح المثال الأعلى أمام تلاميذه في تعامله مع المرأة بكل نوعياتها. المرأة التي أرادت أن تجلس عند قدميه لتتعلم. المرأة التي سكبت الطيب ومسحت قدميه بشعر رأسها، والمرأة السامرية التي أتت إلى البئر لتستقي الماء. ثم ماذا عن غفران المسيح لخطية المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل وهي تزني؟ وماذا عن إقامته لابن أرملة نايين الذي لما رأى نعشه على مشارف المدينة تحنّن عليها؟ وماذا عن اهتمامه بابنة يايرس الصبية التي ماتت فأقامها من الموت؟ كل هذه الأمثلة كانت درساً بليغاً في احترام وتقدير ومدح المرأة. فهي لها الحق في التعبير والتعليم ونوال الغفران والعبادة مثلها مثل الرجل.

ولم يقتصر الوحي المقدس على ذلك بل وضع لنا الروح القدس على فم رسله الأوائل القاعدة الأساسية للبيت المسيحي والزواج المسيحي، فقال: "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه من أجلها". و "أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب" (أفسس 25:5و22) وتحوّلت العلاقة بين الرجل وزوجته من علاقة سيد ومسود، إلى علاقة حب مماثلة لمحبة النفس يبادر فيها الزوج إلى احتضان (محبوبته) زوجته. وبالتالي، لا يسعها هي إلا أن تقدّم لمحبوبها كل هيبة ووقار واحترام وتقدير وخضوع تلقائي.

هذه هي الصورة الجميلة التي يريد الله أن يسير الإنسان عليها ويطبقها في حياته اليومية. الزوجة نظيرة ومعينة وأنيسة، والزوج محب ورفيق نظير، فهل هناك أجمل من هذه الصفة التي وهبكِ إياها الله يا سيدتي؟ ولن يتم هذا الانسجام والالتحام والتوافق إلا عندما يكون الرب يسوع المسيح هو الجامع بين الزوجين. فهلا هللت يا سيدتي؟ لأنكِ رفيعة المستوى وغالية على قلب الله تماماً كآدم؟