العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

تحت ظل جناحيك


أمام مصدر للنور مثلا، يترك الإنسان أو الشجرة أو البناء. وفي الجهة المعاكسة لمصدر النور، شكلا مشابها يسمّونه الظل. وفي الظلال يستلقي أحدنا عند الظهيرة، ويستريح من عناء العمل تحت وطأة الحرارة المرتفعة. وعندما تميل الشمس نحو الغروب، يقال: استطالت الظلال، كناية عن انحدار الشمس في الأفق.

وفي لغتنا العربية كلمتان مختلفتان هما: الظل، وتستخدم لفترة ما قبل الظهر، والفيء، وتستخدم لفترة ما بعد الظهر. وكلمة ظل هذه وردت في الكتاب المقدس لتدلّ على معان ومدلولات عدة منها: الحماية، وسرعة الزوال، والملازمة، وقوة الشفاء.

ففكرة الحماية مثلاً تظهر في قول داود النبي مخاطبا الرب في صلاته المذكورة في المزمور السابع عشر (احفظني مثل حدقة العين، وبظل جناحيك استرني). هذه العبارات تحضر إلى الذهن صورة الدجاجة وهي تحتضن فراخها تحت جناحيها لتحميهم من كل خطر. وصورة الأم وهي تضع وليدها بين ذراعيها لتجنّبه الأهوال. ما أجمل هذه الصورة التي تعلّمنا أن الرب ينشر جناحين كبيرين تحتهما يخبئ أولاده، لأنه يريد لهم الحماية من كل أذى وخطر. وحين يرفع الرب حمايته عنهم، ماذا يحلّ بهم؟ هل شعرت يوما، يا صديقي، أن الرب رفع حمايته عنك؟ ولماذا؟ يقول كاتب المزمور: الساكن في ستر العليّ في ظل القدير يبيت… بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي.

وفكرة سرعة الزوال تظهر في قول أيوب في الإصحاح الثامن والآية التاسعة: لأننا نحن من أمس ولا نعلم أن أيامنا على الأرض ظلّ. وعندما نقرأ هذا القول نظن أن أيوب يبالغ. إذ كيف يكون عمر الإنسان على وجه الأرض ظلاً؟ أي كناية عن وجود الشمس طالعة، وقبل أن تغيب ويغيب معها الظل. وصحيح أن بعض الأحياء لا تعيش أكثر من ساعات النهار، وهكذا تكون أعمارهم كالظل. لكنَّ البشر في القديم عاشوا عشرات بل مئات السنين، ومتوسط عمر الإنسان حاليا يصل إلى ستين سنة أو أكثر. الجواب عن هذه المسألة هو أن الكاتب يستخدم الأسلوب الشاعري الذي ينبض فيه العرق التصوري، وينمو فيه الخيال إلى أعلى المستويات.

وفكرة الملازمة يقصد بها البقاء إلى جانب. يقال فلان يرافقني كظلي. أي أنه يبقى معي ولا يفارقني. (لاحظ العبارتين: رافق وفارق. أربعة حروف لا تتبدل، لكنها تتقدم وتتأخر، فينقلب معها المعنى رأسا على عقب). ففي المزمور المئة والحادي والعشرين، والآية الخامسة نقرأ: الرب حافظك. الرب ظل لك عن يدك اليمنى. أي أن الرب يلازمك دوما إنه موجود إلى جانبك. وفي الوقت نفسه هو على يمينك أي في المكان الهام، مكان القوة الرئيسي. سألني أحدهم مرة عن المكان الذي تقف فيه الزوجة بالنسبة لرجلها، فقلت: أفضّل أن تقف إلى يساره، لأن هذا يشير إلى أمرين على الأقل: الأول أنها تعطي زوجها المكان الرئيسي، لأنها المساعد والمعاون له، وثانياً لأن يمين الرجل حرة، ويستطيع أن يحمي زوجته بيمينه.

أما قوة الشفاء فتظهر في العهد الجديد بمثال بطرس تلميذ المسيح. إن ظل بطرس كان يشفي المرضى. يقول لنا سفر أعمال الرسل، الإصحاح الخامس، والآية الخامسة عشرة: وكان الناس يحملون المرضى على فرشهم وأسرّتهم إلى الشوارع، لعلّ ظل بطرس عند مروره يقع على أحدٍ منهم فينال الشفاء. وللظل هنا قوة عظيمة لأنه يمثل قوة المسيح التي كانت في بطرس.

من الملاحظات التي يقف عندها من يسافر بين الحقول، حيث ترعى قطعان كثيرة من الغنم، وخصوصاً في فصل الحرارة والشمس اللافحة، أن هذه الأغنام تغمس كل واحدة رأسها في ظل سابقتها وتتبعها دون النظر إلى الطريق. يكفي أنها تظلل رأسها في جسد سابقتها وتتبعها دون أن تتحقق إذا كانت الطريق سليمة أم لا. وهذا يعلّمني الثقة بالأخ، الثقة بمن يسير أمامي وبمن وضعت فيه ثقتي، لأنني أحبه بالمسيح، والمحبة المسيحية لا تظن السوء. صحيح أن ثقتي كلها هي في الرب أولاً وآخراً، لكنني أثق بأخي أيضاً، ويقدر أن يثق بي.