العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات


يقدِّم بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس تعريفاً دقيقاً لمعنى الإنجيل. والإنجيل كلمة من اللفظ اليوناني "أونجليون" ومعناه "الخبر السار". ويقول بولس الرسول إنَّ الخبر السار هو: "أنَّ المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنَّه دُفن وأنَّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" ﴿1كورنثوس 15: 3و4﴾. فالبشارة المفرحة التي يحتويها الإنجيل هي أنَّ المسيح مات.. وأنَّه دُفن.. وأنَّه قام.. وكل هذا إتماماً لنبوَّات الأنبياء أو كما يقول بولس الرسول: "حسب الكتب". فقيامة المسيح جزء لا يتجزأ من الإنجيل الصحيح.

الصورة القاتمة

ويستطرد بولس الرسول فيرسم صورة قاتمة، يُبرز فيها ما كان يمكن أن يحدث إن لم يكن المسيح قد قام.. فيقول: "إنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم" ﴿1كورنثوس 15: 14﴾. أو بمعنى آخر، إن لم يكن المسيح قد قام فرسالة المسيحية رسالة مزيفة، والمبنيّ على الباطل، باطل، ولذا فالذين آمنوا بالمسيحية باطل إيمانهم.

إن لم يكن المسيح قد قام فالرسل الذين نادوا بالإنجيل هم شرذمة من شهود الزور. "ونوجد نحن أيضا شهود زور لله لأنَّنا شهدنا من جهة الله أنَّه أقام المسيح وهو لم يُقمه إن كان الموتى لا يقومون" ﴿1كورنثوس 15: 15﴾.

"إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعدُ في خطاياكم" ﴿1كورنثوس 15: 17﴾. فقيامة المسيح هي أساس تبرير المؤمنين.. فإن لم يكن المسيح قد قام فالمؤمنون ما زالوا في خطاياهم.. يحملون عقابها وتنتظرهم دينونتها. "إن لم يكن المسيح قد قام، إذاً الذين قد رقدوا في المسيح أيضا هلكوا" ﴿1كورنثوس 15: 18﴾. ويعني هذا أنَّ الموت هو خاتمة الحياة.

ويترتَّب على هذه النتائج المروّعة نتيجة تملأ القلب باليأس والضياع، "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس" ﴿1كورنثوس 15: 19﴾.

أجل! هذه نتيجة منطقية.. فالمسيحيون الحقيقيون يُضطهدون، ويُقتلون، ويُعذبون لأجل المسيح.. على رجاء القيامة. فإن لم يكن المسيح قد قام فيا لشقائهم وتعاستهم.

نغمة الانتصار

لكنَّ بولس لا يتوقف عند ذكر هذه النتائج المروِّعة، بل يهتف هتاف الانتصار قائلا: "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" ﴿1كورنثوس 15: 20﴾.

يقيناً أنَّ المسيح قام من الأموات.. ولن يموت أيضاً.. لن يسود عليه الموت بعد..

وقيامته قد أكدها شهود بلا عدد:

  • ظهر لمريم المجدلية التي كانت واقفة عند قبره ﴿الإنجيل بحسب يوحنا 20: 14-16﴾.

  • وظهر لتلاميذه ولم يكن توما معهم﴿الإنجيل بحسب يوحنا 20: 19-21﴾.

  • وظهر لتلاميذه وتوما معهم ﴿الإنجيل بحسب يوحنا 20: 26-29﴾.

  • وظهر لتلميذين كانا منطلقين إلى عمواس ﴿الإنجيل بحسب لوقا 24: 13-27﴾.

  • وظهر لتلاميذه على بحيرة طبرية ﴿الإنجيل بحسب يوحنا 21: 1-12﴾.

  • وظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمئة أخٍ ﴿1كورنثوس 15: 6﴾.

والمسيح في كل ظهوراته كان يؤكد أنَّه المسيح الذي صُلب على الصليب بإظهار آثار مسامير الصلب في يديه ورجليه ﴿الإنجيل بحسب لوقا 24: 40﴾.

وقضيةٌ، هذا عدد شهود العيان فيها، لا يمكن أن يشكّ فيها إنسان إلاّ إذا كان التعصُّب قد أعمى عينيه.

عطايا المسيح المُقام

والآن ما هي العطايا المباركة التي نالها المؤمنون نتيجة قيامة المسيح؟

قيامة المسيح أساس إيماننا

المسيحي الحقيقي يؤمن بأنَّ المسيح يسوع هو ابن الله الأزلي.. وقد أعلن الآب من السماء أنَّ المسيح يسوع هو ابنه يوم اعتمد المسيح من يوحنا المعمدان: "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السَّموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه. وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" ﴿الإنجيل بحسب متى 3: 16-17﴾. وهذا الإعلان السماوي بأنَّ المسيح هو ابن الله الأزلي قد تأكد بما لا يدع مجالاً للشك بقيامة المسيح من الأموات: "بولس عبد ليسوع المسيح المدعوُّ رسولاً المُفرز لإنجيل الله، الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربَّنا" ﴿رومية 1: 1-4﴾.

فقيامة المسيح أكدت وبرهنت على أنَّه ابن الله، وبنوية المسيح لم تحدث في الزمان.. لقد كان الابن مع الآب منذ الأزل.. فالآب هو الآب الأزلي.. والأبوَّة الأزلية تحتم وجود البنوَّة الأزلية، لذلك نقرأ في إنجيل يوحنا: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله" ﴿الإنجيل بحسب يوحنا 1: 1-2﴾.

قيامة المسيح هي أساس إيمان المسيحيين بلاهوت المسيح

قيامة المسيح أساس تبريرنا

"والذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" ﴿رومية 4: 25﴾. يقدِّم الدكتور وليام إيفانس في كتابه "التعاليم العظمى في الكتاب المقدس" تعريفاً لمعنى التبرير فيقول: التبرير هو تغيير في علاقة الإنسان ومقامه أمام الله. فهو يرتبط بالعلاقة التي انقطعت بين الإنسان والله بسبب الخطية، وهذه العلاقة شخصية. إنَّه تغيير من موقف الذنب والإدانة إلى موقف التبرير والقبول.. إنَّ التجديد يرتبط بطبيعة المؤمن.. ولكنَّ التبرير يرتبط بمقامه أمام الله. فالتبرير يعني إعلان براءة المؤمن من خطاياه براءة قانونية أساسها أنَّ المسيح حمل في جسده على الصليب عقاب خطاياه، ووضع المؤمن في علاقة جديدة مع الله، هذه العلاقة التي منحت المؤمن سلاماً مع الله: "فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" ﴿رومية 5: 1﴾. لذلك قال المسيح عند ظهوره لتلاميذه: "سلامٌ لكم. ولما قال هذا أراهم يديه وجنبَه" ﴿الإنجيل بحسب يوحنا 20: 19-20﴾. فعلى أساس موت وقيامة المسيح تبرَّر المؤمنون، والتبرير صار لهم سلاماً مع الله.

قيامة المسيح دافع سموّ تفكيرنا

يعيش الإنسان الطبيعي وكل آماله في الأمور المادية.. في الغنى.. والسلطة.. والملذات الأرضية والجسدية.. لكنَّ قيامة المسيح تدفع المؤمنين به إلى طلب الأمور السَّماوية: "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض" ﴿كولوسي 3: 1-2﴾.

فالمسيح الذي قام من الأموات، وهو الآن جالس عن يمين الله يجب أن يكون موضوع تفكير المؤمن: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمِّله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلّوا وتخوروا في نفوسكم" ﴿عبرانيين 12: 2-3﴾. فقيامة المسيح تدفع المؤمن للتفكير في السماويات.

قيامة المسيح أساس رجائنا

يقول الرسول بولس: "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإنّنا أشقى جميع الناس" ولكنّه يستطرد هاتفاً بنغمة الانتصار: "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" ﴿1كورنثوس 15: 19-20﴾.

فقيامة المسيح هي الأساس الوطيد لرجائنا، والرجاء الذي جاء بقيامة المسيح هو رجاء الحياة بعد الموت.. إنَّ الموت حقيقة، إذ: "وُضع للناس أن يموتوا مرة" ﴿عبرانيين 9: 27﴾. ولكنَّ القيامة حقيقة كذلك، ولا يمكن للموت أن يأسر المؤمنين إلى الأبد. يكتب بولس الرسول للمؤمنين في تسالونيكي: "ثمَّ لا أريد أن تجهلوا أيُّها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنَّه إن كنَّا نؤمن أنَّ يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه. فإنَّنا نقول لكم هذا بكلمة الرب إنَّنا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. لأنَّ الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام" ﴿1تسالونيكي 4: 13-18﴾.

إنَّ قيامة المسيح هي أساس رجاء المؤمنين. وكما قام المسيح من الأموات، سيقوم المؤمنون به في أجساد ممجَّدة، ويلتقون في لقاء أبدي لا يعقبه فراق، إذ الموت لن يكون فيما بعد. فالموت هو آخر عدوّ يُبطل، وقد هزمه المسيح بقيامته، وسيهزمه الهزيمة النهائية وينقذ المؤمنين من قبضته بمجيئه الثاني.