العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

الجودو رياضة أم نهج حياة


ليست رياضة الجودو مجرد مصارعة أسيوية، بل هي فلسفة و طريقة حياة يتبعها ممارس هذه الرياضة. هي مجاهدة النفس والجسد للوصول الى الطريق الصحيح والسليم في نهج الحياة. وهذا واضح من خلال الإسم جودو JUDO المركب من مقطعين فالكلمة "JU" تعني الليونة أو المرونة وكلمة "DO" تعني الطريق أو النهج أو المسلك أو أسلوب الحياة، كما أن شعار هذه الرياضة أو الطريقة هو "كُن مرناً إلى أن تنتصر".

كيف تأسست رياضة الجودو؟

لقد أسس قبل مائة سنة الرجل الياباني Jegoro Kano "شيغورو كانو" في مدينة طوكيو مدرسة جديدة للمصارعة بعد أن لاحظ شيغورو أن الحركات الخشنة لا جدوى فيها، بل الحركات المرنة يمكن استخدامها كل من أقوياء الجسم وضعافه، وذلك من خلال ملاحظاته للريح الشديدة التي تهب على الأشجار فتسبب في تحطيم الفروع الصلبة والقوية من أي شجرة، على حين تبقى الفروع اللينة منها سليمة دون أن تكسرها الريح. ومن هنا وجد شيغورو أن الطريقة اللينة في المصارعة تجلب الانتصار على الخصم وليس طريقة العنف، ومن هنا أدخل تعديلات على حركات التمرينات بمدرسته التي أسسها في طوكيو وأسماها "كودو كان"، "تلاميذ تعليم الطريق".

لا تُلحق الأذى بخصمك

ليس الهدف عند مدرسة الجودو الانتصار على الخصم بأي ثمن، بل أن تنتصر دون أن تُلحق بخصمك أي أذى، والأجدر من كل هذا هو الاجتهاد والسعي الدؤوب نحو الانسجام والتوافق والتلاؤم بين النفس والجسد، عن طريق انضباط النفس والتركيز التام عند ملاحظة الخصم، لدرجة أن تتحرك مثل البرق عندما يتحرك معتركك فتستخدم نصف قوتك مع قوة الخصم لضربه. فالسيطرة على قوة التوازن تلعب دوراً كبيراً في هذه الرياضة. والشئ الذي يدعو للإعجاب في هذه الرياضة ليس التبجُّح بالانتصار بل التنازل.

رياضة الجودو تناسب مع كل الأعمار

رياضة الجودو تناسب الأطفال ذكوراً وإناثاً، لأن طريقة المسك وإلقاء الخصم على الأرض والهجوم والدفاع كلها تتناسب مع قواعد اللعب عند الأطفال.

الرياضة هذه متعددة الجوانب وتسمح للجسم أن يتحرك بسهولة، لذا يستطيع أن يمارسها الذكر والأنثى. وقد يستطيع أن يمارسها الآب وأولاده، إلا أنه ينبغي الحذر عند تقنية رمي الخصم (إلقائه) على الأرض، فهذا يتوقف على مدى قدرة الشخص الآخر على التحرك بسرعة والتمكّن من تقنية كيفية الوقوع.

رياضة الجودو تتمشى مع كل الأبدان

إن كان الشخص طويلاً أو قصيراً، بديناً أو نحيفاً فهو يستطيع أن يتعلم تقنية الجودو دون عناء، وحسب جسده وقامته يتعلم كيف يلقي بخصمه على الأرض كما يتعلم هو أولاً كيف يسقط على الأرض دون أذى.

الانتصار لا يتوقف على اللياقة البدنية ومدى القوة الجسدية بل على كيفية استخدام تلك القوة بليونة وسرعة، واستخدام قوة الخصم بطريقة ماهرة عندما يفقد توازنه.

تبدأ التدريبات عادة بفترة قصيرة فترة التركيز والاستراحة الدهنية، ثم التحية للمعلم، وبعدها باللعب بالنسبة للأطفال الصغار، أو بحركات رياضية من أجل التسخين (الإحماء) أو الاستعداد، وذلك من أجل زيادة مرونة المفاصل وتسريح العضلات لكي تتهيأ العضلات للقيام بالتمارين والتقنيات، وهذا يستغرق حوالي خمس عشرة دقيقة، ثم تبدأ تقنيات التمارين وهي على قسمين: تقنية على وضعية الوقوف، وتقنية على وضعية الإلقاء على الأرض، منها ما هو يعتمد على رمي الخصم أي وقفة الهجوم، ثم تقنية الأرض عندما يلقى بالخصم على الأرض.

هل رياضة الجودو السبيل الوحيد لضبط النفس والجسد

ومن خلال هذا العرض السريع لرياضة الجودو نلاحظ أنها ليست رياضة فقط، بل هي نهج حياة وطريقة ينبغي اتباعها، أي التوافق بين ضبط النفس وكبح انفعالات الشخص، وقد يسعى الإنسان جاهداً بكل الطرق والوسائل ليضبط نفسه بالعلم أو بالرياضة الجسدية والنفسية، ومع ذلك يبقى الإنسان هو الإنسان الذي ينفعل ويثور ويغضب ويثأر لنفسه، لأن القوة التي يبحث عنها في نفسه كما يعتقد هي سراب، لأن القوة لا نستمدها من ذواتنا بل من الله معطي القوة. فلاعب رياضة الجودو مخلص في سعيه، إلا أنه كالآلة الإلكترونية بدون تيار إن لم يكن له ارتباط بالمسيح.

فالمسيح له المجد أعلن لنا الحقيقة أنه لا يوجد طريق للتغلب على النفس وأدرانها "كل من يشرب من هذا الماء يعود فيعطش ولكن الذي يستقي ماء من المسيح فلن يعطش بعد ذلك أبداً، بل تفيض من داخله نبعا يفيض فيعطي حياة أبدية (أنظر يوحنا 4: 13و 14) كما لا يوجد طريق يمكننا اتباعه من دون الرب يسوع المسيح الذي قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة. لا أحد يقدر أن يأتي الى الآب إلا بي" (يوحنا 14: 6)وبهذا فالمسيح هو طريقنا وطريقتنا للحياة والانسجام. والتوافق لا يأتي إلا من خلال التسليم الكلي لله، وعلى هذا الأساس ينبغي على المؤمن الذي يمارس، أو يحب أن يمارس هذه الرياضة، أن يكون على بينة من النهج الذي وضعه له الله في حياته، وعليه أن يضع دائماً نصب عينيه المعلم الأكبر الرب يسوع المسيح الذي لا يحمل حزاماً أسوداً بل هو معطي الأحزمة لضبط النفس والجسد، وهو الوحيد الذي يجب أن نتتلمذ على يديه فيستحق منا كل السجود والعبادة.