العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

حديث للأزواج


أتذكران الأيام الحلوة في بداية زواجكما؟ كيف كنتما تناغيان بعضكما البعض بشتى وأزخر الإطراءات والمجاملات الناعمة والمدح اللطيف.

- عيناك نجلاواتان كأعين الإيل...

- أحب أن أكون دوماً بجانبك، أنت محبوبي الغالي...

- إنك لرائعة، وتعرفين تماماً ما يهواه قلبي ويحنو إليه فؤادي فيك...

إنما وبعد مرور عجلة السنين على قران الزوجين. يبدأ المدح والثناء بالأفول تدريجياً، ومع الزمن يصبح هذا أقرب منه إلى التلاشي والاضمحلال، ولا تجد له فيما بعد أي أثر. وأسوأ من ذلك كله، إنهما يتحولان إلى منتقدين لاذعين، ولسان جارح حاد بقضي بينهما. فيقول لها: «إنك أصبحت مثل البرميل في لباسك الفضفاض هذا...» أما هي في حمو غضبها المتزايد تأججه، تصرخ في وجهه قائلة: «يا لك من رجل غبي، بليد الحس، عمه الفؤاد...»ويتحول البيت إلى جحيم ويعلو الصراخ ولا يُسمع إلا وأويلاه واثبوراه... فكل واحد منهما مصيبة على الآخر. ويصدق فيها القول الحكيم: «لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلامَةٌ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ» (أمثال 17: 1). والسبب في كل هذا يكمن في أن الزوجين اعتادا على بعضهما البعض، وهيمن الفكر التالي عليهما: إنه واضح وجلي بالنسبة لزوجي أنني اعتبره الأعظم ولا أحد يسمو فوقه. أما الزوج فيعتقد أنه ما دامت تعرف إني أحبها رغم كل المشاكسات بيننا فلا داعي لتكرار كلمة «أحبك».

الحق يُقال أنّ هذا النوع من التفكير غير ناضج ومحدود، قطعاً، فكل واحد من الاثنين في مسيس الحاجة ليشعر ويحس بأنه ذو قيمة في عيني شريك حياته. الأزواج والزوجات بحاجة ملحة لكلمات المدح والثناء والإعجاب والتقدير، ليتأكدوا أنّ المحبة هي الأساس الذي يشيدون فوقه صرح سعادتهم، وإنها الوثاق الذي يربطهم ببعضم البعض أبداً.

إنّ الكرم في عبارات تنم عن الشكر والثناء والتقدير وبدون تزييف، تسهم في رفع السعادة البيتية، وتنمي القيمة الشخصية. إن الطرفين المعطي والمعطى له يجنيان زهور السعادة وأريجها يعطر كل جنبات بيتهما، ويصل شذاها إلى أبعد الحدود. الذي يعطي يمتلكه الشعور بالفرح، إذ يحس أن حياته أزهرت وأثمرت فأعطت ولو بقدر ضئيل في نفح شذا الفرح بين الآخرين والمعطى له يجني الفرح والغبطة ويتعلم معنى العطاء، ويسعى نحو ذلك إلى أن تتحول الحياة بينهما وتصير كلها عطاء في عطاء. وجدير بالذكر أن العطاء هو بحد ذاته أخذ أكثر منه عطاء، لأنه عندما يعطي الإنسان يستولي عليه الفرح والسرور ويطرب قلبه، خاصة عندما يعلم أنّ عطاءه أسهم في إضرام لهيب البهجة والسعادة بين الآخرين.

كيفية إظهار الإعجاب والتقدير

على الزوجين أن يقيما الجوانب الحسنة في حياة كل منهما مع أنّ هذا من أشقى وأعسر الأعمال، وذلك لأنه في هذه الأثناء لا تنجلي أمام الأعين سوى الجوانب السلبية، وكل مثلبة تظهر وكأنها سور شاهق، يعسر تخطيه، ويتبين وكأنه لا قوة ولا زخم تقدر أن تدك هذا الصرح الوهمي المنيع. فيعلق كل عيب مذموم وهفوة أو سقطة مكروهة في الذهن فيعكر صفو الحياة الزوجية.

نصيحتي لكل زوج وزوجة أن يتركا في هذه الحالة كل السلبيات التي لا طائل من ورائها، وأن يفكرا معاً في المناحي الإيجابية ثم يولما على طبق المدح والشكر لبعضهما البعض الخصال والمزايا الطيبة لكل منهما.

وعلى سبيل المثال لا الحصر تستطيع الزوجة أن تقول لزوجها: إن شريك حياتي، قدير في تسيير ميزانية البيت، ولم نشعر في يوم من الأيام تقريباً أننا مدينين لأحد، ولكم أقدر فيه هذه الميزة والذهن المتوقد. ألق بنظرة على وجهه، فترى كم هو مشرق متفائل والغبطة والبهجة مرتسمة عليه والسرور يشع دائماً على محياه الباسم، بسبب هذه الكلمات الحلوة التي طرقت مسامعه.

ليكن الزوج أثناء تناول وجبة الطعام سخي وكريم واسع العطاء على زوجته في تقديم باقة من عبارات الشكر والامتنان عن الطعام الشهي الذي أعدته له على طبق من الشوق وليقل لها على سبيل المثال: سلمت لي يداك التي أعدت مثل هذا الطبق الشهي الزكي الرائحة. فهذا سيضاعف ولا بد من نشاطها، وينفحها نشوة المسرّة والغبطة ويطيب قلبها ويثلج صدرها، واحرصا من المداهنات والتصنع أو المدارات والرياء، فإنّ ذلك أسلوب من أساليب إبليس السفيف الخنيس، في تهشيم وشدخ الحياة الزوجية بأكملها، فليكن الإعجاب صادق نابع من قلب صفي، لا شائبة ولا مثلبة فيه.

المدح واجب بين الأزواج

يتبغي على الزوجين أن لا يتوانيا في ذكر الخصال أو المزايا الطيبة لبعضهما، ولا يعيبهما إطلاقاً أن يتحدثا جهراً مع الغير عن الصفات الحميدة والخصال الرفيعة في حياتهما. فهذا سيؤجج نار المحبة ويعم الدفء بينهما، وليكونا جزيلي الشكر طليقي اللسان بالمدح والثناء، ولتكن عباراتهما مضخمة بالمحبة الناصعة. فكلمة «أحبك»لا تكلف جهداً أو ثمناً في متناولهما ليقل لها مثلاً: حبيبتي أحبك وإني لفخور بك... حقاً إني محظوظ بأن تكوني أنت زوجتي... وما أسعدني في هذه الحياة التي تشاطريني بها..

وعند هذا سيجد الأزواج الحكمة والسعادة في مثل الحكيم: «تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا» (أمثال 25: 11).