العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

القناعة


قال محدثي: من خلال عملي بالشرطة، ازداد إيماني بصدق قول الكتاب المقدس «لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ» (1تيموثاوس 6: 10). رأيت أحداثاً كثيرة أليمة، لا تقع تحت حصر. ومعظمها بسبب محبة المال إلى حد العبادة. إنما الذي تأكدت منه، أنّ جميع الباحثين عن المال قلما يسعدون. من يخسر يحزن، ومن يربح يسعد قليلاً ثم يحزن أيضاً لأنه يطمع في المزيد.

وعن اقتناع تام عشت راضياً بمرتبي الضئيل. أجد سعادتي في تدبير الله لشؤوني، ورضائي في إحساسي أنه يرعاني فلا أحتاج لأحد، ومسرتي في أن القليل يسعدني.

لم أكن أخشى بطش الرؤساء، أؤدي واجبي وأثق من حماية الله لي. لم أهتم كثيراً بما تردد ذات يوم عن بطش نائب مدير الأمن الجديد وأساليبه في الإيقاع بالمنحرفين.

وذات ليلة كنت أطوف في منطقة حراستي، أقاوم البرد بالسير جيئة وذهاباً. رأيت عن بعد رجلاً يسير في حذر ويقود بقرة. إنّ الليل قد انتصف، لم يكن موعد خروج الفلاحين إلى حقولهم. وتقدمت منه وسألته عن سبب سيره في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ وتظاهر بالخوف، وأخرج من ملابسه ورقة مالية فئة العشرة جنيهات وحاول أن يعطيها إليّ. تأكدت أنه سارق للبقرة.

طلبت منه في حزم أن يسير أمامي إلى قسم الشرطة.. وزاد ارتباكه.. أخرج من جيبه ورقة مالية أخرى وراح يرجوني أن أتركه.. ولم أتردد.. تراجعت للخلف.. أشهرت سلاحي.. هددته بالقتل.. وأمرته أن يسير أمامي إلى قسم الشرطة.. حتى ما بلغنا قسم الشرطة. أمسكت به في عنف.. وقدمته للضابط.. وأنا أبلغ بما حدث. ورأيت الضابط يقف وينظر إلى الرجل في ذهول. ورأيت الرجل يقف أمامه ويبتسم والضابط يقدم له مقعداً ليجلس، ويقول لي الضابط أنه نائب مدير الأمن الجديد. وزادت دهشتي وفسّر الي الضابط الموقف، بأنّه اعتاد أن يتنكر ويتجول وسط الحراسات ليتأكد بنفسه من سير أعمال رجال الأمن، وأنه استعار هذه البقرة من أحد الأصدقاء ليمثل دور الرجل المشبوه.

وبدأت أشعر بالخوف.. تسلل إلى قلبي رغماً عني. لقد هددت الرجل بالقتل، قبضت عليه، اتهمته بالسرقة، وزاد خوفي عندما طُلب مني الحضور في اليوم التالي إلى مكتبه. وأخذت أدعو الله أن تأتي النهاية سليمة.

وجاءت النهاية فوق ما تخيلته. عندما دخلت إلى مكتب نائب مدير الأمن مع مأمور القسم، رأيت الرجل في صورته الحقيقية، وحوله بعض الضباط. وتوقفت أمام مكتبه، قال لي: أنت رجل شريف، انتظر مني ترقية، ولك هذا المبلغ الذي رفضت أن تأخذه بالأمس. ووقفت أمامه مذهولاً، انتبهت إلى صوت المأمور الواقف بجواري أن أتقدم وأستلم منه المكافأة. وتقدمت وصافحته وصافحت الضباط،وكانت فعلاً خير مكافأة.