العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

بين القديم والجديد


كان شاباً مستقيماً يشغل وظيفة مرموقة في إحدى المؤسسات. وله زوجة تقية كريمة، وله ولدان، وله مستقبل باسم. لكن الأيام لم تمهله. اختطفه الموت على أثر مرض خطير. ولقد شق نعيه على كل عارفيه وأقاربه. كانت الزوجة في ذهول مما وقع. كانت الحيرة في عيون أولاده الصغار كأنّ عقولهم لا تستطيع إدراك كل أبعاد الحقيقة المؤلمة. وأقبل كثيرون لأداء واجب العزاء. وتوافد كثير من السيدات وكان بعضهم يتظاهرن بالبكاء... ويطلقن الصرخات العالية. وتمضي الدقائق... وتبدأ الأحاديث بينهن... ثم جاء نوع آخر من السيدات للعزاء. كانوا يدخلن في هدوء. يتكلمن في صوت خافت مع الزوجة. وواحدة تخرج من حقيبتها الإنجيل المقدس وتبدأ في قراءة إصحاح بنبرات خاشعة. ويسود الصمت وينتبه الجميع إليها. وبعد قراءة الإصحاح تبدأ في إلقاء موعظتها فتهدأ الزوجة ويبدأ الاطمئنان يتغلغل في مشاعر الأولاد...

إنّ الموت حق. وليس هناك من يعزي حقيقة سوى الرب. فهو الذي يمنح القوة ويعضد الأرملة ويهدي الأيتام. ومهما كانت قسوة ظروف الموت ومهما كانت آلام من يتركهم المتوفى، فقوة النعمة تكفي لمعاونتهم ومسح دموعهم. إنّهم في حاجة لمن يذكرهم بحقائق الكتاب المقدس، ليكون لهم الرجاء. إنّ خير ما يقدم لأهل المتوفى هو الإرشاد لما يجب عمله. إعلامهم أنّ الحنان على المحتاج يقوي القلوب وإفهامهم أنّ من يمنح الحب يتلقى مزيداً من الحب. وأنّ التأمل اليومي في الكتاب المقدس يعكس على النفس المظلمة نوراً وسلاماً، وأنّ الصلاة الخاشعة تنقل النفس من آلام الأرض إلى راحة السماء.

أما أولئك الذين يصرخون ويقطعون الشعور، مع افتراض صدقهم وحسن نواياهم فهم الذين يتمسكون بالقديم. حيث لا رجاء ولا إيمان. ليس أمام من يريد تقديم العزاء حقاً إلا أن يذكّر أهل المتوفى بطريق الرب. طريق العزاء الحقيقي. وليس أنسب من التأمل في الكتاب والموعظة والصلاة.