العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

قادني في موكب نصرته


ولدت في بيئة مستعبدة لتقاليد بالية ومتمسكة بعادات روتينية عقيمة. وقد أقامت هذه التقاليد والعادات سوراً منيعاً حول طموحي وشوقي لمعرفة كل شيء.

وشاءت الأقدار أن أصرف فترة من الزمن وسط تجمعات متعصبة لطائفتها شأن جميع الذين يظنون أنّ الإنسان يصير مسيحياً بالوراثة. وأنا شخصياً لم أكن قد بلغت مرحلة النضوج التي يتمكن المرء خلالها أن يفقه معنى الحياة ويميّز بين الأمور.

ولكنني ككل فتى كنت أنشد هدفاً ما، علّني أجد في تحقيقه راحة وسعادة. وفي السادسة عشرة من سني حياتي شعرت بظمأى إلى المعرفة يزداد، فكنت كمن يطل على الحياة من علو شاهق. ولم تلبث أن تراءت أمامي ينابيع عديدة للمعرفة وعليّ أن أختار منها ما يناسبني ويبرّد غليلي.

ولكنني في عجالة أمري اندفعت إلى أولها، فإذا بمياهه مرة في حلقي وحارقة في جوفي. هذا الينبوع المر هو ينبوع الملذات المادية التي يجب على الشباب أن ينصرفوا عنها لأنها تورث الأجسام عللاً فتاكة، عللا تؤثر على الإرادة فتشلها. ناهيك عن أضرارها الروحية، لأنها تجرّد الإنسان من كل مناقبية وطهارة وقداسة.

وبعدئذ يممت وجهي شطر ينبوع آخر، هو العلم. ولكن حين وردته ورشفت منه جرعة وجرعات، لم أرتو. فاحترت في أمري، وكدت أفقد الأمل في اهتدائي إلى الهدف الأسمى، لو لم أقرأ قول الله: «تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ اٰلْمِيَاهِ اٰلْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ آبَاراً آبَاراً مُشَقَّقَةً لا تَضْبُطُ مَاءً»... تركوني أنا ينبوع الخلاص، وركضوا إلى مستنقع التهلكة، بعيداً عني، أنا الله، خالق الكل لمجدي.

هذا القول الإلهي طرق أذني أنا الذي ما فتئت أفتش عن الراحة. فقبلته بفرح، ولم أعتم حتى قلت مع السامرية: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هٰذَا اٰلْمَاءَ، لِكَيْ لا أَعْطَشَ...»

فأعطاني السيد من مائه الحي فارتويت، ولم ألبث أن تفجر من أعماقي ينابيع ماء حية، كما قال له كل المجد.

ولكن إبليس لم يرض، ولم يشأ أن يتركني في فرحي وسلامي. فسرعان ما هيّج الأهل والأصدقاء ضدي، محاولاً أن يجعل منهم وسيلة لإبعادي عما اهتديت إليه.

ولكن محاولة الشيطان باءت بالفشل، لأنني كنت ولم أزل مصمماً على التشبث بنصيبي الصالح، حتى ولو اقتضاني الأمر ليس لترك الأقرباء والأصدقاء فحسب، بل أيضاً التخلي عن العالم كله. لأنّ العالم يمضي وشهوته، أما الذي يصنع مشيئة الله فهذا يثبت إلى الأبد.

أشكر الرب إلهي كل حين، لأنه قادني في موكب نصرته، وهيأ لي مؤمنين بالمسيح ومختبرين خلاص الله، لأنضم إليهم وأعيش في شركة معهم متمسكاً بفاديّ الذي مات عن خطاياي وأقيم لأجل تبريري. كان محجوباً عني وراء حجاب من جهلي، بل سرعان ما مزقت هذا الحجاب بسيف الروح الذي هو كلمة الله التي صارت إليّ بواسطة جماعة من الكارزين بإنجيل المسيح.

شكراً لله إلى الأبد، لأنّ مشيئته خلاص جميع الناس. لا فرق بين شعب أو لسان أو أمة. إنه لا يريد أن يهلك أحد بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. آمين