العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

الله محبة


إن عالمنا يضاهي كرة تسبح في محيط لا متناه. وعلماء الفلك يخبروننا بأن تطور المجاهر قد كشفت لنا أعماقاً جديدة من الفضاء الخارجي.

فشاهدوا الملايين من الكواكب التي هي أكبر من أرضنا وتبتعد عن بعضها بعداً شاسعاً سابحة بدورها في هذا الفراغ اللامتناهي. ويضيف العلماء بأن أرضنا التي تضاهي كرة صغيرة، في حركة دائبة منذ آلاف السنين.

فما هو حجم الفضاء؟ ومنذ متى يتواجد؟ وإلى متى سيظل موجوداً؟

من يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة جواباً صحيحاً؟ إن كل هذا يدفعنا للتفكير والتأمل، اننا لسنا سوى قطرات صغيرة في هذا البحر المتلاطم. وان أعمارنا لا تأخذ إلا وقتاً قصيراً. وان أرضنا تضاهي كرة صغيرة وتسبح في محيط لا متناه. فنحن لا شيء سوى ذرة على هذه الكرة؛ واذا بنا فجأة موجودون وفجأة غير موجودين. إن النبي داود قد قال مرة: «يَا رَبُّ، أَيُّ شَيْءٍ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَعْرِفَهُ، أَوِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ حَتَّى تَفْتَكِرَ بِهِ؟» (مزمور 144: 3).

وعلى ضوء العلم الحديث، قد تيسر لنا أكثر أن ندرك صحة هذه الكلمة. أجل إن أعمارنا على هذه الأرض قصيرة. وإننا إذا حاولنا أن ننظر إلى أنفسنا نجد أننا لا شيء على الإطلاق.

هل يفكر الله خالق الأرض والسماوات مثلنا؟ أو أن للنبي إشعياء الحق حين يقول أن أفكار الله أعلى من أفكارنا وطرقه أعلى من طرقنا؟ فكثيراً ما نعطي أهمية كبيرة لأشياء دنيوية ظاهرة كأنها هائلة، وهي في الحقيقة تافهة. إنما المهم هو تساؤلنا هل الله يهتم بديمومتنا؟ بلى، إنه خلقنا على صورته وجعلنا أعلى المخلوقات.

أجل نقولها بغبطة، إن الله تعالى يرعانا ويهتم بنا أكثر مما نرعى ونهتم نحن بأنفسنا. إن الله يحمينا ويحفظنا ويتمنى أن نبقى إلى الأبد تحت ظل رحمته. إنه يدعونا أن نتوجه إليه. ويريد منا أن نؤمن بأنه قد ارتضى بنا وقبلنا. ولأجل أن أجعل هذه الحقيقة العظمى قريبة للفهم أود أن أسرد عليكم هذه القصة الواقعية.

في أحد الأيام صنع صبي -بكثير من البراعة- زورقاً صغيراً. وباعتزاز كبير نقله إلى النهر القريب وأخذ يراقبه كيف يجري في الماء. وبينما كان يراقبه ذات يوم، إذا بريح قوية تهب فجأة وتدفع بالزورق في تيار الماء الهادر. وبعد لحظات قصيرة يختفي عن العين.

أعتقد أنه ليس من الضروري أن أشرح لكم الألم والحزن الذين ألما بالصبي من جراء فقده لزورقه. ليس من الصعب عليكم أن تتصوروا هول الخسارة الكبرى التي مني بها الصبي، ولو أنها في الحقيقة لم تتعد لعبة صغيرة ورخيصة.

بعد مضي أيام على الحادثة وإذا بالصبي يرى زورقه في واجهة أحد المخازن مصاباً بأضرار ومحطماً بيد أنه زورقه. والصبي يريد الحصول على الزورق في الحال مرة أخرى. ولكي يحصل عليه ينبغي أن يدفع سعره ماركان. إن هذا بالنسبة للصبي يعني مبلغاً كبيراً. وبالرغم من ذلك فإنه يقرر شراء الزورق مهما كلف الأمر. وبتفان متناه يضحي من أجل ذلك. وأخيراً وبعد يومين من العمل المرهق كسب الماركين. وفي الحال أسرع إلى المخزن الذي يوجد فيه زورقه، ودفع إلى البائع بالماركين واحتضن بسرور بالغ زورقه الصغير وضمه إلى صدره وذهب إلى البيت. وهو يردد في الطريق مخاطباً زورقه: أنا صنعتك وأنا اشتريتك وللمرة الثانية أصبحت ملكي.

وعلى هذا المنوال خلقنا الله. بيد أننا وقعنا تحت نير الخطية وابتعدنا عن الله. أجسادنا، عقولنا، كلها تلطخت وأصابها العار. وعلى الرغم من ذلك فإن الله لم يدعنا وشأننا. وحسب قول الكتاب المقدس، فإن الله لكي يظهر لنا محبته غدا إنساناً وأتى إلينا.

ولا ريب أنه في وسعنا التساؤل كيف يجوز أن يحدث هذا؟ وأن نحتج على ذلك منكرين. غير أننا لو كان لنا إيمان بالله، نعلم أن الله على كل شيء قدير. إن الله أتى إلينا في شخص يسوع المسيح. والبرهان على ذلك هو الحب الذي شاهدناه في المسيح الفادي الحنون.

ليس في مقدور أي إنسان ولا حتى أي نبي أن يحب كيسوع المسيح. إن الذروة في حبه، أنه ضحى بنفسه من أجلنا ومن أجل أعدائه. وبذلك اشترى خطايانا وأنقذنا من العذاب الأبدي حين مات على الصليب. وبهذا لا يجب علينا أن نظل عبيد الخطيئة وإنما أولاد الله.

إن يسوع قد قام من الأموات وبذا قد حررنا من سلطان الموت أيضاً حتى نعيش معه إلى الأبد. دفع يسوع حياته ثمناً لخطايانا، وبذلك دفع ثمناً باهظاً وفق عظمته.