العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

حول الكتاب المقدس


مدوّنو الوحي المقدس

الغريب في الكتاب المقدس، أنه لم يدونه إنسان واحد، بل اشترك فيه حوالي أربعون كاتباً من مختلف الطبقات والأعمار وفي ظروف متباينة وحقب متباعدة على مدة ألفي وستمائة سنة تقريباً. والأعجب من كل هذا، أنه جاء في وحدة متناسقة ومتكاملة، لا ناسخ ولا منسوخ تجده فيه، مما يدل على أن صاحبه ومصدر الوحي فيه واحد، هو الله سبحانه، الذي ألهم أنبياءه ورسله الأتقياء بتدوينه. ونجد الجملة «هكذا قال الرب» مكررة مرات كثيرة، لأن الأقوال المدرجة فيه هي أقوال اله تعالى. ويصرح بولس الرسول قائلاً: «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ» (2تيموثاوس 3: 16). وجاء كذلك في رسالة بطرس الرسول الثانية قوله: «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21).

والكلمة «موحى» تعني في الأصل «تنسّم به الله» أو «مستمد من الله». الوحي هو عمل الروح القدس في عقل البشر، وقد استخدم الله البشر كأدوات لإيصال رسالته لكل الناس بطرق متنوعة وبحسب حاجة البشر.

التوراة أي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم، يعزى معظمها للنبي موسى الذي عاش حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقد شاءت عناية الله أن يتربّى موسى النبي على يد مربّين أخصائيين في تربية الملوك والأمراء، وأن يعيش في أفخم القصور في ذلك الزمان، وأن يتلقى علوم الحضارة المصرية التي فاقت كل حضارة آنذاك على يد أكفء المعلمين داخل قصر فرعون الملك.

ثم المزامير (الزبور) التي دوّن معظمها النبي داود بإلهام وإرشاد من الله. وقد عاش النبي داود ما بين 1010 - 970 قبل الميلاد. كان داود أصغر إخوته وراعي لأغنام أبيه عندما دعاه الملك ليملك على شعبه وتَسَلُمهِ مسؤولية خدمة الله، وإعلان كلمته وقيادة شعبه إلى مرعى السلام والعيش مع الله.

سفر الأمثال. هذا السفر زاخر بالأمثال والحكم والنصائح لفائدتا نحن البشر. ثم سفر الجامعة ونشيد الأنشاد. وموضع سفر الجامعة هو بطلان هذا العالم الفاني يُنسب قسم كبير من هذه الأسفار (أمثال والجامعة ونشيد الأنشاد) إلى سليمان الحكيم الذي ملك بعد أبيه النبي داود لمدة أربعين سنة.

ثم هناك سلسلة من الأسفار التي دوّنت على يد بعض الأنبياء الذين سخرهم الله لنشر رسالته وإعلان كلمة حقه بين الناس.

ويلي أنبياء العهد القديم رسل العهد الجديد. وتفصل الفترة بين تدوين العهد القديم والعهد الجديد حوالي 400 سنة حيث لم تدون فيها أي رسالة. إلى أن أطل علينا عصر العهد الجديد الذي كلمنا الله فيه من خلال كلمته المتجسد يسوع المسيح. في العهد القديم كلمة الله جاءت بواسطة الأنبياء، أما في العهد الجديد كلمنا الله بواسطة يسوع المسيح ورسله، الذين دونوا لنا الإنجيل الذي هو خبر عن المسيح يسوع الكلمة الأزلية المتجسد. فنجد سيرة هذه الكلمة (يسوع المسيح) مدوّنة لنا في الأناجيل الأربعة أي الأخبار السارة عن يسوع المسيح وقد دوّنها أتباع المسيح بإرشاد من الله تعالى. والإنجيل كُتب على يد أربعة وهم: متى العشار وقد عاشر وشاهد المسيح بعينيه. ثم مرقس كاتب الإنجيل الذي يلي إنجيل متى وهو كذلك شاهد عيان ثم لوقا الطبيب الذي عاش مع الرسل، ويوحنا التلميذ الذي كان من ألصق التلاميذ بالمسيح، وهو من السلالة الكهنوتية. ثم أنّ معظم الرسائل دُوّنت على يد بولس رسول الأمم الذي كان قبل اهتدائه مضطهداً كل من تنسّم فيه رائحة اعتناقه المسيحية، ثم هناك رسائل دُوّنت بيد بطرس الرسول صياد السمك، ويعقوب ويهوذا. وقد تمّ إنجاز العهد الجديد بعد المسيح خلال 100 عام.

وإذا تصفحت الكتاب المقدس من أوله (سفر التكوين) إلى آخره (سفر الرؤيا) تجده واحداً يكمل بعضه البعض. فالعهد القديم بدون العهد الجديد ناقص والصور غير واضحة فيه. ولا نستطيع فهم العهد القديم إلا على ضوء العهد الجديد. وهذا بدوره مكمل للعهد القديم. وقد صرّح الرب يسوع المسيح بقوله: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متى 5: 17).