العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

دافيد لفنستون


ولد دافيد لفنستون في بلاتيتر باسكتلندا في 19 مارس 1813، وكان والداه من الطبقة الفقيرة فنشأ في أحضان الفقر. كان كل من والدي لفنستون تقياً ورعاً. وكانت أمه نشيطة محبة. وكان أبوه مثلاً أعلى يشهد لروعة الأخلاق. إن البيت الذي نشأ فيه دافيد لفنستون كان بالكاد تتوفر فيه ضروريات الحياة ومطاليبها إلا أنه كان بيتاً سعيداً بهيجاً يسوده النشاط والمرح والإيمان بالله والمحبة من كل فرد للآخر.

كان والدا دافيد فقيرين جداً لدرجة أنه اضطر أن يشتغل عاملاً في أحد المصانع وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره. وكان في المساء يواظب على الدراسة بحماس كبير.

وكان في أغلب الأحيان يواصل دراسته ويثابر عليها بعد وصوله إلى البيت حتى إلى ما بعد منتصف الليل ما لم تتدخل أمه لتقنعه بالنوم وضرورة الراحة. كان دافيد يعتقد أن الكتب الدينية تتعارض مع الكتب العلمية واستمر إعراضه عنها إلى أن قرأ كتاب "فلسفة الدين" وكتاب "فلسفة دولة المستقبل" وسر عندما رأى من قراءته لهذين الكتابين أن الدين والعلم صديقان لا يناقض أحدهما الآخر. وأخيراً اقتنع من خلال قراءته أن من واجبه أن يقبل خلاص المسيح. وهكذا دخلت بذرة الإيمان في قلبه واشتعل قلبه بمحبة المسيح. في العالم الذي أطلق عليه "بالعالم المظلم".

وفي سنة 1838 تقدم بطلب إلى الجمعية المرسلية في لندن يعرض خدماته كمرسل. وبعد الفحص ونجاحه قُبِل. وأخذ فترة التدريب في الخدمة وكان عليه أن يتمم بعض الدراسات الطبية التي تفيده في الخدمة. فانكب على الدرس والتحصيل إلى أن حصل على دبلوم في الطب. وفي سنة 1840 ودع أسرته متجهاً إلى أفريقيا للخدمة هناك.

وصل إلى أرض أفريقيا الموحشة وبدأ في كفاحه ونضاله ضد كل ما هو شر بقلب مشتعل بنار غيرة الرب من أجل ربح النفوس إلى المخلص يسوع. فقطع رحلاته في أرض أفريقيا 29.000 ميل، مضيفاً بذلك معلومات جديدة قيمة للثروة الجغرافية. ولم يختلّ عن الأهداف العظمى في حياته ألا وهي القضاء على تجارة الرقيق وتبشير أفريقيا بالمخلص يسوع.

لقد قضى دافيد لفنستون ثلاث وثلاثين عاماً في خدمة أفريقيا في الأعمال الخيرية والمرسلية. وقد كان أول مكافح ومناضل ضد تجارة الرقيق. لقد كان رائداً يعد طريق الرب في تلك الأرض التي هي بأمس الحاجة إلى نور الإنجيل. وقد جازف دافيد بحياته في سبيل تلك الأمة، وكانت حياته سبب بركة لكثيرين هناك، وكان المفتاح لدخول المسيحية إلى تلك الأرض وأظهر بحياته وأعماله محبة المسيح. لقد كان نوراً حقيقياً وملحاً خالصاً إذ جعل حياته هي التي تشهد ووداعته تتكلم. لقد أحبه شعب أفريقيا السوداء لحياته الوهاجة ورقة قلبه الفياض بالمحبة.

كان لفنستون يتمثل بنفس الروح التي أبداها سيده في اهتمامه الكبير باحتياجات الناس حوله. فلم يكن هناك شيء يعتبره تافهاً في نظره إذا كان ذلك الشيء يهم أخاً له في الإنسانية.

لقد تعرض مرات عديدة للإخطار في سبيل الواجب تستحق الإعجاب والإكبار في سبيل إخوته ولم يتردد مرة في مساعدة من هم بحاجة ليد المساعدة. لقد أظهر بحياته صورة مثالية حقة للمرسل الحقيقي الذي يجب أن يكون، والحياة التي يجب أن يحياها. لقد اندمج مع الشعب الإفريقي المتاخر. كان مثل البذر الذي يموت في الأرض كي يعطي ثماراً. فكانت ثمار خدمته بعد موته.

وفي سنة 1873 احتفل بجنازته في كوخ حقير جانب سرير رديء للغاية. وقد قضى آخر لحظات حياته على ركبتيه راكعاً مصلياً.