العودة الى الصفحة السابقة
الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الشمس تبدد الغيوم الملبدة


صعد المسيح ظافراً بعد أربعين يوماً من قيامته من بين الأموات، إلى الله أبيه، وأخذ مجده الأصيل الذي كان قد أخلى نفسه منه عند تجسده لأجلنا.

وقبل صلبه بقليل أخذ ثلاثة من تلاميذه على انفراد، وصعد بهم إلى جبل حرمون العالي، لأنه عزم أن يظهر لهم بهاء مجده الخالد ويريهم جلال جوهره الأزلي، لكي يثبتوا في الإيمان ولا يتزعزعوا عندما تهاجمهم ساعة العثرة والافتراق عنه فكشف لهم مجده المستتر لكي لا ييأسو ولا يشكوا في ألوهيته.

كان تلاميذ يسوع الاثنا عشر شباناً من عائلات بسيطة. كان ستة منهم صيادي سمك. وكانوا جيمعاً يتبعون يوحنا المعمدان سابقاً، واعترفوا جهراً في البرية بخطاياهم أمام الله. وتعمدوا بمعمودية التوبة على يد يوحنا في نهر الأردن. وكما غرق إنسانهم القديم الفاسد قام بالإيمان إنسانهم الجديد المطهر المستعد لخدمة الله.

عندما سمع التلاميذ من يوحنا المعمدان أن يسوع المسيح هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم، وأن له السلطان أن يعمد بالروح القدس، ترك بعضهم معلمهم المتقشف وتبعوا يسوع فوراً، وابتدأوا يدركون قوة محبته في أقواله وأعماله. وأما بهاء مجده فكان مستتراً عن عيونهم حتى أعلنه لثلاثة منهم على قمة الجبل العالي.

ومنع يسوع مختاريه من أن يتكلموا عن تجليه حتى صعد إلى أبيه، لأن إدراك مجده لا يتم منطقياً ولا بأساليب الفلسفة، بل يظهر بالإيمان وبعد التسليم الكامل له، فادرس الخبر عن تجلي المسيح لتدرك كيف يعيش يسوع اليوم، وتبصر مجد المقام من بين الأموات وقوة سلطانه الدائم.

«وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَٱلنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ. لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّحَابَةِ قَائِلاً: «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ ٱسْمَعُوا». وَلَمَّا سَمِعَ ٱلتَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدّاً. فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا». فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ» (متى 17: 1-8).

لقد لمع وجه يسوع كلمعان الشمس، وظهر مجده الأصلي. عندئذ أدرك تلاميذه أنه ليس إنساناً عادياً فحسب، بل هو نور العالم المتجسد. إنه ابن العلي، «نور من نور إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهرواحد مع الآب». وعند ادراكهم هذه الحقيقة الجوهرية سقطوا أرضاً كالأموات، لأن جسدهم البشري لم يقدر أن يحتمل مجد الله، فأقامهم يسوع وأمرهم أن لا يخافوا.

بعدما مات يسوع وقام من قبره وصعد إلى أبيه في المجد اغتاظت جهنم. فانتقم الشرير من اتباع المسيح بواسطة الفقيه شاول المتعصب، الذي اضطهد باسم الله الواحد المؤمنين بالمسيح. فأجبرهم بالعذاب الأحمر على الارتداد عن إيمانهم، وحكم على الثابتين في الإيمان بالسيف. ونال لأجل غيرته امتيازاً وسلطة من المجمع الديني في أورشليم ليسلب ويعذب ويدين المسيحيين في دمشق.

وعندما قصد شاول دخول دمشق اعترض الرب يسوع سبيله، وأعلن مجده للمتزمت التقي، لكي يدرك في لحظة واحدة أن المصلوب الذي يضطهده حي، لم يبقَ في القبر، وأن المرفوض من أمته هو بالحقيقة نور العالم.

وعندما تتعمق في شهادة بولس الرسول تدرك كيف يلتقي الرب الحي في عصرنا هذا بأفراد، ويطهّرهم ويملأهم ويرسلهم إلى الأمم ليشعوا نوره للساكنين في الظلمة، كما كان بولس يشهد عن ظهور المسيح له قائلاً:

«لَمَّا كُنْتُ ذَاهِباً... إِلَى دِمَشْقَ، بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ، رَأَيْتُ فِي نِصْفِ ٱلنَّهَارِ فِي ٱلطَّرِيقِ، أَيُّهَا ٱلْمَلِكُ، نُوراً مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ ٱلشَّمْسِ قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ ٱلذَّاهِبِينَ مَعِي. فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى ٱلأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتاً يُكَلِّمُنِي بِٱللُّغَةِ ٱلْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. وَلٰكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهٰذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ ٱلشَّعْبِ وَمِنَ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال الرسل 26: 18-12).

توضّح لنا هذه الحادثة التاريخية أن الاجتهاد والتعصب في سبيل الدين لا يبرر الإنسان لكن رحمة يسوع الفادي هي التي تخلص الخطاة وتقدس قلوبهم.

لم يهلك المسيح في جلاله شاول مضطهد كنيسته، بل تحنّن عليه وكلمه شخصياً، وعفا عنه غافراً ذنبه بنعمته، موضحاً له أن يسوع وأعضاء كنيسته هم و حدة كاملة إلى الأبد. فالرب يتألم من اضطهاد أعضاء كنيسته كأنه يتعذب هو شخصياً، لأن محبته هي النور المشع فيهم وروحه يمتلك حياتهم. فوحدة المسيح مع كنيسته هي السر السماوي الذي اخترق فكر بولس الرسول، وأصبح الإعلان الجديد في بشارته.

ولما زاد عدد المسيحيين وتضاعف حاول الشيطان إفناء الكنيسة نهائياً. وفي أثناء موجة الاضطهاد هذه سجن الرسول يوحنا التلميذ الحبيب في جزيرة بطمس النائية، ليموت هناك جوعاً وعطشاً. وفي الوقت ذاته قبضوا على كثير من المؤمنين بالمسيح وعذبوهم وقتلوهم.

أما الرب يسوع فانحنى على عبده يوحنا المصلي في العزلة وأظهر له نفسه، وأكد له أن أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته لأنه هو ربها الحي. وقد دون يوحنا اختباراته كما يلي:

«كُنْتُ فِي ٱلرُّوحِ فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً كَصَوْتِ بُوقٍ قَائِلاً: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ. وَٱلَّذِي تَرَاهُ ٱكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى ٱلسَّبْعِ ٱلْكَنَائِسِ ٱلَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ».

فَٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلصَّوْتَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا ٱلْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسَطِ ٱلسَّبْعِ ٱلْمَنَايِرِ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى ٱلرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَٱلصُّوفِ ٱلأَبْيَضِ كَٱلثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. وَرِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَمَعَهُ فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ ٱلْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ، وَٱلْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ ٱلْهَاوِيَةِ وَٱلْمَوْتِ» (رؤيا 1: 10-18).

إن المسيح حي ودُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. وجهه لامع كالشمس في بهائها، وأشعة قداسته تضيء وتكشف حياة جميع قديسيه، حتى أن من يعاينه يسقط أرضاً لأنه يحس أنه مُدان. ولكن المسيح أيضاً هو المحبة والحياة، ولا يريد موت الخاطئ بل أن يتوب ويحيا ويستنير ويحمل النور السماوي بصلواته وأقواله وأفعاله إلى جميع الناس. هكذا خلص يسوع يوحنا من الموت، وأوقفه على رجليه ليحيا ويشهد بمجد يسوع الحقيقي.

أيها القارئ العزيز، إن تأملت في ولادة يسوع المسيح ودرست سيرة حياته وموته وقيامته من بين الأموات، وأدركت أنه عائش في مجده السرمدي في السماء، عندئذ تفهم معنى قول يسوع: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 8: 12). فإن عظمته اللانهائية أقوى من كل سلطة أو بهاء دنيوي، ومن يؤمن بالمسيح وموته وقيامته يمتلئ بسلام الله. فالمسيح الحي يبث السلام السماوي في كل الذين يومنون به.