العودة الى الصفحة السابقة
الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة تبغض النور


هل سمعت عن طبيب أو نبي أو زعيم أو فيلسوف قدر أن يقوم بعجائب وعظائم مثل يسوع المسيح؟ لقد أسكت العاصفة بكلمة قدرته، واشبع مستمعيه الخمسة آلاف في البرية بخسمةأرغفة وسمكتين، وأخرج الأرواح النجسة من الملبوسين بأمر من فمه، وشفى المرضى، الذين أتوا إليه، من كل أسقامهم. فلا علة ولا داء ولا سلطة أخرى استطاعت أن تعارض سلطة محبته. وقدم المسيح للناس كل خدماته العجيبة مجاناً وبقي هو مكتفياً فقيراً. لم يعظم نفسه بل أكرم أباه السماوي، وقدس اسمه باستمرار، وتواضع جداً حتى قال:

«أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً» (يوحنا 5: 30).

قدم يسوع الإنجيل للمساكين ونجاهم من ضيقاتهم بقوة روحه. أما عمله الأعظم فهو رفع خطية العالم وكفارته عن الجميع. لقد حررنا من سلاسل عبودية الشيطان بعدما أعلن لنا أن طبيعتنا الفاسدة محتاجة إلى الخلاص. إن المسيح حرر أتباعه من التفكير بأن تقواهم تخلصهم وأعطاهم في الوقت نفسه رجاء عظيماً، إنه في محبته الإلهية يخلصهم من غضب الله على ذنوبهم. وقد رفع يسوع خطية العالم، وحمل أيضاً عقوبة الدينونة عوضاً عن الجميع، وصالح البشر مع الله بذبيحة جسده. فالمسيح هو النور ا للطيف المطهر الشافي وكل من يقترب منه لا يدان إنما يتبرر ويخلص، وكل من يتبعه لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة.

لقد انتصر المسيح على التجارب المتنوعة ولم يرتكب أية خطية. فلم يقدر أعداؤه ولا السلطة الرومانية المدققة في كل الأمور، أن يثبّتوا عليه أيّ تعدّ أو تجاوز عن الحق. فالنور الإلهي، الذي فيه غلب كل تجربة وظلمة وفساد. ويؤكد لنا الوحي أن المسيح ثبت قدوساً كل حين ولم توجد فيه علة، فاستحق هو الوحيد أن ينوب عن الخطاة. وقد تألم في عظمة محبته بسبب خطايانا وستر ذنوبنا، فصرخ معلقاً على خشبة العار:

«إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متى 27: 46).

فالمسيح الذي أعلن لنا أبوة الله، والذي كان واحداً مع الآب منذ الأزل، تألم من الدينونة نيابة عنا. فهو حمل الله الذي حمل ذنوبنا، واحتمل العذاب عوضاً عنا جميعاً.

فهل أدركت امتياز التبرير الذي وهبك إياه الله؟ إن القدوس لا يقدر أن يغفر لمن يشاء، لأن متطلبات الحق تتعارض مع الخاطئ وإهلاكه إلى الأبد، لأنه تجاوز الشريعة وتعدى على الله. فالخطيئة هي التعدي. وأما المحبة الإلهية فتريد خلاص الخاطئ. ولهذا السبب أرسل الله المسيح بديلاً عن البشر ليرفع خطيئة العالم ويتحمل الهلاك عنا. وهكذا أكمل الشريعة لأن المسيح في محبته دفع ثمن المصالحة عنا. وتوضح لك الحادثة التالية هذه المعاني الروحية العميقة.

كان في إحدى بلاد العرب قسيس يهوى السير السريع بسيارته. فأوقفه مرة رجال الشرطة وغرّموه بغرامة مالية، وحولوه إلى المحكمة المحلية. وسر القس عندما سمع أن القاضي هو أحد شيوخ كنيسته، فذهب مطمئناً لأن القاضي صديقه. وكم كان تعجبه عظيماً عندما دخل غرفة المحكمة ورأى القاضي جالساً بملامح عابسة وازدادت حيرته عندما سأله عن اسمه ومهنته، وإن كانت قوانين السير معروفة لديه أم لا. فعندما أجابه القس بأنه يعرف، سأله القاضي: «فلماذا أسرعت إذاً. عليك الآن أن تعترف أنك عصيت القانون وأنك مخطئ».

فلما سمع القس هذه الكلمات، اغتاظ لأنه كان يعلم أن رجال الأمن يتسامحون مراراً مع الذين يتجاوزون السرعة المقررة. فغضب من صديقه القاضي لأنه ضخّم القضية البسيطة، ولأنه قاده إلى الاعتراف بذنبه أمام الحضور. وبعد أن اعترف بخطئه حكم عليه القاضي بمبلغ قدره نصف مرتبه الشهري.

فلما ترك المحكوم عليه المحكمة ووصل إلى بيته، أسرع على الهاتف وطلب القاضي فلم يجده. فتحدث مع زوجته وسألها بغضب: «ماذا فعل بي زوجك؟ قد فضحني أمام الجميع ووضع عليّ قصاصاً هائلاً لا أستطيع تحمله». فأجابته بلطف: «عندما تلقى زوجي صباحاً أوراق قضيتك ضحك ضحكاً طويلاً وقال: اليوم أعلم صديقي رجل الدين، درساً في الحق والرحمة لن يسناه أبداً». فأجابها القس: «أين الرحمة وأين الحق؟ عليّ أن أدفع مبلغاً ضخماً بسبب خطأ بسيط». فهدأته زوجة القاضي قائلة: «اصبر قليلاً أيها القس المحترم، فتفهم قصد أخيك في الروح».

في تلك اللحظة قرع جرس بيت القس موزع البريد وسلم القس رسالة مستعجلة من القاضي. ولما فتحها وجد فيها مبلغ الغرامة كله مع رسوم المحكمة المفروضة عليه لأجل الجلسة. وفي الرسالة المرفقة كتب القاضي هذه الكلمات: «إني صديقك الحميم، أحبك وأحترمك، لكني مقيد أيضاً بمبادئ الحق. كان الجميع يقفون بالمرصاد منتظرين مني أن أخفف الحكم وأسهل عليك القصاص لأجل صداقتنا. فلم أجد حلاً أفضل من أن أحكم عليك حكماً صارماً إحقاقاً للحق، وفي الوقت ذاته أدفع عنك مبلغ الغرامة كله لمحبتي لك. فهل تقبل أن تعتبر هذه المعاملة تفسيراً متواضعاً لعدالة الله ومحبته لنا المتحدتين في كفارة المسيح؟».

إن الله في كامل قداسته لا ولن يعوج الحق، بل سيديننا حسب الشريعة ويحكم علينا بالموت والهلاك الذي نستحقه. ولكنه بفضل محبته العظيمة لنا وضع على المسيح آثامنا جميعاً، ليموت هو عوضاً عنا. وهكذا دفع ثمن تحريرنا من عقوبة الدينونة.

فموت المسيح كان انتصاره العظيم على الظلمة. قد صار البريء خطية عوضاً عنا ليفتح لنا الطريق إلى عرص النعمة والنور. ومذن ذلك الوقت تشرق شمس البر على أتباع المسيح. فلا يعيشون فيما بعد في ظلمة خطاياهم لأن المسيح حررهم منها نهائياً. ولن يجد الشيطان فيهم حقاً ولا سلطة، لأن المسيح يسفع فيهم عند الآب. فجميع المؤمنين بالمسيح يتعرفون بذبيحة يسوع الفدائية بالشكر والحمد، كما أعلنها الوحي، سبعمئة سنة قبل موت المسيح بإشعياء النبي القائل:

«لٰكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (اشعياء 53: 4-6).

أيها القارئ العزيز، إن المسيح هو «الذبح العظيم» الذي نقرأ عنه في الأسفار المقدسة. قد تمت في موته مصالحة العالم بالله. فنقترح عليك أن تحفظ كلمات الوحي من سفر إشعياء غيباً، وتتعمق فيها لتفهم معنى آلام المسيح وتنال الحق الإلهي المعد لك شخصياً.