العودة الى الصفحة السابقة
الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

ابتداء المعركة الأخيرة بين النور والظلمة


لخص الرسول بولس، المتجول في حوض البحر الأبيض المتوسط، رسالته إلى الرومانيين بالكلمات التالية:

«اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ، فَٱلْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ ٱلنَّامُوسِ. هٰذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ ٱلْوَقْتَ، أَنَّهَا ٱلآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ ٱلنَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا ٱلآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي ٱلنَّهَارِ، لاَ بِٱلْبَطَرِ وَٱلسُّكْرِ، لاَ بِٱلْمَضَاجِعِ وَٱلْعَهَرِ، لاَ بِٱلْخِصَامِ وَٱلْحَسَدِ. بَلِ ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ ٱلشَّهَوَاتِ» (رومية 13: 14-10).

علم الرسول بولس أن الظلمة في نهاية تاريخ البشر ستحاول أن تبيد سيادة المسيح بواسطة هجوم معد بدقة، لذلك يدعو الرسول كل أتباع يسوع أن يتجندوا بأسلحة النور. ولا يقصد بهذه العبارة سيوفاً أو سهاماً ولا مدافع أو غازات سامة ولا أشعة اللايزر أو الأسلحة النووية، لأن محبة الله لا تدعونا إلى جهاد غير مقدس، بل تحذرنا من استخدام العنف تجاه غيرنا، كما حذر المسيح مقدام رسله بطرس قائلاً له:

«رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متى 26: 52).

ففكرة الصليبيين لا تجد لها سنداً أو أساساً في الإنجيل، لأن الجهاد المسيحي يتم روحياً وليس سياسياً، بأسلحة روحية وليس بأسلحة فتاكة. تعمق في صفات الأسلحة الروحية في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس لتدرك معنى جهادنا الروحي:

«ٱلْبَسُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱحْمِلُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَٱثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ، وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي ٱلرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهٰذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ» (أفسس 6: 11-18).

إن كفاح المؤمن غير موجه ضد العدو بالدرجة الأولى، بل ضد الذات أولاً. فعلينا أن نغلب «الأنا» ونميت ميولنا للشهوة والسكر والزنى، وننكر البغضة والحسد والكبرياء من ذهننا باسم يسوع ونتمنى لأخينا الإنسان ما نتمناه لأنفسنا أيضاً. كما قال الكتاب:

«تَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْراً وَاحِداً وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئاً وَاحِداً، لاَ شَيْئاً بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ ٱلْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً» (فيلبي 2: 2-5).

أما المعركة الأخيرة فهي كفاح عنيف ودون رحمة، كما قال المسيح لتلاميذه:

«ٱنْظُرُوا، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِٱسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ» (متى 24: 4 و5).

في أيام الضيق هذه يتقبل الإنسان تعاليم مضلة وأفكاراً كاذبة بكل سهولة، لذلك نحتاج إلى ثبات في الحق. ويسوع المسيح هو الحق الوحيد الذي يجب أن نثبت فيه، لذلك علينا أن نلبسه كما نلبس أفضل لباس لدينا، كما قال الكتاب:

«ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ ٱلشَّهَوَاتِ» (رومية 13: 14).

عندئذ يرى زملاؤك المسيح في كلامك وأفعالك، فاثبت في محبته الطاهرة بوداعة وتواضع عاملاً الخير للجميع، فبرّ المسيح يحميك من الشرير وسلطانه، لأنه الرب هو ملجأك الوحيد، وفيه تطمئن إن ثبت في رحابه.

لقد بدأ الكفاح بين النور والظلمة منذ القديم، ويدور حول الحق والإيمان والأمانة. جاء المسيح ليبيد أعمال الشيطان، ودعا إبليس «رئيس هذا العالم». وقد شهد الرسول يوحنا: «أن العالم كله قد وُضع في الشرير»، ولكن كل من يفتح قلبه لنور المسيح يتحرر ويخلص من سلطة الشرير، وينتقل من الظلمة إلى نوره العجيب.

قال المسيح لأحبائه:

«اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ ٱلْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْكَرْمَةِ، كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هٰذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا 15: 4 و5).

فلا يستطيع أي مسيحي أن يغلب الشيطان وملائكته من ذاته، لكن ابن الله هو الغالب الوحيد. ولا يكون في الإنسان طاقة النور الإلهي، إن لم تُعط له من المسيح. فبهذا المعنى نصلي: «نجنا من الشرير» عالمين أننا لا نستطيع أن نحرر أنفسنا من قبضة الشيطان أو نحميها من حيله. لكن نعمة الله هي التي تضمننا في المسيح وتحررنا من سلطة الشرير فينا، فنشبه الفراشات المقتربة من الضوء لتسقط فيه وتنتهي في وهجه. فعندما نلقي بحياتنا في المسيح تموت «الأنا» المتربعة على عرش قلوبنا ويحقق الرب نفسه فينا.

سيحاول الشيطان بكل قوته أن يزعزع الثابتين في المسيح. وعندما لا يستطيع أن يشق الكنيسة من داخلها، يأتي بتهديدات وتحقيقات وسجن وعذاب حتى ينكر أتباع المسيح أباهم السماوي، ويجدفوا عليه. إن الظلمة تعمل ضد النور وتريد اطفاءه لكن المسيح يؤكد لنا:

«أَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (متى 16: 18).

«ٱلَّذِي يَصْبِرُ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى فَهٰذَا يَخْلُصُ» (متى 24: 13).

ففي الايام الأخيرة سنسمع ونعاين بواسطة الإذاعة والتلفاز وكاسيتات الفيديو أموراً دنسة جذابة ودعوات سياسية ودينية كثيرة، وسيأتي علينا ضيق من العالم. ولكن شعورنا الباطني سيبقى في سلام، لأن صوت الروح القدس الحنون هو أقوى ويسيطر على كل الأصوات المضلة الدنيوية.

كما قال لنا يسوع:

«قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا. سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ ٱلْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلّٰهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هٰذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ٱلآبَ وَلاَ عَرَفُونِي... قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا 16: 1-3 و33).

فيتحقق فينا وعد الوحي القائل:

«ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 1: 27).