العودة الى الصفحة السابقة
الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الله نور وهو يوحدنا في نوره


عندما يجتذبك الروح القدس إلى نور المسيح اللطيف، تدرك أكثر فأكثر أن الله هو أبوك في الروح والحق. هذه البشارة كتبها لنا يوحنا الرسول قائلاً:

«وَهٰذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ٱللّٰهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1 يوحنا 1: 7-5).

والحقيقة الثانية التي ندركها عند اقترابنا من خالقنا هي: أن الله قدوس. فعندما رأى النبي التقي إشعياء الرب في الهيكل صرخ:

«وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء 6: 5).

وإن واظبت على مطالعة هذه الشهادة المثيرة، ترى كيف أن الله القدوس طهر الخاطئ المعترف بخطيئته، واختاره ليرسله رسولاً عنه، فوضع نفسه تحت تصرف الله بلا قيد أو شرط، إذ تغمره نعمة الله الغزيرة.

قد ظهر مجد الله للنبي حزقيال المسبي إلى العراق برؤية مختلفة. فرأى «جالساً» على عرش عظيم، لامعاً أكثر من لمعان الشمس، ومركبة عرشة البهية متحركة على الدوام. لقد اعتبر رجال العهد القديم التنوع المدهش لمجد الله كخلاصة لصفاته وأسمائه.

وأما يوحنا الرسول فوصف رؤية القادر على كل شيء بطريقة تختلف عن كل وصف قبله. فمنذ إعلان المسيح نفسه نوراً للعالم عرفنا أن الله هو أبونا الحنون. فالله الآب، وابنه المسيح، وحتى كنيسته يحملون صفة النور هذه، لأنهم مكونون من ذات الجوهر والروح الواحد.

إن الله هو المقياس لكل ما يسمى صلاحاً. ليس فيه ظلمة البتة، ومحبته تتطلب منا الانفصال التام عن كل شر أو شبه شر. فمحبة الآب هي حق وخالية من كل كذب، وهو يريد أن تتجسد صفاته في أولاده أجمعين.

قد منح أبو ربنا يسوع المسيح لأتباع ابنه شرف السير في نوره، وأدخلنا إلى شركة مع أولاد النور الآخرين. فالآب والابن والروح القدس من البدء وحدة كاملة في المحبة والإكرام المتبادل. كما صلى يسوع قائلاً:

«قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ ٱلْمَجْدَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ ٱلْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي» (يوحنا 17: 22 و23).

ليس هدف الله إنارتنا وخلاصنا وتقديسنا فحسب، بل تنقيتنا من الأنانية وملئنا بالمحبة الخادمة في شركة المؤمنين. فالمسيحية الحقة تظهر في الشركة بين المقدسين.

هذا المبدأ يتطلب أولاً الشك في نفوسنا تجاه المؤمنين الآخرين حتى نثق بهم وبأقوالهم. وهذا يقودنا إلى التنازل عن كبريائنا الروحي. ونتيجة لذلك تتغير أفكارنا فنفكر كما يفكر الآخرون بروح الإلفة والتواضع. كما قال يسوع:

«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَٱلْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هٰكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، كَمَا أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 25-28).

هذه القاعدة هي شعار أولاد النور. لسنا أسياداً فيما بعد، بل خداماً متطوعين لكل الناس، فمن يتبع يسوع يصرف وقته وماله في خدمة الآخرين وحتى الذين يرفضونه. هكذا فعل ربنا ليعلمنا. فأتباعه يدربون أنفسهم على الصبر واحتمال الصعاب كما أن الله يصبر عليهم أيضاً.

لا نقول إن المؤمنين بالمسيح كاملون، فجميعنا بشر. وكل واحد يمكن أن يجرب بالغيظ والفخر والكسل والكذب وأي إثم آخر. لكنّ روح الله الساكن فينا يعطينا الغلبة. فإن عثرنا أو ضللنا أو أخطأنا، فلنا شفيع عند الآب: يسوع المسيح الذي هو كفارة لخطايانا. فإن اعترفنا بخطايانا له فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم.

فروح الله الآب هو حياتنا ودم يسوع المسيح هو برنا. فبدون تبرير مستمر في التوبة لا ننال قوة الله ولا نثبت سالكين في نوره كما هو في النور. فغفران خطايانا المستمر هو الشرط لسر بقائنا في النور.

فكلما اقتربنا من الله بالروح القدس، اتضح لنا فساد قلبنا. وعندها نبكي على أنفسنا. أما تواضع المسيح فيؤهلنا لشركة التائبين العائشين من نعمة الثالوث الأقدس الواحد.