العودة الى الصفحة السابقة
الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

الظلمة قد مضت النور الحقيقي الآن يُضيء

أنتم نور العالم


لم يعش يسوع متعالياً بعيداً عن أتباعه بل كان متواضعاً وشاركهم في محبته وقوته وحكمته، وأعطاهم الصفة الخاصة به عندا قال لهم:

«أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ» (متى 5: 14).

ليس المسيحي بطبيعته الجسدية إنساناً صالحاً في ذاته، وهو ليس أفضل من الهندوسي أو المسلم أو اليهودي أو الوثني. ولكن التبرير بواسطة دم المصلوب والامتلاء من الروح القدس، يعطي كل مؤمن بالمخلص الامتياز أن يدعى ابن الله، فيصبح في المسيح نوراً للعالم.

إن كلمة «المسيح» تعني أصلاً الممسوح بروح الله. فيسوع كان دائماً ممتلئاً بالروح القدس لأنه ولد من هذا الروح القدس، فقدر أن يفدي العالم كله. وأما المسيحيون الحقيقيون فهم ممسوحون بمسحة الروح القدس، لا لأنهم ولدوا في أُسر مسيحية ولا لأنهم نالوا التعليم المسيحي، فهذه كلها لا تجعل من الإنسان مسيحياً حقيقياً، ولكن بالتجديد الداخلي بواسطة التوبة والإيمان بالمسيح يصبح الإنسان ابناً لله، فيلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. وأوضح يسوع لأتباعه هدف حياتهم بالكلمات التالية:

«أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ... فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 5: 14 و16).

يشبه المسيحي المخلص مرآة صغيرة تعكس أشعة الشمس إلى المحيط حولها. فالمرآة لا تستطيع أن تجمع نور الشمس كله، ولكنها تعكس على قدر ما تستوعبه من أشعتها إلى المحيط المظلم. ومن ينظر إلى أشعة الشمس المنعكسة من المرآة الصغيرة ينبهر من شدة لمعانها.

وعلى القياس نفسه فلكل مسيحي الامتياز أن يعكس محبة المسيح وفرحه مع سلامه إلى الآخرين. فصبر المسيح ولطفه وجودته ووداعته وعفته هي ثمار الروح القدس المنتظرة من كل مسيحي أن يعيشها ويبثها ويعكسها إلى محيطه. فالحياة في هذه القوة لا تحتاج إلى كلمات كثيرة لأن لغة المحبة يفهمها كل إنسان في بلدان الأرض.

أتت شابة زنجية إلى قس وسألته أن تخدم في بيته مدة سنة كاملة، فقبلتها زوجته. وكانت هذه الفتاة أمينة ولطيفة ومخلصة طول مدة بقائها. وبعد سنة أرادت الشابة أن تتركهم، فقال لها القسيس: «لماذا لا تبقين عندنا؟ لقد أصبحت من أهل البيت. نحترمك ونحبك». فأجابته: «كلا، فأبي رئيس القبيلة قد أرسلني إليكم لأخدم عندكم مدة سنة وبعدئذ أتقدم إلى الشيخ المسلح وأخدم سنة عنده أيضاً، ثم أعود إلى أبي لأخبره من يعيش في بيته حياة أفضل. من منكما يعامل امرأته وأولاده وخدامه بطريقة أفضل. وعندئذ يعتنق أبي والقبيلة كلها الدين الأفضل».

فسرعان ما ابتدأ القس أن يعيد إلى ذاكرته أقواله وتصرفاته خلال السنة الماضية، إن كان قد أخطأ أو أساء إلى أحد من أهل بيته أو أقاربه، لأنه فهم أن حياته كلها كانت شهادة بل مرآة تعكس الروح الساكن فيه. فماذا يا تُرى يرى الجيران والخدام والأصدقاء في سيرة حياتك؟ هل أنت مرآة صافية تعكس نور المسيح؟

إن محبة المسيح لا تقودنا إلى الافتخار والانتفاخ والتكبّر، لأننا في المسيح حصلنا على حق التبني، ومنه نلنا قوة الحياة في الروح القدس. فالمؤمن من لا يطلب ما لنفسه ولا يمجدها لأن كل ما يعمله هو نتيجة عمل روح الرب الساكن فيه. فحياة المؤمن تكون حمداً وشكراً للذي فداها ومنحها الخلاص.

فليس المسيحيون عباد الله المقهورين، وهم لا يسجدون أمامه بخوف ورعدة، لكنهم يخدمونه بفرح وسرور طيلة أيام حياتهم. ليس بدافع الخوف بل بدافع المحبة.

وصف الرسول بولس الولادة الثانية والسلوك المسيحي بالكلمات التالية:

«لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً وَأَمَّا ٱلآنَ فَنُورٌ فِي ٱلرَّبِّ. ٱسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ. لأَنَّ ثَمَرَ ٱلرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلاَحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ» (أفسس 5: 8 و9).

في هاتين الآيتين وضح الرسول بولس وجود الماضي والحاضر في حياة أتباع المسيح. ففي الماضي كانوا محاطين بالظلمة ومملوئين نجاسة وخبثاً، وأما الآن فهم مطهرون بدون يسوع، تحييهم رحمته ويضيئهم نوره ليثبتوا فيه مطمئنين، عالمين أن لا ضيق ولا اضطهاد ولا موت يستطيع أن يخطفهم من يده.

دعاهم الرسول بولس «أولاد النور» لأن المسيح هو نور العالم الذي ينير أتباعه. فلا الشهادات العليا ولا حياة التصوف ولا أي تدريب عقلي يستطيع أن يغير الإنسان، لكن روح الله فقط هو الذي يخلق فيها كياناً جديداً. ولأن الإنسان خاطئ في طبيعته فهذا التجديد لا يتم بقدرته بل بقدرة كلمة الله وروحه المعزي.

«أَجَابَ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» (يوحنا 3: 5 و6).

لكن ولادة الإنسان من نور المسيح ليست الهدف الأخير في خطة خلاص الله، بل نضوج المؤمن لتظهر ثمار النور فيه. وقد ذكر بولس بهذه المناسبة الصلاح والبر والحق كصفات لنور الله. وتشتاق البشرية كلها إلى هذه الصفات، حتى أن بعض أصحاب المذاهب والنظريات يريدون أن يستخرجوها من الإنسان. ولكن عبثاً لأن الحياة الإلهية لا تسكن في الأموات بالذنوب والخطايا. المسيح وحده يعطي حياتك نوراً ويمنحك القدرة لتحيا للحق والطهارة والمحبة، وهو وحده الذي يساعدك على التحرر من الأنانية ويعلمك الاهتمام بالآخرين واحتمالهم بدون تذمر، وخدمتهم ومسامحتهم.

والشهادة الواضحة والحكيمة ليسوع أمام غير المؤمنين هي جزء مهم من الكيان الجديد في المسيح. لقد فوض الرب الحي رسوله بولس ليفتح أعين الشعوب، ليرجعوا من الظلمات إلى النور، ومن سلطان الشيطان إلى الله الحي. فكل الذين دخلوا نور يسوع أصبحوا شهوداً لمجده. هل تعرف أن اللهب الصغير الذي يشتعل من عود الكبريت يستطيع أن يعطي ضوءاً في ليلة مظلمة حتى على بعد ثلاثة كيلومترات؟ فحياتك وأقوالك وصلواتك هي شهادة لامعة ونور يضيء في الظلمة لا يمكن إخفاؤه. فالله يدعوك أن تكون أميناً في القليل، وتنقل النور الذي فيك إلى الآخرين.

صل إلى يسوع حتى يرسلك إلى إنسان جائع للبر، تصغي إلى سؤل قلبه فتعرف مشاكله، وفي الوقت نفسه تصغي إلى صوت روح الرب لتسمع ما يريدك أن تقوله لهذا الإنسان. كن مطيعاً وأميناً، وارشد الجائع إلى الحق ليجد الغذاء الروحي في كلمات الإنجيل. فيسوع يرسلك لتفتح أعين أقربائك وأصدقائك ليروا الرب نور العالم. وضح لهم غنى محبة الله، وضع الإنجيل بين أيديهم ليروا يسوع المخلص ويتركوا الخطيئة. صل لأجلهم باستمرار ليشرق لهم نور المسيح من خلال حياتك. هو وحده يستطيع أن ينير عمق أعماق الظلمة، ويجعل القلب الأسود قلباً أبيض، أكثر من بياض الثلج على قممم الجبال. فلكل مسيحي حي الامتياز أن يدعو أخاه الإنسان إلى الحياة الأبدية. فكن منارة في الظلمة وعوناً للكثيرين.

لا بد من الاعتراف أن الشهادة والخدمة للمسيح لا يلقيان الترحيب في كل مكان، فسرعان ما نجد مقاومة واضطهاداً، فيبرد حماس المتطوعين ويصيبهم الفشل، وتبدأ حياتهم الروحية بالفتور تدريجياً. لذلك ينبهنا الرسول بولس ويشجعنا على السهر والصلاة، لكي نميز بين الخير والشر وبين النور والظلمة، فندعو الشر شراً ونتبع الصلاح عملياً. ادرس كلمات الوحي بدقة لتكسب حكمة في خدمة إلهك:

«لاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ ٱلظُّلْمَةِ غَيْرِ ٱلْمُثْمِرَةِ بَلْ بِٱلْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا. لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرّاً ذِكْرُهَا أَيْضاً قَبِيحٌ. وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِٱلنُّورِ. لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ. لِذٰلِكَ يَقُولُ: «ٱسْتَيْقِظْ أَيُّهَا ٱلنَّائِمُ وَقُمْ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ ٱلْمَسِيحُ» (أفسس 5: 10-14).