العودة الى الصفحة السابقة
نساء في الكتاب المقدس

نساء في الكتاب المقدس

سارة وهاجر

دورا بك


Bibliography

نساء في الكتاب المقدس: سارة وهاجر. دورا بك. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. . . SPB 7123 ARA. English title: Sarah and Hagar. German title: Sara und Hagar. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

سارة وهاجر

سارة

«يا أبرام! انزع من فكرك المشاريع المليئة بالمغامرات. أنت تعرف ما لك. ولكنك لا تعرف ما ستحصل عليه! أنت لا تريد بلا شك أن تستبدل المؤكد بغير المؤكد». كانت هذه حججاً قاطعة أراد بها أصدقاء وأقرباء زوجي أن يوقفوه عن الرحيل. والحق يُقال، لم يكن من السهل عليّ أن أرحل بكل متاعنا إلى غربة غير مؤكدة مخيفة. كان أحبّ إليّ أن أبقى في محيطي المعهود والمألوف وبين أقربائي. كنت أشعر عندهم بالأمان وأحس بالسكينة والاستقرار. ولكن زوجي أبرام تمسك برأيه وسار في طريقه. كان مطيعاً لله الذي كلّفه بمطلب صعب قائلاً له: «ٱذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ» (سفر التكوين 12: 1).

لم يكن هذا أمراً هيّناً، لأن زوجي أبرام بلغ السنة الخامسة والسبعين من عمره. وأنا ساراي الخامسة والستين. لم يذكر الله لنا طريق السفر ولا هدف الرحلة. لذلك كان طريقنا مبهماً وغير مؤكد. ورغم ذلك كان إيمان أبرام قوياً وثقته وطيدة بالله الذي دعاه قائلاً: «سأريك». ليس هذا فقط. بل وعد الله زوجي وعداً وعرّفه بأنه يلتزم به ويقف معه ببركته في تلبية المطلب الصارم قائلاً: «أَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ ٱسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً» (سفر التكوين 12: 2).

ولكن كيف كان حال إيماني الشخصي؟ لم يكن واضحاً لي؟ كنت مجرّد خاصة أبرام وأردت أن أبقى عنده ولا أتخلى عنه بحال من الأحوال وهكذا رحلت معه مطيعة إيّاه لأنّ الله أمر بذلك.

عندها بدأت رحلتنا الشاقة عبر الصحراء. رحل معنا أيضاً لوط ابن أخ أبرام وكذلك عدد وفير من الخدم والخادمات وقطعان المواشي التي كان أبرام قد اقتناها في حاران. اجتزنا الأرض ولم نجد ولو بقعة واحدة نستطيع أن ندعوها وطناً. كانت سوخار أول هدف بلغناه في رحلتنا. ورغماً عن كل المتاعب وخيبة الآمال وجدنا أنفسنا في اتجاهنا الصحيح. عرّفنا الله بهذا بظهوره ثانية لأبرام. قوّى إيمانه قائلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هٰذِهِ ٱلأَرْضَ» (سفر التكوين 12: 7).

وإذ كان أبرام مغموراً بالوعد وامتلاك الأرض والحصول على النسل; بنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له للعبادة.

أصابني هذا الوعد في الصميم وتساءلت: أين هو النسل يا ترى؟ لقد عادني ألم السنوات الطويلة من جديد بسبب عدم إنجابي الأولاد. وصرخ قلبي إلى الله قائلاً: «اجعلني يا الله مثمرة ليتمّ وعدك».

واجهتنا أوقات عصيبة. حدث جوع شديد في أرض كنعان. ما العمل يا ترى؟ لم تجد ماشيتنا ما تقتاته في المراعي. وهكذا قرر زوجي أن يلجأ إلى مصر بدلاً من أن يستشير الله أولاً ويتكل عليه. لم يكن الطريق الذي سلكناه صحيحاً. سرعان ما ثبت لنا هذا. لم يسعدنا الحظ طيلة رحلتنا.

انقطعت الصلة المرشدة والمشجعة بالله من جراء الخوف والجُبن. فساعد أبرام نفسه وقال لي عند الحدود المصرية: أنا قلق من نحوك يا ساراي «لأَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ. فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هٰذِهِ ٱمْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ» (سفر التكوين 12: 11-13). امتلكني الخوف وشعرت بأنني متروكة كلياً لرحمة المصريين.

تحقق في مصر ما تكهّن به أبرام. لفت جمالي الأنظار في كل مكان. فأخبر رجال البلاط فرعون عني. فاستدعاني إلى قصره. كذبتُ عليه إطاعة لأبرام وحباً به وخوفاً على حياته. عرّفت عن نفسي بصفتي أخته. ولكنّ الطاعة لم تكن طاعة حسنة.

من حيث أن الأمر انتهى بسلامة، يعود الفضل إلى تدخل الله فقط الذي أحاطني بحمايته. ضرب فرعون وعائلته كلها بمرض خطير، ففهم فرعون كلام الله.

كانت نتيجة ما حدث بالنسبة لأبرام ولي الفضيحة والإذلال. بكل خجل مثل أبرام بين يدي فرعون الوثني، فقال له الملك: «مَا هٰذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا ٱمْرَأَتُكَ؟ لِمَاذَا قُلْتَ هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَٱلآنَ هُوَذَا ٱمْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَٱذْهَبْ» (سفر التكوين 12: 18 و19).

أُخرجنا من البلاد ونُقلنا تحت الحراسة العسكرية إلى ما وراء الحدود المصرية مع كل ما كان لنا.

كانت هذه الظروف التي مررنا بها لي تجربة أولى مع الله. رآني في موقفي الحرج وسمع دعائي المصحوب بالخوف. والآن عملت بأني أستطيع أن أتكل عليه. وهو لا يتخلى عني ويتمسك بقصده ووعده وينفذهما رغم عجزنا.

لقد مرّ على وجودنا عشرة سنوات في أرض كنعان دون أن يهبنا الله الوريث الموعود به. فبدأ إيماني يتزعزع. تقدمت في السن وذَوى الأمل في نفسي أكثر فأكثر بأن أنال ابناً في أي وقت كان. ألم يحن الوقت لأن نُقدم على عمل في سبيل إتمام وعود الله؟ هذا ما فكرت به آنذاك. ولكني أعلم اليوم كم من الحماقة أن نتدخل في أمر الله. عملت ما كان شرعياً ومباحاً في ذلك الحين. كان لي منذ أمد بعيد جارية مصرية اسمها هاجر. كانت جاريتي الخاصة ومُلكي قد أحصل بواسطتها على ابن وارث شرعي. لذلك قلت لزوجي: «هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ ٱلْوِلاَدَةِ. ٱدْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ» (سفر التكوين 16: 2).

سمع أبرام لقول ساراي إذ أنه كان منذ زمن طويل في حالة توتر بين وعود الله وبين الحقيقة. ألم يكن هذا مخرجاً معقولاً وصحيحاً من الوجهة الإنسانية؟ بلى. لكنّ العواقب علمتنا شيئاً آخر إننا لم نسلك طريق الله، طريق الإيمان والطاعة. بل سلكنا طرقنا الخاصة التي جلبت لنا متاعب القلب.

ما أن حبلت هاجر حتى تكبرت عليّ وصغرت في عينيها. عاملتني كأنها هي ربّة البيت؟ لقد شعرت بأنني جريحة الشعور ومذلولة. فدبّ البغض في قلبي واستولى عليّ الغضب. تدفقت من فمي كلمات ثائرة هائجة غير منطقية وانصبّت على أبرام. جعلت منه كبش الفداء مع أن الذنب كله في ذلك كان نتيجة تصرفي التحكمي ، وقلت له: «أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا. يَقْضِي ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ» (سفر التكوين 16: 5).

لم يجرؤ زوجي على مقاومة فوران الغضب فيّ. ولكي يحافظ على سلام حياتنا الزوجية رد عليّ بقوله: «هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. ٱفْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ» (سفر التكوين 16: 6).

لم أدع زوجي يردّد هذا القول بل أذللت هاجر حيثما استطعت. وأنا في جيشان غضبي جعلتها تقوم بأحقر الأعمال. أنا ربّة البيت وهاجر كانت ويجب أن تبقى جاريتي.

ذات يوم تركتني هاجر وهربت إلى البرية بسبب معاملتي السيئة لها وإذلالي إياها. كان أفضل لي في الحقيقة أن لا تعود إليّ بتاتاً. لكن الله أرجعها إليّ. استمرت العلاقة المتأزمة بيننا ولكنها عادت وشغلت وظيفتها كجارية لخدمتي. ومن ثم ولدت ابناً أسماه أبرام إسماعيل.

بلغ زوجي أبرام التاسعة والتسعين من عمره وأنا التاسعة والثمانين ظهر الله ثانية لأبرام. الله بذاته أعاد إقامة الصلة المقطوعة بينه وبين أبرام. وبفضل محبته وأمانته قطع معه عهداً وقال له: «أَنَا ٱللّٰهُ ٱلْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيراً جِدّاً. فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَالَ ٱللّٰهُ لَهُ: أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلأُمَمِ، فَلاَ يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلأُمَمِ» (سفر التكوين 17: 1-5).

تبعاً لذلك قام إبراهيم برد الفعل. فكر بأن عليه الآن أن يسلك طريقاً معقولاً جديراً بالتصديق وسالكاً وقال لله: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» (سفر التكوين 17: 18). دع وعدك ينطبق عليه. لكن الله لم يدع إبراهيم يحوّل نظره عن خطته ورد عليه بقوله: «سَارَةُ ٱمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ» (سفر التكوين 17: 19).

كان قول الله هذا لزوجي بمثابة نقطة تحوّل كبيرة في حياتي. علمت منذ أمدٍ بعيد بأنّ خططنا الخاصة والوسائل البشرية التي اتخذناها ستنتهي إلى الإفلاس. والآن منح إبراهيم ومنحني أنا أيضاً الإمكانية بأن نبدأ من جديد، بل بالحري بدأ الله معنا من جديد. لذلك أعطانا أيضاً أسماء جديدة. كان قصد الله أن يغيّر تفكيرنا وأقوالنا وأفعالنا تغيّراً أساسياً. أراد أن يمتلك حياتنا من جديد.

ولكن قبل استطاعتي من أن أستوعب عهود الله بالإيمان كان ضرورياً أن أقابله شخصياً. وهذا حدث على النحو التالي:

جائنا ذات يوم ضيوف. ثلاثة رجال اقتربوا من خيمتنا. فركض إبراهيم لاستقبالهم وطلب إليهم أن يتكئوا في ظل الشجرة. قبل الضيوف الدعوة وأحضر إبراهيم لهم ماء لينشطوا ويغسلوا أرجلهم. ثم جاء إليّ إلى الخيمة وقال: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقاً سَمِيذاً. ٱعْجِنِي وَٱصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ. ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى ٱلْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصاً وَجَيِّداً وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ... وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفاً لَدَيْهِمْ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ أَكَلُوا» (سفر التكوين 18: 6-8) بشهية.

وبغتة سمعت وأنا في الخيمة من يذكر اسمي. من أين يعرف هذا الغريب اسمي؟ وعلاوة على ذلك كيف خطر بباله أن يتصرف بخلاف عادات بلدنا. ليس من المتبع أن يسأل رجل عن امرأة في البيت. ماذا أراد أن يعرف؟ قال الرجال لإبراهيم: «أَيْنَ سَارَةُ ٱمْرَأَتُكَ؟» (سفر التكوين 18: 9) وعندها أصغيت بلهفة وتساءلت: هل يرد إبراهيم يا ترى على سؤالهم؟ سمعته يقول: «هَا هِيَ فِي ٱلْخَيْمَةِ» (سفر التكوين 18: 9). لاحظت من جوابه الدهشة والاستغراب من سؤالهم. وبعدها قال الغريب المنطوي على الأسرار: «إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ ٱلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ٱمْرَأَتِكَ ٱبْنٌ» (سفر التكوين 18: 10). كدت أنفجر ضحكاً. ولكني أمسكت عنه وضحكت في باطني دون إخراج صوت وقلت في نفسي: يا له من سخافة! علمت وارتضيت بأني لا أقدر أن أنجب أولاداً فيما بعد. في سن التسعين تنتهي كافة شروط إنجاب الأولاد فعلاً. استطرد الغريب قوله: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِٱلْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى ٱلرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي ٱلْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ ٱلْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ٱبْنٌ» (سفر التكوين 18: 13 و14).

خرجت من الخيمة وأنا أرتجف لأني شعرت بأن سري انكشف له. أردت في الواقع أن أعتذر ولكني ارتكبت أكثر فأكثر في الذنب. حاولت في دهشة شديدة أن أتهرب من الواقع وقلت: «لَمْ أَضْحَكْ» (سفر التكوين 18: 15). شعرت بفقدان الثقة بالنفس، لا بل بالخوف في قلبي. أردت أن أبرر نفسي ولكني كذبت. أما السيد الغريب فأجاب باختصار وبكل تأكيد: «لاَ! بَلْ ضَحِكْتِ» (سفر التكوين 18: 15).

اتضح لي فجأة من هو الذي تكلم معي. لا يخفى على الله العليم فكر أو إحساس. كانت هذه بالنسبة إليّ تجربة مخجلة. غير أنه في الوقت ذاته نما وترعرع فيّ إيمان لا يتزعزع بوعود الله بأن أنال طفلاً مع أني كنت جاوزت بعد وقت السن. وهذا الإيمان منحني القدرة على إنشاء نسل (عبرانيين 11: 11).

لم ينسني الرب بل منحني ما وعدني به بعكس الشروط الطبيعية والعقل البشري. في نحو الزمان وفي اليوم والساعة بالضبط التي عيّنها الله أنجبت ابناً لإبراهيم أسماه إسحاق كما أمره الله. أليس هذا اسماً موافقاً. لأن معناه «يضحك» أجل. عمل الله حسابه أن أضحك. كل من يسمع عني يضحك علّي. لكن هذا لا يهمني بل مَن يضحك عليّ أضحك معه من كل قلبي، لأن هذا من الوجهة الإنسانية مضحك حقاً. مَن يسمع قبل وعد الله هذا أن رجلاً في سنة المئة وامرأة في سن التسعين يُنجبا أولاداً؟ إن هذا الحدث بالنسبة إلى العالم مهزلة ولكنه بالنسبة إلى المؤمن بشارة مفرحة. يعترف المؤمن بأن الله لا تحده حدود بل كل شيء مستطاع عنده. أشهد بملء الشكر: «صنع الرب بي عظائم، لذلك سررت». تقدر قدرته أن تخلق لنا المستحيل. إنّ ما اعتزم فعله وما أراده يجب أن يتم أخيراً لبلوغ الغاية والهدف.

سررنا جداً بإسحاق. نما وترعرع. ولما بلغ الثالثة من عمره صنعنا وليمة عظيمة، دُعيت بوليمة الفطام. أمر إبراهيم بإعداد مأدبة فاخرة. عمّ الفرح جميع من كان عندنا. ولكني سمعت بعد ذلك قهقهة مهرجة وساخرة، إذ أنّ إسماعيل ابن جاريتي أخذ يتعفرت حول ابني الصغير إسحاق. ثارت ثائرتي شعرت بأن هذا الصبي يتصرف وكأنه من عالم غريب. أحسست بأني مهددة وعلمت بأن الحال لا يكون جيداً إذا بقي إسماعيل مع ابني. حدثني قلبي بأنه ستواجهنا في المستقبل صعوبات متى فكرت بوقت بلوغه سن الرشد والإرث وحق الوراثة. تأججت نار الغيرة فيّ وقلت في نفسي: كلا! لا يجوز لإسماعيل بحال من الأحوال أن يصبح شريكاً في الإرث. منذ ذلك الحين لم أفكر إلا في طرد الصبي مع أمه. لذلك طلبت من إبراهيم قائلة له: «ٱطْرُدْ هٰذِهِ ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا، لأَنَّ ٱبْنَ هٰذِهِ ٱلْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ٱبْنِي إِسْحَاقَ» (سفر التكوين 21: 10).

نظر إليّ إبراهيم باستياء لكن بحزن أيضاً. لاحظت حقاَ شدة قسوة كلماتي التي أصابته في الصميم والحمل الثقيل الذي وقع على نفسه. رأى الأمر من جهة الوالد. أليس هو والد إسماعيل أيضاً؟ تركني برفض بات ومضى دون أن يتفوّه بكلمة واحدة. هل جاوزت كل حد في طلبي؟ ألم تكن مخاوفي ومتطلباتي في محلها؟

لقد أخذتني دهشة شديدة عندما رأيت في الصباح الباكر إبراهيم وهاجر وإسماعيل واقفين أمام الخيمة. أخذ إبراهيم يحمّل هاجر خبزاً وقربة ماء على كتفيها. ثم أرسلها مع ابنها إلى البرّية والهم يملأ قلبه. ما الذي دفعه يا ترى إلى الاستجابة لطلبي. وكما علمت منه في وقت لاحق إن الله قال له في الليل: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ ٱلْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ ٱسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَٱبْنُ ٱلْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ» (سفر التكوين 21: 12 و13).

وهكذا زكّى الله رأيي في هذه المسألة. ابن الجارية وابني لا يتفقان. ولن يسود السلام ما دامت هاجر وإسماعيل يعيشان معنا في البيت. ومع ذلك فقد شعرت بأني مذنبة في كل ما حدث. إن عدم صبري وعدم إيماني وتصرفي الأناني أوصلتنا إلى هذا الوضع. كانت الطرق التي سلكتها بالنظر إلى هاجر طرقاً بشرية لا إلهية. كم كان فرحي عظيماً لأن الله أنهى طريقي الذي رسمته بذاتي. وبالرغم من كل ما حصل وفى بوعوده. كما كان شكري عظيماً لأن الله كان يبدأ معي مراراً وتكراراً من جديد. أردت الآن أن أسلك طريق الإيمان والثقة ولكني علمت بلا شك بأني لا أقدر أن أفعل هذا بقدرتي الذاتية بل بمعونة الله.

سرّني أن أولى إسحاق الله أهمية منذ صباه، خافه واتكل عليه. أحببت وحيدي حباً حاراً وإبراهيم كذلك. بارك الله ابننا إسحاق بصورة ملحوظة، ومنحنا مدة 37 سنة حياة عائلية سعيدة معه. وكانت علاقتنا بعضنا ببعض تزداد عمقاً وثباتاً. ولكني شعرت بشكل ملحوظ كيف تخور قواي. وفي خلال ذلك بلغت المئة والسابعة والعشرين من عمري. أمضيت حياة مليئة بالمغامرات تخللها الارتفاع والانخفاض. لكن الله وصل معي إلى هدفه وتمم مقاصده ووعوده فيّ وبواسطتي.

يخبرنا سفر التكوين 23: 1-4 و19 عن سارة أيضاً ما يلي: لما بلغت سارة المئة والسابعة والعشرين من عمرها توفيت في حبرون التي كانت تُدعى أنذاك قرية أربع في أرض كنعان فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكي عليها وأقام مناحة عليها. ثم قام من أمام ميته وكلم بني حث قائلاً: «أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ عِنْدَكُمْ. أَعْطُونِي مُلْكَ قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيِّتِي مِنْ أَمَامِي» هناك في المغارة عند ممرا في حبرون في أرض كنعان دفن إبراهيم امرأته.

مسابقة «سارة»

عزيزي القارئ،

نرجو أن تكون قد استمتعت بقراءة هذا الكتيّب، لذلك نأمل بالإجابة على الأسئلة التالية مع كتابة اسمك وعنوانك الكاملين وبخطٍ واضح:

  1. لماذا رحلت سارة مع إبراهيم إلى أرض كنعان؟

  2. ماذا كانت نتيجة الاختيار الذاتي للطريق إلى مصر؟

  3. مِن الحماقة التدخل في خطة الله. لماذا؟

  4. كيف تلقت سارة احتقار هاجر لها؟

  5. لماذا ضحكت سارة؟

  6. لماذا أيّد الله مطالبة سارة بطرد هاجر مع ابنها؟

  7. ماذا يمكننا أن نتعلم من حياة سارة؟

  8. ماذا قدّرت الجارية هاجر في مولاتها سارة؟

هاجر

«يا هاجر» هكذا كانت تناديني يومياً مراراً وتكراراً. ومع ذلك لم يكن هذا عبئاً عليّ لأني كنت أخدمها بكل سرور. تعوّدت منذ صغري أن أنفذ الأوامر بصفتي جارية. رفعتني سارة زوجة إبراهيم، إلى درجة جاريتها الخاصة. وهذا ما قدّرته لها. لقد اختارتني رغم كوني مصرية وليس من شعبها. كنت راضية عندها وتعلمت منها الكثير لأنها كانت لي مثالاً يُحتذى به.

المحبة القلبية والتفاهم سيطرا على حياتهما الزوجية. وتأثرت فوق كل شيء بالإيمان والثقة الوطيدة بالله التي كانت لسارة وزوجها إبراهيم. أحسست عندهما بالسكينة والاستقرار مع أنهما كانا يتطلبان مني الطاعة بلا قيد ولا شرط، إذ أن هذا كان واضحاً لي بحد ذاته. كنت جارية وبالتالي جارية خاصة بمولاتي. كانت تتصرف فيّ كما شاءت. وعلى مرّ السنين تعرّفت على مولاتي سارة أكثر فأكثر. لاحظت جيداً أنها كانت تعاني من كآبة خفية. منذ مدة استقر بصرها كثيراً عليّ وهي متعمقة في التفكير. ماذا كان يدور في خلدها يا ترى؟

ثم جاء اليوم الذي كان من شأنه أن يغير حياتي كلياً. سلمتني مولاتي سارة لزوجها إبراهيم كي أنجب عوضاً عنها ابناً لسيدي إبراهيم لأنها كانت عاقر. لم أفكر يوماً حتى ولو في الحلم أن أصبح أنا الجارية الفقيرة ضرّة لزوجة رجل غني ومُعتَبر كهذا.

كنت سعيدة عندما لاحظت أني حامل. مشاعري وخلَجات نفسي التي كانت مجهولة لديّ في السابق سيطرت على فكري وتصرفي. وتيقظ فيّ فخار الأمهات وعلا شعور بالعزّة والاستعلاء. فتغيّر موقفي مع مولاتي. ألست تلك المرأة القادرة على منح إبراهيم وريثاً؟ بدأت أستخف بسارة ولم أترك فرصة إلا وانتهزتها لتحس بذلك أشد إحساس. كنت وقتئذ في واقع الأمر السيدة في البيت. لأن خَلَفي ضمّن النسل لإبراهيم.

وهكذا لم تقف مشاعري وأفكاري المتعجرفة عند حدٍ. نسيت بأن سارة هي التي أوصلتني إلى وضعي الحالي. كانت خلجات نفسي تجاهها جحودة وظالمة. لكني لم أدركها آنذاك. ولكن سرعان ما كان عليّ أن أتألم تحت وطأة القول السائر: «أراد أن يكون وزيراً فأصبح خفيراً».

كلّما احتقرت سارة كلّما جعلتني أشعر باحتقارها إياي. لم تتورع عن إذلالي وسوء معاملتي. جعلتني أقوم بأحقر الأعمال. أرادت بهذا أن تريني من هي السيدة في البيت فعلاً. فثارت ثائرتي وقلت في نفسي: لا، لن أرضى بهذه المذلات. لم أنتظر من إبراهيم مع الأسف أي تأييد، بل بالعكس. أسلمني إلى سارة المنفعلة بحماس. ماذا عسى أن أفعل؟ لم يكن في وسعي إلا أن أبتعد عن سارة إلى مكان بعيد، الأفضل إلى مصر.

وهكذا هربت متجاهلة تعب السير في طرق الصحراء. أردت أن أقرر مصيري ومصير طفلي الناشئ بنفسي. أردت أن أكون حرّة رغم أنه لا يحق لي هذا بصفتي جارية. أو هل تصرفت تصرفاً أنانياً طائشاً؟ أو غامرت بأمن طفلي ووطنه ومستقبله. تدافعت آلاف الأسئلة في ذهني ولكنه ليس من شأن أي شيء أو أحد أن يمنعني من حرية تصرفي التي حظيت بها.

أفسحت لي البئر الواقعة عند الطريق المؤدي إلى شور فرصة طيبة للاستراحة قليلاً. وفجأة وقف رجل أمامي، غير معروف لدي كلياً. تبحر فيّ وسألني: «هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ، وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟» (سفر التكوين 16: 8). ما شأن هذا الغريب أن يعرف من أين أتيت وإلى أين أذهب؟ أجبته متحدية باختصار ووضوح: «أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاَتِي سَارَايَ» (سفر التكوين 16: 8). والحق يقال: صُدمت في الصميم بالرغم من جوابي الذي يدل على الثقة بنفسي. أوحى الغريب بمعرفة حول شخصي تدعو للاستغراب حين قال: «هاجر، جارية سارة». أرجعتني هذه الكلمات إلى رُشدي. حقاً، من أنا؟ أنا جارية سارة الخاصة، تربطني بها الخدمة. والآن أصبحت هنا في البرية. وصلت إليها بطرق سلكتها بصورة تحكمية. كيف أتفق هذا والواقع؟ شعرت أن سرّي قد انكشف له.

ثم سمعت الغريب يقول لي: «ٱرْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَٱخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا» (سفر التكوين 16: 9). كان هذا الأمر مناقضاً لحالتي الحاضرة كلياً. لكن هذا الطريق لم يكن الطريق الصحيح الوحيد وإن كان طريق الإذلال.

انكشف أعمق سر في حياتي أمام عيني الغريب إذ قال لي: «هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتَدْعِينَ ٱسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِك» (سفر التكوين 16: 11).

شعرت في داخلي بأني معروفة لديه وأنه كشف أمري وأولاني أهمية. وفجأة علمت بأن الله نفسه تكلم معي بواسطة ملاكه. رأيت نفسي، وأنا متزعزعة ينعكس فيّ الأمل والاستيشار بالنظر إلى ابني ونسله حين قال لي الغريب: «إِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ» (سفر التكوين 16: 12) ويتحداهم. ومع ذلك بارك الله نسلي أيضاً وقال: «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ ٱلْكَثْرَةِ» (سفر التكوين 16: 10).

عرفت جيداً أن الله أعطاني الوعد ليس من أجلي بل من أجل إبراهيم وأن الطفل الذي كان علي إنجابه هو ابنه أيضاً. ومما أسعدني أكثر هو أن معرفتي أن الله رآني أنا الوثنية أيضاً وعرفني باسمي. وبفضل جوده ورحمته أرجعني من الطريق الذي اخترته إلى مولاتي. إن طمأنينة لم تكن معروفة لدي قط ملأت قلبي وهي: «ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِي» (سفر التكوين 16: 11). التقيت بالله الحي، وأنا في غمرة اختباري مع الله قدست اسمه لأول مرة في حياتي متلعثمة وقلت: «أَهٰهُنَا أَيْضاً رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟» لِذٰلِكَ دُعِيَتِ ٱلْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي» (سفر التكوين 16: 13 و14). يعني بئر الحي الذي يراني.

منحني هذا اللقاء مع الله القوة والتواضع للرجوع إلى مولاتي سارة. ساعدني في بعض أخطار الحياة اليومية وإغوائها التفكير بالكلمة: «أنت يا الله تراني».

وبعد ذلك بقليل وهبني الله ابناً سليماً. كان إبراهيم آنذاك ابن ست وثمانين سنة. فدعا اسم ابنه إسماعيل كما أمرنا الله.

مضت سبع عشرة سنة تقريباً، أصبح ابني إسماعيل خلالها شاباً قوياً. وفي هذه السنين حدثت أشياء كثيرة. ولدت مولاتي سارة ابناً وهي ابنة تسعين سنة. في خلال ذلك أصبح ابنها إسحاق ابن ثلاث سنوات. كان هذا السن بدء مرحلة جديدة مهمة في حياة الطفل وسبباً مباشراً لإحياء حفلٍ دعي حفل الفطام. حضر هذه الحفل عشيرة إبراهيم كلها وعدد كبير من أصدقائه. احتفلوا كلهم للمعجزة التي أتاها الله لإبراهيم وسارة وهي أن رجلاً ابن مئة سنة وامرأة ابنة تسعين سنة ينجبان ابناً. من سمع هذا قبلاً؟ بالطبع كنا أنا وإسماعيل أيضاً حاضرين لأننا من العائلة.

لكن جود ذلك اليوم لم يدم صافياً. والسبب في ذلك هو ابني إسماعيل. تربيته لم تكن عليّ بالأمر الهيّن. لقد تم بالفعل ما تنبأ به بشير الرب. كان إسماعيل وحشياً عنيداً لا يخشى من أحد. كلما كبر في السن كلما ازداد جماحاً. هكذا كان أيضاً في هذا الحفل. لم يقدر أن يفهم سبب الدوامة التي كانت تدور حول أخيه الأصغر منه كثيراً. ربما لم يقدر أن يحتمل أن يصبح فجأة في المرتبة الثانية بعد إسحاق. وهكذا راقب إسحاق الصغير بشيء من الغيرة وابتسم ساخراً وهازئاً به. لاحظت منذ زمن طويل أن سارة ترفض ابني. وأن ضحكه الساخر أثبت الآن رفضها إياه. فطلبت من إبراهيم قائلة له: «ٱطْرُدْ هٰذِهِ ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا» (سفر التكوين 21: 10).

كانت هذه الكلمات قاسية. ألم تكن سارة نفسها التي مهدت هذا الطريق لينال إبراهيم ابناً مني؟ والآن أصبحت أنا الضحية. وكان عليّ أن أذوق مرارة تصرفاتها الشائنة. شعرت نفسي مظلومة ومتروكة لرحمتها. كيف يكون مصيري ومصير إسماعيل يا ترى؟ إلى أين أذهب مع الغلام؟ داهمني الخوف واليأس. هل يستمع إبراهيم إلى طلب سارة؟ عرفت أنه يحب ابنه إسماعيل. لذلك لم يقدر أن يطرده بسهولة إلى مكان مجهول ويسلمه إلى الصحراء.

في صباح اليوم التالي دعاني إبراهيم ودعا إسماعيل أيضاً إليه. تحركت نفسيتي كلياً. أثرت فيّ كلمات إبراهيم التي قالها الله له في الليل تأثيراً لا يُدرك وهي: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ ٱلْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ ٱسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَٱبْنُ ٱلْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ» (سفر التكوين 21: 12 و13). نظر إبراهيم إليّ بحزن ولكن بحزم. عزّ عليه أن ينفّذ مطالب الله، ولكنه أطاع. أخذ خبزاً وقربة ماء، دون أن يتفوه بكلمة. وأعطاهما لي واضعاً إياهما على كتفي والولد وصرفنا.

جمد الدم في عروقي. تهت في البرية مشوشة التفكير دون شعور وكأن كل شيء قد هدأ فيّ. نفذ المخزون من الماء سريعاً. فتشت في يأس عن عين ماء لنروي ظمأنا المؤلم. ولكن عبثاً. وقع إسماعيل على الأرض قبلي منهوك القوى من السير والظمأ. فسحبته بآخر ما فيّ من قوة إلى ظل شجيرة في البرية وهو يكاد يموت عطشاً. هذا كان آخر ما استطعت أن أفعله لابني إسماعيل، لأن إمكانياتي قد استُنفذت إلى النهاية. شرعت في البكاء المرّ وأنا منهوكة القوة كلياً وعلى وشك الانهيار. لم أقدر تحمل رؤية ابني وهو على وشك الموت يتعذب، فابتعدت عنه وجلست مقابله على بعد رمية قوس مكتوفة الأيدي ومنتظرة ومسترسلة في البكاء.

وبغتة سمعت الصوت الذي سمعته مرة في البرية قبل سنوات كثيرة يقول لي: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ ٱلْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. قُومِي ٱحْمِلِي ٱلْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً» (سفر التكوين 21: 17 و18).

نسيت في يأسي أن الله يرى ويسمع. لكنه تدخل في الأمر بالنظر إلى بكاء ابني. وأخرجني من جمودي غير المجدي. وإن كلماته الله المعزية: «لا تخافي» أيقظت فيّ الرجاء من جديد. كذلك فهمت تذكيره إياي بأن آخذ الغلام الذي عُهد به إليّ والذي تخليت عنه وأن أحتفظ به. قصد الله أن يفعل بواسطته شيئاً. أراد أن يجعله أمة عظيمة. يا له من أمل للمستقبل. الحياة عوضاً عن الموت.

الله لم يعزّنا بكلمته فحسب بل أوجد لإسماعيل ولي مخرجاً من الوضع الميئوس منه. فتح عيني اللتين كانتا مغلقتين قبلاً. فرفعت نظري على حين فجأة ورأيت على بعد بضعة خطوات فقط ماء عذب. فذهبت إليه منهوكة القوى وملأت القربة ماء وسقيت إسماعيل. فأنعشنا هذا الماء الذي منحنا الله إياه وأحيانا وحافظ على حياتنا.

وفيما بعد أيضاً حمى الله غلامي. وفي برّية فاران وجدنا وطننا الجديد. وأصبح إسماعيل رامي قوس ماهر وابن الصحراء الحرّ. وفي المستقبل أخذت له زوجة من وطني مصر. نمت عائلتنا وترعرعت. بمزيد من الشكر رأيت أحفادي الإثني عشر يكبرون ويشبّون. تمم الله وعده الذي أعطاه بالنظر إلى إسماعيل حين قال: «سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً» (سفر التكوين 21: 18).

كانت حياتي الماضية مليئة بالمغامرات، ولكني إذا استعرضت الماضي أرى أن شيئاً أصبح مهماً لي أكثر من غيره ألا وهو: «الله يراني». يراني في كبريائي، في عنادي، في اليأس وأيضاً عدما يتخلى الناس كلهم عني. يراني عندما تصل إمكانياتي إلى نهايتها. وباختصار: الله رأى الجارية المصرية الوثنية وعرفها وكشف سرها وأولاها أهمية.

مسابقة «هاجر»

عزيزي القارئ،

نرجو أن تكون قد استمتعت بقراءة هذا الكتيّب، لذلك نأمل بالإجابة على الأسئلة التالية مع كتابة اسمك وعنوانك الكاملين وبخطٍ واضح:

  1. ماذا غيّر حياة هاجر كلياً؟

  2. لماذا تغيّر طابعها في زمن حبلها؟

  3. لماذا هربت هاجر إلى البرية؟

  4. ماذا دعا هاجر إلى عبادة الله؟

  5. لماذا عادت إلى مولاتها؟

  6. ماذا دفع سارة إلى صرف هاجر؟

  7. لماذا أبقى الله إسماعيل وهاجر على قيد الحياة؟

  8. ماذا أصبح لك في هذه القصة مهماً لحياتك؟


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany