العودة الى الصفحة السابقة
رسائل

رسائل

بديع عبد الحق

بقلم 

Bibliography

رسائل. بديع عبد الحق. الطبعة الأولى. 1998. Order Number SPB 7110 ARA. German title: Briefe. English title: Letters. Copyright © 1988 All Rights Reserved Call of Hope. P.O. Box 100827 D-70007 Stuttgart Germany Internet: http://www.call-of-hope.com - .

مقدمة

تحوي الصفحات التالية رسائل مرتَّبة بحسب حدوثها تاريخياً، وفكرتها الرئيسية موضَّحة في الرسالة الأخيرة حيث يقول الرسول بولس إن ما وعظ به ليس جديداً، بل هو ما سبق أن قاله موسى الكليم وسائر الأنبياء.

تبدأ هذه الرسائل بكتب موسى التي تُظهر أنه كان مؤمناً بالمسيح، ثم المزامير التي توضِّح أن داود تنبّأ بآلام المسيح، تتبعها نبوَّات النبي إشعياء نائباً عن أنبياء بني إسرائيل، ثم نقدّم ما شهد به المعمدان وبطرس وبولس عن المسيح، وأخيراً ما شهد به المسيح عن نفسه.

ولا نقصد أن تكون هذه الرسائل محل جدال بين أصحاب الديانات، ولا نقصد بها المقارنة بينها، ولكننا نرجو أن تساعدنا على فهم سبيل الله بصورة أفضل، فالأنبياء أصحاب مكانةٍ فريدة جعلتهم يدركون أسراراً إلهية، فآمنوا بالمسيح مخلِّصاً ومنقذاً لهم. وسنقتبس أقوالهم حرفياً من التوراة والزبور والإنجيل لندرك إيمانهم بالمسيح.

ونطلب من القارئ الكريم أن لا يصدر حكمه على هذه الرسائل قبل أن يُنهي قراءتها كلها، فيُلمَّ بما جاء فيها قبل أن يحدِّد موقفه منها.

الفصل الأول: آدم وحواء

خلق الله سبحانه آدم وحواء وأسكنهما جنة عدن حيث عاشا في براءة الأطفال. وسمح لهما أن يفعلا ما يشاءان ما عدا الأكل من شجرة «معرفة الخير والشر». وجاء الشيطان في شكل حيَّة وخدعهما ليأكلا من تلك الشجرة فأكلا. وهكذا دخل العصيان والخطية إلى العالم.

وطرد الله أبوينا الأوَّلين من الجنة لأنه لا يطيق أن يعيش الخاطئ في محضره المقدس، فضاعت من الإنسان لقاءات الأُنس بالله، وقام العصيان حاجزاً بينهما فانقطعت علاقات الود.. ولعن الله آدم وحواء لأنه إلهٌ عادل يعاقب الخطية، فقال لآدم: «مَلْعُونَةٌ ٱلأَرْضُ بِسَبَبِكَ... بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً» (تكوين 3: 17-19). وهكذا ضاع من آدم الطعام الذي كان يتناوله مجاناً، وصار عليه وعلى نسله أن يعملوا ليأكلوا.. وقال الله لحواء: «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِٱلْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاداً» (تكوين 3: 16). ولا زالت هذه العقوبة سارية على كل بنات حواء.. ولعن الله الحيَّة بالقول: «عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَاباً تَأْكُلِينَ» (تكوين 3: 14). ونحن لا نعرف ماذا كان نوع تلك الحية، ولكنها اليوم هي الكائن الوحيد الذي يسعى على بطنه.

وبالرغم من أن الله طرد آدم وحواء من الجنة، إلا أنه أعطاهما وعداً بالعودة إليها، لأنه الخالق المحب المعين. ولا شك أن آدم كان نبياً عظيماً، إلا أن كل أعماله الصالحة لم تمكِّنه من العودة للجنة. ولا بد أن آدم صلَّى طالباً الغفران، ولكن صلاته لم تكن كافيةً لإعادته لفردوسه المفقود. على أن الله منحه أملاً ليتمسَّك به هو ونسله، يساعدهم على احتمال مصاعب الحياة، هو أنه يمكنهم بعد موتهم أن يدخلوا جنة الله ويتمتعوا بحضوره الإلهي، كما كانوا يتمتعون بذلك الحضور في جنة عدن. وكان نصُّ الوعد: «أَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تكوين 3: 15).. وهو وعد يعني أنه سيجيء في المستقبل ِمن نسل المرأة مَن يغلب الشيطان الذي أغوى البشر، فيعيدهم إلى الجنة التي طُردوا منها. لقد أعطى الله الأرض لآدم، ولكن الشيطان أخذها منه، وصار أقوى قوة على الأرض جلبت كل المشاكل على البشر. ولم يكن الله يريد أن يطرد آدم من الجنة، لكنه سمح بهذا بسبب شر الناس. ومعروفٌ أنه لا يصدر عن الله إلا «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ» (يعقوب 1: 17).

وقد تحقَّق وعد الله في المسيح ابن مريم لأنه الوحيد الذي وُلد من عذراء، وهو الوحيد الذي هزم الشيطان. وقد صدَّق آدم وحي ربه بخصوص المخلِّص الآتي. ونحن اليوم نعرف هذا المخلِّص لأنه أتى مولوداً من عذراء، وحقَّق الوعد الإلهي، وهو الذي سحق الشيطانُ عَقِبَهُ يوم صَلْبه. وظنّ الشيطان أنه بموت المسيح على الصليب تمت له النصرة، إلا أنّ المسيح قام من بين الأموات، وكانت تلك القيامة المجيدة ضربةً سحقت رأس الشيطان مرةً وإلى الأبد. وأمات المسيح الموت بقيامته، وبهذا هزم أقوى قوة عند الشيطان، وأعاد للإنسان إمكانية العودة إلى الجنة. ولم يعُد الإنسان عبداً للشيطان بعد أن أفلت من سجن الموت. فقد قال المسيح: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا 11: 25).

وهكذا غمر الرجاء صدر آدم يوم طرده من الجنَّة، لأن الله وعده بمجيء المخلِّص الذي يُعيد إليه الفردوس الذي فقده.. وآمن آدم بالوعد السماوي، ولم يضع ثقته في عمله الصالح، بل في ما سيعمله المسيح الآتي الذي سيُدخله جنَّة الله بعد أن يموت.

ويمكننا اليوم أن نضع ثقتنا في ما قام المسيح به، فيخلِّصنا من سطوة الخطية والموت. وعندما تتوقَّف قلوبنا عن النبض لا نمضي إلى الجحيم مع الشيطان، بل ندخل أبديةً مجيدة في السماء.

اقبل هدية الخلاص المجانية التي جهَّزها لك المسيح. أعمالك الصالحة لن تنقل عنك خطاياك كما لم تنقلها عن أبوينا الأوَّلين. ضع ثقتك في الرجاء الذي يمنحه الله لك بالمسيح الذي غلب الموت، ورفعه الله إليه.

الفصل الثاني: آدم الأول وآدم الثاني

لو أن عندك سفراً تسجِّل فيه أعمالك الصالحة والطالحة لعرفت مقدار ما ارتكبت من ذنوب. ولا نظنُّ أنك أحصيت خطاياك التي ارتكبتها. لقد ارتكب آدم يوم طُرد من الجنة خطيةً واحدة هي أنه أكل من الشجرة التي أمره الله أن يتحاشاها.. وعندما واجه الله آدم بمعصيته قال آدم إنه عريان، فدبَّر الله وسيلة ستره بأقمصةٍ من جلد (تكوين 3: 21) ولا بدَّ أن حيواناً قد ذبح وسال دمه، فكفَّر الله (بمعنى غطّى) عُري آدم وزوجته، وليس بمعنى أنه «أزال» خطيته.. وهذا يعني أن آدم ارتكب معصية واحدة، وُضع أمامها ذبيحٌ واحد، أي عمل صالح مقابل عمل شرير. وكان المنتظر أن يعود آدم بعد هذا إلى الجنة. لكنه لم يعُدْ. فلماذا؟

قبل أن يخطئ آدم حذَره الله أنه يوم يأكل من الشجرة الممنوعة يموت (تكوين 2: 17). ولم يمُت آدم يومها بل عاش بعد ذلك طويلاً. فما الذي جرى؟.. لقد ماتت روحه، بمعنى أنه فقد علاقة أُنسه بالله، وبدأ جسده أيضاً يضعف ويموت. والسبب أن آدم لم يخطئ فقط، ولكنه أصبح خاطئاً، ودخل التغيير على نفسه وروحه اللتين تلوَّثتا، فلم يعُد قادراً على التواجد في محضر الله، وبسبب خطيته فقَدَ رضى الله عليه وطُرد من الجنة.

أما نحن فقد ارتكبنا آلاف الخطايا، وبالتأكيد لسنا أفضل من آدم النبي العظيم.. فكيف سنواجه الله في اليوم الآخِر؟.. لم يقدر آدم أن يعود إلى الجنة حتى بعد التكفير عن خطيته. ونحن خطاة ولا يمكن للأعمال الصالحة الكثيرة التي نقوم بها أن تغيِّر دواخلنا، ولا بدَّ لنا من البقاء خارج الجنة كما حدث لآدم.

لنفترض أن رجلاً قُتل في نزاع بين قبيلتين، وبدأ الاستعداد لأخذ الثأر بينهما، فتُؤخذ حياة مقابل حياة.. ولنفترض أن شيخ قبيلة القاتل قرر أن يذهب إلى قبيلة القتيل طالباً الصلح، فهل يمكن لزعيمٍ لُطِّخت يدا قبيلته بالدم أن يصنع سلاماً؟.. إنَّ البريء وحده هو الذي يقدر أن يصنع السلام.. ولكن لنفترض أن شيخ قبيلة القاتل ذهب إلى شيخ قبيلة ثالثة صديق لقبيلة القتيل وطلب عونه، فإن هذا الثالث (الذي ليس طرف نزاع) سيتمكَّن من صُنع السلام، لأنه بريء.. ونحن نحتاج دوماً إلى بريء يصالحنا، لأن المذنب لا يصنع صُلحاً.

وتقودنا هذه الفكرة إلى التفكير في شخص آخر جاء أرضنا لم تتلوَّث سيرته بأي غلطة، هو المسيح الذي عاش حياة كاملة النقاء على الأرض (2كورنثوس 5: 21)، والذي صعد إلى السماء.. هذا هو الوحيد الذي يقدر أن يصنع سلاماً، لأنه لم يرتكب خطأً في حق الله أو في حق الناس.

وعندما نضع ثقتنا في المسيح كشفيعٍ لنا يُعيد لنا جنَّتنا التي فقدناها. صحيح أننا كلنا كغنم ضللنا ونستحق عقاب الله، ولا يمكن أن ندنو من عرش الله بأعمالنا مهما ظننّا أنها صالحة.. أما المسيح فقد صعد إلى السماء ويمكن أن يصالحك مع الله، إن كنت تؤمن أنه الطريق إلى السماء (مرقس 16: 19). عندها سيأخذ الله صلاح المسيح ويعتبره صلاحك، ويقبلك بناءً على حياة المسيح الكاملة.

قال الرسول العظيم بولس إنه «يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (1تيموثاوس 2: 5)، وإنه بإنسان واحد (أبينا آدم) دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، ولكن بصلاح واحدٍ (المسيح) جاء الخلاص للعالم (رومية 5). فعليك أن تتوب عن خطاياك وتقبل المسيح طريقاً وحيداً للسماء، فهو وحده القادر أن يخلِّص الإنسان الخاطئ من خطاياه.

الفصل الثالث: نوح

منذ آلاف السنين اشتعل غضب الله على الخطاة فأغرقهم بالطوفان إلا نوحاً وعائلته، لأنه وجد نعمةً في عيني الرب (تكوين 6: 8). وأمر الله نوحاً أن يبني فلكاً كبيراً لعائلته وكل نوع من الحيوانات. وأطاع نوح ربه، وأخذ يدعو قومه للتوبة محذراً إيّاهم من الطوفان المُهلك القادم إن لم يتوبوا.

وعندما أكمل نوح كل شيء، أمره الله أن يدخل الفلك مع أفراد عائلته، وكان عددهم ثمانية، ثم أغلق الله الباب. ولما صار الطوفان نجا أهل الفلك الذي كان وسيلة الله لإنقاذ الإنسان في أيام نوح.

تصوِّر لنا هذه القصة التاريخية خلاص الله الأبدي، وتوضح رحمة الله الذي أطال أناته على البشر عشرات السنين بينما كان نوح يحذِرهم، وهم يسخرون منه. وظهرت رحمة الله في أنه علَّم نوحاً ما يفعله، ثم أنقذه وعائلته. كما تصوِّر أيضاً عدالة الله الذي أنزل الطوفان على الذين رفضوا سماع التحذير. ولما لم يتوبوا هلكوا.

فهل يمكن أن نلوم الله الذي أغرق من رفضوا خلاصه؟ إننا لا نفهم طرق الله، ولا نعرف لماذا اختار طوفاناً ليهلك الأشرار، وفُلكاً ليخلِّص الأبرار. ولكن هذا ما فعله. وقد نسأل: لماذا اختار الله المسيح مخلِّصاً للعالم؟ وأنا لا أعرف الإجابة، ولكن الإنجيل يقول إن الله لم يرسل المسيح إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم (يوحنا 3: 17).

لقد هلك الذين رفضوا دخول الفُلك، وكل من يرفض الإيمان بالمسيح يهلك، ويقول الإنجيل: «لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 15). لم يغلق نوح باب الفلك، ولكن الله هو الذي أغلقه. ولستُ أنا صاحب القول إنه لا خلاص إلا بالمسيح، فإن الله هو الذي قال هذا في كتبه المقدسة.

فمن أين جاءتنا هذه الكتب المقدسة؟.. هل غيَّر المسيحيون نبوَّات التوراة والزبور لتتوافق مع أحداث حياة السيد المسيح؟.. إن أقدم نُسَخ كتابات أنبياء اليهود لم تصلنا من مسيحيين ولا من يهود، بل وصلتنا مؤخَّراً من بدوي مسلم، وجدها في كهف قرب البحر الميت، بينما كان يرعى أغنامه، كانت في جرار تحوي مخطوطات التوراة والمزامير، كما وُجدت آلاف من أجزاء مخطوطات قديمة جداً. وعندما فحصها العلماء وجدوا أنها ترجع إلى ما قبل ميلاد المسيح، وأن ما جاء فيها هو نفس ما بين أيدينا اليوم.

ونسأل: هل كتَبَ اليهود في كتبهم المقدسة عن أبطالهم من تلقاء أنفسهم؟.. تقول التوراة إنَّ آدم عصى ربَّه وأكل من الشجرة المنهي عنها، وإنَّ قايين بن آدم قتل أخاه، وإنَّ نوحاً سكر بعد أن نجا من الطوفان، وإنَّ إبراهيم وابنه إسحاق كذبا وقالا عن زوجتيهما إنهما أختاهما، وإنَّ موسى قتل مصرياً، وإنَّ داود أخذ نعجة الرجل الفقير وقتله. فلو كانت كتابات اليهود المقدسة من عند أنفسهم لما كتبوا فيها مثل هذه النقائص، لكنّ كاتبها هو الله الذي يعرف خطايا البشر السرية والعلنية، وهو سبحانه الذي أوحى بالتوراة والزبور.

وقد حافظ الله العظيم على كتبه المقدسة عبر العصور، لأنه سجَّل على صفحاتها طريق خلاصنا من خطايانا ومن الهلاك الأبدي في الجحيم. وهي التي تحضُّنا على التوبة وعلى قبول الخلاص بالمسيح. فاقبل المسيح مخلِّصك الوحيد. ولا يطالبك الله أن تفهم طرقه، بل أن تقبل خلاصه المُعدَّ لك مجاناً. هل تفهم كيف تسير السيارة، أو كيف يستقبل التلفاز المناظر، أو كيف يعمل الراديو؟.. قد لا تفهم، ولكنك تستفيد بها.. ويدعوك الله أن تبادر بقبول خلاصه أولاً، وستفهم بعد ذلك.

الفصل الرابع: إبراهيم

يُعتبر إبراهيم خليل الله بأنه أبٌ للديانات التوحيدية العظيمة، وأبٌ لجمهورٍ من الأمم. وقد أطاع الله وهجر بلاده وسافر إلى فلسطين كما أمره الرب، فباركه لأنه أطاعه يوم أمره: «ٱذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ ٱسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاعِنَكَ أَلْعَنُهُ... وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ» (تكوين 12: 1-3 و22: 18).

فما معنى هذه البركة؟.. إنها نبوَّة عما سيفعله الله في المستقبل من خلال إبراهيم. وتفيدنا التوراة أن إبراهيم صار إنساناً عظيماً في فلسطين واغتنى (تكوين 24: 35). لقد ترك ثروة أبيه، وهجر طمأنينة الحياة وسط عشيرته، وسكن في أرض غريبة، فباركه الله بالثروة والطمأنينة، وحفظه سالماً وسط المجاعات والحروب. وكانت هذه البركات جزءاً من تحقيق وعود الله له.

وتفيدنا التوراة أن بني إسرائيل وصلوا قمة عظمتهم أثناء حكم داود وابنه سليمان، فاحترمهم الداني والقاصي. وقد تشتَّت اليهود وسط شعوب الأرض، ولكنهم لم ينقرضوا.

ولو تأملنا أحفاد مؤسسي الإمبراطورية الرومانية العظيمة لما وجدنا اليوم من يدعو نفسه «رومانياً».. كما لا نجد أثراً للشعوب التي عاشت حول بني إسرائيل من الأدوميين الذين سكنوا البتراء، والعمونيين والموآبيين والحثيين والأموريين. وقد جاءت شعوبٌ غيرهم ومضت، ولكننا نجد اليوم في كل أنحاء الدنيا من يدعو نفسه يهودياً، بالرغم من الاضطهادات القاسية التي حلَّت بهم عبر العصور.

وينظر العالم في يومنا هذا إلى إبراهيم باحترام كأبٍ للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية. فأي إنسان وصل إلى هذه المرتبة الرفيعة في العالم؟

ولكن ما معنى الجزء الأخير من وعد الله لإبراهيم؟ هل اليهود، نسل إبراهيم، بركة؟.. إن كثيرين اليوم يرون في اليهود لعنة لا بركة، فكيف تباركت أمم الأرض من نسل إبراهيم؟.. صحيحٌ أن أنبياء بني إسرائيل جاءوا من نسله، وبواسطتهم جاءنا الوحي الإلهي، لكن لا بد من تحقيقٍ آخر لوعد الله لإبراهيم. فما هو؟

إنه المسيح ابن مريم، الذي جاءت أمه العذراء من نسل إبراهيم (متى 1: 1-16). وهو الذي أعطانا الإنجيل، ومات مصلوباً من أجل خطايا العالم (يوحنا 1: 29) وجاءنا بالخلاص (يوحنا 3: 16). وكل من يؤمن به في كل مكان من العالم يباركه بغفران خطاياه ويهبه الحياة الأبدية، وهذه هي البركة التي يمكن أن تحل على كل أمم العالم.

لقد فشل اليهود أن يكونوا بركة للعالم، وقتلوا أنبياء الله، ولم يطيعوا كلمته، وبالرغم من ذلك باركهم الله. ومن بني إسرائيل جاءت عذراء تقية ولدت ابناً عاش حياة طاهرة كاملة.. هذا هو بركة الله للعالم كله، ويمكنه أن يمنحك حياة أبدية إن طلبت منه أن يخلِّصك. تُب عن خطاياك وآمِن به تخلص.

الفصل الخامس: الفداء العظيم

عاش إبراهيم في فلسطين منذ نحو أربعة آلاف سنة، يسكن الخيام ويعيش على الرعي، وقد لُقِّب «خليل الله» لأنه كان يؤمن بوحدانية الله، كما لُقِّب بـ «أبي المؤمنين». وتقول التوراة إن الله أمره أن يقدِّم ابنه ضحيَّةً مع أنه وعده أنَّ فيه تتبارك كل قبائل الأرض (تكوين 22: 1-19). ولم يتردَّد إبراهيم لحظة واحدة، وأخذ ابنه في اليوم التالي ليقدمه محرقة على أحد الجبال الذي يقول كثيرون إنه جبل المريا، وبنى هناك مذبحاً من حجارة، وربط ابنه ووضعه على المذبح، وأخذ سكيناً ليذبحه. وهنا ناداه الله أن يتوقَّف، وأراه كبشاً ممسكاً في الغابة بقرنيه، قدَّمه ذبيحة بدلاً من ابنه.

كانت هذه حادثة هامة جداً في حياة إبراهيم برهنت أن حبه لله أكثر من حبه لابنه، فبارك الله خليله ببركة جديدة. ولكن ما هو الدرس الذي نتعلمه من هذه الحادثة بعد أربعة آلاف سنة من حدوثها؟

أولا: نتعلم أن الله يريدنا أن نطيع أوامره، فهو أمين ويتوقَّع منّا أن نكون أمناء له. وقد أعطى كل واحد مقداراً من الإيمان، يمكن أن يرفضه كما يفعل الملحدون، أو يتهاون به لأنه لا يثق إلا في نفسه، أو يسيء استخدامه مثل الوثنيين الذين يتعبَّدون لتماثيل يصنعونها بأيديهم. أما إبراهيم فاختار أن يعبد الله الواحد، فكافأه بأن وعده أن يكون عدد نسله كنجوم السماء. وعرف إبراهيم أن هذا الوعد لا يتحقَّق إلا إن كان له ابن، ومع ذلك اختار أن يطيع أمر الله بغير أن يفهم كيف سيتحقَّق ذلك الوعد.

ثانياً: كافأ الله إيمان إبراهيم وحقَّق له وعده عندما أرسل كبشاً بديلاً ذبح على ذات المذبح الذي بناه إبراهيم، فعاش الابن ومات الكبش.. وهذا يشبه قصة مديون كتب شيكاً بدون رصيد، فغضب الدائن جداً لأنه خُدع، وفي غضبه أراد أن يؤذي المديون. فقام صديقٌ للمديون بتسديد قيمة الشيك، فقبل الدائن هذا، وذهب المديون حراً دون أن يسدِّد شيئاً، لأن شخصاً آخر سدَّد دينه بدلاً عنه.

لقد أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه ذبيحة، وحلَّ الكبش محل الابن، ومضى الابن حياً. وهذا ما فعله لنا السيد المسيح بعد أن أخطأنا. إن «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23)، ونحن مديونون عاجزون عن وفاء الدين، ونهايتنا الهلاك في جهنم، فدفع المسيح ديوننا بموته على الصليب. فإن قبلنا ما فعله لأجلنا لن نكون مديونين يوم القيامة، لأنه «لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ» (رومية 8: 1).

إن قصة إبراهيم وابنه تعلِّمنا درساً عن الفدية، فقد فدانا المسيح كما افتُدي ابن إبراهيم. ومع أن المسيح مات، إلا أنه قام أيضاً. وكل من يضع ثقته في المسيح المصلوب المُقام لن يُدان، وهذا لا يتوقَّف على صلاحه، بل على ما فعله المسيح لأجله، فقد دفع بنفسه ثمن فدائنا.

فهل تقبل المسيح الذي عيَّنه الله نائباً عنك لفدائك؟ هل تريد أن تنجو من هلاك النار؟ إن من لا يقبل فداء المسيح سيصيبه الهلاك الأبدي عقاباً لخطاياه. فاقبل المسيح الفادي الذي سدَّد ديونك بموته على الصليب.

الفصل السادس: يوسف

بعد إبراهيم صارت المواعيد لولده إسحاق. وكان لإسحاق ولدان: عيسو ويعقوب. وعاشوا في فلسطين منذ نحو أربعة آلاف سنة. ومنح إسحاق البركة ليعقوب لا لعيسو. وغيَّر الله اسم يعقوب إلى إسرائيل، ومن هنا جاء لقب نسله «بني إسرائيل». وكان ليعقوب 12 ابناً، أحدهم النبي يوسف.

وعندما كان يوسف صغيراً كان يبقى مع والده بينما يرعى إخوته أغنام أبيهم. وسمع يوسف من أبيه عن الله ومواعيده الصالحة، وعرف أن الله يحقِّق وعده فآمن به وعاش حياة طاهرة.. وذات يوم أرسل يعقوب يوسف ليسأل عن سلامة إخوته الذين يرعون الغنم، فأطاع. وعندما رأوه قرروا أن يقتلوه لأنهم كانوا يحسدونه، فألقوه في حفرة. ولا بد أنه استعطفهم ليطعموه من الطعام الذي جاءهم به، فسخروا منه. وقبل أن يفكروا كيف يقتلونه رأوا قافلة تجار متَّجهة إلى مصر، فباعوه لهم عبداً (تكوين 37: 27).

وفي مصر باع التجار يوسف لفوطيفار خادم فرعون، فاشتغل في بيته. وكان الرب مع يوسف فكان ناجحاً (تكوين 39: 2)، فولاه فوطيفار إدارة أمور بيته. وذات يوم طلبت منه زوجة فوطيفار أن يرتكب الشر معها فرفض، فأمسكت بثوبه فتركه لها. فأخبرت زوجها كذباً أن يوسف حاول الاعتداء عليها وأنها رفضته وأخذت ثوبه، فأُلقي يوسف في السجن.

وكان الرب مع يوسف في السجن، فاستأمنه مدير السجن ليشرف على المسجونين. وذات يومٍ حلم ساقي فرعون وخبازه وهما في السجن حُلمين، فسَّرهما يوسف لهما. وعاد ساقي فرعون إلى وظيفته، فطلب منه يوسف أن يذكر براءته لفرعون، ولكن الساقي نسي.

وذات يوم حلم فرعون حلمين لم يقدر أحدٌ أن يفسرهما، فتذكر الساقي يوسف مفسِّر الأحلام، وهكذا وقف يوسف أمام فرعون وفسَّر له حلميه. قال إنه ستجيء على مصر سبع سنوات شبع تتبعها سبع سنوات جوع، ونصح أن يخزن المصريون قمح سنوات الشبع ليأكلوه في سنوات الجوع.. ورأى فرعون أن يوسف أفضل من يؤدي المهمة. وهكذا انتقل يوسف من السجن ليصبح رئيس وزراء مصر. واستقدم عائلته من فلسطين لتسكن في مصر ليعولها أثناء سنوات المجاعة.

وقد يظن البعض أن أنبياء الله لا يعانون ولا يتعبون لأن الله يُبعد عنهم الضيق، ولكن من يتأمل حياة النبي يوسف يرى أنه بيع عبداً، وتحمَّل متاعب السفر من فلسطين إلى مصر في الجوع والعطش والحر والغبار. وكعبدٍ كان بلا حقوق. ولعل التجار عاملوا جِمالهم بأفضل مما عاملوا يوسف. واكتمل عذابه بالسجن الأليم رغم أمانته.

فإذا تأملنا حياة المسيح نسمع البعض يقولون: لا يمكن أن يتألم هذا النبي الصالح، فلن يسمح الله له بآلام الصليب. ولكن الذي يتأمل حياة يوسف يرى أن الأنبياء يتألمون. وكانت نتيجة آلام يوسف أنه صار رئيس وزراء مصر، فارتفع من هاوية السجن إلى سُدَّة السلطة.. وهكذا كانت نتيجة صَلب المسيح، فقد قام ورفعه الله، وسيكون في اليوم الآخِر ديان العالمين «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلاصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 12).

فهل تقبل خلاص المسيح؟

الفصل السابع: خطية موسى

وُلد موسى كليم الله في مصر منذ نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. وكان يوسف قد جاء بعائلته إلى مصر فقضوا فيها أكثر من أربعمئة سنة، نُسي فيها يوسف وخدماته لمصر، وصار بنو إسرائيل عبيداً لفرعون يسومهم سوء العذاب.

وقد أجرى الله معجزات على يد موسى حتى أمر فرعون بطرد بني إسرائيل من مصر. ولكنه بعد خروجهم غيَّر رأيه وتبعهم بجيشه، فشقَّ الله البحر الأحمر فعبره بنو إسرائيل، وأعاده لحالته الطبيعية، فغرق فيه المصريون. وفي صحراء سيناء كلم الله موسى من على الجبل. وعطش بنو إسرائيل في القفر فصرخوا وتذمروا على موسى وعلى أخيه هارون، فصلى موسى وطلب من الله أن ينقذ الشعب من الموت عطشاً. وسمع الله دعاءه وطلب منه أن يكلم الصخرة فتُخرج ماءً. وعاد موسى إلى الشعب فوجدهم لا يزالون يتذمرون على الله وعلى كليمه، فغضب وضرب الصخرة بدل أن يكلمها، فخرج الماء وارتوى الشعب.

ووبَّخ الله موسى على غضبه لأنه ضرب الصخرة ولم يكلمها. وقال له ولأخيه هارون: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِذٰلِكَ لا تُدْخِلانِ هٰذِهِ ٱلْجَمَاعَةَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» (العدد 20: 12). وهذا ما حدث، فقد مات موسى على جبل نبو، ولم يدخل أرض فلسطين.

فماذا يعلِّمنا هذا؟ يعلمنا أن خطية واحدة حرمت موسى من دخول أرض الموعد. وقد يبدو هذا قسوةً من الله، لكن الحقيقة أن الله قدوس وعادل، حتى أن خطية واحدة تمنع عنا بركاته.. فكم خطية ارتكبنا نحن؟ وإن كان الله قد عاقب كليمه على خطية واحدة، فكم يكون عقابنا يوم الدين؟ إن ما حدث مع موسى يُظهر لنا كراهية الله للخطية. ولم تقدر كل أعمال موسى الصالحة أن ترفع عنه عقوبة الحرمان من دخول أرض الموعد. فكم يكون حالنا نحن؟

لقد أوحى الله لموسى أن يكتب أسفار التوراة، فهي كلمة الله التي يجب أن نؤمن بها. وقد عرف موسى عن مواعيد الله لإبراهيم، وعرف أنه سبحانه سيرسل مخلِّصاً يُعيد للإنسان فردوسه المفقود، وكان يعرف أن الخطية التي طردت الإنسان من الجنة لا تمحوها كل الأعمال الصالحة، ولا يمكن أن ينجو الإنسان من عقوبتها إلا بتدبير إلهي، هو مجيء المخلِّص من نسل إبراهيم ليخلِّص البشر من خطاياهم.

ونحن اليوم نعرف أن المسيح المخلِّص قد جاء إلى عالمنا. وكما تطلّع موسى وأنبياء التوراة إلى مجيئه، نعرف نحن اليوم أنه جاء منذ ألفي عام وأكمل خلاصنا.

لنفترض أن شيخ قبيلة أقام وليمة دعا إليها كل أفراد قبيلته. وبينما كانوا يجهزون الوليمة تسلل عدو ووضع قطرة سم في قدر الطعام، ولكن أمره اكتُشف وقُبض عليه قبل أن يهرب. وقبل أن يأكل الضيوف قال لهم المُضيف: «لقد جاء عدو ووضع قطرة سم في الطعام، وقد قبضنا عليه. ولكنها مجرد قطرة» .. فكم تظن عدد الذين سيُقبِلون على تناول الطعام؟.. أعتقد أنه لا أحد.

ويصدُق الأمر على الخطية، فخطيةٌ واحدة كقطرة سم واحدة. لقد رُفض الطعام كله كما سيُرفض كل الخطاة من محضر الله. خطية واحدة حرمت آدم من الجنة، وخطية واحدة حرمت موسى من دخول أرض الموعد. وما أكثر خطايانا!

ولكن الله جهَّز خلاصاً بالمسيح الذي لم يرتكب غلطة واحدة أثناء سني حياته الثلاث والثلاثين على أرضنا، وهو وحده الذي يخلِّص إلى التمام، ودمه يطهرنا من كل خطية (1يوحنا 1: 7).

آمن موسى أن كل خطاياه ستُغفَر تماماً بفضل عمل المسيح المخلِّص الآتي، فهل تقبل أنت ما عمله المسيح لأجلك منذ ألفي سنة؟ يريد الله أن يطهِّرك بدم المسيح الذي افتداك.

الفصل الثامن: موسى والفصح

سجَّلت لنا التوراة سيرة موسى في سفر الخروج 2: 1-12: 51، وتقول إن فرعون أمر بقتل كل أولاد بني إسرائيل، فخبأ والدا موسى وليدهما في سَفَط وضعاه على صفحة النيل، فرأته ابنة فرعون وتبنَّته. وعندما كبر اكتشف جذوره، فحاول مساعدة شعبه، وقتل المصري، وهرب إلى الصحراء حيث قضى أربعين سنة يرعى الأغنام، دعاه الله بعدها ليُنقِذ بني إسرائيل من عبوديتهم في مصر. ولُقِّب موسى «كليم الله» وكلَّم فرعون برسالة الله أن يُفرج عن بني إسرائيل، فرفض فرعون، فأوقع الله ضربات قاسية على المصريين، إذ حوَّل ماء النيل إلى دم، وأرسل عليهم الضفادع والبعوض والذباب والدمامل والبَرَد والجراد والظلام لتجبرهم على تحرير بني إسرائيل. ولكن فرعون لم ينكسر إلا بعد أن أرسل الله ملاكاً قتل كل أبكار المصريين، بمن فيهم بكر فرعون. ولكنه لم يقتل أبكار بني إسرائيل، لأن الله أمر أن تذبح كل عائلة حَمَلاً تضع دمه على عتبة البيت العليا وقائمتي الباب، فيرى الملاك الدم و «يعبر» عن البيت. أما البيت الذي لا يجد دماً على بابه فإنه يقتل البكر فيه.

فماذا نتعلم من هذه الحادثة؟

إنها رمزٌ آخر للفداء، فقد فدى حمل الفصح (العبور) الابن البكر. مات الحمل البريء لينجو الابن البكر. ويصوِّر هذا الفداء خلاص الله الكامل للإنسان. إن الحمل أقل قيمةً من الإنسان، لذلك كانت الحملان علاجاً مؤقتاً لأنها تعجز عن تقديم حياة أبدية لمن هو أعظم منها، وهي تغطي خطية الإنسان ولكنها لا تزيلها، ولا يمكنها أن ترفع من قيمة الإنسان الخاطئ المحتاج إلى ذبيحٍ أعظم يمكِّنه من الوقوف أمام الله القدوس.

على أن الدم المرشوش على عتبة البيت العليا وقائمتي الباب يعلن عن الحاجة إلى ما هو أعظم.. إلى السيد المسيح الذي مات على الصليب، وسال الدم من يديه الممدودتين على الخشبة، إلى الجانبين. وضُرب على رأسه ووُضع عليها إكليل الشوك. وكان موته إعلاناً «لعبور» غضب الله عن الخاطئ التائب الذي يضع ثقته في الصليب.

لقد وُلد المسيح بالروح القدس من مريم العذراء، وعاش حياة كاملة فأمكن أن يكون «الذبح العظيم» . وهو أعظم من الحملان وأعظم من كل البشر، فلم يولد أحد كما وُلد هو، ولم يُجرِ أحدٌ معجزات كما أجرى هو، ولم يحيَ أحدٌ حياةً كاملة على أرضنا سواه، فحقَّ له أن يكون الفادي الأوحد الذي يفدي كل من يضع ثقته في فدائه.

لقد أعطانا الفصحُ صورةً لخلاص المسيح الكامل. لم تكن كل حيوانات الأرض قادرةً أن تعيد للإنسان براءته التي كانت له في جنة عدن، ولكن المسيح المخلِّص يقدر أن يجعلنا كاملين يوم الدين.. فهل تقبل تدبيره لخلاص نفسك؟ لقد نجا بنو إسرائيل منذ آلاف السنين لأنهم أطاعوا توجيهات الله ووضعوا دماء الحملان على بيوتهم، رغم أن هذا كان غريباً في وقتهم. فهل تستتر بدم المسيح حتى لو بدا هذا لك غريباً، فتنال غفران خطاياك؟.. وقد يبدو غريباً عليك أن موت شخص منذ ألفي سنة يفديك اليوم، ولكن هذه هي الحقيقة التي تخلِّصك من عذاب النار يوم القيامة. لقد نال بنو إسرائيل حياةً انتهت بالموت، ولكنه يعطيك حياة أبدية لا تنتهي أبداً، إن وضعت ثقتك في فداء المسيح.

الفصل التاسع: موسى والحيّات

ذات مساء كان المسيح يتحدث إلى أحد رجال الدين اليهود، وقال له: «كَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ» (يوحنا 3: 14).

وقد أشار المسيح بقوله هذا إلى حادثة جرت في القرن الرابع عشر ق. م. لبني إسرائيل في صحراء جنوب الأردن، وذكرتها التوراة في سفر العدد 21: 4-9.. وكان بنو إسرائيل وقتها يسافرون من مصر إلى فلسطين وقد تعبوا جداً، فتذمَّروا على موسى وقالوا إن الله أخرجهم من مصر وأهملهم ليموتوا في الصحراء. وغضب الله فأرسل عليهم حيات سامة لدغت الآلاف منهم، فصرخوا إلى موسى ورجوه أن يطلب لهم رحمة الله. وصلى موسى لأجلهم، فأمره الرب أن يصنع حية من نحاس يعلِّقها على عامود، وكل من ينظر إليها ينال الشفاء. ففعل، وطلب من الشعب أن ينظروا إليها فيُشفون. فهل تظن أن الكل نظروا وشُفوا؟ لا نظن هذا، فلا بد أن البعض لم يصدقوا موسى ولا ربَّه، وقالوا: «لا نعتقد أن هذه الحية النحاسية تفيدنا. ولو شاء الله أن ينقذنا لفعل». ولعل البعض قالوا: «نحن مرضى، ولا نريد أن نربك أنفسنا بالتفكير».. وهذا ما يقوله البشر إلى يومنا هذا لأنهم لا يفهمون فكر الله. إنه لا يطالبنا بأعمال صالحة، لكن بأن نؤمن به وبكلامه، غير أن أكثر الناس لا يؤمنون.

لكن هناك من آمن ونظر إلى حية النحاس فنجا دون أن يفهم كيفية الشفاء. ويقول الإنجيل إن الإيمان هو عطية الله (أفسس2: 8). والبعض يقبل هذه العطية، بينما يرفضها البعض الآخر من الكفرة الذين لا يثقون إلا في قدرات عقولهم، أو من أصحاب الديانات الوثنية الذين لا يؤمنون بالإله الحقيقي. ولم يخلقنا الله آلات صماء، بل أعطانا حرية الاختيار لنُحسن أو نُسيء استخدام عطيته. وأفضل ما نستخدم فيه عطية الإيمان هو أن نثق في الإله الحي الحقيقي ونقبل خلاصه المقدَّم لنا في المسيح.

وأكمل المسيح كلامه لرجل الدين اليهودي بقوله إنه يجب أن يُرفَع مصلوباً كما رُفعت الحية النحاسية على العامود. وهذا يعني أن المسيح لا يموت سراً، بل يموت علناً بأن يُرفَع على صليب فيراه الجميع. وكل من يؤمن به ينجو من سم الحية إبليس، وينال الحياة الأبدية.

هل ستتطلَّع إلى المسيح المخلِّص أو هل ستكون مثل بعض بني إسرائيل الذين لم يؤمنوا فهلكوا في خيامهم، لأنهم لم يفهموا قصد الله الصالح.. ونحن لا نعرف لماذا اختار الله حية نحاسية ينقذ بها بني إسرائيل، ولكننا نعرف أن كل من نظر إليها واثقاً في كلمة الله شُفي. وقد لا تفهم خلاص الله لكنك يمكن أن تناله. ولم يطالب الله بني إسرائيل أن يفهموا، لكن أن يؤمنوا فيخلصون. وهو لا يطالبك اليوم بالفهم، بل بالطاعة والثقة في المسيح المخلِّص والفادي.

الفصل العاشر: النبي داود

عاش النبي داود قبل ميلاد المسيح بألف سنة ، وكان أعظم ملوك بني إسرائيل، وهزم أو حالف كل الممالك المحيطة بمملكته، وكانت كل المنطقة في سلام بسبب قيادته الرشيدة، وقد عزا داود كل النجاح الذي بلغه لله سبحانه.

وكان داود نبياً، فماذا قال عن نفسه؟ لم يقُل إنه كامل، بل قال: «بِٱلإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5). فاعترف أنه خاطئ في نظر الله حتى من قبل أن يُولد! فكيف يعتبر نفسه خاطئاً قبل أن يرتكب خطية واحدة؟

كان عند داود نسخة من التوراة التي تروي قصة سقوط آدم، وهو يعلم أنه من نسل آدم، وأنه ورث ميول العصيان الشريرة. وكان يعلم في قلبه أنه ليس كاملاً، وأنه ذو طبيعة خاطئة. وكلنا خطّاؤون بالطبيعة وبالفعل، ونفوسنا أمَّارة بالسوء. ويقول داود: «لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً، لَيْسَ وَلا وَاحِدٌ» (مزمور 14: 3) فالجميع خطاة.

وذات يوم رأى النبي داود امرأة جميلة فاشتهاها وارتكب الخطأ معها، فحبلت. وكان زوجها يحارب في إحدى المعارك فدبَّر قتله في الحرب. وهي القصة المعروفة بأنه أخذ نعجة جاره الفقير! فهل تظن أن القصة مدسوسة؟ لا نظن، فلا يمكن أن يختلق اليهود هذه التهمة المخجلة ويُلصقوها بملكهم ونبيِّهم العظيم!.. ولكنها قصة حقيقية أثبتتها التوراة لتُرينا أن البشر خطّاؤون.

وقد سجَّل النبي داود اعترافه بهذه الخطية وتوبته عنها في مزمور 51، وفيه طلب غفران الله وتطهيره، لأنه كان يعلم أن كل أعماله الصالحة لن تكفِّر عن خطيته الشنيعة. ولكن كيف عفا الله عن داود الذي زنى وقتل؟

قال داود: «قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلابٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلأَشْرَارِ ٱكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور 22: 16)، ولم يحدث لداود أبداً شيء مثل هذا، فلا بد أنه كان يتحدَّث عن شخصٍ آخر. والحقيقة أنه كان يتنبأ بأمر مستقبلي، فقد كان اليهود يصفون الأمم الأغيار بأنهم «كلاب»، وكان الأنبياء يصفون اليهود بأنهم «أشرار»، ولم يُعرف الإعدام بالصلب وثقب اليدين والرِّجلين إلا بعد زمن النبي داود بمئات السنين.. إذاً كان النبي داود يتنبأ بصلب المسيح الذي سيحيط به الرومان الأغيار واليهود الأشرار وقد ثقبوا يديه ورجليه على الصليب.

وكان صلب المسيح هو وسيلة غفران خطايا داود. فلم يسترجع داود علاقة الأُنس بالله بأعماله الصالحة، لكن بفداء السيد المسيح.

وامتدَّ رجاء داود في المسيح إلى ما هو أكثر من غفران خطاياه، فقد قال: «لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً» (مزمور 16: 10). ولم يقل هذا عن نفسه، فقد مات ودُفن في عاصمته، ورأى جسده فساداً، ولكنه آمن أنه في المستقبل سيجيء المسيح قدوس الله الذي سيهزم الموت، ويعطي المؤمنين رجاءً في القيامة. وآمن بهذا قبل حدوثه بألف سنة، ونحن نعرف ما آمن داود به، فقد مضت عليه ألفا سنة، وقد اكتمل خلاصنا بالمسيح.. رأى داود نفسه خاطئاً، ولم يضع ثقته في صلاحه بل في خلاص الله الذي يطهِّر من كل خطية.

هل تقبل خلاص الله؟.. كلنا خطاة، ولا يوجد فينا واحد كامل، ولن تخلِّصنا أعمالنا الصالحة. لقد أورثنا آدم ميولاً شريرة تحرمنا من فردوس الله، ولكن الله في رحمته يمنحنا الغفران بالمسيح قدوس الله. وقد تنبأ داود بصلب المسيح قبل أن يعرف الصليب كوسيلة للإعدام. مات المسيح مصلوباً، لكن جسده لم يرَ فساداً في القبر لأن الله أقامه، وهو اليوم حي في السماء وسيعود منها دياناً للعالمين.. اقبل عطية خلاص الله لأن قبولك هو الطريقة الوحيدة لدخول جنة الله، فتخلص كما خلص داود.

الفصل الحادي عشر: إشعياء

إشعياء واحد من أنبياء الله، عاش في القرن السابع قبل المسيح، وهو من العائلة الملكية. وإليك بعض روائع ما أوحى الله إليه به:

«مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ، وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ وَٱلآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ؟» (إشعياء40: 12). الله عظيم فعلاً! وقد أدرك النبي إشعياء طرفاً من هذه العظمة عبَّر عنه بما اقتبسناه. وإليك نصّاً آخر جديراً بالاهتمام:

«وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ... أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ» (إشعياء 53: 5-7 و10).

هذا نصٌّ عجيب كُتب قبل ميلاد المسيح بسبعمئة سنة. ولا يمكن أن نشك في أن الله أوحى لإشعياء بهذه النبوَّة، فقد وُجد سفر إشعياء كاملاً بين مخطوطات البحر الميت التي كُتبت قبل ميلاد المسيح. ثم أن اليهود لا يؤمنون بكفارة المسيح، فلا يمكن أن يكونوا قد ابتدعوا هذه النبوَّة. فهي إذاً من وحي الرب.

تنبأ إشعياء بآلام المسيح الكفارية، فقال إنه جُرح وسُحق وذُبح دون أن يحتج. وما قاله إشعياء في التوراة تمَّ حرفياً في المسيح كما يقول الإنجيل.

ويقول البعض إن الله لا يمكن أن يسمح بإتيان كل هذه الآلام على المسيح، ولكن إشعياء يقول إن الله سُرَّ بأن يسحقه. ولا بد أن هذا إرادة الله العامرة بالمحبة، فالوحي يقول «لَكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 5: 8). لقد أحبنا الله حباً عظيماً حتى مات المسيح ليحمل عنا خطايانا. «إِنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23) فكان لا بد من موت أحدٍ تكفيراً عن كل الشرور التي ارتكبناها. وقبِل الله ما فعله المسيح ليكفِّر عنا.

ووصف النبي إشعياء المسيح بأنه شاة وحمل وذبيحة. وكانت شريعة موسى تطالب بتقديم ذبائح حيوانية للتكفير عن الخطايا. ولكن الحيوانات أقل قيمة من الإنسان، ولهذا فهي قاصرة عن إعادة علاقة الإنسان بالله، فالأدنى لا يرفع الأرفع منه، ولكن تلك الذبائح الحيوانية كانت رمزاً للمسيح حَمَل الله الذي جعل دخولنا فردوس الله ممكناً. إننا محتاجون إلى ذبح سماوي عظيم أعظم من الإنسان ليرفع الإنسان إلى الله. وقد أوحى الله للنبي إشعياء أن الذبح العظيم آتٍ.

احتمل المسيح كل ما تنبأ به إشعياء، وكان النبي يوسف قد سبق واحتمل الألم الكثير في عبوديته وسجنه. ولكن المسيح كسّر أبواب السجن وقام منتصراً على الموت وصعد إلى السماء.

فهل تقبل الفداء الإلهي الذي وضع على المسيح إثم جميعنا. إنه يحبك، فاقبل خلاصه وثِق في كفارته.

الفصل الثاني عشر: يوحنا المعمدان

عندما يمثل شخصٌ ليشهد أمام محكمة يحلف أنه سيقول الحق. وقد شهد المعمدان للمسيح «وَهٰذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا...أَنِّي لَسْتُ أَنَا ٱلْمَسِيحَ.. وَفِي ٱلْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ. هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي.. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هٰذَا هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (يوحنا 1: 19-34).

كان المعمدان خاتمة الأنبياء قبل المسيح، وقد جاء ليجهِّز له الطريق.

لا يستطيع الناس أن يفهموا أعمال الله وكلماته إلا إذا تابوا، لأن الخطية تُعمي بصيرتهم فلا يدركون الله. ولهذا أرسل الله المعمدان يدعو الناس للتوبة ليُجهِّزهم لقبول خدمة المسيح. ولم يتُب معظم بني إسرائيل، فرفضوا رسالة المسيح.

ونعيش نحن اليوم بعد المسيح بألفي سنة، ولكن كثيرين لا يملكون حسَّ المعمدان عن المسيح، ذلك النبي الصادق الذي عاصر المسيح، ورآه كما أعلنه له الروح القدس، وعرفه معرفة شخصية. وسنستفيد كثيراً لو عرفنا رأي المعمدان في المسيح، فقد قال إنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم، مما يدل على أن المعمدان رأى المسيح مخلِّصاً للعالم، أكبر من مجرد منقذ سياسي لبني إسرائيل من احتلال الدولة الرومانية كما توقَّعه بنو إسرائيل، فهو المرسَل من الله ليخلِّص البشر من خطاياهم ويمنحهم الغفران.. رأى المعمدان المسيح ذبيحاً أعظم يرفع خطية العالم كله. ولا شك أن المعمدان كان يعرف أخبار الأنبياء الذين سبقوه، وكيف أنقذ الله ابن إبراهيم بالكبش، وكيف رأى نوح ويوسف وموسى أن المسيح هو الوحيد الذي يخلِّص من الخطايا.

وقال المعمدان إن المسيح قدّامه، بمعنى أنه أعظم منه لأنه كان قبله. كيف؟ لقد وُلد المعمدان قبل المسيح بستة أشهر، إذ يقول الإنجيل: «فِي ٱلشَّهْرِ ٱلسَّادِسِ (لحبل أليصابات أم المعمدان) أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلاكُ مِنَ ٱللّٰهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ. وَٱسْمُ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ» (لوقا 1: 24-27). فكيف يكون المسيح قبل المعمدان وهو أكبر منه بستة أشهر؟.. عرف المعمدان أن المسيح كلمة الله، وهو الأزلي لأنه لم يمضِ على الله وقتٌ كان فيه بغير كلمة!.. وكان يعرف أن المسيح وُلد من روح الله، فهو أعظم منه!

إن إيمان المعمدان بالمسيح أعظم من إيمان كثيرين به.. فهل تقول عنه ما قاله المعمدان عنه؟ إنه الذي يخلِّص العالم بموته كحَمَل الله الذي جاء من السماء مولوداً من العذراء. قال المعمدان إن المسيح أعظم منه لأنه كان قبله، وقال إن الله سيرفع المسيح، كما سبق موسى ورفع الحية في البرية.

فاقبل المسيح فادياً لك لأنه حمل خطاياك عنك على صليبه، وافتح قلبك للمسيح قول الحق، كلمة الله، كما فهم المعمدان. تُب عن خطاياك فترى المسيح على حقيقته، ولا تكن كاليهود الذين رفضوه، فصار مصيرهم النار، وبئس المصير!

الفصل الثالث عشر: السيد المسيح

ذات ليلة جاء أحد علماء الدين اليهود، واسمه نيقوديموس، ليزور المسيح وليناقش معه أمور الدين. وقد أورد الأصحاح الثالث من إنجيل يوحنا أخبار هذا اللقاء التاريخي. وطلب المسيح من هذا القائد الديني الكبير أن يبدأ حياته من جديد، إذ قال له إنه يجب أن يولد ولادة ثانية، وهو قول غريب يُقال لرجل متقدِّم في العمر. والمقصود أن سنوات طويلة من التديُّن لا تُدخِل صاحبها إلى السماء، لأن الاحتياج هو إلى ميلاد جديد.

ثم قال المسيح لنيقوديموس إنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل السيد المسيح، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16). وهو قول يوضِّح أن لا أحد يدخل الجنة بتديُّنه، فقد كان ضيف المسيح يؤدي بتدقيق كل فروض دينه وكل شرائع موسى، ولكن المسيح قال له إن هذا كله لا شيء، أما إن أراد أن يحيا إلى الأبد فيجب أن يضع ثقته في الله، وفي ما فعله الله لأجله.

يظن كثيرون، كما ظنَّ نيقوديموس، أن الأعمال الصالحة تُدخِلهم الجنة، ولكن الإنجيل يقول إن الإيمان هو عطية الله في المسيح، وبه يدخلون الفردوس.

يبدأ المسيح بالقول إن الله يحبنا ويحب العالم كله. وعلينا أن ندرك أنه خالق محب قبل أن نعرف ما يطالبنا به. إنه خالقنا وهو يعرف ضعفاتنا، ويعلم ما نستطيعه وما نعجز عنه، ولهذا فهو لم يجعل حصولنا على الخلاص صعباً. لو قلنا مثلاً إننا يجب أن نتعلم اللغة العربية قبل أن نخلص لجعلنا الأمر صعباً على شعوب العالم غير الناطقة بالعربية. لذلك يطالبنا الرب بالثقة في المسيح لننال الخلاص، وهو أمر ممكن للجميع، فإن الله محبة.

ولا يذكر المسيح ما يجب أن نفعله، بل ما فعله هو لأجلنا، إذ جاء أرضنا ليخلِّصنا من خطايانا. إن الخطية هي التي تفصلنا عن الله، لهذا جاء المسيح ليحمل عنا خطايانا. وقال الملاك جبرائيل وهو يبشر العذراء مريم إن اسم المولود سيكون «يسوع، لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم». وبعد أن عاش المسيح على أرضنا حياة كاملة قام بكل المطلوب لخلاصنا وصار نائباً عنا. وقال المسيح لنيقوديموس إنه ينبغي أن يُرفع ليخلِّص البشر الذين أحبهم (يوحنا 3: 14). وفي هذا القول تنبأ المسيح أنه سيموت مصلوباً.

وأخيراً أعلن المسيح لنيقوديموس أنه يجب أن يؤمن به، لأن كل من يؤمن به لا يهلك، بل تكون له الحياة الأبدية. إن الله يطالبنا بالإيمان لا بالتديُّن، فالخلاص نتيجة للإيمان.

وقال المسيح إن الله لم يرسله إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم (يوحنا 3: 17). ويرفض البعض موت المسيح لأنهم يعتبرونه ضعفاً، والحقيقة هي أن المحبة أقوى من كل شيء، وقد قبل المسيح أن يُصلب لأنه يحبنا، ولأن صلبه هو الوسيلة الوحيدة لخلاصنا.. الله يحبك، وقد أرسل المسيح ليموت عوضاً عنك. وقبِل المسيح الصلب، لا لأنه عجز عن تفاديه، بل لأنه أراد أن يخلِّصنا بدمه الذي يطهِّر من كل خطية (1يوحنا 1: 7). فإن وثقت أن دم المسيح سُفك على الصليب من أجل خطاياك سيغفر لك ويدخلك فردوسه. تُب عن خطاياك وآمِن أن المسيح حملها عنك، وستبدأ حياتك الأبدية فور إيمانك فتنجو من الهلاك. وعندما يتوقَّف قلبك عن الخفقان ستدخل الفردوس فوراً، ولن تجيء إلى دينونة، وستكون متأكداً من دخول السماء. آمِن بما فعله المسيح لأجلك، وثق أن الله يحبك.

الفصل الرابع عشر: الحياة الأبدية

تختلف أفكار الناس بخصوص الحياة بعد الموت، فقد ظنَّ المصريون القدماء أنها تشبه الحياة الحاضرة، فكانوا يدفنون معهم أشياء تشبه ما كانوا يحتاجون إليه في حياتهم الأرضية. ويعتقد البعض أنها ستكون كجنة عدن التي عاش فيها أبوانا الأوَّلان. ولم يتكلم المسيح كثيراً عن هذا الموضوع، ولكنه تكلم عن الحياة الأبدية.. فماذا قصد بها؟

كان المسيح يصلي ليلة أن خانه يهوذا الإسخريوطي فقال: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3). فماذا قصد بالحياة الأبدية؟

أولا: يجب أن يعرف المرء الإله الحقيقي لأن هذه هي الحياة الأبدية. العبادة طبيعة عند البشر جميعاً، ففي الغرب يعبد كثيرون المال ولا يهتمون إلا بتحسين أحوالهم. وفي الشرق لا زال هناك عُبّاد أصنام، بل إن البعض يعبدون البقر والقرود. ولكن المسيح يريدنا أن نعرف الإله الحقيقي وحده الذي تزيد معرفتنا له كلما عبدناه، لهذا يجب أن نعبد خالق السماوات والأرض، الذي أعلن ذاته بواسطة أنبيائه. وأعلن المسيح وحدانية الله في قوله «الإله الحقيقي وحدك». وهكذا قالت التوراة والمزامير والإنجيل.

لكل واحد منا وحدة جامعة من جسد ونفس وروح لا تنفصل، ونعلم بوجودها. والله واحد، ووحدانيته جامعة، وهو يعلن نفسه في ثلاثة أقانيم مختلفة. فعندما كلَّم الأنبياء في القديم وأظهر قوته المعجزية أعلن عن نفسه بأنه «روح الله» والله إله عظيم لا نهاية لقوته ولا يحتويه العالم كله، ولكنه يسمح للبشر من رجال ونساء أن يختبروه. فكيف يكون هذا؟ يقول الإنجيل إن هذا من عمل الروح القدس. وأعلن الله عن ذاته للبشر في كلمته المسيح ابن مريم الذي وُلد من عذراء، وعاش حياة كاملة، وأجرى معجزات شتى، وارتفع إلى السماء، وسيأتي منها دياناً للعالم. فكيف نفصل بين الله وكلمته وروحه؟ هل تقدر أن تفصل روحك ونفسك عن جسدك وتبقى على قيد الحياة؟.. وأعلن الله عن ذاته في أعمال خليقته من سماء وشمس ونجوم، فهو الآب الخالق. ولا يقول الإنجيل بثلاثة آلهة، بل بإله واحد مثلَّث الأقانيم.

ثانياً: يعلِّمنا المسيح أن الحياة الأبدية هي أن نؤمن أن الإله الواحد أرسل المسيح إلى العالم ليُصلب فيخلِّصنا من خطايانا، وكل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16). ولما كان الله محبة فقد رتَّب خلاص العالم بموت المسيح الكفاري. ويقول الإنجيل إنه لا يوجد إلا وسيط واحد بين الله والناس هو المسيح. ومن سواه يقدر؟ لا يوجد من يقف أمام الله القدوس ويعلن براءته من كل خطية إلا المسيح القدوس البار، الذي يشفع في كل من يؤمن به فيضمن حياته الأبدية.

هذا هو الطريق الوحيد للحياة الأبدية، التي تبدأ لحظة إيمان الشخص بالمسيح فينال حياةً جديدة. وكان المسيح قد طالب نيقوديموس أن يأخذ ولادة ثانية تعطيه حياة الروح التي تبدأ فور إيمانه ولا تنتهي أبداً. وعندما تتوقَّف نبضات قلب المؤمن تنتقل روحه إلى أمجاد الآخِرة، كما قال المسيح: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا 11: 25 و26). وهذا يؤكد دخول السماء لكل من يؤمن. فهل تعتمد في نوال الحياة الأبدية على أعمالك الصالحة، أو على إيمانك بالمسيح؟

ضع ثقتك في المسيح الذي جاء ليخلِّصك من خطاياك. تُب عن خطاياك وآمن فيمنحك الحياة الأبدية.

الفصل الخامس عشر: الرسول بطرس

كان بطرس، أحد تلاميذ السيد المسيح، صياداً دعاه المسيح ليتبعه ويتتلمذ له. وليلة خان يهوذا الإسخريوطي المسيح أنكر بطرس المسيح ولعن وحلف أنه لا يعرفه، ثم اختبأ. ولكنه بعد شهرين من الإنكار وبينما كان يدخل هيكل أورشليم مع زميله يوحنا، رأى مُقعداً جالساً يستعطي عند الباب، قال له: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلا ذَهَبٌ، وَلٰكِنِ ٱلَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ قُمْ وَٱمْشِ» (أعمال 3: 6). فقام المقعد يقفز فرحاً ودخل الهيكل يخبر الجميع بما جرى له، فتجمَّع الناس. وألقى المسؤولون القبض على بطرس ويوحنا بتهمة إحداث شغب في الهيكل، وبدأت محاكمتهما في صباح اليوم التالي أمام نفس المحكمة التي حاكمت المسيح ليلة أن اختبأ بطرس من أولئك القضاة. وكنت تتوقَّع من بطرس ذلك الصباح أن يفعل ما سبق أن فعله، فينكر المسيح وينجو بجلده! ولكن الغريب أنه واجه المحكمة بقوله الجريء: «يَا رُؤَسَاءَ ٱلشَّعْبِ.. إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ ٱلْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ، بِمَاذَا شُفِيَ هٰذَا، فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هٰذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً» (أعمال 4: 8-10).

كانت هذه كلمات شخص شجاع. فكيف واتته كل هذه الشجاعة حتى هاجم المحكمة ولم يدافع عن نفسه، وهو الذي أنكر المسيح قبل هذا بشهرين؟.. هل يمكن أن تكون هذه كلمات صياد جليلي؟.. لا شك أنه كان يعلن حقائق هو متأكد منها، ولا بد أن هذه الحقائق غيَّرت حياته تماماً. فلم يكن مستعداً أن يموت من أجل كذبة اخترعها! فما الذي جرى؟

الذي جرى أن بطرس آمن بأن المسيح صُلب من أجل خطاياه ووهبه الحياة الأبدية، فصار مستعداً أن يموت في سبيل هذا الإيمان، وقال لهيئة المحكمة: «لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلاصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 12).. كان بطرس قد اعترف بخطاياه وتاب وآمن بخلاص الله فشهد للمسيح الذي مات وقام، وأعلنه دون خوف من النتائج.

شهد بطرس أن المسيح مات وقام، وهو حي يشفي المرضى. كل الأنبياء ماتوا، أما المسيح فمات وقام ولا زال يُجري المعجزات، ويخلِّص الناس ويهب حياة أبدية لكل من يؤمن به، ولا خلاص إلاّ به.

فهل لاحظت التغيير العظيم الذي جرى لبطرس، وهل تقبل الإيمان الذي أعلنه؟ .. لم ينكر بطرس الاتهام الموجَّه إليه من المحكمة، بل إنه هاجمها لأنه كان قد رأى المسيح الحي بعد قيامته، وكان قد سمع تعاليمه وشاهد معجزاته، واختبر الحياة الجديدة فيه.

فاقبل إعلان بطرس عن المسيح. تُب عن خطاياك، وآمِن أن أعمالك الصالحة لن تخلِّصك، فخلاصك في المسيح وحده.

الفصل السادس عشر: الرسول بولس

كان بولس أحد الذين آمنوا بالمسيح في القرن الأول الميلادي، فأخذ يسافر من بلد إلى آخر ينادي بالإنجيل. وبعد سنوات من السفر وتأسيس كنائس رجع إلى أورشليم، فعارضه اليهود وقبضوا عليه. ولم يقدروا أن يقتلوه لأنه كان يحمل الجنسية الرومانية بحكم مولده في طرسوس، فكان له امتياز الحصول على محاكمة عادلة، فتولَّت أمره السلطة الرومانية التي لم تكن تعرف كل العقائد اليهودية، فلم تقدر أن تدينه ولا أن تبرئه، فأودعته في السجن.

وحدث أن عيَّن الرومان حاكماً جديداً لفلسطين اسمه أغريباس، من أصلٍ يهودي، فمثل بولس أمامه، وقال إنه سعيدٌ أن يقف أمام حاكم يفهم التقاليد اليهودية، وذكر أنه في أول الأمر كان بكل تعصُّب يضطهد المسيحيين ويقاوم تعاليمهم، بل إنه أخذ رسائل توصية إلى المسؤولين في دمشق ليلقي القبض عليهم هناك. وفي الطريق ظهر المسيح له في نور أفضل من لمعان الشمس، وقال له: «لماذا تضطهدني؟» فغيَّرت هذه الرؤيا السماوية حياته، فلم يعُد يضطهد المسيحيين، بل بدأ ينشر تعاليمهم بين اليهود والأمم الأغيار. وختم حديثه بقوله: «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَمْسَكَنِي ٱلْيَهُودُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِي. فَإِذْ حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ ٱللّٰهِ بَقِيتُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، شَاهِداً لِلصَّغِيرِ وَٱلْكَبِيرِ. وَأَنَا لا أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ، مُزْمِعاً أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ» (أعمال 26: 21-23).

كان بولس أمام محكمة، ولا بد أنه كان يأمل في الإفراج عنه من سجنه الكئيب. فلو أنكر موت المسيح وقيامته لأُطلِق سراحه، ولكنه لم ينكر بل استمر يعلن إيمانه الجديد بصلابة، مع أن تلك المحكمة كان يمكن أن تصدر الحكم بإعدامه. ولكنه في غير خوف شهد لما آمن به أنه الحق.

كان بولس قبل إيمانه بالمسيح قائداً دينياً يهودياً، عمل بكل جهده على تدمير المسيحية إلى أن أوقفه الله عن ذلك، فقال للملك أغريباس إنه لم يكن معانداً للرؤيا السماوية، فقد ظهر له المسيح المقام، فآمن به، وبدأت حياته الروحية الجديدة، ونال الحياة الأبدية.

وعاد بولس يدرس أسفار موسى والأنبياء وعرف ما قالته عن المسيح، فقد بدأت التوراة بذكر ستر آدم وحواء بجلد ذبيحة حيوانية، ثم أنقذ الله نوحاً وعائلته في الفلك، ثم افتدى الله ابن إبراهيم بالكبش. ودرس بولس مزامير داود وكتابات الأنبياء، وقال: «أنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيدٌ أن يكون» وقد كان. وآمن بولس أن المعلم الناصري هو المسيح المنتظر والمخلِّص والفادي. وقد بنى بولس كل تعاليمه على كلمة الله.

أعلن بولس أن المسيح لا بد أن يتألم ويقوم من الأموات، وهو ما تنبأت به النبوات والمزامير. وبعد دراسة وتأمل كتب بولس «أنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ ٱللّٰهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ» (رومية 6: 23).

لم يكن بولس جاهلاً ولا غبياً، بل أستاذاً في الفقه الديني، وشهد في المحكمة بما آمن به، وقال للملك إنه لم يأتِ بجديد، بل يردِّد ما جاء في التوراة أن الخلاص هو بالمسيح المصلوب المقام، الذي حمل أوزارنا، ومنحنا الأمل في المستقبل بقيامته من بين الأموات. وعندما يتوب الشخص عن خطاياه ويقبل خلاص الله يصبح متأكداً من حياته الأبدية في السماء.

والآن، هل تقبل شهادة هؤلاء الأنبياء ذوي العزم عن المسيح؟ وهل تقبل الخلاص الذي يقدِّمه الله لك؟ تُب عن خطاياك وآمِن بالمسيح تخلُص.

مسابقة الكتاب

  1. كيف ستر الله آدم وحواء العريانين؟

  2. ماذا كانت أكبر عقوبة على العصيان أصابت آدم وحواء لما أكلا من الشجرة المنهي عنها؟

  3. من هو نسل المرأة؟ وكيف سحقت الحية عقبه؟

  4. ما الذي خسرناه في آدم الأول، ويمكن أن نستعيده في آدم الثاني؟

  5. ما هي الشروط اللازمة في الشخص الذي يصنع الصلح؟

  6. ماذا وجد البدوي في الكهف القريب من البحر الميت؟ وما هي فائدة هذا الاكتشاف؟

  7. من هو نسل إبراهيم الخليل الذي صار بركة لأمم العالم؟

  8. ماذا تتعلم من فداء ابن إبراهيم بكبش؟

  9. ما هي دلالة آلام يوسف الصدِّيق رغم براءته؟

  10. ما هو الدرس المستفاد من أنه بسبب خطية واحدة حُرم موسى من دخول أرض الميعاد؟

  11. ما معنى كلمة «فصح»؟ ولماذا عبر الملاك المهلك دون أن يقتل أبكار بني إسرائيل؟

  12. ما الذي أمر به الرب موسى لينال الشعب شفاءه من لدغ الحيات؟ وما معنى هذا لنا نحن اليوم؟

  13. اذكر طلبة من الله طلبها النبي داود في مزمور 51؟

  14. اكتب كلمات إشعياء 53: 5-7.

  15. لماذا قال المعمدان عن المسيح إنه كان قبله، مع أن المعمدان وُلد قبل المسيح بستة أشهر؟

  16. بماذا شهد المعمدان عن المسيح؟

  17. كلَّم المسيح نيقوديموس عن ولادة ثانية - ما معنى هذا؟

  18. قدَّم المسيح تعريفاً للحياة الأبدية في يوحنا 17: 3 - ما هو؟

  19. ماذا كانت شهادة بطرس عن المسيح أمام المحكمة اليهودية بعد أن شفى المقعد؟

  20. قال الرسول بولس إنه لم يأتِ بجديد في تعليمه. اشرح عبارته هذه.


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany