العودة الى الصفحة السابقة
اذهبوا إلى العالم أجمع

اذهبوا إلى العالم أجمع

إسكندر جديد وعبد المسيح


Bibliography

اذهبوا إلى العالم أجمع. اسكندر جديد وعبد المسيح. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB ARA. English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

من يدعوك؟

في كل الحضارات العالمية القوية، نجد انتفاضات مفاجئة، فتستولي الشعوب الناهضة على أراض جديدة، وتحول البراري إلى جنائن، وتدخل إلى الأمم الأخرى تعاليمها ومذاهبها الفعّالة.

وبعدما قام ربنا يسوع المسيح من بين الأموات، وغلب كل القوى المضادة للبشر، فتح للمؤمنين به الباب إلى العالم على مصراعيه، ولكي ينقلوا حياته وخلاصه إلى كل الشعوب. فالمسيح يدعوك، لتنطلق من الباب الإلهي، إلى أناس كثيرين، وتدعوهم إلى ملكوت محبته الأزلية، وتقدم لهم قوة الله المخلصة.

قم واذهب ولا تتأخر

فالمسيح لا يقترح عليك الجلوس، ولا التفلسف، ولا النوم والاسترخاء، بل يأمرك أن تذهب وتركض وتسعى. فالمسيحيون الحقيقيون، ليسوا بجماعة متكاسلة بل أناس حدثت فيهم حركة روحية. إنهم كنيسة خادمة، متجهة إلى الخارج، وليست منشغلة بنفسها. لقد أدركت دعوتها الإلهية، وتقوم بتنفيذها.

إن المسيح يحررك من أنانيتك، ويعلمك أن خلاصك الشخصي وسلامة عائلتك، ليست الهدف الأوحد لمحبة الله، بل إنه يريد أن يجتذب بك كثيراً من الضالين إلى رحاب حفظه، ليشركهم في النعمة المعطاة لك. الله محبة، ومحبته هي السر الوحيد في المسيحيين، لأنها هي الدافع القوي في ملكوت الله، والسبب الوحيد للصبر ومواظبة المؤمنين. وهذه المحبة الإلهية تحررنا من الدوران حول أنفسنا، وترسلنا إلى أخينا الإنسان المنعزل والمذنب والمتشائم والثائر والمسكين والمتعجرف. لأن المسيح يحب كل فاسد ومرفوض ويحبك أيضاً في حالتك الضيقة.

المقام من بين الأموات، دعا بعد انتصاره الباهر على الموت كنيسته لتبشير العالم. فهذه الدعوة هي أمر وتفويض وواجب، وليست حملاً ثقيلاً، بل فرح وامتياز وخدمة مقدسة. هل سمعت أمر المسيح؟ فمتى تنفذه؟

اذهبوا معاً في سبيل الله

مما لا ريب فيه، أنك بنشاطك الفردي فاشل بالنظر إلى العوامل التشاؤمية والثورات وأعمال العنف حولك وفي كل الأرض. لهذا لا يرسلك المسيح وحيداً، بل في شركة مع أخوة وأخوات، لكي تحرروا معاً العالم من أنانيته، بواسطة محبة الله الموهوبة لكم. لا تفكر أن في مقدورك أن تخلص إنساناً واحداً بقوتك الخاصة، بل إنّ المسيح يأمرك مع كل قديسيه، أن تتقدموا جميعاً، لكي تساندوا بمواهب الروح القدس، وتتكاملوا ببعضكم، وتصغوا يومياً إلى إرشاد هذا الروح اللطيف، لأننا كلنا عبيد بطالون. وبواسطة هذا التشابك في الروح، يستحيل على أحد أن يغلبكم، لأن محبة الله فينا، هي الكفالة الوحيدة للانتصار النهائي. أتريد خدمة الله لوحدك، وتعبده بتحمس عبقريتك؟ إن فعلت فستفشل وتتعثر بسرعة! اطلب الإخوة البسطاء واخدم ربك في شركة القديسين، بتواضع عظيم وخضوع متبادل.

ولا تنس أن الكنيسة، ليست هي غاية في نفسها لأنها لا تعيش لذاتها. فاللجان والاجتماعات والتبرعات، وضجيج التسابيح، والعقائد المنطقية والوظائف الشهيرة ليست الهدف والغاية، بل ذهابنا المشترك إلى أخينا الإنسان المحتاج إلى النعمة الله. فالمسيح المقام والصاعد إلى مجد الآب، يخلصكم من أنانيتكم المتكبرة، ويجعلكم خداماً للمساكين، ومخلصين لليائسين في قوة روحه القدوس.

اذهبوا معاً إلى العالم أجمع

امش اركض، اطلب الملحدين الكفار، المهملين، الغوغاء الوسخين، المبغضين، أبناء الشوارع، وكل ضال في روح الشيطان. إن كلمة "العالم"، تعني في العهد الجديد مملكة الشيطان، حيث أن روح عصيانه، يملك القلوب، مثيراً فيها النجاسة والاستكبار. (يوحنا 5: 19، وأفسس 2: 1-3) ويعيش كل الناس هكذا، في منطقة تأثير هذا الروح المضاد للمسيح، لأن إبليس، يحسب إله هذا العالم ورئيسه (2 كورنثوس 4: 4 ويوحنا 12: 31 و14 : 30 و16: 11). لهذا يدعوك المسيح إلى الجهاد الروحي، ليس بالسيف والقوة البشرية، بل بسلاح الله المتواضع وفي طاعة محبة المسيح.

وعندئذ تقوم من حلقات جماعتك المحفوظة، وتنطلق إلى العالم البارد الجاف الملحد. هكذا قال مرة رجل الله: كل مؤمن ناضج، اهتدى مرتين، أولاً رجع إلى الله، وثانياً رجع إلى العالم. وهو يعني بقوله هذا: كلنا نحتاج إلى تركزنا في المسيح، بواسطة التوبة والإيمان والولادة الثانية، لنصبح موحدين بجسده الروحي، أي كنيسته المحبوبة. ولكن كما أن المسيح نفسه، قد ترك الحفظ عند أبيه المحبوب وسماواته المجيدة، وأصبح إنساناً مسكيناً. هكذا يدفعنا روح المسيح من اجتماعاتنا وحلقات دراستنا إلى جماهير الناس غير المخلصين، وإلى العبيد في الذنوب، والغارقين في البغضة والدعارة.

اسلك بدقة وحذر في العالم الشرير

إن الكنيسة لا تعني أنانية بل تبشيرا، لا امتزاج مع العالم بل التغلب عليه. فليست الكنيسة هي العالم، بل مدعوة منه ومرسلة إليه. فويل للكنيسة التي تصير عالماً مرة أخرى. فإن دينونة الله تصيبها مرتين وثلاث مرات. والمسيح يدعونا لنكون نوراً في العالم، بإنكار ذواتنا، لنخترق كثافات الظلمات بأشعة المحبة الإلهية. قد كنا ظلاماً، أما الآن فنسلك كأولاد النور، وأصبحنا نوراً في ربنا المسيح نور العالم. لا تخف من سلاطين الظلمة، لأن المسيح قد غلب العالم، والمنتصر هو إلى جانبك. وقدرته أقوى بما لا يقاس من السلطات الهاجمة عليك. انظر إلى المسيح، تتقوى وتطمئن وتفرح وتبشر جهراً.

جاهد بنشر كلمة الإنجيل

ولا يغيبنّ عن بالك، أن كل إنسان بدون يسوع هو عبد لشهواته، وخال من روح الله، وميت روحياً في فساد أخلاقه، حتى ولو استبان مهذباً ومثقفاً. فليس أحد يعمل الصلاح، ولا أحد. أما أنت، أيها الأخ العزيز، فتحمل حياة الله فيك، لأجل النعمة. وقد حصلت على نور الخلاص، وأدركت الله أباك، والمسيح مخلصك وربك. فأصبح من امتيازاتك أن تدعو الكثيرين إلى العهد الجديد مع الله، ليتغيروا من شكلهم المرفوض، ويعيشوا إلى الأبد، كما تعيش أنت إلى الأبد في المسيح. فكل كرازة حقة، هي إقامة من الأموات. لأن المسيح يشركك في خلقه الثاني، لتنقل حياة الله الموضوعة فيك، إلى الأموات في الذنوب والخطايا فيحيون.

كيف تتم الكرازة بالإنجيل اليوم؟ قبل كل شيء إنها تتم بالفرح والشكر. لأن إنجيلنا، معناه البشرى المفرحة. وكان عندما يولد للقيصر الروماني مولود، أو يحصل لهم انتصار على جيوش الأعداء، كانوا يسمّون هذا الخبر المفرح إنجيلاً. فكرازة إنجيلنا، تعني إبراز ولادة ابن الله في عالمنا الحقير، وتوضيح انتصاره الكامل، على الشيطان والخطية والموت. والدلالة على الطريقة التي وصل بها هذا الخلاص التام الإلهي، إلى المؤمنين والناس أجمعين.

كيف ولد ابن الله؟

يتصور كثير من الناس صوراً خاطئة عن ولادة المسيح، لأنه لم يوجد في عيد الميلاد، عندما ولد من مريم العذراء، بل كان ميلاده منبثقاً عن الآب، قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. فهو محبة من محبته، وحق من حقه. وهذا هو الإنجيل، أن الله محبة، وليس أنانياً. فلم يبق لوحده منفرداً، بل شق قلبه قبل تكوين العوالم، فكان ثالوثه الأقدس ظاهراً، إلهاً واحداً بوحدة محبته الأزلية.

والثالوث الأقدس هذا، قد خلق كل العوالم في انسجام عجيب. وجبلنا حسب صورته وأعطانا حرية كبرى. ولكن الإنسان ويا للأسف، قد استعمل هذه الحرية خطأ. ولم يلبث في التواضع، بل استكبر، وارتفع عن الله. واستقل عن مصدره، وصار فانياً، وغير قادر أن يحفظ ناموس الله المقدس في قوته الخاصة. فسقط من غضب إلى غضب، ومن دينونة إلى دينونة، وساء نزلا.

ولكن الله الثالوث الأقدس، رحمنا وأرسل ابنه الوحيد، عند اكتمال الزمان إلى عالمنا. وتجسد مولوداً من مريم العذراء، حتى أن ملء اللاهوت قد حل جسدياً في طفل المذود. ولا يقدر إنسان من تلقائه أن يدرك أعجوبة تجسد الله في المسيح، إلا إذا فتح الروح القدس له عينيه، وأشركه في حياة الله. فحينئذ يدرك الحقيقة السماوية، ويعرف بالبصيرة أن الله القدوس لا يلامس امرأة. بل أن روحه تولد من مريم جنيناً إلهياً، لأنها آمنت متواضعة ببشارة الملاك لها. فأصبح الله إنساناً، موضوعاً في المذود، رمزاً لفقرنا ودليلاً لحضور الله لدى المساكين. هذه بداية بشارة الفرح، إنجيلنا. أيقفز قلبك تعجباً وفرحاً، عند استماعك لهذا الخبر؟! هل أدركت معنى تجسد المسيح؟! إن الله معنا. والقدوس الأزلي أتى إلينا، نحن الخطاة الفانين، ليخلصنا من سلطة الشيطان، ويجددنا في طهارة فدائه.

اعترف بخلاص الله في المصلوب

إن البشرى الخلاصية تقودنا مباشرة إلى صليب المسيح. لأنه على خشبة العار، قد صالح المولود من روح الله العالم الشرير، مع أبيه القدوس. فالمسيح مات عوضاً عنا، لنتبرر أمام الله. ولقد كان الحمل المذبوح، الذي يرفع خطية العالم. فانك لتصبح حراً وحياً وقديساً، إن آمنت بموت المسيح الكفاري. وهذا الموت لهو أعظم انتصار في تاريخ العالم. لأن المصلوب ما كان ضعيفاً ويائساً وفاشلاً، بل حمل غضب الله. وأطفأ دعوى الناموس، على كل الناس. فقد حمل المسيح خطاياك، واحتمل عقوباتك أيضاً. وهكذا تألم بدينونة الله، على كل فجور الناس وإثمهم. وفدى العالم كله من غضب الله، بعاصفة أوجاعه ودمه الكريم.

لا تخادع نفسك ببرك الذاتي

اسجد بين يدي المصلوب، وارتم أمام مخلصك. احن رأسك أمام فادي الأنام، واشكره بكلمات الروح القدس، وادرك عظمة الخلاص الذي أتمه الله لأجلك. فليس إنسان قادراً لتقديس نفسه، بواسطة صلوات منمقة، أو صوم مزخرف، أو تقدمات فخورة، أو أعمال متباهية، أو حج منتفخ، أو سلوك حسن، أو تقوى مستكبرة. لأن كل أعمالنا شريرة وفاسدة، وكل برنا ليس إلا ثوباً مبقعاً وكتاناً مخزقاً. أما الآن، فقد نجاك الله بالنعمة، وطهرك بالرحمة، وقبلك أنت الفاشل. وتبناك، واعتبرك باراً بموته إلى الأبد. هل قبلت هذا الخلاص العظيم وشكرت ربك لتسلم حياتك إليه؟

ابتهج لانتصار المسيح

ظهر جلال المسيح المحتقر بهياً عند قيامته من الأموات. لأن شبح الموت، لم يجد سلطة في رئيس الحياة. وقد قام فائزاً من قبره. وبرهن بهذه القيامة أنه كان دائماً بلا خطية. لأن الشيطان ما وجد حقاً ولا قدرة عليه. فالمسيح هو المنتصر على كل قوى الشر العظمى، التي تستعبد المخلوقات. حقاً فإن كل الناس أشرار، وعليهم أن يموتوا. والحيوانات تفترس بعضها. وكل النباتات الجميلة تزول. أما الآن فقد قام المسيح من بين الأموات، وأظهر حياة الله جلياً. أتفهم هذه الغلبة والانتصار؟ وهل تشعر بعظمة خلاصه؟ كل الخليقة إنما تتجدد بمحبته. وهكذا يشرق عالم جديد وسماء جديدة، يسكن فيها الحق والبر. وإننا نشهد برجاء في الزوال، وبحياة في الموت. فلا نغرق في التشاؤم، بل نظفر بالتهلل.

وإن حصلت بواسطة إيمانك على روح الله عربوناً للحياة الأبدية، تعلم يقيناً أن الخليقة كلها ستفدى، منتظرة مجيء المسيح الثاني بترقب وشوق عظيم.

إيمانك خلصك

إن تعمقت في إنجيل ملكوت الله النامي في عالمنا المضمحل، يدفعك الروح القدس للإيمان بيسوع المسيح ربك. أأنت مستعد للعهد الجديد مع الله، بواسطة وسيطه المسيح؟ فاعترف بكل ذنوبك أمام وجهه القدوس، وارجع عن أفكارك النجسة، واشترك في الخلاص الكامل وارتبط بمخلصك، فتعيش معه إلى الأبد. لأنه بدون الإيمان، لا يمكن أن يتخلص إنسان. هل تعرف جوهر الإيمان الحق؟ إذا اكتسب إنسان بواسطة سماعه لكرازة الإنجيل ثقة في شخص الفادي، فعندئذ يقترب منه في ذهنه، ويسمع كلمته الخالقة، ويفتح قلبه القاسي، ويسمح لها أن تعمل فيه، فتعده للاتكال على مخلصه. ويسلم نفسه بلا قيد ولا شرط، بين يديه. أما إبن الله، فيأخذك بيدك، ويشملك بحلة نعمته، ويطهرك من أدرانك، ويقدسك إلى التمام. ويجهزك بقوة حياته، ويجعلك خليقة جديدة. فليس الإيمان بالمسيح فلسفة، أو ظناً، أو عقيدة ميتة. بل علاقة شخصية بابن الله، وذهاب معه في كل مراحل الحياة، وإتباعه حتى في الموت والقيامة معه إلى المجد.

فالإيمان هو العهد الجديد، الذي يثبته سلطان الإنجيل في قلوبنا. ادرس المسيح وسيرته ومحبته الظاهرة في كلامه وأعماله، وتجاوب مع جذب الروح القدس في ضميرك، فترتبط إلى الأبد بمخلصك وتطمئن فيه. وبما أنه محبة الله بالذات، فهو يملأك بمحبته، لتغفر لكل الآخرين زلاتهم وذنوبهم بكثرة وبفرح، كما غفر لك الله كل ذنوبك. وكل مسيحي حق، هو صانع السلام. إنه اختبر سلام الله، في المسيح. فإيمانك يستبين في غفرانك وتسامحك ورحمتك بزملائك وأعدائك.

معموديتك تثبت إيمانك

طوبى لك، إن شهدت باتحادك مع المسيح في العهد الجديد بواسطة معموديتك جهراً في شركة المؤمنين. إنما لا تخدع نفسك، لأن معموديتك لا تخلصك، بل إيمانك. ولكن إن لم تتعمد، يبقى هناك نقص في إيمانك، لأنك تحتاج إلى جرأة، لتقطع ماضيك الفاسد، وتترك أصدقاءك في اللهو. وربما يلزمك أن تبتعد أيضاً عن عشيرتك وعائلتك المحبوبة لديك، وتدخل جهراً ووعياً في ملكوت الله. عندئذ تفقد رفقاءك حسب الجسد، وتربح أعضاء عائلة الله. لأنه بواسطة الإنجيل، تعرف الله أباك، والمسيح أخاك، والروح القدس معزيك، الذي يرشدك مرة بعد مرة على كرتنا الأرضية إلى أولاد الله، لكيلا تنعزل لوحدك، بل تعيش في شركة القديسين. هل تعمدت حقاً، وامتلأت بروح الله؟ هذا يظهر في تصرفاتك كسفير للمسيح، في عالمنا القاسي. لأن محبة الله، تدفعنا لندعو كل الناس إلى عائلة الله.

ومن لا يؤمن يدن

كل مخلص في المسيح يعرف أن جميع الناس، بدون الإيمان بدم المسيح، وبدون تجديد من الروح القدس، هالكون، لأن الإنجيل حررنا من خداع الإنسانية. ليس إنسان صالحاً أمام الله القدوس، بل يظهر في نوره مفعم الخطايا، ويسقط حتماً بالدينونة الأخيرة إلى الهلاك الأبدي، إذا لم يقبل المسيح مخلصاً له. كلنا نشرف على الخطر، بقياسنا أنفسنا وشركاءنا بمقاييس الإنسانية. ولكن المسيح يكسر رأينا هذا السطحي، ويفتح لنا البصيرة لدينونة الله على فجور الناس. فكل من لم يلتجئ تحت حماية دم المسيح، يدن ويهلك.

إن هذا الإعلان، يدفعنا بكل عزيمة إلى بذل الجهد والتضحية لنشر كلمة الله. لأنك تصير شريكاً في هلاك أخيك الإنسان، إن عرفت الإنجيل، ولم تخبره به جلياً. إنك تحمل مفاتيح السماء في قلبك، فإلى متى تصمت؟ ألا تحب الضالين؟ أو هل أن إيمانك مبني على تقاليد فقط، وميت وبلا حياة حقة؟

إن محبة الله، تدفعك لتبتهل لأجل أناس كثيرين، ولتبشير أصدقائك، ولتتقدس في سلوكك، لكي يتمجد أبوك السماوي، ويخلص كثيراً من الناس. إن الله يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون. فاصغ إلى صوت الروح القدس، فيريك اليوم الإنسان، الذي يشاء أن يخدمه بواسطتك.

ويل للذي يقسي نفسه لصوت الروح القدس

وإن رفض إنسان الإنجيل، قاصداً واعياً، وغفل قلبه بعناد عن النعمة المخلصة، فعليه أن يحتمل بمفرده خطاياه ودينونة الله، لأنه رفض بقساوة قلبه ابن الله، وشفيع البشر. فلا فداء، لكل من لا يؤمن بالمصلوب. إن المسيح هو الباب المؤدي إلى الله. وهذا الباب مفتوح على مصراعيه، لكل الناس. ونعمة الله، لا تنتهي في عصرنا. ولكن حيث لا يقبل الخطاة هذه النعمة، ويثبتون في جرم الإلحاد، هناك يدينون أنفسهم بأنفسهم، نتيجة لرفض تبريرهم المجاني. أما من يؤمن بابن الله، فله الحياة الأبدية. ومن لا يؤمن به، فليست له الحياة. والهدف المستتر للروح الشرير في عالمنا هو، أنه يعمل بواسطة ألوف المذاهب الخداعة، حتى لا تؤمن الجماهير بالمسيح، بل يستعبدون عمياً في برهم الخادع، المبني على الأعمال الحسنة. ويهلكون بواسطة غرور فدائهم الذاتي. فكل حزب، أو كنيسة، أو دين، أو مجمع يحرض أعضاءه للخلاص بواسطة حفظ الوصايا والطقوس، يضل أتباعه ويضرهم. لأنه لا خلاص إلا في المسيح. قد بررنا مجاناً بموته على الصليب، وفتح لنا بكفارته الباب إلى الله. فمن يرفض نعمة الله الظاهرة في المسيح، لا يجد نعمة أخرى، بل يدن.

إن الله يدعوك للخدمة

هل أدركت عظمة الخدمة التي يدعوك المسيح إليها؟ لقد فوضك لكرازة الإنجيل، ليتصالح الخطاة مع الله، ويقبلوا الحياة الأبدية، وسط العالم اليائس. وإن قمت بهذه الخدمة المقدسة في تواضع ومواظبة، تختبر نفس النتيجة، التي اختبرها المسيح ورسله. إن البعض يقبلون بشارة الخلاص، ولكن كثيرين يهملونها، أو يرفضونها ويتقسون. فلكرازتك نتيجة مزدوجة، فهي تبرر وتدين. وتخلص وتهلك. تحيي وتسقط في الموت الأبدي.

فلا تظن أنك قادر أن تنقل كلمة نافعة واحدة من تلقاء نفسك. بل أنت محتاج، ليلاً نهاراً، إلى هدى الروح القدس، لكي يتكلم هو، ويضع سيف كلمته في فمك. عندئذ تمجد المسيح الحي، وتعظم الله الآب السماوي، ولا تتباهى باسمك الخاص، بل تختبر أن ابن الله يسكن فيك، ويحتمل كل إهانة وضربات تصيبك، ويحمل معك نيرك. فلا تنس أن القادر على كل شيء معك، وهو أعظم من كل الذين يهاجمونك. فإيمانك خلصك، وشكرك وحمدك يديمك. آمين

عبد المسيح

الشهادة الواجب أن يؤديها المسيحي لغير المسيحي

قبيل صعوده إلى السماء، أصدر الرب يسوع إلى خاصته أمراً يومياً هذا نصه: «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (أعمال الرسل 1: 8). وهذا الأمر اليومي، تردد صداه في أقوال الرسل، وظهر أثره في تحركاتهم في ما بعد، وفي أقوالهم. فقد قال بولس مشيراً إلى الأمم: «فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلا كَارِزٍ؟» (رسالة رومية 10: 14).

ولعل الرسول الكريم كتب هذه العبارات بعد أن انتصرت وجهة نظره في المؤتمر المسيحي الأول، الذي عقد في أورشليم برئاسة يعقوب، والمذكور في سفر الأعمال 15.

ويومئذ استطاع بولس أن يقنع المعتبرين في الكنيسة بوجوب دعوة الأمم لاعتناق المسيح وقبولهم في الشركة دون أن يتهودوا. لتصير إليهم البركة، التي وعد بها الرب، حين قال لإبراهيم: «وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ» (سفر التكوين 22: 18).

وفي يقيني أن الرسول الكريم كتب هذه الفقرة من رسالته إلى أهل رومية، حضاً للمسيحيين، لكي ينقلوا إعلانات الله إلى الأمم، في شهادات شهود، أو كارزين أمناء، لكي يقتادوهم إلى فرح الشركة في بركات الإنجيل.

وختم الرسول المغبوط نداءه بعبارة اقتبسها من أشعياء النبي: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ ٱلْمُبَشِّرِينَ بِٱلسَّلامِ، ٱلْمُبَشِّرِينَ بِٱلْخَيْرَاتِ» (رسالة رومية 10: 15، سفر إشعياء 52: 27).

ولا غرو بذلك فرسالة الإنجيل رسالة سلام وبشارة خير للناس. هكذا قال ملاك الله في يوم تجسد يسوع: «فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ... ظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلاكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللّٰهَ وَقَائِلِينَ: ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلامُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ» (الإنجيل بحسب لوقا 2: 10-11، 14).

ولعله بشعور من هذه الحقيقة كتب بولس شهادته للأفسسيين: «فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلامٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى ٱلآبِ» (أفسس 2: 17-18).

أما الرسول يوحنا فقد استهل شهادته بهذه العبارات الرائعة: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ ٱلْبَدْءِ، ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ. فَإِنَّ ٱلْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلا» (رسالة يوحنا الأولى 1: 1-4).

فحين نتأمل هذه الآيات المجيدة التي كتبها يوحنا مسوقاً من الروح القدس، نرى أن الرسول الملهم، قد رسم للمسيحيين غاية الشهادة، وعين أهدافها. وهي أن يتاح لغير المسيحيين الاشتراك في الامتيازات الروحية، التي صارت للعالم بالمسيح يسوع. وفي مقدمتها المصالحة مع الله، التي يعقبها غفران الخطايا. كما هو مكتوب: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 5: 19). بمعنى أن يوحنا يلتقي مع بولس في الغاية من الشهادة لغير المسيحيين، وهي إشراكهم معهم في بركات إنجيل الخلاص.

بيد أننا حين نتأمل كلام الرسولين بعمق، تبدو لنا حقيقة يجب اعتبارها، وهي أنه ليس في وسع أحد أن يؤدي هذه الشهادة، ما لم يختبر عمل النعمة في حياته. فبولس يقول: كيف يكرزون، إن لم يرسلوا. وهو يعني أن لم يعينهم الله سفراء، يسعون عن المسيح كأن الله يعظ بهم يطلبون عن المسيح: «تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (الرسالة الثانية إلى كورنثوس 5: 20). وهل يستطيع إنسان لم يتصالح هو نفسه مع الله، أن يصير سفيراً له، وبالتالي يدعو الناس إلى هذه المصالحة؟

وإن أكبر سبب يؤخر كنيسة المسيح في أداء شهادتها للأمم، هو دخول أناس إلى صفوف خدامها، لم يدعهم الله. هؤلاء دخلوا من غير الباب، وقد نعتهم المسيح بالسراق واللصوص، والذئاب الخاطفة.

وخصوصاً أننا نفهم من كلام الرسول يوحنا أنه ليس في وسع أحد أن يقوم بالسفارة عن المسيح، ما لم يكن قد عرف المسيح المعرفة الصحيحة وخبره في حياته. أي أنه رآه شخصياً ولمسه، وتمتع بخلاصه.

صحيح أن يسوع قد ارتفع إلى مجده السماوي منذ عشرين قرناً، ولا يستطيع أحد منا أن يراه بالعين، أو يلمسه باليد. ولكن لنا يد الإيمان، التي تستطيع أن تلمسه. ولنا القلب النقي الذي يستطيع أن يعاينه. ولنا آذان الذهن، التي تستطيع أن تسمعه. فنعلم ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى ميراثه في القديسين.

في اختباري الشخصي إن شهادة يوحنا كانت من أهم العوامل التي أسرتني إلى المسيح. لأنها جاءت معززة بما لمسه الرسول المغبوط من عمل نعمة فاديه، الذي أعطاه من ملئه ونعمة فوق نعمة.

وقد انتقل إلى يقينه عبر قوله الملهم بالروح القدس: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا 1: 14) . وقد جذبتني شهادة يوحنا، لأنها شهادة مختبر عمل النعمة الخلاصية، بقوة روح الرب.

وهذا الروح المبارك، يريد اليوم أن يعمل فينا، لكي يكرسنا كما كرس يوحنا، ويطلق ألسنتنا بالشهادة، كما أطلق لسانه.

وكذلك شهادة بولس، كان لها الأثر العظيم في حياتي كشاهد للمسيح بين غير المسيحيين. فحين قرأت كلمته القائلة: «فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ» (الرسالة إلى رومية 9: 3)، شعرت بالخجل من تحفظي في أداء النعمة، التي أنا فيها مقيم. كان يجب أن أجتهد لكي يتمتع غيري ببركات الخلاص، الذي وهب لي من الله.

في الحقيقة أنه كان لبولس غيرة سامية جداً، ومحبة ملتهبة من نحو شعبه. كان يود أن يتحمل أعظم شقاء، لكي يقتاد أبناء شعبه إلى المسيح، المذّخر فيه كل بركات الخلاص. وعلي أن أعترف بأن هذه الشهادة الحية، التي سداها نكران الذات ولحمتها التضحية، قد بكتتني طويلاً من أجل فتور همتي بالشهادة للآخرين. فبعد أن عرفت المسيح وذقت حلاوته، بقيت سنين عديدة، دون أن أحدّث غير المسيحيين عن غنى لطفه.

وموقف بولس، فيه توبيخ شديد، لكل مسيحي. فقد كان مستعداً لتضحية سعادته الشخصية، إن استطاع بذلك أن يشتري سعادة بني جنسه. وكان مستعداً أن يقطع من أرض الأحياء، كشخص محروم ملعون، من رفاقه الفريسيين لأجل غيره. وكان يرضى أن يحرم حتى من جماعة المؤمنين، ويفرز كوثني وعشار، إن كان في هذا يستطيع أن يربح أنسباءه للمسيح.

كان بولس أباً لآلاف المؤمنين، ومؤسساً لعدد عديد من الكنائس. إلا أنه كان يرتضي، أن لا تعترف به الكنيسة وأن يدفن اسمه في قبر النسيان، من أجل خير إخوته في الجسد. إنه يذكرني بقول نبي العلي موسى، حين تشفع بشعبه وقال: «وَٱلآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلا فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ» (خروج 32: 32).

ولعله من الجدير بنا الآن أن نرد على سؤال يتردد على الألسنة، وهو لماذا ينبغي أن نشهد لغير المسيحيين؟ وللرد عليه يجب أن نعود إلى التأمل بعمق في كلمة يوحنا: «ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا.. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلا» . وهذه العبارات لها ارتباط وثيق مع وصية المسيح القائلة: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».

فالمحبة التي لنا من المسيح، والتي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس، قال الرسول أنها «لا تَفْرَحُ بِٱلإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِٱلْحَقِّ... وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ». وهذه المحبة تلزمنا أن نشرك كل إنسان في البركات التي لنا في المسيح، والسلام الذي لنا في المسيح، والفرح الذي لنا في المسيح. وخصوصاً إخواننا العرب، الذين نعيش معهم في هذا الوطن الكبير الحبيب.

فعدد عديد من هؤلاء الأحباء، الذين تربطنا بهم أواصر الجنس واللغة والأرض، لم تكن لهم الفرصة أن يعرفوا ما في إنجيل المسيح من بركات الفداء العظيم، الذي أكمله يسوع المسيح من أجل البشر. قد يكون هؤلاء ممن يكرمون عيسى ابن مريم. ولكن هذه الكلمة عيسى ابن مريم لا تتضمن مجد المسيح الفادي، الذي قالت السماء أنه يخلص شعبه من خطاياهم. ولقب عيسى ابن مريم، لا يحتوي ذلك المجد الإلهي، الذي عبر عنه بلقب عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا.

وعيسى الذي حسبه الكثيرون أنه كآدم خلق من تراب، لا يمكن أن يكون الكلمة، الذي كان في البدء عند الله، وكان الله، ولكنه تجسد عند ملء الزمان، لكي يفتدي جنسنا، ويموت عن خطايانا، ويقوم لأجل تبريرنا.

إن عدداً كبيراً من مواطنينا الأحباء أخذوا بادعاءات بعض أصحاب الأغراض القائلة بأن إنجيلنا محرف، وبأن الدين الذي جاء بعده قد أبطله. ومع أن مثيري هذه المزاعم المتجنية على الحقيقة يعلمون أنها باطلة، فهم يطلقونها بين الناس. مما جعل كثيرين، يحجمون عن قراءة الإنجيل العزيز الذي أعلن الله فيه تدبير محبته لخلاص الإنسان.

في ما يلي بعض النماذج عن تأثير تلك الادعاءات على البسطاء الذي يحبون الحقيقة ويسعون إليها:

فتاة من قطر عربي شقيق اتهمت المسيحيين بالكفر لأنهم يؤمنون بأبوة الله للمسيح.

وشاب آخر، زعم بأن الإنجيل محرف، لأن اسم المسيح ورد فيه يسوع وليس عيسى.

وشاب آخر قال أن وجود أربعة أناجيل لدى المسيحيين يدل على أن كتابهم محرف.

وفتى من بلد مجاور، زعم أن محمداً جاء بدين الحق ولهذا فدينه يبطل دين المسيح. وغير ذلك من آراء غير مسؤولة، راح أصحابها يلقون الكلام على عواهنه.

لذلك وضعت الضرورة عليك أيها المسيحي، لكي تصحح هذه الأمور المخالفة للحقيقة، وذلك بتقديم إنجيل المسيح، في شهادتك. وأن تقدمه خصوصاً على طبق المحبة والإخلاص. لأن محبتنا لله وللوطن العزيز تهيب بنا إلى ترك المجادلات الغبية التي تولد الخصومات.

وهناك سؤال آخر يجب الرد عليه، وهو كيف نشهد لغير المسيحيين؟ والجواب:

أولا- بشهادة الحياة. أن نجعل حياتنا تتكلم، وفقاً لقول الرب: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 16). سألني أحد خدام الرب ذات يوم: ما هو عدد الأناجيل برأيك؟ فقلت على البداهة: طبعاً إنها أربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا، فقال: لا إنها خمسة. أربعة أناجيل مكتوبة، وإنجيل خامس غير مكتوب، هو حياة المسيحي المولود من الله. هكذا قال الرسول بولس: «أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ ٱلْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لا بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، لا فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ» (الرسالة الثانية إلى كورنثوس 3: 2-3).

ثانياً- أن لا نستحي بالإنجيل، وأن لا نخجل بالصليب، لأن الصليب هو قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، ويجب أن نخبر الآخرين بأن إنجيلنا، ليس حرفاً منزلاً، بل هو شخص إلهي تجسد، ليعلن عملياً أن «اَللّٰهُ مَحَبَّةٌ». وأنه بالمحبة المتجسدة، صنع الفداء، لكي يخلص البشر بالنعمة.

اسكندر جديد

صلاة بولس الرسول

(رسالة أفسس 1: 15-23)

لِذٰلِكَ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ،

وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ،

لا أَزَالُ شَاكِراً لأَجْلِكُمْ،

ذَاكِراً إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي،

كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلٰهُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلْمَجْدِ،

رُوحَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلإِعْلانِ فِي مَعْرِفَتِهِ،

مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ،

لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ،

وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ،

وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ،

حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ،

إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ،

وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ،

فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ،

وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً،

وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ،

ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ.

اذهبوا

الحروب والأكاذيب والفوضى تعم العالم. واليأس والتشاؤم ينمو. والحكماء يعرفون من هذا كله، أن غضب الله معلن على كل فجور الناس وإثمهم. لذلك أسلمهم في شهوات قلوبهم إلى النجاسة، لإهانة أجسادهم. والعالم المبتعد عن الله، يخرب نفسه بنفسه.

دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض

وسط هذا الظلام الدامس، يشرق شخص يسوع نوراً للعالم، وينير عقولنا، خالقنا فينا رجاء جديداً. ليس المسيح اليوم ابن الإنسان المحتقر المرفوض. بل رب الأرباب، وملك الملوك، جالساً عن يمين الله، الضابط الكل، ومالكاً معه، في وحدة الروح القدس، في صبر ومجد عظيم.

لقد غلب كل الشر، بمحبته، ووداعته، وتواضعه. وصالح البشر مع الله القدوس، بالصليب. هو وحده أتم الخلاص، الذي لا يقدر عليه ملاك، ولا إنسان.

لذلك دفع أبوه إليه كل سلطان، في السماء وعلى الأرض، عالماً أن ابنه لا يستعمله خطأ، بل لخلاص ودينونة العالم. حقاً أن المصلوب لم يخدم نفسه، بل بذلها فدية عن كثيرين. فسر سلطانه المحبة الإلهية.

فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم

المقام من بين الأموات يجردك من إهمالك، ويكسر أنانيتك ودورانك حول ذاتك ويدفعك لهدف جديد في حياتك ويرسلك إلى أخيك الإنسان. لا تجلس هكذا منطوياً في بيتك المريح، وفي حلقة أصدقائك. بل قم وتحرك، واركض إلى حيث يدفعك روح الله. المسيح يدعوك إلى الخدمة، فلا تستسلم إلى الاسترخاء والتكاسل.

ولا تنس أن كلمة المسيح هذه، ليست اقتراحاً، بل أمراً، يتطلب التنفيذ رأساً. الله يأمرك أن تشترك بفداء العالم. ما أعظم هذه الدعوة! رب العالمين يدعوك إلى الجهاد لا بالسيف، عالماً أنك لست مستحقاً ولا قادراً. ولكنه طهرك بدمه، وغلب شرك بروحه. ومحبته جهزتك وسلحتك بالإنجيل، لتجاهد الجهاد الحسن، تحت إمرته وبقوة صبره.

اذهب وانشر ملكوت محبة الله في محيطك واربح أفراداً لمخلصهم الفريد، واجتذبهم إلى رحاب نعمته.

وليكن معلوماً عندك أن الناس حولك، لا يصغون لكلمتك، إلا إذا اكتشفوا في نفسك فرح السلام الخاص بأولاد الله. وحالما يشعرون، أن فيك شيئاً ليس فيهم، يتساءلون عن مصدر قوتك. لا تربطهم بنفسك البتة، بل أرشدهم رأساً إلى معلم المعلمين، ليكتشفوا في طهارته وحقه ومحبته، كذبهم وظلمهم وأنانيتهم.

فالالتقاء بالمسيح، ينشئ الانقلاب الفكري، وينتج الرجوع إلى الله، والتوبة الحقة. في سيرة المسيح، ندرك أننا خطاة، ومساكين بالروح. فمن يختبر هذه الثورة الروحية، يصبح تلميذ المسيح، ويسمع كلمته ويتعلم منه. فأفضل تمهيد للتبشير، أن يدرك الناس نقصهم وآثامهم. لأنه بلا رجوع إلى الله وبره، لا يطيب لهم الاستماع إلى كلمته.

لا تخف من الكبار والزعماء والأغنياء، لأن المسيح أخذ على عاتقه مسؤولية خدمتك. لا تهمل الجهلاء، والغوغاء، والمجرمين، لأن المسيح يحب الخطاة، ويسر بتوبتهم. أخدم العجائز، عز اليائسين، أرشد الفتيان، ضح بمالك للجياع، وأغفر لأعدائك.

محبة الله تفتح عينيك لخدمات متعددة، وتمنحك القوة للشهادة المفككة الخطايا. صل بمواظبة، واطلب من الروح القدس أن يرشدك إلى المحتاجين لخدمتك. لأن المسيح لم يرسلك إلى جميع الناس، بل إلى الأفراد، الذين يقصد خلاصهم الآن. أصغ إلى صوت المسيح في قلبك وأطعه حالاً. تكلم، ولا تصمت، لأنك أصبحت ساعياً للملك الأعلى.

وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس

هذا هو هدف التبشير: شركة الخطاة المتبررين مع الله. فالمسيح مات، لننال الحياة الأبدية، بواسطة غفران خطايانا. والمعمودية هي الرمز الخارجي، لإحياء الإنسان الداخلي، واتحاده بالله. فعلى الإنسان العتيق، أن يغرق مع شهواته في لجة التوبة، ليخلق مكانه إنسان جديد، يحل المسيح بالإيمان في قلبه. فمن يقبل غفران خطاياه بدم المسيح، يمتلئ بروح الله.

عندئذ تعرف أن الله أبوك، وتصلي إليه كولد، وتشعر أنه تبناك، وولدك ثانية. فأصبحت أهلاً للانتساب لعائلته، حيث لا تعيش منعزلاً ومتروكاً. القادر على كل شيء نفسه يهتم بك. ويحميك كحدقة عينه. وبنفس الوقت، يجعلك عموداً في هيكله، أي كنيسته التي يسكنها بكل مواهبه.

وهذه الكنيسة الروحية الشاملة كل المؤمنين، تسمى أيضاً جسد المسيح. لأنه افتداها بدمه، وملأها بروحه. فاتحدنا بالمسيح، كما الجسد برأسه. هو يفكر ويأمر، ونحن نعمل إرادته بفرح. هل تريد الحياة حسب أفكار المسيح، وتتحرك حسب كلمته؟ فاذهب وتلمذ كل الناس، لأن المسيح هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد. إنه مخلص الضالين، ويريد أن يرسلك كما أرسله أبوه.

لا تقدر أن تمارس هذه الخدمة بقوتك، ما لم تحصل على مسحة الروح القدس، الذي يثبت كيانك الجديد، ويخلق فيك فضائل أبيك السماوي: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. وقبل الكل، يضع فيك إرادة التبشير، لأن الله يريد أن كل الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون.

فإن اتحدت بملء الله، في رمز معموديتك، فتمم مشيئته، وضع اسمه المثلث، على كل الناس، فتختبر أن قوته تكمل في ضعفك.

وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به

ليس التبشير غيرة متحمسة، بل صفة الكنيسة الناضجة، لأنه حيث لا توجد محبة للضالين، تصبح العلاقة بين الله والمؤمنين ضعيفة. لأن الله محبة، ومن يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه. عندئذ تتبع المسيح في كل حياتك، وتبشر أصدقاءك باسمه.

فالتوبة والإيمان والمعمودية، بداية سيرة المسيحي. وعلينا أن نتقدم أكثر إلى المحبة، ونأتي بثمار الروح القدس الكثيرة. فنشبه شجرات الأرز، التي لا تنكسر رغم الحر والبرد والعواصف والصواعق، بل تنمو منتصرة، مع تزعزع فروعها وهبوب الريح عليها. لأن جذورها راسخة في الأرض حيث ينابيع المياه العميقة. أما ينابيعنا الروحية، فهي كلمة الله. ادرسها بمحبة ودقة، لأن معرفتك بالله، لا تزال بسيطة. وهو يعلمك شخصياً، ويكلمك، كما يكلم الأب ولده.

يكلم الله أولاده البالغين عادة بواسطة الكتاب المقدس، لا بأحلام أو رؤى، لأن كلمته توضح لك الحاضر والمستقبل، وتنيرك عن الشيطان والبشر، وتعمقك في معرفة الملائكة والله. فكلمة الله وحدها، تجعلك ذكياً.

وهذا الكتاب الفريد يمنحك القوة، لتعمل إرادة الله. ليس معرفة الأسرار الروحانية هدف إيماننا، بل عمل ما عرفناه. فهذه إرادة الله: قداستكم! إن عشت مع الرب، لا تبغض عدوك، أو تحتقر المسكين، لأن فقدانك المحبة يفصلك عن الله. وإلى متى تعيش في نجاسة الجسد، والنفس، رغم أن المسيح غفر لك خطاياك!

احرص أن تكون هادئاً، فتملأك قوة الله، وتجردك من أفكارك الردية. لا تخلص إنساناً واحداً بعلومك اللاهوتية أو بفلسفتك، بل بقوة ربك، التي هي المخلصة وحدها. اصرف وقتاً كافياً، منفرداً، وفي شركة القديسين، لتستخرج القوة من كلمة الله. واطلب من ربك، أن يتمم وصاياه فيك وأن يخلق فيك المحبة قبل كل شيء. لأنك لست قادراً لحفظ الوصايا. ولكن روحه يعطيك النعمة والغلبة لك وللآخرين بواسطتك أيضاً. وهذا يقودك إلى تواضع تام، ويجردك من الكبرياء.

وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر

من يتقدم إلى المسيح خادماً منكسراً، وقديساً تائباً، يقول له المسيح بصوت خفي في أذنه: «افتح عينيك، لأن الآن يأتي أهم شيء، الذي يفوق كل عقل» ( ها أنا معكم) وحقاً الخادم المحب، والعبد الراجي، لا يرى إلا المسيح وحده. هو مخلصه ومصدره، وأساسه، وهدفه، وخبزه، ونوره، ومياهه الحية. وهو له الراعي، والملك، والخروف الذبيح النائب عنه. فيتعلق به كالغصن في الكرمة. وليس أحد يخطفه من يده. قد اتحدت بالمسيح في الإيمان، وارتبطت به في المحبة، فاطمئن فيه إلى الأبد.

افتح عيني إيمانك، ترى أن ابن الله الحي عندك، ولا يتركك. وهذا الوعد يخص أولاً، الذين ينشرون ملكوته. المسيح نفسه يقودهم، لأنه يخلص اليوم أفراداً من الجماهير، كما عمل قبل ألفي سنة. المسيح يمر اليوم بأمتك، أفلا ترافقه؟

أينما تكون، وكيفما تكون حالتك، لا يتركك المسيح، بل يسكن في قلبك. ويتحد بك في عهد أبدي. روحه يعزيك، وقوته ترافقك. فوحدة المؤمن بالمسيح أزلية. وحتى في شيطنة آخر الزمان، لا يهمل الراعي الصالح أمناءه. فلا تتأذى بغسل دماغك، لأن قوته ساكنة أعمق في قلبك. صحيح أن سلاطين العالم قادرون أن يهلكوا جسدك، ولكن المسيح يظل حياً في قلبك. فمحبته لك لا تسقط أبداً.

هل تشتاق إلى رؤية مخلصك؟ اطمئن، لأنه يأتي سريعاً. وهو اليوم يقف بجانبك، ويضع يده عليك، ويقول لك: مغفورة لك خطاياك. اذهب، وعلّم أصدقاءك نعمة محبتي. تجاسر أن تتكلم، لأني أنا مخلصك، وربك، أرافقك. ولا أتركك أبداً.

فنشكره ونحمده ونعظمه إلى أبد الآبدين آمين.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007 
Stuttgart
Germany