العودة الى الصفحة السابقة
محروسون بإيمان لخلاص

محروسون بإيمان لخلاص

دروس من رسالتي الرسول بطرس

الدكتور القس . منيس عبد النور


Bibliography

محروسون بإيمان لخلاص. الدكتور القس . منيس عبد النور. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1983. SPB 3840 ARA. English title: Kept by the Power of God unto Salvation ( 1 and 2 Peter). German title: Durch Gottes Kraft im Glauben zur Rettung bewahrt ( 1. und 2. Petrus). Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

بطرس: كاتب الرسالتين

يُعتبَر الرسول بطرس كاتب هاتين الرسالتين بطلاً من أعظم أبطال المسيحية. يجتذبنا إليه أنه إنسان عادي، يمكن أن نرى فيه نجاحنا وفشلنا الشخصي. ولقد أصدر بطرس حكْمَه في كل موضوع، وعّبَّرشّفي كل مناسبة عن فكره، مما جعله يبدو مندفعاً متسرّعاً. وكان بطرس مليئاً بالقوة والثقة بالنفس والأمل والشجاعة، ولكن كان به كثير من الصفات السلبية التي تميّز كل شخصية إنسانية، فقبل صعود المسيح الى السماء وجدنا بطرس ضعيفاً خائفاً،غير مستمر في عمله. فمن هو بطرس هذا الذي دعاه المسيح ليكون رسولاً له ؟ وما هو الذي أجرى فيه التغيير الكبير؟ وما هي الاختبارات التي أثّرت فيه حتى جعلت منه هذا الرسول العظيم؟

خلفيَّة بطرس

اسمه وعائلته:

مع أننا نعرفه باسم «بطرس» إلا أن هذا لم يكن اسمه، بل كان اللقب الذي اعطاه المسيح له، فاسمه الأصلي كان سمعان. ولا نعرف عن عائلته شيئاً إلا أن اسمه سمعان بن يونا (يوحنا 21: 15) واسم أخيه «اندراوس» (يوحنا 1: 40). ولايخبرنا الإنجيل إنْ كان بطرس أكبر من اندراوس أو إن كان اندراوس أكبر من بطرس.

أماكن سكنه:

أول ذكرٍ لمكان سكن بطرس كان بيت صيدا، عند مصّبّ نهر الأردن من جهة اليسار (يوحنا 1: 44) وهى قرية تقع على الشط الشمالي لبحيرة طبرية. وعندما دعاه المسيح ليخدمه كان بطرس مقيماً مع أخيه اندراوس في كفر ناحوم عند مصب نهر الأردن من جهة اليمين (مرقس 1: 21-29).

تعليمه:

لايقدّم لنا العهد الجديد تفاصيل تعليم الرسول بطرس، غير أننا نقرأ فى أعمال ( 4: 13) أن الزعماء الدينيين اندهشوا من شجاعة بطرس ويوحنا، لأنهما كانا رجلين عديمي العلم وعاميين. وقد ظن بعض الناس أن هذا يعني أن بطرس لم يتلقَّ أيَّ تعليم في أية مدرسة، لكن لم يكن هذا قصد زعماء الدين من إطلاق هذا الوصف عليه، بل قصدوا أن بطرس ويوحنا لم يتلقّيا أي تعليم فقهي في مدرسة دينية من التي يتخرّج فيها قادة الدين اليهود.

ولا شك أن بطرس تلقّى التعليم الأولّي الذي يتلقاه كل صبي في أيامه.

وظيفته:

كان بطرس صياداً، شأنه شأن كثيرين من الذين يعيشون على ضفاف بحيرة طبرية. وقد تعلَّم منذ صباه وظيفة أبيه، وكان مع أخيه اندراوس شريكين في صيد السمك، ومعهما تلميذان آخران هما يعقوب ويوحنا ابنا زبدى. وأغلب الظن أن عدم ذكر والد بطرس يعني أنه كان قد مات قبل حوادث القصة. كان بطرس صياداً ناجحاً، فقد كان يمتلك في كفر ناحوم بيتاً كبيراً، كان كافياً ان يسكن فيه أفراد عائلة بطرس مع السيد المسيح وجماعة من تلاميذه (مرقس 1: 29-34).

حالة بطرس الإجتماعية:

مع أننا لانعرف الكثير عن حالة بطرس العائلية، إلا أننا نعرف أنه كان متزوجاً، وكانت إحدى معجزات المسيح الأولى هي شفاء حماة بطرس. ونعلم أن زوجة بطرس كانت تسافر معه في خدمته (1 كورنثوس 9: 5). وأغلب الظن أنها كانت موجودة مع بطرس في بابل حيث كتب الرسالة الأولى، فقد قال بعض المفسرين إن بطرس قصد زوجته عندما قال «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ ٱلْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ» (1 بطرس 5: 13).

دعوة بطرس للخدمة

في بيت عنيا:

عندما وجَّه يوحنا المعمدان نظر تلاميذه للمسيح، اسرع اندراوس ليجد أخاه سمعان، وقاده الى المسيح. وما أن رأى المسيح سمعان حتى قال له: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ» (يوحنا 1: 42). لقد أطلق المسيح على بطرس لقباً جديداً هو لقب «الصخرة» وهنا صار لقبُ بطرس اسمَه، ولايوجد شخص آخر في العهد الجديد يحمل اسم بطرس غير هذا الرسول.

في كفر ناحوم:

بعد أن التقى السيد المسيح ببطرس وغيره من التلاميذ - كما يروي ذلك يوحنا في الأصحاح الأول من إنجيله - نشكّ إنْ كان هؤلاء التلاميذ قد صاحبوا المسيح بصورة دائمة، فالظاهر أنهم عادوا الى الصيد لفترة، وبعد ذلك عندما بدأ المسيح خدمته في كفر ناحوم اختار تلاميذه الدائمين. ونقرأ أنهم لما جاءوا بالسفينتين الى البّر تركوا كل شيء وتبعوه (لوقا 5: 11).

خدمة بطرس بإشراف المسيح

مكانة بطرس:

يجىء اسم بطرس أول الأسماء حيثما وجدنا قائمة بأسماء التلاميذ (متى 10: 2-4 ، مرقس 3: 16-19 ، لوقا 6: 13-16 ، أعمال 1: 13). ولعل السبب في ذلك أن بطرس كان واحداً من أول الذين تبعوا المسيح، كما أن طبيعة بطرس المتسرّعة جعلته يكون قائداً للتلاميذ، فكثيراً ماخاطب المسيح بطرس نيابة عن بقية التلاميذ. غير أن التلاميذ لم يعطوا بطرس القيادة، بدليل أنهم كانوا يناقشون ويتشاجرون حول من فيهم هو الأعظم (متى 20: 20-28). وبالرغم من أننا نقرأ اسم بطرس في أول الأسماء، إلا أنه واضح أن المسيح كان قائد جماعة التلاميذ، وكان لكل واحد منهم مسئولية هامة متساوية.

الدائرة القريبة من المسيح:

نكتشف من قصة الإنجيل أن التلاميذ الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا كانوا يتمتعون بمكانة خاصة، بحيث يمكن أن ُنُسمّيهم الدائرة القريبة. ولا يوضح الإنجيل لماذا أعطى المسيح هؤلاء الثلاثة تلك المكانة الخاصة. ربما لأنه كان يرى مستقبل خدمتهم، فأعطاهم تدريباً وفرصة تعليم أكبر من غيرهم من باقي التلاميذ.

اجتمع هؤلاء الثلاثة معاً عندما أقام المسيح ابنة يايرس من الموت (مرقس 5: 37) ولم يكن حاضراً وقتها إلا أب الفتاة وأمها. أما الحادثة الثانية فكانت على جبل التجلّي، عندما تحدث المسيح مع موسى وايليا بخصوص صليبه (متى 17: 1) ولم يكن هناك سوى بطرس ويعقوب ويوحنا.

وقد صَدَق فهم بطرس للأحداث، وهو أن الحوار الذي دار على جبل التجلي بين المسيح وموسى وإيليا كان بخصوص الصليب وملكوت المسيح. وأراد بطرس أن يدخل الملكوت مباشرة، لكنه كان مخطئاً في توقُّع تأسيس المملكة فوراً. وهنا على الأرض.

أما الحادثة الثالثة فقد حدثت في بستان جثسيماني (متى 26: 37) فقد رأى هؤلاء الثلاثة آلام المسيح عندما كان يخاطب أباه السماوي بخصوص آلامه القادمة. ولابد أن هذه الأحداث تركت تأثيرها على فكر بطرس وعلى خدمته فيما بعد، كما سنرى في هاتين الرسالتين اللتين كتبهما بطرس.

الإعلان العظيم:

سأل المسيح تلاميذه: «مَنْ يَقُولُ ٱلنَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» (متى 16: 13) فأجاب التلاميذ: البعض يقولون إنك يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء. ولما سألهم: «وأنتم من تقولون إني أنا؟». أجابه بطرس: «أنت هو المسيح ابن الله الحي». ومن هذا نرى بصيرة بطرس العميقة. فقد رأى معظمُ الناس أن المسيا إنسانٌ يرفعه الله إلى وظيفة المسيح، أما بطرس فقد اكتشف أن المسيح يسوع هو ابن الله نفسه. وقد كانت استجابة المسيح لردّ بطرس عظيمة حقاً، فقد قال له: «طوبى لك ياسمعان بن يونا. إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، ولكن أبي الذي في السموات». ثم قال له: «أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها». وواضح من كلام المسيح أن الصخرة التي تُبنَى عليها الكنيسة هي الإيمان والاعلان الذي أعلنه بطرس. فلا يستطيع أحد أن يضع أساساً غير المسيح (أفسس 2: 20). ولم يعتبر بطرس أبداً أنه هو الصخرة (1 بطرس 2: 4-8) ثم قال المسيح لبطرس: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ماتربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وكل ماتحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات». وهذه المفاتيح رمز للسلطة التي أعطاها المسيح لتلاميذه، ليعلنوا إنجيل المسيح، وشروط غفران الخطية، وقواعد الحرام والحلال. ولم يكن بطرس وحده هو الذي يملك هذه السلطة (متى 18: 18 ، يوحنا 20: 23) واستخدم بطرس هذه السلطة عندما فتح باب قبول الإنجيل لليهود في يوم الخمسين (أعمال 2) ولشعب السامرة (أعمال 8) وللمؤمنين من الأمم (أعمال 10 ، 11).

أنت معثرة لي:

بعد أن أعلن بطرس هذا الإعلان العظيم، وقع في خطأ يبيّن أنه غير معصوم. ففي (متى 16: 21) قال المسيح إنه ينبغي أن يذهب الى أورشليم ويتألم ويُقتَل وفي اليوم الثالث يقوم. ويبدو أن بطرس لم يسمع إلا أن المسيح سوف يُقتل، ولم ينتبه لفكرة القيامة، ولذلك أخذ المسيح جانباً، وابتدأ ينتهره ويقول: «حاشا لك يارب. لايكون لك هذا». فقال المسيح له: «اذهب عني ياشيطان. أنت معثرة لي، لأنك لاتهتم بما لله لكن بما للناس». لقد رأى المسيح أن الشيطان يتكلم في بطرس ولذلك وبخه.

بطرس خلال أسبوع الآلام

حوادث افتتاحية:

لاشك أن بطرس كان موجوداً عندما دخل المسيح أورشليم دخوله الانتصاري، راكباً على جحش، معلناً أنه ملك السلام. ولاشك أن بطرس قد رآه يطهّر الهيكل، واستمع إلى المحاورة التي دارت بين المسيح وقادة اليهود. وهذه هي أحداث أول أيام أسبوع الآلام.

عشاء الفصح:

زار المسيح أورشليم ليحتفل بالفصح هناك، وفي (لوقا 22: 8) نقرأ أنه أرسل بطرس ويوحنا ليجهّزا له مائدة الفصح، فوجدا العلية ورتّبا أمر الذبيحة. وفي وقت العشاء بدأ المسيح يغسل أرجل التلاميذ (يوحنا 13: 2-20) وكانت هذه وظيفة المضيف. وعارض بطرس المسيح في أن يغسل رجليه، ولكن المسيح استمر يغسل أرجل تلاميذه، ليعلن ضرورة التطهير اليومي من الخطية لكل واحد من أولاد الله، وقال له المسيح: «إنْ كنتُ لاأغسلك فليس لك معي نصيب». عندئذ طلب بطرس من المسيح أن يغسل يديه ورأسه أيضاً. ولكن المسيح ذكَّر بطرس أن الانسان يحتاج فقط إلى غسل رجليه، بمعنى أن يتطهر سلوكه.

وخلال وليمة الفصح طلب بطرس من يوحنا أن يسأل المسيح عن من هو الذي سيخونه (يوحنا 13: 24) وعندئذ أعلن المسيح أن بطرس سوف ينكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك (يوحنا 13: 38).

البستان والمحاكمة:

سار التلاميذ مع المسيح من العلية إلى جثسيماني حيث كان يصلي. وعندما أقبل الجنود لإلقاء القبض على المسيح تقدم بطرس وأخذ سيفه ليدافع عن المسيح (يوحنا 18: 10) وقطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة. ولكن المسيح شفى الأذن المقطوعة (لوقا 22: 51). وهرب التلاميذ جميعاً في ظلام الليل، إلا أن بطرس تبع المسيح من بعيد. ثم جلس حول النار يستدفيء. وعندما عرف الموجودون أنه واحد من أتباع المسيح، أنكر بطرس معرفة المسيح ثلاث مرات (لوقا 22: 61) وخلال تحرُّكات المسيح أثناء المحاكمة التفت المسيح ونظر لبطرس، فخجل بطرس وخرج إلى الخارج وبكى بكاء مراً - نعم تألم لأنه أنكر المسيح ثلاث مرات.

صباح القيامة:

لا نعرف إن كان بطرس شهد صَلْب المسيح، ولكننا نعلم أنه كان في أورشليم صباح يوم القيامة، حيث طلب الملاك من النسوة أن يقُلْن لتلاميذ المسيح ولبطرس إن المسيح قد قام (مرقس 16: 7). وعندما سمع بطرس هذه الأخبار جرى مع يوحنا إلى القبر، وكان بطرس أول تلميذ يدخل القبر الفارغ ويرى الأكفان (يوحنا 20: 2-8).

ظهر المسيح لبطرس في أول يوم بعد قيامته، فيقول لنا الرسول بولس إن المسيح ظهر لبطرس بعد القيامة قبل أن يظهر للاثني عشر (1كورنثوس 15: 5).

تحركات بطرس من قيامة المسيح الى صعوده

الصيد في الجليل:

بعد قيامة المسيح قال بطرس لزملائه التلاميذ «أنا أذهب لأتصيّد». فذهب معه بعضهم، وهناك التقى المسيح به وكلفه ثلاث مرات أن يخدمه (يوحنا 21: 15-23).

وبهذا التكليف الثلاثي محا المسيح أثر إنكار بطرس الثلاثي. وبعد هذه المقابلة عاد بطرس الى أورشليم.

الانتظار في أورشليم:

في اللقاء الأخير بين المسيح وتلاميذه طلب منهم أن يبقوا في أورشليم حتى يتعمّدوا بالروح القدس، وكان لبطرس وزملائه امتياز رؤية المسيح الصاعد الى السماء، وسمعوا الملاك يقول لهم إن المسيح سوف يعود مرة أخرى إلى الأرض (أعمال 1: 11). وأثناء انتظار حلول الروح القدس طلب بطرس من زملائه التلاميذ أن يختاروا واحداً ليحل محل يهوذا، وقال لهم إن خيانة يهوذا كانت تحقيقاً لنبوة من العهد القديم (أعمال 1: 15-22). ولعل بطرس كان قد تعّود أن يسمع أن عدد التلاميذ اثنا عشر، فتضايق أن يصبح عددهم أحد عشر، وأراد تكملة العدد. ولعل البعض كانوا قد بدأوا يسخرون من التلاميذ أن واحداً منهم خائن، فأراد بطرس أن يوقف هذا الانتقاد، بأن يجعل عدد التلاميذ اثني عشر مرة أخرى.

خدمة بطرس في الكنيسة

في يوم الخمسين:

عندما حلَّ الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين بدأوا يتكلمون بلغات مختلفة، ثم وقف بطرس وألقى خطاب اليوم الرئيسي. وكانت رسالة بطرس تدور حول أن يسوع الناصري الذي صلبه اليهود هو الرب والمسيح، وأن المخرج الوحيد لهذه الأمة من كارثتها هو أن تتوب وأن تقبل المسيح مخلِّصاً. وكانت قوة الروح القدس عظيمة حتى تاب في ذلك اليوم وآمن بالمسيح ثلاثة آلاف شخص.

أحداث تالية:

لعب بطرس دوراً رئيسياً في تطّوُر الكنيسة، كما نجد ذلك في الجزء الأول من سفر أعمال الرسل. وعندما بدأ الاضطهاد وقف بطرس ليدافع عمّا فعله غيره من التلاميذ (أعمال 4: 1-12 ، 19 ، 20). وعندما دخلت الخطية الى الكنيسة في حنانيا وسفّيرة، وقف بطرس يعلن عقوبة الله على الزوجين الخائنين (أعمال 5: 1-11) وعندما وصلت الأخبار أن السامرة قبلت كلمة الرب ذهب بطرس ومعه يوحنا ليبحثا الأمر (أعمال 8: 14).

فتح الباب للأمم المتجددين:

في سفر الأعمال أصحاحي 10 ، 11 نقرأ قصة عظيمة فيها رأى بطرس في حلم ملاءة نازلة بها أطعمة ممنوعة حسب الشريعة الموسوية، لكن الله أمر بطرس أن يأكل منها، إشارة الى أنه يجب أن يعلن الأخبار الطيبة للوثنيين. وعندما جاءت دعوة من كرنيليوس لبطرس، ذهب بطرس الى هناك. وحلَّ الروح القدس على كرنيليوس وعلى جماعته (أعمال 11: 15) وأصبح واضحاً أن الكنيسة يجب أن تضم المؤمنين مهما كان أصلهم، يهودياً أو وثنياً. وعندما ثار بعض أعضاء الكنيسة على ذلك، وقف بطرس ومعه بولس وبرنابا ليعلنوا ضرورة فتح الباب لقبول الأمم (أعمال 15: 7-11). وقد قرر المجمع الكنسي الأول المنعقد في أورشليم ضرورة فتح الباب للوثنيين لقبول المسيح.

آخر سني بطرس وموته

بعد أن أنقذ الرب بطرس من السجن بمعجزة (أعمال 12) مضى الى موقع آخر، ونحن لاندري أين ذهب، لكنه اشترك في خدمة مجمع أورشليم (أعمال 15). ولا نجد أثراً لخدمة بطرس بعد ما جاء في أعمال 15. ويذكر بولس أن بطرس كان يسافر مع زوجته (1 كورنثوس 9: 5) كما أن (غلاطية 2: 7-9) تقول لنا إن بطرس استمر في خدمته بين اليهود المؤمنين. وأدان بولسُ بطرسَ على تردّده في بعض نواحي سلوكه (غلاطية 2: 11-14) فقد كان بطرس يأكل مع المؤمنين من أصل وثني ويتمتع بشركتهم، ولكن ما أن جاءت جماعة المؤمنين من أصل يهودي حتى امتنع بطرس عن الأكل معهم، وقد وبخه بولس أمام الجميع على هذا التصرف.

لم يصرف بطرس وقتاً طويلاً في روما، فلو أن بطرس كان موجوداً في روما وقت كتابة رسالة بولس الرسول اليها، لكان بولس أرسل السلام له. ويقول كثيرون إن بطرس ذهب الى روما بعد إطلاق سراح بولس من سجنه هناك (نحو 62م) ولا ندرى إن كان بطرس قد كتب الرسالة الأولى من بابل (بمعنى روما)- إلا أن التقاليد تقول إن بطرس صُلب في روما خلال اضطهاد نيرون للمسيحيين حوالي سنة 67 أو 68 ميلادية، وكان له من العمر حوالي 75 سنة. ويقول التقليد إن بطرس رفض أن يُصلب معدولاً كما حدث مع المسيح، وطلب أن يصلبوه مقلوباً.. وهكذا انتهت خدمة بطرس على الأرض.

المكتوب إليهم

كتب الرسول بطرس هذه الرسالة الى «ٱلْمُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا» (1 بطرس 1: 1). وفي (2 بطرس 3: 1) يقول «هٰذِهِ أَكْتُبُهَا ٱلآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً» . فقد كتب بطرس رسالته الأولى والثانية الى جماعة من المؤمنين في خمسة أقسام من آسيا الصغرى (وهي تركيا الآن) بعضهم من متنصّري اليهود، وأغلبهم من المتنصرين من أصل وثني. ويتضح أن بعضهم من أصل يهودي من قوله: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ» (1 بطرس 1: 18). وهناك ما يبرهن أن بطرس كتب الى مؤمنين من أصل وثني في قوله: «ٱلَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً، وَأَمَّا ٱلآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ ٱللّٰهِ. ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا ٱلآنَ فَمَرْحُومُونَ» (1بطرس2: 10).

مكان كتابة الرسالة

يقول بطرس في 1بطرس 5: 13 «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ» . ولكن أية بابل؟

هناك ثلاثة اقتراحات:

  1. يذكر بطرس «بابل» المدينة المشهورة التي تقع على شاطئ نهر الفرات. ولكن هذا لا يمكن أن يكون، لأن بابل كانت مهدومة خربة.

  2. كتب بطرس هذه الرسالة من روما، وقد استخدم اسم بابل ليُخفي اسم روما، حتى لا يعطّل وصول الرسالة إلى قرّائها. وكانت روما تضطهد المسيحيين، كما كانت بابل تضطهد شعب الله في القديم. وقد استخدم كاتب سفر الرؤيا اسم «بابل» ليطلقه على روما (رؤيا 18: 2) التي كانت ترفل في العز وتعبد الأصنام، كما كانت تفعل بابل. ويقول بطرس في نفس الآية إن مرقس ابنه. فبما أن مرقس ابنه بمعنى رمزي، تكون بابل هي روما بمعنى رمزي أيضاً.

    ويقول أصحاب هذا الرأي إن بطرس كان أسقف روما، ولذلك فقد كتب رسالتيه من هناك.

  3. هناك فكر آخر يقول إن «بابل» في مصر. فقد كانت هناك بلدة صغيرة قريبة من القاهرة اسمها بابل، تسكنها ثلاث كتائب من جنود الرومان. ولعل بطرس زار هذا المكان مع تلميذه مرقس، ومن هناك كتب رسالتيه.

زمن كتابة الرسالة

لما كانت الرسالة الأولى تذكر الكثير من الاضطهادات التي انتشرت في الإمبراطورية الرومانية ضد المسيحيين، فأغلب الظن أن موعد كتابة هذه الرسالة كان اضطهاد نيرون للمسيحيين الذي بدأ سنة 64م، ولذلك يُعتقد أن الرسالة الأولى كُتبت سنة 65 ميلادية، أما الرسالة الثانية فكُتبت سنة 67م أو في أوائل سنة 68 للميلاد، فقد كُتبت الرسالة الثانية قبل موت بطرس بقليل (1: 13-18).

هدف كتابة الرسالتين

نستطيع أن نجد أهداف كتابة الرسالة في كل من الرسالتين، لكن هناك أشياء عامة نذكرها هنا:

  1. قصد بطرس أن يقوي المسيحيين اثناء الاضطهادات الشديدة الواقعة عليهم.

  2. قصد بطرس أن يشجع المسيحيين ليعيشوا حياتهم الروحية بتقوى وقداسة ومحبة وطهارة.

  3. قصد بطرس أن يحذرهم من الأخطار الروحية التي تهددهم، وخصوصاً من المعلّمين الكذبة.

  4. قصد بطرس أن يزيل ما في قلوبهم من شك بخصوص التعاليم المسيحية التي تعلّموها من قبل، فقد كان بطرس ينفذ قول المسيح «وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا 22: 32).

رسالة بطرس الرسول الأولى

أولاً - مقدمة

1 بُطْرُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، إِلَى ٱلْمُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، ٱلْمُخْتَارِينَ 2 بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. لِتُكْثَرْ لَكُمُ ٱلنِّعْمَةُ وَٱلسَّلاَمُ (1 بطرس 1: 1 ، 2).

في هاتين الآيتين نجد ثلاثة أشياء:

  1. الكاتب

  2. المكتوب اليهم

  3. التحية

أ - الكاتب:

يبدأ الرسول بطرس الرسالة بأن يقدم نفسه كرسول يسوع المسيح، الذى اختاره الله وأرسله ليقدم رسالة المسيح الى العالم. والرسول خادم ومُبَلّغٌ يخدم المسيح الذي أرسله ليعلن رسالته. وبما أن الله قد أرسل الرسول فهو يحمل سلطان الذي أرسله.

ب - المكتوب اليهم:

يقدم الرسول بطرس بعض صفات الذين يكتب إليهم:

  1. «متغرّبون» بمعنى أنهم لايعيشون في وطنهم. وكل مؤمن بالمسيح متغرب، فقد كان ابراهيم مالك الارض، ولكنه سكن في خيام لأنه غريب. وقال داود: «غَرِيبٌ أَنَا فِي ٱلأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ» (مزمور 119: 19) بالرغم من أنه ملك البلاد. ويتحدث الإنجيل عن المؤمنين باعتبار أنهم غرباء ونزلاء (عبرانيين 11: 13).

    عزيزي القارئ، أنت غريب في الأرض .. أنت لست صاحب المكان، لكنك مسافر إلى المدينة السماوية. والمؤمنون غرباء لأنهم يطلبون المسيح خارج المحلة (خارج مكان سكن الناس) حاملين عاره، لأنهم يعترفون أن ليس لهم هنا مدينة باقية، ولذلك يطلبون العتيدة (عبرانيين 13: 13 ، 14).

  2. ويكتب بطرس الى المؤمنين فى الشتات. والمؤمنون الحقيقيون دوماً أقلية وسط مجموعة كبيرة من المؤمنين الإسميين بالمسيح. وعلى هذا فإن المؤمنين دوماً يعيشون «في شتات العالم». هم مثل الملح في الطعام، ومثل الخميرة الصغيرة التي تخمّر العجين كله (متى 5: 13 ، 13: 33).

    أما الذين كتب لهم الرسول بطرس فقد كانوا متغرّبين في شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبيثينية.

    ونرجو من القارىء العزيز أن ينظر الى الخريطة المرفقة ليرى أماكن هذه المناطق الخمس التي في آسيا الصغرى.

  3. ويقدم الرسول بطرس صفة ثالثة للمؤمنين أنهم المختارون - إنهم مختارون من العالم شعباً لله ليرثوا الحياة الأبدية. لقد اختارنا الله في المسيح من قبل كون العالم. وقال المسيح: «كُلُّ مَا يُعْطِينِي ٱلآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ» (يوحنا 6: 37).

    ويقول الرسول إن هؤلاء المؤمنين المتغربين المشتتين مختارون بمقتضى علم الله السابق، فقد قال المسيح «أعرف خرافي» (يوحنا 10: 14). لقد بدأ الاختيار في علم الله الآب السابق.

  4. ويقدم بطرس صفة رابعة للذين يكتب اليهم - إنهم مقدسون للطاعة - أما التقديس فيحدث الآن في حياة كل مؤمن بعمل الروح القدس، الذي يشكّل المؤمن الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد (2 كورنثوس 3: 18). أما الذي يحقق الاختيار ويجعل التقديس ممكناً فهو المسيح، الذي سفك دمه عنّا، ودمه دم رشّ يتكلم أفضل من هابيل (عبرانيين 12: 24). فدم هابيل كان يطالب بالانتقام، ولكن دم المسيح يطالب بالغفران.

في هذه الآية نرى الثالوث الاقدس ... فالله الآب في علمه السابق اختارنا، والروح القدس يقدسنا، والمسيح برشّ دمه يغسلنا من خطيتنا ويجعلنا مقبولين.

أما الهدف من هذا كله فهو الطاعة - تقديس الروح للطاعة. والطاعة هي طاعة التسليم لله والخضوع لإرادته، ويسمّيها طاعة الايمان (رومية 1: 5). فعندما نضع ثقتنا في الله نطيعه. كما يسميها طاعة الحق (2 كورنثوس 10: 22) لأننا قد آمنا أن ما يقوله الله لنا حق، ولذلك فإننا نطيعه.

عزيزي القارئء، ما هي درجة طاعتك لله؟ هل تحبه؟

نرى من هذه الأوصاف أن المؤمنين مشتتون في الارض، لكن اختيار الله يجمعهم. هم غرباء عن الذين يعيشون بينهم، لكن الله يعرفهم بعلمه السابق. هم منفيُّون عن أرضهم، لكنهم وارثون لوطن أفضل، وهذا يدفعهم الى طلب تقديس الروح القدس للطاعة.

ج - التحية

يحيّي الرسول بطرس قرّاء رسالته بقوله: «لتكثر لكم النعمة والسلام».النعمة هي محبة الله التي يفيض بها عليهم، بغير استحقاق فيهم، فهي عطاء مجاني نتيجة حبه. وعندما ننال نعمته يفيض سلامه في قلوبنا، سلام من الله، وسلام في الله، وسلام مع الله. وهذا السلام الإلهي الذي يملأ قلوبنا يجعلنا نعيش في سلام مع الآخرين، فالسلام في قلب المؤمنين ثمر لنعمة الله فيهم. والرسول يطلب أن تزيد لهم النعمة والسلام.

عزيزي القارئ، هل وجدت سلام الله؟ ما أحوجك أن تجد سلام الله بفضل دم المسيح، وتقديس الروح القدس، إذ تحيا لله حياة الطاعة. وما أحوجك أن تحصل على المزيد من هذه النعمة، ومن هذا السلام.

آية للحفظ

«تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ» 1 بطرس 1: 2).

صلاة

أقدّم لك الشكر يا أبي السماوي، لأنك في علمك السابق اخترتني لأسمع عنك ولأفتح قلبي لك. أشكرك من أجل دم المسيح الذي يطهرني من كل خطية. أشكرك لأجل الروح القدس الذي يطهّرني ويعلّمني طاعتك. اغسلني فأبيضَّ أكثر من الثلج، وأَبعِدْ من قلبي كل عناد وعصيان، لأكون ضمن أفراد العائلة السماوية.

ثانياً - ترتيلة شكر (1 بطرس 1: 3-12)

بعد أن كتب الرسول بطرس مقدمة رسالته رفع ترتيلة شكر على بركات يهبها الله للمؤمنين. إنه يشكر الله

  1. على الميلاد الجديد (1: 3)

  2. على الرجاء الحي (1: 3)

  3. على الميراث المجيد (1: 4)

  4. على الحفظ الإلهي (1: 5-12)

  1. الله يحفظنا بالرغم من تجاربنا (آيتا 6،7)

  2. الله يحفظنا ونحن لانراه (آية 8)

  3. الله يحفظنا للخلاص الكامل (آيات 9 - 12)

ترتيلة شكر (1 بطرس 1: 3-12)

3 مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، 4 لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، 5 أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ بِقُّوَةِ ٱللّٰهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي ٱلّزَمَانِ ٱلأَخِيرِ. 6 ٱلَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ ٱلآنَ - إِنْ كَانَ يَجِبُ - تُحْزَنُونَ يَسِيراً بِتَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ، 7 لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ ٱلذَّهَبِ ٱلْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِٱلنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَٱلْكَرَامَةِ وَٱلْمَجْدِ عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، 8 ٱلَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذٰلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ ٱلآنَ لٰكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ، 9 نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ ٱلنُّفُوسِ. 10 ٱلْخَلاَصَ ٱلَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، ٱلَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي لأَجْلِكُمْ، 11 بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا ٱلْوَقْتُ ٱلَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِٱلآلاَمِ ٱلَّتِي لِلْمَسِيحِ وَٱلأَمْجَادِ ٱلَّتِي بَعْدَهَا. 12 ٱلَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ ٱلَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ ٱلآنَ بِوَاسِطَةِ ٱلَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُرْسَلِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. ٱلَّتِي تَشْتَهِي ٱلْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا (1بطرس 1: 3-12).

يبدأ الرسول بطرس هذا الجزء بقوله: «مبارك الله». انه يبارك الله بالشكر والحمد له. ويصف الله بأنه «أبو ربنا يسوع المسيح». لقد عُرف الله في التوراة بأنه «إله إبراهيم وإسحق ويعقوب» ولكنه عُرف في الإنجيل بأنه «أبو ربنا يسوع المسيح» لأننا في المسيح نرى قرب الله منا «عمانوئيل: الله معنا».

وفي المسيح ننال كل بركة بغنى. والمسيحيون وحدهم هم الذين يشكرون الله أبا ربنا يسوع المسيح، الله المتجسد، الذي قام من الأموات. يصف الرسول بطرس المسيح بأنه ربنا، كما وصفه بأنه قام من الأموات .. هو الله وهو الإنسان في ذات الوقت، ويدعوه «ربنا» لأن هناك صلة شخصية بيننا وبينه. نحن له، وهو إلهنا.

ويقدم الرسول شكره لله «أبي ربنا يسوع المسيح» بسبب أربع بركات أعطاها لنا:

(1) بركة الميلاد الجديد «الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية». فالله الغني في الرحمة، الذي رأى عظمة شقائنا وبؤسنا، أرسل الينا ابنه ليجددنا وليعطينا الميلاد الثاني، وليجعلنا خليقة جديدة (2 كورنثوس 5: 17). هو الذي يمنحنا الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تيطس 3: 5). ونحن نحصل على الميلاد الثاني بفضل كفارة المسيح التي أظهر بها رحمته الكثيرة، عندما قدّم نفسه عوضاً عنّا على الصليب، فافتدانا بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولادنس، دم المسيح (1: 19) «ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (2: 24).

ويقدم الرسول بطرس شكره لله لأن المؤمنين الذين يكتب اليهم قد نالوا الحياة الجديدة بفضل إيمانهم بالمسيح.

عزيزي القارئ، لكي نعمل تعريفاً للولادة الثانية أرجو أن ترجع معي إلى يوحنا 1: 12 ، 13 حيث نقرأ: «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا مِنَ ٱللّٰهِ» ...فالذين وُلدوا من الله، هم الذين آمنوا باسمه، فصاروا أولاد الله، لأنهم قبلوا المسيح. فعندما تفتح قلبك للمسيح تصير ابناً لله، لأنك آمنت باسمه، تصبح مولوداً من الله.

اسأل نفسك: هل اخترت الحياة الجديدة في المسيح؟ لقد مات المسيح على الصليب ليدفع عنا أجرة الخطية، وتستطيع أن تحصل على الحياة الجديدة إن فتحت قلبك للمسيح. أرجوك أن تفتح قلبك له، لتتأكد أنك وُلدت الولادة الجديدة.

(2) ويرتّل الرسول بطرس ترتيلة شكر لله لأنه أعطى المؤمنين رجاءً حياً مبنياً على الصلة الشخصية التي بين المؤمنين وبين الله بالولادة من فوق. وضع المؤمنون إيمانهم وثقتهم في الله الحي الى الأبد الذي قام من بين الأموات، منتصراً على أكبر عدو يهدد البشر وهو الموت. وقبل الله ذبيحة المسيح الكفارية، فبعد موته قام من بين الأموات، فجعلنا نقول: «ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رومية 4: 25).

ورجاؤنا حي لأنه مؤسس على مخلّص حي. كنا قبل الميلاد الثاني بلا رجاء، أما الآن - وقد اتحدنا بالمسيح الحي - فإن لنا هذا الرجاء الحي الذي لايموت أبداً.

(3) ويرتل الرسول بطرس ترتيلة شكر لله على بركة الميراث المجيد الذي للمؤمنين. فالذي يُولد من الله ينال ميراثاً. «فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً، وَرَثَةُ ٱللّٰهِ وَوَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (رومية 8: 17). ويقول المؤمن: «نَصِيبِي هُوَ ٱلرَّبُّ قَالَتْ نَفْسِي» (مراثى 3: 24) فالله نفسه ميراثنا.

والميراث الذي يناله المؤمن بالحياة الأبدية هو ميراث «لايفنى» ولا يزول كالميراث الأرضي، فميراث الأرض ننفقه فينتهي أو يسرقه اللصوص فيضيع. وهو ميراث «لا يتدنس» لأننا نستخدمه في كل ما هو طاهر وكل ماهو مُسِرّ، وكل ما صيتهُ حسن، لأن معرفة الله تجعلنا نصل الى درجة النقاوة الخالصة. ووارثُهُ يتقدم دوماً في المعرفة والقداسة والرغبة في خدمة الله. وهو ميراث «لايضمحل» بمعنى لايزول مجده ولابهاؤه، ولاتنقص قيمته بمرور الزمن، فالميراث الأرضي كالورد والأعشاب يجفّ وينتهي. ولكن شكراً لله فإن نهر الفرح الالهي يروي العطشان.

ثم أن هذا الميراث محفوظ في السماوات لأجل المؤمنين، فقد قال المسيح «أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً» (يوحنا 14: 2) هو موضوع لنا في السموات (كولوسي 1: 5) حيث لايستطيع لص أن يسرق. وعندما يدخل أولاد الله الى ميراثهم الأبدي يكونون مثل المسيح لأنهم سيرونه كما هو (1 يوحنا 3: 2).

نال المؤمنون ختم الروح القدس كعربون للميراث العظيم الذي ينتظر المؤمنين، وكضمان للوصول الى هذا الميراث الكامل (أفسس 1: 13 ، 14).

آية للحفظ

«حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً» (1 بطرس 1: 3).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأجل الولادة الجديدة التي جعلتني ابناً، ووارثاً، ولي رجاء حي لأن مخلصي حيّ قام من الأموات. املأني بهذا الرجاء الحي دائماً، لتكون حياتي مشرقة دائماً.

* * * *

(4) ويقدم الرسول بطرس ترتيلة شكر لله على الحفظ الإلهي للمؤمنين. (آيات 5 - 12).

مع أن المؤمن يمتلك رجاء حياً وميراثاً مجيداً بعد أن نال الميلاد المجيد، إلا أنه لم يمتلك بعد هذا الميراث الذي لايفنى، غير أن الله يحفظ المؤمن هنا على الأرض، الى أن يجئ الوقت الذي يدخل فيه المؤمن الى ميراثه السماوي. ويتولى الله نفسه حفظ المؤمن، لأن المؤمن في ذاته ضعيف، تحيطه التجارب الكثيرة، فيحرسه الله الى أن ينعم عليه بالخلاص الكامل، بعد كل ما وقع عليه من متاعب واضطهادات، ليتحقق معه قول المسيح: «لاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي... لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (يوحنا 10: 28، 29). نعم. يحرس الله المؤمن الواثق به، الى أن يجيء الوقت الذي يقف فيه أمام أبيه السماوي وقد أكمل خلاصه تماماً.

ويقدم الرسول بطرس في هذه الآيات ثلاثة أفكار:

  1. (الله يحفظنا بالرغم من تجاربنا (آيتا 6 ، 7)

  2. (الله يحفظنا ونحن لانراه (آية 8)

  3. (الله يحفظنا للخلاص الكامل (آيات 9-12)

أ - الله يحفظنا حتى في وقت التجارب: (آيتا 6 ، 7) من السهل على المؤمن في وقت التجارب والضيقات أن ينسى أن الله حافظه فيحزن، ولكن الرسول يقول: إن المؤمن يحزن «يسيراً» بتجارب متنوعة .. يحزن يسيراً لأن المدة قصيرة بالنسبة الى زمن الأبدية، فإن «خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً» (2 كورنثوس 4: 17).

وهي تجارب «متنوعة» من أشكال وألوان مختلفة: من إبليس ومن أعداء الإيمان المسيحي، ومن داخل المؤمن نفسه.

ولكن الله يُدخل المؤمن في وسط هذه التجارب المتنوعة كما تمتحن النار الذهب (آية 7). وإيمان المؤمن أثمن من الذهب الفاني. عندما يمتحن الله إيماننا بالتجارب كالنار، يصبح المؤمن الثابت الواثق الصابر أهلاً للمدح والمجد والإكرام يوم ظهور يسوع المسيح.

عزيزي القارئ، هل تمر في تجارب متنوعة ؟ اشكر الرب لأنها يسيرة، سرعان ماتنتهي، وسيحفظك الله في وسطها. وسوف تكون هذه التجارب امتحاناً لإيمانك، تقّويه كما تتقوى عضلات الجسم بالتدريبات الرياضية وبحَمْل الأحمال الثقيلة. هذه التجارب تُنَقّيك كالذهب الذي يتَنَقى في النار فتستحق المجد والكرامة يوم ظهور المسيح.

زُرت شيخاً عجوزاً أحبه جداً، وكان قد أصابه الشلل. كان يتكلم بصعوبة. وكنت لا أدري ماذا أقول لأشجعه. ولكنه ابتدرني بالقول: «اشكر الله. الشلل خير. لو كان الشلل شراً ما أعطاه الله لي. فإنّ كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هى من فوق، من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران». وامتلأت عيناي بالدموع، فقد كنت أحب هذا الشيخ الذي قال لي هذه الكلمات. انه يشكر الله من أجل الالم الذي جاز فيه امتحاناً لإيمانه، فوُجد الرجل للمدح والكرامة والمجد. لقد اعتبر ألمه ومرضه هدية من الله الذي يحبه. فقبل الشلل بالشكر، فاستحق مدح السماء له.

(ب) ويقول الرسول بطرس إن الله يحفظك وأنت لا تراه (آية 8). صحيح أن بعض المؤمنين قد رأوا المسيح حسب الجسد، لكن أغلبية المؤمنين لم يروه. ومع أنهم لم يروه إلا أنهم يحبونه. انهم يرونه بعيون الإيمان فقط، فيبتهجون بفرح لايُنطق به ومجيد، لأن «ٱلإِيمَانُ فَهُوَ ٱلثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَٱلإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عبرانيين 11: 1). وهذا الفرح يملأ قلب المؤمن وسط تجاربه لأن الله يحرسه، وهو «عربون» للمجد السماوي.

(ج) والله الحافظ يحفظنا حتى في وسط التجارب، حتى ونحن لانراه، ليكمل لنا خلاصنا (آيات 9-12). وهكذا يثق المؤمن ببلوغ غاية إيمانه وهو «خلاص نفسه». يفرح المؤمن بخلاص نفسه هنا والآن، ويتوقع إتمام خلاصه في المستقبل.

ويناقش الرسول بطرس فكرة الخلاص، فيقول إن أنبياء العهد القديم كثيراً ماتساءلوا وفتشوا وبحثوا عن الخلاص الذي يقدمه بطرس لقرائه، كما قال المسيح لتلاميذه: «طُوبَى لِلْعُيُونِ ٱلَّتِي تَنْظُرُ مَا تَنْظُرُونَهُ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ وَمُلُوكاً أَرَادُوا أَنْ يَنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَلَمْ يَنْظُرُوا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا» (لوقا 10: 23 ، 24). ويقول الرسول بطرس إن هؤلاء الأنبياء حاولوا أن يعرفوا موعد وطريقة مجئ هذه النعمة التي دلَّ عليها روح المسيح فيهم، حين شهد الروح القدس من قَبْل بآلام المسيح، وما يتبع هذه الآلام من مجد .. إذاً لم يكتب أنبياء العهد القديم نبواتهم من حكمتهم أو ذكائهم أو من عندهم، لكن الروح القدس هو الذي قادهم الى أن يكتبوا ما كتبوا. وقد أوضح الرسول بطرس شيئاً عن هذا حين قال: «عَالِمِينَ هٰذَا أَّوَلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُّوَةِ ٱلْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (2 بطرس 1: 20، 21). لم يكن أنبياء العهد القديم يعرفون موعد تحقيق هذه النبوات عن آلام المسيح وعن مجده، ولكن بطرس الذي رأى تحقيق هذه النبوات في إنجيل يسوع المسيح، أعلن ووعظ وبشَّر مع غيره من سائر الرسل عن هذه الحقائق العظيمة التي تمّت في ملء الزمان، فتحقق في أنبياء العهد القديم القول: «فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» ( عبرانين 11: 39، 40).

ونتيجة لإعلان رسل العهد الجديد وعمل الروح القدس في قلوب السامعين، نتج خلاص لكثيرين في أيام بطرس. ولازال الخلاص يحدث في حياة الكثيرين اليوم.

وفي آية 12 يتحدث الرسول بطرس عن أن الملائكة أيضاً مهتمون بمعرفة هذا الخلاص الذي ناله المؤمنون بالمسيح، فقد اشتهوا أن يطَّلعوا عليه، فهم يفرحون بخاطئ واحد يتوب (لوقا 15: 10) لأنهم جميعاً أرواح خادمة، مُرسَلة لخدمة الذين سيرثون الخلاص ( عبرانيين 1: 14). يهتم الملائكة بعمل الله وسط الناس على الأرض، وفي هذا يقول الرسول بولس: «إِنَّنَا صِرْنَا مَنْظَراً لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَٱلنَّاسِ» (1كورنثوس 4: 9).

ينقسم الملائكة الى قسمين: قسم لم يسقط في العصيان مع الشيطان، وهؤلاء لايحتاجون إلى خلاص. وقسم سقط مع الشيطان، وهؤلاء لا رجاء لهم في خلاص. عن هؤلاء يقول الرسول يهوذا: «ٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلاَمِ» (يهوذا 6). وأما البشر وحدهم فهم الذين دبّر لهم الله الخلاص بالمسيح. وعلى هذا فإن الملائكة يشتهون أن يطّلعوا على هذا الخلاص العظيم.

* * * *

عزيزي القارئ، هذا الجزء الأول من رسالة بطرس الرسول الأولى هو أساسٌ للرسالة كلها، فهو يعلمنا أن الله وهب البشر فداءً وميلاداً جديداً، وكل من يقبل خلاص المسيح ينال رجاءً حياً مبنياً على المخلّص الحي، ويصير له ميراث محفوظ في السماوات. وخلال أيام حياته هنا على الأرض يحافظ الله عليه، ويحرسه وسط التجارب والضيقات. حقاً ما أعظم الخلاص الذي دبّره الله لنا. هل حصلت عليه؟ هل أنت واحد من ضمن السعداء الذي يرفع الرسول بطرس من أجلهم ترتيلة شكر؟ لا تَنْسَ قول الإنجيل: «كيف ننجو نحن إنْ أهملنا خلاصاً هذا مقداره ؟».

آية للحفظ

«نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ ٱلنُّفُوسِ» (1 بطرس 1: 9).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من أجل كفارة المسيح. نشكرك من أجل دمه المسفوك لأجلنا، الذي ضَمِنَ لنا القبول أمامك والسلام معك، وضَمِنَ لنا الرجاء الحي والميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس. إقبل شكري على كل الآلام التي أمرّ بها، وعلّمني كيف أنتصر خلالها بنعمتك. ساعدني لأساعد غيري لنخلص ولنجد خلاص نفوسنا.

ثالثاً - السلوك أمام الله (1 بطرس 1: 13 - 2: 12)

في هذا القسم الثالث من الرسالة يتحدث الرسول بطرس عن سلوك رباعيّ يسلكه المؤمن أمام الله:

  1. سلوك القداسة (1: 13 - 16)

  2. سلوك المحبة (1: 17 - 25)

  3. سلوك النمو (2: 1 - 8)

  4. سلوك الشكر (2: 9 - 12)

1 - سلوك القداسة

13 لِذٰلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِٱلتَّمَامِ عَلَى ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 14 كَأَوْلاَدِ ٱلطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ ٱلسَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، 15 بَلْ نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. 16 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (1 بطرس 1: 13 - 16).

يبدأ الرسول بطرس هذا الجزء بقوله «لذلك» أي بناءً على كل ما سبق أن ذكره عن خلاصنا ورجائنا في يسوع المسيح ربنا. كانت هذه المواضيع محل اهتمام الأنبياء والرسل والملائكة والقديسين، لذلك يطلب أن نحيا حياة القداسة.

ويطالبنا الرسول أن «نمنطق أحقاء ذهننا» وهذا تعبير يعني تهيئة العقول وتنبيهها، وهو تعبيرٌ مأخوذ من فكرة ملابس الناس الواسعة التي كانت تعطل حركتهم، فكانوا يلبسون حزاماً عريضاً في وسطهم. فإذا أرادوا أن يعملوا عملاً يحتاج إلى نشاط، كانوا يقصّرون الثوب الطويل بجَذْبه إلى فوق، تحت الحزام، لتسهيل حركتهم. والتعبير «منطقوا أحقاء ذهنكم» يعني شدُّوا ملابسكم تحت حزامكم، لتكونوا مستعدين لحياة القداسة. هذا يشبه التعبير الذي نستعمله اليوم عندما نقول: «شمَّر عن ساعد الجدّ».

وكأن الرسول يقول: لذلك هيّئوا عقولكم وتنبّهوا. «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً» (لوقا 12: 35) صاحين في حالة الانتباه. لاتسكروا بخطية هذا العالم بل كونوا متيقظين، فما أكثر ما يصيبنا الفشل عندما تهاجمنا الشكوك، ويقاومنا الأعداء، ويرتدّ أصحابنا. علينا أن نلقي رجاءنا بالتمام على النعمة التي ستجيئنا عند مجئ المسيح ثانيةً. فإن رجاءنا في المجد القادم يساعدنا أن نتحمل كل تجارب الحاضر. يجب أن يُصاحب تجديد الروح القدس تيقُّظ فكري وتنظيم وإدراك روحي، ولذلك يطالبنا الرسول بولس بطرس أن نكون صاحين متنبهين للخطأ، فنضبط أنفسنا في كل شيء، حتى يوم مجئ ربنا يسوع المسيح. فإذا جاء يجدنا ساهرين.

ولما كان رجاء المؤمن رجاءً كاملاً، فإنه يستطيع أن يتأكد أن المسيح آت ثانية ليكمل له قداسته.

وفي آية 14 يطالب الرسول بطرس المؤمن أن يكون مطيعاً، لايتبع الشهوات التي كان يتبعها من قبل أن يعرف المسيح، فلقد تغيرت الحياة بعمل الروح القدس، ويجب أن يصاحب التغيير الداخلي تغيير خارجي في السلوك. ويسمّي الرسول المؤمنين «أولاد الطاعة» لأنهم وُلدوا ثانية (آية 3) ولأنهم ورثة (آية 4). والأولاد يطيعون آباءهم ويحترمون كلامهم. لقد سلكوا من قبل في الجهل لأنهم كانوا يجهلون الله، ويجهلون خطورة الخطية، ويجهلون طريق الخلاص .. أما الآن فقد عرفوا نعمة المسيح، وعليهم أن يسلكوا بموجبها.

ويقدم الرسول بطرس لنا نموذجاً للقداسة هو الله نفسه - «نظير القدوس» يعني أن يكون الله مثالاً لنا نقتدي به، كما قال المسيح: «كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (متى 5: 48) وكما قال الرسول بولس: «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِٱللّٰهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ» (أفسس 5: 1) وكما قال الرسول يوحنا: «وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هٰذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ» (1 يوحنا 3: 3). هذا الاله القدوس هو الذي دعانا لنكون قديسين في كل سيرة أمام الله وأمام الناس. ان الله نور وليس فيه ظلمة البتة، وهو منفصل تماماً عن الخطية، وعلى أولاد الله أن يشابهوه.

عزيزي القارئ، هل يمكن أن نكون مثل الله ؟ اننا نقرأ في الانجيل أن الجسد فينا يشتهي ضد الروح، وأن الروح فينا يشتهي ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر. فهل هذا يعني أن نتوقف عن أن نتشبَّه بالله ؟ مستحيل! اننا لا نستطيع أن نحقق القداسة الكاملة في هذه الحياة، لكننا ينبغي أن نجاهد. ان الله يطالبنا بكمال النية وكمال القصد، فننوي أن نكون مثله، وألاَّ نفشل عندما نخطئ، وعندما نسقط نقوم ( ميخا 7: 7 ، 8). عندما نفتح قلوبنا لعمل الروح القدس فإنه يقدسنا، وعندما نكون راغبين أن نطيع الله يعطينا النعمة التي تجعلنا نحاول من جديد لنتشبَّه بصورة أبينا. كلما جلسنا في محضر الله أمكن أن نتطلع إلى قداسته، ونحاول أن نكون مثله. لقد طالب العهد القديم جماعة الله أن يكونوا قديسين لأن الله قدوس ( لاويين 24: 19 ، 20) وعلى جماعة العهد الجديد أن تفعل الشيء نفسه.

آية للحفظ

«كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (1 بطرس 1: 15).

صلاة

أشكرك يا رب لأنك تضع أمامي نموذجاً عظيماً للقداسة، وهو قداستك أنت. ساعدني لأحبك وأتطلع إليك فأريد أن أكون مثلك، لأكون مشابهاً الصورة التي خلقتني عليها. ارفع عينَيَّ دائماً إليك، ولا تسمح أن أفشل، بل في كل مرة أسقط أعطني النعمة لأقوم وأعاود المحاولة من جديد.

2 - سلوك المحبة

17 وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَباً ٱلَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ، 18 عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، 19 بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، 20 مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، 21 أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ بِهِ تُؤْمِنُونَ بِٱللّٰهِ ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَأَعْطَاهُ مَجْداً، حَتَّى إِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي ٱللّٰهِ. 22 طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ ٱلْحَقِّ بِٱلرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ. 23 مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيَّةِ ٱلْبَاقِيَةِ إِلَى ٱلأَبَدِ. 24 لأَنَّ كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. ٱلْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، 25 وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا (1 بطرس 1: 17 - 25).

في هذه الآيات يتحدث الرسول بطرس عن محبة الله التي ظهرت في تدبيره للفداء، فقد فدى الله الإنسان بثمن عظيم. إن الله يحاكم الناس جميعاً بدون محاباة، لأنه لاينظر إلى الوجوه. يميل البشر إلى أن ينظروا إلى المنظر الخارجي من الملابس والزينة، ولكن الله يعامل الناس على ما هم عليه بالحقيقة. ولما كان الله قاض عادل، يحاكمنا حسب حالة نفوسنا الحقيقية، فإننا يجب أن نقضي زمان غربتنافي خوف الله وفي احترامه، لأن الله أبونا، ونحن ندرك محبته لنا، فعلينا أن نحترمه ونكرمه بكل قلوبنا. والمؤمن لايخاف الله الخوف الذي له عذاب بل بدافع المحبة. لايخاف المؤمن من نتائج الخطية، لكنه يخاف من أن يُحزِن أباه، أو أن يفوته شيء من إعلانات محبة أبيه. يسافر المؤمن نحو المدينة السماوية، وأيامه هنا غربة .. قليلة. فعليك أن تضع قلبك على الأمور الآتية، لأنها أبدية وباقية.

لقد أظهر الله محبته المذهلة لنا في فدائنا الذي دبره لنا بدم المسيح، الذي افتدانا لا بأشياء فانية من فضة وذهب، ولكن بدمه، إذ قدم حياته من أجلنا على الصليب.

والفادي هو الشخص الذي يحرر الأسير ويطلقة حراً. في أيام كتابة هذه الرسالة كانت تجارة العبيد متفشّية. كان التاجر الشرير يقيّد العبيد ويسوقهم أمامه. فكان الشخص الذي يريد أن يفدي عبداً يدفع ثمنه ليطلقه حراً. ولقد دفع المسيح ثمن فدائنا عندما مات هو نفسه عنا، وأخذ مكاننا وحل محلنا لكي يطلقنا أحراراً.

عزيزي القارئ، ان المسيح هو المحرر الأعظم الذي قال لنا: «إِنْ حَرَّرَكُمْ ٱلٱبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً». والذي قال: «وَتَعْرِفُونَ ٱلْحَقَّ وَٱلْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنا 8: 32 ، 36). عندما تفتح قلبك للمسيح، وعندما تفتح قلبك للحق الذي جاء به الإنجيل عن المسيح، تتحرر من أجرة الخطية لأن المسيح دفعها، وتتحرر من قوة الخطية، لأن الروح القدس الساكن فيك يطهر قلبك ويقدس أفكارك. تتحرر لتنطلق في خدمة الله، بعد أن تستريح من قيود الخطية التي تذلُّك وتأسرك، لأن المسيح الفادي هو الذي يعطيك الحرية.

كانت الموعظة الأولى التي ألقاها المسيح في الناصرة تدور حول هذا الموضوع نفسه، فقد دُفع اليه سفر إشعياء من العهد القديم ليقرأ فيه. وكانت قراءة ذلك اليوم من إشعياء 61 «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ» (إشعياء 61: 1 - 3 ، لوقا 4: 16 - 18).

ويقول الرسول بطرس إن موت المسيح من أجلنا كان معروفاً سابقاً «قبل تأسيس العالم». وكان الرسول بطرس قد قال في موعظته يوم الخمسين عن المسيح: «هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال 2: 23). وهذا برهان على عظمة خلاص المسيح، فإن الله دبّر هذا الخلاص منذ الأزل، وقضى أن يكون فداء البشر بذبيحة المسيح. لم تكن بشارة الفداء بالمسيح أمراً اخترعه بولس أو بطرس أو تلاميذ المسيح من نفوسهم، لكنه أمر علّمه الله للبشر جميعاً في العهد القديم . فما أن رأى يوحنا المعمدان المسيح حتى قال: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 1: 29 ، 36). وأنت تقرأ قصة الصليب واضحة في سفر المزامير 22 وفي نبوة إشعياء 53 ، فمن قبل خَلْق العالم ومن قبل وسقوط آدم ومن قبل خلق أي شيء، دبرّ الله أن يموت المسيح لأجلنا، ولو أن موت المسيح تحقق في الأزمنة الأخيرة. كان الله قد اختار المسيح قبل إنشاء العالم فادياً ومخلصاً لنا، وعندما جاءت ساعة الصليب رُفع المسيح مصلوباً من أجل فدائنا، فأخذ مكاننا، وحل محلّنا، وتحمّل عقوبتنا.

وقد أعلن الله موافقته على قبول ذبيحة المسيح عندما أقامه من بين الأموات بمجد عظيم، ووهبه المجد، إذ أصعده إلى السماء وأجلسه عن يمينه.

عزيزي القارئ، أنت كمؤمن يمكن أن تجيء الى الله لسببين:

1 - لأن المسيح مات لأجلك

2 - لأن الله أقام المسيح من بين الأموات لأجلك

وعليك أن تجئ إلى المسيح لأنك تدرك أن الله قد قبل عمل المسيح الفدائي الكفاري، وذات يوم ستكون شريك مجد المسيح. وقد قال الرسول بولس عن المسيح: «ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رومية 4: 25).

عزيزي القارئ، سادت الأرض ظلمة وقت الظهر يوم الجمعة العظيمة بسبب آلام وعذاب الصليب، ولكن نور الفجر العظيم شعّ من قبر المسيح الفارغ، بعد أن ترك الأكفان وقام منتصراً صباح يوم الأحد، ليؤكد لنا المجد العظيم الذي يكون لنا عندما نتحد به في موته وفي قيامته. بموت المسيح نتحرر من العبودية والموت، وبقيامة المسيح ننال حياة مجيدة لايسود عليها الموت.

وينتقل الرسول بطرس في آية 22 ليقول إن هذه المحبة العظيمة التي بيّنها الله في الصليب تأسر قلبك وتنشيء فيه صدى لتحب الله. ويمكن أن تبيّن محبتك لله عندما تحب الإخوة. «إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ ٱللّٰهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ ٱلَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ وَلَنَا هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ ٱللّٰهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضاً» (1يوحنا 4: 20، 21). نحن لانستطيع أن نقيس محبتنا لله، ولكننا نستطيع أن نقيس محبتنا للإخوة. ومقياس حبنا لله سيتضح من محبتنا للذين نعرفهم من البشر. فالمحبة التي نبيّنها للإخوة يجب أن تتصف بمجموعة صفات، (أ) أنها محبة بلا رياء، بدون تظاهر ولا نفاق، لكنها محبة قلبية. (ب) ثم أنها محبة طاهرة، لأن القلب الذي تطهّر بمحبة المسيح وفدائه يعيش حياة الطهارة. (ج) ثم هي محبة شديدة لا تتزعزع ولا تتغير نتيجة أي طارئ، لكن لها ثباتاً واستمراراً.

عزيزي القارئ، ارجوك أن تفحص قلبك لترى مقدار محبتك للمحيطين بك. هل تحبهم كما أحبك الله؟ هل محبتك بلا رياء؟ هل هي قوية؟

ويمضي الرسول بطرس فيقول في آية 23: إن المؤمن يُظهر هذه المحبة الحقيقية لأنه اختبر الولادة الجديدة «بكلمة الله الحية الباقية الى الأبد» فكلمة الله «حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين 4: 12). وهي البذار الذي يقع على القلوب فتأتي بثمر.

والميلاد الثاني هو تجديد القلب، الذي يقبل كلمة الله، بإقناع الروح القدس. والروح القدس هو الذي ينشئ التغيير داخل المؤمن.

وكلمة الله الحية محيية فالذين يقبلونها سيحيون بها الى الأبد.

وكلمة الله باقية الى الأبد، فحياة النعمة التي تنتج عن عمل الكلمة لا تزول، لكنها بداية الحياة الأبدية.

ويقارن الرسول بطرس بين دوام الكلمة الإلهية وبين بُطل الحياة الجسدية، فكل بشر كالعشب، وكل مجد البشر كزهر العشب. ييبس العشب ويسقط زهره، أما كلام الله فيبقى إلى الأبد، وهذا هو الكلام الذي وصلنا عن طريق الانجيل (قارن مع إشعياء 40: 6 - 8).

عزيزي القارئ، إن فتحت قلبك لكلمة الله، وسمحت للمسيح أن يغيّر حياتك، سوف يطلقك حراً لأنه فاديك، وعندها تستطيع أن تحب الله من كل قلبك، وتحب المحيطين بك كما أحبك الله، وكما يحبهم الله.

آية للحفظ

«أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1 بطرس 1: 22).

صلاة

أبي السماوي أشكرك من كل القلب لأن موت المسيح الكفاري هو أكبر برهان على محبتك، وهو الذي يطلقني حراً بعد أن فديتني بدم المسيح. أطلقني حراً من النجاسة والكراهية، وأعطني نعمة المحبة والطهارة، وسيطر على قلبي وفكري لأكون ابناً لك، عاملاً مشيئتك على الدوام.

3 - سلوك النمو

1 فَٱطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَٱلرِّيَاءَ وَٱلْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ، 2 وَكَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلآنَ ٱشْتَهُوا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ - 3 إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. 4 ٱلَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَراً حَيّاً مَرْفُوضاً مِنَ ٱلنَّاسِ، وَلٰكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ ٱللّٰهِ كَرِيمٌ، 5 كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ ٱللّٰهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 6 لِذٰلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضاً فِي ٱلْكِتَابِ: «هَئَنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَاراً كَرِيماً، وَٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى». 7 فَلَكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تُؤْمِنُونَ ٱلْكَرَامَةُ، وَأَمَّا لِلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ فَٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلّزَاوِيَةِ، 8 وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. ٱلَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي جُعِلُوا لَهُ (1 بطرس 2: 1 - 8).

واضح أن حديث النمو موجَّه للمولودين ثانية (1 بطرس 1: 3، 23). فالمؤمن المولود من الله يدخل ملكوت الله كطفل، فيجد نفسه في جّوِ جديد، ينمو فيه في القداسة. وعندما يمارس المؤمن قداسة الحياة، ويمارس محبته لله وللبشر، فإنه ينمو. وينمو المؤمن في حبه لله والناس عندما (1) يطرح عنه بعض الخطايا التي تعطله، (2) وعندما يتغذى بلبن كلمة الله فيختبر مقدار صلاح الرب!

1 - على المؤمن أن يطرح الفاسد:

وهناك خمس خطايا تعطل النمو، يجب أن يطرحها المؤمن، وهي:

  1. خطية الخبث: وهي تصف كل الطرق الشريرة التي يتبعها الإنسان الأعوج البعيد عن الله. ويظهر الخبث في محاولة الإنسان أن يؤذي غيره، لأنه يكرهه، أو لأنه يريد أن ينتقم منه.

  2. المكر: والشخص الماكر هو صاحب الوجهين، الخادع الذي يخدع الآخرين ليحقق أغراضه الشريرة.

  3. الرياء: وهو ادّعاء الإنسان ما ليس فيه من الفضيلة والقداسة، كالممثل الذي يلعب دور الغني وهو مفلس.

  4. الحسد: وهو غضب الانسان على غيره، لأن غيره حصل على ما لم يحصل عليه هو.

  5. المذمَّة: وهو الحديث السيء عن الآخرين، وحكاية القصص الحاقدة عليهم.

وعلى كل واحد من المؤمنين أن يطرح هذه الخطايا الخمس من حياته.

2 - وينمو المؤمن لما يتغذى بكلمة الله:

ثم يطلب الرسول بطرس من المؤمنين أن يشتهوا كلمة الله. والشهوة تعني الرغبة القوية «كَمَا يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ» (مزمور 42: 1) وكما يشتاق المؤمن لخلاص الرب (مزمور 119: 174). لقد خَلُصَ المؤمن ووُلد ولادة ثانية بكلمة الله، وبالكلمة ينمو. وكما يشتاق الطفل الى اللبن هكذا يجب أن يشتاق أولاد الله الى كلمته. وكما لا يستطيع أن يَشبع الطفل إلا باللبن هكذا لا يُشبع جوع المؤمن إلا لبن كلمة الله.

عزيزي القارئ، هل هذه الكلمات تثير في نفسك رغبة أن تقرأ الكتاب المقدس؟ هل حقاً تشتاق إلى كلمة الله كما يشتاق الطفل إلى اللبن؟ إن نضوجك الروحي يزيد كلما زدت نصيبك من الكلمة المقدسة التي تملأ قلبك كل يوم.

ويقول الرسول: إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح فعليكم أن تجتهدوا في النمو في خلع تلك الخطايا وتركها، وفي الامتلاء بكلمة الله التي تُشبع قلوبكم.

ثم يقدم الرسول بطرس أمرين يوضحان ضرورة المحبة الطاهرة في قلب المؤمنين وضرورة نموهم:

(1) المؤمنون بناء من أحجار حية: لايعيش المؤمن منفصلاً عن غيره من المؤمنين، فهو يحتاج إلى الشركة الروحية. إنه ليس جزيرة منفصلة عن غيره، لكنه حجر حي في مبنى روحي مقدس. وترتبط الأحجار معاً لتكّون المبنى. والمحبة هي التي تربط المؤمنين معاً.

والمؤمن الذي يشتهي الكلمة وينمو بها يقترب من الله، ويريد أن يصبح أكثر قرباً منه ليتمتع بالشركة معه. وهكذا يصبح حجراً حياً، لأن المسيح الحي الذي قام من الأموات يقيم من هذا الميت بخطاياه إنساناً جديداً، ويحقق معه قوله: «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 14: 19).

عزيزي القارئ، طالما الحجر بعيد عن غيره من الأحجار لايمكن أن يدخل في البناء. فليست المسيحية الفردية مسيحية، لأن المسيحية رابطة أخوية داخل نطاق مجتمع الكنيسة. هذا يعني بوضوح أن المسيحية مجتمع. والمسيحي كفرد يجد مكانه اللائق به فقط عندما يكون مبنياً في بناء الكنيسة.

وللبناء المكوَّن من الحجارة الحية أساس هو المسيح نفسه. فالمسيح هو حجر الزاوية، أهم أحجار البناء، الذي يربط البناء معاً. وقد تذكر بطرس قول المسيح له: «أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هٰذِهِ ٱلصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي» (متى 16: 18) وهذا يعني أن إعلان بطرس عن المسيح أنه ابن الله هو الأساس للخلاص. وبطرس هنا يقول إن المسيح هو الصخرة التي تُبنى الكنيسة عليها، والذي لا يمكن أن يقوم البناء الروحي إلا عليه، فقد سبق أن أعلن الله ذلك كما جاء في مزمور 118: 22 وإشعياء 8: 14 ، 28: 16. فالمسيح حجر الأساس، حجر صدمة وصخرة عثرة لبعض الناس - هم الذين لا يقبلونه. وهكذا انقسم الناس بالنسبة الى هذا الحجر العظيم قسمين:

1 - الذين آمنوا، فنالوا بسب هذا الإيمان كرامة (آية 7).

2 - الذين لا يطيعون، بل يتعثَّرون في هذا الحجر، وهم سيجوزون دينونة مُرَّة. ولقد أعلن المسيح في متى 21: 42 أن ما جاء في مزمور 118: 22 عن حجر الزاوية ينطبق عليه هو، فأعلن أنه هو الأساس، وأنه هو الطريق الوحيد الذي به يلجأ الناس الى الله .. فكل الذين يقبلون المسيح ينالون الفداء، وكل الذين يرفضونهُ يُعَرِّضون نفوسهم للهلاك، ولذلك فإن الحجر يكون لبعض الناس حجر عثرة، يتعثرون فيه، يكون للبعض الآخر حجر زاوية مختاراً كريماً، والذي يؤمن به لن يخزى.

عزيزي القارئ، كيف ترى المسيح؟ هل هو بالنسبة لك حجر الزاوية المختار الكريم؟ أو هل هو صخرة عثرة تتعثر به وترفض لاهوته وصليبه؟

(2) ويقدم الرسول بطرس صورة أخرى لجماعة المؤمنين، وهي أنهم كهنوت مقدس (آية 5). والكاهن شخصٌ قريب من الله، وظيفته أن يقرّب الناس إلى الله، وأن يصلي من أجل الناس. وقد أعطى الله في العهد الجديد كل واحد من المؤمنين هذه الامتيازات: إمتياز القرب منه، وامتياز تقريب البعيدين إليه، وامتياز الصلاة لأجل الآخرين. وهذا ما نجده في سفر الرؤيا: «ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ» (رؤيا 1: 5، 6). فالمؤمنون جميعاً هم الكهنوت المقدس الذين يقدمون ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح.

كانت ذبائح العهد القديم ذبائح حيوانية. لكن ذبائح المسيحي ذبائح روحية، فالمسيحي يقدم عمله ذبيحة لله، وكل ما يعمله لمجد الله. ولقد أمرنا الرسول بولس: «قَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللّٰهِ» (رومية 12: 1) وعلينا كجماعة مؤمنين أن نكلّم العالم بإحسانات الله لنا، بحياتنا وكلماتنا، لنشهد عما عمله الله معنا في المسيح.

عزيزي القارئ، أنت كاهن تقدم لله ذبيحة طاعتك (رومية 12: 1 ، 2) وتقدم لك ذبيحة شكرك (عبرانيين 13: 15) وتقدم للناس الخدمة التي يحتاجون اليها (عبرانيين 13: 16) فهذه هي الذبائح المقبولة عند الله.

آية للحفظ

«كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً» (1 بطرس 2: 5).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي لأنك فَتَحت عينيّ لأرى أن يسوع المسيح هو حجر الزاوية، الذي لا يمكن أن يقوم غيرُه ببناء حياتي. أشعِرْني أنني حجر حي لأنك وهبتني الحياة. علّمني أن أكون متَّحداً بغيري من الأحجار لنبني ملكوتك على الأرض، وساعدني لأقدم دوماً ذبائح روحية مقبولة، إذْ أقدم لك جسدي ونفسي في تكريس ومحبة، وإذ أقدم الخدمة لك ولغيري من البشر. ساعدني لأكون الحجر الحي حتى أضع ثقتي وإيماني بك، فلا أخزى.

4 - سلوك الانتماء

9 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ. 10 ٱلَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً، وَأَمَّا ٱلآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ ٱللّٰهِ. ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا ٱلآنَ فَمَرْحُومُونَ. 11 أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلشَّهَوَاتِ ٱلْجَسَدِيَّةِ ٱلَّتِي تُحَارِبُ ٱلنَّفْسَ، 12 وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ ٱلأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ فِي يَوْمِ ٱلٱفْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ ٱلْحَسَنَةِ ٱلَّتِي يُلاَحِظُونَهَا (1 بطرس 2: 9 - 12).

يوضح الرسول بطرس في هذا الجزء أن كل مؤمن بالمسيح ينتمي للمسيح، سواء كان من أصل يهودي أم من أصل وثني. وهناك ثلاثة أشياء تبيّن انتماءنا لله:

  1. صفاتنا الجديدة - ويقدم الرسول أربع صفات.

  2. ما عمله الله معنا - ويذكر ثلاثة أعمال.

  3. امتناعنا عن الخطايا - ويذكر سببين لهذا الامتناع.

1 - يذكر الرسول أربع صفات تبيّن انتماءنا لله:

  1. جنس مختار: فالذين يؤمنون بالمسيح هم الذين سمعوا صوت الله وحفظوا عهده (خروج 19: 5). وكل مؤمن اختاره الله لثلاثة أشياء:

    اختاره لامتياز خاص هو الصلة مع الله.

    واختاره للطاعة، فامتياز الاختيار يجلب معه مسئولية الطاعة. واختاره للخدمة، فله شرف خدمة الله.

  2. وهم كهنوت ملوكي، بمعنى أن لهم حق الاقتراب من الله، وهم يقدمون نفوسهم وعملهم وعبادتهم تقدمةَ ذبيحةٍ لله، فيكونون للرب مملكة كهنة وأمة مقدسة (خروج 19: 6)

  3. وهم أمة مقدسة، فهم مختلفون عن العالم - اختارهم الله ليكونوا مختلفين لأنهم مكرَّسون لتنفيذ إرادة الله وخدمته. فجماعة المؤمنين هم جماعة مخصَّصة لله، منفصلة عن العالم ومختلفة عنه.

    والقداسة صفة داخلية لها مظهر خارجي هو نقاوة الحياة، كما صلى داود: «قَلْباً نَقِيّاً ٱخْلُقْ فِيَّ يَا اَللّٰهُ» (مزمور 51: 10).

  4. شعب اقتناء، وترجع قيمة الشيء إلى الشخص الذي يمتلكه، فإذا امتلكه شخص مشهور يصبح ذا قيمة عظيمة: والمؤمنون مِلْكٌ للمسيح، وقد جعلهم مالكهم وسيدهم ذوي قيمة عظيمة، فقد كسبوا شرفاً وامتيازاً لأنهم ملك الله. والمؤمنون مِلْك لله لأنه اشتراهم بدم المسيح (أعمال 20: 28).

ويثور في ذهننا سؤال: لماذا أعطى الله أولاده هذه الامتيازات الأربعة؟

ونجد الإجابة في الآية 9 «ليخبروا بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب». لقد دعاهم الله إلى هذه الامتيازات ليمجدوه، وليعلنوا للبشر صفات الرب العظيمة.

2 - ويذكر الرسول ثلاثة أعمال قام الله بها تُبرهن انتماءنا له:

  1. دعاهم من الظلمة إلى نوره، بعد أن أشرق المسيح نور العالم على قلوبهم، فما عادوا يسلكون في الظلمة، بل صار لهم نور الحياة.

  2. جعل منهم شعباً له بعد أن كانوا غرباء، فأصبح انتماؤهم لله. وهذا المعنى موجود في سفر هوشع 2: 1 ، 23 واقتبسه الرسول بولس في رومية 9: 25 ، 26.

  3. أنعم عليهم برحمته، فقد كانوا غير مرحومين بسبب خطيتهم. أما الآن فقد حلّت عليهم محبة الله التي أزالت الخوف من نفوسهم.

وبناءً على هذه الامتيازات العظيمة يطلب الرسول بطرس منهم أن يمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس. وخطايا الجسد هي الخطايا التي تنتج عن الطبيعة البشرية البعيدة عن الله، لأنها غير متجددة، وبدون نعمة المسيح. وخطايا الجسد هي الزنا والكبرياء والحقد والكراهية والفكر الشرير.

3 - ويذكر الرسول بطرس أن امتناعنا عن الخطايا يبرهن انتماءنا لله:

ويقدم سببين يجعلان المسيحي يمتنع عن خطايا الجسد:

(أ) انه غريب ونزيل: فالمؤمن غريب في العالم، ولا يجب أن يقبل قوانين العالم وطرقه، التي تناقض تعاليم ملكوت الله. ثم أن المسيحي غريب بمعنى أن إقامته على الأرض مؤقّته، وهو يسير نحو وطن سماوي أفضل، فلا يجب أن يخضع لعادات وطرق تؤثر في شخصيته، تجعله غير نافع لملكوت الله. إن المسيحي يمتنع عن الشهوات الجسدية لأنه يتبع قانون ملكوت السموات، وغايته الفرح الأبدي في حضرة الله.

(ب) أما السبب الثاني الذي يمنع المؤمن عن شهوات الجسد فهو الاضطهاد: كانت هذه اتهامات كاذبة موجَّهة ضد المسيحيين، والطريقة الوحيدة للقضاء على هذه الإشاعات هي أن يبرهن المسيحيون بحياتهم المقدسة كذب الاتهامات «أن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة» بمعنى جذابة تقرّب البعيدين إلى المسيح.

مرة قالوا لأفلاطون إن شخصاً يرّوج ضده إشاعات سيئة، فقال: «إن سلوكي سيثبت لهذا الشخص كذبه». قال المسيح: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 5: 16).

لقد أثبت المسيحيون الأولون أن الاتهامات التي كانت موجَّهة إليهم كاذبة، وذلك بفضل حياتهم الطيبة التي كانت رداً على هذه الاتهامات التي وُجِّهت إليهم. وهكذا تمموا فكرة بطرس، إذْ كانت سيرتهم بين الأمم حسنة. وعندما اتهموهم بأنهم أشرار، رأوا أعمالهم الصالحة، ومجدوا الله.

آية للحفظ

«كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا ٱلآنَ فَمَرْحُومُونَ» (1 بطرس 2: 10).

صلاة

أشكرك أيها الآب الصالح لأنك نقلتني من الظلمة إلى النور، وقد جعلتني من ضمن شعبك. ساعدني لأمتنع عن كل شهوة جسدية حتى يتمجد اسمك بين الذين لايؤمنون بالمسيح، ولتكن حياتي شهادة مقدسة للمسيح مخلصي.

رابعاً - السلوك أمام الناس (1 بطرس 2: 13 - 4: 19)

حياة المسيح عبارة عن سلوك أمام الله بالصلة الشخصية به، ينتج سلوكاً أمام الناس. وقد تكلمنا في الجزء الثالث من هذه الرسالة عن السلوك أمام الله. وفي هذا الجزء نتحدث عن السلوك أمام الناس الذي ينبع من السلوك أمام الله. ونرى في هذا الجزء:

1 - سلوك المسيحي مع الحكومة (2: 13 - 17)

2 - سلوك المسيحي في العمل (2: 18 - 25)

3 - سلوك المسيحي مع عائلته (3: 1 - 7)

  1. سلوك الزوجة 3: 1 - 4

  2. نموذج للسيدات 3: 5 ، 6

  3. سلوك الزوج 3: 7

4 - سلوك المسيحي في المجتمع (3: 8 - 22)

  1. السلوك المسيحي المطلوب 3: 8 - 12

  2. جواب المؤمن على الذين يسألونه 3: 13 - 17

  3. مثال من المسيح 3: 18 - 22

5 - مثال المسيحي الصالح (14: 1 - 9)

  1. النصرة على الخطية 4: 1 - 6

  2. السهر والمحبة 4: 7 - 11

  3. احتمال الاضطهاد 4: 12 - 19

1 - سلوك المسيحي مع الحكومة

13 فَٱخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ، 14 أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلٱنْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي ٱلْخَيْرِ. 15 لأَنَّ هٰكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ أَنْ تَفْعَلُوا ٱلْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ ٱلنَّاسِ ٱلأَغْبِيَاءِ. 16 كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَٱلَّذِينَ ٱلْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ ٱللّٰهِ. 17 أَكْرِمُوا ٱلْجَمِيعَ. أَحِبُّوا ٱلإِخْوَةَ. خَافُوا ٱللّٰهَ. أَكْرِمُوا ٱلْمَلِكَ (1 بطرس 2: 13 - 17).

في هذا الجزء الرابع من الرسالة يناقش الرسول بطرس تأثير الخلاص على صلتنا بإخوتنا من البشر. ويبدأ بأن يتحدث عن صلة المسيحي بحكومته، فلقد طلب في 2: 12 أن تكون سيرتنا بين الأمم حسنة تمجّد الله. وبداية هذا السلوك الحسن هو أن يكون المؤمن مواطناً صالحاً، فقد قال المسيح: «أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ» (متى 22: 21). كما أكد بولس أن الحكام مرتَّبين من الله، ويستمدّون سلطانهم من الله، وأن من يعمل الصلاح لايخاف منهم (رومية 13: 1 - 7). وفي رسالة بولس الرسول إلى تيموثاوس يطلب من كل مسيحي أن يصلي من أجل الذين يحتلّون مناصب حكومية (1 تيموثاوس 2: 2) فلقد أوجد الله الدولة لتحمي النظام، وتوفر الأمن للمواطنين. وكما تضمن الدولة امتيازاتٍ للمواطنين، فعلى المواطنين أيضاً واجبات ومسئوليات من نحو الدولة. وعلى كل مسيحي أن يتنازل بإرادته عن راحته في سبيل راحة الآخرين، مفضّلاً مصالح الآخرين على مصلحته الخاصة، محباً للعطاء أكثر من الأخذ، وأن يخدم الآخرين أكثر من أن يخدمه الآخرون.

ويطالبنا الرسول بطرس أن نخضع لكل ترتيب بشري. وهذا مافعله الرسول بطرس، فعندما طلب رؤساء اليهود من بطرس ويوحنا ألاّ يعلِّما باسم يسوع، كانت إجابة بطرس ويوحنا: «إِنْ كَانَ حَقّاً أَمَامَ ٱللّٰهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ ٱللّٰهِ، فَٱحْكُمُوا. لأَنَّنَا نَحْنُ لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ لاَ نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا» (أعمال 4: 18 - 20) ولكن بالرغم من هذا الكلام خضع بطرس للترتيب البشري، فقبِلَ أن يقبضوا عليه بتهمة التبشير بالإنجيل. لم يثُرْ ولم يحاول أن يهرب، وأعطاه الله فرصة أن يشهد أمام الحكام والولاة بضرورة طاعة الله. ويعلّمنا الكتاب المقدس أن نخضع ونطيع عندما يوقَّع العقاب علينا من أجل الرب، فإنه بخضوعنا للمؤسسات الحكومية التي أوجدها الله نكون قد خضعنا للرب، فقد رتَّب الله مجموعة من الترتيبات البشرية في البيت والحكومة والكنيسة أيضاً.

ويقدم لنا المسيح النموذج الأسمى في الخضوع للحكومة، فلقد دفع الضرائب (متى 17: 24 - 27). وعندما ألقى الجنود الرومان القبض عليه وقادوه الى بيلاطس كان يمكن أن يدعو جيشاً من الملائكة لينقذه، لكنه لم يفعل (متى 26: 52 ، 53).

ويقدم الرسول بطرس بعض الأسباب التي تجعلنا نخضع للمسؤلين في الحكومة:

أولاً عيّن الله هؤلاء المسئولين للانتقام من الأشرار ولمدح فاعلي الخير، كما قال الرسول بولس: «فَإِنَّ ٱلْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ ٱلصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ ٱلسُّلْطَانَ؟ ٱفْعَلِ ٱلصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ ٱللّٰهِ لِلصَّلاَحِ» (رومية 13: 3، 4).

ثانياً: يريد الله للمؤمنين أن يخضعوا للحكام حتى يُسكِتوا الذين يتهمونهم بأنهم يريدون إحداث الفتنة في الدولة. وهذا ما قاله بولس لتيطس: «مُقَدِّماً كَلاَماً صَحِيحاً غَيْرَ مَلُومٍ، لِكَيْ يُخْزَى ٱلْمُضَادُّ، إِذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ رَدِيءٌ يَقُولُهُ عَنْكُمْ» (تيطس 2: 8).

ثالثاً: صار المؤمنون أحراراً من الخطية، وعليهم ألاَّ يجعلوا من الحرية ستاراً للشر، بل أن يعيشوا حياتهم في طُهر لأنهم عبيد الله. ويمكن أن نلخص هذه الحرية فيما قاله القديس أوغسطينوس: «أحب الله واعمل ما تريد». ان المسيحي عضو في المجتمع، وحريته المسيحية هي حرية الخدمة، وحرية التحرر من الخطية، وحرية حمل نير المسيح، عندما يقبل المسيحي المسيح ملكاً ورباً على حياته.

ويلخص الرسول بطرس واجب المسيحي في أربع نقاط نجدها في آية 17:

  1. اكرموا الجميع فلا نستعمل الناس كالآلات، لكننا نعاملهم كبشر، لهم كرامتهم الإنسانية، لأننا نثق أن الله يحبهم.

  2. أحبوا الإخوة لأن جماعة المؤمنين هم أسرة كبيرة، وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً (مزمور 133: 1).

  3. خافوا الله لأن رأس الحكمة مخافة الله، والذي يخاف الله يحترس من أن يغيظه، ويجتهد في أن يكرمه ويطيعه.

  4. أكرموا الملك مع أن الملك في ذلك الوقت كان الامبراطور نيرون. يقول العهد الجديد إن الله يرسل الحاكم لحفظ النظام بين الناس، فعلينا أن نحترمه تماماً ولو كان شريراً، فقد قال الحكيم: «يَا ٱبْنِي، ٱخْشَ ٱلرَّبَّ وَٱلْمَلِكَ» (أمثال 24: 21).

آية للحفظ

«أَكْرِمُوا ٱلْجَمِيعَ. أَحِبُّوا ٱلإِخْوَةَ. خَافُوا ٱللّٰهَ. أَكْرِمُوا ٱلْمَلِكَ» (1بطرس 2: 17).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك من كل القلب لأن الحكومة والحاكم هم بترتيبك الإلهي. ساعدني لأعيش حياتي المسيحية ممجِّداً لاسمك في طاعة المسئولين وفي إكرام الجميع. أعنّي لأكون مواطناً صالحاً أحب بلدي وأقدم الخدمة لكل الذين أتعامل معهم.

2 - سلوك المسيحي في العمل

18 أَيُّهَا ٱلْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ ٱلْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضاً. 19 لأَنَّ هٰذَا فَضْلٌ إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ ٱللّٰهِ يَحْتَمِلُ أَحْزَاناً مُتَأَلِّماً بِٱلظُّلْمِ. 20 لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ ٱلْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهٰذَا فَضْلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ، 21 لأَنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. 22 ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، 23 ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. 24 ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ. 25 لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لٰكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ ٱلآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا (1 بطرس 2: 18 - 25).

في هذا الجزء يتحدث الرسول بطرس عن واجب العبيد المسيحيين من نحو سادتهم، فقد كانت العبودية متفشية في الامبراطورية الرومانية، حتى أنه كان هناك ستون مليون عبد يقومون بمختلف الأعمال البسيطة والهامة، كالطب والتدريس - ويطالب الرسول بطرس العبد المسيحي أن يحترم نفسه في إطار المجتمع الذي يعيش فيه، فيخدم الآخرين بخضوع. لم يطالب الرسول بطرس المؤمنين من العبيد بثورة للحصول على المساواة، لكنه طالبهم بالخضوع لسادتهم، سواء كانوا صالحين لطفاء أو قساة، ويقول لهم إنه من النعمة أن يدركوا مشيئة الله فيصبروا على العذاب محتملين الظلم، فالعبد الذي يخضع لسيده هو صاحب الفضل أمام الله. وهو الذي يستحق مدح الله، لأن ضميره يطالبه أن يُرضي الله سيده السماوي، ويخضع لسيده الأرضي، ليس عجزاً بل حباً في الله.

لقد أعطت المسيحية الإنسان قيمة في نظر الله، الذي يحب كل إنسان، افتدى الجميع. وعرف المسيحيون الأولون ذلك، فأزالوا الحواجز الاجتماعية في الكنيسة الأولى، حتى أن العبد كان يقود الاجتماع بينما يجلس سيده عضواً عادياً في الكنيسة. وكان عبد اسمه كالستوس واحداً من أوائل الأساقفة في روما. ويرى الرسول بطرس خطرين:

أولاً - إنْ كان العبد والسيد قد صارا مسيحيين، فقد يستغل العبد طيبة سيده وعطفه ولا يقوم بواجبه.

ثانياً - إن هناك خطراً آخر، وهو أن الكرامة التي أتت بها المسيحية الى العبد قد تجعله يثور للقضاء على الرق بالثورة والانقلابات. وكان الرسول يرى أن خميرة المسيحية تتفاعل في العالم أجيالاً طويلة حتى يُستأصل الرق كحقيقة واقعة، وليس كثورة قد تنتكس برِدَّة إلى العبودية مرة أخرى.

ولكي يصلح الرسول هذين الخطرين قدم ثلاثة مبادئ عظيمة يسترشد بها العبد المسيحي - ويستطيع العامل المسيحي أن يسترشد بها اليوم في أداء وظيفته:

  1. لم تلغِ المسيحية الفوارق الاجتماعية بين العبد والسادة، لكنها خلقت علاقة جديدة تتخطى الفوارق، فالمؤمنون جميعاً من عبيد وسادة هم حجارة حية، يبنون بيتاً روحياً لله. والمؤمنون جميعاً من عبيد وسادة هم كهنوت مقدس لله، يقدمون ذبائح روحية مقبولة. وهم جميعاً جنس مختار، كهنوت ملوكي، وأمة مقدسة، وشعب اقتناء، وهم جميعاً مدعوون ليخبروا بفضائل الذي دعاهم من الظلمة الى نوره العجيب. وعندما يرى العبد أن له هذه المكانة العظيمة في المسيح، ينظر إلى نفسه نظرة ثقة واحترام، تجعله يدرك مشيئة الله، فيصبر على العذاب ويتحمل الظلم برأس مرتفع ونفس مستريحة.

  2. جاءت المسيحية بنظرة جديدة للعمل، فالمؤمنون جميعاً يقومون بأعمالهم اليومية للرب وليس للناس، «وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَٱعْمَلُوا ٱلْكُلَّ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» (كولوسي 3: 17).

  3. ثم أن الله هو الذي يعطي أجر العمل. فلو أن العبد قدم خدمة عظيمة لم يلقَ عليها أجرة، فان أجره سيكون من الله.

ويقول الرسول بطرس إن الذي يتحمل الأذى لأنه أذنب إنما ينال ما يستحقه من عقاب، لكن إنْ عمل الخير وأصابه العذاب، فصبر، فإنه ينال نعمة من عند الله.

ويقدم الرسول بطرس السيد المسيح مثالاً لنا، فهو عبد الرب المتألم من أجلنا، وجعل لنا من نفسه قدوة لنسير على خُطاه. لم يرتكب المسيح خطيئة، ولم يقل كلمة شريرة، وعندما شتموه لم يردّ على الشتيمة بمثلها، وعندما تألم من الخطاة لم يهدد أحداً، بل أسلم أمره للديان العادل. وهو الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة، حتى نموت عن الخطيئة فنحيا للحق. وهو الذي بجراحه قد نلنا الشفاء. وعلى هذا فان المسيح مثالنا في هذه الآلام «تاركاً لنا مثالاً» كأنه أستاذ رسم حروفاً للشخص الذي يتعلم الكتابة حديثاً، فيكتب مثله حرفاً حرفاً، على المثال الذي قدَّمه له. لقد قدَّم لنا المسيح مثالاً رائعاً في ألف باء الحياة، لكي نقتفي آثار خطواته.

كتب الرسول بطرس هذه الكلمات بعد أن رأى بنفسه آلام المسيح ورأى فيها تحقيقاً لنبوة إشعياء 53. وهو يذكرنا أن المسيح حقق تلك النبوات ليضمن لنا خلاصنا من خطيئتنا، ويقودنا الى الله. وعلى كل مسيحي أن يشترك في آلام المسيح. نعم «كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد الى طريقه، والرب وضع على المسيح إثم جميعنا» - «لأننا كنا كخراف ضالة، ولكننا رجعنا الى راعي نفوسنا وأسقفها».

ويقدم لنا الرسول بطرس وصفين لله:

(1) انه راعي نفوسنا: والراعي هو الذي يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات (إشعياء 40: 11). وهو الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف. هو الذي يفتش عن الواحد الضال حتى يجده، ومتى وجده يحمله على منكبيه فرِحاً ليأتي به الى الحظيرة ويفرح بعودة هذا الضال، ثم يحافظ عليه ضمن قطيعه، ويضمن له احتياجه كله. عندما نتذكر أن الله راعينا نقول إننا «شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ» (مزمور 100: 3).

(2) وهو أسقف نفوسنا: وهذا يعني أنه المشرف علينا، الناظر الذي هو وليّ أمرنا وقائدنا ومرشدنا. هو الناظر الذي يشفق علينا، يريد أن يضمن حياتنا الروحية في يد محبته.

عزيزي القارئ، هل اكتشفت النعمة التي ضمنها لك الله، راعي نفسك وأسقفها.

آية للحفظ

«لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لٰكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ ٱلآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا» (1 بطرس 2: 25).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي من كل قلبي لأن المسيح مثالٌ لي، هو الذي احتمل الألم، وهو يعمل الخير ليعطيني مثلاً. أرجوك أن تساعدني لأقوم بأعباء عملي بكل أمانة، بغض النظر عن المعاملة التي ألقاها. ساعدني لأكون أميناً في عملي وكلامي، وحساباتي. أميناً في القيام بمسئولياتي بغضّ النظر عن الأجر الذي آخذه، ناظراً الى المسيح الذي يكافئني بجزائه السماوي.

3 - سلوك المسيحي مع عائلته

1 كَذٰلِكُنَّ أَيَّتُهَا ٱلنِّسَاءُ كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ ٱلْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ ٱلْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ ٱلنِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ، 2 مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ ٱلطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ. 3 وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ ٱلّزِينَةَ ٱلْخَارِجِيَّةَ مِنْ ضَفْرِ ٱلشَّعْرِ وَٱلتَّحَلِّي بِٱلذَّهَبِ وَلِبْسِ ٱلثِّيَابِ، 4 بَلْ إِنْسَانَ ٱلْقَلْبِ ٱلْخَفِيَّ فِي ٱلْعَدِيمَةِ ٱلْفَسَادِ، زِينَةَ ٱلرُّوحِ ٱلْوَدِيعِ ٱلْهَادِئِ، ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ ٱللّٰهِ كَثِيرُ ٱلثَّمَنِ. 5 فَإِنَّهُ هٰكَذَا كَانَتْ قَدِيماً ٱلنِّسَاءُ ٱلْقِدِّيسَاتُ أَيْضاً ٱلْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى ٱللّٰهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، 6 كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا». ٱلَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْراً، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفاً ٱلْبَتَّةَ. 7 كَذٰلِكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ ٱلْفِطْنَةِ مَعَ ٱلإِنَاءِ ٱلنِّسَائِيِّ كَٱلأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً كَٱلْوَارِثَاتِ أَيْضاً مَعَكُمْ نِعْمَةَ ٱلْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ» (1بطرس 3: 1-7).

في هذه الآيات السبع يتحدث الرسول بطرس عن:

  1. واجبات الزوجة المسيحية (آيات 1 - 4)

  2. مثال صالح للسيدات (آيتا 5 ، 6)

  3. واجب الزوج المسيحي (آية 7)

أ - واجبات الزوجة المسيحية (آيات 1 - 4)

(1) أن تخضع لزوجها

(2) زينة الطهارة

(1) الخضوع للزوج:

يبدأ الرسول بطرس هذا القسم بقوله: «كذلكن أيتها النساء» وكلمة كذلكن تقول إن العلاقة القائمة بين المؤمن والحكومة، وبين المؤمن وصاحب العمل، يجب أن تكون في العلاقة البيتية. إن الله يضع مسئولاً للبيت، هو الزوج، ويطلب من الزوجة أن تخضع لزوجها سواء كان زوجها مؤمناً بالمسيح أو غير مؤمن، تماماً كما يخضع العبد المسيحي لسيده، مؤمناً كان أو غير مؤمن، وكما يخضع المؤمن المسيحي للحاكم، عادلاً أو ظالماً. وواضح أن الرسول بطرس يوصي الزوجة بالخضوع للزوج غير المؤمن لأنه يقول: «حتى وإنْ كان البعض لا يطيعون الكلمة، يُربَحون بسيرة النساء بدون كلمة». وهذا مهم، فقد تريد الزوجة المؤمنة في محبتها وغيرتها للرب أن تربح زوجها، فتمضي تعظه وتضايقه بنصائحها حتى تُبعده عن الرب. ويطلب الرسول بطرس أن تخضع الزوجة لزوجها حتى تربحه للرب بسلوكها، دون أن تقول كلمة واحدة، فإن حياة المؤمن يجب أن تكون جذابة وطاهرة، حتى تكون حياة الزوجة الصالحة عظة صامتة، تتخطى حواجز العداوة، فتربح زوجها للمسيح. فخضوع الزوجة هنا ليس خضوع الذلّ، بل خضوع التحرر من الذات، والرغبة في الخدمة، وربح الآخرين للمسيح. ويطالب الرسول الزوجة أن تكون طاهرة الحياة وأن تحيا في مخافة الله، لأن جسدها هيكل للروح القدس. فعلى كل زوجة أن تلاحظ سيرتها الطاهرة بخوف الله.

(2) زينة الطهارة:

ويمضي الرسول بطرس ليُذَكّر النساء بأن زينتهن لايجب أن تكون الزينة الخارجية من ضفر الشعر، والتحلي بالذهب والتأنُّق بالملابس الغالية الثمن أكثر من اللازم، بل أن تكون زينة داخلية، بما في باطن القلب من زينة نفس وديعة مطمئنة لا تفسد، يكون ثمنها عند الله عظيماً. ولقد قال بولس: / «ٱلنِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ ٱلْحِشْمَةِ مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لَآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ ٱلثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى ٱللّٰهِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَة» (1تيموثاوس 2: 9 ، 10).

ولا يقصد الرسول بطرس أن تمتنع النساء عن الزينة الخارجية تماماً، فيمتنعن عن ضفر شعرهن وعن التحلي بالذهب - فلو كان هذا هو المقصود، لكان معناه أن الرسول يمنع لبس الثياب أيضاً (أعد قراءة آية 3). لكن المقصود أن تكون الزينة الداخلية أكثر أهمية عندنا من الزينة الخارجية، فالإنسان ينظر إلى العينين أما الرب فإنه ينظر إلى القلب (1 صموئيل 16: 7) وعلى المؤمنين بالمسيح أن يهتموا بزينة قلوبهم وبصلاحهم وبفضائلهم.

والزينة الخارجية تشبه شجرة ورد نعلّق عليها وروداً، بينما زينة الروح تنتج الورد من داخلها، لأن المسيح يسكن القلب. وقد قال أحد الأتقياء إن الله يُدير أعظم معهد تجميل في العالم - كما قال المرنم إن الله / «يُجَمِّلُ ٱلْوُدَعَاءَ بِٱلْخَلاَصِ» (مزمور 149: 4).

ب - مثال صالح للسيدات (آيتا 5 ، 6)

ويقدم الرسول بطرس مثالاً لهذه الزينة الداخلية، زينة الروح الوديع الهاديء الذي هو قدام الله كثير الثمن، فيقول إن النساء القديسات اللواتي كرّم الوحي المقدس أسماءهن، كنَّ متوكلات على الله. بمعنى أن قلوبهن كانت متوجِّهة إلى الله، لا الى أمور هذا العالم، وإنهن كنَّ يطلبن مدح الله وليس مدح الناس. وقد اعتبرن إنجاز مواعيد الله لهن أفضل من كل مقتنياتهن على الأرض. هؤلاء النساء القديسات المتوكلات على الله، كنَّ يزينَّ أنفسهنَّ خاضعات لرجالهنَّ، فكانت زينتهنَّ هي الخضوع، لأنهنَّ عرفْنَ أن الله يعطي المجازاة على هذه الصفات الداخلية العظيمة.

ويختم الرسول بطرس هذا الجزء في نصيحته للسيدات بأن يقدم لهنَّ سارة زوجة ابراهيم، التي كانت تطيعه. ولقد أطلق النبي إشعياء على سارة لقب أم رجال الله الأتقياء (إشعياء 51: 2). وكانت سارة تدعو ابراهيم سيداً لها (تكوين 18: 12). وقد أخذ بطرس من هذا أن سارة اعتبرت ابراهيم رب البيت. صحيح أن سارة طلبت من ابراهيم أن يطرد هاجر مرتين (تكوين 16: 5 ، 21: 10) لكن لا يحقّ لنا أن نحسب ذلك عدم خضوع منها. ويقول الرسول بطرس إن المؤمنات هنّ بنات سارة، وعليهن أن يصنعن خيراً، كما صنعت هي، بغير خوف من تهديدات الأزواج الوثنيين أو اضطهاداتهم لزوجاتهم المسيحيات. فلقد قال المسيح: «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك الجسد والنفس كليهما في جهنم» (متى 10: 28).

وعندما تعيش السيدة المسيحية الحياة المقدسة يمكنها أن تنفذ قول الحكيم: «لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ، وَلاَ مِنْ خَرَابِ ٱلأَشْرَارِ إِذَا جَاءَ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ، وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ» (أمثال 3: 25 ، 26).

ج - واجب الرجال (آية 7)

كما أن للنساء واجبات من نحو الرجال، كذلك على الرجال واجبات من نحو النساء، فالزواج يقوم على واجبات متبادلة. ويطالب الرسول بطرس الزوج بعدة أمور:

(1) أن يكون فطناً بمعنى أن يقدّر ظروف زوجته، وأن يراعي مشاعرها. ويمكن أن ينال الإنسان الفطنة عندما يطالع كلام الله ويتعلم منه، ويطلب إرشاد الله له. ومن تعوزه حكمة في معاملة زوجته فليطلب من الله ليعلّمه.

(2) على الزوج أن يرى كأن زوجته هي الأضعف. وليس المقصود بذلك أن النساء ضعيفات في أجسادهن أو في عقولهن. لكنه يقصد أن الزوج يعامل زوجته برفق كامل، فهو المسئول الأول عن الأسرة - والرسول يقول: «كالأضعف» - بمعنى أن الزوجة ليست الأضعف فعلاً، لكن على الزوج أن يعاملها برقة كاملة، كأنها الأضعف.

لا شك أنك تذكر ياعزيزي القارئ، كيف خلق الله حواء ضلعة من جنب آدم، لتكون تحت ذراعه ليحميها. وعلى الزوج المسيحي أن يراعي زوجته بكل فطنة ورفق، ويضحي من أجلها كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه لأجلها.

(3) أن يكرم الزوج زوجته لأنها وارثة معه نعمة الحياة، وشريكته في كل الامتيازات التي منحتها نعمة المسيح لجميع الذين يؤمنون. لقد دخل كثير من الرجال والنساء دائرة الإيمان المسيحي، فصار في المسيحية «لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 28).

(4) ويقول الرسول بطرس إن عدم إكرام الزوجة يعطل استجابة الصلاة، فالله يقبل صلاة المؤمن الذي يكرم زوجته ويعاملها بالفطنة. قال المرنم: «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ» (مزمور 66: 18) والمشاغبة والخصام في البيت إثم يجب على الزوج أن يتحاشاه. قال المسيح: «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 19 ، 20). والبيت أفضل مكان يوجد فيه يسوع بين زوجين يعيشان في وفاق ومحبة.

والزوج الذي يعيش في وفاق مع زوجته هو الزوج الذي يمكن أن يتوقع استجابة صلاته لأن يسوع موجود في بيته.

آية للحفظ

«مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ ٱلطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ» (1 بطرس 3: 2).

صلاة

أبي السماوي أشكرك لأنك أنت الذي كّونت الأسرة المسيحية، وأنت الذي تحافظ عليها. ربنا أعطنا النعمة التي تجعلنا نحب بعضنا بعضاً من قلب طاهر بشدة، على مثال محبة المسيح للكنيسة. نصلي أن تعينني لأكون الشريك المسيحي الذي يحب شريكه ويكرمه، لأن جميعنا واحد في المسيح.

4 - سلوك المسيحي في المجتمع

في الجزء الرابع من رسالة بطرس الأولى رأينا الرسول يتحدث عن سلوك المؤمن أمام الناس، فرأينا كيف يتصرف مع الحكومة، وفي عمله، ومع أسرته.

في هذا الجزء (3: 8 - 22) يتحدث الرسول بطرس عن سلوك المسيحي في المجتمع، فيقدم الأفكار التالية:

  1. السلوك المسيحي المطلوب (آيات 8 - 12)

  2. جواب المؤمن على الذين يسألونه (آيات 13: 17)

  3. مثال من المسيح (آيات 18 - 22)

أ - السلوك المسيحي المطلوب

8 وَٱلنِّهَايَةُ، كُونُوا جَمِيعاً مُتَّحِدِي ٱلرَّأْيِ بِحِسٍّ وَاحِدٍ، ذَوِي مَحَبَّةٍ أَخَوِيَّةٍ، مُشْفِقِينَ، لُطَفَاءَ، 9 غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً. 10 لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ ٱلْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّاماً صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ ٱلشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِٱلْمَكْرِ، 11 لِيُعْرِضْ عَنِ ٱلشَّرِّ وَيَصْنَعِ ٱلْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ ٱلسَّلاَمَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ. 12 لأَنَّ عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَأُذْنَيْهِ إِلَى طَلِبَتِهِمْ، وَلٰكِنَّ وَجْهَ ٱلرَّبِّ ضِدُّ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ (1 بطرس 3: 8 - 12).

يتحدث الرسول بطرس عن خمس صفات مطلوبة في المؤمنين من نحو مجتمعهم:

(1) أن يكونوا متحدي الرأي: وهذا ما صلاّه المسيح: «لِيَكُونَ ٱلْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا، لِيُؤْمِنَ ٱلْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي... أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ ٱلْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي» (يوحنا 17: 21 ، 23).

لو أن المؤمنين سلّموا أفكارهم لسيطرة الروح القدس، وملأوا عقولهم بالكلمة المقدسة، لحدث بينهم اتحاد، ويتم فيهم ما قاله الرسول بولس: «وَلْيُعْطِكُمْ إِلٰهُ ٱلصَّبْرِ وَٱلتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِكَيْ تُمَجِّدُوا ٱللّٰهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ» (رومية 15: 5 ، 6).

وطلب الرسول بولس من المؤمنين أن يكون فيهم فكر المسيح (فيلبي 2: 5). إننا أعضاء جسد واحد. صحيح أن الأعضاء تختلف في شكلها، لكنها تتعاون معاً لتستمر حياة الجسد. والمؤمنون المتحدون بالمسيح يمتلكون مواهب مختلفة، ويشتغلون في مواقع مختلفة، لكنهم جميعاً يحققون الفكر الواحد.

(2) حس واحد: بمعنى أن يكون بينهم تعاطف، إذ يشعرون بمشاعر بعضهم البعض «فَرَحاً مَعَ ٱلْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ ٱلْبَاكِينَ» (رومية 12: 15). «فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ» (1كورنثوس 12: 26).

(3) المحبة الأخوية: ذلك أن المؤمنين أعضاء عائلة واحدة، هي عائلة الله. هم «أهل بيت الله» قد يختلفون في التفكير، لكنهم يتفقون في المحبة بعضهم لبعض. هل أنت مستعد أن تدافع عن أخيك، وأن تقف إلى جواره في وقت صعوبته؟ محققاً قول المسيح: «وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهٰذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا 13: 34 ، 35).

(4) الشفقة: بمعنى أن تكون قلوبهم حنونة على بعضهم البعض. كم نحتاج أن نعبِّر لبعضنا عن المحبة، ففي بعض الأحيان نحب الآخرين ولكننا لا نقول لهم ذلك. ونحن نحتاج أن نبيِّن هذه الشفقة على بعضنا البعض. والشفقة نابعة من طبيعة الله نفسه. وعندما يملأ الله قلوبنا نستطيع أن نشفق على بعضنا البعض «شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 4: 32).

(5) اللطف: واللطف ناشئ من التواضع أمام الله وأمام الناس، فالمسيحي هو الذي يعتمد على الله الاعتماد الكامل، ويدرك أنه بدون المسيح لا يقدر أن يفعل شيئاً. وهو يعلم أنه محتاج الى غيره من المؤمنين ليساندوه، فيحمل بعضنا أثقال بعض، وهكذا نتمّم ناموس المسيح. فلنلبس أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً (كولوسي 3: 12).

عزيزي القارئ، انك لا تحيا وحدك، لكنك تعتمد على جماعة المؤمنين المحيطين بك. فعليك أن تنتبه لهذه المسئولية، وتكون متحداً معهم في الرأي، وتحس بأحاسيسهم، وتحبهم، وتشفق عليهم، وتكون لطيفاً معهم.

ويقول الرسول بطرس إن المؤمن الذي يتمتع بهذه الصفات الخمس لايجازي أحداً عن شر بشر، لكنه يغلب الشر بالخير (رومية 12: 21). وهو لايشتم الذين يشتمونه، بل بالعكس يباركهم، عملاً بقول المسيح: «بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ» (متى 5: 44) فإن الله دعانا لنحمل الصليب ونتبع المسيح، فنسلك الدرب الذي سلكه هو، ونرث البركة. والذين يرثون الخير يفعلون الخير، ويتبعون مثال المسيح الذي إذْ شتُم لم يكن يشتم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدد (1بطرس 2: 23).

يذكرنا الرسول بطرس بما فعل الروح القدس فيه. لقد شتم، وأنكر المسيح، وجازى الشر بالشر عندما استلّ سيفه وضرب أذن ملخس عبد رئيس الكهنة. ولكنه تعلّم من الروح القدس الحقيقة التي تتفق مع روح المسيح.

وفي الآيات 10 - 12 يقتبس الرسول بطرس بعض الآيات من مزمور 34: 13 - 17 التي يتحدث فيها المرنم عن الرجل الذي يحب الحياة، وفي نهاية أيامه يكتشف انه قد عاش حياة طويلة مثمرة وعميقة، فيقدم له في المزمور ثلاث صفات:

(1) عليه أن يمسك لسانه عن الشر، وشفتيه عن المكر في الكلام، ويصون لسانه عن التكلم بالخطأ.

عزيزي القارئ، إن الله يريدنا أن نتكلم كلاماً لائقاً يمجّده ويبني الآخرين. «لاتخرج كلمة ردية من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمة للسامعين» (أفسس 4: 29).

(2) وعلى الشخص أن يبتعد عن الشر وأن يعمل الخير كما قال إمام الحكماء سليمان: «لا تَسِرْ في طريق الأثمة. لاتمرّ به. حِدْ عنه واعبر» (أمثال 14: 14 ، 15).

(3) وعليه أن يطلب السلام ويسعى اليه «إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ» (رومية 12: 18) «طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ» (متى 5: 9).

ويقول الرسول بطرس إن الذي يحيا هذه الصفات الثلاث يتحقق معه القول المبارك: «عَيْنَا ٱلرَّبِّ نَحْوَ ٱلصِّدِّيقِينَ وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ. وَجْهُ ٱلرَّبِّ ضِدُّ عَامِلِي ٱلشَّرِّ لِيَقْطَعَ مِنَ ٱلأَرْضِ ذِكْرَهُمْ» (مزمور 34: 15 و16).

آية للحفظ

«غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ» (1 بطرس 3: 9).

صلاة

يا أبانا السماوي نشكرك لأنك تريدني أن أسلك السلوك الذي يمجدك، فأحب الآخرين، وأكون شفوقاً معهم، أحس بآلامهم، لطيفاً لا أردُّ الشر بالشر، بل أتعب عاملاً الصالح بيديَّ وأخدم الآخرين. ساعدني لأنظر للمسيح الذي إذْ شُتم لم يكن يشتم، وأعطني نعمة من عندك لأسلك في خطوات سيدي وربي.

ب - جواب المؤمن على الذين يسألونه

13 فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِٱلْخَيْرِ؟ 14 وَلٰكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، 15 بَلْ قَدِّسُوا ٱلرَّبَّ ٱلإِلٰهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ ٱلرَّجَاءِ ٱلَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ، 16 وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ ٱلَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ ٱلصَّالِحَةَ فِي ٱلْمَسِيحِ يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ. 17 لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْراً، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرّاً (1 بطرس 3: 13 - 17).

يقول الرسول بطرس إنه بالرغم من أن المؤمنين يسلكون في الخير إلا أنهم يواجهون الاضطهاد، ولكن هذا الاضطهاد لايضرّ المؤمن من الداخل. انه ضرر للجسد الخارجي فقط. كما أن الاضطهادات لاتضر الشهادة التي يقدمها المؤمن للمسيح، فقد يموت المؤمن شهيداً، ولكن الإعلان الذي أعلنه عن المسيح، والذي بسببه لاقى الموت، يظل ناجحاً لايموت، لأن كلمة الله لا تُقيَّد.

وكان الرسول بطرس قد طالب الزوجة المؤمنة أن تحيا في البيت حياة مقدسة لتربح زوجها للمسيح «بدون كلمة». فتكون سيرتها جواباً لزوجها الذي يسأل عن سر الحصول على اللطف والسلام والمحبة وطول الأناة.

وهو هنا يطلب من المؤمن أن يكون سعيداً في وسط متاعبه وضيقاته، لأن سعادته تعطيه فرصة لإجابة من يسأله عن سبب الرجاء الذي فيه، كما قال المسيح: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (متى 5: 11 ، 12). وقال أيضاً: «وَلاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متى 10: 28).

عندما اضطهدت الامبراطورة القديس يوحنا فم الذهب قال: «إن حكمت الامبراطورة بأن أُنفى فلتفعل، لأني حيثما ذهبت فالأرض وملؤها للرب. وإن أرادت أن تطرحني في البحر فلتطرح، لأني أذكر يونان النبي. وإن شاءت أن تُلقيني في أتون النار فلتُلقيني، فقد أُلقي من قبلي ثلاثة فتية من العبرانيين. وإن رمتني للوحوش الضارية أذكر دانيال الذي أُلقي في جب الأسود. وإن حكمَتْ عليَّ بالرجم كنت بذلك شريك استفانوس أول الشهداء المسيحيين. وإن قطعَتْ رأسي فلي أُسوة بيوحنا المعمدان. وإن سلبَتْ مالي فإني أعلم أني دخلت هذا العالم بلا شيء وسأخرج منه بلا شيء».

لقد نبهنا الرسول يعقوب الى شيء من هذا عندما قال إن التجارب المتنّوِعة التي نجوز فيها تعلّمنا الصبر، لنكون تامين وكاملين غير ناقصين في شيء (يعقوب 1: 2 - 4) وقال الرسول بولس إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا (رومية 8: 18) وقال أيضاً إن الاضطهادات التي يتحملها المؤمنون تؤهّلهم لملكوت الله، الذي لأجله يتألمون (2 تسالونيكي 1: 4 ، 5). وكما يؤدب الآباء أولادهم ليعلّموهم دروساً في الأخلاق والتصرفات، هكذا يسمح الله لأولاده بالآلام ليتنقّوا وليتعلّموا طريقه. وهذا التعليم علامة على أن الولد محبوب من أبيه. وهكذا الآلام تُرينا أن الله يحبنا ويريد أن ينقّينا.

وعلى المؤمن وسط آلامه أن ينسى ما يقوله الآخرون عنه، وألّا يضطرب قلبه. لكن عليه أن يقبل المسيح رباً لحياته، عالماً أن الله يتحكَّم في كل أمر، ولا يسمح لشيء أن يعطل الخُطَّة التي وضعها هو لخير المؤمنين به. ويظهر من آية 15 أن الاضطهاد الذي وقع على المؤمنين جعلهم يتوقَّفون عن حضور اجتماعاتهم. لكن الرسول يطلب منهم أن يقدسوا الرب الإله في قلوبهم، بمعنى أن يمجدوه بالصلاة، وهذا يطرد منهم الخوف من الناس. عندما خاف أبو موسى وأمه الله لم يخشيا أمر فرعون (عبرانيين 11: 23) وعندما خاف الفتية الثلاثة الله لم يَخْشوا إنذار ملك بابل بالموت (دانيال 3: 6).

وعندما يقدس المؤمنون الرب الإله، ويخافونه بتقوى، يصبحون مستعدين أن يجاوبوا كل من يوجّه لهم أسئلة عن سبب الرجاء الذي فيهم. فالمؤمن يمتاز عن غيره بالرجاء الذي ملأ قلبه، رجاء الخلاص، ورجاء الحياة الأبدية. وهذا الرجاء مبني على أسباب قوية، وليس على أوهام باطلة، فأساسه عمل الفداء الذي قام به المسيح، ومواعيد الله لنا في الكتاب المقدس. وعلى المؤمنين أن يدركوا أن البشر سيسألونهم عن سبب الرجاء الذي فيهم. فلتعترف بالمسيح قدام الناس، ولتنتظر من الناس أن يوجّهوا إليك أسئلة عن الرجاء الذي فيك. كُنْ مستعداً لبيان حقيقة إيمانك والدفاع عنه، كما قال الأعمى الذي شفاه المسيح: «كُنْتُ أَعْمَى وَٱلآنَ أُبْصِرُ» (يوحنا 9: 25). وكما شهد الرسول بولس عن إيمانه بالمسيح الذي ظهر له في طريق دمشق، وسمع صوته (أعمال 22: 6 - 8).

عليك أن تجاوب الذين يسألونك بوداعة، بدون افتخار وليس حب الجدل. وعليك أن تشهد بخوف الله الذي يملأ قلبك، وهذا الخوف يجعلك تتكل على حكمة الله وتعليم الروح القدس، وليس على فصاحتك الشخصية.

هناك ثلاثة أنواع من الناس الذين يّوجهون إليك الأسئلة:

  1. الذين يريدون أن يعرفوا إيمانك ليشتركوا معك فيه.

  2. الذين يريدون أن يناقشوا الدين المسيحي لأنهم يجدونه غريباً عن أفكارهم الشخصية.

  3. الذين يكرهون المسيح ويفتشون عن شكوى ضدك ليجرّوك إلى المتاعب.

وفي كل حال عليك دائماً أن تكون مستعداً أن تشهد عن سبب الرجاء الذي أعطاه الله لك.

وعليك أن تنتبه ليكون لك ضمير صالح، مستنير بكلمة الله وروحه القدوس، مرشوش بدم يسوع المسيح (عبرانيين 9: 14) حتى تكون حياتك حياة صالحة. فعندما يفتري عليك الأشرار يخزون، لأنهم يفترون عليك كذباً. ويتم فيك ما قاله بيلاطس عن المسيح مخاطباً اليهود: «قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ ٱلشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هٰذَا ٱلإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضاً» (لوقا 23: 14 ، 15). وكما قال فستوس وأغريباس عن بولس الرسول: «هٰذَا ٱلإِنْسَانَ لَيْسَ يَفْعَلُ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ أَوِ ٱلْقُيُودَ» (أعمال 26: 31).

وفي الآية 17 يقول الرسول بطرس إنه أنْ شاءت مشيئة الله أن تمرَّ أيها القارئ في آلام بسبب إيمانك، وأنت صانع خيراً، فهذا أفضل كثيراً لك مما لو تألمت وأنت صانع شراً. عندما تتألم وأنت تصنع الخير، فأنت تستحق بركة الله وتتنقّى، أما إنْ كنت تتألم وأنت تفعل الشر فانك تدفع ثمن غلطتك. أرجو أن تكون آلامك في الحياة نابعة من عملك للخير، لتنشئ لنفسك أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً (2 كورنثوس 4: 17).

آية للحفظ

«مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ ٱلرَّجَاءِ ٱلَّذِي فِيكُمْ» (1 بطرس 3: 15).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي لأنك تعطيني الفرصة التي فيها أشهد لك، فعندما يسألني الناس عن سبب الرجاء الذي فيّ، أعطني أن أكون مستعداً بوداعة وبخوف أن أقدم إجابة واضحة. أعطني النعمة لأتحمل الألم من أجلك، لأن ألمي وأنا فاعل خيراً أفضل منه وأنا فاعل شراً. إحفظني مقدساً فيك وبنعمتك.

ج - مثال من المسيح

18 فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ، مُمَاتاً فِي ٱلْجَسَدِ وَلٰكِنْ مُحْيىً فِي ٱلرُّوحِ، 19 ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ ٱلَّتِي فِي ٱلسِّجْنِ، 20 إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ ٱللّٰهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ ٱلْفُلْكُ يُبْنَى، ٱلَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِٱلْمَاءِ. 21 ٱلَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ ٱلآنَ، أَيِ ٱلْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ ٱلْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ ٱللّٰهِ بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، 22 ٱلَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ ٱللّٰهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُّوَاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ (1 بطرس 3: 18 - 22).

رأينا في الفقرة الماضية (آيات 13 - 17) احتمال حدوث الألم من أجل المسيح، لكن هذا لا يجب أن يمنعنا عن الشهادة للمسيح، فنجاوب كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا.

وفي هذه الفقرة (18 - 22) يقول الرسول بطرس إنه إن كان المسيح البار قد تألم، فيجب أن يتوقَّع أتباعه الألم. والألم لا يعطلهم عن الكرازة، فإن الله قد جهَّز للمؤمنين المجد كله.

يقرر الرسول بطرس هنا أن المسيح تألم مع أنه بار، وأنه بموته أبطل سلطة الموت، وأنه صعد إلى المجد عن يمين الله. ويقول إن المسيح تألم مرة واحدة. وهذا صحيح عن موت الشهداء الذين يموتون لأجل المسيح، فموت الجسد لا يكون إلا مرة واحدة للشهيد، كما حدث مع المسيح. فلا يجب أن يخاف المؤمن المعرّض للموت شهيداً، وكل الذين يتأملون جراحات المسيح لا يحسّون بجراحاتهم. وكان نتيجة موت المسيح أن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2 كورنثوس 4: 6) وهكذا قرّبنا المسيح إلى الله، لأن الله كان في المسيح مُصالحاً العالم نفسه (2 كورنثوس 5: 19) والآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح، لأنه هو سلامنا (أفسس 2: 13).

لقد مات المسيح في الجسد بطبيعته البشرية «ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» (رومية 1: 3) و «ٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً» (يوحنا 1: 14) فقد ظهر «الله في الجسد» (1 تيموثاوس 3: 16) وقد مات المسيح في الجسد، أي انفصلت نفسه عن جسده انفصالاً حقيقياً، لكنه مُحْييً في الروح، بمعنى أن روحه الإلهية هي التي أحيَتْه بالقيامة من بين الأموات، فالمسيح هو الأقنوم الثاني في اللاهوت. لم يقل الرسول بطرس إن المسيح «مماتاً في الجسد ولكن حياً في الروح». لكنه قال «مُحْيىً في الروح» فقد أحيا نفسه بنفسه «لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء» (يوحنا 5: 21) «ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتَى، وَيَدْعُو ٱلأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ» (رومية 4: 17). «صَارَ آدَمُ ٱلإِنْسَانُ ٱلأَّوَلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ ٱلأَخِيرُ (المسيح) رُوحاً مُحْيِياً» (1كورنثوس 15: 45). فالمسيح الإنسان مات جسده، وانتهت حياته الجسدية على الصليب، لكنه أقام نفسه بقوته الإلهية، وتحقق قوله: «أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (يوحنا 10: 17، 18). فلنرنم: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُّوَةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ» (رؤيا 5: 12).

وفي الآيتين 19 ، 20 يتحدث الرسول بطرس أن المسيح «فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن» في الروح الإلهي الذي به أحيا نفسه بعد موته، وهو روح ابن الله الأزلي الذي تجسَّد في ملء الزمان.

لقد كرز المسيح للناس بروحه في أيام نوح. كرز بواسطة نوح وعلى فم نوح، للناس الذين عاشوا زمن نوح - وكانوا زمن كتابة رسالة بطرس في سجن دار الموتى. ولقد استمرت كرازة المسيح لأهل الأرض - على فم نوح، مئة وعشرين سنة، هي مدة بناء الفلك. وكرازة المسيح بواسطة أنبيائه عبر العصور - «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً» (عبرانيين 1: 1). ولا زال المسيح بروحه الإلهي يكرز اليوم لكل الخطاة بواسطة المؤمنين به.

وقول الرسول بطرس «ذهب وكرز» يشبه قول الرسول بولس لأهل أفسس، عن المسيح: «جَاءَ وَبَشَّرَكُمْ» (2: 17). فالله يكرز وينادي الجميع للتوبة، بواسطة مخلوقاته - كما كان المسيح مع بني اسرائيل في البرية (1 كورنثوس 10: 4).

لقد كرز المسيح بواسطة نوح، فخلص ثمانية أنفس بالماء، لأن الفلك حملهم فوق الماء. وكان الماء رائحة حياة للذين آمنوا وتابوا، كما كان الماء رائحة موت للذين كانوا خارج الفلك.

ملحوظة: هناك تفسير يقول إن آيتي 19 ، 20 معناهما أن المسيح ذهب إلى مقرّ الموتى في الفترة ما بين صلبه وقيامته، وكرز لقوم نوح. ونحن لا نعتقد بهذا التفسير، لأننا لا نرى سبباً لذهاب المسيح إلى قوم نوح فقط دون غيرهم - لماذا (لو أنه ذهب) لم يذهب لكل الموتى الذين ماتوا قبل تجسّده؟

عزيزي القارئ، لازال المسيح يريد أن يكرز بك، كما كرز بنوح. انه يريد أن يخدم بك أنت، كما حدث بنوح في زمانه. سلّم فكرك للمسيح لتستطيع أن تكرز للمحيطين بك.

وفي الآيتين 21 ، 22 يقول لنا الرسول بطرس إن الماء كان واسطة الخلاص الجسدي لقليلين في أيام نوح، وهكذا فإن ماء المعمودية هو واسطة خلاص روحي للمؤمنين، فالمعمودية تخلّص المؤمنين من جهنم إذا مارسناها كما يجب. وشرط المعمودية الحقيقية أن تقترن بالتوبة الخالصة، وبالايمان بالمسيح وتكريس النفس له، وهي علامة تطهير القلب بالروح القدس. فكل من يطلب معمودية الماء، بناءً على إيمانه بالمسيح ينال الخلاص، كما حدث مع وزير مالية الحبشة (أعمال 8: 36 - 38).

لاحظ أيها القارئ أن الذين خلصوا بالماء في الفلك لم يبتلوا بالماء أبداً. وهذا ما قاله الرسول بولس أيضاً عن شعب الرب الذين «ٱعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي ٱلسَّحَابَةِ وَفِي ٱلْبَحْرِ» (1 كورنثوس 10: 2) وواضح أنهم لم يبتلوا بماء البحر الأحمر أبداً. فليس سر الخلاص في الماء نفسه، ولكن في إيمان الشخص الذي يضع ثقته في الرب وفي كلمته. وهذا يكشف لنا أن ما يعنيه الرسول هنا هو المعنى الروحي للمعمودية، فليس المقصود بالمعمودية إزالة وسخ الجسد الخارجي بالماء، بل سؤال ضمير صالح عن الله. كان المسئولون في الكنيسة يسألون طالبي العماد عن اختبارهم وحياتهم الروحية واتحادهم بالمسيح وإخلاصهم له، ولا يعمدونهم إلا إذا تأكدوا من حياتهم الجديدة. وعليك عندما تأتي طالباً المعمودية أن تكون مخلصاً، لأن المعمودية هي واسطة خلاص المؤمنين من الموت الروحي الأبدي، كما كان الماء الذي حمل الفلك واسطة لخلاص نوح وأهل بيته من الموت الجسدي.

والمسيح الذي تألم من أجل الأثمة وهو بار، مضى الى السماء مسكن الملائكة والقديسين حيث تخضع له الملائكة والسلاطين.

ويقول الرسول بطرس إنه إنْ كان المؤمنون يتألمون على ذنوب لم يرتكبوها، فإن المسيح البار تألم قبلهم، وإنه مات لكي يقرّب الناس الى الله. ولذلك فعلى المؤمنين أن يفرحوا بالآلام، لأنها ستكون سبباً في تقريب الخطاة إلى الله بالإيمان والتوبة. وكما انتهت آلام المسيح بالمجد والكرامة، كذلك تنتهي آلام المؤمنين الذين يتألمون ظلماً، ويتحقق معهم قول المسيح: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤيا 3: 21).

آية للحفظ

«ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (1 بطرس 3: 18).

صلاة

أشكرك أيها الآب الصالح لأن محبتك جعلت المسيح يضحي بنفسه لأجلي، ليقربني إليك. يارب أعطني عيشة القُرب منك، وساعدني لأتحد بك. أعنّي لكي أكون دوماً مستعداً للكرازة، مهما كلّفني ذلك من متاعب، فقد كان المسيح مثالاً مباركاً لي في ذلك. علّمني أن أنظر إليه وأتعلم منه.

5 - سلوك المسيحي الصالح

في هذا الجزء الذي يشمل الأصحاح الرابع من رسالة بطرس الأولى نجد الأفكار الثلاثة التالية:

  1. النصرة على الخطية (1 - 6)

  2. السهر والمحبة (7 - 11)

  3. اِحتمال الإضطهاد (12 - 19)

أ - النصرة على الخطية

1 فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِٱلْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهٰذِهِ ٱلنِّيَّةِ. فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي ٱلْجَسَدِ كُفَّ عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، 2 لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضاً ٱلّزَمَانَ ٱلْبَاقِيَ فِي ٱلْجَسَدِ لِشَهَوَاتِ ٱلنَّاسِ، بَلْ لِإِرَادَةِ ٱللّٰهِ. 3 لأَنَّ زَمَانَ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّذِي مَضَى يَكْفِينَا لِنَكُونَ قَدْ عَمِلْنَا إِرَادَةَ ٱلأُمَمِ، سَالِكِينَ فِي ٱلدَّعَارَةِ وَٱلشَّهَوَاتِ، وَإِدْمَانِ ٱلْخَمْرِ، وَٱلْبَطَرِ، وَٱلْمُنَادَمَاتِ، وَعِبَادَةِ ٱلأَوْثَانِ ٱلْمُحَرَّمَةِ، 4 ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ يَسْتَغْرِبُونَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَرْكُضُونَ مَعَهُمْ إِلَى فَيْضِ هٰذِهِ ٱلْخَلاَعَةِ عَيْنِهَا، مُجَدِّفِينَ. 5 ٱلَّذِينَ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً لِلَّذِي هُوَ عَلَى ٱسْتِعْدَادٍ أَنْ يَدِينَ ٱلأَحْيَاءَ وَٱلأَمْوَاتَ. 6 فَإِنَّهُ لأَجْلِ هٰذَا بُشِّرَ ٱلْمَوْتٰى أَيْضاً، لِكَيْ يُدَانُوا حَسَبَ ٱلنَّاسِ بِٱلْجَسَدِ، وَلٰكِنْ لِيَحْيُوا حَسَبَ ٱللّٰهِ بِٱلرُّوحِ(1 (1 بطرس 4: 1 - 6).

في هذا الجزء يتحدث الرسول بطرس عن أن المسيح قد تألم لأجلنا بالجسد، وعلينا أن نتسلح بهذه النية، بمعنى أن نعتمد كل الاعتماد على الجهاد الروحي في مقاومة الشهوات الجسدية، وفي احتمال الاضطهاد، فإن المسيحي الذي يلاقي الاضطهاد ويقف إلى جوار المسيح، لا يمكن أن يرتكب شراً، فإذا ضربوه لايضرب، وإذا شتموه لا يجاوب بالشر، لكنه يجازي الشر بالخير. لقد كان المسيح قادراً أن يستدعي جيوش ملائكة لحمايته (متى 26: 53) لكنه خضع للذين قبضوا عليه، ولم يجازِ الشر بشر، وهكذا على المسيحي ألّا يضرب الذين يضطهدونه.

1 - الألم يساعد على النصرة:

لما كانت الآلام تصفّي المؤمنين كما تصفي النار الذهب، فإن من تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية، إذ يقول: «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20). إن المسيح الذي قال على الصليب «قد أُكمل» (يوحنا 19: 30) هو الذي يكمِّل المؤمن في حياة القداسة، لكي يعيش الزمان المتبقي له في هذه الحياة منفصلاً عن شهوات الناس المحيطين به، وثابتاً في إرادة الله التي يجب أن يحيا لأجلها، لأن المسيح «مَاتَ لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كورنثوس 5: 15).

ويقول الرسول بطرس إن المؤمنين بالمسيح قد تركوا الشهوات الماضية التي سلكوا فيها مع غيرهم من الأشرار، وعليهم الّا يعودوا اليها أبداً. لقد سبق أن عاشوا في الفساد، لكنهم الآن هجروا سلوك الدعارة والشهوات المحرمة والإفراط في شرب الخمر والبطر - أي العربدة وسوء استعمال ما أعطانا الله - والمنادمات أي المجالسات الشريرة لشُرب الخمر، كما يفعل الوثنيون في ولائمهم، وتركوا عبادة الأوثان.

2 - استغراب أهل العالم من هذا الموقف:

يستغرب الوثنيون الذين طالما سلكوا معهم في مثل هذه الخطايا من هذا التغيير الذي حدث في نفوس المؤمنين. لقد كانوا شركاءهم في شرب الخمر وفي الشهوات الشريرة ولكن بعد التوبة عاشوا حياة القداسة، فكان غيرهم من الوثنيين يسخرون منهم، كما قال فستوس لبولس: «أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ» (أعمال 26: 24) لأن الوثنيين لم يستطيعوا أن يروا السبب الذي جعل المؤمنين يتركون الخطايا التي سبق أن سلكوا فيها، فجدفوا على المؤمنين ونسبوا اليهم الجهالة والخطأ والمقاصد الشريرة والأعمال الرديئة، وأطلقوا عليهم ألقاباً قبيحة.

ويؤكد الرسول بطرس أن المجدفين لابد أن يعطوا حساباً على كلامهم الخاطيء عندما يأتي يوم دينونة الأحياء والأموات.

عزيزي القارئ، هل تغيرت حياتك بنعمة المسيح؟ هل أنت إنسان جديد؟ هل تتحمل السخرية والمقاومة من أصدقائك الذين كنت تسلك معهم في طريق الشر؟ طوبى لك .. اثبت فيما أنت فيه، فإن حياتك الجديدة هي حياة النصرة على الخطية.

وفي الآية 6 يتحدث الرسول بطرس عن الشهداء الذين ماتوا، والذين وصلتهم رسالة المسيح قبل موتهم، فثبتوا في المسيح وأحبوه، وقَبِلوا أن يموتوا من أجله. لأجل هذا بُشِّر «الموتى» لكي يُدانوا حسب الناس بالجسد، إذ أصدروا عليهم حكم الموت، ولكنهم الآن يحيون حسب الله بالروح، إذ أعطاهم الله السعادة الأبدية. لقد رُجموا، نُشروا، جُرِّبوا، ماتوا قتلاً بالسيف (عبرانيين 11: 37). ولكنهم الآن أحياء في حضرة الرب. يصفهم الرسول أنهم «موتى» لأنهم ماتوا في سبيل إيمانهم، بعد أن حكم عليهم أهل العالم بالموت، ولكن حياتهم في المسيح لا تموت.

وعن هؤلاء يقول يوحنا في سفر الرؤيا: «رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ... فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً... وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: «هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ» (رؤيا 6: 9 ، 7: 13 ، 14).

عزيزي القارئ، قد يحكم عليك الناس ويدينونك، لكن طوبى لك. إن كان الله قد منحك الحياة، فإن حكم الناس عليك لا يؤذيك، لأن الحياة التي يمنحها الله لك تكون بركة حقيقية لك. قد يقتل البشر جسد المؤمن، لكنهم لا يمكن أن يهلكوه هلاكاً أبدياً، فقد منحه الله الحياة الأبدية.

آية للحفظ

«مَنْ تَأَلَّمَ فِي ٱلْجَسَدِ كُفَّ عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ» (1 بطرس 4: 1).

صلاة

يا أبي السماوي، أشكرك من كل القلب لأنك نقلتني من حياة الخطية إلى الحياة الجديدة. ساعدني لأعيش حياة القداسة، لأن زمان الحياة الذي مضى يكفيني من عيشة الخطية. أشكرك لأجل الألم الذي يصفّي النفس. ساعدني لأنظر الى آلام المسيح من أجلي. إذا سمحت لي أن أتألم من أجل المسيح حتى الموت، أعنّي لأعلم أنني سوف أحيا حسب الله بالروح، لأن لي الحياة الأبدية معك. إحفظني أميناً الى الموت ليكون لي إكليل الحياة.

ب - السهر والمحبة

7 وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. 8 وَلٰكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا. 9 كُونُوا مُضِيفِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِلاَ دَمْدَمَةٍ. 10 لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضاً، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَنَّوِعَةِ. 11 إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ ٱللّٰهِ، وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُّوَةٍ يَمْنَحُهَا ٱللّٰهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱللّٰهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ (1 بطرس 4: 7-11).

في هذه الآيات نرى الحقائق التالية:

1 - ضرورة السهر بالصلاة: في كل العهد الجديد نرى الحديث عن ضرورة السهر والصلوات، لأن النهاية قريبة، ولأن مجئ المسيح ثانية قريب على الأبواب. فنقرأ في أقوال الرسول بولس إنها ساعة لنستيقظ من النوم، لأنه قد تناهى الليل وتقارب النهار (رومية 13: 11).

ونقرأ في كتابات الرسول يعقوب إن مجئ الرب قد اقترب (يعقوب 5: 18) ونقرأ في كتابات الرسول يوحنا أنها الساعة الأخيرة (يوحنا 2: 8) ونقرأ في سفر الرؤيا قول المسيح: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً» (رؤيا 22: 20).

ولذلك يقول الرسول بطرس إن نهاية كل شيء قد اقتربت، ويطالبنا أن نتعقل بمعنى أن نجعل شهواتنا تحت حكم عقولنا، وأن نضع رغباتنا تحت حكم ضميرنا. ثم يطلب منا أن نصحو بمعنى أن ننتبه لئلا نسقط في الخطية. والصحو يستلزم الصلاة، كما قال المسيح: «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متى 26: 41).

وقال المسيح إن مجيئه يكون كمجئ لص في الليل، ولذلك علينا أن نستيقظ دائماً وننتبه دائماً، ونصحو للصلوات.

2 - ثم يطلب الرسول أن تكون محبتنا بعضنا لبعض شديدة: وهو يقول «قبل كل شيء» بمعنى أن هذه أهم وصية يوصينا بها، لأن المحبة هي تكميل الناموس (رومية 13: 10). وعندما نحب بعضنا بعضاً فإننا نستر خطايا الآخرين، كما قال سفر الأمثال إن المحبة تستر كل الذنوب (أمثال 10: 12). كما تفعل الأم التي تحب أولادها فتستر عيوبهم. وعندما يحب المؤمنون بعضهم بعضاً، يسترون ذنوب بعضهم البعض، لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا.

قال البعض إن ستر الخطايا المقصود هنا معناه أن نحب الآخرين فنقودهم إلى المسيح الذي يغفر خطاياهم، وهذا نجده في قول الرسول يعقوب: «أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئاً عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا» (يعقوب 5: 19 ، 20). وعلى هذا فإننا عندما نحب بعضنا بعضاً نقود بعضنا البعض إلى المسيح المخلّص.

3 - ويطالب الرسول المؤمنين أن يكونوا كرماء: يضيفون بعضهم البعض بلا دمدمة، لا يتذمرون بسبب ما تكلّفوه من واجبات الضيافة. لقد وجد بطرس مكاناً ينزل فيه في بيت سمعان الدباغ (أعمال 10: 16) وأصرَّت ليدية أن تستضيف بولس الرسول وأصحابه (أعمال 16: 15) وفتح المسيحيون الأولون بيوتهم لتكون كنائس، فنقرأ عن الكنيسة التي كانت في بيت أكيلا وبريسكلا، والكنيسة التي كانت في بيت فليمون (فليمون 2). ولولا كرم الضيافة ما كانت هناك كنيسة تجتمع للعبادة على الإطلاق في تلك الأماكن. ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين إن المؤمنين يجب ألاّ ينسوا إضافة الغرباء، وأن يذكروا أنه بتلك الضيافة استقبل أناس ملائكة وهم لا يدرون (عبرانيين 13: 2).

ويقول المسيح للذين على اليمين: «كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي» وللذين على اليسار: «كُنْتُ غَرِيباً فَلَمْ تَأْوُونِي» (متى 25: 35، 43).

4 - ويطالب الرسول بطرس جماعة المؤمنين أن يستخدموا مواهبهم: والموهبة هي ما منحه الله للإنسان كهبة منه، فيقول عنها: «بحسب ما أخذ» فإن الله هو المعطي. وعلى المؤمنين أن يستخدموا مواهبهم لخدمة الآخرين باعتبار أنهم وكلاء صالحون. ليس المؤمن مالكاً ولكنه وكيل أقامه الله ليستخدم ما أعطاه له لخدمة الآخرين.

عزيزي القارئ، لقد جعل الله منك وكيلاً على بركات كثيرة. كن وكيلاً صالحاً. افتح عينيك لترى ماذا أعطاك الله من مواهب، لتستخدمها كلها لخدمة الله.

ويقدم الرسول بطرس موهبتين كنموذج للمواهب الإلهية:

أ - موهبة الكلام: أي التبشير والوعظ. وعلى الشخص الذي أعطاه الله موهبة الكلام أن يقدم أقوال الله، وليس أقواله هو. ليس بفصاحته، ولكن بالكلمة التي يعطيها الله له، فيعتبر أن الله هو المتكلم، وأنه هو مجرد آلة أو صوت يوصل كلام الله للآخرين، كما قال يوحنا المعمدان عن نفسه: «إنه صوتُ صارخٍ في البرية» .. هو مجرد صوت، ولكن الله هو صاحب الرسالة والكلمة (يوحنا 1: 23).

ب - موهبة الخدمة: والخدمة هي توزيع الإحسان على المحتاجين، وتقديم الخدمات التي يحتاجون إليها من أي نوع كان. وعلى الشخص الذي أعطاه الله موهبة خدمة الآخرين أن يدرك أنه يخدم بقوة أعطاها الله له. لينظر إلى خدمته بتواضع عالماً أننا نعطي مما أعطانا الله. اننا لا نوّزع مما عندنا، لكننا نوزع من البركة التي أعطاها الله لنا. يذكر بطرس كيف أكل خمسة آلاف من خمس خبزات. كان المسيح هو المعطي، وبطرس هو الموّزع. ما أجمل ما قاله داود النبي عن العطاء الذي قدمه لبناء الهيكل: «يَا إِلٰهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ ٱسْمَكَ ٱلْجَلِيلَ. وَلٰكِنْ مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هٰكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ ٱلْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1 أخبار 29: 13 ، 14).

وعندما نتكلم بأقوال الله، نخدم بقوة يمنحها الله، يتمجد الله في كل شيء بحياتنا بيسوع المسيح. فنحن لا نأخذ الكرامة لأنفسنا، لكننا نعطي الكرامة كلها لله، والمسيح وحده هو الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين.

ويختم الرسول بطرس هذا الجزء بقوله «آمين» وهو لا يقصد أن ينهي الكلام، ولكنه يريد من قارئي الرسالة أن يوافقوا معه على ما قاله في هذه الأمور التي تتكلم عن ضرورة السهر ومحبة المؤمنين.

آية للحفظ

«ٱلْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا» (1 بطرس 4: 8).

صلاة

أشكرك ياأبي السماوي من كل القلب لأنك تريدني أن أسهر لأن مجيئك قريب، وفي سهري ينبغي عليَّ أن أبيّن محبتي للآخرين، فأستر خطاياهم، وأن أضيف المحتاجين بدون تذمر، وأن أخدم بكل موهبة أعطيتها لي. تمجَّدْ في حياتي لأنك أنت وحدك يارب الذي تستحق المجد والسلطان الى الأبد.

ج - احتمال الاضطهاد

12 أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا ٱلْبَلْوَى ٱلْمُحْرِقَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ ٱمْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ، 13 بَلْ كَمَا ٱشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ ٱلْمَسِيحِ ٱفْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي ٱسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضاً مُبْتَهِجِينَ. 14 إِنْ عُيِّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلْمَسِيحِ فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ ٱلْمَجْدِ وَٱللّٰهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ. 15 فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. 16 وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ. 17 لأَنَّهُ ٱلْوَقْتُ لٱبْتِدَاءِ ٱلْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ ٱللّٰهِ. فَإِنْ كَانَ أَّوَلاً مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ؟ 18 وَإِنْ كَانَ ٱلْبَارُّ بِٱلْجَهْدِ يَخْلُصُ، فَٱلْفَاجِرُ وَٱلْخَاطِئُ أَيْنَ يَظْهَرَانِ؟ 19 فَإِذاً، ٱلَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ (1بطرس 4: 12-19).

في الآية 12 يقول الرسول بطرس لجماعة المؤمنين إنهم لا يجب أن يستغربوا البلوى الشديدة والمصاعب الكبيرة التي تواجههم، وكأنها نار تلدغ أجسادهم، فليس أمراً غريباً أن تقع التجارب على المؤمن كالبلوى المحرقة فتلسع كالنار. لقد قال المرنم للرب: «جَرَّبْتَنَا يَا اَللّٰهُ. مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ ٱلْفِضَّةِ» (مزمور 66: 10) ويقول الرسول بولس لمؤمني تسالونيكي: «كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا» (1تسالونيكي 3: 3) وقال السيد المسيح: «لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ» (يوحنا 15: 20 ، 16: 33).

وفي الآية 13 يقول الرسول بطرس إن متاعب المؤمنين هي اشتراكهم مع المسيح في آلامه، فقد وُهب لهم لا أن يؤمنوا به فقط، بل يتألموا أيضاً من أجله (فيلبي 1: 29).

وقال الرسول بولس عن المسيح: «لأَعْرِفَهُ، وَقُّوَةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ» (فيلبي 3: 10، 11). إن الذين يشتركون مع المسيح في آلامه يشتركون معه أيضاً في أفراحه عند مجيئه ثانية، إذ يري الناس جميعاً مجد المسيح الفادي، عندما تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح عليه جميع قبائل الأرض، وينظرون ابن الإنسان نازلاً على السحاب بقوة ومجد كثير (متى 24: 30).

يبتهج المؤمنون عند هذا المجئ فيقول الرسول: «إنْ عُيِّرتم أيها المؤمنون باسم المسيح ومن أجله، فطوبى لكم، لأنكم تشبهون المسيح الذي احتمل المتاعب كلها، فأظهَرَ محبته لكم».

ويقول الرسول بطرس إن الذين يحتملون المتاعب يحل عليهم «روح المجد» و «روح الله» بمعنى أن الروح القدس يحل عليهم، ويبقى معهم يعزي قلوبهم. هذا هو روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب (إشعياء 11: 2). فالله نفسه يمكث مع المؤمنين بروحه القدوس.

ومع أن روح المجد يحلّ على المؤمنين، إلا أن البعيدين الذين يضطهدون المؤمنين يجدفون على الروح القدس، وهذه هي الخطية التي لا تُغتفر، لأنهم يرفضون عمل الروح القدس في قلوبهم، ويرفضون شهادة الروح القدس للمسيح. وعندما يهينون المؤمنين بالمسيح يهينون الروح الذي يحل فيهم وعليهم.

ومن هذه الأفكار نرى أن الرسول بطرس يقول:

  1. الاضطهاد ضروري، ولا بد أن يقع على كل المؤمنين بالمسيح.

  2. الاضطهاد امتحان يمتحن إخلاص المؤمن الذي يحتمل الألم.

  3. الاضطهاد مشاركة للمسيح في آلامه.

  4. الاضطهاد يجلب المجد، فطريق الصليب هو دوماً طريق القيامة والمجد.

ويطالب الرسول بطرس المؤمنين أن لا يكون ألمهم نتيجة ارتكاب شرور، مثل القتل أو السرقة أو فعل شر أو التدخُّل في أمور الغير. ويساوي الرسول بطرس بين خطية القتل وخطية التطفُّل والتدخُّل في أمور الآخرين! وهذا يرينا ضرورة الاهتمام بأمورنا الخاصة، وأن لا نكون فضوليين (2 تسالونيكي3: 11).

عزيزي القارئ، يريدنا الله أن نكون كاملين غير ناقصين في شيء، ليتمجد المسيح فينا.

ويتحدث الرسول في الآية 16 عن أن المؤمن الذي يتألم نتيجة إيمانه المسيحي وتمسُّكه بالمسيح لا يخجل أبداً منه، كما يخجل القاتل أو السارق أو المتطفل الذي يتدخل في أمور غيره، لأنه يتألم من أجل الاعتراف بالمسيح، ولأنه يمجد الله. كما حدث مع جماعة التلاميذ الذين بعد اضطهادهم ذهبوا فرحين من أمام مجامع اليهود، لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل المسيح (أعمال 5: 41).

وكما قال بولس عن نفسه: «ٱلآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: ٱلَّذِي هُوَ ٱلْكَنِيسَةُ، ٱلَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِماً لَهَا» (كولوسي 1: 24 و25).

هناك إذاً آلام شديدة تقع على المؤمنين عندما يضطهدهم الخطاة. ولكن هناك آلاماً أشد ستقع على الخطاة الذين لا يطيعون إنجيل المسيح. إن بدء الاضطهاد قد جاء على جماعة المؤمنين عندما قام الخطاة ضدهم. لكن عقاباً أشد يقع على الخطاة الذين لا يقبلون إنجيل المسيح، لأن يوم الدين العظيم قادم، يفصل الله فيه بين القمح والتبن، ويجمع القمح الى مخزنه وأما التبن فيحرقه (متى 3: 12).

وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟ وقد قال الحكيم: «هُوَذَا ٱلصِّدِّيقُ يُجَازَى فِي ٱلأَرْضِ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلشِّرِّيرُ وَٱلْخَاطِئُ؟» (أمثال 11: 31) إنْ كانت جماعة المؤمنين تتألم في الأرض، فما أقسى الألم الذي سيحل بجماعة الخطاة. قال المسيح لبطرس: «سِمْعَانُ سِمْعَانُ، هُوَذَا ٱلشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَٱلْحِنْطَةِ! وَلٰكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لوقا 22: 31 و32). وقال المسيح: «ٱجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ» (لوقا 13: 24). فإنْ كانت هناك صعوبات في طريق الخلاص، فما أعظم الخطر الذي ينتظر الخطاة الذين لا رجاء في خلاصهم. ان الفاجر والخاطئ هالكان لا محالة لحبهما للخطيئة، ولقساوة قلبيهما، ولأن قوة الشيطان عليهما تمتلك حياتيهما.

ويطلب الرسول بطرس من المؤمنين الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، لأنهم ساروا في طريق الله، أن يستودعوا أنفسهم للخالق الأمين، كما استودع المسيح نفسه بين يدي أبيه قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا 23: 46) وهم يتفقون مع بولس في قوله: «لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ» (2 تيموثاوس 1: 12). على أنهم يجب أن يستمروا في عمل الخير. وهذا تحذير لجماعة المؤمنين من الكسل والغفلة عن القيام بالواجبات، والطمع في الخلاص لمجرد أن اسم المسيح أُطلق عليهم. أما الذين يتألمون كما شاء لهم الله، فليعملوا الخير، ويسلّموا نفوسهم للخالق الأمين.

آية للحفظ

«ٱلَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ» (1بطرس 4: 19).

صلاة

يا أبي السماوي، أقدم لك الشكر لأنك تريدني أن أسلك طريق المسيح، طريق الألم. ساعدني لتكون آلامي نابعة من محبتي للمسيح وليس نتيجة خطيتي. أعنّي لأسلّم نفسي لك في وسط آلامي، وأن لا أفشل وأنا أعمل خيراً، بل دائماً وأبداً أتمثّل بالمسيح الذي جاز الألم ولكنه بارك المحيطين به.

خامساً - السلوك في الكنيسة (1 بطرس 5: 1 - 11)

في هذا الجزء الأخير من الرسالة يتحدث الرسول بطرس عن سلوك كلٍّ من الراعي والشعب في الكنيسة، ونرى الأفكار التالية في هذا الجزء:

1 - سلوك الراعي 5: 1 - 4

2 - سلوك شعب الكنيسة 5: 5 - 11

أ - الخضوع 5: 5 - 7

ب - السَّهر 5: 8 - 11

1 - سلوك الراعي

1 أَطْلُبُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا ٱلشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَٱلشَّاهِدَ لِآلاَمِ ٱلْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ ٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ، 2 ٱرْعَوْا رَعِيَّةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لاَ عَنِ ٱضْطِرَارٍ بَلْ بِٱلٱخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، 3 وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى ٱلأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ، 4 وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ ٱلرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ ٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي لاَ يَبْلَى (1 بطرس 5: 1 - 4).

في هذا الجزء يصف الرسول بطرس نفسه بثلاث صفات:

  1. هو الشيخ، بمعنى القائد في الكنيسة، وهو المعلم. ويقول الرسول بطرس لجماعة القادة في الكنائس المختلفة إنه: «الشيخ رفيقهم». فهو يتحدث كزميل لهم، لا يتعالى عليهم. فهو شريك لهم في إختباره المسيحي، وفي المشاكل التي تعترضهم في الطريق. وقد أقام الرب في كل كنيسة شيوخاً (تيطس 1: 5 - 9)

  2. إنه الشاهد لآلام المسيح. لقد رأى بعينيه المسيح مصلياً في بستان جثسيماني، ورآه يُحاكم ويُصلَب.

  3. ويقول إنه شريك المجد العتيد أن يُعلَن: لقد رأى بطرس شيئاً من مجد المسيح على جبل التجلي، وهو يعلم أن المجد الكامل قادم لا شك فيه، كما قال الرسول بولس: «مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 3: 4). وكما قال الرسول يوحنا: «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلٰكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ» (1 يوحنا 3: 2).

ولا شك أن بطرس كان يتذكر تكليف المسيح له عندما أمره أن يرعى غنمه وأن يرعى خرافه (يوحنا 21: 15 - 17). ولقد قام بهذه المهمة بكل قلبه. وهو يريد لزملائه الشيوخ الذين يرعون رعية الله أن يفعلوا الشيء نفسه، لأن الله يكلفهم بذلك.

أما الوصايا التي يقدمها الرسول بطرس لهؤلاء الرعاة فهي: «ارعوا رعية الله التي بينكم». فهم رعاة قطيع الله، والمدافعون عن الإيمان، كما قال الرسول بولس لقسوس أفسس: «اِحْتَرِزُوا اِذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28). وقد كان شيوخ الكنائس حكاماً ومعلّمين، يتقاضون أجراً عن عملهم في الكنيسة، كما قال بولس: «أَمَّا ٱلشُّيُوخُ ٱلْمُدَبِّرُونَ حَسَناً فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي ٱلْكَلِمَةِ وَٱلتَّعْلِيمِ، لأَنَّ ٱلْكِتَابَ يَقُولُ: «لاَ تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً، وَٱلْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ» (1تيموثاوس 5: 17 ، 18). والقول «لكرامة مضاعفة» يعني ليُحسَبوا أهلاً لأجرة مضاعفة.

ثم يقدم الرسول هذه الوصايا لشيوخ الكنيسة ولرعاتها:

  1. إنهم نظار: بمعنى أساقفة، كما لُقِّبوا أيضاً بالقسوس (أعمال 20: 17 ، 28) وهم يبذلون عنايتهم في وقاية القطيع من أن يدخل بينه المضلّون والذئاب الخاطفة (أعمال 20: 29 ، يوحنا 10: 12).

  2. وعليهم أن يقبلوا هذه الوظيفة طواعية واختياراً: صحيح أنها بتكليف من الله كما قال بولس: «ٱلضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1 كورنثوس 9: 16). ولكنه يقبل الوظيفة كفرح في الرب وليست كعبء ثقيل. قد يؤدي شخص ما خدمة وهو متضايق، وهذا يؤذي العمل ويؤذي العامل. والرسول يريد أن يقدموا هذه الخدمة بسرور وفرح.

  3. ولا يجب أن يطمع في الربح القبيح: بمعنى ألاّ يجري وراء الوظيفة لكسب دنيوي، فالذي يخدم الإنجيل طمعاً في الأجر يخسر أجرته، ولو أن الفاعل مستحق أجرته.

  4. وعليه أن يؤدي عمله بنشاط: نتيجة محبته للمسيح ومحبته للنفوس، كما قال بولس عن الإنجيل: «ٱلَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضاً مُجَاهِداً، بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُّوَةٍ» (كولوسي 1: 28، 29).

  5. لا كمن يسود على الأنصبة: فالكنيسة نصيبنا، وقد كلَّف الله القسوس أمر العناية بها. ولا يجب عليهم أن يكونوا سادة بل أن يرشدوا الناس بالمحبة والإقناع، مع التضحية الكاملة من أجل جماعة المؤمنين، كما قال المسيح: «وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَّوَلاً يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْداً» (مرقس 10: 44).

  6. عليهم أن يكونوا أمثلة للرعية: كما قال بولس لتيموثاوس: «كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْكَلاَمِ، فِي ٱلتَّصَرُّفِ، فِي ٱلْمَحَبَّةِ، فِي ٱلرُّوحِ، فِي ٱلإِيمَانِ، فِي ٱلطَّهَارَةِ» (1 تيموثاوس 4: 12).

عزيزي القارئ، صلّ من أجل راعي كنيستك ليقبل خدمته الدينية بدعوة من الله، ليبْتعِدْ عن الربح القبيح، ولا يتسلط على الكنيسة، فالله وحده هو صاحب السلطان على الكنيسة.

وأخيراً يقدم الرسول بطرس لجماعة الرعاة الوعد المبارك أن المسيح آتٍ، وسيعطي الأمناء منهم إكليل المجد الذي لا يفنى. نعم، المسيح هو رئيس الرعاة، ورئيس الذين يخدمون بالكنيسة. لقد شبّه نفسه بالراعي الذي يعرّض حياته للخطر بحثاً عن الخروف الضال حتى يجده. وعلى جماعة الرعاة أن يروا راعيهم العظيم هذا ليتمثَّلوا به. كان العالم يعطي الفائزين أكاليل من وردٍ يذبل، أما الله فيعطي المؤمن إكليل مجد لا يبلى، لأنه يمنح السرور الدائم لعبيده الأمناء.

آية للحفظ

«وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ ٱلرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ ٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي لاَ يَبْلَى» (1بطرس 5: 4).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأجل راعي كنيستي الذي تسلّم وظيفته منك. أصلي من أجله لتباركه فيخدم كناظر يرعى الكنيسة ويرى احتياجاتها، وأعطه نعمة ليكون مثالاً لنا نحن رعيته. وباركه ليكون أميناً حتى تمنحه إكليل المجد الذي لا يبلى.

2 - سلوك شعب الكنيسة (1 بطرس 5: 5 - 11)

بعد أن تحدث بطرس عن صفات الراعي الصالح الذي يرعى الكنيسة، يتحدث عن صفات الرعية. وهو يقدم هنا صفتين هامتين:

أ - الخضوع 5 - 7

ب - السهر 8 - 11

أ - الخضوع

5 كَذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحْدَاثُ ٱخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعاً خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِٱلتَّوَاضُعِ، لأَنَّ ٱللّٰهَ يُقَاوِمُ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً. 6 فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ ٱللّٰهِ ٱلْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، 7 مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ (1 بطرس 5: 5 - 7).

في هذا الجزء يطالب الرسول بطرس الأحداث، الذين هم أعضاء الكنيسة، أن يخضعوا للقادة، خضوع الإكرام والطاعة، كما يخضعون بعضهم لبعض. وقد سبق للرسول بولس أن طالب المؤمنين أن يكونوا «خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ ٱللّٰهِ» (أفسس 5: 21) وقال أيضاً: «مُفْتَكِرِينَ شَيْئاً وَاحِداً، لاَ شَيْئاً بِتَحَّزُبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ ٱلْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (فيلبي 2: 2 و3).

وخضوع الإنسان للآخرين يعني أن هذا الشخص متواضع. والرسول يطلب أن نتسربل بالتواضع، كما أخذ المسيح مِنْشفة واتّزر بها، ثم صبَّ ماءً في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ (يوحنا 13: 4 ، 5) علينا أن نقبل خدمة المسيح في أصغر مقام وأن نبتعد عن الكبرياء، لأن الله يقاوم المستكبرين (يعقوب 4: 6) لكنه يعطي المتواضعين نعمة (أمثال 3: 34) ويمنحهم كل الفضائل المسيحية. فالقلب المتواضع هو الذي تنساب إليه نعمة الله وبركاته.

ويطالبنا الرسول بطرس أن نتواضع تحت يد الله القوية، لأن قبل الكرامة التواضع (أمثال 15: 33) وثواب التواضع ومخافة الرب هو غنى وكرامة وحياة (أمثال 22: 4) وقال ميخا النبي: «مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ ٱلْحَقَّ وَتُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ» (ميخا 6: 8). وعلينا أن نخضع تحت يد الله القوية، لأن الله يمدّ يده ليحمينا، ولذلك فعلينا أن نلجأ إليه في كل وقت، خاضعين لحمايته، مطالبين أن نعمل مشيئته حتى يرفعنا في حينه «فكل من يرفع نفسه يتَّضع، ومن يضع نفسه يرتفع» (لوقا 18: 14).

عزيزي القارئ، يد الله قوية. لقد استخدم يده القوية ليُخرج شعبه من العبودية (خروج 13: 9). وقال يوسف لإخوته: «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا ٱللّٰهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً» (تكوين 50: 20) فاخضع تحت يد الله، لأنها تضمن لك السلامة «لأنه هو يعتني بكم» - «أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى ٱلأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ» (متى 10: 29 ، 30) «هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ٱبْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هٰؤُلاَءِ يَنْسِينَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ» (إشعياء 49: 15). اننا نثق «أَنَّ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ» (رومية 8: 28).

آية للحفظ

«مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (1 بطرس 5: 7).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأن يسوع المسيح هو مَثَلي الأعلى في التواضع، عندما جاءنا إنساناً مولوداً من امرأة، وعندما غسل أرجل التلاميذ. علّمني أن أتواضع. علّمني أن أتسربل بالتواضع وأخضع تحت يد الله القوية. علّمني أن لا أتكل على ذكائي، لكن أن أعتمد على عنايتك بي.

ب - السهر

8 اُصْحُوا وَٱسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. 9 فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هٰذِهِ ٱلآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْعَالَمِ. 10 وَإِلٰهُ كُلِّ نِعْمَةٍ ٱلَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ ٱلأَبَدِيِّ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيراً، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَّوِيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ. 11 لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ (1 بطرس 5: 8 - 11).

كل راعٍ يعرف أن هناك أُسوداً تريد أن تختطف القطيع، والرسول بطرس يطالب المؤمنين أن «يَصْحوا» بمعنى أن ينتبهوا للأسد الآتي ليخطف. ويطلب منهم أن «يسهروا» لأن الصحو والسهر ضروريان للنجاة من الخطر، لأن عدونا إبليس خصم لنا. صحيح أن الله يعتني بنا، وأننا نلقي كل همنا عليه، ولكننا يجب أن نكون صاحين ساهرين لتجارب الشيطان الذي يريد أن يوقعنا في الخطية. إن إبليس خصم لنا يقف ضدنا، يشْتكي في محضر الله علينا. ولكن هناك المسيح الشفيع الذي يدافع عنَّا. على أننا لا يجب أن نعطي خصمنا أسلحة يهاجمنا بها. ينبغي أن نحيا حياة الطهارة حتى لا يجد ما يشتكي به علينا. ويشبّه الرسول بطرس إبليس كأسد زائر - إبليس معناها «المشتكي زوراً» - وهو يريد أن يهلك المؤمن، فيتصرف كأسد ولكنه ليس أسداً. أنه يزأر لكي يرعبنا، لأنه يريد أن يحطم مقاومتنا. لقد هيّج أهل العالم على المؤمنين فاضطهدوهم، ولكنه لا يمكن أن يُسْقِطَ المؤمن. وهو أحياناً يأخذ شكل ملاك نور (2 كورنثوس 11: 14). ولكننا يجب أن نحترس وننتبه ونصحو ونلبس سلاحنا دائماً، لأنه يجول هنا وهناك في كل مكان، محاولاً أن يجد شخصاً غير يقظ ليبتلعه.

وفي هذه الكلمات التحذيرية نرى إبليس:

  1. الخصم المشتكي المتحرك للهجوم علينا.

  2. بإبليس المخادع الذي يظهر كأنه أسد، ولكنه مهزوم.

  3. إبليس الانتهازي الذي «يجول ملتمساً» فيفتش عن نقطة الضعف فينا.

  4. إبليس سيء النيَّة الذي يريد أن يبتلع المؤمن باليأس والفشل.

وعلينا كجماعة مؤمنين أن نقاوم إبليس. لا نسلّم له، ولا نترك مركز خدمتنا خوفاً من زئيره الذي يرعبنا، بل لنكن «راسخين في الإيمان». «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب 4: 7) «حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ» (أفسس 6: 16). إن المؤمنين في كل مكان يعانون من هجوم إبليس، وعلينا ألاّ نظن أننا وحدنا الذين نعاني. حتى المسيح هاجمه إبليس، ولو أن المسيح انتصر عليه.

ونرى مسئوليتنا في مقاومة إبليس:

  1. أن ننتبه له صاحين ساهرين.

  2. أن نقاومه ولا نستسلم له.

  3. أن نثبت راسخين في الإيمان.

وفي الآيتين 10 ، 11 يقدم الرسول بطرس لنا مجموعة تشجيعات كبيرة. يقول إن الله هو «إله كل نعمة» الذي يجب أن يُنعم علينا بكل ما نحتاج إليه من قوة وبركة، هو الذي «دعانا إلى مجده الأبدي» في المسيح، بمعنى أنه دعانا لحياة الانتصار، ودعانا للخدمة وللحياة الأبديّة. فإذا سمح لنا أن ندخل في آلام قليلة فهو يقصد بذلك أن «يكمّلنا» فيُعيد الشيء الذي فقدناه إلى مكانه، ويصلح المكسور منا، ويكمّل الناقص فينا. ثم أنه «يثبتنا» لكي لا يتزعزع إيماننا، لنكون أقوياء كحجر الجرانيت. وعندما ندخل في الآلام نَثبت كما تتعمق جذور الشجر كلما هبَّت ضدها الرياح الشديدة. ثم أن الله «يقوينا ويمكننا» لنكون كالبيت المؤسَّس على الصخر، فإذا هبَّت الرياح وثارت الأمواج وصدمت بيتنا الروحي، يبقى ثابتاً صامداً لأنه مؤسس على الصخر (متى 7: 24 - 27).

وعندما ندرك أن الله يكملنا ويثبتنا ويقوينا ويمكّننا نقدم له المجد لأنه صاحب السلطان الى الأبد.

آية للحفظ

«قَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ» (1 بطرس 5: 9).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأن الذي فينا أعظم من الذي في العالم. أشكرك لأن قوتك أكبر من قوة إبليس. إنه يريد أن يتشبّه بأسد يزأر ليخيفني، لكنني لا أخاف لأنني ثابت فيك. أشكرك لأنك أنت الذي تمكّنني فأكون كبيتٍ مؤسس على صخرٍ لا يسقط.

سادساً - الخاتمة

12 بِيَدِ سِلْوَانُسَ ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ، كَمَا أَظُنُّ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ وَاعِظاً وَشَاهِداً، أَنَّ هٰذِهِ هِيَ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَقِيقِيَّةُ ٱلَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ. 13 تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ ٱلْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ٱبْنِي. 14 سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةِ ٱلْمَحَبَّةِ. سَلاَمٌ لَكُمْ جَمِيعِكُمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ (1 بطرس 5: 12 - 14)

كُتبت هذه الرسالة بيد سلوانس، ومعنى اسمه «المسئول»، وأغلب الظن أنه هو سيلا الذي تحدَّث عنه سفر الأعمال، والذي كان زميلاً لبولس عندما كتب رسالتي تسالونيكي. وكان من رؤساء كنيسة أورشليم (أعمال 15: 22) ومن منتصِّري اليهود. وكان يتمتع بالجنسية الرومانية، شأنه شأن بولس الرسول (أعمال 16: 37) وقد عيّنه مجمع أورشليم ليحمل الرسائل مع بولس وبرنابا الى أنطاكية (أعمال 15: 22 ، 23) ورافق الرسول بولس في رحلته التبشيرية الثانية (أعمال 15: 40 - 17: 40) وقد تركه الرسول بولس في بيرية مع تيموثاوس (أعمال 17: 14) ثم التحق ببولس في كورنثوس. أغلب الظن أنه رجع إلى أورشليم مع بولس. ولا نعرف كيف بدأت خدمته مع بطرس، لكن بطرس يقول عنه إنه خادم أمين. وقوله «أظن» يعني أنه متأكد من أمانة سلوانس. ويرجع هذا التأكيد إلى أن الكنيسة في أورشليم كانت قد ائتمنت سلوانس على خدمة كثيرة، وكذلك ائتمنه الرسول بولس.

ويقول بطرس إن هذه الرسالة التي كتبها تحمل «كلمات قليلة» بمعنى أنها مختصرة، في مواضيع كثيرة، ليقدم كلمة وعظ يعلّم بها الشعب، وليشهد بما رآه، وبما كلّفه المسيح أن يعلنه عن نعمة الله الحقيقية، التي قبلها الشعب الذي كتب له، والتي قد ثبتوا فيها غير متزعزعين.

ويبعث الرسول بطرس تحية من الجماعة المسيحية المقيمة «في بابل» - ولقد رأينا في مقدمة هذا الكتاب أن بابل هذه قد تعني المدينة القديمة المشهورة، أو قد تعني روما، أو قد تعني مدينة صغيرة قريبة من القاهرة في مصر.

ثم يقدم بطرس سلام مرقس الذي يعتبره «ابناً له» والذي هو نفسه يوحنا مرقس الذي كتب البشارة الثانية. دعاه «ابنه» محبة له. وربما كان بطرس هو أب مرقس في الإيمان المسيحي.

ويختم بطرس الرسالة بطلبة أن يسلّم المؤمنون على بعض «بقبلة محبة مقدسة». وقد كانت القبلة عادة الكنيسة الأولى في تقديم السلام. ويقول القديس أوغسطينوس: «كان المؤمنون يُظهرون صفاءهم الداخلي بالقُبلة الظاهرية». ولقد توقف استخدام القبلة تعبيراً عن المحبة في الكنيسة، بسبب إساءة استخدامها، والانتقادات الكثيرة الموجّهة للمسيحين بسببها. على أننا لا زلنا كجماعة مؤمنين نعّبر عن محبتنا بعضنا لبعض، من قلب طاهر بشدة، نتيجة لمحبة المسيح التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا. ويجب أن تكون محبتنا بعضنا لبعض شديدة وبدون رياء.

ويختم الرسول بولس رسالته بقوله: «سلام لكم جميعكم في المسيح يسوع». وكيف نجد السلام إلا في المسيح؟ إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام به. وإذ يسكن في قلوبنا يعطينا سلاماً أحدنا مع الآخر. انه ينشئ السلام بيننا وبين الله، وبيننا وبين نفوسنا، وبيننا وبين الآخرين.

آية للحفظ

«نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَقِيقِيَّةُ ٱلَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ» (1 بطرس 5: 12).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي من أجل سلوانس الأخ الأمين الذي خدم دائماً مختفياً. أعطني أن أشتغل في الخفاء قبل أن أشتغل في العلن، لأخدمك ولأُوصِل الرسالة لنفوس كثيرة محتاجة إليك.

المسابقة الأولى في دراسة رسالة بطرس الأولى

أيها القارئ العزيز

إنْ تعمقت في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره تستطيع أن تجاوب بسهوله على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إنْ جاوبت إجابة صحيحة على 15 سؤالاً من الأسئلة العشرين، نرسل لك كتاباً جائزة.

  1. كيف ترى عمل كل أقنوم من الثالوث الأقدس في 1 بطرس 1: 2؟

  2. لماذا يقول الرسول بولس إن الرجاء المسيحي رجاء حي؟

  3. لماذا تهتم الملائكة أن تعرف عن الخلاص الذي ناله المؤمنون؟

  4. اذكر شيئاً يساعدك أن تكون نظير القدوس الذي دعاك.

  5. كيف نصبح «مولودين ثانية»؟ (راجع 1 بطرس 1: 23).

  6. اذكر نوعاً من الذبائح يقدمها كهنة العهد الجديد.

  7. كيف نبرهن أن الاتهامات الموجَّهة إلينا كاذبة؟

  8. اذكر سبباً يجعلنا نخضع للمسئولين في الحكومة.

  9. اذكر مبدأً واحداً من المباديء الثلاثة التي يسترشد بها العامل في عمله.

  10. اذكر سبباً يجعل الزوج يكرم زوجته.

  11. ما هي الأفكار الثلاثة التي نقلها بطرس لنا من مزمور 34؟

  12. ما معنى أن تجاوب الذين يسألونك في «وداعة وخوف»؟

  13. ما هي أسس المعمودية السليمة؟

  14. لماذا يستغرب أهل العالم على المؤمنين؟

  15. ما معنى أن «نتعقل» وأن «نصحو»؟

  16. اذكر حقيقتين عن الاضطهاد ذكرهما الرسول بطرس في 1 بطرس 4: 12 - 19.

  17. اذكر صفة من صفات الراعي الصالح.

  18. ما معنى «تسربلوا بالتواضع»؟

  19. ما معنى إسم «إبليس»؟

  20. اذكر خدمة قدمها سلوانس للمسيح.

أرسل إجابتك لنا بخط واضح، ولا تنس أن تكتب عنوانك كاملاً وبوضوح. أرسل الإجابة فقط، بدون تعليقات أخرى، لئلا تُهمَل. ونحن بانتظار إجاباتك.

رسالة الرسول بطرس الثانية

أولاً - مقدمة الرسالة الثانية

1 سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ، إِلَى ٱلَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَاناً ثَمِيناً مُسَاوِياً لَنَا، بِبِرِّ إِلٰهِنَا وَٱلْمُخَلِّصِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 2 لِتَكْثُرْ لَكُمُ ٱلنِّعْمَةُ وَٱلسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا (2بطرس 1: 1 ، 2).

في هاتين الآيتين نجد الكاتب والمكتوب إليهم والتحية:

أ - الكاتب: هو سمعان بطرس. «سمعان» اسمه العبراني ومعناه «المستمع». و «بطرس» الاسم الذي أعطاه له المسيح بمعنى «صخرة».

ويقدم بطرس لنفسه صفتين: عبد يسوع المسيح، ورسوله. وفي هاتين الصفتين نرى التواضع «عبد» ونرى السلطة «رسول». أما كلمة عبد فتعني أنه مِلْك كامل للمسيح، هو وما ملكت يداه. لذلك يخدم سيده باستعداد كامل وبخضوع، فأعطاه المسيح شرفاً بأن جعله رسولاً، بمعنى أنه مبعوث من المسيح للخدمه. لقد تلقَّى إرساليته من المسيح، وهو يسير باسم المسيح، ويقوم بما كلّفه به المسيح.

ب - المكتوب إليهم: هم الذين كتب إليهم رسالته الأولى، المؤمنون الذين في الشتات، الذين اختارهم الله ليكونوا له.

وقد وصفهم بأنهم «الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً، مساوياً لنا». نالوا - بمعنى أن هذا الإيمان ليس منهم، بل هبه لهم من الله - ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد (أفسس 2: 8 ، 9).

وهو إيمان ثمين بمعنى أنه عظيم القيمة، أثمن من الذهب الفاني (1 بطرس 1: 7). وهو ثمين بمقدار من أعطاه، وهو ثمين لأنه يُنتِجُ أعظم النتائج.

عزيزي القارئ، هل نلت هذا الإيمان الثمين الذي نقلك من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور؟

ويسميه إيمان «مساوٍ» لإيمان بطرس، لأن أساس المؤمنين جميعاً أساس واحد، ولأنه من عمل الروح القدس الواحد. وموضوع الإيمان واحد هو الرب يسوع. ونتيجته واحدة إذْ يعطي مغفرة الخطايا. وعلى هذا فإن الإيمان الذي ناله المؤمنون بالمسيح الذين يكتب بطرس إليهم مساوٍ تماماً للإيمان الذي ناله الرسول بطرس.

وقد نال المؤمنون عطية الإيمان هذه «ببرّ إلهنا والمخلص يسوع المسيح» فهو بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون (رومية 3: 22).

وكلمة البر لها معنيان:

(1) عدل الله، فالله العادل لا يفرّق بين مؤمني اليهود ومؤمني الأمم. كل من يُقبل إليه ينال خلاصاً وإيماناً متساوياً .. وكل من يدعو باسم الرب يخلص. (2) وهو يعني التبرير الذي أوجده المسيح بموته على الصليب، فقد حمل خطايانا في جسده على الخشبة. وهذا يجعل المؤمن باراً في نظر الله، بفضل كفارة المسيح. وبقوة الروح القدس يصبح المؤمن باراً فعلاً.

ج - التحية: يكرر الرسول بطرس التحية التي قالها في الرسالة الأولى: «لتكثر لكم النعمة والسلام» ويضيف أن النعمة والسلام ينالهما المؤمن «بمعرفة الله ويسوع ربنا» «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3). فالذين يعرفون المسيح يبلغون إلى معرفة الحق (تيطس 1: 1) ويقولون: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ» (يوحنا 1: 16). وهكذا يقولون ما قاله الرسول: «إني عالم بمن آمنت» (1 تيموثاوس 1: 12).

آية للحفظ

«لِتَكْثُرْ لَكُمُ ٱلنِّعْمَةُ وَٱلسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا» (2 بطرس 1: 2).

صلاة

أشكرك ياأبي السماوي لأنك تعطيني إيماناً ثميناً. ساعدني لأقدّر قيمة هذا الإيمان الثمين فأوصّله للآخرين، ليشتركوا فيه معي، ليحصلوا على سلام ونعمة تساوي ما حصلت أنا عليه.

ثانياً - صفات الحياة المسيحية (2 بطرس 1: 3 - 21)

في هذا الجزء يقدم الرسول بطرس ْأربع صفات للحياة المسيحية:

  1. هي هبة ثمينة 1: 3 ، 4

  2. هي تقدم مستمر 1: 5 - 11

  3. هي تذكرة دائمة 1: 12 - 15

  4. هي إعلانات صادقة 1: 16 - 21

أ - من الاختبار 16 - 19

ب - من الوحي 20 ، 21

1 - الحياة المسيحية هبة ثمينة

3 كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ ٱلإِلٰهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَٱلتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ ٱلَّذِي دَعَانَا بِٱلْمَجْدِ وَٱلْفَضِيلَةِ، 4 ٱللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا ٱلْمَوَاعِيدَ ٱلْعُظْمَى وَٱلثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ ٱلطَّبِيعَةِ ٱلإِلٰهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ ٱلْفَسَادِ ٱلَّذِي فِي ٱلْعَالَمِ بِٱلشَّهْوَةِ (2 بطرس 1: 3، 4).

في هاتين الآيتين يقول الرسول بطرس إن الحياة المسيحية هبة المسيح، حصلنا عليها من قدرته الإلهية ومحبته الغالبة المنتصرة، لأن قوته لا يمكن أن تُهزَم أو تفشل، فأدركنا ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته (أفسس 1: 19).

والمسيح في قدرته وفي حبه أعطانا كل ما هو للحياة المادية والروحية، وقد قال: «فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (متى 7: 11) وقد أعطانا كل ما هو للتقوى أي لمخافة الله والعيشة التي ترضيه. والتقوى نافعة لكل شيء، إذْ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة (1 تيموثاوس 4: 8) فقد وهبنا الحياة الجديدة، وأعطانا النعمة التي تجعلنا نستمر فيها .. نعم أعطانا كل شيء لازم للحياة والتقوى، فلم تعد هناك حاجة إلى مزيد.

وكم نشكر المسيح لأنه دعانا «بالمجد والفضيلة» دعانا بالمجد (الذي هو عظمته) ودعانا بالفضيلة (التي هي صلاحه) - دعانا إلى معرفته، فإن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2 كورنثوس 4: 6).

ويمضي الرسول بطرس ليقول إن المسيح بمجده وفضيلته قد وهب لنا مواعيد عظمى وثمينة، وهذا يحقق لنا: (أ) أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية، و(ب) أن نهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة.

أ - أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية. فقد خلقنا الله على صورته كشَبَهه، ولكن الخطية أفسدت فينا هذه الصورة. والله بمحبته يعيد خلقنا على صورته، لأنه «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17). وهكذا يخلع المؤمن من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، ويلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أفسس 4: 24) فيقول: «أَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1يوحنا 1: 3).

عزيزي القارئ، هل نلت الحياة الجديدة في المسيح؟ وهل أدركت أنك بهذه الحياة الجديدة صرت شريك الطبيعة الإلهية؟ وعندما تخطيء لا تلتمس لنفسك العذر َأنك بشر، لأن الله وهبك الموعد العظيم الثمين أن تكون شريك طبيعته الإلهية.

ب - أن نهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة لأن «ٱلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا ٱلْجَسَدَ مَعَ ٱلأَهْوَاءِ وَٱلشَّهَوَاتِ» (غلاطية 5: 24) أما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا، واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والوداعة (1تيموثاوس 6: 11).

عزيزي القاريء، اهرب من الفساد الموجود في العالم. لا تتبع شهوتك الشريرة. إنْ أعثرتك عينك فاقلعها. قل مع يوسف: «كَيْفَ أَصْنَعُ هٰذَا ٱلشَّرَّ ٱلْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى ٱللّٰهِ؟» (تكوين 39: 9). فقد جعلك المسيح شريك طبيعة الله، وجاء لتكون لك حياة وليكون لك أفضل.

أية للحفظ

«هَارِبِينَ مِنَ ٱلْفَسَادِ ٱلَّذِي فِي ٱلْعَالَمِ بِٱلشَّهْوَةِ» (2 بطرس 1: 4).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك من كل القلب لأن قوة المسيح هي التي وهبت لي الحياة، وما ينفعني لتطبيق المبادئ المسيحية في حياتي. أشكرك لأن مواعيدك العظمى هي التي جعلتني أشاركك طبيعتك الإلهية، فساعدني يارب لأهرب من الفساد والخطية التي تعطل تشبُّهي بك.

2 - الحياة المسيحية تقدم مستمر

5 وَلِهٰذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ ٱجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي ٱلْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، 6 وَفِي ٱلْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي ٱلتَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي ٱلصَّبْرِ تَقْوَى، 7 وَفِي ٱلتَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي ٱلْمَوَدَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. 8 لأَنَّ هٰذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 9 لأَنَّ ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هٰذِهِ هُوَ أَعْمَى قَصِيرُ ٱلْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ ٱلسَّالِفَةِ. 10 لِذٰلِكَ بِٱلأَكْثَرِ ٱجْتَهِدُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَٱخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذٰلِكَ لَنْ تَزِلُّوا أَبَداً. 11 لأَنَّهُ هٰكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلأَبَدِيِّ (2 بطرس 1: 5 - 11).

في هذه الآيات يقدم لنا الرسول بطرس فكرتين:

  1. درجات التقدُّم في الحياة المسيحية (آيات 5 - 7)

  2. بركات هذا التقدُّم (آيات 8 - 11)

أ - درجات التقدُّم (آيات 5 - 7)

بعد أن تحدث الرسول بطرس عن مواعيد المسيح العظمى والثمينة لجماعة المؤمنين، يحضُّهم أن يبذلوا كل اجتهاد للتقدم الروحي. لقد طالبنا المسيح أن نجتهد للدخول من الباب الضيق، وأن نجاهد ضد الخطية، لنتقدم في النعمة. ويقدم لنا الرسول بطرس سبع درجات في النمو، أولها درجة الإيمان وأعلاها درجة المحبة، كالسلّم الذي نرتقي عليه ونرتفع يوماً بعد يوم. أما أساس التقدم الروحي فهو الإيمان بالمسيح، الذي أعطانا التبرير (رومية 5: 1) والذي هو عطية من الله (أفسس 2: 8) وعلى كل الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة (تيطس 3: 8).

  1. الفضيلة، «في إيماننا فضيلة». والفضيلة هي النشاط الروحي، والشجاعة الروحية. وكلمة «فضيلة» تعني الأرض المثمرة التي تجود بالمحصول الكبير. وعلى كل مؤمن أن يجتهد في كل عمل صالح، فإننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة، قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها (أفسس 2: 10). هل حياتك الروحية مثمرة؟

  2. الدرجة الثانية هي المعرفة، «وفي الفضيلة معرفة» أي معرفة ما يجب أن نعمله في المواقف المختلفة التي نمرّ فيها. فنحن نحتاج إلى بصيرة وحكمة لنعرف الظروف المحيطة بنا حتى نثمر الثمر الصالح الذي من أجله أوجدنا الله.

  3. تعفف «وفي المعرفة تعفف». والتعفف هو ضبط النفس، وهذا من ثمر الروح، عندما يمنع الإنسان نفسه عن الأشياء التي تعطل تقدمه الروحي. ربما كان الجميع يفعلون نفس الشيء، لكن المؤمن يمتنع عنه، لأنه يبعده عن تحقيق قصد الله في حياته، وهكذا يتحقق معه القول: «كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لٰكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تُوافِقُ... كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، وَلٰكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَبْنِي... كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لٰكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ» (1كورنثوس 6: 12 ، 10: 23).

  4. صبر «وفي التعفف صبراً» والصبر هو إحتمال الصليب، والاستهانة بالمتاعب لأجل السرور الذي أمامنا، كما فعل المسيح (عبرانيين 12: 2). وعلينا أن نصبر في الاضطهاد، وألاّ نفشل أبداً، لكي نكون تامين وكاملين (يعقوب 1: 3) فقد قال لنا المسيح: «بصبركم اقتنوا أنفسكم» والمؤمن الصابر هو الذي يدرك أنه «عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور 30: 5).

  5. تقوى «وفي الصبر تقوى» والتقوى هي مخافة الله، وهي الدينالعملي، وهي الممارسة اليومية للحياة المسيحية.

  6. مودّة أخوية «في التقوى مودّة أخوية» - أي محبة الآخرين كما يقول لنا: «فلتثبت المحبة الأخوية .. لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون» (عبرانيين 13: 1). وقد قال الرسول بولس لمؤمني تسالونيكي: «وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها، لأنكم أنتم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً».

  7. محبة «وفي المودّة الأخوية محبة» وهي التي تشمل الناس جميعاً، والرب «يَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ» (1تسالونيكي 3: 12).

عزيزي القارئ، أرجو أن تفحص نفسك: هل تنمو في هذه الفضائل السبع التي ذكرها لنا الرسول بطرس هنا؟ هل حياتك المسيحية حياة التقدم المستمر؟

ب - بركات هذا التقدم (آيات 8 - 11)

وهناك ثلاث بركات للتقدم:

  1. الحفظ من الخطية

  2. الانتصار على الخطية

  3. الدخول للمجد

1 - الحفظ من الخطية. كل من ينمو في هذه الفضائل يبتعد عن الكسل وعن عدم الثمر وعن العمى وعن نسيان تطهير خطاياه. إنه ليس مثل الفعلة العاطلين عن العمل الذين كانوا واقفين طول النهار بالسوق (متى 20: 3 - 16) فهو غير متكاسل. وهو ليس مثل شجرة التين التي أمر صاحبها أن تُقطع لأنها بدون ثمر (لوقا13: 7) فهو مثمر. وكل من يعرف ربنا يسوع المسيح المعرفة العميقة، يدرك أن فيه مذخَّر جميع كنوز الحكمة والعلم، لابد أن يكون عاملاً غير متكاسل، مثمراً باستمرار.

وهذه الفضائل تحفظ الإنسان من العمى الروحي، فلا يكون كملاك كنيسة لاودكية الذي قال له المسيح: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلشَّقِيُّ وَٱلْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ» (رؤيا 3: 17) ولا يكون كقادة اليهود الذين قال لهم المسيح: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يوحنا 9: 41). ولا يكون قصير البصر ينظر تحت رجليه فقط، ولا يهمل الأمور الآتية الأبدية، كما فعل عيسو الذي باع بركته بأكلة عدس. إن الفضائل تجعل الإنسان منا مفتوح العينين، ثم تحفظه من نسيان فضل الرب عليه عندما طهَّره من خطاياه السالفة، لأن «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1 يوحنا 1: 7). إن تقدُّمنا في الفضائل المسيحية يحفظنا من الخطية.

(2) ومن بركات التقدم الروحي الانتصار على الخطية، فلنجتهد أن نجعل الدعوة التي دعانا الله بها، والاختيار الذي اختارنا الله له، ثابتيْن. هناك قصد مبارك جعل الله يدعونا إلى الحياة الجديدة، وهناك اختيار مقدس اختارنا له، وهو «تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1 بطرس 1: 2). وعندما ننمو في الفضائل المسيحية نؤكد صدق الدعوة والاختيار، ونبقى منتصرين على الخطية، ونحقق ما قاله بولس لتلميذه تيموثاوس: «أَمْسِكْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ» (1تيموثاوس 6: 12).

عزيزي القارئ تأكد أن الله يحبك، وانه اختارك ليكلمك في هذه السطور، فاجتهد أن تجعل دعوتك واختيارك ثابتين، لأن المسيح اختارك لتكون قديساً وبلا لوم في المحبة، فالبس كمختار الله القديس المحبوب «أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ» (كولوسي 3: 12 - 15).

إن نموك في الفضائل المسيحية يجعلك تنتصر على الخطية.

(3) أما البركة الثالثة للتقدم الروحي فهي الدخول للمجد: إذ ينفتح للمؤمن باب الدخول واسعاً إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. عندما تتقدم في حياتك المسيحية يرحب بك الله لدخول ملكوته «بسعة» أي بسخاء وترحيب وفرح، فتكون كالابن المكرم وتنال الإكليل. عليك إذاً أن تنمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح.

أية للحفظ

«يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلأَبَدِيِّ» (2بطرس 1: 11).

صلاة

اشكرك ياأبي السماوي لأنك تضع أمامي الفضائل المسيحية، وتريدني أن أتقدم فيها. ساعدني لأرتفع وأرتقي يوماً بعد يوم، حتى أصل إلى ملكوتك وأتمتع معك في مجدك الأبدي. أعطني حياة الإنتصار الدائم على الخطية.

3 - الحياة المسيحية حياة تذكرة دائمة

12 لِذٰلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِماً بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي ٱلْحَقِّ ٱلْحَاضِرِ. 13 وَلٰكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقّاً مَا دُمْتُ فِي هٰذَا ٱلْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِٱلتَّذْكِرَةِ، 14 عَالِماً أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً. 15 فَأَجْتَهِدُ أَيْضاً أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ (2 بطرس 1: 12 - 15).

الإنسان ينسى كثيراً ما تعلّمه، ولذلك قال المسيح لتلاميذه قبل صلبه: «بِهٰذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. وَأَمَّا ٱلْمُعَّزِي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» (يوحنا 14: 25 ، 26).

وكان المسيح قد أوصى بطرس: «وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ» (لوقا22: 32) كما قال له: «ٱرْعَ غَنَمِي» (يوحنا 21: 16). وها هو بطرس ينفذ وصية سيده فيذكّر قارئي رسالته بالحق الإلهي.

يدرك بطرس أن المؤمنين يشبهونه تماماً في النسيان، ولذلك فانه يريد أن يذكرهم وينهضهم بالتذكرة - كأن نفوسهم نائمة تحتاج إلى من يوقظها. وهذا ما فعله المسيح مع بطرس ومع بقية التلاميذ، عندما ناموا في البستان، فجاء يوقظهم، وقال لبطرس: «يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟» (مرقس 14: 37).

وبطرس يفعل الشيء نفسه مع القرّاء الذين يكتب إليهم رسالته، وهو يفعل الأمر نفسه معنا، إذ يقول إنه سيذكّرنا بهذه الأمور كل حين، وإنْ كنا نعرفها ونثبت في الحقيقة التي عندنا.

أعلن الله لبطرس أنه على وشك أن يموت، فرأى من الواجب عليه مادام في هذا المسكن الجسدي، في أرضنا، أن يوقظ المؤمنين ويذكرهم بكلمات الرب لهم. إن بطرس يعلم أنه سيفارق هذا المسكن قريباً، فيترك الأرض ليكون مع المسيح - فقد أظهر له الرب قرب رحيله، ولذلك فإنه يبذل جهده ليذكرهم بكل هذه الأمور، راجياً أنهم بعد موته يتذكرونها فعلاً.

عزيزي القارئ، ألا ترى أننا محتاجون أن نتذكر باستمرار نصائح الرب لنا، كما يقول الإنجيل: «عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ ٱلْوَقْتُ يُدْعَى ٱلْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ ٱلْخَطِيَّةِ» (عبرانيين 3: 13). كم نحتاج أن نجتهد أن نتذكر كلام الرب لنا لتعزيتنا.

آية للحفظ

«أُنْهِضَكُمْ بِٱلتَّذْكِرَةِ» (2 بطرس 1: 13).

صلاة

أبي السماوي أشكرك لأجل عمل الروح القدس فيَّ، الذي يُذكرني بكلامك. أشكرك لأجل الإنجيل المقدس الذي يُذكرني دائماً بما تريدني أن أذكره من فضلك علىّ. احفظني من خطية النسيان، واحفظني من خطية قِصَر النظر، واملأني دائماً بالكلمة المقدسة لأنتصر على الخطية.

4 - الحياة المسيحية حياة إعلانات صادقة (2بطرس 1: 16 - 21)

في هذا الجزء يقدم لنا الرسول بطرس شيئين هامين يجعلاننا نعرف إعلانات الله:

  1. من اختباراتنا آيات 16 - 18

  2. من الوحي آيات 19 - 21

أ - إعلان من الاختبار

16 لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُّوَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. 17 لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهٰذَا مِنَ ٱلْمَجْدِ ٱلأَسْنَى: «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». 18 وَنَحْنُ سَمِعْنَا هٰذَا ٱلصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي ٱلْجَبَلِ ٱلْمُقَدَّسِ (2بطرس 1: 16 - 18).

في هذه الآيات يقول الرسول بطرس إنه عرّف قراء رسالته بقوة ربنا يسوع المسيح، عندما وعظهم، وعندما كتب لهم الرسالة الأولى. وفي هذه المواعظ التي ألقاها، وفي الرسالة الأولى التي كتبها، لم يكن يتبع خرافات ملفقة، مثل خرافات الوثنيين التي تشبه حكايات العجائز (1تيموثاوس 4: 7) بل كان يتحدث عن قوة ربنا يسوع المسيح، التي ظهرت في معجزاته، وفي تعليمه، وفي قيامته بعد صلبه منتصراً على الموت، وفي قدرته المخلّصة لجميع الهالكين. نعم، أن المسيح هو القوي، الذي سيجيء إلى عالمنا مرة ثانية بقوة ومجد كثير، ليدين الأحياء والأموات. «حِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ... وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُّوَةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متى 24: 30).

ويمضي الرسول بطرس فيقول إنه رأى عظمة المسيح بنفسه. ولقد حدث ذلك على جبل التجلّي المقدس، وهو جبل حرمون المرتفع (حرمون معناها مقدس). هناك «تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَٱلنُّورِ» (متى 17: 2)، ثم جاء الصوت من السماء قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا». وسمع بطرس وزميلاه من تلاميذ المسيح هذا الصوت آتياً من السماء. وكان المجد عظيماً حتى قال بطرس: «يامعلم، جيد أن نكون ههنا». نعم، لقد رأوا بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1: 3). وقد صار جبل التجلي مقدساً عند بطرس، لأن مجد المسيح ظهر عليه واضحاً. (إقرأ قصة التجلي في متى 17: 1 - 8).

عزيزي القارئ، إنْ كنت تريد أن ترى مجد المسيح، عليك أن تصعد إلى جبل الصلاة المقدس، وتجلس في حضرة الرب فترى مجد المسيح الكامل. وكلما اقتربت للمسيح بالصلاة اكتشفت مجده العظيم. إنك تستطيع أن تختبر مجد المسيح كل يوم، وتتعلم أكثر عن الحب الإلهي الذي لا نظير له، ويتحقق معك ما قاله المسيح لمرثا: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللّٰهِ؟» (يوحنا 11: 40 - 44).

آية للحفظ

«لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً» (2 بطرس 1: 17).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأنك مستعد أن تعلن لي مجد المسيح، وتطالبني أن أطيع صوت المسيح الذي سُررتَ أنت به. أعطني أن أصعد دوماً على جبل الصلاة، وأن أرتفع دوماً إلى قمم أعلى في طاعتك لإرضائك. وعندما أصرف وقتاً معك عندئذ أرى مجدك الكامل.

ب - إعلان من الوحي

19 وَعِنْدَنَا ٱلْكَلِمَةُ ٱلنَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، ٱلَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ ٱلنَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، 20 عَالِمِينَ هٰذَا أَّوَلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُّوَةِ ٱلْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، 21 لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ (2بطرس 1: 19 - 21).

يعلن الله لنا إعلانات عظيمة في الاختبار، عندما نجلس في حضرته، ونستمع إلى صوته، ونتمتع به في الصلاة. لكن هناك إعلاناً أثبت، وهو الكلمة النبوية التي جاءت في الكتاب المقدس. هي أثبت لأنها مدّوَنة في الكتاب بوحي الروح القدس، وتصبح أكثر ثبوتاً في داخلنا عندما نقول: «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مزمور 119: 11).

وهناك سببان يجعلان الكلمة النبوية أثْبَت:

  1. أنها تحققت بحذافيرها

  2. أنها من وحي الروح القدس

أ - لقد تحققت النبوة بحذافيرها: ويقصد الرسول بطرس بالكلمة النبوية نبوات العهد القديم التي تنبأت بمجيء المسيح بتفصيل مدهش. ولقد تحققت كلها عندما جاء المسيح، فأثبتت الكلمة النبوية أنها أثبت، لأنها تحققت بحذافيرها. ويقول الرسول بطرس إن الكلمة هي سراج منير في موضع مظلم، وقد قال المرنم: «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور 119: 105) وقال النبي إشعياء: «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ» (8: 20) وعندما ننتبه إلى الكلمة المقدسة يحدث معنا ما قاله الرسول بولس: «كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً وَأَمَّا ٱلآنَ فَنُورٌ فِي ٱلرَّبِّ» (أفسس 5: 8).

وعندما نقبل الكلمة في قلوبنا يطلع كوكب الصبح فيها. والمسيح هو كوكب الصبح الذي قال عن نفسه: أنا كوكب الصبح المنير (رؤيا 2: 28) وهو يطلع في قلوبنا عندما يحلّ فيها بالإيمان (أفسس 3: 17)، ويتم معنا قوله: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا 14: 23).

ولسوف ينفجر النهار عندما يجيء المسيح ثانية إلى عالمنا بمجده، وتتحقق بقية النبوات التي جاءت في العهدين القديم والجديد عن ذلك المجئ الثاني. لقد تنبأ العهد القديم بمجئ المسيح الأول. وتنبأ العهدان القديم والجديد بمجيء المسيح ثانية. وقد تحققت الكلمة النبوية الأثبت بمجيء المسيح مولوداً من العذراء مريم، وستتحقق كلها في مجيئه ثانية عندما يجئ على السحاب بمجده.

ب - ويقدم الرسول بطرس سبباً ثانياً يجعلنا ننتبه للكلمة النبوية، وهي أنها موحى بها من

الروح القدس. إنها ليست من تفسير خاص لنبي، ولم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان. لم يكن إشعياء يعلم معنى قوله: «هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً» (إشعياء 7: 14).ولم يكن داود يدرك معنى قوله: «لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً» (مزمور 16: 10). ولكن العهد الجديد وضح لنا هذه المعاني، فأدركنا معنى ميلاد المسيح من عذراء، عندما حبلت العذراء القديسة مريم وولدت المسيح بقوة الروح القدس. وتحقق ما قاله داود في المزامير عندما فسره بطرس في عظته يوم الخمسين وقال إن داود: «سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ ٱلْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً» (أعمال 2: 31).

عزيزي القارئ، الكتاب المقدس هو كلمة الله .. هو إعلانه. هو السراج المنير في الموضع المظلم. هو الذي جاءنا بقوة الروح القدس ومن عند الرب. فأصْلُ الكتاب المقدس إلهي، وكان البشر آلات الروح القدس ليعلنوه لنا في لغتنا، لندرك كلمات الرب التي كلَّمنا بها من السماء بواسطة أولئك الأنبياء. أقرأ الكلمة المقدسة لأنها سراج لرجلك ونور لسبيلك، وتحفَّظْ من اتّخاذ أي مرشد آخر لك، مثل الرؤى والأحلام والإعلانات. فإذا رأيت رؤيا أو تلقيت رسالة، لا تصدقها حتى تقارنها بالكلمة.

آية للحفظ

«ٱلْكَلِمَةُ ٱلنَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، ٱلَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا» (2 بطرس 1: 19).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي لأنك أعلنت لي إعلانات عظيمة في الكلمة المقدسة. ساعدني لأنتبه لكلمتك بأن أدرسها وأشبع منها لتنّور قلبي وطريقي. أشكرك لأنك أنت الذي أرسلتها إلىّ عن طريق أنبيائك القديسين.

ثالثاً - الاحتراس في الحياة المسيحية (2 بطرس 2: 1 - 22)

بعد أن تحدث الرسول بطرس عن صفات الحياة المسيحية، ينتقل ليحذرنا من بعض الأخطاء التي سنلاقيها في سيرنا في حياتنا المسيحية:

  1. تحذير من معلمين كذبة 2: 1 - 3

  2. عقاب المعلمين الكذبة في القديم 2: 4 - 9

  3. صفات المعلمين الكذبة 2: 10 - 22

1 - تحذير من معلمين كذبة

1 وَلٰكِنْ كَانَ أَيْضاً فِي ٱلشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضاً مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، ٱلَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكاً سَرِيعاً. 2 وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. ٱلَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ ٱلْحَقِّ. 3 وَهُمْ فِي ٱلطَّمَعِ يَتَّجِرُونَ بِكُمْ بِأَقْوَالٍ مُصَنَّعَةٍ، ٱلَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ (2بطرس 2: 1 - 3).

يبدأ الرسول بطرس بأن يذكّر قراءه بالمعلّمين والأنبياء الكذبة الذين يبتدعون مذاهب مهلكة بأن ينكروا الرب الذي فداهم. ولا يقفون على المنبر ليعلّموا هذا علناً، لكنهم يدخلون بهذه الأفكار الشريرة من الأبواب الخلفية. إنهم ينكرون أن المسيح اشتراهم بدمه وفداهم من لعنة الخطية، لأنهم لم يستفيدوا شيئاً من هذا الفداء، ولم ينالوا بركة من الدم الذي سفكه المسيح لأجلهم. ولهذا يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وعندما ينظر بطرس إلى نهاية حياتهم يجد الهلاك ينتظرهم. لكنه عندما ينظر إلى نهاية حياته هو، يجد أن خَلْع مسكنه قريب، كما أعلن له ربنا يسوع المسيح (2بطرس 1: 14). وما أعظم الفرق بين طريق المعلمين الصادقين والمعلمين الكذبة!

ومن المؤسف أن أناساً كثيرين سيتبعون تهلكات أولئك المعلمين الكذبة. وكلمة «تهلكة» تعني الدعارة ونجاسة الحياة. إنهم لا يعلّمون تعليماً فاسداً فقط، لكنهم يعيشون عيشة فاسدة أيضاً. ومن الغريب أن طريق التهلكة الملئ بفساد التعليم وفساد الحياة، يجدف على طريق الحق الذي جاء الله به. أليس غريباً أن المعلمين الكذبة يتكلمون ضد الحق؟ أليس غريباً أن الكذب يهاجم الحق، وأن الضلال يهاجم طريق الحياة الأبدية؟

عزيزي القارئ، أرجو أن تحترس من أن يكون سلوكك سبب تجديف على طريق الحق، بل اجتهد أن تسلك في الطريق والحق والحياة.

وفي الآية الثالثة يناقش الرسول بطرس هدف المعلمين الكذبة، الذين في طمعهم يزيّنون الكلام ويتاجرون بالسامعين. ففي سبيل ربح المال يقولون أي شيء يقبله الناس، وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السُّلماء (رومية 16: 18) ولهذا طلب بطرس من رعاة الكنائس أن يرعوا رعية الله لا لربح قبيح بل بنشاط (1 بطرس 5: 2).

عرف الله حالة المعلمين الكذبة ولا بد أن يوقع عقابه عليهم، فإن الحكم عليهم من قديم الزمان لا يبطل، وهلاكهم لا تغمض له عين، فلا بد أن العقوبة آتية.

آية للحفظ

«دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ» (2 بطرس 2: 3).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأن عينك ساهرة على الحق. انك لا تقبل أن الباطل يزيل الحق، لكنك تنصر الحق دائماً. أصلي وأطلب أن تعينني لأثبت في الحق وأقاوم الخطأ.

2 - عقاب المعلمين الكذبة في القديم

4 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ ٱلظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ، 5 وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحاً ثَامِناً كَارِزاً لِلْبِرِّ إِذْ جَلَبَ طُوفَاناً عَلَى عَالَمِ ٱلْفُجَّارِ. 6 وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِٱلٱنْقِلاَبِ، وَاضِعاً عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا، 7 وَأَنْقَذَ لُوطاً ٱلْبَارَّ مَغْلُوباً مِنْ سِيرَةِ ٱلأَرْدِيَاءِ فِي ٱلدَّعَارَةِ. 8 إِذْ كَانَ ٱلْبَارُّ بِٱلنَّظَرِ وَٱلسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ يُعَذِّبُ يَوْماً فَيَوْماً نَفْسَهُ ٱلْبَارَّةَ بِٱلأَفْعَالِ ٱلأَثِيمَةِ. 9 يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ ٱلأَتْقِيَاءَ مِنَ ٱلتَّجْرِبَةِ وَيَحْفَظَ ٱلأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ مُعَاقَبِينَ (2بطرس 2: 4 - 9).

العقوبة التي وقعت على المعلمين والأنبياء الكذبة في الماضي لابد أن تقع على هؤلاء المتاجرين في الدين. ويقدم الرسول بطرس ثلاثة أمثلة عن العقوبة التي حلّت بالخطاة في العهد القديم:

(أ) دينونة الملائكة: فالملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم بل تركوا مسكنهم، حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام (يهوذا 6). ونحن لا نعلم ما هي خطية أولئك الملائكة، ولكن يبدو أنها كانت عدم اكتفائهم برئاستهم. لذلك عاقبهم الله بأن طرحهم في سلاسل جهنم. وهذا يعني أن سلاسل الظلام تمنع الملاك الساقط من الرجوع إلى مسكنه النوراني الأول، ولكنها لا تمنعه من الجَوَلان بين الناس ليضللهم. وهم في سلاسل الظلام محروسين للقضاء، الذي سيجيء عليهم في اليوم الأخير.

إن كان الله قد أدان الملائكة الذين أخطأوا، فلا بد أنه سيوقع العقوبة بالمعلمين الكذبة.

(ب) دينونة العالم القديم: المثل الثاني الذي يقدمه بطرس هو ما حدث أيام نوح أثناء الطوفان. لقد أخطأ الناس كثيراً، وعاقبهم الله بالطوفان. وهذا يعني أن الخطية لا يمكن أن تمضي بغير عقاب. ولقد خَلَصَ من هذا الطوفان ثمانية أشخاص (1بطرس 3: 20) وهذا يعني أن كثرة عدد الأشرار لا يمكن أن تكون سبباً لإفلاتهم من الهلاك. على أن الله أرسل إليهم نوحاً كارزاً بالبر، فوبخهم على الشرور، وطالبهم أن يتوبوا. ولما لم يسمعوا أنزل الله عليهم طوفاناً بسبب خطيتهم.

(ج) سدوم وعمورة: أما المثل الثالث الذي يقدمة بطرس فهو من سدوم وعمورة، إذ أحالهما الله رماداً (تكوين 19: 24 ، 25) وأحرق المدينتين وأهلكهما تماماً. حكم عليهما بالانقلاب كالإنسان المحكوم عليه بالموت، جاعلاً من ذلك عبرة لكل من يعتبر، ودرساً لكل من يجئ بعدهما من الأشرار. وكما أنقذ الله نوحاً وأسرته من الطوفان، أنقذ لوطاً البار وأسرته عندما نقله إلى صوغر (تكوين 19: 21) فميَّز الله بين الأبرار والأشرار. كم تعذَّب لوط وهو يقيم في سدوم وعمورة! لم يشترك مع أولئك الأشرار في شرورهم، ولا بد أنه وعظهم وحاول أن يردّهم إلى طريق البر، ولكنهم سخروا منه ومن حياته وتعليمه، فحلّ عليهم عقاب الله.

ولا بد أن المعلمين الكذبة سيلقون المصير الذي لاقته سدوم وعمورة، والذي لاقاه العالم القديم من قبل بالطوفان.

وفي هذه الأمثله الثلاثة يعلّمنا الرسول بطرس حقيقتين:

  1. لا بد أن الله يوقع العقوبة على الأشرار، ولا ينجو منهم أحد.

  2. يعتني الله بأولاده وينجّيهم من أشد التجارب والضيقات. فالرب يعرف كيف ينقذ الأتقياء من محنتهم، ولكنه يُبقي الأشرار للعقاب يوم الحساب.

آية للحفظ

«يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ ٱلأَتْقِيَاءَ مِنَ ٱلتَّجْرِبَةِ» (2 بطرس 2: 9).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأن الخطية لا يمكن أن تمضي بدون عقوبة. إنك ستعاقب الذين يقاومون الحق، وتكافيء وتنقذ الذين يعيشون معك. ساعدني لأشترك معك في مقاومة الظلام، وساعدني لأحيا في النور.

3 - صفات المعلمين الكذبة

10 وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ ٱلْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ ٱلنَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِٱلسِّيَادَةِ. جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي ٱلأَمْجَادِ 11 حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ، وَهُمْ أَعْظَمُ قُّوَةً وَقُدْرَةً - لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى ٱلرَّبِّ حُكْمَ ٱفْتِرَاءٍ. 12 أَمَّا هٰؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَٱلْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ 13 آخِذِينَ أُجْرَةَ ٱلإِثْمِ. ٱلَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ. 14 لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُّوَةٌ فِسْقاً لاَ تَكُفُّ عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، خَادِعُونَ ٱلنُّفُوسَ غَيْرَ ٱلثَّابِتَةِ. لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِي ٱلطَّمَعِ. أَوْلاَدُ ٱللَّعْنَةِ. 15 قَدْ تَرَكُوا ٱلطَّرِيقَ ٱلْمُسْتَقِيمَ، فَضَلُّوا تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ ٱلَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ ٱلإِثْمِ. 16 وَلٰكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ ٱلنَّبِيِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقاً بِصَوْتِ إِنْسَانٍ. 17 هٰؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا ٱلنَّوْءُ. ٱلَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ. 18 لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ ٱلْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ ٱلْجَسَدِ فِي ٱلدَّعَارَةِ مَنْ هَرَبَ قَلِيلاً مِنَ ٱلَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي ٱلضَّلاَلِ، 19 وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِٱلْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ ٱلْفَسَادِ. لأَنَّ مَا ٱنْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضاً! 20 لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ ٱلْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّصِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضاً فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ ٱلأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ ٱلأَوَائِلِ. 21 لأَنَّهُ كَانَ خَيْراً لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ ٱلْبِرِّ، مِنْ أَنَّهُمْ بَعْدَمَا عَرَفُوا يَرْتَدُّونَ عَنِ ٱلْوَصِيَّةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ ٱلْمُسَلَّمَةِ لَهُمْ. 22 قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِي ٱلْمَثَلِ ٱلصَّادِقِ: «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ، وَخِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ ٱلْحَمْأَةِ (2 بطرس 2: 10 - 22).

بعد أن تحدث الرسول بطرس محذِّراً قرّاء رسالته من المعلمين الكذبة، أوضح لهم أن العقوبات التي وقعت بالأشرار في العهد القديم لا بد أنها ستحلّ بهؤلاء الأشرار. ثم يذكر عشر صفات للمعلمين الكذبة.

  1. أنهم نجسون: «يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة»: (آية 10) «أدناس وعيوب، يتنعمون في غرورهم صانعين ولائم معكم» (13). يقترفون خطية الزنا لأنهم فقدوا الحس فأسلموا نفوسهم للدعارة، ليعملوا كل نجاسة في الطمع. وهم «أدناس» بمعنى أنهم يجلبون الخزي والخجل. يحسبون اللذة في أن يستسلموا للفجور في عّز النهار. هم لطخة عار، إذ يجلسون مع المؤمنين يتناولون وليمة المحبة قبل العشاء الرباني، لأنهم مغرورون بأنفسهم، ولا يتعبَّدون.

  2. المعلمون الكذبة يستهينون بالسيادة: (آية 10) هناك سيادة في الكنيسة هي سيادة القسوس والمعلمين، كما أن هناك سيادة في الدنيا وهي سيادة الحكام والولاة. ولم يحترم أولئك المعلمون الكذبة رجال الدين ولا سَمِعوا لهم، كما لم يحترموا رجال السياسة، مع أن الكتاب المقدس يقول عن رجال الدين: «نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي ٱلرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ» (1 تسالونيكي 5: 12 ، 13). ويقول الكتاب المقدس عن رجال السياسة: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين ٱلْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ ٱللّٰهِ» (رومية 13: 1).

  3. ويورد الرسول بطرس صفة ثالثة هي أنهم جسورون: معجبون بأنفسهم (آية 10) وهذه الجسارة والجرأة الشريرة تظهر في أنهم يرتكبون الخطية بدون خجل، فكل همِّهم أن يرضوا أنفسهم.

  4. مفترون: والمفتري هو المتكبر الذي يظن أنه على حق، ولا يحترم الآخرين أصحاب الأماكن العظيمة. «يفترون على ذوي الأمجاد» الذين هم الله، ورؤساء الكنيسة، ورؤساء السياسة.

    ويقول الرسول في آية 11 إن هؤلاء المعلمين الكذبة بهذا الافتراء يعملون مالم تعمله الملائكة التي سقطت، مع أن الملائكة أعظم قوة منهم. «لا يقدِّمون عليهم لدى الرب حكم افتراء» - ولا ندري عن أي شيء يتكلم الرسول بطرس هنا. هل يتكلم عن مخاصمة ميخائيل للشيطان بخصوص جسد موسى (يهوذا 9)؟ أو هل يتكلم عن هوشع الكاهن والملاك والشيطان (زكريا 3: 2)؟ على أننا ندرك أنه يقول إن هؤلاء المعلمين الكذبة ارتكبوا ما لم يرتكبه الملائكة الذين سقطوا. وهذا يعني أن المعلمين الكذبة أكثر افتراءً من الأبالسة.

  5. إنهم حيوانات غير ناطقة: بمعنى أنهم يعيشون أسرى غرائزهم، لا تحكمهم شريعة ولا قانون. وكما خلق الله الحيوانات للصيد والهلاك فقد جعل هؤلاء عُرضة للهلاك الأبدي. وهم يفترون على ما يجهلون، شأنهم شأن الحيوانات التي لا تفهم والتي لابد تُباد.

  6. انهم قصيرو النظر: «آخذين أجرة الاثم، الذين يحسبون تنعُّم يومٍ لذةً» (آية 13) ولابد أن ينال هؤلاء المعلمون الكذبة أجرة خطيتهم، فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً، فالذي يزرع للجسد يحصد فساداً (غلاطية 6: 7 ، 8) انهم يحسبون لذة يوم واحد تستحق ضياع حياة أبدية، مثل عيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته (عبرانيين 12: 16). أليس مخيفاً أن الإنسان يضيّع الحياة الأبدية بلذَّة عابرة؟ أليس رهيباً أن يخسر الإنسان نفسه وهو يحاول أن يربح العالم كله، فلا هو يربح العالم كله ولا هو يفدي نفسه.

  7. وهم أولاد اللعنة: يلعنون غيرهم فتحلّ بهم لعنة الله، فعيونهم ملآنة بالفسق، لا تشبع من الخطية. وبدل أن يرفضوا الشهوة الشريرة يخدعون نفوسهم، بعد أن درَّبوا نفوسهم على الطمع وزادوا في حب المال.

  8. وهم ضالون: (آيتا 15 ، 16) لقد تركوا الطريق المستقيم - طريق الحق (2: 2) طريق الخلاص (أعمال 16: 17) . وضلوا وتاهوا عن الطريق المستقيم. وفي ضلالهم تبعوا طريق بلعام. ونحن نقرأ عن بلعام وخطئه في سفر العدد أصحاح 22. أراد الملك بالاق أن يعلن شعب الله، فاستأجر بلعام بالمال. ولما لم يستطع بلعام أن يلعن الشعب، نصح بالاق أن يوقع الشعب في خطية الزنا. ولقي بلعام توبيخ تعدِّيه من حماره، فقد صار الحمار أكثر حكمة من بلعام. وهكذا فإن الذين يحبون المال ويتركون نعمة الله، يجدون أنهم صاروا أقل إدراكاً من الحيوانات.

  9. وهم بلا ثمر: (آية 17) يشبّههم أنهم آبار بلا ماء، فهي جافة لا تروي أحداً، تمتليء بالقاذورات. وهم كالغيوم التي لا تحمل مطراً، فتسوقها الرياح، كما يقول سليمان الحكيم: «سَحَابٌ وَرِيحٌ بِلاَ مَطَرٍ ٱلرَّجُلُ ٱلْمُفْتَخِرُ بِهَدِيَّةِ كَذِبٍ» (أمثال 25: 14) انهم يؤذون الآخرين ولا ينفعون أحداً.

  10. وهم مرتدُّون: (آيات 18 - 22) يبدو أن هؤلاء الكذبة كانوا قد هربوا من نجاسات العالم وعرفوا المسيح مخلّصاً، ولكن مشغوليتهم بأمور العالم وبالربح المادي جعلتهم يخسرون العيشة مع المسيح. وأخذوا ينطقون بأقوال طنانة سخيفة، فخدعوا المؤمنين البسطاء الذين هربوا من عبادة الأوثان، وأوقعوهم في ضلال أشر، وهو الحياة المليئة بشهوات الجسد. كان هؤلاء المعلمون الكذبة ينادون بأنه يمكن للإنسان أن يكون مسيحياً وفي نفس الوقت يرتكب خطايا الزنا والنجاسة، فقدموا وعداً للذين ضللوهم أن يعطوهم الحرية، ولكنهم استعبدوهم للشر، فالذي يعمل الخطية هو عبد للخطية (يوحنا 5: 13) والرسول بطرس يقول إن الذين نجوا من الفساد الذي في العالم، بعد أن عرفوا المسيح مخلّصاً، ثم عادوا للوقوع في الخطيئة وانغلبوا منها، يصبح حالهم أسوأ في النهاية منه في البداية. كان خيراً لهم أن لا يعرفوا الصلاح، من أن يعرفوه ثم يرتدّون عن الوصية المقدسة التي تسلّموها.

ويشبِّه الرسول بطرس هذا الموقف ًبحالة الكلب الذي يعود لقيئه، وبالخنزيرة التي تغتسل فتعود مرة أخرى إلى الطين الذي اغتسلت منه، كما يقول سفر الأمثال: «كَمَا يَعُودُ ٱلْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ هٰكَذَا ٱلْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ» (أمثال 26: 11) والرسول يعني أن الذين يرتدّون عن المسيح ويرجعون إلى التعاليم الفاسدة والعقائد الضالة، يشبهون الكلب الذي يتقيأ ثم يرجع ويأكل قيئه، ومثل الخنزيرة التي تتمرغ في الطين العفن بعد أن اغتسلت منه.

عزيزي القارئ، هذه الصفات العشر للمعلمين الكذبة تجعل القراء يبتعدون عنهم ويحترسون منهم. اليوم يوجد معلمون كذبة ينقلون إلينا تعاليم ليست هي تعاليم الحياة الأبدية التي لنا بالمسيح. وما أحوجنا أن نرجع للكلمة المقدسة، فإن «وَعِنْدَنَا ٱلْكَلِمَةُ ٱلنَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، ٱلَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ» (2بطرس 1: 19).

آية للحفظ

«لأَنَّ مَا ٱنْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضاً» (2بطرس 2: 19).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأنك تحذرني من الخطأ. أشكرك لأنك تنبّهني لأبتعد عن الفساد. ساعدني لأكون منتصراً بالمسيح، ولأتبع مثال المسيح وحده.

رابعاً - إنتظار الحياة المسيحية (2 بطرس 3: 1 - 16)

في الأصحاح الأول رأينا الحياة المسيحية. وفي الأصحاح الثاني رأينا ضرورة الاحتراس من المعلمين الكذبة في حياتنا المسيحية. وفي هذا الجزء الأخير من الرسالة يتحدث الرسول عن انتظار الحياة المسيحية لمجيء المسيح ثانية.

نجد في هذا الجزء الأفكار الآتية:

  1. المسيح آتٍ 3: 1 ، 2

  2. شكوك في مجئ المسيح 3: 3 ، 4

  3. تغيير نظام العالم 3: 5 - 7

  4. حساب الله للزمن 3: 8 - 10

  5. ضرورة قداسة الحياة 3: 11 - 16

1 - المسيح آتٍ

1 هٰذِهِ أَكْتُبُهَا ٱلآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، فِيهِمَا أُنْهِضُ بِٱلتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ ٱلنَّقِيَّ، 2 لِتَذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً ٱلأَنْبِيَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ، وَصِيَّةَ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّصِ (2بطرس 3: 1 ، 2).

في هاتين الآيتين يؤكد الرسول بطرس هدفه من كتابة رسالته الثانية، وهو إيقاظ عقول سامعيه ليتذكروا ما سبق أن قاله. إنه واثق أن عقول سامعيه «نقية» بمعنى مُخْلصة طاهرة، لكنهم يحتاجون إلى من يكرر لهم ما سبقأن سمعوه، لأن الإنسان ينسى، وهو محتاج إلى التذكير المستمر، فنحن غالباً نحتاج أن نتذكر ما سبق أن عرفناه أكثر مما نحتاج إلى معلومات جديدة.

وفي الآية الثانية يقول إن هذه الحقائق التي يريد أن يوقظ سامعيه ليتذكروها جاءت في العهد القديم في كتابات الأنبياء القديسين، كما جاءت على فم السيد المسيح، وعلى فم الرسل. فالعهد القديم هو الكلمة النبوية وهو أثبت، التي يفعلون حسناً إذا انتبهوا إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم. والعهد الجديد هو وصايا الرسل، وفيه كلمات السيد المسيح التي تؤكد لنا أنه سيجئ ثانية.

عزيزي القارئ، ما أكثر حاجتنا إلى أن نتذكر أن المسيح آتٍ. «وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ. يَقُولُ ٱلشَّاهِدُ بِهٰذَا: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعاً». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 17 ، 20) فلا تسمح لمشاغل الحياة أن تجعلك تنسى أن المسيح آتٍ ثانية، فقد قال: «اسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ» (متى 24: 42).

هل رأيت وحدة وحي الروح القدس، في العهدين القديم والجديد؟ إن فكر الله موجود بوضوح، بدون تغيير في الكتاب المقدس كله، الذي يتحدث عن المخلّص الوحيد للعالم: السيد المسيح. ولذلك يضع المسيحيون العهدين القديم والجديد، التوراة والإنجيل، داخل غلاف واحد، لأن مصدر الكتابين واحد.

آية للحفظ

«لِتَذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً ٱلأَنْبِيَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ، وَصِيَّةَ ٱلرَّبِّ وَٱلْمُخَلِّصِ» (2 بطرس 3: 2).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك من أجل وحدة الكتاب المقدس بما فيه العهد القديم ونبوات أنبيائه، والأناجيل وما تحوي من كلمات ووصايا الرب والمخلّص، وبقية أسفار العهد الجديد التي هي وحدة واحدة، تذكّرني أن أكون ساهراً مصلياً منتظراًً قرب مجئ يوم المسيح.

2 - شكوك في مجئ المسيح

3 عَالِمِينَ هٰذَا أَوَّلاً: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، 4 وَقَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ ٱلآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هٰكَذَا مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَةِ (2 بطرس 3: 3 ، 4).

كان الرسول بطرس متضايقاً من كلمات وتعاليم المعلمين الكذبة الذين أنكروا مجئ المسيح ثانية، وجعلوا يتساءلون: «أين هو موعد مجيئه؟» لقد قال الرسول بطرس إنهم قوم مستهزئون، بمعنى أنهم يَسْخرون من صدق نبّوات العهد القديم ووحي الأنبياء، مع أن أولئك الأنبياء صَدَقوا عندما تنبأوا أن معلمين كذبة سوف يجيئون في آخر الأيام. ثم يقول الرسول بطرس إنهم سالكون بحسب شهواتهم، لا يخضعون لناموس ولا لشريعة، وهم يثيرون فكرتين ضد مجيء المسيح ثانية:

  1. «أين هو موعد مجيئه؟» يقولون: هذا المجيء تأخر. مع أن المسيحيين علَّموا كثيراً أن المسيح آت سريعاً، ولكنه لم يأت! وعلى هذا فإنه لن يأتي!

  2. كل شيء باقٍ. قال الآباء الذين رقدوا إن الله سيُجري تغييراً عظيماً في العالم عند مجئ المسيح ثانية. وقد مات أولئك الآباء، وكل شيء ثابت كما هو بدون تغيير، وهذا يبرهن أن التغييرات الكبيرة (مثل مجيء المسيح ثانية) لا تحدث في عالمنا هذا!

جاوب الرسول بطرس هذين السؤالين. ففي الآيات 5 - 7 يقول إن العالم ليس ثابتاً، فقد سبق أن تدمَّر في زمن الطوفان، وسيتم تدميره مرة أخرى. وفي الآيات 8 - 10 يقول إن توقيت البشر، وحساب الله في الزمن يختلف عن حساب البشر.

والآن دعونا ندرس ردّ الرسول بطرس على هذين الاعتراضين:

3 - تغيير نظام العالم

5 لأَنَّ هٰذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ: أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ وَٱلأَرْضَ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ قَائِمَةً مِنَ ٱلْمَاءِ وَبِٱلْمَاءِ، 6 ٱللَّوَاتِي بِهِنَّ ٱلْعَالَمُ ٱلْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ ٱلْمَاءُ فَهَلَكَ. 7 وَأَمَّا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ٱلْكَائِنَةُ ٱلآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ ٱلْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ وَهَلاَكِ ٱلنَّاسِ ٱلْفُجَّارِ (2 بطرس 3: 5 - 7).

في هذه الآيات يجاوب الرسول بطرس على المستهزئين الذين يقولون إن الله لا يتدخل في التاريخ. فيقول لهم إن حادثة الطوفان تبرهن أن الله قد تدخَّل فعلاً في التاريخ، وإنهم يعرفون ذلك، ولو أنهم يريدون أن يطمسوا الحقائق. لقد خلق الله الأرض بكلمته، وبأمره، وهي قائمة من الماء وبالماء. قائمة من الماء لأن الله أمر أن يكون هناك جَلَد في وسط المياه ليكون فاصلاً بين مياه ومياه (تكوين 1: 2 - 6) فارتفعت اليابسة وسط الماء. والأرض قائمة بالماء، لأن المطر الذي ينزل من السماء يُروي الأرض فتعطي زرعاً للزارع وخبزاً للآكل. وهذا الماء نفسه هو الذي أهلك العالم قديماً بالطوفان. فالله موجود يتدخل في العالم بأمره، وباستخدام مخلوقاته. لقد أجرى الله تغييراً في العالم إذْ خلق من الماء، وأهلك بطوفان الماء. وهكذا فإن كل شيء ليس باقياً كما كان من البدء.

عزيزي القارئ، الله خلَقَك وأعاد خَلْقَك خليقة جديدة، عندما فتحت قلبك لنعمة المسيح. وهو يتدخل في واقعك اليومي. وهو يتدخل في عالمنا كل يوم بقوانينه التي تحكم العالم. وكل من يتحدى قوانين الله يعرّض نفسه للخطر، كما حدث في أيام نوح.

ويؤكد بطرس في الآية السابعة أن كلمة الله التي أغرقت الأرض بالطوفان هي نفسها التي ستحرق الأرض بالنار في يوم الدين، كما يقول ملاخي: «إن يوم الرب يتَّقد كالتنور» (ملاخي 4: 1) فقدام الله تذهب نار تحرق أعداءه حوله (مزمور 97: 3). نعم سيهلك العالم بلهيب إلهي، ولكن النهاية للمؤمنين ستكون سماءً جديدة وأرضاً جديدة.

آية للحفظ

«وَأَمَّا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ٱلْكَائِنَةُ ٱلآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ ٱلْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ» (2 بطرس 3: 7).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك من كل القلب لأنك تتدخل في التاريخ. أنت حي وموجود وفعال. أُسلمك قلبي وحياتي. أرجو أن تملأ حياتي بحضورك الأبوي، وأن تعلّمني أن أنتظر سماءً جديدة يسكن فيها البر.

4 - حساب الله للزمن

8 وَلٰكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هٰذَا ٱلشَّيْءُ ٱلْوَاحِدُ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. 9 لاَ يَتَبَاطَأُ ٱلرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ ٱلتَّبَاطُؤَ، لٰكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ. 10 وَلٰكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا (2بطرس 3: 8 - 10).

في هذه الآيات يجاوب الرسول على سؤال المستهزئين الذين قالوا: «أين هو موعد مجيئه؟» فيقول إن الزمن نسبي، لأن حساب الله للزمن يختلف عن حساب البشر «لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعد ما عبر، وكهزيع من الليل» (مزمور 90: 4). نحن البشر محدودون بالزمن، ولكن الله غير محدود، فتوقيت الله يختلف عن توقيتنا.

ويقدم الرسول بطرس إجابة ثانية بقوله إن ما يظنه البشر تواطؤاً هو من وجهة نظر الله طول أناة، فإنه يعطي البشر فرصة للتوبة. إن تأخير مجئ المسيح ثانية يعطي فرصة لعدد كبير من الناس ليرجعوا إلى الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تيموثاوس 2: 4) فالله يحب العالم محبة عظيمة، وتوقيته للأمور خاضع لحبه الكامل الذي يريد أن يعطي البشر فرصة للتوبة.

ويؤكد الرسول بطرس في الآية العاشرة أن المسيح آتٍ ثانية في وقت لا يعلمه البشر، كموعد مجئ اللص في الليل. وعندما يجئ سوف يكون مجيئه رعباً للخطاة، «بضجيج»، وتنحل العناصر «محترقة» بمعنى أن السماوات تنحل إلى الأجزاء التي تركّبت منها من قبل، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. إن مجئ يوم الرب كلص كأنه سر، ولكن تأثيره عظيم وواضح. ولقد أصبح تفجير الأرض اليوم بالقنابل ممكناً، ولم يعد مسألة إيمان فقط. إن المسيح آتٍ لا شك في ذلك، وهو لا يتباطأ. فهل سيكون مجيئه بركة لك، لأنك تحبه وتنتظره، أو هل سيكون رعباً لك؟

آية للحفظ

«وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (2بطرس 3: 9).

صلاة

أشكرك ياأبي السماوي لأن حكمتك أعظم من حكمتي. أشكرك لأجل محبتك التي تمنحني فرصة للتوبة. أصلّي أن تعينني لأكلم الآخرين عنك وعن محبتك لأجتذبهم إلى التوبة.

5 - ضرورة قداسة الحياة

11 فَبِمَا أَنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ 12 مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ ٱلسَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. 13 وَلٰكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ. 14 لِذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ، ٱجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ. 15 وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، 16 كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ (2بطرس 3: 11 - 16).

يقول الرسول بطرس إن العالم الذي نعيش فيه يسرع إلى نهايته نحو الدينونة، والمؤمنون ينتظرون أرضاً جديدة وسماءً جديدة. لذلك لابد أن نستعد لهذا العالم الجديد الذي لا مكان فيه للأشرار.

عزيزي القارئ، لا بقاء للعالم الذي نحيا فيه، فالعالم يمضي وشهوته. لا يجب أن نكنز كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وينقب السارقون ويسرقون. إننا هنا غرباء ونُزُلاً، وعلينا أن نتأمل في الآتيات، لأن الأشياء التي تُرى وقتية أما التي لا تُرى فأبدية.

  1. ويوصي الرسول بطرس أن نكون في سيرة مقدسة وتقوى، وكأولاد الطاعة لا يجب أن نشاكل شهواتنا السابقة في جهالتنا، بل نظير القدوس الذي دعانا لنكن قديسين في كل سيرة، لأنه مكتوب: «كونوا قديسين لأني أنا قدوس» (1بطرس 1: 14 - 16).

    وعلينا أن نرّوِض نفوسنا للتقوى، لأن التقوى نافعة لكل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة (1 تيموثاوس 4: 7 ، 8).

  2. ويقدم لنا الرسول بطرس أمراً ثانياً بأن ننتظر مجيء يوم الرب ليتحقق معنا القول: «طُوبَى لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ ٱلَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ ساهراً» (متى 24: 46).

  3. وليس الانتظار فقط، بل أن نطلب سرعة مجئ يوم الرب، بأن نصلي «لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ» (متى 6: 10) وكلنا ثقة في وعد الرب الذي وعدنا بأرض جديدة وسماء جديدة، كما قال الله على فم النبي إشعياء: «لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ ٱلأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ» ( إشعياء 65: 17). وكما يقول في سفر الرؤيا: «ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ ٱلأُولَى وَٱلأَرْضَ ٱلأُولَى مَضَتَا» (رؤيا 21: 1).

  4. ويعلّمنا الانجيل أن السماء الجديدة والأرض الجديدة لن يدخلها شيء نجس ولا ما يصنع رجساً وكذباً (رؤيا 21: 27) والله سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم (رؤيا 21: 3). فإن كان الأمر كذلك فيجب علينا أن نبذل كل جهد لنكون عند الله بلا دنس ولا عيب، كما أراد الله لكنيسته أن تكون مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن، بل تكون مُقدسة وبلا عيب (أفسس 5: 17). ثم أن نكون في سلام، فقد ترك لنا المسيح سلامه الذي لا يمكن للعالم أن يعطيه، ولا يمكن أن ينزعه منا.

  5. وفي الآيتين 15 ،16 يقول لنا الرسول بطرس إننا كجماعة مؤمنين، ننتظر مجئ ربنا، يجب أن نحسب أناته خلاصاً. فإن أناة الله تشاء أن يُقبِل الجميع إلى التوبة لننال الخلاص، الذي هو النجاة الكاملة من كل خطية ونتائجها. ويقول الرسول بطرس إن بولس أخاه الحبيب قد كتب عن هذه الأمور في رسائله، بحسب الحكمة التي أعطاها الله له، ولو أن بعض المعلمين الكذبة يحرّفون ما قاله بولس وغيره من الرسل ليُهلكوا أنفسهم. لقد كتب بولس أشياء عسرة الفهم تتعلَّق بالأمور المستقبَلَة والأمور الروحية التي يصعب على الإنسان الطبيعي أن يقبلها. فأخذ المعلمون الكذبة يستهزئون ويحرّفون ما كتبه بولس، كما فعل هيمينايس وفيليتس اللذان قالا إن القيامة قد صارت فقلبا إيمان قوم (2تيموثاوس 2: 8) الأمر الذي أزعج كثيرين، وكان سبباً في هلاكهما.

عزيزي القارئ، سيجئ المسيح ثانية لا ريب في ذلك، ومجيئه يجعلك تستيقظ لتحيا الحياة المقدسة، ولتنتظر سرعة مجيء الرب، ولتجتهد أن تكون عنده بلا دنس، ولتدرس الكتب المقدسة ولتفتح قلبك لمعرفة الحق الإلهي.

آية للحفظ

«مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ» (2 بطرس 3: 12).

صلاة

أبي السماوي، أشكرك لأنك تؤكد لي أن المسيح آتٍ. ساعدني لأحيا الحياة المقدسة، ولأكون بلا عيب ولا دنس، ولأحيا في سلام. ساعدني لأكون ساهراً يقظاً منتظراً مجيء ربنا.

خامساً - الخاتمة

17 فَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، ٱحْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ ٱلأَرْدِيَاءِ فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ. 18 وَلٰكِنِ ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. لَهُ ٱلْمَجْدُ ٱلآنَ وَإِلَى يَوْمِ ٱلدَّهْرِ. آمِينَ (2بطرس 3: 17 ، 18).

يختم الرسول بطرس رسالته بأن يحذّر المسيحيين أنهم بلا عذر إذا قبلوا تعاليم المعلمين الكذبة، لأنه قد سبق أن علّمهم وكتب لهم، محذراً من ضلال الأردياء. لقد عرف المؤمنون العقيدة الصحيحة من كتابات بولس ومن كتابات بطرس، وهو يريدهم أن يثبتوا في ما تعلّموه. لقد حذرهم من الضلال لأنه يضرّ النفس كما يضر السمُّ الجسم.

ويطلب بطرس من المؤمنين أن ينموا في النعمة، فالحياة المسيحية ليست جامدة، ولكنها حياة نمو مستمر.

قال أحدهم إن المؤمن يشبه شخصاً يركب درَّاجة. انه لا يستطيع أن يتراجع إلى الخلف، ولا يستطيع أن يتوقف، بل يجب أن يتقدم دوماً إلى الأمام.

عزيزي القاريء، عليك أن تفحص نفسك: ما هو مقدار تقدُّمك في الإيمان؟ هل تزيد في معرفة المسيح وفي محبته؟

ويختم الرسول رسالته كما بدأها بأن يطلب من المؤمنين أن ينموا في معرفة الرب، لأن هذا النمو يحفظهم من الضلال، ويثبِّتهم في القداسة. وهو يقدِّم المجد للمسيح الذي يجب أن شعبه يسبحه في كل مكان، فياله من مخلّص عظيم! له المجد الآن، لأنه حي في وسطنا، وإلى يوم الدهر. هو الأزلي الأبدي «من قبل إبراهيم أنا كائن» وهو الذي يدين الأحياء والأموات.

عزيزي القارئ، انْمُ في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح، لتبقى في ثباتك في محبة الله منتظراً مجيئه ثانية.

آية للحفظ

«ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2بطرس 3: 18).

صلاة

أشكرك يا أبي السماوي لأجل التحذيرات الكثيرة والتعاليم التي تملأ صفحات الكتاب المقدس. إملأ قلبي بتعاليمك لأستطيع أن أنمو في معرفة المسيح.

المسابقة الثانية في دراسة رسالة بطرس الثانية

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره تستطيع أن تجاوب بسهولة على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إن جاوبت إجابة صحيحة على عشرة من الأسئلة الأربعة عشر التالية نرسل لك كتاباً جائزة.

  1. لماذا دعا بطرس الإيمان بأنه «إيمان ثمين»؟

  2. ما معنى «شركاء الطبيعة الإلهية»؟

  3. ما معنى أن المسيح يُدخلنا ملكوته «بسَعَة»؟

  4. أذكر عامليْن يجعلاننا نذكر كلمات الرب لنا.

  5. لماذا يسمِّي الرسول بطرس جبل التجلي «الجبل المقدس»؟

  6. كيف تُثبت أن الكتاب المقدس هو وحي الله؟

  7. كيف تاجر المعلِّمون الكذبة في طريق الطمع؟

  8. كيف رمَّد الله مدينتي سدوم وعمورة؟

  9. ما هي صفات المرتدّ؟

  10. أذكر آية قالها المسيح تؤكد مجيئه ثانيةً.

  11. ما معنى أن الأرض قائمةٌ من الماء وبالماء؟

  12. لماذا يتأنى الله علينا؟

  13. كيف تنتظر مجئ يوم الرب؟

  14. كيف تنمو في معرفة الرب يسوع؟

ارسل إجابتك لنا بخط واضح، ولا تنْسَ أن تكتب عنوانك كاملاً بوضوح. أرسل الإجابة فقط، بدون تعليقات أخرى لئلا تُهمل. ونحن في إنتظار إجابتك.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany