العودة الى الصفحة السابقة
إرادة الله قداستكم

إرادة الله قداستكم

دروس من رسالتي تسالونيكي

الدكتور القس منيس عبد النور


Bibliography

إرادة الله قداستكم (دروس من رسالتي تسالونيكي). الدكتور القس منيس عبد النور. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1984. SPB 3820ARA. English title: The Will of God: Your Sanctification (1 and 2 Thessalonians). German title: Der Wille Gottes-Eure Heiligung (1 und 2 Thessalonicherbrief). Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

إرادة الله قداستكم (دروس من رسالتي تسالونيكي)

مقدمَة

يحتوي العهد الجديد على ٢١ رسالة كتبها خمسة من الرسل. والرسالة خطاب يرسله الرسول الى شخص أو الى جماعة من الناس بقصد خاص. ونجد في رسائل العهد الجديد:

  1. رسالة مُرسَلة الى شخص، مثل رسالة بولس الى تلميذه تيموثاوس أو تيطس أو الى فليمون.

  2. الى كنيسة واحدة، مثل رسائل بولس الرسول الى فيلبي أو تسالونيكي. وهي رسائل خاصة تعالج حالات خاصة.

  3. رسالة مُرسلة الى عدة كنائس، واسمها رسالة دوريّة، بمعنى أنها تدور على كنائس مختلفة، فتقرأها كنيسة ثم ترسلها إلى كنيسة أخرى، مثل الرسالة التى أرسلها الرسول بولس الى كنيسة أفسس.

والرسالة تردّ على مجموعة أسئلة وجّهها أعضاء الكنيسة الى بولس، وتعالج بعض المشاكل التى نجدها في الكنيسة.

كاتب الرسالتين

كاتب رسالتي تسالونيكي هو بولس الرسول الذي كان قبلاً يحمل اسم شاول الطرسوسي. وشاول معناه «المطلوب أو المرغوب فيه» ،أما بولس فمعناه «صغير». وقد جرى التغيير العظيم في حياة شاول حتى صار بولس في لقاء شخصي مع المسيح، عندما قابله في الطريق الى دمشق وتحدث معه وغيّر حياته. وقد ورد ذكر قصة تجديد شاول وتحّوُله الى بولس، ثلاث مرات في سفر الأعمال في اصحاحات ٩ ، ٢٢ ، و ٢٦.

ويقولون إن شاول الطرسوسي أخذ اسم بولس من اسم أول شخص ربحه الى المسيح، كما يأخذ القائد اسم المدينة التي انتصر عليها أو الموقعة التى كسبها فى الحرب. وكان بولس اسم أول من تجدد على يدي شاول، وهو والي جزيرة قبرص، واسمه الكامل سرجيوس بولس، ولذلك فقد أخذ شاول اسم بولس. ونجد قصة تجديد «سرجيوس بولس» في سفر أعمال الرسل أصحاح ١٣.

مدينة تسالونيكي

في أيام الرسول بولس كانت مدينة تسالونيكي (المعروفة اليوم باسم سالونيك في اليونان) مدينة هامة، وقد جعلها تاريخها كذلك، ففي سنة ٣١٥ ق.م. أعاد اسكندر بن أنتيباتر بناء مدينة ثرما (بمعنى ينابيع ساخنة، لوجود ينابيع ساخنة فيها) وأقامها مدينة عظيمة، اطلق عليها اسم مدينة تسالونيكي، وهو اسم زوجته ابنة فيليب المقدوني، وأختاً غير شقيقة للإسكندر الأكبر. وقد جعل الرومان هذه المدينة عاصمة للمقاطعة الجديدة التي تكّوَنت حول هذه المدينة، مما زاد عدد سكانها حتى بلغ مائتي ألفاً من البشر. وقد أضاف موقع المدينة الى أهميتها الشيء الكثير، فقد كانت من أكبر المدن المقامة على الطريق الإغناطي، وهو الطريق الحربي العظيم الذي يربط روما بالشرق، والذي كان يوازي ساحل البحر، ويتصل بالطريق المؤدي الى كورنثوس. وكانت تسالونيكي تقع في الشمال الغربي من بحر إيجه، ولها ميناء عظيم، فكانت قاعدة للسفن الحربية الرومانية، وهكذا كانت الطرق الحربية وطرق التجارة الهامة تمرُّ بها.

وقد أدَّت الأهمية التجارية لمدينة تسالونيكي الى نتيجتين مهمتين:

  1. لقد صارت تسالونيكي مدينة غنية، سكنها أغنى أغنياء الرومان، ولذلك فقد اجتذبت اهتمام التجار اليهود الذين وجدوا فائدة كبيرة في المدينة (أعمال ١٧: ٤). ويُقال إن سُدْس سكانها كانوا من اليهود، قصدوها لجودة متاجرها، وكان فيها نحو عشرين مجمعاً يهودياً.

  2. كانت شهرة تسالونيكي كبيرة في الشر، فبما أنها مدينة ساحلية وتجارية كان يزورها الكثيرون جداً من الغرباء عنها، ويسكنها مختلف أنواع البشر، ممّا جعلها مدينة خاطئة، لأن الغريب يتحلل عادة من المبادئ الأخلاقية التي يفرضها عليه مجتمعه - وهكذا شأن معظم المدن الساحلية التجارية.

وكانت مدينة تسالونيكي مدينة حرة، يقوم أهلها بإدارة شئونها الداخلية. وبالرغم من انها كانت محل سكن الحاكم الروماني، إلا أن أهلها كانوا يشرفون عليها تماماً في كل أمورها السياسية، ولذلك فقد كانوا حسّاسين للغاية لإعلان ولائهم للإمبراطور الروماني، وما أن شعروا أن الرسول بولس يهدّد صلتهم بالرومان (أعمال ١٧: ٦) حتى قاموا ضده قومة كبيرة، وكانت التهمة التي وجّهوها الى الرسول بالخيانة العظمى من أكبر التهم الخطيرة التي يمكن أن تُثار ضد إنسان (أعمال ١٧: ٧).

كنيسة تسالونيكي

أنشأ الرسول بولس كنيسة تسالونيكي بمساعدة سيلا (وهو نفسه سلوانس) وتيموثاوس، وذلك أثناء رحلته التبشيرية الثانية سنة ٥٢ ميلادية. وتسالونيكي الكنيسة الثانية التي أنشأها بولس في أوروبا (أعمال ١٧: ١ - ٩). وعندما وصل بولس الى تسالونيكي كان لم يزل يتألم مما قاساه في فيلبي من الجَلْد والسَّجْن، ولذلك فقد بدأ حسب عادته بتبشير اليهود في مجمعهم، لكنهم لم يقبلوه إلا ثلاثة سبوت، فانصرف عنهم الى الأمم. ولا نعلم كم من الزمن صرفه بولس في تسالونيكي، لكننا نعلم أنه بقي وقتاً كافياً لينشئ كنيسة كبيرة، بعض أعضائها من اليهود وأكثرهم من الأمم، بدليل القول: «فَٱقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ (أي من اليهود) وَٱنْحَازُوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلا، وَمِنَ ٱلْيُونَانِيِّينَ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ (أي من الدخلاء) جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْمُتَقَدِّمَاتِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» (أعمال ١٧: ٤) ومما يؤيد أن أكثر أعضاء كنيسة تسالونيكي كانوا من الأمم ما نجده في الرسالة نفسها، إذ ليس فيها أي اقتباس من العهد القديم، وليس فيها حجج مبنيَّة على التوراة، ولا إشارة الى شيء من تاريخ اليهود، بل انه يقول لهم: «رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيّ» (١ تسالونيكي ١: ٩).

وقد قبل هؤلاء كلمة الله بسرور وثبتوا على الإيمان في شدائد واضطهادات كثيرة.

ولم يشأ الرسول بولس أن يكلف أهل تسالونيكى شيئاً من أمور حياته، ولذلك كان يشتغل بيديه ليحصل على المال الذي يحتاجه للحياة. كما أن أهل كنيسة فيلبي أرسلوا اليه مالاً مرة ومرتين لمساعدته (فيلبي ٤: ١٦).

وقد حسد اليهود بولس على نجاحه بين الأمم وبين الدخلاء، فهيّجوا عليه الشعب، مُدَّعين أن تبشيره بملكوت المسيح خيانة للامبراطور كلوديوس قيصر، فاضطر الإخوة المؤمنون أن يرسلوا بولس ليلاً الى بيرية (أعمال ١٧: ٥ - ١٠). وقد أراد بولس مرتين أن يزور أهل تسالونيكي وهو في أثينا، لكنه لم يستطع. والأرجح أنه زارهم بعد ذلك وهو يزور منطقة مكدونية.

وقد استمرت كنيسة تسالونيكي مشهورة ناجحة قروناً طويلة، فحملت رسالة الإنجيل إلى أهل بلغاريا والصرب، ونقلتهم من الوثنية الى الإيمان بالمسيح. وسُمَّيت تسالونيكي «المدينة الارثوذكسية» أي المتمسكة بالايمان القويم، لشدة اجتهاد المؤمنين فيها في المحاماة عن حق الإنجيل.

وقت ومكان كتابة رسالتي تسالونيكي

كتب بولس رسالتي تسالونيكي من كورنثوس أثناء إقامته هناك مدة سنة ونصف سنة. كتب الرسالة الأولى في أثناء الفترة الأولى من إقامته في كورنثوس بعد أن رجع تيموثاوس من تسالونيكي بتقرير يشرح تقدُّم الكنيسة. أما الرسالة الثانية فقد كُتبت بعد الأولى بشهور قليلة، أغلب الظن أن الرسالتين كُتبتا في سنة ٥١ ، ٥٢ للميلاد. وأدلة ذلك أن سلوانس (سيلا) وتيموثاوس كانا مع بولس الرسول في كورنثوس حين كتب الرسالتين، ونعلم أنهما أتيا إليه وهو في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥).

وأغلب الظن أنَ الرسالة الأولى إلى تسالونيكي هي أقدم سِفْر كُتب في العهد الجديد - فهي أول تسجيل للخبر المفرح.

أهداف كتابة رسالة تسالونيكي الأولى

كتب بولس الرسالة الأولى بعد التقرير العظيم الذي جاءه به تيموثاوس، بعد أن زار مدينة تسالونيكي. ومن أهداف كتابة الرسالة الأولى:

  1. أن يعبّر بولس عن شكره لله على إيمان أهل تسالونيكي وأن يشجع المؤمنين هناك.

  2. كتب بولس الرسالة الأولى ليدافع عن نفسه ضد اليهود الذين قاوموا المسيحية وتحدثوا ضده، ونعتقد أن أولئك اليهود هاجموا أمانة بولس وشرفه، فقالوا إنه لم يرجع إلى المدينة بالرغم من وعده أن يرجع لزيارتها، وذلك لأن بولس مهتمٌّ بالمكسب الذي يربحه، وليس بتبشير تلك المدينة العظيمة. ولذلك فإن الأصحاحات الثلاثة الأولى من الرسالة الأولى تحتوي على ردود بولس ضد هذه الاتهامات، التي يظهر أن بعض الناس كانوا قد صدَّقوها. ولا شك أن دفاع بولس ضد هذه الاتهامات كان هاماً ليقبل الناس في مكدونية الرسالة التي جاء الرسول بولس بها.

  3. وكان الرسول بولس يريد أن يشجّع المؤمنين الجُدد ليثبتوا في الايمان في مواجهة الاضطهادات والضغوط التي كانت قاسية عليهم، بعد أن تحّوَلوا من الوثنية إلى الإيمان المسيحي.

  4. كتب الرسول الرسالة الأولى لتسالونيكي ليجاوب على سؤال بخصوص المؤمنين الذين ماتوا قبل مجئ المسيح ثانية، ونجد إجابة بولس هذه في الأصحاح الرابع.

  5. وفي الرسالة الأولى لتسالونيكي يعالج الرسول بولس بعض الأمور الخاصة بالعبادة. صحيح أن الديانة المسيحية تحضّ على العطاء والكرم، لكنها تحضّ أيضاً على العمل حتى لا يكون شخص عالة على شخص آخر. كما أن كنيسة تسالونيكي واجهت بعض سوء التفاهم حول موضوع عمل ومواهب الروح القدس، والرسول يعالج هذه الأمور في الرسالة الأولى.

رسالة تسالونيكي إذاً رسالة راعٍ فرحان برعيّته، سعيد بتقدُّمها، ويريد أن يشجّعهم ليستمروا في الإيمان. إنها رسالة تدفئ القلب، وترينا كيف كان الرسول يحب الكنيسة التي أسّسها.

أهداف كتابة الرسالة الثانية إلى تسالونيكي

أما الرسالة الثانية الى تسالونيكي فقد هدف فيها الرسول الى الأمور التالية:

  1. كان قد تلقى معلومات عن أن أهل تسالونيكي ثابتون في الإيمان بالرغم من الاضطهاد، ولذلك فانه يمدح إيمانهم.

  2. ويعالج الرسول بولس في رسالته الثانية مسألة غمضت على أهل تسالونيكي ولم يفهموها، بخصوص التعليم الذي علَّمه الرسول عن يوم الرب، فقد ظن البعض أن يوم الرب قد بدأ، وأنهم يجوزون في الدينونة التي تكلم عنها الرسول بولس في الرسالة الأولى. والرسول يقول إنهم ليسوا تحت الغضب، ويصحّح لهم مفهومهم الخاطئ.

  3. وأخيراً، يقدم الرسول تحذيراً عما جاء في الرسالة الأولى (٥: ١٤) عن السلوك غير المنضبط. ويبدو أن حالة الكنيسة قد زادت سوءاً، ولذلك قدم لهم مزيداً من المعلومات لإصلاح هذا الخطأ.

كان الرسول حريصاً أن يمدح أهل تسالونيكي على الصلاح الذي يستحقونه، لكنه كان جاداً في أن يصلح الخطأ في العقيدة، وفي ممارسة الإيمان المسيحي.

الرسالة الأولى إلى تسالونيكي

ملخص رسالة تسالونيكي الأولى

أولاً : التحية ١: ١

ثانياً : بولس يمدح أهل تسالونيكي ١: ٢ - ١٠

ثالثاً : سلوك بولس مع أهل تسالونيكي ٢: ١ - ١٢

  1. سلوك محبة ١ - ٩

  2. سلوك طهارة ١٠ - ١٢

رابعاً : بولس يهتم بأهل تسالونيكي ٢: ١٣ - ٣: ١٣

  1. بولس يهتم بآلام أهل تسالونيكي ٢: ١٣ - ٣: ٥

    1. الاهتمام بسبب الآلام ٢: ١٣ - ٢٠

    2. الاهتمام بعلاج الآلام ٣: ١ - ٥

  2. بولس يهتم بنقائص إيمان أهل تسالونيكي ٣: ٦ - ١٣

خامساً: ضرورة نمو أهل تسالونيكي روحياً ٤: ١ - ١٢

  1. النمو في الطهارة ١ - ٨

  2. النمو في المحبة ٩ ، ١٠

  3. النمو في العمل الجاد ١١ ، ١٢

سادساً: تعليم عن رجاء القيامة ٤: ١٣ - ١٨

سابعاً : تعليم عن يوم الرب ٥: ١ - ١١

  1. موعد يوم الرب غير معروف ١ - ٣

  2. الحاجة إلى السهر ٤ - ١١

ثامناً : وصايا عن الحياة المسيحية العملية ٥: ١٢ - ٢٤

  1. نصيحة بخصوص القادة ١٢ - ١٣

  2. نصائح بخصوص جماعة المؤمنين ١٤ ، ١٥

  3. نصائح من جهة الحياة الشخصية ١٦ - ٢٤

تاسعاً : خاتمة الرسالة ٥: ٢٥ - ٢٨

أولاً - التحية

١ بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (١ تسالونيكي ١: ١).

كان الكاتب زمن كتابة رسالة تسالونيكي يبدأ الرسالة بكتابة اسمه. لقد تعّودنا نحن أن نكتب اسماءنا في نهاية الرسالة التي نرسلها، وعلى ذلك فإن قارئ الرسالة يبدأ بأن ينظر الى آخرها ليرى اسم الراسل. أما الرسول بولس فقد كتب(حسب عادة أهل زمانه)اسمه واسم شخصين آخرين أرسلا هذه الرسالة الى كنيسة تسالونيكي: «بولس وسلوانس وتيموثاوس الى كنيسة التسالونيكيين».

أحيانا كان الرسول بولس يقول عن نفسه إنه «رسول» (غلاطية ١: ١) وأحياناً «عبد» (رومية ١: ١) لكن هنا يذكر اسمه مجرداً عن كل لقب، ويذكر معه اسمي سيلا (هو نفسه سلوانس) وتيموثاوس، لا لأن سيلا وتيموثاوس اشتركا في كتابة الرسالة معه، لكن لأنهما كانا معه أثناء وجوده في تسالونيكي، ولأنهما ساعداه على تأسيس الكنيسة هناك (أعمال ١٦: ١ - ٣ و ١٧: ١ ، ١٤). ولابد أنهما رفعا كنيسة تسالونيكي بالمحبة في صلواتهما.

أما سلوانس فهو نفسه المذكور في سفر الأعمال باسم سيلا، وسُمّي سلوانس في رسائل بولس. وهو من متنصّرِي اليهود، وعضو في كنيسة أورشليم من الأعضاء المتقدمين (أعمال ١٥: ٢٢) وقد كان واعظاً وكان يتمتع بالجنسية الرومانية (اعمال ١٦: ٣٧). وقد عيَّنه مجمع أورشليم رفيقاً لبرنابا وبولس عندما رجعا الى أنطاكية يحملان حكم مجمع أورشليم الى الكنائس (أعمال ١٥: ٢٢) ثم ذهب سيلا من أنطاكية إلى أورشليم، ولكنه رجع اليها سريعاً، ورافق بولس في رحلته التبشيرية الثانية (أعمال ١٥: ٤٠ ، ١٦: ١٩ ، ١٧: ٤). ولما ذهب بولس إلى بيرية ترك سلوانس فيها مع تيموثاوس. ولا نعلم ماذا فعل بعد ذلك حتى التقى ببولس في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥) والمرجح أن سلوانس رجع الى أورشليم مع بولس. ولم يذكر بعد ذلك أنه رافق بولس الرسول.

أما تيموثاوس فإنه تلميذ بولس (أعمال ١٦: ١٠) ويذكره الرسول بعد سلوانس لأنه أصغر من سلوانس سناً، كما أنه أقل منه خدمة في الكنيسة.

أما الذين أرسل الرسول الرسالة اليهم فهم كنيسة التسالونيكيين. ومعنى كلمة كنيسة «مدعوون من» و «مدعوون الى..» فهؤلاء كنيسة «مدعوون من» الله الآب والرب يسوع المسيح. كانوا قبلاً في العالم وفي الظلمة وفي خطاياهم، لكن الله دعاهم ليصيروا فيه، لاتِّحادهم بالمسيح ولإيمانهم به. والرسول بولس ينبّر هنا على الوحدة الموجودة بين الآب والابن، وعلى الوحدة الموجودة مع المؤمنين في الله. هل أنت «في الله»؟

ثم يحيّي الرسول بولس أهل تسالونيكي بقوله «نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح». والنعمة هي تحية اليوناني لزميله اليوناني، وهي أمنية بجمال الحياة مجاناً لشخص لا يستحق. أما السلام فهو تحية اليهودي لزميله اليهودي، وهي تعني الخير الأعظم. ويجمع بولس سلام اليونان وسلام اليهود، لأن الكنيسة تضم مؤمنين من خلفية وثنية ومن خلفية يهودية، كانوا يتمنّون لبعضهم النعمة والسلام. لكن هذه الأمنية لا يمكن أن تتحقق إلا في المسيح فقط، ففيه وحده يصبح السلام والنعمة ممكنَينْ، فلا يمكن أن تصبح الأمنية حقيقة إلا في المسيح يسوع ربنا ومن الله أبينا.

عزيزي القارئ، هناك حرب بين الناس وبين الله، وهم يقولون له «ابعُدْ عنّا» ولكن الله يريد أن يُنعم علينا بالسلام. وهذا السلام ممكن فقط في المسيح، وهو الذي يجعلنا نقف من الله موقف الأبناء لا موقف العبيد والغرباء.

بهذا السلام يصبح لنا سلام مع الله، ويتحقق فينا ما جاء في (رومية ٥: ١) «إِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلإِيمَانِ لَنَا سَلامٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ». ان الله يدعوك إلى سلام معه بإنعام منه. يدعوك بأن تتوحد مع غيرك من المؤمنين بالمسيح، فتكونون معاً جسد المسيح الواحد المنظور في العالم.

النعمة إذاً تسبّب فرحنا، لأنها تمنحنا نعمة الله التي لا نستحقها كهدية مجانية بالخلاص. وموت المسيح من أجلنا هو الذي دفع حسابها. وعندما نقول كلمة «سلام» اليوم فإننا نقصد بها عدم وجود حرب. لكن الكتاب المقدس يقصد بها وجود توافق بين الله والبشر ينتج نجاحاً روحياً. وهذا التوافق بين الله والبشر لا يمكن أن يتم إلا بواسطة كفارة المسيح. ويذكر الرسول النعمة أولاً، ثم يذكر السلام بعد ذلك، لأننا لا يمكن أن نحصل على سلام حقيقي حتى ينعم الله علينا بنعمته في قلوبنا.

آية للحفظ

«نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (١تسالونيكي ١: ١)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تعلّمنا عن وحدانية المؤمنين معك. نصلي أن تجعلنا نعامل غيرنا من المؤمنين بمحبة، وأن نعيش معهم بسلام، ولْيفِضْ في قلوبنا سلامك ونعمتك.

سؤال

1- ما معنى كلمة «كنيسة في الله»؟

ثانياً - بولس يمدح أهل تسالونيكي

٢ نَشْكُرُ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا، ٣ مُتَذَكِّرِينَ بِلا ٱنْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ، رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، أَمَامَ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا. ٤ عَالِمِينَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱللّٰهِ ٱخْتِيَارَكُمْ، ٥ أَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِٱلْكَلامِ فَقَطْ، بَلْ بِٱلْقُّوَةِ أَيْضاً، وَبِالرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَالٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ. ٦ وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ ٱلْكَلِمَةَ فِي ضِيقٍ كَثِيرٍ، بِفَرَحِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، ٧ حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ. ٨ لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضاً قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِٱللّٰهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئاً. ٩ لأَنَّهُمْ هُمْ يُخْبِرُونَ عَنَّا أَيُّ دُخُولٍ كَانَ لَنَا إِلَيْكُمْ، وَكَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ، ١٠ وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي (١ تسالونيكي ١: ٢ - ١٠).

يبدأ الرسول بولس رسالته بأن يمدح أهل تسالونيكي، ويرفع الشكر الى الله من أجلهم، ويقول إنه يصلي من أجلهم دائماً «ذاكرين إياكم في صلواتنا». لقد كان أهل تسالونيكي في قلب الرسول بولس، يفكر فيهم لأنه أبوهم الروحي، وهو يقدم الشكر على ثلاثة أشياء:

  1. عمل ايمانهم - العمل الذي نتج عن تصديق الله ومواعيده، وتسليم النفس له.

  2. تعب محبتهم - وهو المجهود الذى بذلوه باستمرار، محبةً في الله وفي الناس.

  3. صبر رجائهم - وهو الأمل في الرب الذي جعلهم يحتملون المتاعب «صابرين في الرجاء».

هذه الثلاثة : الايمان والمحبة والرجاء، اعتبرها الرسول المبادئ الجوهرية الأساسية الدائمة للحياة المسيحية «أَمَّا ٱلآنَ فَيَثْبُتُ ٱلإِيمَانُ وَٱلرَّجَاءُ وَٱلْمَحَبَّةُ، هٰذِهِ ٱلثَّلاثَةُ» (١كورنثوس ١٣: ١٣).

١ - عمل إيمانهم: وهذا أول ما يقدم الرسول الشكر عليه.

وقد يشير هذا إلى عمل الإيمان الذي جاءهم بالخلاص. أو قد يشير إلى عمل الإيمان الذي يتبع الخلاص. وأغلب الظن أن الرسول بولس يقصد به العمل الذي قاموا به بعد أن نالوا الخلاص. لقد سبق أن آمن أهل تسالونيكي بالمسيح، والإيمان يعني الاقتناع. فقد اقتنعوا بخطئهم وبشدة حاجتهم للمسيح الفادي والمخلّص، كما اقتنعوا بصدق رسالة الانجيل.

والإيمان يعني القبول، فبعد أن اقتنعوا بحاجتهم إلى المسيح فتحوا قلوبهم ليقبلوه مخلّصاً «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا... مِنَ ٱللّٰهِ» (يوحنا ١: ١٢ ، ١٣) فالمؤمنون باسمه هم الذين قبلوه، وهم الذين وُلدوا من الله.

والإيمان يعني الأمانة، فالذي يقتنع بحاجته الى المسيح، ويقبل المسيح، يعيش أميناً للمسيح.

لقد ظهر «عمل إيمان» أهل تسالونيكي، ولذلك كان الرسول واثقاً أنهم أحباء الله. سبق أن الله أحبهم، وهو يحبهم الآن، ومحبته لهم مستمرة في المستقبل. ونتيجة لهذه المحبة المستمرة اختارهم الله ليكونوا مِلْكاً له، ونتيجة لهذا الاختيار النابع من محبة الله قبل أهل تسالونيكي إنجيل المسيح - الخبر المفرح - الذي جاءهم الله به. ويقدم الرسول بولس خمسة أوصاف لطريقة وصول الانجيل الى أهل تسالونيكي:

  1. لم يصِرِ الإنجيل اليهم بالكلام فقط، بمعنى أن إيمانهم لم يكن نتيجة بلاغةٍ واقتناعٍ بكلام، أو بتأثيرٍ في عاطفة - لكن إيمانهم جاء نتيجة قبولهم لما أعلنه الله لهم على فم بولس.

  2. بل بالقوة أيضاً، فقد صاحبت الكلمة المقدسة قوة إلهية، لأن الكلمات مهما سمت قوتها لا تقدر أن تغيّر. لكن التغيير يجئ من قوة الله المصاحبة للكلمة.

  3. وبالروح القدس، مصدر تلك القوة. فان الروح هو الذي أعطى بولس قدرة على التبشير، فحيث الروح تُوجد القوة، وحيث اللاروح يكون الكلام مجرد كلام في الهواء بدون نتيجة. والروح القدس هو الذي يشهد للمسيح ويقنع السامع بصدق الانجيل.

  4. و «بيقين شديد» أى «لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ ٱلْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ» (كولوسى ٢: ٢). فالرب الذي قّوَى بولس على التبشير فتح قلوب أهل تسالونيكي ليقبلوا كلمة الله بكل ثقة. كان الرسول في يقين شديد أن ما يقوله صحيح، وكان أهل تسالونيكي في يقين شديد أن ما سمعوه صحيح، لأن الروح القدس شهد لقوة الكلمة وفعاليتها فأثمرت إيماناً عاملاً في قلوب السامعين.

  5. «كما تعرفون أيّ رجال كنا بينكم من أجلكم». لقد كانت حياة الرسول بولس سنداً لكلامه. كانت أمانته في التبشير واجتهاده في أن يجعل كلامه مقبولاً بواسطة حياته وسلوكه، سبب تأثير في أهل تسالونيكي، ولذلك فإنه نفذ الوصية التي قالها لأهل كولوسي: «اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ» (كولوسي ٤: ٥).

ونتيجة لهذا الأسباب الخمسة وجد أهل تسالونيكي خلاصهم. لم يطلب بولس في شيء من أعماله مجداً لنفسه أو منفعة لذاته، لكنه عمل بيديه لكى يعظ مجاناً، وقرَنَ وعظه بسيرة مقدسة ليكون بلا عثرة في سبيل الإنجيل.

ويقول الرسول بولس في الآية التاسعة من الأصحاح الأول إنهم في كل مكان يخبرون عن كيف قبل أهل تسالونيكي بولس الرسول حين جاء اليهم، وكيف اهتدوا إلى الله وتركوا الأوثان ليعبدوا الله الحي الحقيقي، وهذا يُظهر عمل إيمانهم الذين كان في قلوبهم، والذي كان واضحاً أمام الجميع.

٢ - ثم يمدح الرسول بولس «تعب محبتهم» والمقصود بتعب محبتهم، هو ما أظهروه من محبة للمسيح باحتمالهم الاضطهاد والشدائد لأجله، وكان ياسون مثلاً طيباً لهم في ذلك (أعمال ١٧: ٦) ثم أنه يقصد به ما احتمله أهل تسالونيكي بعضهم من أجل بعض في وقت المرض والفقر والاضطهاد. فمن صفات المحبة أن صاحبها يخدم الآخرين بكل ما عنده من قوة.

تطلب المحبة دوماً خير الآخرين. ولما كان أعظم خير نقدمه للآخرين هو أن نخبرهم بفرح الإنجيل، فإن كل الذين يحبون الآخرين يتعبون في توصيل رسالة الإنجيل لهم، وهذا ما فعله أهل تسالونيكي، فيقول الرسول لهم إن كلام الرب انتشر من عندهم، لا إلى مكدونية وبلاد أخائية وحدهما، بل في كل مكان حتى لم تعُدْ للرسول حاجة أن يطالبهم بالكرازة، فإن الجميع كانوا يشهدون أنهم يعبدون الله الحي الحقيقي. وكلمة عبادة تعني خدمة (عَبَدَ وعَبْد من أصل واحد في اللغة العربية). لقد خدم أهل تسالونيكي الرب، وخدموا المؤمنين، وخدموا بولس الرسول خدمة مباركة، وهكذا ظهر تعب محبتهم.

٣ - «صبر رجائكم» . هذا هو الموضوع الثالث الذي يمدح بولس أهل تسالونيكي عليه. كانوا صابرين وكان لهم رجاء. ويقصد الرسول بولس بصبر رجائهم ما أظهروه من الأمل، لأنهم بقوا مسرورين وهم يحملون صليب الاضطهاد، لأنهم كانوا يتوقعون المجد الذي يجيئهم بعد المتاعب. كان أعظم موضوع لرجائهم هو المسيح نفسه، وذلك وفق القول: «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيطس ٢: ١٣) والقول: «ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسى ١: ٢٧) وعلى ذلك فقد اتكل أهل تسالونيكي على المسيح وانتظروا مجيئه ثانية (آية ١٠) وسط إعلان ملكوته الذي يحقّق التمتُّع بالمجد الذي كانوا يرجونه دون أن ينظروه.

والصبر هنا لا يعني الصبر السلبي على الألم، لكن يعني توقع الانتصار. فالمؤمن لا يقبل الألم ساكتاً لكنه يتوقع الانتصار على الألم، كما قال المرنم: «عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور ٣٠: ٥) فالمؤمن يتوقّع دوماً شروق الشمس بعد الغيوم، لأن الله من خلف الغيمة. لقد صار أهل تسالونيكي متمثلين ببولس الرسول، كما أنهم كانوا متمثلين بالسيد المسيح، الذي بنعمة الله ذاق الألم من أجل كل واحد، فقد قبلوا الكلمة في ضيق كثير بفرح الروح القدس.

لم يعِدْنا المسيح أبداً أن يقدم لنا إكليلاً من ورود، ولكنه قال: «في العالم سيكون لكم ضيق» غير أن صبر الرجاء موجود في قوله: «لٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا ١٦: ٣٣) كما قال لتلاميذه: «فأنتم كذلك عندكم الآن حزن، ولكني سأراكم ايضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم» يوحنا ١٦: ٢٢). ولقد رأى المؤمنون في مكدونية وأخائية صدى رجاء أهل تسالونيكي، فكانوا لهم قدوة طيبة.

ويقدم الرسول بولس في الآية العاشرة وصفاً لهذا الرجاء الصابر الذي ملأ نفوس أهل تسالونيكي، فيقول: «وتنتظروا ابنه من السماء». لقد ارتفعت قلوبهم إلى أعلى وهم ينتظرون مجيء المسيح ثانية، وكما قام المسيح من بين الأموات، ولم يكن ممكنا أن يمسكه القبر، سيجيء مرة ثانية ليقيم المؤمنين به من بين القبور، وليغيّر حالة المؤمنين به من عذاب الاضطهاد ومتاعبه، ليعطيهم الانتصار. إن انتظارنا ابنه من السماء يرفع عيوننا إلى أعلى. لقد كانوا ينتظرون شخصاً هو المسيح، كمركز لرجائهم لينقذهم من الغضب الآتي الذي هو دينونة الله العادلة لكل من يفعل الإثم. سيعطى يوم مجيء الرب الثواب للأبرار، كما يدين الأشرار.

هذا الحديث عن حياة أهل تسالونيكي في عمل إيمانهم، وتعب محبتهم، وصبر رجائهم، كان علامة عظيمة لكل المحيطين بهم ليروا قوة الإنجيل الذي يعمل في تغيير الحياة، والذي يقّوي الإنسان في وقت التعب، والذي يرفعه ليجاهد جهاداً حسناً.

آية للحفظ

«مُتَذَكِّرِينَ بِلا ٱنْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ» ١تسالونيكي ١: ٣)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأجل الإيمان الذي هو عطية منك، ولأجل المحبة التي علَّمتها أنت لنا، ولأجل الرجاء الذي تملأ به قلوبنا. يارب اجعل إيماني عاملاً، ومحبتي مثمرة، ورجائي صابراً، وليكن ربنا يسوع المسيح مصدر هذه البركات كلها في حياتي.

سؤال

2- ما معنى كلمة صبر عند المسيحيين؟

ثالثا - سلوك بولس مع أهل تسالونيكي(١تسالونيكي ٢: ١ - ١٢)

قال الرسول بولس في ١: ٥ «كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم».

وفي هذه الآيات يقدم الرسول بولس شرحاً لمِا قصده بقوله في ١: ٥. وهو يقول لهم إن دخوله اليهم لم يكن باطلاً، وكأنه يقول: «اسألوا أي شخص في تسالونيكي يُقلْ لكم إنني أقول الحق عندما أخبركم أنني سلكتُ بقداسة وبأمانة وبدون عيب، كل الوقت الذي صرفته في بلدكم».

  1. سلوك محبة (١ - ٩ )

  2. سلوك طهارة (١٠ - ١٢ )

١ - سلوك محبة

١ لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعْلَمُونَ دُخُولَنَا إِلَيْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَاطِلاً، ٢ بَلْ بَعْدَ مَا تَأَلَّمْنَا قَبْلاً وَبُغِيَ عَلَيْنَا كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي فِيلِبِّي، جَاهَرْنَا فِي إِلٰهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، فِي جِهَادٍ كَثِيرٍ. ٣ لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلالٍ، وَلا عَنْ دَنَسٍ، وَلا بِمَكْرٍ، ٤ بَلْ كَمَا ٱسْتُحْسِنَّا مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ نُؤْتَمَنَ عَلَى ٱلإِنْجِيلِ هٰكَذَا نَتَكَلَّمُ، لا كَأَنَّنَا نُرْضِي ٱلنَّاسَ بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. ٥ فَإِنَّنَا لَمْ نَكُنْ قَطُّ فِي كَلامِ تَمَلُّقٍ كَمَا تَعْلَمُونَ، وَلا فِي عِلَّةِ طَمَعٍ. اَللّٰهُ شَاهِدٌ. ٦ وَلا طَلَبْنَا مَجْداً مِنَ ٱلنَّاسِ، لا مِنْكُمْ وَلا مِنْ غَيْرِكُمْ مَعَ أَنَّنَا قَادِرُونَ أَنْ نَكُونَ فِي وَقَارٍ كَرُسُلِ ٱلْمَسِيحِ. ٧ بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلادَهَا، ٨ هٰكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ كُنَّا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ، لا إِنْجِيلَ ٱللّٰهِ فَقَطْ بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضاً، لأَنَّكُمْ صِرْتُمْ مَحْبُوبِينَ إِلَيْنَا. ٩ فَإِنَّكُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تَعَبَنَا وَكَدَّنَا، إِذْ كُنَّا نَكْرِزُ لَكُمْ بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، وَنَحْنُ عَامِلُونَ لَيْلاً وَنَهَاراً كَيْ لا نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ (١تسالونيكي ٢: ١ - ٩).

يوضح الرسول بولس أن سلوكه مع أهل تسالونيكي كان سلوك محبة. لا محبة الذات ولا محبة الراحة الشخصية. فمع كل ما لقيه في فيلبي من العذاب والإهانة كانت له الجرأة السماوية أن يكلّمهم ببشارة الله في وجه معارضة شديدة. وكانوا يعلمون ذلك معرفة كاملة. لقد كان الاضطهاد والألم الذي لاقاه بولس نتيجة ظلم، فقد ضربوه كما يضربون العبيد مع أنه روماني، وسجنوه وقيَّدوه بلا محاكمة، مع أن هذا يخالف الشريعة الرومانية (أعمال ١٦: ٢٢ - ٢٤). وقد تكرر نفس هذا الأمر في تسالونيكي، إذ اعتدوا عليه وأهانوه، ولكن هذا لم يمنعه من أن يجاهر بإلهه، ويكلّم أهل تسالونيكي بإنجيل الله في جهاد كثير، واثقاً بالله وموقناً أنه هو الذي أرسله واتحد به ويعمل فيه. وهكذا وجد التشجيع ليتكلم بالرغم من مقاومة اليهود الشديدة، ومقاومة الرجال الذين هيَّجهم اليهود ضد بولس وجماعته. ولقد جاءت هذه المجاهرة وهذا الجهاد من أن وعظ بولس ليس «عن ضلال» - أي ليس نتيجة أوهام يخدع بها السامعين - كما قال الرسول بطرس: «لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُّوَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ» (٢بطرس ١: ١٦) ولم يكن وعظ الرسول «عن دنس» - أي لغايات دنيوية فاسدة. ولم يكن وعظه «بمكر» - أي أن أعمال بولس وأقواله كانت باخلاص واستقامة، فلم يستعمل الحيلة ليصيد الناس للإيمان المسيحي، لأن الإنجيل ليس محتاجاً إلى غش وخداع لإثبات صدقه، فهو يستند على عمل الروح القدس.

وكأن بولس يقول: «نحن لا نعظ عن ضلال ولا دنس ولا خداع، بل نتكلم كلام مَن امتحنهم الله ووجدهم أمناء، فائتمنهم على البشارة، لا لنُرضي الناس بل لنرضِي الله الذي يختبر قلوبنا».

ويعتبر بولس نفسه دائماً وكيل إله الحق والقداسة، فيعلن للناس طريق الخلاص. وهو لا يختار التعاليم التي تُرضي الناس عن أنفسهم، أو تجعلهم يتكلون على صلاحهم الشخصي، لكن يبكتهم على خطيتهم، ويوضح لهم حاجتهم الى التوبة والطهارة والسلوك الطاهر.

ويقدم الرسول بولس في الآية الخامسة برهاناً على محبته لأهل تسالونيكي، فيقول لهم إنه لم يتملقهم بكلمة ولا طمع فيهم - وهم يشهدون بذلك، كما أن الله يشهد به. ولم يطلب مجداً من الناس - لا من أهل تسالونيكي ولا من غيرهم - مع أنه كان يحقّ له أن يحصل على الاحترام منهم لأنه رسول يسوع المسيح. ولكنه في محبة حقيقية يقول: «بل كنا مترفّقين في وسطكم كما تربّي المرضِعة أولادها، حتى أننا تمنّينا لو نشارككم في حياتنا لا في بشارة الله وحدها، لأنكم صرتم أحباء إلينا». كان مستعداً إذا اقتضت الضرورة أن يموت من أجلهم، كما يقول الرسول يوحنا: «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (١يوحنا ٣: ١٦) وقد صَدَق فيه قول المسيح: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» يوحنا ١٥: ١٣). وقد وضح حبُّ الرسول لهم من أنه عاملهم معاملة نزيهة عادلة لا لوم فيها، فقد كان يعمل في الليل والنهار لكي لا يثقل على أحد منهم، لأنه كان يريد أن يوصّل لهم رسالة الانجيل مجاناً بدون أن يتعبهم. لقد تعب بولس بينهم بتضحية وبرفق وبرغبة حقيقية في خدمتهم لأنه كان يحبهم فعلاً.

٢ - سلوك طهارة

١٠ أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَٱللّٰهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلا لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ. ١١ كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَٱلأَبِ لأَوْلادِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، ١٢ وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ (١تسالونيكي ٢: ١٠ - ١٢)

في هذا الآيات يذكّرهم بولس بطهارة سيرته بينهم، ويدعوهم أن يشهدوا له بذلك بعد أن رأوا كل تصرفاته بينهم. لقد تصرَّف بينهم «بطهارة» أمام الله القدوس الذي يطلب القداسة في أولاده. وتصرف بينهم «ببر» (بمعنى: بعدالة) فكان يعطي كل إنسان حقه. وتصرف بينهم «بلا لوم» أمام الله والناس، فلم يفعل شيئاً يستحق أن يلومه عليه أحد، لأنه أراد للمؤمنين أن يعرفوا أسلوب حياته وأن يحكموا في أمانته.

كان يعظهم كالأب لأولاده ويشجعهم، بخلاف ما قاله المسيح عن بعض المعلمين انهم يقولون ولا يفعلون، فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم (متى ٢٣: ٤).

على أن بولس وعظهم وشجَّعهم لكى يسلكوا كما يحق لله الذي دعاهم إلى ملكوته ليكونوا أتباع المسيح، كما دعاهم ليشتركوا في مجده الذي كان له قبل كَوْن العالم (يوحنا ١٧: ٥).

آية للحفظ

«كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي ٱلْمُرْضِعَةُ أَوْلادَهَا» (١تسالونيكي ٢: ٧)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأجل النموذج الصالح في محبة بولس الرسول للمؤمنين وفي طهارة حياته.

ربنا، أعطنا الحياة الطاهرة المليئة بالمحبة لنستطيع أن نخدمك ونكون مترفقين بالآخرين، لا نطلب مجداً من الناس، بل نتعب ونجتهد لتوصيل رسالة محبتك لهم.

سؤال

٣- في آيتي ٧ ، ١١ من أصحاح ٢ يقدم الرسول وصفين لمحبته لأهل تسالونيكي. أذكرهما.

رابعاً - بولس يهتمّ بأهل تسالونيكي ٢: ١٣-٣: ١٣

بعد أن مدح بولس أهل تسالونيكي على ايمانهم ومحبتهم ورجائهم، وبعد أن أوضح لهم أن سلوكه بينهم كان سلوك المحبة والطهارة، يوضح في هذه الآيات اهتمامه بأهل تسالونيكي في أمرين:

  1. اهتمامه بهم في آلامهم (٢: ١٣-٣: ٥)

  2. واهتمامه بنقائص إيمانهم (٣: ٦-١٣)

١ - بولس يهتم بآلام أهل تسالونيكي

في اهتمام الرسول بولس بآلام أهل تسالونيكي يذكر أمرين:

الاهتمام (أ) بسبب آلامهم (٢: ١٣ - ٢٠)

والاهتمام (ب) بعلاج آلامهم (٣ : ١ - ٥)

(أ) بولس يهتم بسبب آلام أهل تسالونيكي

١٣ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلا ٱنْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ، قَبِلْتُمُوهَا لا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي تَعْمَلُ أَيْضاً فِيكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ. ١٤ فَإِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي هِيَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ ٱلآلامَ عَيْنَهَا كَمَا هُمْ أَيْضاً مِنَ ٱلْيَهُودِ، ١٥ ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ ١٦ يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ ٱلأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلٰكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ ٱلْغَضَبُ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ. ١٧ وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، فَإِذْ قَدْ فَقَدْنَاكُمْ زَمَانَ سَاعَةٍ، بِٱلْوَجْهِ لا بِٱلْقَلْبِ، ٱجْتَهَدْنَا أَكْثَرَ بِٱشْتِهَاءٍ كَثِيرٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ. ١٨ لِذٰلِكَ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ إِلَيْكُمْ أَنَا بُولُسَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ. وَإِنَّمَا عَاقَنَا ٱلشَّيْطَانُ. ١٩ لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ ٱفْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ ٢٠ لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا (١تسالونيكي ٢: ١٣ - ٢٠)

ظل أهل تسالونيكي ثابتين في إيمانهم بالمسيح بالرغم من الاضطهادات التى مرّوا بها. وبولس يحمد الله بغير انقطاع لأن أهل تسالونيكي لما تلقُّوا كلام الله منه قبلوه لا على أنه كلام بشر، بل على أنه بالحقيقة كلام الله الذي يعمل فيهم، فآمنوا به. لقد وقع الاضطهاد على أهل تسالونيكي من الوثنيين الذين هيَّجهم اليهود ضد أولئك المؤمنين الجدد. والرسول يقول لهم إن ما أصابهم يشبه ما أصاب الكنائس التي باليهودية، فقد أوقع اليهود الاضطهاد بالمؤمنين اليهود، وأوقع الوثنيون الاضطهاد بالمؤمنين من الوثنيين.

ويقول الرسول إن اليهود هم الذين قتلوا الرب يسوع، وقتلوا الأنبياء، واضطهدوا بولس وأصحابه، وهم لا يُرْضُون الله، وصاروا أعداء جميع الناس. وفي عداوتهم يمنعون الرسول بولس من تبشير الأمم. وبهذا جاوزوا الحدَّ بخطاياهم، واستحقّوا أن ينزل عليهم في النهاية غضبُ الله.

ويسمح الله أن الاشرار يضطهدون المؤمنين ليُظِهر فساد الطبيعة الانسانية، وليُظهر برَّه عندما يوقع على الاشرار قضاءه وعقابه - كما أن الاضطهادات تلجئ المؤمن للصلاة والقرب من الله، فيتنقى قلبه، ويصير اكثر فائدة لخدمة الله والناس.

وبالرغم من الاضطهادات الكثيرة التي وقعت على أهل تسالونيكي ظلوا ثابتين في وسط الاضطهاد، ولذلك يعبّر بولس عن فرحه الشديد بذلك (آيات ١٧ - ٢٠). لقد انتصر المؤمنون بالرغم من أن بولس كان قد تركهم وافترق عنهم. صحيح أنه كان يريد أن يراهم لأنه أب لهم يحبهم، وقد حاول أن يأتي اليهم مرة ومرتين لكن الشيطان عطله. والمرجح أن الذين عطلوه كانوا الناس الأشرار، لكنه تحقق أن الشيطان هو الذي جعل أولئك الأشرار يعطلون ذهابه إليهم. أو ربما عطله مرض، أو أحوال صعبة سببها الشيطان، فان أهل تسالونيكي هم موضوع رجاء بولس، وسبب كل السرور الذي يتوقعه عند مجيء المسيح. كما أنهم سبب فرحه، لأن حضوره معهم في السماء سيكون من أعظم أفراحه هناك. وهم إكليل افتخاره، فقد كان المنتصرون في الألعاب الرياضية يُكلَّلون بأكاليل ظاهرة، أما هؤلاء المؤمنون فهم إكليل بولس الذى سيناله في يوم الرب.

وهو يقول لهم إن ثباتهم في وسط هذه الآلام مجد له وفرح كخزائن الذهب والجواهر للملوك. وبولس يتساءل: «فمن سيكون رجاؤنا وفرحنا واكليل افتخارنا عند ربنا يسوع المسيح يوم مجيئه؟» ويجاوب: «أليس هو أنتم يا أهل تسالونيكي؟ نعم.. أنتم مجدنا وأنتم فرحنا!».

آية للحفظ

«أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا» (١تسالونيكي ٢: ٢٠)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأن الاضطهاد الواقع على جماعة المؤمنين يعني أنهم ليسوا من هذا العالم. فلو كانوا من العالم لأحبَّهم العالم. لكن لأنهم منك فإن العالم يبغضهم. ساعدنا لنقف إلى جانبك مهما كلَّفنا ذلك من متاعب. ساعدنا لنحتمل الآلام بالصبر وبالشكر.

سؤال

٤- كيف عطل الشيطان بولس عن زيارة كنيسة تسالونيكي؟

(ب) بولس يهتم بعلاج ألم أهل تسالونيكي

١ لِذٰلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضاً ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا. ٢ فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ ٱللّٰهِ، وَٱلْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ، ٣ كَيْ لا يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا. ٤ لأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ، كَمَا حَصَلَ أَيْضاً، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. ٥ مِنْ أَجْلِ هٰذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضاً، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً (١تسالونيكي ٣: ١ - ٥)

كان الرسول بولس يريد أن يزور المؤمنين في تسالونيكي، ولكن الشيطان منعه، فأرسل تيموثاوس ليزورهم حتى يشجعهم، وليُطَمْئن قلب بولس عليهم. وبقي بولس وحده في أثينا - بالرغم من أنه كان محتاجاً لخدمة تيموثاوس معه. كما كان سلوانس (سيلا) لايزال يقيم في بيرية يخدم فيها. وعاد تيموثاوس من تسالونيكي إلى كورنثوس، وسافر سلوانس من بيرية الى كورنثوس، والتقى الثلاثة هناك. ووقتها كتب بولس الرسول هذه الرسالة إلى تسالونيكي. ويقول الرسول إنه استحسن أن يُتَرك في أثينا وحده. وكلمة «يُترك» معناها أن يهجره تيموثاوس، وأن يشعر هو بالوحدة في مواجهة فلاسفة أثينا الذين كانوا يقاومون الكلمة. لكن بولس فضَّل نداء الواجب، فأرسل تيموثاوس إلى تسالونيكي، لأنه كان يحب أهلها كثيراً ويريد أن يطمئن عليهم.

ويصف بولس تيموثاوس بأنه أخوه، مع أن تيموثاوس كان ابنه في الإيمان. وصفه أنه أخوه لأن المحبة تجعلنا نقدّم بعضُنا بعضاً في الكرامة. كما يصفه بأنه «خادم الله». ومع أنه شاب، لكنه كان قادراً على إفادة أهل تسالونيكي في الأمور الروحية. ويسمّيه «العامل معنا في إنجيل المسيح» لأن بولس كان محتاجاً إليه في خدمته التبشيرية، لكنه أرسله الى تسالونيكي ليثبّت المؤمنين هناك إذ يقّوي إيمانهم بالمسيح، ويزيدهم شجاعة ورجاء، وليعظهم لأجل تثبيت إيمانهم.

عندما كان بولس في تسالونيكي كان يشجع المؤمنين هناك، وأعلن لهم أنهم سوف يتضايقون، تماماً كما حصل مع بولس، وتماماً كما حصل مع المسيح، لأننا موضوعون لهذا الضيق. وقد أرسل إليهم تيموثاوس ليذكّرهم بهذا.

كان بولس يحب أهل تسالونيكي، فأرسل اليهم تيموثاوس ليشجعهم وسط ضيقاتهم وآلامهم، ليثبتوا أمام تجربة الشيطان «المجرِّب» - الذي يغربل المؤمنين كالحنطة (لوقا ٢٢: ٣١). ولو أن أهل تسالونيكي وقعوا في تجربة الشيطان وفخِّه، يكون تعب الرسول بولس في سبيلهم تعباً باطلاً. لكن نشكر الله أنهم انتصروا على تجربة المجرب، وكان تعب بولس تعباً مثمراً.

آية للحفظ

«كَيْ لا يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ» (١تسالونيكي ٣: ٣)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تهتم بنا في ضيقتنا، وترسل إلينا الذين يشجعوننا. ساعدنا لنعّزِي آخرين بالتعزية التي أخذناها منك، وساعدنا لنشجع بعضنا بعضاً.

سؤال

٥- أذكر صفتين من الصفات التي وصف بها بولس تيموثاوس، وأعط معناهما.

٢ - بولس يهتم بنقائص إيمان أهل تسالونيكي

٦ وَأَمَّا ٱلآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْراً لَنَا حَسَناً كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَرَاكُمْ، ٧ فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا تَعَّزَيْنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا بِإِيمَانِكُمْ. ٨ لأَنَّنَا ٱلآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي ٱلرَّبِّ. ٩ لأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَّوِضَ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِكُمْ عَنْ كُلِّ ٱلْفَرَحِ ٱلَّذِي نَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ قُدَّامَ إِلٰهِنَا؟ ١٠ طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً أَوْفَرَ طَلَبٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ. ١١ وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ. ١٢ وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ، ١٣ لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلا لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ، أَمَامَ ٱللّٰهِ أَبِينَا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ (١تسالونيكي ٣: ٦ - ١٣)

عندما رجع تيموثاوس من تسالونيكي قدَّم لبولس الرسول تقريراً عن إيمان أهل تسالونيكي ومحبتهم للرسول بولس، وقال إنهم يذكرونه بالخير دائماً، ويشتاقون إلى رؤيته كما يشتاق بولس إلى رؤيتهم. وقد شدَّدت هذه الأخبار المفرحة عزيمة بولس وأمدَّتْه بقوة روحية، حتى أنه استطاع أن يقف ثابتاً في الضيق وفي الشدة، بعد أن عرف أن إيمانهم بالله ثابت، وأن محبتهم له وللناس قوية باقية، بالرغم من سفره بعيداً عنهم، فقال لهم: «بل نحن الآن نحيا ما دمتُم يا أهل تسالونيكي ثابتين في الرب». فقد اعتبر بولس الضيقات التي أحاطت به نوعاً من الموت، لأنها قطعت عنه وسائل فرح الحياة. وعندما وصلته أخبارهم المفرحة انتعشت روحه، فرفع شكره لله من أجلهم (آية ٩) وهو يطلب ليلاً ونهاراً أوفر طلب أن يرى وجوههم ليكمل نقائص إيمانهم، لأنهم حديثون في الإيمان وفي معرفة كلمة الله، ويمكن أن ينموا فى فضائل النعمة المختلفة إذا سمعوا مزيداً من التعاليم الروحية التي يمكن أن يقدمها بولس لهم، لو أنه استطاع أن يزورهم.

وأغلب الظن أن بولس الرسول يقصد بكلمة «نقائص إيمانكم» نقص معرفتهم عن عقيدة مجيء المسيح ثانية، وعن حال الراقدين في المسيح، ولذلك يصلي بولس أن الله أبانا وربنا يسوع المسيح يسهل طريقه إليهم ليزورهم ويكمل تعليمهم.

وفي الآيتين ١٢ ، ١٣ يذكر الرسول بولس الأسباب التي تدفعه إلى زيارتهم:

  1. أن ينميهم الرب في محبة بعضهم البعض، ومحبة جميع الناس. وهو يضع محبته لهم مقياساً لمحبتهم للآخرين.

  2. أن يثبّت الله قلوبهم في القداسة ليكونوا بلا لوم أمام الله، حتى عندما يجيء ربنا يسوع المسيح ثانية مع جميع قديسيه يجدهم مقبولين مستعدين منتظرين طالبين سرعة مجيء يوم الرب.

آية للحفظ

«وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ» (١تسالونيكي ٣: ١٢)

صلاة

أبانا السماوي، نطلب أن تزيد محبتنا بعضنا لبعض ولجميع الناس الذين نعرفهم أو لا نعرفهم، ولتكن محبتنا لهم محبة العمل والخدمة. ثبّت قلوبنا في القداسة حتى عندما تنظر الينا تجدنا بلا لوم أمامك. أعطنا أن نكون مستعدين لمجيء المسيح ثانية، ساهرين وطالبين سرعة مجيئك.

سؤال

٦- اذكر شيئاً كان إيمان أهل تسالونيكي فيه ناقصاً.

خامساً - ضرورة نمو أهل تسالونيكي روحياً (١تسالونيكي ٤: ١ - ١٢)

في هذا الجزء يطلب بولس أن ينمو أهل تسالونيكي في ثلاثة ميادين:

  1. في الطهارة (آيات ١ - ٨)

  2. في المحبة (آيتا ٩ ، ١٠)

  3. في العمل الجاد (آيتا ١١ ، ١٢)

١ - النمّو في الطهارة

١ فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا ٱللّٰهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ. ٢ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا أَعْطَيْنَاكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ. ٣ لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلّزِنَا، ٤ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، ٥ لا فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ. ٦ أَنْ لا يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا كَمَا قُلْنَا لَكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا. ٧ لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي ٱلْقَدَاسَةِ. ٨ إِذاً مَنْ يَرْذُلُ لا يَرْذُلُ إِنْسَاناً، بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً رُوحَهُ ٱلْقُدُّوسَ (١تسالونيكي ٤: ١-٨)

بكل محبة يطلب بولس الرسول من إخوته في تسالونيكي، باسم الرب يسوع أن يسلكوا سلوكاً يُرضِي الله، ويزدادوا في ذلك أكثر وأكثر، كما سبق أن علّمهم عندما كان بينهم. وهو يذكرّهم بالوصايا التي أعطاها لهم بوحي الرب يسوع وبإرشاده وبأمره. وأول هذه الوصايا هي القداسة «لأن هذه هي ارادة الله: قداستكم». والقداسة هي طهارة القلب والسيرة - «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (١بطرس ١: ١٥ ، ١٦).

لقد كانت خطية الزنا محيطة بأهل تسالونيكي من كل جانب. اعتادوا على ذلك منذ الصغر، وكان المجتمع ينظر اليها نظرة قبول. ولكن عندما انتقلوا من حياة الخطية والوثنية الى حياة المسيح، كان عليهم أن يذكروا قول الانجيل: «أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلسَّلامَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس ٢: ٢٢).

ونجد في هذه الآيات فكرتين:

  1. (يطلب الرسول أن تسود القداسة العلاقات الزوجية، لأن الله لم يَدْعُنا للنجاسة بل في القداسة. وعلى كل شخص أن يصون جسده في القداسة والكرامة، فلا تستولي عليه الشهوة مثل الوثنيين الذين لا يعرفون الله، ولا يتعدَّى أحدٌ على زوجة أخيه، أو يسيء اليه في هذا الأمر، لأن الرب منتقم لمثل هذه الخطية، ولذلك فان الكتاب يقول: «لا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ» (خروج ٢٠: ١٧) ويقول الرسول: «وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلّزُنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ» (عبرانيين ١٣: ٤).

  2. وتتجلى القداسة في علاقتنا مع الله الذي أعطانا روحه القدوس الذي يفصلنا عن الشر، فلا يجب أن نُحزنه (آية ٨). وجسد المؤمن هيكل للروح القدس ولذلك فان الروح يحزن من تدنيس هيكله، إذا ارتكب أحد خطية الزنا.

آية للحفظ

«هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ٣).

صلاة

أنت قدوس، وتحب أن نسلك في القداسة. طهر عينيَّ من النظر الى الشر. قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله. انزع من داخلي كل فكر شرير.

سؤال

٧- ما هي ارادة الله لك كما تراها في آية ٣؟

٢ - النمو في المحبة

٩ وَأَمَّا ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ فَلا حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ١٠ فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ أَيْضاً لِجَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي مَكِدُونِيَّةَ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ (١تسالونيكي ٤: ٩ ، ١٠).

يعود الرسول مرة أخرى الى موضوع المحبة الأخوية، لما لها من أهمية كبرى في حياة المسيحي، ولكن لم يكن غرضه أن يعظهم بشأن المحبة، فهو يقول: «لا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها» لكنه كان يطلب منهم أن يزدادوا أكثر في المحبة، لأن السلوك المسيحي من شأنه النمّو المستمر، لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً. إنما أطلب إليكم أيها الإخوة أن تزدادوا أكثر «لأن هذا هو الخبر الذي سمعتموه من البدء: أن يحب بعضنا بعضاً». «وَهٰذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً» (١يوحنا ٣: ١١ ، ٢٣).

آية للحفظ

«لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» (١تسالونيكي ٤: ٩).

صلاة

أبانا السماوي، علِّمنا أن نحب الآخرين كما أحببتنا وكما تحبهم، وعلمنا أن نزيد في محبتنا بأن نقدّم الخدمة للآخرين وأن نعلّمهم عن محبتك.

سؤال

٨- اكتب آية تبيّن ضرورة محبة الآخرين.

٣ - النمو في العمل الجاد

١١وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ، ١٢ لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلا تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ (١تسالونيكي ٤: ١١ ، ١٢).

شهد المؤرّخون أن المكدونيين كانوا يميلون الى الاضطراب والكسل، ولذلك فان الرسول بولس يشدّد على ضرورة النشاط والعمل اليومي.

هل المقصود من نشاطنا وشغلنا اليومي هو خدمة أنفسنا والعالم، أم خدمة الله؟

يقدّم لنا الرسول بولس نفسه مثلاً، لأنه كان يصنع خيام. وكان هذا العمل في نظره خدمة محبة مثل خدمة الكرازة بالانجيل، فان الحياة الهادئة الشريفة، وممارسة أمورنا الخاصة، وقيامنا بعملنا اليومي، هي شهادة للعالم كله أننا مُخِلصون للمسيح. وهي تظهر في روح الهدوء التي تتجلّى في الأشغال اليومية المتواضعة. هناك الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (١بطرس ٣: ٤). علينا اذاً أن نسلك بلياقة عند الذين هم من خارج (أي من غير أهل الكنيسة) وعلينا أن نشتغل لنكسب خبزنا بعرق وجوهنا، كما يقول الكتاب: «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُّوَتِكَ» (جامعة ٩: ١٠) و «غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي ٱلٱجْتِهَادِ» (رومية ١٢: ١١).

ومن هذا نرى أن الانسان الذي يمارس أموره الخاصة ولا يتداخل في أمور غيره، والذي يشتغل بيديه، هو الذي يكون هادئاً، لأنه يجد سلام نفسه، وهو الذي يسلك بلياقة عند الذين هم من خارج، ولا تكون له حاجة عند أحد، فهو يساعد نفسه ويساعد غيره. ان الرسول هنا يؤكد ضرورة العمل الجاد. فلنشتغل بأيدينا.

ومن الأمور الهامة التي ينبّر عليها الرسول هنا أن لا نتدخّل فى أمور غيرنا «تمارسوا أموركم الخاصة». لا تخرج القذى من عين أخيك قبل أن تخرج الخشبة من عينك. ولا تدينوا لكى لا تُدَانوا.

آية للحفظ

«وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ (١تسالونيكي ٤: ١١).

صلاة

أبانا السماوي، باركنا لكي نعمل. ساعدنا لكي نجتهد. أعطنا نعمة لكي نعيش حياتنا في هدوء، أبعدنا عن التدخُّل في الأمور التى لا تعنينا، وساعدنا لنكون صورة طيبة لغير المؤمنين.

سؤال

٩- أذكر فائدة من فوائد العمل الجاد.

سادساً - تعليم عن رجاء القيامة

١٣ ثُمَّ لا أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لا تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لا رَجَاءَ لَهُمْ. ١٤ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذٰلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَهُ. ١٥ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ لا نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ. ١٦ لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلائِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَّوَلاً. ١٧ ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ. ١٨ لِذٰلِكَ عَّزُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهٰذَا ٱلْكَلامِ (١تسالونيكي ٤: ١٣ - ١٨)

عندما كان الرسول بولس في تسالونيكي تحدث عن مجيء المسيح ثانية (اعمال ١٧: ٣ ، ٧). وتوقع مؤمنو تسالونيكي أن المسيح سيأتي سريعاً، ولذلك فقد تركوا أعمالهم اليومية من زرع وتجارة ولم يجتهدوا فيها، فوبّخهم الرسول وطلب منهم العمل الجاد (كما رأينا في ٤: ١١ ، ١٢).

وقد حدث أن بعض الذين آمنوا بالمسيح ماتوا، فحدث اضطراب في الكنيسة: ماذا يحدث لهؤلاء الذين ماتوا قبل مجيء المسيح ثانية؟ هل ضاع رجاؤهم في القيامة؟.... لا شك أن المؤمنين في تسالونيكي كانوا لا يعرفون حقيقة القيامة، وكانت معلوماتهم عن مجيء المسيح ثانية غير كافية، لأن إقامة بولس بينهم لتعليمهم كانت إقامة قصيرة، ولم يكن عندهم من كتب التوراة إلا العدد القليل، وكان فلاسفة الوثنيين المحيطين بهم ينكرون حقيقة القيامة ويضحكون منها. ولذلك كتب الرسول هذه الآيات ليوضح لهم حقيقة رجاء قيامة المؤمنين، وهو يُسمّي أولئك الذين ماتوا «الراقدين». وهناك وجه شبه بين النوم وبين موت المؤمن:

  1. موت المؤمن والنوم أمر وقتي، وليس أبدياً.

  2. الشخص الذي ينام يستريح.

  3. الشخص الذي ينام لابد أن يستيقظ متجدد القوة، سعيداً.

ولذلك فإن المؤمنين الذين رقدوا في الرب سيرقدون الى فترة محدودة، الى أن يجيء المسيح ثانية ليقيمهم وقد استراحوا من أتعابهم. ولابد أن يقوموا في سعادة عظيمة (رؤيا ١٤: ١٣).

ويكتب الرسول هذا الجزء للمؤمنين لكى لا يحزنوا كالباقين. إنه لا يمنع الحزن تماماً، فقد بكى المسيح عند قبر لعازر، وهناك حزن على فراق الأحباء. لكنه يمنع الإفراط في الحزن. وغير المؤمنين بالمسيح لا رجاء لهم في قيامة الأموات، ولذلك فإنهم يحزنون حزناً قاتلاً، أما المؤمنون فانهم يحزنون حزناً يسيراً عامراً بالرجاء.

ويقول الرسول بولس في الآية ١٤ إن قيامة المسيح برهان على صدق قيامة المؤمنين به. لقد مات المسيح لكنه قام، وقد رآه تلاميذه بعد أن قام من الاموات، ولابد أن كل من يرقد بيسوع سيقوم مرة أخرى مع المسيح، فكلما نؤمن بقيامة المسيح نؤمن بقيامة شعبه. فالراقدون بيسوع الذين ماتوا وهم مؤمنون به واستودعوا نفوسهم بين يديه، هؤلاء الآن في راحة، يتوقّعون القيامة بناءً على وعد المسيح. وعند مجيئه ثانيةً لابد أنه سيُحضر الراقدين معه: يحضِر أرواحَهم من الفردوس، ويحضِر أجسادهم من القبور.

وفي آية ١٥ يقدّم الرسول وعداً بناءً على كلمة الرب، وهو أن الاحياء الباقين عند مجيء المسيح ثانية لا يسبقون الراقدين - أي لا يدخلون حضرة الرب ويتمتعون ببركات مجيئه قبل الذين ماتوا - وفي هذا تعزية للأحياء بشأن أحبّائهم الذين انتقلوا الى العالم الآخر قبل مجيء المسيح ثانية.

ويوضّح الرسول كيف سيحدث ذلك، فان المسيح نفسه سينزل من السماء، وسيعلن عن نزوله هتافُ ونداءُ رئيس الملائكة - فقائدُ الجند السماوي الذي يحيط بالمسيح عند مجيئه سيعلن هذا المجيء بصورة محسوسة، كما قال المسيح : «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ» (متى ٢٥: ٣١). وسيصاحب مجيء المسيح ثانية صوتُ البوق، الذي يخترق آذان الجميع، حتى آذان الموتى، لذلك يسمّيه «بوق الله» المختص بإعلان الحقيقة العظيمة وهي مجيء المسيح ثانية. وعندما يسمع المؤمنون هتاف رئيس الملائكة، وعندما يسمعون صوت بوق الله، سيجدون المسيح نازلاً نزولاً ظاهراً ومجيداً، والأموات في المسيح سيقومون أولاً قبل أن يتغيّر المؤمنون الأحياء ليُخطَفوا في السحاب. وبعد قيامة الموتى من المؤمنين، يُخطف الأحياء الباقون بسرعة، فإن كلمة «يخطف» تعني سرعة انتقالهم. ويجتمع الأحياء والأموات معاً في السحب، كما حدث في صعود المسيح (أعمال ١: ٩) ويلتقي أولئك المؤمنون بالرب النازل من السماء، في الهواء، وهو محل الاجتماع مع المسيح، استعداداً للذهاب الى حيث يشاء المسيح، وهكذا نكون كل حين مع الرب.

والذي يؤكده الانجيل فى هذه العبارة هو الاتحاد الكامل بين المسيح وشعبه، فانه يعطيهم من حياته الخالدة، ويمنحهم السعادة الحقيقية وعدم الافتراق، فان الوجود في محضر الله هو أعظم مسرات المؤمن. ولذلك يطالبنا الرسول أن نعزي بعضنا بعضاً بهذا الكلام. فإنْ كان عند أحدٍ شك أنه خسر حبيبه الذي رقد، فان عليه أن يجد تعزية في اعلان الله، وعلينا أن ننقل هذه الأفكار الروحية العظيمة للذين انتقل أهلهم الى حضرة الرب، قبل مجيء المسيح ثانية.

ولا يقول الانجيل هنا شيئاً عن الصلاة من أجل الموتى، ولا عن تقديم الرحمات من أجلهم، لكنه يطلب منا أن نمتلئ بالرجاء من نحوهم، لأن المسيح الذي أكمل خلاصهم في السماء، سيقيمهم من بين الأموات من غير حاجة الى مجهود يقوم به أهلهم على الأرض.

عزيزي القارئ، ان ما جاء في الانجيل هنا عن اجتماع الأحبّاء في السماء ليكونوا مع المسيح الى الأبد، له شرط: أن تكون أنت مؤمناً متحداً مع المسيح الآن. هل أنت مستعد لمجيء المسيح ثانية؟ هل أنت ثابت في الرب؟

افتح قلبك للمسيح لتجد حياتك الأبدية فيه، وهكذا تنتظر مجيئه ثانية من السماء لتنال المجد الأبدي.

آية للحفظ

«لِكَيْ لا تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لا رَجَاءَ لَهُمْ» (١تسالونيكي ٤: ١٣).

صلاة

نشكرك يارب لأنك تملأنا بالرجاء بالمسيح الحي الذي قام من بين الأموات، والذي سيقيم الأموات المؤمنين به، والذي سيجيء ليأخذهم سريعاً ليكونوا كل حين معك. أعطنا تعزية بهذا الحق الالهى، واملأ نفوسنا به.

سؤال

١٠- كيف سيُعلَن عن مجيء المسيح ثانية؟

سابعاً - تعليم عن يوم الرب (١تسالونيكي ٥: ١ - ١١)

كان المؤمنون في تسالونيكي مشغولين بشأن المؤمنين الذين ماتوا قبل مجيء المسيح ثانية، كما كانوا مشغولين بسؤال آخر وهو: متى سيجيء المسيح ثانية؟ وكان تلاميذ المسيح قد سألوا عن الموعد (مرقس ١٣: ٣ ، ٤) ولكن المسيح قال لهم : «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلأَزْمِنَةَ وَٱلأَوْقَاتَ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أعمال ١: ٧) والرسول بولس في هذا الجزء يطلب من المؤمنين أن ينتظروا بصبر موعد يوم الرب، دون تحديد لذلك الموعد. ويحاول الرسول في هذه الآيات أن يوضح للمؤمنين أن الاستعداد لمجىء يوم الرب هو أكثر أهمية من معرفة موعد مجيء يوم الرب. وفي هذا الجزء نجد فكرتين:

  1. موعد يوم الرب غير معروف (آيات ١-٣)

  2. ضرورة السهر انتظاراً ليوم الرب (آيات ٤-١١)

١ - موعد يوم الرب غير معروف

١ وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ فَلا حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، ٢ لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ. ٣ لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلامٌ وَأَمَانٌ» حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاكٌ بَغْتَةً، كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلا يَنْجُونَ (١تسالونيكي ٥: ١ - ٣).

يبدأ الرسول بالقول إنه لا يوجد ما يدعو أن يكتب لهم عن موعد مجيء يوم الرب، فقد سبق أن قال لهم عندما زارهم إن هذا الموعد غير معروف. وهو هنا يقدم تشبيهاً أن يوم الرب يشبه مجيء لص في الليل، لا يعرف صاحب البيت متى يجيء. وقد ذكر المسيح هذا التشبيه (متى ٢٤: ٤٣).

ويوم الرب هو مجيء المسيح الذي أشار اليه بطرس في موعظته يوم الخمسين (أعمال ٢: ٢٠). وهو يوم يجيء بغتةً بلا تنبيه ولا انتظار، وسيندهش العالم كله لأن أهله غير مستعدين لهذا اليوم العظيم، فإذا بهم يقولون: «سلام وأمان». بمعنى لا داعي للخوف فلا يُوجَد ما يدلّ على سرعة مجيء المسيح، وإذا بذلك اليوم يفاجئهم بغتة، تماماً كما فاجأ الطوفان قوم نوح غير المؤمنين، وكما فاجأت النار أهل سدوم وعمورة. يشبه يوم الرب وقت المخاض للحبلى، واذا بهؤلاء البشر غير المستعدين لا ينجون. ويقول الرسول إنه بالرغم من عدم معرفتنا لموعد المجيء، إلا أننا يجب أن نكون مستعدين له حتى لا نُؤخذ على غِرّة، الأمر الذي سيحدث مع الأشرار الذين يقولون: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ ٱلآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هٰكَذَا مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَة!» (٢بطرس ٣: ٤).

يُسمِّي الرسول اليوم الأخير «يوم الرب» وليس «يوم الدِّين» - لأن يوم الرب مصدر سعادة للمؤمنين، لأنه «لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية ٨: ١)

آية للحفظ

«يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ» (١تسالونيكي ٥: ٢).

صلاة

أعطنا يارب نعمة لننتظر مجيء يوم الرب، يوم السعادة لأولادك المؤمنين، الذي سيكون بهجة لكل نفسٍ مؤمنة، وحزناً لكل نفس خاطئة. وساعدنا لنكون دوماً مستعدين له.

سؤال

١١- ما هو التشبيه الذى يصف به الإنجيل موعد مجيء يوم الرب؟

٢ - الحاجة للسهر

٤ وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلَِصٍّ. ٥ جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلا ظُلْمَةٍ. ٦ فَلا نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ، ٧ لأَنَّ ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِاللَّيْلِ يَنَامُونَ، وَٱلَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَبِاللَّيْلِ يَسْكَرُونَ. ٨ وَأَمَّا نَحْنُ ٱلَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاصِ. ٩ لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لٱقْتِنَاءِ ٱلْخَلاصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ١٠ ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعاً مَعَهُ. ١١ لِذٰلِكَ عَّزُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَٱبْنُوا أَحَدُكُمُ ٱلآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضاً (١تسالونيكي ٥: ٤ - ١١).

يوم الرب رعب للأشرار، ويوم سعادة للمؤمنين. سيكون كمجيء لصٍ لأشخاص غير مستعدين، لكنه سيجيء للمنتظرين كسعادة حقيقية لأنهم كانوا ينادون المسيح قائلين: «تعال أيها الرب يسوع».

وفي هذه الآيات يوضّح الرسول بولس ضرورة السهر والاستعداد لمجئ يوم الرب. ونجد في هذه الآيات ثلاثة أفكار:

  1. مجيء يوم الرب مجيء فاحص، مثل الامتحان (آيتا ٤ ، ٥)

  2. مجيء يوم الرب يحضُّنا على اليقظة (آيات ٦ - ٨)

  3. وهذا المجيء يشجّعنا (آيات ٩ - ١١)

(أ) يوم الرب يوم امتحان، يفصل بين أبناء النور وأبناء الظلمة (آيتا ٤ ، ٥)

وعلينا أن نفحص أنفسنا لنعرف لأي فريق ننتمي. لقد كانوا في الظلمة قبل التعرُّف على المسيح، أما الآن فإنهم نور في الرب (أفسس ٥: ٨) وعليهم أن يسلكوا كأبناء نور، ساهرين وصاحين منتظرين مجيء الرب بانتباه، كما يقول لنا الرسول بطرس: «نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (١بطرس ٤: ٧). وكما يقول المسيح: «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متى ٢٦: ٤١). وكما قال: «ٱحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلا تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ ٱلْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَٱلْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذاً وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هٰذَا ٱلْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ» (لوقا ٢١: ٣٤ - ٣٦).

(ب) ويوم الرب يحضُّنا على السهر (آيات ٦ - ٨)

علينا أن نسهر وعلينا أن نكون صاحين، فالذين ينامون هم الذين لا يهتمّون، لأنهم يسلكون في ظلمة الليل، ويشتركون مع المتسيّبين الذين يسكرون. ويؤكّد الرسول لأهل تسالونيكي أنهم أبناء نهار، ولذلك فعليهم أن يكونوا صاحين، وأن يلبسوا درع الإيمان ودرع المحبة.

والدرع ثوب معدني يلبسونه على الصدر ليحمي الشخص الذي يلبسه من ضربات السهام. وهناك شيئان يحميان صدر المسيحي: (١) الإيمان الذي هو الثقة بالله وعنايته. (٢) المحبة من نحو الله والناس. ويطالبنا الرسول أن نلبس خوذة هي رجاء الخلاص. والخوذة هي ما يلبسه الجندي على رإسه ليحميه من الخطر. والخوذة هنا هي رجاء المؤمن في أن الله يخلّصه من الخطية ومن الهلاك. وهكذا نجد الفضائل المسيحية الثلاث: الايمان والمحبة والرجاء.

عزيزي القارئ، هل امتلأ قلبك بهذه الفضائل الثلاث؟ ان الرسول يحضُّك على أن تصحو وأن تسهر وأن تلبس سلاحك الكامل.

(ج) ويوم الرب يوم يشِّجع المؤمنين (آيات ٩ - ١١)

لم يعيّن الله المؤمنين منذ الازل لاحتمال نتائج غضبه، لأن نتائج الغضب تحلّ بأبناء المعصية. لكن الله عيَّن المؤمنين لاقتناء الخلاص، كما يقول: «تَمِّمُوا خَلاصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» (فيلبي ٢: ١٢). وهذا الخلاص هو بربنا يسوع المسيح، الوسيط الوحيد لخلاص الخطاة، الذي دفع أجرة خطيتهم في فدائه، والذي يقول لهم: «بِدُونِي لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا ١٥: ٥).

هذا المسيح الذي مات لأجلنا فدفع أجرة خطيتنا، هو الذي يضمن لنا خلاصنا، سواء «سهرنا أو نِمْنا» أي سواء كنّا أحياء أو أمواتاً عند مجيئه ثانية، لأننا «إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رومية ١٤: ٨).

والأحياء والأموات عند مجيء المسيح ثانية سيحيون جميعهم معه، لأنهم متحدون بالمسيح الذي قال: «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا ١٤: ١٩).

ويختم الرسول حديثه عن يوم الرب بقوله: «عّزُوا بعضكم بعضاً» بمعنى: شجعوا بعضكم بعضاً بالكلام عن هذه الأمور، لتكون واسطة لتثبيت إيمانكم، وزيادة طاعتكم للرب. ويطلب منهم أن يبنوا بعضهم بعضاً، الأمر الذي يفعلونه فعلاً.

عزيزي القارئ، سيكون يوم الرب يوم رعب على الخطاة، وسيكون يوم بركة للمؤمنين. ونسألك الآن: مِن أيّ فريق أنت، الى أية جماعة تنتمي؟ إنْ كنتَ بعيداً عن الرب نطالبك باسم الرب أن تفتح قلبك للمسيح لتنتمي لفريقه، فتنتظر مجيئه بفرح وتمتلئ نفسك بالتعزية والرجاء.

آية للحفظ

«جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلا ظُلْمَةٍ. فَلا نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ» (١تسالونيكي ٥: ٥ ، ٦).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك لم تحددْ لنا موعداً ليوم الرب، لكي نكون صاحين ساهرين منتظرين مجيء ربنا يسوع المسيح. أبانا، نصلي أن تضُمَّ كثيرين إليك وتقرّبهم ليكونوا لابسين سلاح المؤمن الكامل، فيستطيعون أن يقاوموا في اليوم الشرير.

سؤال

١٢- ما هي الفضائل المسيحية الثلاث التي يذكرها الرسول بولس مقترنة بالدرع والخوذة في آية ٨؟

ثامناً - وصايا عن الحياة المسيحية العملية

١٢ ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي ٱلرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ، ١٣ وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ١٤ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلا تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ، أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ. ١٥ ٱنْظُرُوا أَنْ لا يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا ٱلْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ. ١٦ ٱفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. ١٧ صَلُّوا بِلا ٱنْقِطَاعٍ. ١٨ ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ. ١٩ لا تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ. ٢٠ لا تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُّوَاتِ. ٢١ ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ. ٢٢ ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ. ٢٣ وَإِلٰهُ ٱلسَّلامِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلا لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٢٤ أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً (١تسالونيكي ٥: ١٢ - ٢٤).

في الجزء الأخير من هذه الرسالة يقدّم الرسول بولس مجموعة نصائح عن الحياة المسيحية العملية في سلوك كل يوم:

١ - نصيحة بخصوص القادة (آيتا ١٢ ، ١٣)

لا شك أن قادة الكنيسة في تسالونيكي وبّخوا المؤمنين الكسالى الذين لم يشتغلوا لأنهم كانوا ينتظرون مجيء المسيح ثانية. ويضمُّ الرسول بولس صوته مع أولئك مطالباً مؤمني تسالونيكي بالغيرة والعمل. ويبدو أن أعضاء الكنيسة نظروا إلى القادة نظرة عدم توقير، لأنهم جميعاً حديثون في الإيمان، فكيف يصبح بعضهم قادة بينما عمرهم الروحي متقارب؟

والرسول هنا يطلب من أولئك المؤمنين أن يخضعوا للقادة، وأن يعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم. والرسول يطالب المؤمنين بثلاثة أشياء من نحو قادتهم:

  1. أن يعرفوا قادتهم، بمعنى أنهم يُظهرون بأعمالهم أنهم يعرفون قيمة الشخص الذي يخدمهم ويقوم بواجبه من نحوهم، لأنهم يتعبون بينهم ويدبّرون أمورهم وينذرونهم من الأخطار التي تحيط بهم.

  2. أن يعتبروهم كثيراً، أي أن يكرموهم ويخضعوا لهم ويحبّوهم بسبب العمل الذي يقومون به. ولقد قال الانجيل: «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ. ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ، لا آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» (عبرانيين ١٣: ٧ ، ١٧).

  3. أن يعيشوا في سلام معهم، فبسبب حداثة إيمانهم، وتقصيرهم في أداء واجباتهم المسيحية، وقعوا في اختلافات ومخاصمات. والرسول يطالبهم أن يسالموا بعضهم بعضاً.

٢ - نصائح بخصوص جماعة المؤمنين (آيتا ١٤ ، ١٥)

هذه النصائح يقدّمها الرسول لكل المؤمنين إذْ يفكرون في بعضهم البعض. ويبدأها بقوله: «انذروا الذين بلا ترتيب». فهناك جماعة غير مرتَّبين، مثل الجنود الذين لا يسيرون في صفوف الجنود. ولابد أن بعض المؤمنين في تسالونيكي لم يطيعوا كلمة الله ولا مرشديهم ولا نظام الكنيسة. والرسول يطلب من غيرهم من المؤمنين أن ينذروهم وأن يحذروهم من الخطأ الذي وقعوا فيه.

ويطلب منهم أن «يشجّعوا صغار النفوس» الذين خافوا من الاضطهاد، أو الذين حزنوا على موت أصحابهم، فضعُف إيمانهم ونقصت شجاعتهم وهاجمتهم الشكوك. والرسول يطلب أن نعامل أمثال هؤلاء معاملة رقيقة لطيفة وأن نشجعهم.

ثم يطلب أن «نسند الضعفاء» في الروحيات لقِلّة معرفتهم، ولضعف إيمانهم، ولقلّة صلواتهم. نسندهم بأن نصلي من أجلهم ونساعدهم أن يصلوا من أجل بعضهم البعض.

ثم يطلب أن «يتأنّوا على الجميع» من الذين داخل الكنيسة وخارج الكنيسة. وكثيراً ما نسمع من شخص أن أناته قد وصلت الى منتهاها، ولكن ما أعظم حاجتنا أن ندرّب أنفسنا باستمرار على أن نطيل أناتنا على الإخوة، بأن لا نجازي أحداً عن شر بشر، وأن لا نقاوم الشر بالشر (متى ٥: ٣٩ - ٤٢) كما قال الرسول بطرس: «غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ» (١بطرس ٣: ٩) ونتأنى على الجميع بأن نتبع الخير بعضنا لبعض وللجميع، فنعمل الصالح اللائق أمام الله منكرين نفوسنا. كما قال الرسول: «كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ. لا يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ٩ ، ٢١) وعلينا أن نكون في أناة صانعين الخير لإخوتنا من المؤمنين، ولجميع الذين هم من خارج جماعة المؤمنين أيضاً.

٣ - نصائح من جهة الحياة الشخصية (آيات ١٦ - ٢٤)

بعد أن تحدث الرسول بولس عن واجب المؤمن من نحو قادته الروحيين، ومن نحو إخوته المؤمنين، يبدأ في الحديث عن واجبات المؤمن الشخصية فيقول:

  1. افرحوا. لنفرح ونحن نذكر مغفرة خطايانا، ونحن نذكر أن الله دائماً معنا، ونحن نعلم أن كل الاشياء تعمل للخير للذين يحبون الله.

  2. وقد يقول قائل: كيف أفرح وعندي خسائر ومصاعب وأحزان؟ الاجابة: أنظر الى المسيح مثالك في كل شيء، الذي في وسط أحزانه قال لتلاميذه: «كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ» (يوحنا ١٥: ١١) هذا الفرح لا يستطيع أحد أن ينزعه من المؤمن (يوحنا ١٦: ٢٢). فإن إلهنا إله الفرح.

  3. صلَّوا بلا انقطاع. بمعنى اتّجه إلى الله دائماً بقلبك وبفكرك. لا يلزم أن تدخل مخدعك وتغلق بابك وتنفصل عن العالم. لكن يلزم أن تكون على صلة يومية بالرب، تكلمه دائماً عن كل مشكلة تعترض سبيلك، وتشكره على كل بركة صغيرة أو كبيرة يمنحها لك.

  4. اشكروا في كل شيء. فهكذا يريد الله لك أن تفعل. عندك أشياء كثيرة يمكن أن تشكر الله عليها، فحّوِلْ نظرك إلى الأشياء المنيرة. لا تنْسَ فضل الله عليك، إن المرنم يقول لنفسه: «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته». ما أكثر ما ننسى حسنات الله، وما أكثر ما نتذمر. ولكن لا تنْسَ أن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتك، والمسيح هو الذي يعطيك القدرة على أن تكون شاكراً في كل شيء.

  5. لا تطفئوا الروح. لأن عمل الروح القدس يشبه عمل النار في التنقية. والمؤمن يطفئ روح الله عندما لا يستخدم الموهبة التى أعطاها له الروح القدس. علينا أن نضرم الموهبة التي أعطاها لنا روح الله.

  6. لا تحتقروا النبوات. والنبّوَة هي الوعظ، لأن مَنْ يتنبأ يكلّم الناس ببُنيان ووعظ وتسلية (١كورنثوس ١٤: ٣) ويقول الرسول إن النبوة أو الوعظ هي أفضل من غيرها من المواهب (١كورنثوس ١٤: ٥ ، ٣٩). لذلك عندما نسمع الوعظ يجب أن نصغي اليه باحترام، وأن ندعو أصدقاءنا ليستمعوا الى كلمة الله. وعندما يكلّمنا روح الله القدوس في الوعظ علينا أن ننتبه - «اليوم إنْ سمعتُم صوته فلا تقسّوا قلوبكم» مزمور ٩٥: ٧ ، ٨ وعبرانيين ٣: ٧ ، ٨).

  7. عيشوا حياة القداسة. (آيات ٢١ - ٢٤) في هذه الآيات يحضُّنا الرسول بولس على ضرورة الحياة النقية، فعلينا أن نمتحن كل شيء لنتمسك بالحسن، كما قال الرسول يوحنا: «لا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ١) وآلة الامتحان الصحيحة هي كلمة الله كما قال النبي اشعياء «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!» (إشعياء ٨: ٢٠) وعلينا أن نمتحن الذين يكلّموننا من ثمارهم، لأنه من «ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متى ٧: ٢٠) وعلينا أن نطلب الروح القدس ليرشدنا (يوحنا ١٦: ١٣) وبعد أن نفحص كل شيء نتمسك بالحسن ونمتنع عن كل شبه شر.

وشبْهُ الشر هو الشيء الذى لا لون واضح له، فنحن لسنا متأكّدين أنه خير، ولسنا متأكدين أنه شر.

وشبه الشر هو الشيء الذى يقودنا الى الوقوع في الشر.

ثم يقول الرسول إن إله السلام الذي صالحنا معه، والذي يوجِدُ السلام بين المؤمنين، هو الذي يقدّسنا بالتمام حتى لا نكون ناقصين في شيء، وهو الذي يحفظ روحنا ونفسنا وجسدنا كاملة، بمعنى أنه يحفظ الانسان كله، حتى عندما يجيء المسيح ثانية للفحص والامتحان النهائي يجد أننا بلا لوم. ويختم الرسول هذا الجزء بقوله إننا نبني قداستنا على أمانة الله الذي يدعونا لحياة التقوى، الذي سيفعل أيضاً باستمرار، لأنه مكتوب «ٱلَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهٰؤُلاءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَٱلَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهٰؤُلاءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً» (رومية ٨: ٣٠).

آية للحفظ

«صَلُّوا بِلا ٱنْقِطَاعٍ» (١تسالونيكي ٥: ١٧).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأنك تريد لنا حياة القداسة. إنك تريد أن نمتحن كل شيء، وأنت مستعد أن تساعدنا لكي نحيا الحياة التي تُرضيك. ربنا أسلّم نفسي بين يديك وأطلب أن تعينني لعمل الخير.

سؤال

١٣- ما معنى «لا تطفئوا الروح»؟

تاسعاً - خاتمة الرسالة

٢٥ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا. ٢٦ سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٢٧ أُنَاشِدُكُمْ بِٱلرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ. ٢٨ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ (١تسالونيكي ٥: ٢٥ - ٢٨).

يختم الرسول بولس هذه الرسالة بأن يطلب من المؤمنين أن يصلّوا من أجله، فقد كانت عليه مسئوليات كبيرة، وكان يواجه مقاومة شديدة، وكان معرَّضاً للخطر والفقر. كان محتاجاً للصلاة ليجد التشجيع والقوة والشجاعة في الخدمة. إنْ كان الرسول بولس قد طلب من الإخوة أن يصلّوا من أجله، فكم يحتاج خادم كنيستك أن تصلي من أجله! صلّ من أجل المسئولين. صلّ من أجل إخوتك. ودعونا نرفع بعضنا بعضاً أمام عرش النعمة في الصلاة.

ويطلب الرسول بولس منهم أن يسلّموا بعضهم على بعض بقبلة مقدسة، فقد كانت العادة في الكنيسة الأولى أنهم بعد صلاة يوم الأحد يقبّل الرجال بعضهم وتقبّل السيدات بعضهنّ، علامة على المحبة الشديدة، من قلبٍ طاهر، بلا رياء.

ويختم الرسول الرسالة بأن يناشد الأخوة أن يقرأوا ما كتبه لهم على جميع القديسين، حتى يعرف كل المؤمنين في كل مكان ما كتبه. وما يقوله الرسول هنا ينطبق عليك أنت يا عزيزي القارئ، فعليك أن تقرأ الكلمة المقدسة ليسمعها غيرك، وأن تشارك الآخرين فيها. أنت تقرأ لتجد البركة، وتشارك غيرك في هذه البركة.

وتختم الرسالة بالقول: «ونعمة ربنا يسوع المسيح معكم» . فقد طلب لهم نعمة الله الكاملة لتسندهم، ولتمنحهم كل غنى البركات الإلهية.

آية للحفظ

«نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ» (١تسالونيكي ٥: ٢٨).

صلاة

أبانا السماوي، نقدم لك الشكر لأجل محبتك العظيمة لنا. نشكرك لأنك تريد أن تربطنا بجماعة المؤمنين في رابطة المحبة المقدسة، فنصلي من أجل بعضنا البعض، ونحب بعضنا، ونشارك غيرنا في الكلمة المقدسة التي علّمْتَها لنا.

سؤال

١٤- ما هي مسئوليتك من نحو راعي كنيستك؟

المسابقة الأولى في دراسة تسالونيكي الأولى

أيها القارئ العزيز

إنْ تعمَّقْتَ في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره تستطيع أن تجاوب بسهولة على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إنْ جاوبْت إجابة صحيحة على عشرة أسئلة من الأسئلة الأربعة عشر الموجودة في هذا التفسير نرسل لك كتاباً جائزة، تختاره أنت من قائمة الكتب الموجودة في نهاية هذا الكتاب.

  1. ما معنى كلمة «كنيسة في الله»؟

  2. ما معنى كلمة «صبر» عند المسيحيين؟

  3. في آيتى ٧ ، ١١ من أصحاح ٢ يقدم الرسول وصفين لمحبته لأهل تسالونيكي. أذكرهما.

  4. كيف عطل الشيطان بولس عن زيارة كنيسة تسالونيكي؟

  5. أذكر صفتين من الصفات التي وصف بها بولس تيموثاوس.

  6. اذكر شيئاً كان إيمان أهل تسالونيكي فيه ناقصاً.

  7. ما هي إرادة الله لك كما تراها في ١تسالونيكي ٤: ٣؟

  8. اكتب آية تبيّن ضرورة محبة الآخرين.

  9. أذكر فائدة من فوائد العمل الجاد.

  10. كيف سيُعلَن عن مجيء المسيح ثانية؟

  11. ما هو التشبيه الذي يصف به الإنجيل موعد مجيء يوم الرب؟

  12. ما هي الفضائل المسيحية الثلاث التي يذكرها الرسول بولس مقترنة بالدرع والخوذة في ١تسالونيكي ٥: ٨ ؟

  13. ما معنى «لا تطفئوا الروح»؟

  14. ما هي مسئولياتك من نحو راعي كنيستك؟

إن أرسلتَ إجابة هذه المسابقة إلينا، فلا تنْسَ أن تذكر إسمك وعنوانك بالكامل وبوضوح.

ارسل الإجابة فقط بدون تعليقات أخرى لئلا تُهمَل، ونحن بانتظار إجابتك.

عنواننا:

 
Call of Hope 
P.O.Box 100827  
D-70007  
Stuttgart  
Germany 

الرسالة الثانية إلى تسالونيكي

ملخص رسالة تسالونيكي الثانية

أولاً: التحية ١: ١ ، ٢

ثانياً: أهل تسالونيكي يواجهون الاضطهاد ١: ٣ - ١٢

  1. واجهوا الاضطهاد بقلب سليم ٣ ، ٤

  2. واجهوا الاضطهاد بفكر سليم ٥ - ١٠

  3. واجهوا الاضطهاد بسلوك سليم ١١ ، ١٢

ثالثاً: تعليم عن يوم الرب ٢: ١ - ١٧

  1. يوم الرب لم يجيء ١ - ٥

  2. استعلان الأثيم ٦ - ١٢

  3. موقف المؤمن من يوم الرب ١٣ - ١٧

رابعاً: وصايا عن الحياة المسيحية العملية ٣: ١ - ١٥

  1. الرسول يطلب صلاتهم من أجله ١ - ٥

  2. الرسول يحذرهم من الكسل ٦ - ١٣

  3. يجب عدم مخالطة المخالف ١٤ ، ١٥

خامساً: الخاتمة ٣: ١٦ - ١٨

أولاً - التحية

١ بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱلتَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٢ نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (٢تسالونيكي ١: ١ ، ٢).

كتب الرسول بولس رسالته الثانية الى أهل تسالونيكي بعد وقت قليل من كتابة الرسالة الأولى إليهم، والدليل على ذلك أنه كتب اسميْ سلوانس وتيموثاوس في مطلع الرسالة، مما يدلُّ على أن هذين الشخصين كانا لا يزالان مجتمعيْن معه أثناء الكتابة.

ويقول سفر أعمال الرسل إن سيلا وتيموثاوس اجتمعا ببولس في كورنثوس (أعمال ١٨: ١ ، ٥) وكان الرسول قد كتب رسالته الأولى إلى تسالونيكي من كورنثوس، فعادت إليه أخبار تتحدث عن حالة الكنيسة هناك بعد استلام الرسالة الأولى، فكتب رسالته في ضوء التقرير الذي وصله.

وتحتوي الرسالة الثانية على تصحيحاتٍ لأفكار أهل تسالونيكي بخصوص الاضطهادات الواقعة عليهم (الأصحاح الأول). وبخصوص المواعظ التي سمعوها عن مجيء المسيح ثانية، وعن يوم الرب(الأصحاح الثاني). وبخصوص سلوكهم المسيحي اليومي(الأصحاح الثالث).

والتحية الموجودة في الرسالة الثانية تشبه كثيراً التحية التي جاءت في الرسالة الأولى، ولكنها تبتدئ بنفس الطريقة، فيكتب بولس أولاً أسماء مرسلي الرسالة، ثم يكتب اسم المرسَل إليهم، وهم أهل تسالونيكي. ولا يزال سلوانس (وهو نفسه سيلا) وتيموثاوس موجودَيْن مع الرسول.

ويخاطب بولس كنيسة تسالونيكي بذات اللقب الذي استعمله في الرسالة الأولى «إلى كنيسة التسالونيكيين» - أي جماعة المؤمنين في تسالونيكي الذين دعاهم الرب من العالم ليكونوا مِلكاً له.

أما الزيادة في التحية في الرسالة الثانية عن الرسالة الأولى فهي قوله: «في الله أبينا» بدلاً من «في الله الآب». ومعنى هذا أن لله صلةً شخصيةً بنا، فهو أبونا. والرسول هنا يوضّح الصلة بين الله الآب والمؤمنين، كما يوضح الصلة بين الله الآب والرب يسوع المسيح.

ومع أن كنيسة تسالونيكي كانت مضطهدة، إلا أنها كانت في الله الآب وفي الرب يسوع، الذي يدبّر لهم الحماية الروحية في وسط الاضطهادات والمتاعب. وكما رأينا في الرسالة الأولى فإن التحية بالنعمة وبالسلام تضمنان للمؤمن الاحتياجات الكاملة، فالنعمة مصدر كل بركة روحية، خصوصاً بركة الخلاص بالمسيح التي أنعم الله بها علينا. أما السلام فهو الخير الأسمى الذي نجده في يسوع المسيح وحده.

آية للحفظ

«نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢تسالونيكي ١: ٢).

صلاة

أنت أبونا، والمسيح يسكن في قلوبنا. أعنّا لنثبت فيك أكثر، فنستطيع أن نواجه مسئوليات العالم بنعمة وبانتصار.

سؤال

١- ما معنى كلمة كنيسة؟

ثانياً - أهل تسالونيكي يواجهون الاضطهاد (٢تسالونيكي ١: ٣ - ١٢)

كان الاضطهاد نصيب كنيسة تسالونيكي منذ أن وُلدت (أعمال ١٧: ١ - ٩) ولو أن الكنيسة نمَتْ بالرغم من الاضطهادات والمتاعب (١تسالونيكي ١: ١، ٦، ٢: ١٤، ٣: ١-٣). ويبدو أن بعض المؤمنين أثاروا سؤالاً هو: لماذا الاضطهاد؟ وفي هذه الآيات يقدّم بولس العلاج لحالة الاضطهاد التي تواجهها كنيسة تسالونيكي، كما يواجهها المؤمنون دائماً في العالم. ويقدّم الرسول وصْفةً تحتوي على ثلاثة أشياء تساعد على مواجهة الاضطهاد:

  1. واجهوا الاضطهاد بقلب سليم (آيتا ٣ ، ٤)

  2. واجهوا الاضطهاد بفكر سليم (آيات ٥ - ١٠)

  3. واجهوا الاضطهاد بسلوك سليم (آيتا ١١ ، ١٢)

١ - واجهوا الاضطهاد بقلب سليم

٣ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ كَمَا يَحِقُّ، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعاً بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ، ٤ حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ ٱللّٰهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ ٱضْطِهَادَاتِكُمْ وَٱلضِّيقَاتِ ٱلَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا (٢تسالونيكي ١: ٣ ، ٤).

يبدأ بولس رسالته كعادته في معظم رسائله بأن يشكر الله على المؤمنين الذين يكتب اليهم. ان بولس دوماً ينظر الى الجانب المشرق في حياة المؤمنين ليفرح بهم وليمجّد الله من أجلهم، فيقول: «ينبغى لنا أن نشكر الله كل حين». وهذا يعني أننا عندما نفكر في إخوتنا المؤمنين يجب أن نفكر فيهم بالشكر لله وبالتسبيح له، وأن يكون شكرنا كل حين.

يقدم بولس شكره لأنه في الرسالة الأولى اشتاق أن يكمل نقائص إيمانهم، بمعنى الأمور التى لم يكونوا يعرفونها. أما الآن فيقول لهم إن إيمانهم ينمو كثيراً.

في الرسالة الأولى كان يحرّضهم أن ينموا ويزدادوا في المحبة بعضهم لبعض (٣: ١٢) لكنه استطاع أن يقول هنا إن محبة كل واحد منكم جميعاً بعضكم لبعض تزداد. من هذا يظهر أن وعظه أثمر ثمراً، وحقق أهلُ تسالونيكي في حياتهم ما أراد الروح القدس أن يعلّمه لهم في الرسالة الأولى.

لقد قال لهم في الرسالة الأولى: «مُتَذَكِّرِينَ صَبْرَ رَجَائِكُمْ» (١: ٣). وهنا يقول : «بل اننا نفتخر بكم في كنائس الله من أجل صبركم وإيمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها». ما أجمل أن تكون حياتنا حياة الصبر والايمان حتى نكون سبب بركة للمؤمنين الآخرين الذين يروننا.

عزيزي القارئ، هل ينمو إيمانك كثيراً؟

سينمو إيمانك عندما تعرف أكثر عن الشخص الذي وضعْتَ فيه إيمانك، فتقول : «لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ» (٢تي ١: ١٢). وينمو إيمانك عندما تختبر الرب أكثر في وسط الصعوبات والمتاعب، فتجد أنه يسرع إلى معونتك. وينمو إيمانك عندما ترى الرب يعمل فيك فتدرك أنه حيّ وفعال. كما أن الاضطهاد يجعل إيمانك ينمو.. إنك تدرك عجز مواردك الشخصية عن مواجهة المواقف، فتُلقي بنفسك تماماً على الرب، وتكتشف أن إلهك القوي يرفعك.

آية للحفظ

«إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيراً، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعاً بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ» (٢تسالونيكي ١: ٣).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأن إيماننا ينمو بك عندما نكتشف صلاحك وأمانتك فنتكل عليك. نسأل أن تزيد محبتنا بعضنا لبعض، ونسأل أن تعطينا الصبر في مواجهة المتاعب، عندما نعلم أن الغد المشرق موجود دائماً بالنسبة للمؤمنين.

سؤال

٢- اذكر أمراً يساعد على نمو الإيمان.

٢ - واجهوا الاضطهاد بفكر سليم

٥ بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضاً، ٦ إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقاً، ٧ وَإِيَّاكُمُ ٱلَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا عِنْدَ ٱسْتِعْلانِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلائِكَةِ قُّوَتِهِ، ٨ فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٩ ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُّوَتِهِ، ١٠ مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ. لأَنَّ شَهَادَتَنَا عِنْدَكُمْ صُدِّقَتْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ (٢تسالونيكي ١: ٥ - ١٠).

يواجه المؤمن الاضطهادات بموقف سليم عندما ينمو إيمانه، وتزيد محبته، ويتقوى صبره في مواجهة الاضطهادات. على أن المؤمن يتساءل عادة: لماذا الاضطهاد؟ فإنْ كان الله صالحاً، فلماذا يسمح بآلام المؤمنين؟

في هذه الآيات يجاوب الرسول بولس على هذا السؤال، ويوضح أن مجيء المسيح ثانية سوف يكون:

  1. نهاية لآلام المؤمنين (آيات ٥ ، ٧ ، ١٠)

  2. وسيكون عقوبة شديدة على الخطاة(آيات ٦ ، ٨ ، ٩)

أ) التجارب علامة على قضاء الله العادل للمؤمنين (آيات ٥ ، ٧ ، ١٠)

قال الرسول بولس: «غَيْرَ مُخَّوَفِينَ بِشَيْءٍ مِنَ ٱلْمُقَاوِمِينَ، ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي هُوَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ لِلْهَلاكِ، وَأَمَّا لَكُمْ فَلِلْخَلاصِ» (فيلبي ١: ٢٨) فقد كان صبر أهل تسالونيكي وثباتهم في وقت الاضطهاد برهان على قضاء الله العادل، لأنه وهب لهم النعمة، ولذلك فانه سيجازي طاعتهم له بزيادة النعمة لهم حسب الوعد المبارك «مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ» (متى ١٣: ٢٠) وسيحسبهم الله أهلاً لملكوته عندما يقول المسيح لهم: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متى ٢٥: ٣٤). فالله يؤهل المؤمنين لملكوت الله بواسطة الضيقات، عندما يتألمون من أجل المسيح، لأنهم يحبونه ولأنهم أمناء له، فيقول لهم: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ» (متى ٥: ١١).

وفي الآية السابعة يقول الرسول إن الله سيعطي المؤمنين راحة عند ظهور مجد المسيح، كما قال: «مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (كولوسى ٣: ٤) نعم. سيستريحون من أتعابهم، من المخاصمات والشتائم وشهادة الزور وبُغض الأصدقاء والتعذيب، راحة كاملة أبدية، عندما يظهر المسيح بمجده من السماء مع ملائكة قوته، الذين سيعلنون عظمته.

أما في الآية العاشرة فإن الرسول يقول إن جزءاً من مجد المسيح في اليوم الأخير سيظهر في أنه سيجيء بجماعة المفديين الذين اقامهم من الموت، والذين مجَّد أرواحهم وكمَّلها بنعمته، وتغيّرت أجسادهم بقوته، وجعلها على صورة جسد مجده. وعندما يقارنون حالتهم بحالة الأشرار الذين سيهلكون يقدّمون له المجد كله. وكما يكرم التلاميذ الناجحون معلّمهم. وكما يكرم الجنود الشجعان قائدهم، هكذا يمجِّد المؤمنون سيدهم وفاديهم، الذي صلى من أجلهم: «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ... وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ... أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ ٱلْمَجْدَ ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا ١٧: ٥ ، ١٠ ، ٢٢).

نعم. يُتعجَّب منه في عمله العظيم للمؤمنين، إذ نرى عددهم الكبير من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان، وعندما نرى ما حصلوا عليه من الفضائل بنعمة المسيح، وما أظهروه من الأمانة وقوة الإيمان في وسط التجارب.. إن آلام المؤمنين برهان على قضاء الله العادل الذي ينقّي المؤمنين ويمجّدهم معه. وعندما يثور السؤال: «هٰؤُلاءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» فَقُلْتُ لَهُ: هٰؤُلاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللّٰهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ... وَيَمْسَحُ ٱللّٰهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (رؤيا ٧: ١٣ - ١٧).

(ب) قضاء الله العادل على المقاومين (آيات ٦ ، ٨ ، ٩)

سوف يجازي الله بالضيق الظالمين المضايقين، كما قال المسيح: «بِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (متى ٧: ٢) وكما قال الرسول يعقوب: «ٱلْحُكْمَ هُوَ بِلا رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً» (يعقوب ٢: ١٣).

نعم. سيظهر الله في نار لهيب - إشارة إلى طهارته وجلاله، وإشارة إلى ما سيستخدمه في معاقبة الأشرار، لينتقم من الأشرار الذين لا يعرفونه ولا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح.

الذين لا يعرفونه سينالون عقوبة فرعون الذي قال: «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِم؟» (خروج ٥: ٢) وكما قال الرسول بولس: «وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ» (رومية ١: ٢٨).

أما الذين لا يطيعون الله فهُم الذين يقولون إنهم يعرفونه، لكنهم بتصرّفهم اليومي لا يطيعونه «يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ، وَلٰكِنَّهُمْ بِٱلأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ» (تيطس ١: ١٦) «لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ ٱللّٰهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ ٱللّٰهِ... لٰكِنْ لَيْسَ ٱلْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا ٱلإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟» (رومية ١٠: ٣ ، ١٦) «شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ» (رومية ٢: ٩). سوف يعاقب الله الأشرار بهلاك أبدي، كما يقول المسيح للذين عن اليسار: «ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلائِكَتِهِ، فَيَمْضِي هٰؤُلاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متى ٢٥: ٤١ ، ٤٦).

سيكون مجيء المسيح ثانية بهجةً للمؤمنين، ورعباً للأشرار «وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ... وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُّوَةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (متى ٢٤: ٣٠).

آية للحفظ

«عَادِلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقاً» (٢تسالونيكي ١: ٦).

صلاة

أبانا السماوي، ارفع عيوننا إليك لندرك أنك القاضي العادل، الذي لابد أنك تجازينا حسب ما نعمل، خيراً كان أم شراً. نصلي أن تجعل قلوبنا مليئة بالإيمان والمحبة لك وللآخرين، حتى ننتظر المجد السماوي عند مجيء المسيح ثانية في مجده.

سؤال

٣- اذكر علامة على عدل الله من نحو المؤمنين المتألمين.

٣ - واجهوا الاضطهاد بسلوك سليم

١١ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ نُصَلِّي أَيْضاً كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ: أَنْ يُؤَهِّلَكُمْ إِلٰهُنَا لِلدَّعْوَةِ، وَيُكَمِّلَ كُلَّ مَسَرَّةِ ٱلصَّلاحِ وَعَمَلَ ٱلإِيمَانِ بِقُّوَةٍ، ١٢ لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱسْمُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِيكُمْ، وَأَنْتُمْ فِيهِ، بِنِعْمَةِ إِلٰهِنَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (٢تسالونيكي ١: ١١ ، ١٢).

عندما يكون قلبُ الانسان سليماً مع الله ينمو روحياً. وعندما يكون فكر الإنسان سليماً من نحو الله فانه يعرف الحقائق التي تسنده في سيره في برية الحياة. وعندها يكون سلوكه سليماً يمجّد الله.

ويرفع الرسول بولس في هاتين الآيتين صلاةً إلى الله أن يكون سلوك أهل تسالونيكي سلوكاً سليماً.

يصلي الرسول أن الله يؤهّلهم للدعوة التي دعاهم بها. هل سمعتَ عن التأهيل المهني؟ هو تدريب وتعليم. والرسول يطلب أن الله يدرّب أهل تسالونيكي ليجعلهم نافعين للخدمة بحسب الدعوة التي دعاهم بها.(١) فقد دعاهم الله للقداسة. (٢) كما دعاهم للسلوك بمقتضى ما يحقّ للقداسة. (٣) كما دعاهم إلى مجده حين يسمعون صوت الرب يقول لهم: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متى ٢٥: ٣٤).

ويطلب الرسول بولس أن يكمل الله كل مسرَّة الصلاح، فإن مسرة الله هي بصلاح أهل تسالونيكي. وقد أظهر الله مسرته بهم عندما دعاهم للخلاص، والرسول يطلب أن يكمل الله مسرته بصلاحهم، عندما يعمل إيمانهم بقوة فيغلب العالم الشرير، حسب قول الرسول يوحنا : «مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَغْلِبُ ٱلْعَالَمَ، إِلا ٱلَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (١يوحنا ٥: ٤ ، ٥).

وعمل الإيمان هو التبرير بمغفرة خطية الماضي، وعمله في الحاضر بقوة هو تقديس المؤمن، وعمل الإيمان القوي في المستقبل هو التمجيد. وهذه القوة التي تعمل في الإيمان هي قوة إلهية.

وعندما يصبح أهل تسالونيكي مؤهَّلين للدعوة. وعندما يكملون مسرة الله بصلاحهم، يعمل إيمانهم بقوة، فيتمجَّد اسم ربنا يسوع المسيح في سلوك أهل تسالونيكي، بصبرهم وطاعتهم و أمانتهم وهم على الأرض. ثم يكملهم بالقداسة في السماء، لأنهم اشتركوا مع المسيح في آلامه، فيشتركون معه في أمجاده، بنعمة من إلهنا. وهذا يُظهر أن تمجيدهم هو أمر لا يستحقونه، لكنه عطاء كريم لهم من الله وربنا يسوع المسيح.

عزيزي القارئ، هل أهَّلَكَ اللهُ للدعوة؟ هل أكمل مسرَّته بالصلاح الذي تعمله؟هل يعمل إيمانك بقوة الله فيك؟

لنطلب من الرب أن يعطينا ضمائر مدرَّبة حتى يكون سلوكنا مناسباً لدعوتنا، فيتحقّق فينا وصْفُ المزمور الأول عن المؤمن أنه «لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف» ولتكن حياتنا حياة القداسة والتواضع وإنكار الذات والتضحية والثقة والاتكال على الله.

آية للحفظ

«لِكَيْ يَتَمَجَّدَ ٱسْمُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِيكُمْ» (٢تسالونيكي ١: ١٢).

صلاة

يا أبي السماوي، أرجو أن تدرّبني لأسلك حسب الدعوة التي دعوتني بها للقداسة وللطاعة وللمجد الأبدي. كمّلني لأعمل ما تريده مني.

سؤال

٤- ما معنى كلمة يؤهّل ؟

ثالثاً - تعليم عن يوم الرب ٢ تسالونيكي ٢: ١ - ١٧

تحدث الرسول بولس في الرسالة الأولى عن يوم الرب، وعن الغضب الذي يحل بالبشر عند مجيئه. وقد لاحظ بعض أهل تسالونيكي أنهم يتألمون كثيراً ويقاسُون من الاضطهادات والمتاعب، فظنُّوا أن يوم الرب قد جاء، ولذلك فانهم يتعرّضون لهذا التعب كثيراً. ويوضح الرسول بولس هنا أن يوم الرب لم يجيء بعد، وانه لابد أن يحدث ارتداد عظيم في الكنيسة قبل أن يجيء المسيح ثانية، وسيظهر ابن الهلاك ولكن الرب يبيده.

ونجد في هذا الجزء ثلاثة أفكار رئيسية:

  1. إن يوم الرب لم يجيء بعد (آيات ١ - ٥)

  2. استعلان الأثيم (آيات ٦ - ١٢)

  3. موقف المؤمن من يوم الرب (آيات ١٣ - ١٧)

١ - يوم الرب لم يجيء

١ ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، ٢ أَنْ لا تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلا تَرْتَاعُوا، لا بِرُوحٍ وَلا بِكَلِمَةٍ وَلا بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ. ٣ لا يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لا يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلٱرْتِدَادُ أَّوَلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاكِ، ٤ ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ. ٥ أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هٰذَا؟ (٢تسالونيكي ٢: ١ - ٥).

يطلب الرسول بولس من المؤمنين أن لا يتزعزعوا في أفكارهم ولا يرتعبوا، فقد قال المسيح : «وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لا تَرْتَاعُوا» (متى ٢٤: ٦). كان بعض المعلمين قد أعلنوا حقائق قالوا إنها وحيٌ من الروح، ولكن الحقيقة أنها لم تكن من الروح القدس. وعزا بعضهم كلماتٍ إلى الرسول بولس، وجاءوا برسالة كأنها منه، لكنها في واقع الأمر لم تكن منه. قالوا إن يوم مجيء المسيح ثانية قد جاء، تماماً كما حدث في تعليم هيمينايس وفيليتس اللذيْن قالا إن القيامة قد صارت (٢تيموثاوس ٢: ١٨). والرسول بولس يقول إنه لا يجب على أهل تسالونيكي أن يتزعزعوا أو أن ينخدعوا بأي شكل من الأشكال، فيوم الرب لا يجيء إلا بعد أن يسود الكُفْر، ويظهر إنسان الخطية، ابن الهلاك. نعم لابد أن يأتي الارتداد أولاً «وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ ... وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَلِكَثْرَةِ ٱلإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِينَ» (متى ٢٤: ١٠ - ١٢) «وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟» (لوقا ١٨: ٨). فالارتداد هو تَرْكُ الناس لله، فالذين كانوا متمسّكين بالمسيح يتركون المسيح. وسيكون هذا الارتداد بعد قلاقل عظيمة وحروب شديدة وبلايا متعددة. عندها يُستَعلَن إنسان الخطية بطريقة محسوسة ظاهرة. إن سرَّ الأثم يعمل الآن في الكنيسة بطريقة غير منظورة، لكنه سيظهر بعد ذلك واضحاً. ويلقّب الرسول «إنسان الخطية» بأنه «ابن الهلاك» بمعنى أن طبيعته الهلاك. و «ابن الهلاك» هو اللقب الذي أُطلق على يهوذا الإسخريوطي (يوحنا ١٧: ١٢) ومن هذا نرى أن ضد المسيح أو إنسان الخطية أو ابن الهلاك هو الشخص الذي يخون المسيح ويبيعه، بعدما عرفه.

في الآية الرابعة يسمّيه الرسول «المقاوم والمرتفع». وهذا وصْفٌ يشبه الكلام الذي وصف به النبيُّ دانيال ملك الشمال. وقد تمّت هذه النبوة بعض التمام (دانيال ١١: ٣٦ ، ٣٧) كما أن حديث بولس هنا يشبه ما نُسب إلى الشيطان (اشعياء ١٤: ١٢ - ١٤) فهو يدَّعي لنفسه مقاماً فوق مقام الإله الحقيقي، حتى أنه يجلس في هيكل الله ويطلب لنفسه الكرامة والطاعة الخاصتين بالله وحده. ويقصد الرسول بولس بذلك أن هذا المضلّ سيأخذ مقاماً خاصاً في قلوب أعضاء الكنيسة، وهو المقام المختص بالله وحده. وهذه إحدى العلامات الهامة التي يُعرَف بها إنسان الخطية، وهي أنه يطالب بالعبادة التي لا تجوز إلا لله، ويطالب بخضوع الناس له كخضوعهم لله. ويقول الرسول بولس إنه قد سبق أن قال لهم هذا الكلام عندما كان عندهم.

وقد اختلف المفسرون كثيراً فيما قصده الرسول بولس بإنسان الخطية. قال بعضهم إن هذا الكلام ينطبق على ما حدث في عصر الرسول بولس، وهو أن الإمبراطور الروماني نيرون أو تيطس أو غيرهما هو ضد المسيح، وقال آخرون إن هذا الكلام ينطبق على قوةٍ لم تظهر بعد، لكنها سوف تظهر.

لكن المعنى الأقرب الى الفكر الانجيلي هو أن بولس لا يشير هنا إلى شخصٍ واحدٍ أو قوة واحدة بالذات، تظهر في وقت واحد، بل يشير الى أمور متوالية حدثت وستحدث، كلها ضد المسيح، كما قال الرسول يوحنا: «إنه قَدْ صَارَ ٱلآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ» (١يوحنا ٢: ١٨).

كما يشير الرسول بولس الى شخصية صاحبة سلطان تقوم ضد المسيح، ويكون ظهورها سابقاً لمجيء المسيح ثانية.

آية للحفظ

«المسيح... لا يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلٱرْتِدَادُ أَّوَلاً» (٢تسالونيكي ٢: ٣).

صلاة

أبانا السماوي، أعطنا النعمة التي تجعلنا نعرف علامات مجيئك ونتحذَّر ونستيقظ ونصحو بالصلوات. ربنا هناك أضداد للمسيح كثيرون. ساعدنا أن نحترس منهم، وأن نعطيك أنت الولاء كله.

سؤال

٥- ماذا يقصد الرسول بولس بقوله «إنسان الخطية»؟

٢ - استعلان الأثيم

٦ وَٱلآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. ٧ لأَنَّ سِرَّ ٱلإِثْمِ ٱلآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ ٱلَّذِي يَحْجِزُ ٱلآنَ، ٨ وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلأَثِيمُ، ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ. ٩ ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُّوَةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، ١٠ وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. ١١ وَلأَجْلِ هٰذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللّٰهُ عَمَلَ ٱلضَّلالِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ، ١٢ لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ (٢تسالونيكي ٢: ٦ - ١٢).

إنْ كان المفسرون قد اختلفوا عن من يكون إنسان الخطية، الأثيم، إلا أنهم متفقون على أن يوم الرب لم يحضر بعد، وإنسان الخطيئة لم يُستعلَنْ بعْدُ في كل صفاته، وأن سر الاثم لا يزال يعمل في الكنيسة وقد زاد عمله. ويقول الرسول بولس إن الذي يجعل «إنسان الخطيئة» لا يظهر بكمال قوته هو «الذي يحجز». تُرى ما هو العائق أو الذي يحجز ويمنع إنسان الخطيئة عن الظهور، إلا في الوقت الذي حدده الله له؟ قال البعض إنه الروح القدس، أو صلوات المؤمنين.. ولكن إن كان هو الروح القدس أو صلوات المؤمنين، فلماذا لم يقل الرسول بولس ذلك مباشرة؟ لا شك أن الذي يحجز كان معروفاً عند أهل تسالونيكي، ولذلك لم يذكره الرسول. أو أن ذكره سوف يعرِّض الرسول بولس للخطر من الحكومة الرومانية، ولذلك لم يذكره.

ويمضي الرسول بولس ليقول: «لأن سر الاثم الآن يعمل». سمَّاه سراً لأنه لم يظهر وقت كتابة الرسالة بالظهور الواضح الذي سيظهر به عند مجيء المسيح ثانية. ولم يُشِر الرسول بولس الى شخص بعينه، بل أشار إلى ملكوت الشر الذي يعمل في الخفاء في أجيال كثيرة متوالية، في كل جيل منها يظهر واحدٌ من أضداد المسيح الكثيرين (١يوحنا ٢: ١٨). سرُّ الإثم هذا الذي هو الكبرياء الروحية، يشبه الزوان الذي زرعه العدّو وسط الزرع الجيد (متى ١٣: ٢٤ - ٣٠) فلم يظهر فى أول الأمر - ولكن الرسول بولس يدرك أنه سوف يظهر فيما بعد. لقد رأى الرسول بولس علامات عمل سرّ الإثم في الكنيسة، كما رأى الرسول يوحنا ذلك (أنظر ١يوحنا ٢: ١٨ ، ٤: ٣) وسوف يعمل سر الإثم إلى أن ينزاح العائق الذي يعطله عن أن يظهر. وما أن ينزاح العائق الذي يحجز، حتى ينكشف الأثيم العاصي لله والناس - إنسان الخطيئة المقام والمرتفع - الذي يجلس في هيكل الله مُظهراً نفسه أنه إله. وعندها يلاشيه المسيح كل الملاشاة بسهولة، كما قال إشعياء عن المسيح: «يَضْرِبُ ٱلأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ» (إشعياء ١١: ٤) وهكذا يبطِلُ المسيحُ الأثيم كما يبيد شروق الشمس ظلمة الليل.

وفي الآية التاسعة يفصّل الرسول بولس أمور مجيء هذا الأثيم، فيقول إن مجيئه العلنى هو من عمل الشيطان، لأن الشيطان يبذل كل ما يستطيعه ليساعد الاثيم بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، لأن الكذب أساسها وجوهرها وغايتها، كما قال المسيح : «سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً» (متى ٢٤: ٢٤).

إن معجزات إنسان الخطيئة تشبه المعجزات التي قام بها السحرة المصريون، لكي يبطلوا تأثير معجزات موسى الصادقة التي هي من عند الله. وهكذا فان الأثيم يحاول أن يغري بالشر أولئك الذين مصيرهم الى الهلاك، لأنهم رفضوا محبة الحق الذي يمنحهم الخلاص. فكل من ينجذب إلى تعاليم ذلك الأثيم هو الذي رفض تعاليم هذا الحق الآتي من عند الرب، كما قال المسيح لليهود: «أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا... مَتَى تَكَلَّمَ بِٱلْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (يوحنا ٨: ٤٤) وكل الذين يتبعون هذا الأثيم يفقدون الخلاص، ولذلك فإن الله سيرسل إليهم عمل الضلال، عقاباً عظيماً، لأنهم رفضوا الحق، فيصير النور الذي فيهم ظلاماً (متى ٦: ٣٣) فإذا بهم يصدقون الكذب ومكائد الضلال التي يعلنها إنسان الخطيئة. وهكذا تحلّ بهم دينونة الله، مع جميع الذين لم يصدّقوا الحق، الذين رغبوا في الباطل، وأسعدهم الإثم، ويتم فيهم القول: «الذي لا يؤمن قد دِين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد». «وَكُلُّ رُوحٍ لا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ٱلْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ. وَهٰذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ ٱلْمَسِيحِ» (١يوحنا ٤: ٣).

آية للحفظ

«لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ» (٢تسالونيكي ٢: ١٢).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأن هناك من يحجز الأثيم. نشكرك لأجل عمل الروح القدس الذي يعطل عمل الشيطان. نصلي أن تساعدنا لكي ندرك ألاعيب الشيطان وخديعة الإثم التي يحاول أن يهلك بها الناس، لكي نجد خلاصنا في المسيح وحده، وسعادتنا في إرضائه.

سؤال

٦- لماذا يصدّق الناس الكذب؟

٣ - موقف المؤمن من يوم الرب

١٣ وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱلرَّبِّ، أَنَّ ٱللّٰهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاصِ، بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ. ١٤ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لٱقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ١٥ فَٱثْبُتُوا إِذاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِٱلْكَلامِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا. ١٦ وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، وَٱللّٰهُ أَبُونَا ٱلَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيّاً وَرَجَاءً صَالِحاً بِٱلنِّعْمَةِ، ١٧ يُعَّزِي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلامٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ (٢تسالونيكي ٢: ١٣ - ١٧).

في هذا الجزء الأخير من الأصحاح يتّجه الرسول بولس من الحديث عن عمل الأثيم، ضد المسيح، والمصير الرهيب له ولأتباعه، ليتحدث عن المستقبل الجميل الذي ينتظر كنيسة تسالونيكي وجماعة المؤمنين.

إنه يقدّم الشكر من أجلهم كما فعل ذلك في مطلع الرسالة (١: ٣) فقال: «ينبغي لنا أن نشكر الله كل حين من جهتكم أيها الإخوة». فهو يرفع شكره لله مرة أخرى، ، ويرى ضرورة رفع هذا الشكر من أجل عمل الرب العظيم في قلوب المؤمنين في كنيسة تسالونيكي.

وفي هذا الجزء نجد فكرتين:

  1. مركز المؤمن (آيتا ١٣ ، ١٤)

  2. ممارسة المؤمن (آيات ١٥ - ١٧)

(أ) مركز المؤمن: يقول الرسول بولس إن مركز المؤمن كامِنٌ في أمريْن: أن الله قد اختاره (آية ١٣) «الله اختاركم من البدء للخلاص». وثانياً أن الله قد دعاه (آية ١٤) «الأمر الذي دعاكم الله إليه بإنجيلنا».

فكما اختار الله أولاد إبراهيم شعباً خاصاً له، هكذا اختار هؤلاء المؤمنين من البدء، من قبل تأسيس العالم، ليكونوا خاصته، ليخلصهم ويقدسهم بعمل الروح القدس وبالإيمان بالحق. والرسول هنا يعلن العمل الإلهي والمسئولية الإنسانية، فان خلاص الله يتطلَّب إنعاماً خاصاً من جانب الله، بفعّالية الروح القدس في قلب المؤمن، وإعلان الحق له. ومن جانب الإنسان عليه أن يصدّق الحق ويقبله ويستجيب لفعالية الروح القدس في حياته. كما أن الإنسان حرٌّ أن يرفض الخلاص، كما رفض أكثر اليهود المسيح وصلبوه، فحكموا على أنفسهم بالهلاك.

لقد اختار الله جماعة المؤمنين من البدء، لكنه دعاهم الآن في هذا الزمن الذى يعيشون فيه، عندما أرسل اليهم رسالة الإنجيل التي تحدّثهم عن المجد العظيم الذي ينتظرهم في المسيح. نعم، لقد دعاهم الله بالبشارة التي حملها الرسول لينالوا مجد ربنا يسوع المسيح.

عزيزي القارئ، هل تعرف أن الله قد اختارك لتقرأ هذه الكلمات التي يوجّه إليك فيها دعوةً لتقبل حق الإنجيل، فتقتني مجد ربنا يسوع المسيح؟

(ب) ويتحدث الرسول في الآيات ١٥ - ١٧ عن ممارسة المؤمن، وهي الثبوت والتمسك بالتعاليم التي أعطاها الله له. لا يستطيع المؤمن أن يواجه الشيطان، ولا يقدر أن يقف ضد الأثيم، ولذلك فانه يجب أن يثبت في الحق الذي يعلّمه المسيح له. سواءً كان بكلمة الوعظ، أو بالرسالة المكتوبة في الإنجيل المقدس. ان الله يكلمنا في كلمته. وما أجمل أن نقول : «خَبَّأْتُ كَلامَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلا أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مزمور ١١٩: ١١) نعم. فانه «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» مزمور ١١٩: ١٠٥).

ويختم الرسول بولس هذا الجزء بصلاةٍ يطلب فيها لهم القوة والثبات في كل كلام وعمل صالح، اعتماداً على ما فعله المسيح والآب الذي أحبنا، وأظهر هذا الحب لنا في الصليب، والذي يعطينا تعزية أبدية تمنحنا قوة وأملا جميلاً مبنيّاً على نعمة الله. فلنتمسكْ إذاً بحق الله بكل ثبات وأمانة، لأنه حصننا الوحيد وسط أمواج الارتداد. فلنثبُتْ غيرَ متزعزعين، لأن لنا رجاءً صالحاً في النعمة في شخص المسيح، الذي أعدَّ لنا مكاناً في السماء، والذي سيأتي ليأخذ خاصّته إليه، والذي سيعطيهم مجده.

عزيزي القارئ، هل تستطيع أن تقول إن الله أعطاك عزاءً أبدياً في وسط صعوبات الحياة؟ هذا هو العزاء الذي يهبُه الله الأبدي، وهو يختلف عن العزاء الذي يعطيه غيره من البشر. وهل تستطيع أن تقول إن الله أعطاك رجاءً صالحاً، لأنه من عند الله الصالح، ولأن موضوعه صالح، ولأن تأثيره صالح، يطهّر نفسك وسيرتك من كل خطأ؟

آية للحفظ

«ٱللّٰهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاصِ، بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ» (٢تسالونيكي ٢: ١٣).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب من أجل العزاء الأبدي الذى لنا بيسوع المسيح ربنا، فكلما نرفع أبصارنا من العالم المتِعب لنركّزه على الحياة التي في المسيح وفي رجاء مجيئه ثانية، نمتلئ بالعزاء. نشكرك من أجل الرجاء الصالح الذي أنعمت به علينا، لأنه يعزي قلوبنا ويثبتنا في كلمتك الصالحة الصادقة.

سؤال

٧- اذكر إحدى التعزيات الأبدية التى لنا في المسيح.

رابعاً - وصايا عن الحياة المسيحية العملية (٢تسالونيكي ٣: ١ - ١٥)

تنقسم رسائل بولس الرسول عادة إلى قسمين، القسم التعليمي ثم القسم العملي. وفي الأصحاح الثالث من الرسالة الثانية إلى تسالونيكي يقدّم الرسول بولس الجزء العملي. ويبدأه بقوله: «أخيراً أيها الإخوة» - أي بعد أن قدّمْتُ لكم التعليم، أقدم لكم الوصايا العملية، كنتيجة للتعليم الصحيح.

ونجد في هذا الجزء ثلاثة أفكار رئيسية:

  1. الرسول يطلب صلاتهم من أجله (آيات ١ - ٥)

  2. الرسول يحذّرهم من الكسل (آيات ٦ - ١٣)

  3. يجب عدم مخالطة المخالف(آيتا ١٤ ، ١٥)

١ - الرسول يطلب صلاتهم من أجله

١ أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا، لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضاً، ٢ وَلِكَيْ نُنْقَذَ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلأَرْدِيَاءِ ٱلأَشْرَارِ. لأَنَّ ٱلإِيمَانَ لَيْسَ لِلْجَمِيعِ. ٣ أَمِينٌ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. ٤ وَنَثِقُ بِٱلرَّبِّ مِنْ جِهَتِكُمْ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ مَا نُوصِيكُمْ بِهِ وَسَتَفْعَلُونَ أَيْضاً. ٥ وَٱلرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ وَإِلَى صَبْرِ ٱلْمَسِيحِ (٢تسالونيكي ٣: ١ - ٥).

فى هذه الآيات يطلب الرسول بولس منهم أن يصلّوا من أجله ومن أجل سلوانس وتيموثاوس، ليعطيهم الرب نعمة في خدمتهم في كورنثوس. وكان الرسول دائماً يطلب من المؤمنين أن يصلّوا من أجله. والإنجيل يقول إن طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها (يعقوب ٥: ١٦)، ويطلب منا أن نوصي الله على عمل يديه (اشعياء ٤٥: ١١). ولا عجب فإن الكتاب يقول: «يَا ذَاكِرِي ٱلرَّبِّ لا تَسْكُتُوا وَلا تَدَعُوهُ يَسْكُتُ» (اشعياء ٦٢: ٦ و٧) وعلى ذلك فإننا يجب أن نصلي من أجل الخدّام الذين يحملون كلمة الرب لكي «تجري» بواسطتهم، فينتشر الإنجيل وينجح بسرعة، و «تتمجد الكلمة » أي يعرف الناس قيمتها لأنها قوة الله للخلاص. وكما قبل أهل تسالونيكي كلمة الله في ضيق كثير بفرح الروح القدس، هكذا تجري الكلمة وتنجح في كل مكان، دون أن يقيّدها أيّ عائق.

وفي الآية الثانية يطلب الرسول من أهل تسالونيكي أن يصلّوا من أجله لينقذه الله من الناس الأردياء الأشرار، الذين يقاومون الإنجيل. ويقول: «لأن الإيمان ليس للجميع». فهناك بعض الناس غير المستعدين لقبول إيمان الإنجيل، وهم يقاومون تعليمه، ولذلك فان الرسول يطلب أن الله ينجيه من هؤلاء الذين يرفضون نعمة الايمان ونعمة الخلاص. فلا تتعجبْ إنْ وجدتَ أناساً في بيتك يقاومون الإنجيل، فهذا أمر طبيعي.

والرسول يدرك أن الرب أمين، بخلاف البشر، وهو الذي يثبّت المؤمنين ويحفظهم من الشرير، فيُظِهر لهم أمانته ويحفظهم من السقوط، ويحميهم من اضطهادات المضطِهدين، فلا يوقع بهم أحد ليؤذيهم. وهذا ما نجده في الصلاة الربانية: «نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (متى ٦: ١٣). ويقول الرسول بولس لأهل تسالونيكي إنه واثق في الرب من جهتهم أنهم سيفعلون ما أوصاهم به، ذلك أنهم متحدون بالمسيح بالإيمان، وسوف يعمل فيهم الروح القدس ليعملوا بالوصية التي سمعوها. ويطلب من الله أن «يهدي قلوبهم إلى محبة الله وإلى صبر المسيح». ومحبة الله فى القلب هي أساس الأمانة والمواظبة على الطِلْبة وعلى خدمة الآخرين، ثم أن يهدي الله قلوبهم إلى صبر المسيح - أي يصبح صبرهم مثل الصبر الذي أظهره المسيح في مواجهة الآلام.

آية للحفظ

«وَٱلرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ وَإِلَى صَبْرِ ٱلْمَسِيحِ» (٢تسالونيكي ٣: ٥).

صلاة

أبانا السماوي، أعطنا النعمة لكي نصلّي من أجل الذين يخدمونك لتنقذهم من الأردياء الأشرار. نطلب أن تهدي قلوبنا لنحبك أكثر، ولنتعلم من المسيح صبره وأناته ووداعته.

سؤال

٨- اذكر سبباً يطلب لأجله الرسول من أهل تسالونيكي أن يصلّوا من أجله.

٢ - الرسول يحذّرهم من الكسل

٦ ثُمَّ نُوصِيكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلا تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا. ٧ إِذْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يُتَمَثَّلَ بِنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَسْلُكْ بِلا تَرْتِيبٍ بَيْنَكُمْ، ٨ وَلا أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لا نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ. ٩ لَيْسَ أَنْ لا سُلْطَانَ لَنَا، بَلْ لِكَيْ نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا. ١٠ فَإِنَّنَا أَيْضاً حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ أَوْصَيْنَاكُمْ بِهٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلا يَأْكُلْ أَيْضاً. ١١ لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلا تَرْتِيبٍ، لا يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ. ١٢ فَمِثْلُ هٰؤُلاءِ نُوصِيهِمْ وَنَعِظُهُمْ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِهُدُوءٍ، وَيَأْكُلُوا خُبْزَ أَنْفُسِهِمْ. ١٣ أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلا تَفْشَلُوا فِي عَمَلِ ٱلْخَيرِ (٢تسالونيكي ٣: ٦ - ١٣).

كان فى تسالونيكي كثيرون من الكسالى الذين رفضوا العمل لأنهم كانوا ينتظرون سرعة مجيء يوم الرب، وكانت نتيجة كسلهم أنهم صاروا فضوليين (آية ١١). والذين لا يشتغلون يصرفون كل وقتهم فى خَلْق المشاكل للآخرين، وفي التدخُّل بدون مبرّر في شئون العائلات الخاصة، ويوجّهون الانتقاد لإخوتهم سراً، ولا يفكرون فى مواجهتهم صراحةً، ولا يصلّون من أجلهم. إنهم ينقلون الأخبار بين بيت وآخر ويسلكون بلا ترتيب.

ويطلب الرسول بولس من المؤمنين أن يتجنّبوا مثل هؤلاء. لا يطلب أن يبعدوهم عن الاجتماع، بل أن يتجنَّبوهم ويقاطعوهم ليخجلوا من أنفسهم فيتوبوا. من المهم جداً أن جميع المؤمنين يقدمون مثالاً صالحاً في حياتهم للترتيب والعمل اليومي ليحصلوا على احتياجاتهم، حتى لا يطلبوا من غيرهم أن يساعدوهم، وحتى لا يكونوا عالةً على غيرهم من المؤمنين الذين يشتغلون.

عزيزي القارئ، هل ترى معي كيف تقدس المسيحية عمل الخير، وأن يكسب الانسان خبزه بعرق جبينه، حتى لا يكون عالةً على غيره، بل أن يساعد غيره ويمدّ له يد العون؟ هناك مثل قديم يقول: «الذى لا يعلِّم ابنه صنعة، يسلِّم ابنه للشيطان». اننا مطالَبون أن نخدم الآخرين، لذلك يجب أن نجتهد أكثر لنخدم أنفسنا ولنخدم غيرنا - كما كان الرسول بولس يفعل، فقد كدَّ ليلاً ونهاراً يعمل الخيام بيديه، فعَال نفسه وعال الذين كانوا معه. وقال: «حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ» (أعمال ٢٠: ٣٤).

كان من حق بولس الرسول أن يأخذ معاشه وراتبه من الكنائس التى خدمها، فإن «ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ (أجرته)» (متى ١٠: ١٠) و «ٱلَّذِينَ يُنَادُونَ بِٱلإِنْجِيلِ، مِنَ ٱلإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ» (١كورنثوس ٩: ١٤). ولكن بولس لم يستعمل هذا الحق، ليعطي المؤمنين مثلاً صالحاً فى العمل اليومي، والذي لا يشتغل لا يأكل.

ثم يطلب الرسول بولس من المؤمنين في تسالونيكي أن لا يفشلوا في عمل الخير، فإن عمل الخير باستمرار يجب أن يميّز الحياة المسيحية كل يوم. لقد جال المسيح يصنع خيراً، وعلى المؤمنين أن يفعلوا ذات الشيء متمثّلين بالمسيح، ولذلك يقول الرسول بولس: «فلا نفشل في عمل الخير». وأيضاً «فَلْنَعْمَلِ ٱلْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلا سِيَّمَا لأَهْلِ ٱلإِيمَانِ» (غلاطية ٦: ٩ ، ١٠) فاننا مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها (أفسس ٢: ١٠).

هذه النصيحة عن عمل الخير بروح صالحة تبيّن لنا الفرق بين سلوك الإخوة الأمناء، وسلوك الذين لا يشتغلون، الذين يسلكون بدون ترتيب. ويقدم الرسول بولس نفسه نموذجاً، فقد كان يشتغل بيديه لكيلا يعتمد على غيره، ولكيلا يثقل على المؤمنين. فلنخدم الرب في عملنا اليومي ولنمجده.

آية للحفظ

«لا تَفْشَلُوا فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ» (٢تسالونيكي ٣: ١٣).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأنك أنت تعمل، ولأن ربنا يسوع أيضاً يعمل، فقد قال: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل». ساعدنا لنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الايمان. ساعدنا لكي لا نكون عالةً على أحد، ولا نكون فضوليين، بل نعتمد على أنفسنا، وأنت تبارك ثمرة عملنا.

سؤال

٩- اذكر آية من هذه الآيات توضح موقف المسيحية من العمل اليومي.

٣ - يجب عدم مخالطة المخالِف

١٤ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُطِيعُ كَلامَنَا بِٱلرِّسَالَةِ، فَسِمُوا هٰذَا وَلا تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ، ١٥ وَلٰكِنْ لا تَحْسِبُوهُ كَعَدُّوٍ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ (٢تسالونيكي ٣: ١٤، ١٥).

لابد أن الرسول بولس كان يدرك أن بعض أعضاء الكنيسة لن يطيعوا الكلام الذي كتبه في هذه الرسالة، ولذلك يقول لهم: «إذا كان بينكم من لا يطيع كلامنا في هذه الرسالة، فلاحظوه وتجنَّبوه ليخجل. لا تعاملوه كعدّو بل انصحوه كأخ».

على أنهم يجب أن يقدّموا له المحبة، فإن المقصود من عدم مخالطته هو إصلاحه. وعليهم أن يوبّخوه على ذنبه بكل محبة، وأن يصلّوا من أجله، وأن يبيّنوا له أنهم يهتمون بخيره، وأنهم يتأسفون على الضرر الذي يسبّبه لاسم الكنيسة ولاسم المسيح، ويبيّنون له أن الكنيسة مستعدة أن تقبله إذا تاب ورجع عن عصيانه.

آية للحفظ

«لا تَحْسِبُوهُ كَعَدُّوٍ، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ» (٢تسالونيكي ٣: ١٥).

صلاة

ربنا الصالح، علّمني أن أختلف مع الخطأ لكن أن أحب المخطئ، وأن لا أحسبه عدواً. ساعدني لكي لا أكلم الآخرين عن خطئه، بل أكلمه هو عن خطئه حتى يتوب عنه وينصلح حاله، واذا أخطأتُ أنا نبِّه قلبي الى خطئي وتّوِبني إليك.

سؤال

١٠- لماذا لا يجب أن نخالط الأخ العاصي ؟

خامساً - الخاتمة

١٦ وَرَبُّ ٱلسَّلامِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّلامَ دَائِماً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. ٱلرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ. ١٧ اَلسَّلامُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ، ٱلَّذِي هُوَ عَلامَةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ. هٰكَذَا أَنَا أَكْتُبُ. ١٨ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ (٢تسالونيكي ٣: ١٦ - ١٨).

يختم الرسول بولس هذه الرسالة بصلاة (آية ١٦) وبتحية (آية ١٧) وبالبركة (آية ١٨).

أما الصلاة فيطلب لهم فيها هدوء القلب والسلام، فان بولس يعلم أن الأمور التي ذكرها في رسالته ستثير بينهم أحاديث ومجادلات، ولذلك فإنه يطلب من رب السلام أن يمنحهم السلام في كل وقت وعلى كل حال. وهذا ممكن فقط عندما يكون الرب معهم جميعاً، فالرب هو مصدر السلام في وسط المتاعب والاضطهادات والمشغوليات. ويختلف سلام الله عن السلام الذي يعطيه العالم في أنه سلام دائم، في كل وقت، وسلام شامل في كل الظروف، فانه «إنْ كان الله معنا فمن علينا؟».

وفي الآية ١٧ يقدّم الرسول بولس تحية كتبها بخط يده هو شخصياً. لقد كان الرسول يملي رسالته على شخص ليكتبها، لكن في النهاية أخذ هو القلم وأضاف بيده كلمات قليلة كتحيَّة (قارن غلاطية ٦: ١١) وكانت هذه الكتابة الشخصية علامة على صحة الرسالة حتى لا يقول أحد إنها صادرة من شخص آخر بخلاف بولس الرسول، فقد سبق أن نشر بعض الناس رسائل وأقوالاً نسبوها إلى بولس الرسول، دون أن يكون قد كتبها فعلاً (٢تسالونيكي ٢: ٢).

ويختم الرسول بولس الرسالة ببركته المعتادة التي يتكلم فيها عن نعمة ربنا يسوع المسيح. لقد افتتح الرسول رسالته بالنعمة وبالسلام ويختتمها بالسلام والنعمة... ليت سلام الله يملك في قلوبنا ويصوغ طرقنا، وليتنا نعتمد في كل شيء على نعمة الله الكاملة التي خلَّصتنا وقادتنا الى الله، والتى نؤمن وننتظر بكل يقين أنها ستتبعنا وترافقنا وتقودنا إلى الوقت الذي فيه ندخل مجده.

وبّخ الرسول بولس أهل تسالونيكي على كثير من أخطائهم، ولكنه يتمنى لهم نعمة ربنا يسوع المسيح لتدوم في كل واحد منهم وباستمرار.

آية للحفظ

«وَرَبُّ ٱلسَّلامِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّلامَ دَائِماً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ» (٢تسالونيكي ٣: ١٦).

صلاة

أبانا السماوي، أقدّم لك الشكر من كل القلب لأنك تفيض في قلبي بالسلام، ولأنك تريدني أن أعيش في سلام مع غيري من المؤمنين. وهذا نتيجة للنعمة التي تسكبها في قلبي.. أعطني نعمتك وأعطني سلامك.

سؤال

١١- لماذا كتب بولس سلامه في آخر الرسالة بيده هو شخصياً؟

المسابقة الثانية في دراسة تسالونيكي الثانية

أيها القارئ العزيز

إنْ تعمقتَ في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره، تستطيع أن تجاوب بسهولة على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إنْ جاوبتَ أجابة صحيحة على سبعة أسئلة من الأسئلة الأحد عشر التالية، نرسل لك كتاباً جائزة.

  1. ما معنى كلمة «كنيسة»؟

  2. اذكر أمراً يساعد على نمو الايمان؟

  3. اذكر علامة على عدل الله من نحو المؤمنين المتألمين؟

  4. ما معنى كلمة «يؤهّل»؟

  5. ماذا يقصد الرسول بولس بقوله «إنسان الخطية»؟

  6. لماذا يصدّق الناس الكذب؟

  7. اذكُرْ إحدى التعزيات الأبدية التي لنا في المسيح؟

  8. اذكر سبباً يطلب لأجله الرسول من أهل تسالونيكي أن يصلّوا من أجله؟

  9. اذكر آية من هذه الآيات توضح موقف المسيحية من العمل اليومي؟

  10. لماذا لا يجب أن نخاطب الأخ العاصي؟

  11. لماذا كتب بولس سلامه في آخر الرسالة بيده هو شخصياً؟

إنْ أرسلتَ إجابة هذه المسابقة الينا، فلا تنْسَ أن تذكر إسمك وعنوانك بالكامل وبوضوح.

ارسل الاجابة فقط بدون تعليقات أخرى لئلا تُهمَل، ونحن بانتظار إجابتك.

عنواننا:


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany