العودة الى الصفحة السابقة
المسيح فيكم رجاء المجد

المسيح فيكم رجاء المجد

تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي

اسكندر جديد


Bibliography

المسيح فيكم رجاء المجد. اسكندر جديد. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1973. SPB 3810 ARA. English title: Christ in you, the Hope of Glory. German title: Christus in Euch die Hoffnung der Herrlichkeit. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

مقدمة الرسالة إلى كولوسي

مدينة كولوسي

كانت كولوسي مدينة في فريجية، تقع في الجنوب الغربي من آسيا الصغرى، في وادي نهر ليكوس، الذي هو فرع من نهر مياندر عند حضيض جبل قدموس. وفي ذلك الوادي على بعد اثني عشر ميلاً كانت مدينتان، الأولى هيرابوليس، والثانية لاودكية.

كان لهذه المدن الثلاث في بادئ الأمر أهمية متساوية، ولكن على مر السنين صارت لاودكية المركز السياسي والمالي لكل الإقليم. وصارت هيرابوليس مركزاً صناعياً عظيماً. أما كولوسي فقد اشتهرت في القديم، بكونها مركزاً عسكرياً. ويقول المؤرخون أن أحشويرش الملك وكورش كلاهما توقفا بجيوشهما القادمة أمامها. وقد دعاها هيروديتوس المؤرخ مدينة فريجية العظيمة.

في السنة 66 بعد الميلاد، قلبت المدن الثلاث بالزلازل، ولكنها جددت سريعاً. وكانت فريجية في زمن بولس من أملاك الرومان الذين استولوا عليها سنة 133 قبل المسيح.

كنيسة كولوسي

لم يذكر لوقا في سفر أعمال الرسل كنيسة كولوسي، مع أنه ذكر كنيسة أفسس، وهي غير بعيدة عنها. ونستنتج من ذلك أن بولس لم يؤسسها بنفسه، ولم يزرها قبل كتابة رسالته إليها. وهو يضع أهل كولوسي في لائحة الذين لم يروا وجهه بالجسد (2: 1) ولكن الدلائل تشير إلى أنها تأسست بتوجيه منه، في أثناء السنوات الثلاث التي قضاها الرسول في أفسس، والتي زاره خلالها كثيرون من كولوسي، منهم أبفراس المذكور في الأصحاح (4: 12). ويستدل من نصوص الرسالة أن أبفراس، بعد أن آمن وتدرب على يدي بولس، أرسله إلى مدينته للتبشير. فإذا يمكن القول أن كنيسة كولوسي هي إحدى نتائج أعمال بولس بواسطة أبفراس.

ومن أعمدة كولوسي فليمون، وهو صديق بولس. والمرجّح أنهما التقيا في أفسس، وآمن فليمون بواسطة كرازة بولس. وكانت له يد في تأسيس الكنيسة ونموها.

كانت أكثرية أعضاء كنيسة كولوسي من أصل أممي، كما نلاحظ في الأصحاح الثاني والعدد الثالث عشر. وكانت الأقلية من أصل يهودي، كما نلاحظ في العدد السادس عشر. ويرجّح المؤرخون أنهم من أبناء اليهود الذين نقلهم الاسكندر الكبير من بلاد ما بين النهرين إلى مقاطعة فريجية.

رسالة كولوسي

يرجّح أن هذه الرسالة كتبها بولس من رومية، في أثناء سجنه حوالي العام 62 ميلادية (أعمال 28: 30-31) وذلك نحو الوقت الذي كتب فيه الرسالة إلى أفسس، والرسالة إلى فليمون (كولوسي 4: 3،10-18).

ويبدو أن الداعي لكتابة الرسالة مجيء أبفراس لزيارة بولس ومعه أنباء عن أحوال الكنيسة، التي كانت يومئذ قد انتشرت فيها بعض الضلالات المخيفة. الأمر الذي أحزن قلب الرسول، فكتب محذراً المؤمنين من قبول تعليم الرسل الكذبة، ومن الانحراف عن التعليم الإنجيلي الصحيح.

أما موضوع الرسالة فهو عظمة الرب يسوع المسيح، وكمال ما أتى به من الفداء. وأنه صورة الله غير المنظور، وأنه فيه حل كل ملء اللاهوت منذ الأزل. وإنه خالق كل البرايا، وهي به تقوم. وأنه رب كل ما في السموات وعلى الأرض ، كل ما يرى وما لا يرى. وإن كل المسيحيين متحدون به، اتحاد الأعضاء بالرأس. وإن الله به صالح الكل، وبه ينال المؤمنون السلام والحياة والخلاص والسعادة. وإنهم منه يحصلون على كل الفضائل والنعمة، حتى يقدروا على إتمام الواجبات بواسطة الإيمان به، والطاعة والشركة معه والصلاة له حتى يكون لهم وفيهم.

ثم حذّر الرسول المغبوط المؤمنين من بعض الضلالات التي انتشرت بومئذ، والتي هي خليط من الفلسفة اليونانية والأوهام اليهودية. المعروفة في تاريخ الكنيسة ببدع الغنوسيين. فإنهم اعتقدوا بوجود كائنات روحية بين الله والبشر تستحق العبادة. وقالوا بأنها دون الله، وأعظم من كل الملائكة والناس. وبأنها هي التي أبدعت المادة، التي هي علة الخطية. وعلموا بأن نيل القداسة يكون بقهر الجسد وممارسة شتى ألوان الإماتات وحفظ مجموعة من الفرائض اليهودية: السبوت والأهلّة، والتمييز بين الأطعمة وتحريم أكل اللحم والزواج.

لذلك حذّرهم الرسول من الفلسفة الباطلة، والسلوك بمقتضى المبادئ التي لم يدع الله إليها. وإنما هي من وضع الناس، وهذه الممارسات من الفريسيين تمسكاً بالفرائض الموسوية. وتقييم هذه الرسالة إلى خمسة أقسام:

  1. المقدمة (1: 1-12) وفيها التحية الرسولية والشكر لله، على ما أظهره الكولوسيون من الرجاء والمحبة والصلاة، بغية تقدمهم في المعرفة والإتيان بالثمر.

  2. القسم التعليمي (1: 13-29) وفيه يتكلم الرسول عن شخص المسيح وعمله، مبيناً أن في المسيح النجاة والفداء. وإن المسيح رأس كل شيء، في الخليقة وإن فيه كل الملء. وإنه صالَح كل شيء لنفسه بدم صليبه. وفيه أيضاً ذكر الرسول أنه سر بشدائده من أجل المسيح وأتعابه في خدمته. وإنه وكل إليه أن يعلن السر، الذي كان مكتوماً وهو خلاص الأمم بالإيمان بيسوع المسيح.

  3. القسم الاجتماعي (2: 1-23) وفيه بيان اهتمامه بأهل كولوسي، لكي يبقوا ثابتين في الإنجيل الذي تعلموه. وفيه أيضاً حذر من العدول عن التمسك بالمسيح الرأس، بانجذاب من الفلسفة الباطلة والأوهام اليهودية، التي غايتها هدم رئاسة المسيح. وفيه أيضاً تحذيرات خاصة، من الفروض الخارجية ومن عبادة الملائكة.

  4. القسم العملي (3: 1-4: 6) وفيه دعاهم لكي يعيشوا كما يحق للذين ماتوا مع المسيح للخطية. ودفنوا معه في المعمودية، وقاموا معه في حياة جديدة ممتنعين عن الشرور التي تختص بالإنسان العتيق. وأهاب بهم أن يمارسوا الفضائل المختصة بالإنسان الجديد. وأبان العلاقة الواجب أن تقوم بين الأزواج وبين الآباء والأبناء والسادة والعبيد. ثم حرّض المؤمنين على الصلاة والسهر وممارسة الشكر.

  5. الختام والبركة (4: 7-18) وفيه أنباء عن أحوال الرسول، والتنوية بفضائل تبخيكس وأنسيمس، وتحيات إلى بعض الإخوة. وأخيراً البركة الرسولية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

1 بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ ٱلأَخُ، 2 إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَٱلإِخْوَةِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

مرّ في المقدمة أن الرسول بولس لم يزر مدينة كولوسي قبل كتابة هذه الرسالة. ولذلك كان عليه أن يصدر رسالته بذكر الحق الذي يخوله أن يكتب إلى أهل كولوسي. وقد فعل ذلك في عبارة واحدة، إذ قال: إنه رسول يسوع المسيح، وإن رسوليته بمشيئة الله.ومن نعمة الله، لا من عمله واستحقاقه. ولعل تصرف بولس على هذا النحو يعلّمنا أن المسيحي الحقيقي، يجب أن لا يكتب عبارة واحدة، دون أن يوضح العقائد الكبرى، التي تملأ كل تفكيره.

فبولس كتب بهذا الحق، معلناً أن الله أفرزه، ليكون سفيره إلى الأمم. ونفهم من العبارة أن الوظيفة الرسولية، ليست شيئاً اكتسبه بمقدرته، أو حصل عليه باجتهاداته الذاتية. بل هي امتياز أعطي له بالنعمة ومن الله. هذه الحقيقة تذكرنا بقول المسيح: «لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 15: 16).

ولا ريب في أن المتأمل في فاتحة هذه الرسالة يرى تعليم النعمة بوضوح. فالمؤمن ليس هو، الذي ينشئ نفسه، بل هو عمل الله، مخلوق في المسيح، لأعمال صالحة، وقد سبق الله فأعدها لكي يسلك فيها (الرسالة إلى أفسس 2: 10) وكذلك الكتاب يؤكد لنا أنه في دائرة النعمة، لا يوجد أناس صنعوا أنفسهم، بل هناك أناس صنعهم الله.

بعد تعريف نفسه، أتى الرسول على ذكر تيموثاوس. ومع أنه رسول مفرز بمشيئة الله، بما في هذه الصفحة من عظمة، إلا أنه لم يأنف أن يدعو تيموثاوس أخاً، وإن كان حديث السن، وحديث الإيمان. وهذا يعلمنا أن النسبة ذات الشأن في المسيحية هي الإخاء. وإن الرسولية وغيرها من الرتب، ليست سوى أمور عرضية بالنسبة للإخاء. وقد عرف من تاريخ االكنيسة أن الخدمة المسيحية تتعزز وتصادف النجاح بانتشار الروح الأخوية بين المؤمنين. وعملاً بهذا المبدأ صار القول الرسولي: «قَدِّمُوا ... فِي ٱلتَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي ٱلْمَوَدَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هٰذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة بطرس الثانية 1: 5-8).

ومن ميزات هذه الرسالة، أنها موجهة إلى القديسين والإخوة المؤمنين في المسيح، ومشفوعة بالدعاء أن ينالوا نعمة وسلاماً من الله بالمسيح يسوع، الذي هو سلام الوجه الأكمل. والسر في نجاحه أنه يعيش في المسيح، لهذا سعادته وفرحه وسلامه لا تتغير قط، لأنه في المسيح والمسيح فيه. بهذا الاتحاد بالمسيح يستطيع أن يقوم بأي عمل يسند إليه، حقيراً كان أم مرموقاً. وهو يؤدي الكل بأمانة واجتهاد وبدون تذمر. لأنه في المسيح يقوم بالعمل الموكول إليه، وكأنه يعمل للرب نفسه.

هل أنت في المسيح؟ وهل تستطيع أن تتمثل ببولس في التواضع ونكران الذات؟ وهل تعتبر الإخوة الصغار وتكرمهم، كما كان يفعل الرسول العظيم؟ ليس كافياً أن يكون لك إيمان فقط، لأن الإيمان قد يتعرض للتجارب والانجذاب، والتشبث بفرائض ناموسية توجد فيك الكبرياء الروحية، الأمر الذي يخالف مشيئة المسيح الذي قال «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (متّى 11: 29 و30).

الصلاة: أيها السيد الرب، إلهنا ومعبودنا، نشكرك من كل القلب على النعمة المخلصة التي علمتنا أن ننكر الخطية، ونقبل البر الذي هو منك بالإيمان. ونشكرك لأجل محبتك في يسوع، المحبة التي غفرت ذنوبنا وسترت عيوبنا. زد إيماننا يا إلهنا الصالح، وشدد رجاءنا، وقو محبتنا ولك شكرنا على الدوام آمين.

السؤال: 1 - ماذا تتعلم من بولس في تعامله مع الإخوة في كولوسي؟

3 نَشْكُرُ ٱللّٰهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، 4 إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ، 5 مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجَاءِ ٱلْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ

استهل بولس هذه الرسالة بالشكر، مثله في كل مرة يكتب إلى المؤمنين، حين تصله أخبار سارة عن نموهم في النعمة وفي معرفة المسيح. ففي الآية الرابعة أعلاه يشكر الرسول الكريم من أجل صفتين ظهرتا في حياة الكولوسيين، وأخبره بهما أبفراس. وهما الإيمان بالمسيح والمحبة لإخوتهم. وهاتان الصفتان، هما الركنان المميزان للحياة المسيحية. فقد كان المسيح موضوع إيمانهم ومنشئه فيهم. ولا مراء في أن علة استمرارهم عليه كانت نتيجة لاتحادهم بالمسيح.

في الحقيقة أن الحياة المسيحية يجب أن تعلن ولاءها للمسيح ومحبتها للناس، وإلا صارت كما يقول الرسول للكورنثيين نحاساً يطن أو صنجاً يرن. الإيمان هو عطية الله، وموضوعه يسوع المسيح، وفقاً لقول المسيح: «من يؤمن بي فله حياة أبدية» وهذا يعني أن على المسيحي أن يتصف بالإيمان وأن يعرف ما يؤمن به ويحب إخوته تمشياً مع الكلمة الرسولية القائلة: «وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح، ويحب بعضنا بعضاً كما أعطانا وصية».

يا أخي اذكر هذا، إن المسيحية تلزمك بولاء مزدوج ولاء للمسيح، وولاء للناس. وإن الإيمان المسيحي ليس مجرد اعتقاد عقلي، بل هو قبل كل شيء انسكاب القلب على مذبح المحبة. والإيمان بالمسيح والمحبة للناس، يعتمدان على الرجاء الحي بقيامة يسوع من الأموات للميراث الذي أعد للقديسيين. هذه الفضائل ضرورية للمسيحي، لكي يحيا كما يحق للرب. فالإيمان ينظر بما مض، والمحبة تفعل في الحاضر، والرجاء ينظر إلى المستقبل.

إن الولاء للمسيح، قد يطلب من الإنسان تحمل آلام متنوعة في المجتمع. وقد عرف بالاختبار أن الذي يريد الاحتفاظ بولائه للمسيح يجب أن يكون مستعداً أن يتنازل عن أشياء كثيرة في هذا العالم. وأن يحتمل المضايقات والتعيير، حتى الاضطهاد أحياناً. وقد سبق للمسيح أن أنبأ تلاميذه بالصعاب والبغضاء، التي يتعرض لها المؤمنون من أجله. قال: «إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 15: 18 و19).

ما أكثر المرات، التي فيها يواجه المسيحي هذه الأسئلة: لماذا تصرون على خدمة الآخرين، رغم العقوق الذي تقابلون به؟ وما الجدوى من الإحسان إلى من يسيء إليكم؟ ولماذا تصرفون معظم الوقت في خدمة لا منفعه شخصية منها؟ وما الفائدة من الاهتمام بالأخ الضعيف؟ الجواب إنه الإيمان بالمثل العليا، والانسجام مع المحبة، التي لا تطلب ما لنفسها والرجاء الموضوع أمامنا! والمرجو هو الحياة الأبدية، لأننا كا قال الرسول بالرجاء خلصنا.

ليكن المسيح موضوع رجائك، لأن المسيح هو رجاء المجد. وقال قال «كُنْ أَمِيناً إِلَى ٱلْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ» (رؤيا 2: 10).

الصلاة: أيها الرب المبارك نشكرك لأجل الإيمان المسلم مرة للقديسين، والذي به نحيا. ومن أجل الرجاء الموضوع على يسوع للحياة الأبدية. ونعظم اسمك يا إلهنا، من أجل محبتك التي غفرت خطايانا، فصار لنا قدوم إليك لنعبدك بالروح والحق آمين.

السؤال: 2 - ما هو سبب فرح الرسول بكنيسة كولوسي؟

... ٱلَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ ٱلإِنْجِيلِ، 6 ٱلَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضاً مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بِٱلْحَقِيقَةِ. 7 كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَبَفْرَاسَ ٱلْعَبْدِ ٱلْحَبِيبِ مَعَنَا، ٱلَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، 8 ٱلَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضاً بِمَحَبَّتِكُمْ فِي ٱلرُّوحِ.

رجاء المؤمنين حرز حريز، أي كنز محفوظ في السموات، لا خوف عليه (الإنجيل بحسب متّى 6: 20). وقد وضع هنالك على سبيل الجعالة للمجاهدين (الرسالة إلى تيموثاوس 4: 8) ونعلم من التعليم الإنجيلي أن جودة الإيمان والمحبة برهان صريح على جودة الرجاء. وأن لا أساس لرجاء لم يقترن بالإيمان والمحبة.

ولا مراء في أن الرجاء المسيحي الحي يسلم بأن طريق الله أفضل الطرق. وإن السعادة والسلام والفرح والجزاء، هو ما نجده في طريق الله. قد يضحك أبناء هذا الدهر، ويحسبون رجاءنا جهالة وحماقة. ولكن ألم يقل الكتاب المقدس إن ما يحسبه الناس جهالة الله أحكم من كل حكمة بشرية. وعندنا القناعة بالروح القدس، إن الرجاء المسيحي فيه اليقين بأن الحياة مع الله، أفضل من الثقة في العالم.

هذه هي البشارة التي بشر بها الكولوسيون وقبلوها، إنهم يوم سمعوا أن المسيح مخلص سمعوا أيضاً نبأ السعادة السماوية الموضوعة لكل من آمن بالمسيح وتبعه، وفقاً لقوله له المجد للرئيس الشاب: «بِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي» (الإنجيل بحسب متّى 19: 21).

هذا هو حق الإنجيل، الذي سمعوه. وليس هو بشارة بالرحمة وحسب، بل هو أيضاً إعلان حقائق أزلية، لا تتغير كالحق نفسه. والمعنى في هذا كله أن رجاء المؤمنين ليس باطلاً بل حقاً أعلنه الله في إنجيله لكل من يؤمن.

ونتعلم من هذه الآيات المجيدة:

  1. إن الإنجيل هو أخبار الله السارة. وإن رسالة الإنجيل هي رسالة الآب المحب لنفوس الناس. وغايتها أن تضعنا في علاقة طيبة مع الله.

  2. إن الإنجيل هو الحق. وإن كل الأديان الأخرى، يمكن أن يقال عنها أنها تخمينات عن الله. أما إنجيل المسيح ففيه التأكيد واليقين عن الله.

  3. إن الإنجيل لجميع بني البشر. لا فرق بين شعب أو جنس، أو لسان، أو أمة. وإن رسالة الإنجيل للجميع، رسالة خلاص وفرح وسلام. وكل هذه تنبع من العطية المجانية، التي وهبها الله للناس بيسوع المسيح.

  4. إن للإنجيل قوة على تغيير حياة الناس، ورفع مستوى المجتمع الذي يعيشون فيه، روحياً وأدبياً. وقد عرف أن قوة الإنجيل تستيطع أن تغير الخاطي إلى إنسان صالح. إذ تنتزع مه الأثرة والقسوة، وتزرع مكانها المحبة التي هي رباط الكمال.

  5. إن الإنجيل يخبرنا عن النعمة. فهو لا يحدثنا بالأولى عما يطلبه الله من الإنسان، بل عما يقدمه الله للإنسان. وفي عبارة أخرى أن الإنجيل لم يأت ليضع علينا أثقالاً إضافية بل بالحري جاء لكي يرفع عنا وزر الخطية الثقيل.

  6. إن الإنجيل يحملنا مسؤولية إيصال الأخبار السارة إلى الآخرين. أي أنه يلزمنا بإشراك الآخرين معنا في فوائد الفداء المعلنة فيه.

تأكد من هذا، إن يسوع يدعوك إلى قبول النعمة، التي يقدمها لك مجاناً بقبول إنجيل الخلاص. وهو يحتاج إلى كل المؤمنين ليكونوا الأيدي والأقدام والشفاه، التي تحمل وتذيع الإنجيل إلى كل أقطار الأرض. فهل تريد أن تكون إحدى هذه الوسائل لنشر إنجيل الله؟

هكذا كان أبفراس، الذي نوّه الرسول بإيمانه، يبشر بالإنجيل على سنن الحق. وقد نعته بالخادم الأمين للمسيح. فليتك أنت أيضاً تقتدي بهذا التلميذ، الذي خدم الرب بمواهبه وسيرته الحميدة!

الصلاة: يا ربنا الصالح، تشكرك قلوبنا من أجل نور الإنجيل، الذي ما زال يعمل في العالم لتبديد الظلمة وظلال الموت عن كل نفس تقبله، فليتك أنت أيضاً تقتدي بهذا التلميذ، الذي خدم الرب بمواهبه وسيرته الحميدة!

السؤال: 3 - ما هي الصفات التي تميز بها أبفراس؟

9 مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ 10 لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ، 11 مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ

تعود بولس أن يصلي من أجل المؤمنين، لنموهم في الروحيات. وتمشياً مع هذه العادة، وبعد أن شكر الله على ما حصل عليه قديسو كولوسي سأل أن تزداد معرفتهم لمشيئة الله. وإنه لشيء مبهج أن نصغي إلى رسول الجهاد العظيم، وهو يصلي لأجل أحبائه. ويمكننا أن نقول ما كتبه هنا يرينا الصلاة في أبعادها، إذ ركز صلاته في أمرين عظيمين جداً:

  1. طلب من أجلهم الامتلاء باستمرار، من معرفة مشيئة الله. وأتى بثمل هذه الطلبة في مقدمة ثلاث رسائل أخرى: (أفسس 1: 17، فيلبي 1: 9، وفيلمون 6). ويقيناً إنه لا يوجد أمر أعظم من هذا، أن نعرف إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة؟

    لقد درجنا في الصلاة على أن نجعل الله يصغي إلينا، ولكن قلما نجعل أنفسنا نصغي إلى الله. وفي تعبير آخر إننا في صلواتنا نكلم الله أكثر مما نترك المجال لله أن يكملنا. هناك حكمة يجب أن يتعلمها كل مصل، وهي قول الجامعة « لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ ٱللّٰهِ. لأَنَّ ٱللّٰهَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَلِذٰلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً» (جامعة 5: 2).

  2. أراد الرسول أن تترجم معرفة إرادة الله، إلى مواقف حياتنا البشرية الخاصة. وحين سأل أن يمتلئ مختارو الله من هذه المعرفة، كان يلتمس من أجلهم ليس وسائل بشرية، بل مفعولات الروح القدس. وفي هذا بيان عظمة الفرقة بين حكمة الإنجيل وحكمة معلمي هذا الدهر. فإن حكمتهم ليست سوى حكاية حكمة (الأصحاح 2: 23) وفلسفة باطلة (الأصحاح 2: 18) أما حكمة الإنجيل فهي معرفة الحقائق العظمى للمسيحية.

قد يصل الإنسان بسهولة إلى درجة الأستاذية في علوم اللاهوت، ومع ذلك يمكن أن يفشل في حياته اليومية. وقد يكون مقتدراً في الكتابة والحديث عن الحقائق الأزلية العظمى. ولكنه يعجز عن تطبيق هذه الحقائق في حياته اليومية. أما المؤمن الحقيقي فالروح القدس يدرب حواسه لمعرفة مشيئة الله، لكي يسلك كما يحق للرب. بمعنى أن وعرفة إرادة الله والحكمة والفهم الروحي يجب أن تظهر نتائجها في السلوك المستقيم، كما يحق للرب المسيح.

ونتعلم هنا أن الصلاة ليست تأملاً منعزلاً في الله، وشركة انفرادية معه وحسب، بل الصلاة تقترن بصنع مشيئة الله. ونحن نصلي لا لكي نهرب من الحياة، بل نصلي لنحيا حياتنا في المجتمع كما ينبغي أن نحياها شهادة لعمل نعمة الرب فينا. هذا هو السلوك كما يحق للرب الذي دعينا إليه. وهو يقابل بالرضى الإلهي. الذي يثوب المؤمن. ومثال ذلك أخنوخ بدليل قول الكتاب: «بِٱلإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى ٱلْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ ٱللّٰهَ نَقَلَهُ إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى ٱللّٰهَ» (الرسالة إلى العبرانيين 11: 5).

والسؤال لك أيها القارئ الكريم: هل تسلك كما يحق للرب. وهل تشعر بالرضى الإلهي؟ طبعاً إن الرضى الإلهي لا ينال بالاجتهادات الذاتية، لأننا جميعاً في الطبيعة أبناء الغضب. ولكن في وسعك أن تنال هذا الرضى بقبول المسيح مخلصاً شخصياً. لأن المسيح ليس فقط ارضى الله نيابة عنك بل أيضاً سأل الآب السماوي في صلاته الشفاعية من أجل المؤمنين به قائلاً: «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (الإنجيل بحسب يوحنّا 17: 24).

وهذا السلوك كما يحق للرب، يجب أن يقترن بالثمر في العمل الصالح. أي إن الثمر المطلوب هو الأعمال التي توافق مشيئة الله، ويطلبها الضمير، وتنبع من الإيمان بالمسيح والاتحاد به، بواسطة الروح القدس.

ومما لا مراء فيه أن الاتحاد بالمسيح، يتيح للمؤمن أن ينمو في معرفة الله. والنمو في معرفة الله دليل على وجود الحياة الروحية في الإنسان وإن هذه الحياة تنمو باستمرار وفقاً لقول يوحنا: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 16). والرائع في الأمر، هو أنه كلما ازداد الإنسان معرفة بالله، ازداد سعادة.

يختم الرسول طلباته، فيسأل الله أن يمنح أحباءه ثلاث بركات عظيمة، الصبر وطول الأناة والفرح... تعلم الصبر المسيحي، الذي معناه الروح التي لا يستطيع أي طرف في الحياة أن يهزمها. ولا يقدر أي حادث، أن يتغلب عليها. الصبر المسيحي هو القدرة على المواجهةت المنتصرة على كل ما تستطيع الحياة أن تبتلينا به.

مارس هذه الصفات بفرح. فالمؤمن الحقيقي فضلاً عن احتياجه إلى قوة إلهية ليحتمل أرزاء الحياة بالصبر وطول الأناة، يحتاج إلى قوة من الله لكي يحتفظ بفرح الله في قلبه. الفرح الذي يرفعه فوق المصائب جميعاً.

المؤمن الحقيقي يحتمل المشقات دون أن يفقد فرحه، تمثلاً بالمسيح «ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِٱلْخِزْيِ» (الرسالة إلى العبرانيين 12: 2). ولنا هذه الوصية منه «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 11 و12).

الصلاة: أيها الآب رب السماء. نسألك أن تهبنا طاقة من الصبر وطول الأناة لكي نحتمل كل مشقة من أجلك بفرح. ونلتمس غفرانك وتجاوزك عن نقائصنا الكثيرة في ضميرنا وعدم احتمالنا. أعطنا أن نمتلئ من معرفة مشيئتك. نحن نحتاج إلى حكمة التصرف في الظروف الصعبة. فانعم علينا من أفضالك، يا من تعطي الجميع بسخاء ولا تعير آمين.

السؤال: 4 - ماذا كان هدف الرسول من صلاته لأجل الكولوسين؟

12 شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، 13 ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ، 14 ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا.

ذكر الرسول ثلاثة أشياء تتعلق بالسلوك كما يحق للرب. وهي الأثمار والنمو في معرفة الله والتقوى. وأضاف إليها هنا شيئاً رابعاً وهو الشكر. والشكر فضيلة، يمتاز بها المؤمنون عن سائر فضلاء الناس. وفي الشكر لأجل بركات الله للمؤمن، نجد حقيقتين:

الحقيقة الأولى: إن الله أعطى الكولوسيين نصيباً في ميراث القديسين. وهذا كان من دواعي الشكر لله، الذي شاء فخلقهم جديداً بقوة الروح القدس. وأهلهلم لتلك البركة العظيمة. ليس لاستحقاق لهم، بل تمشياً مع نعمته الغنية باللطف.

يشعرنا الواقع بأننا لسنا كفاة من أنفسنا، بل كفايتنا من الله. والنعمة أعطيت لنا بالمسيح، الذي عيّن لكل مؤمن به نصيباً في ملكوت السموات، بدليل قول الرسول: «ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ. مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ» (الرسالة إلى أفسس 1: 11 و18)، فالقديسون الذين نالوا هذا الميراث والذين سينالونه هم المؤمنون بالمسيح، الذين نظروا إليه واستناروا ووجوهم لم تخجل.

كم يجب أن نشكر الله لأجل الاختيار في المسيح، الذي أعطانا امتياز التبني ومعرفة الفداء والحصول على ميراث القديسين في النور! وهذا ما أشار إليه بطرس حين قال: «وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ... لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (رسالة بطرس الأولى 1: 3 و4).

وكم يجب أن نشكره لأجل إنارة عيون أذهاننا لنعلم ما هو رجاء دعوة إنجيل المسيح، وما هو غناء هذا الميراث الذي هو الحياة الأبدية، التي يرثها كل مؤمن لكونه متحداً بالمسيح وشريكاً له بالميراث، الذي استحقه باعتبار كونه ابن الله الحبيب.

أما كل البعيدين عن المسيح فهم عائشون في ليل الشكوك والجهالات. إلى هؤلاء أشار المسيح بقوله: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ ٱلنُّورَ لَيْسَ فِيهِ. وَٱلَّذِي يَسِيرُ فِي ٱلظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 11: 10 و12: 35).

حين قرأ بلني الشهيد أن يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة، قال إن مجيئه شبيه بنور الفجر، وهو يبدد غياهب الدجى، وفقاً لقوله: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 8: 12).

والمسيح الذي جاء نوراً للعالم، لكي يبصر الذين لا يبصرون، دعانا إلى السلوك في النور، إذ قال: «ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ ٱلظَّلاَمُ... مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ آمِنُوا بِٱلنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ ٱلنُّورِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 12: 35 و36).

وهناك امتياز عظيم للمستنرين بيسوع، وهو أن كل الذين أنارهم نقلهم من العبودية إلى حرية أولاد الله. لأن المسيح أعطي من الله حكمة وبراً وفداء. وكلمة فداء كما وردت في لغة الإنجيل الأصلية تستعمل لتحرير العبيد. هكذا قال له المجد: «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ... لأَنَّهُ أَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ وَلِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ» (الإنجيل بحسب لوقا 14: 18 و19).

والاستنارة بالمسيح، تقترن بالانتقال من الدينونة إلى الغفران. هكذا قال رب المجد: «مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِٱلَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 5: 24).

صحيح أنه كتب في الشريعة الإلهية: «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (الرسالة إلى رومية 6: 23)، أي هلاك أبدي. ومعنى ذلك أن الإنسان لا يستحق إلا الدينونة من الله. ولكن الله لأجل ذبيحة المسيح الكفارية يهب الغفران لكل من يؤمن، ولا يعود يعتبره مجرماً محكوماً عليه بالموت الأبدي. بل ينظر إليه كابن محبوب كان ضالاً فوجد وكان ميتاً فعاش.

ولسعادة البشر، إن الله في المسيح صار منقذاً لهم. والحامل له على إنقاذهم هو حبه الفائق بدليل قول المسيح: «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 3: 16). وهو ينقذنا من سلطان الظلمة، الذي لا يعني فقط قوة إبليس، بل المراد به كل الشر المقترن بالحال، التي صار إليها الإنسان بسبب الخطية الخاطئة جداً. ومن فرط حبه لنا، لم يكتف الله بتحريرينا من العبودية، بل جعلنا ورثة ملكوته المجيد، الذي سماه ملكوت ابن محبته. لأن المسيح أنشأه، وجعله موضوع حبه الخاص. ولأن فيه تجري محبة الله إلى قلوب المؤمنين بدليل قول الرسول يوحنا: «بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (رسالة يوحنّا الأولى 4: 9).

وهنا يجب أن نذكر أننا لم نفد أنفسنا، بل المسيح فدانا. فدانا من الخطية التي هيجت غضب الله علينا. وفدانا من جرم الخطية وسلطتها وعقابها. نعم فدانا بدمه، إذ صار حمل الله، وقدم ذاته ذبيحة كفارية، لكي يرفع عنا خطايانا وهو لم يعرف خطية.

قال إشعياء النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6). ولكن يسوع أخذ وظيفة الراعي الصالح، واقتاد التسعة والتسعين إلى المراح، ثم ذهب لأجل الخراف، التي تشتتت في يوم الغيم والضباب. فما وجد ضالاً إلا هداه إلى سبل البر، ولا مطروداً إلا استرده، ولا كسيراً إلا جبره، ولا جريحاً إلا عصبه. في ذراعيه حمل الحملان وقاد المرضعات.

الصلاة: نشكرك اللهم، لأنك غفرت خطايانا، وأهلتنا لنرث الحياة الأبدية. وأنرت عيون أذهاننا، لنعلم ما هو رجاء دعوتنا وما هو غناء الميراث الذي اشتراه المسيح لنا بموته الكفاري على الصليب. ونشكرك لأجل يسوع الراعي الصالح الذي ما زال يجول في البرية مفتشاً عن كل خروف ضال. كمِّل عملك في حياتنا بيسوع المسيح ربنا، آمين.

السؤال: 5 - ما هو ميراث القديسين في النور، وكيف يناله الإنسان؟

15 ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16 فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17 اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ.

حين كتب بولس رسالته إلى أهل كولوسي، لم تكن غايته تمضية الوقت، وإنما أراد التصدي لأفكار الغنوسيين التي انسربت إلى الكنيسة، والتي لا تتفق مع حقائق الإنجيل. والمعروف عن أهل البدعة، أنهم لم يكتفوا بالبساطة الكاملة للمسيحية. بل أرادوا أن يحولوها إلى فلسفة تحاكي الفلسفات اليونانية، التي اشتهرت في ذلك الوقت. وقد زعم أولئك المضلون أن يسوع ما هو إلا واحد بين عدد عديد من الوسطاء. وإنه مهما بلغ من المكانة لدى الله، فليس هو إلا إعلاناً جزئياً عن الله.

ويقول بولس رداً على هذه الضلالة إن يسوع هو صورة الله غير المنظور. وقد جاءت هذه العبارة في لغة الإنجيل الأصلية بمعنى صورة طبق الأصل. وحين استعمل بولس هذه الكلمة، أراد أن يقرر أن يسوع أظهر للإنسان ما لا يظهر إلا في الله الآب. وإننا لكي نعرف الله على حقيقته يجب أن ننظر إلى يسوع. فيسوع يظهر الله كاملاً للناس، هكذا قال المسيح لفيلبس: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا ٱلآبَ؟» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 9).

وهذه الكلمة صورة الله التي وصف بها المسيح جاءت لتفسر لنا قول الإنجيل: «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 18). ونقرأ أيضاً في رسالة العبرانيين 1: 3 «ٱلَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ». وهذه الآيات تؤكد لنا أن المسيح كان قبل كل خليقة. وقد سمي صورة الله، وكلمة الله وابن الله.

ويسوع ليس فقط صورة تقريبية لله، ولا هو خلاصة موجزة عن الله. بل هو الإعلان الكامل والنهائي لله، ولسنا في حاجة إلى أكثر من ذلك.

ويقول الغناسيون إن عمل الخليقة، قام به إله أقل مرتبة من الإله (الحقيقي) وهو في نفس الوقت جاهل به، وعدو له. لذلك فند الرسول زعمهم هذا بقوله: «فإنه فيه خلق الكل». فكلمة بكر كل خليقة، لا تعني أن الابن كان جزءاً من الخليقة، وإنه أول من خلق ولكنه دعي هكذا، بياناً لكونه الأول في محبة الآب واعتباره، ولكونه فوق كل الخلائق في العظمة ووقت الوجود، بمعنى أنه الابن الأزلي. وهو بالنسبة لشعبه رئيس وملك ومخلص. والدليل على أزليته نراه واضحاً في كلمة الإنجيل: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰه» وهذه العبارات تظهر أنه واحد مع الله، بدليل قول الإنجيل: «وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 1). وهناك دليل صريح على أزليته في قول الرسول: «اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ» (الرسالة إلى كولوسي 1: 17)، وهذا متفق مع قوله: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 8: 58). فكلمة بكر إذن لا تحمل معنى الزمن، ولكنها لقب للشرف والكرامة.

فيه خلق الكل، قال الرسول، بوحي من الله الذي قال أيضاً بفم يوحنا الإنجيلي: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 3). ويسوع ليس خالقاً فقط، بل هو أيضاً الهدف والغاية من الخليقة. وهذا معناه أن الخليقة خلقت لكي تكون له، ولكي تعطيه المجد.

ويستعمل بولس تعبيراً جميلاً عن عظمة يسوع إذ يقول: «وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (الرسالة إلى كولوسي 1: 17)، أي أن كل الخلائق تستمر في النظام، الذي خلقها عليه. فالحقيقة لولاه تلاشت، ورجعت إلى العدم. إنه هو حافظها، أو كما قال الرسول إنه «حَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (الرسالة إلى العبرانيين 1: 3). وبهذا يفند الرسول زعم الغنوسيين بأن حافظ العالم قوة إلهية، أصغر من القوة التي خلقته. وفي تعبير آخر، إن الابن هو علة الخليقة من البداءة، وهو هدفها في النهاية. وبين البداءة والنهاية يمسك الابن بالعالم، ويجعله متماسكاً معاً. أو كما قال أحد الأتقياء، إنه وضع قوانين جعلت الكون موثوقاً به، يسير بانتظام عجيب، يعجز العقل البشري أن يدرك أسراره، ولكنه يبقى شاهداً لمجد الله. هكذا نقرأ في المزمور 19: 1 «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ». وهذا هو عقل الله المدبر، الذي جعل للكون معنى جميلاً. وبفضل هذا العقل الإلهي، يرتبط هذا الكون معاً، ويسير في اتساق وانتظام، ولا يدع مجالاً للفوضى.

فهلا تأملت في ما كتبه الرسول الملهم عن أمجاد الابن، الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء! الذي كوّن العالمين ما في السموات وما على الأرض. فهو أعظم من جميع المخلقوات بما لا يقاس. علّ التأمل في أمجاده يحملك على السجود له، والتمتع بسلامه، الذي يفوق كل عقل منذ الآن. وفي النهاية يعطيك الحياة الأبدية.

الصلاة: أشكرك اللهم، لأجل إعلاناتك لنا في المسيح، الذي صار لنا حكمة وبراً وفداء. نشكرك لأن هذا الفادي العظيم، أعلن لنا صفاتك في القدرة والمحبة. وأعطانا الروح القدس، معزياً ومرشداً إلى جميع الحق. وقد أرشدنا إلى المخلص الرب، لنطلبه بالإيمان ونقبل الخلاص من يمينه، آمين.

السؤال: 6 - ما هي الصفات والألقاب والكرامات التي رآها الرسول في يسوع المسيح؟

18 وَهُوَ رَأْسُ ٱلْجَسَدِ: ٱلْكَنِيسَةِ. ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ. 19 لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ ٱلْمِلْءِ، 20 وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.

في هذه الآيات يضع الرسول بولس أمام أعيننا مقام المسيح بالنسبة للكنيسة، التي هي خليقته الروحية الجديدة، وفي هلتها يوضح لنا أربع حقائق مهمة جداً، عن يسوع المسيح في صلته بالكنيسة:

  1. هو رأس الجسد الكنيسة. وهذا يعني أن الكنيسة هي الكائن الحي، الذي يعمل المسيح بواسطته، والذي يشارك المسيح في حياته كما يحق لله. وكما أن الجسد البشري في حد ذاته لا قوة له. وهو بدون الرأس ميت، هكذا يسوع هو الروح المرشد والموجه للكنيسة. ولا يجب أن يكون كل قول أو عمل للكنيسة إلا بإرشاد وسلطان المسيح. وقد عرف بالاختبار أن الكنيسة بدون المسيح لا تستطيع أن تفكر التفكير الحق، ولا تقدر أن تعمل العمل الصحيح وبدون المسيح، لا تستطيع معرفة الطريق المؤدي إلى الحياة الأبدية.

    وأي امتياز أعظم من هذا، أن يكون المسيح، الذي هو صورة الله رأس الكنيسة، ومصدر حياتها ونموها، وحاضر معها على الدوام؟ ويحبها كما يحب الإنسان جسده. وقد قال بولس هذا ليزيل ضلالات المعلمين الكاذبين، الذين نسبوا رئاسة الكنيسة إلى الملائكة، وإلى من جاورهم في القرب من حاضرة الله.

  2. هو البداءة أي بداءة الكنيسة، التي هي جزء من الكل الذي خلقه، وفقاً لما جاء في الآية السادسة. وليس المعنى هنا أن المسيح كان قبل الكنيسة فقط، بل إنه هو أبدعها، وهو مصدر حياتها، وهو رئيس خلاصها.

    ونفهم فكر بولس أكثر، عندما نذكر ما قاله عن العالم باعتباره خليقة المسيح. والكنيسة سُميت خليقة المسيح الجديدة، لأنه ولدها ثانية بالماء والكلمة. وباختصار أن يسوع المسيح هو ينبوع حياة الكنيسة وكيانها والموّجه لنشاطها المتواصل المستمر.

  3. بكر من الأموات. والمعنى أنه أول ما قام من الأموات لكي لا يموت أيضاً. فالرسول يعود بنا هنا إلى الحادث العجيب الذي هو قمة التاريخ. أي القيامة التي كانت مركز تفكير واعتقاد التاريخ. فالمسيح هو شخص قام من الأموات وهي حي إلى أبد الآبدين. وكم يجب أن نشكر الله لأن رجاءنا موضوع على إله حي، لم يستطع القبر أن يمسكه. فهو حي نلتقي به كل يوم، ونختبر حضوره الدائم معنا. ولنا الفرح بأن نقول إن مسيحنا ليس بطلاً ميتاً ولا هو مؤسس ديانة مضى عليها الزمان بل هو حي فينا وفقاً لقوله: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 14: 19).

    ولسعادة المؤمنين أن يسوع المقام هو عربون قيامتهم، ولهذا سمي «باكورة الراقدين» وقال هو نفسه «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 11: 25) وله شهد الرسل بأنه «أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ» (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 1: 10).

  4. هو متقدم في كل شيء. هذا هو القصد الإلهي، أن يكون يسوع القائم من الأموات هو رأس الكنيسة، متقدماً في كل شيء. وقد أبان الرسول هذا الأمر في رسالته إلى الفيلبيين، إذ قال: «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ» (الرسالة إلى فيلبي 2: 9). فهو أعظم من كل كنيسة، كما أنه أعظم من كل الخليقة.

  5. فيه سر أن يحل كل الملء. هذه الآية هي برهان على أن رئاسة المسيح مطلقة، وفاقاً لمسرّة الله بأن يحل فيه كل ملء اللاهوت. والمراد بالملء كل الصفات الإلهية، من عظمة وحكمة وقداسة وسطلة وقدرة ومجد ونعمة للكنيسة. والحلول هنا يعني السكنى المستمرة لا النزول الوقتي. وإنه لواضح أنه لا يمكن أن يحل في المسيح كل صفات الله، إن لم يكن هو صورة الله غير المنظور. لذلك وجب أن يحل في المسيح كل صفات الله. ولذلك وجب أن يحل فيه كل الملء، لكي يخلق الكل ويفدي شعبه ويقي كنيسته من أعدائها. ولولا ذلك التسحالت مصالحة الكنيسة مع الله ونجاتها من الهلاك.

  6. أن يصالح به الكل لنفسه. فهو واسطة الفداء، وقد فدى الكل بدم صليبه. وقد أوضح الرسول هذه المصالحة في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس، إذ قال إن الله كان في المسيح يسوع مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم. ونفهم من هذه الآيات البيّنات إن غرض المسيح من مجيئه هو المصالحة، بمعنى أن المبادرة في المصالحة كانت من الله. وهذا برهان على أن موقف الله من الإنسان، كان وما زال موقف المحبة. وشعوراً بهذه الحقيقة قال الرسول يوحنّا: «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً» (رسالة يوحنّا الأولى 4: 19) فعمل المسيح في الفداء حوّل غضب الله إلى محبة.

فمما تقدم يمكنك أن تثق في محبة الله، التي تنتظرك لتقبل هذه المصالحة فتنال غفران الخطايا، إكراماً لدم المسيح، الذي أريق على الصليب. ولا غرو بذلك فدم حمل الله، هو القوة المحركة في المصالحة. واذكر ما قاله الرسول الكريم في رسالته إلى رومية 8: 32 «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟».

هل فكرت في محبة الله لك، إلى أي مدى ذهبت؟ وهل رسخ في ذهنك أن قصد الله الوحيد أن يصالح كل إنسان لنفسه في يسوع المسيح؟ وأن الواسطة ما زالت قائمة وبوسعك الآن إذا شئت أن تتصالح مع الله؟!

الصلاة: أيها الآب القدوس، نعظم اسمك الكريم لأجل حبك الغني بالرحمة وكل لطف. ونشكرك لأجل هذا الحب العجيب، الذي شاء أن يصالحنا نحن الأشرار ويقربنا إليك بدم ابنك الحبيب، الذي قدّم نفسه فدية عنا. افتح أعين الأذهان في عالمنا هذا لكي يرى الناس مجدك في خلاصك بالصليب، ويقبل كل إنسان ما هو لسلامه آمين.

السؤال: 7 - ما هو مقام المسيح بالنسبة للكنيسة؟

21 وَأَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي ٱلْفِكْرِ، فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ ٱلآنَ 22 فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِٱلْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ، 23 إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى ٱلإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ ٱلإِنْجِيلِ، ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، ٱلْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ ٱلْخَلِيقَةِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِماً لَهُ.

تكلم الرسول قبلاً في المصالحة بوجه عام، أما في هذه العبارات فتكلم بالنظر إلى تأثيرها في مؤمني كولوسي خاصة، مبيناً أن هذه المصالحة هي القداسة. فيسوع عمل الصلح بدم صليبه، لكي يحضرنا إلى الله قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. قد يشوّه بعضهم الحقيقية ويحرّفون فكرة محبة الله، ويسهل عليهم أن يقولوا: حسناً إن كان الله يحبنا بهذا المقدار، وإن كان لا يريد منا شيئاً إلا المصالحة معه، فالخطية إذن ليست أمراً مهماً. لذلك نستطيع أن نفعل ما يحلو لنا، واثقين أن الله لن يكف عن محبتنا. هذا ضلال صارخ! لأن محبة الله للإنسان ليس معناها التحرر من قيود «ٱلْقَدَاسَةَ ٱلَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ ٱلرَّبَّ» (الرسالة إلى العبرانيين 12: 14). على العكس إن محبة الله تضع على الإنسان مسؤولية ضخمة، وهي الحياة كما يحق لهذه المحبة في البر وقداسة الحق. وفي تعبير آخر إن محبة الله تحرض المؤمن لكي يطيع الوصية القائلة: «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (رسالة بطرس الأولى 1: 15).

ويشاء الرسول تذكير الكولوسيين بالحال، التي كانوا عليها قبل أن يعرفوا المسيح: كنتم أصلاً من الأمم، بدون المسيح الفادي الوحيد ووسيط الصلح الفريد بين الله والناس. كنتم أجنبيين عن جماعة الله، بعيدين عن المواعيد التي أعطيت به للحياة الأبدية. وهذا الوضع جعلكم ليس غرباء فقط، بل أعداء في الفكر، أي أن أفكارهم كانت مركز الشر والعداوة.

هذه حالة كل إنسان بدون المسيح. إنه عدو في الفكر والأعمال الشريرة، التي هي ثمار القلب الشرير، وفقاً لقول المسيح: «ٱلإِنْسَانُ ٱلشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ يُخْرِجُ ٱلشَّرَّ» (الإنجيل بحسب لوقا 6: 45). ولكن الشكر لله لأجل كلمة المسيح، التي تنقي القلب وتجعله بحسب قلب الله.

ولكن يجب أن تعلم أن المصالحة مع الله، تضع عليك التزام الثبات والرسوخ في الإيمان، لكيلا تفقد رجاء الإنجيل. وكذلك المصالحة تتطلب منك الولاء لله، وتستلزمك الثقة في محبة الله، سواء كانت في ضوء الشمس المشرقة، أو في الظلال القاتمة.

والجدير بالملاحظة هو أن المصالحة مع الله، تمّت في جسم بشرية المسيح. ويبدو أن الرسول استعمل هذه العبارة دفعاً لتعليم الغنوسيين. القائل إن المصالحة هو عمل الملائكة، أو غيرهم من المخلوقات، التي ليس لها أجساد. وقد وضع خطاً بارزاً تحت كلمة «جسم بشريته». لكي يؤكد حقيقة ناسوت المسيح. لأنه لو لم يتخذ جسم البشرية، لما كان في وسعه أن يتألم، بالتالي يصير ذبيحة كفارية كما أوضح في مكان آخر لاهوته، لأنه لولا لاهوت المسيح، لم تكن قيمة لموته.

هل أدركت الآن أن المسيح، من أجلك صار ذبيحة كفارية، لكي يتيح لك منذ الآن امتياز التبرير بدمه الكريم، وبالتالي قبول الروح القدس، الذي يقدسك ويحضرك قدام الله بلا لوم ولا شكوى. أي أن المسيح إن قبلته مخلصاً، تنال باسمه غفران الخطايا، فتسقط عنك شكوى الناموس، الذي خالفته. لأن المسيح أوفى كل مطاليبه نيابة عنك. وتسقط عنك شكوى ضميرك الذي خالفته لأن الروح القدس ينشئ السلام في قلبك.

في الآية الثالثة والعشرين، بيّن الرسول للكولوسيين مسؤوليتهم تجاه الخلاص، فيجب أن يكونوا ثابتين في إيمان الإنجيل ورجائه. والثبات في إيمان الإنجيل، هو شرط أساسي لإحضارهم إلى الله قديسين وبلا لوم. ويجب أن يبنوا حياتهم على أساس كلمة الله، وفقاً للقول الرسولي: «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ». هذه الحقيقة أعلنت لداود في القديم فكتب لنا عبارته الخالدة: «بِمَ يُزَكِّي ٱلشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور 119: 9).

ويحذّر الرسول المؤمنين من قبول تعاليم المعلمين الكذبة، الذين يحاولون سبيهم بغرور الفلسفة العالمية والشهوات الجسدية، لئلا تبعدهم عن رجاء الإنجيل ولا سيما الخلاص بدم المسيح، فيخسرون ثباتهم.

الصلاة: اللهم أبانا السماوي نرفع إليك شكرنا القلبي من أجل دعوتك المقدسة، التي دعوتنا بها لنسلك في النور ونحيا في البر. نحن ليس لنا بر، ولكن نشكرك لأجل برّك الذي في المسيح. الذي تريد أن تهبه للناس، ألهم الجميع أن يتعقلوا ويقبلوا هذا البر المجاني، واعطنا أن نثبت في إيمان الإنجيل ورجائه الحي في يسوع الفادي والمخلص آمين.

السؤال: 8 - ما هي الحال التي كان عليها الكولوسيون قبل أن يعرفوا المسيح، ويقبلوا خلاصه؟

24 ٱلَّذِي ٱلآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: ٱلَّذِي هُوَ ٱلْكَنِيسَةُ، 25 ٱلَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِماً لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. 26 ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ وَمُنْذُ ٱلأَجْيَالِ، لٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، 27 ٱلَّذِينَ أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ.

حين كتب بولس هذه الرسالة كان مسجوناً في رومية، ويده مربوطة إلى يد عسكري روماني. وقد بدأ هذا الفصل بفكر جريء إنه رأى في سجنه وآلامه تكميلاً لنقائص شدائد يسوع المسيح. تخبرنا الكتابة المقدسة أن المسيح مات على الصليب، لكي يخلّص كنيسته، وقد خلّصها فعلاً. لكن الكنيسة في حاجة إلى الامتداد، ويجب أن تكون مقدسة لا عيب فيها ولا غضن. ولهذا فالرسول الذي خدم الكنيسة وعمل بكل قوة لتثبيتها وحفظها من الوقوع في الأخطاء، حسب نفسه عاملاً عمل المسيح. والواقع بما أن خدمة الرسول اقتضته الألم والتضحية والاضطهاد، فإن هذه النوازل الشديدة، تعتبر مكملة لآلام المسيح نفسه. ويقيناً أن الألم في خدمة المسيح ليس قصاصاً ولا مضاضة، إنه امتياز وشرف لأنه اشتراك في عمل المسيح.

في رسالته إلى أهل فيلبي قال بولس: «لأَعْرِفَهُ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ» (الرسالة إلى فيلبي 3: 10)، فهل تحاول اتباع خطوات الرسول الكريم في معرفة المسيح، في آلامه من أجلك؟ وكانت وصية بطرس للمؤمنين في الشتات أن يعرفوا المسيح المتألم، وأن يتخذوا من الألم لأجله سلاحاً فعالاً ضد الخطية، والتخلُّص من شهوات الجسد والعيش وفقاً لمشيئة الله.

والحقيقة أن عظمة محبة الرسل ليسوع، حملتهم على أن يفرحوا بأن اذن لهم أن يشتركوا في آلام المسيح. ويخبرنا لوقا الطبيب أن الرسل فرحوا لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسم يسوع.

ثم يضع بولس أمامنا جوهر الخدمة، التي سلّمت له من الرب يسوع، وهي خدمة كنيسة المسيح، التي تنادي بالإنجيل وتشهد له بسلوكها واحتمال الشدائد من أجله. وقد كشف أحد الأسرار حين صرّح بأن خدمة الإنجيل أُسندت له بتدبير من الله، الذي وهب له النعمة والسلطان لنشر الإنجيل. فتمم أمر المسيح: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا»(الإنجيل بحسب مرقس 16: 15). وفي إكمال هذا الأمر، قال الرسول: «قَدْ أَكْمَلْتُ ٱلتَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ» (الرسالة إلى رومية 15: 19).

أما السر الذي كان مكتوماً وأشار إليه الرسول فهو إن مجد رجاء الإنجيل ليس لليهود فقط، بل هو أيضاً لكل إنسان. وهذه خدمة جليلة أسداها بولس للإيمان المسيحي، بتقديم المسيح إلى الأمم. وهدم الفكرة القائلة بأن الله ومحبته ورحمته ملك لشعب واحد. لقد جابه اليهود بهذا الإعلان العظيم، إن المسيح هو لجميع بني البشر. وفي يقيني أنه لولا بولس لصارت المسيحية يهودية جديدة تعترف بيسوع، ولكان محرماً علينا أن نعتنقها إن لم نتهود.

ولكن الله كما قال الرسول، إنه بنعمته شاء أن يدخل الأمم مباشرة إلى بيت الله، ويجعلهم شركاء في الميراث السماوي. وكان ذلك من أعظم معلنات نعمة الله للعالم. لأنهم كانوا متوغلين في أودية الظلام والإثم. حتى لم يكن من رجاء لإنارة ذهنهم ونجاتهم. وكم يجب أن نشكر الرب الإله، الذي أظهر أن جوهر غنى مجده هو أن المسيح يسكن في قلوب المؤمنين، فيتحدون به بواسطة النعمة، ويصير فيهم رجاء المجد.

هذا هو التعليم الذي نادى به بولس، خلافاً للمعلمين الكذبة الذين حذّر الكولوسيين منهم. والواقع أن يسوع الفادي كان الموضوع الرئيسي لوعظ الرسول. ويدل علىذلك قوله: «إِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي ٱلْمَسِيحِ... فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ... لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (الرسالة إلى فيلبي 2: 1 و5 ورسالة كورنثوس الأولى 2: 2).

ولا ريب أن الرسول أراد أن يترسخ فيهم فكر المسيح الذي جاء من الله معلماً، ولكنه ذهب في تواضعه إلى حد وضع النفس لأجل خلاص البشر. فهل تحذو حذو الرسول، فتحمل نير المسيح عليك، وتتعلم منه درس التواضع؟ إن فعلت فطوباك، لأن نير المسيح هين يعطي راحة للذين يحملونه.

قد يكون أبناء هذا الدهر حكماء في أمور كثيرة، ولكن حكمتهم لا تستطيع أن توجد لهم وسيلة الخلاص. هذه الوسيلة دبرتها حكمة الله بتجسد يسوع، الذي قال الرسول في موضع آخر، إنه أعطى لنا من الله حكمة وبراً وفداء. وهذه الحكمة أعطيت للرسول الكريم لكي يكرز بإنجيل الصليب الذي حسبه العالم جهالة، ولكنه صار بالنسبة للمؤمنين حكمة الله وقوة الله.

الصلاة: أيها السيد الرب، أنر قلوبنا لندرك مجدك في آلام يسوع المسيح الذي مات عنا، لكي يرفع خطايانا. أعطنا المحبة التي تصبر على كل شيء، وتحتمل وترجو كل شيء، حتى نحتمل الآلام مجداً للفادي، وشهادة لعمل نعمته آمين.

السؤال: 9 - ما هو السر المكتوم، الذي أشار إليه بولس في الآية 26؟

28 ٱلَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. 29 ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضاً مُجَاهِداً، بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.

في الآية 28 أبان الرسول موضوع تعليمه وتعليم رفقائه، وهو المسيح وإنجيله، الذي يختلف عن التعاليم المضلّة التي انتشرت في ذلك الزمن، والتي كانت خليطاً من الفلسفة اليونانية والأوهام اليهودية. أما تعاليم بولس ورفقائه فمحورها المسيح، وكلام الله عنه في العهد القديم والعهد الجديد. وهو المشار إليه بالرموز اليهودية ونبوات الأنبياء. كما أنه موضوع تاريخ الإنجيل وتعاليم الرسل.

ويتلخص تعليم بولس وزملائه بالمناداة، بأن يسوع ابن الله وابن الإنسان. وإنه هو الذي أعلن للناس كل ما يحتاجون إلى معرفته من صفات الله، وطريق الخلاص من الخطية والموت. وقد حرصوا على تحذير كل إنسان من التجارب والضلالات التي هم عرضة للسقوط فيها. وذلك تمشياً مع أمر المسيح اليومي لبولس: « أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال الرسل 26: 17 و18).

ولا ريب في أن المتتبع تعاليم بولس، يرى أن الرسول المغبوط كان بشيراً بالحق الذي في الإنجيل ونذيراً ومعلماً. وقد علّم الحق فعلاً، وراعي جانب الحكمة كما أر يسوع تلاميذه حين قال: «كُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 10: 16).

ويوضح الرسول أن هدفه كان وضع كل إنسان يلتقي به في طريق هذا الحق الإنجيلي، الذي آمن به وكرّس حياته لأجل نشره في العالم. حتى يصبح كل إنسان مسؤولاً عن خلاص نفسه. فيصغي إلى الإنذار والتعليم، ويطلب الكمال في المعرفة والقداسة وسائر الفضائل الروحية. وهذا لا يمكن إلا للذين اتحدوا بالمسيح، والمسيح اقتادهم بروحه «إِلَى وَحْدَانِيَّةِ ٱلإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ ٱلْمَسِيحِ» (الرسالة إلى أفسس 4: 13)

هل تريد إحضار كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع، كان موضوعاً لاهتمام الرسول. ولأجله تعب وجاهد، كما أبان في قوله «فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي ٱضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ» (رسالة كورنثوس الثانية 6: 4 و5).

فبولس لم يكتف بالمناداة، بل تعب في جعلها فاعلة ومثمرة. وكان شديد المحبة والرغبة في تكميل المؤمنين. ولهذا كان يصرف أوقاتاً طويلة في الصلاة من أجل انتشار حق الإنجيل وتثبيت المؤمنين. وقد أعطانا صورة من جهاده بقوله للغلاطيين: «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (الرسالة إلى غلاطية 4: 19).

ولعل الرسول الكريم أخذ المثال في جهاده بالصلاة عن الرب يسوع، حين جاهد في جثسيماني، إذ يقول الإنجيل إنه «كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ» (الإنجيل بحسب لوقا 22: 44).

ويشهد لنا الرسول أن الله أيّده وسانده في أتعابه بقوة، حسبما له حق أن ينتظر تلك القوة من المسيح، وفقاً لوعده الإلهي. ونفهم من الآية أن بولس لم يستند البتة على قوة نفسه بل كان يستمد القوة من الرب مرسله بدليل قوله: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَوِّينِي» (الرسالة إلى فيلبي 4: 13).

ولا بد للمتأمل في أقوال بولس وسيرته، أن يرى إشارة إلى النعمة الخاصة، التي أعطيت له، باعتبار كونه رسول الأمم. وقد ذكر هذا في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، إذ قال: «بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلٰكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي مَعِي» (رسالة كورنثوس الأولى 15: 10).

إن اختبار الرسول هنا، يذكرك بأن الباب قد فتح لك لأخبار الإنجيل السارة، التي تظهر محبة الله في المسيح، والقوة المغيرة التي تستطيع أن تعطي القداسة للحياة. وهذا الامتياز يضع عليك ضرورة إذاعة هذا الخبر السار في محيطك.

الصلاة: أبانا الذي في السموات، إننا نشكرك لأجل إعلاناتك بالمسيح، ولأجل محبتك الغنية باللطف، التي تغفر ذنوبنا وتستر آثامنا. ونشكرك لأجل حياة رسلك الأمناء، التي تركت لنا مثالاً لكي نتبع خطواتهم، في الغيرة على النفوس الضالة لردها إلى سبل البر. ارحم هذه النفوس انسجاماً مع رأفتك آمين.

السؤال: 10 - ما هو الأسلوب الذي اتبعه بولس في إنذار الناس، واقتيادهم إلى الكمال في المسيح؟

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

1 فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَرَوْا وَجْهِي فِي ٱلْجَسَدِ، 2 لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي ٱلْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ ٱلْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلْمَسِيحِ، 3 ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ.

في هذه الآيات المجيدة يظهر لنا قلب بولس المفعم بالحب من أجل المؤمنين. إنه يجوز جهاداً عظيماً من أجل المسيحيين حتى الذين لم يرهم وجهاً لوجه من أهل لاودكية، الذي كانوا في خطر الضلال ولهذا جاهد.

وكلمة جهاد التي استعملها الرسول هنا، تحمل أيضاً معنى الكرب الشديد. وهذا يدل على أنه كافح شديداً من أجل الذين يحبهم، ويفكر فيهم بالرغم من قيوده في سجن رومية، وهو يتوقع المحاكمة التي قد تنتهي بالموت. فبأية صورة كان جهاده؟

كان جهاد صلاة، ولعله كان بدافع من شوقه الشديد إلى زيارة كولوسي. حيث كانت رغبته ملحة للوقوف في وجه المعلمين المضلين، ويفند آراؤهم دفاعاً عن الإيمان المسلّم للقديسين. ولكن هذا السجن الذي احتجزه، بحيث لم يبق لديه من وسيلة إلا الصلاة، ولأجل هذا اتخذت صلاته شكل الجهاد، لأجل الذي منعته القيود من الذهاب إليهم.

وكان عليه أن يجاهد أيضاً من أجل نفسه، لأنه كان ينتظر المحاكمة أمام نيرون الطاغية، ويتوقع أن يطيح هذا الظالم برأسه، فيما كان ذهنه مملوءاً بالمشاريع من أجل نشر الإنجيل.

كان من السهل عليه أن يتخلى عن حق الإنجيل حباً في البقاء، ولكن بولس كان أميناً حتى الموت. والأمانة عززت شجاعته، ليقف ويشهد للحق أمام عظماء رومية. وفوق هذا فإن بولس كان يعلم أن أي تخاذل من قبله، كان سيؤدي إلى ضياع المؤمنين في كولوسي وغيرها من الكنائس. لذلك لم يكن جهاده من أجل نفسه فقط، بل أيضاً من أجل أولئك الذين اعتبروه قائداً وأباً لهم في الإيمان.

ونحن نحسن صنعاً إذا ذكرنا عند اتخاذ أي موقف لنا في حياتنا، إن هناك أناساً يرمقوننا بحيث يتحتم علينا، أن نلاحظ سيرتنا، ونجاهد بقوة من أجل تجنيبهم العثرات، عالمين أن كرامة المسيح بين أيدينا.

ونلاحظ أن بولس حذا حذو يسوع حين بدا يعزي تلاميذه وهو مزمع أن يفارقهم. واستهل خطابه بالقول: «لا تضطرب قلوبكم». والتعزية من هذا النوع ليس فقط تدخل السلوان إلى القلب بل تقوي أيضاً الإيمان بالإنجيل، وفقاً لقوله لأهل رومية: «لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِينَا جَمِيعاً، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي» (رومية 1: 12). وقد قرن الرسول التعزية بالمحبة لأن المحبة رباط الكمال، وهي شرط الاتحاد. والكنيسة أو المؤسسة التي يبني أفرادها على المحبة، يتشدد رجاؤهم ويقاومون الضلال.

ونرى أن الرسول أراد أن يحلّق المؤمنون في أجواء الإعلان، حتى يتيقنوا أن سرّ الله الآب ليس سوى سرّ المسيح. وإن سّر المسيح ليس سوى سرّ الله الآب، بدليل أن جوهر الآب والابن واحد. فلولا مجيء يسوع في الجسد، لبقي الله بالنسبة لنا ذلك الإله المحتجب. ولكن لسعادتنا أنه أعلن بالمسيح، المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم الصحيح. وإنما هذه الكنوز مخفاة عن العقول الدنيوية مهما كان فهمها غزيراً ومعلنة لمن فتح الله عيون قلوبهم، مهما كانوا بسطاء بدليل قول المسيح: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلآبُ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هٰذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ» (الإنجيل بحسب متّى 11: 25) ونلاحظ هنا أن المسيح لم يشكر أباه لأنه أخفى الحق عن بعض الناس، بل شكر على أنه أظهره للأطفال.

وقد عبّر الرسول عن فوائد الحكمة الروحية «بالكنوز» بياناً لقيمتها العظيمة لنفس الإنسان، إذ هي تؤكد له الخلاص من الخطية والموت، وتجعله سيداً إلى الأبد في السماء. وعلى هذا شبه يسوع ملكوت المسوات بكنز مخفي (الإنجيل بحسب متّى 13: 44).

هل عرفت يا أخي أن في ملكوت السموات فقط الغنى الحقيقي، لأن فيه رضى الله والحياة الأبدية، والميراث، الذي لا يفنى، ولا يتدنس ولا يضمحل. وهذا وحده يشبع نفس الإنسان؟ وأفضل ما في الكنز السماوي، «ٱلْمَسِيحِ ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ» (الرسالة إلى كولوسي 2: 3) فليتك تسارع إلى اقتناء هذا الكنز الثمين، متمثلاً بذلك التاجر الحكيم، الذي لما وجد لؤلؤة ثمينة، مضى وباع كل ما كان له واشتراها.

الصلاة: اللهم، لك الشكر والتعظيم، من أجل بركاتك المذخرة لنا في المسيح يسوع ربنا. نحن لا نستطيع أن نرد لك حسناتك. ولكن يطيب لنا أن نشكرك من أجل الفادي المحب، الذي حصل لنا الرضى. فثبتنا في هذا الرضى وليكن لك المجد في حياتنا إلى المنتهى آمين.

السؤال: 11 - كيف تجلّت محبة الرسول بولس من أجل المؤمنين؟

4 وَإِنَّمَا أَقُولُ هٰذَا لِئَلاَّ يَخْدَعَكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ مَلِقٍ، 5 فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ غَائِباً فِي ٱلْجَسَدِ لٰكِنِّي مَعَكُمْ فِي ٱلرُّوحِ، فَرِحاً، وَنَاظِراً تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ. 6 فَكَمَا قَبِلْتُمُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ ٱلرَّبَّ ٱسْلُكُوا فِيهِ. 7 مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ، وَمُوَطَّدِينَ فِي ٱلإِيمَانِ، كَمَا عُلِّمْتُمْ، مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِٱلشُّكْرِ.

يبدأ الرسول الكريم هذا الفصل بتحذير الكولوسيين من الانقياد بخداع المعلمين الكذبة، الذي كانوا عرضة له، بغية أن ينقذهم من الخطر الذي كان يتربص بهم.

الواقع أنه من علامات الكنيسة الأمينة، أن تكون لها القدرة على مقاومة التعاليم المضلة، بحيث لا يقدر المبدعون أن يخدعوها بكلام التملق والمداهنة. ولعل الرسول أراد أن لا يؤخذ المؤمنون بأسرار أخرى وحكمة أخرى، وتكون النتيجة حملهم على مطاوعات ليست من الله الذي دعاهم والقصد منها التضليل. وغير ذلك من التعاليم التي تتعارض مع التعليم الذي كرز به الرسول، بدليل قوله: «وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلإِنْسَانِيَّةِ ٱلْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ ٱلرُّوحِ وَٱلْقُوَّةِ» (رسالة كورنثوس الأولى 2: 4).

المعروف بين الناس، أنه إذا غاب أحد عن غيره، يحرّر نفسه من كل مسؤولية تجاهه. ولكن الرسول بولس حقق للكولوسيين أن بعده عنهم لم يحمله على أن يغفل عنهم البتة. بل كان معهم في الأفكار وحاملاً إياهم في صلواته أمام الرب الإله. بمعنى أنه كان يسهر عليهم، كأنه حاضر معهم، ولا يفتأ يسأل عنهم ويجاهد من أجلهم لكي يعتبروه كأنه ناظر إليهم بسلطة رسول المسيح، الأمر الذي من شأنه أن يثبتهم ويمنحهم القوة لمقاومة المضلين.

ولا شك في أن الرسول سمع من أبفراس أنباء سارة عن حسن تصرفهم في الأمور الروحية، وإدارة الكنيسة بترتيب يدل على أنها ثابتة في المسيح الذي جعلته مصدر حياتها.

ويذكر الرسول الكنيسة بالماضي السعيد، حين المسيح يسوع الرب خلّصهم مشيراً إلى تمسكهم بالمسيح نفسه، باعتبار كونه حياً وحاضراً معهم، وإنهم متحدون به بالإيمان. وإنه لامتياز عظيم أنهم قبلوا ابن الله وجعلوه ملكهم وربهم ومخلصهم الوحيد ومصدر حياتهم الجديدة.

ومن هنا انطلق الرسول فأهاب بهم أن لا يتوقفوا عند حد قبول المسيح، بل أن يسلكوا فيه أيضاً، عاملين بمقتضى سيرته، وناظرين إليه كمثال في السلوك، كأولاد أحباء نظروا إليه واستناروا ولعله شدّد على هذه الناحية، لكي يثبتوا ضد فساد المضللين، ولا يتحولوا عن الإنجيل الذي بشروا به إلى تعليم آخر.

من علامات الكنيسة الأمينة أن تتمسك بالإيمان الذي تسلمته فلا تنسى التعليم الذي قبلته عن المسيح الفادي والمخلّص، والذي يرتكز على الحق الذي لا يعتبر، ولا يقبل التغيير. وهو أن يسوع المسيح، هو الله الذي ظهر في الجسد.

هل قبلت هذا الحق؟ إن كان نعم فطوباك، لأن «كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 12).

ومن علامات الكنيسة الأمينة، أن تكون متأصلة ومتأسسة في محبة المسيح، «لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ وَيَعْرِفُ ٱللّٰهَ» (رسالة يوحنّا الأولى 4: 7).

أثبت فيه فتحصل على امتياز الصلاة المقتدرة كثيراً في فعلها. أثبت في كلامه فتعرف الحق، والحق يحررك من أوهام التعاليم المضلة، التي كثرت في زمننا، وأوقعت الكثيرين في الفسق والإلحاد، وكل أمر رديء.

ومن علامات الكنيسة الأمينة، امتلاؤها بروح الشكر. الشكر المتزايد والمتفاضل كل يوم. إن تقديم الشكر هو النغمة الأصلية في لحن الحياة المسيحية. ولا ريب أن تقديم الشكر هو من امتيازات السلوك المسيحي، وأجمل ألوان الشكر ما كان في الأعمال. ولعل أجمل ما قاله الرسول في موضوع الشكر، هو ما قاله لأفسسيين: «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِلّٰهِ وَٱلآبِ» (الرسالة إلى أفسس 5: 20).

كن شكوراً لله مصدر البركات الروحية، مهتماً بكل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر على ما حصلت عليه من بركات، ولتعلم طلباتك لدى الله، الذي يستحق كل شكر وعبادة وتسبيح.

الصلاة: يا إلهنا الحي، يا مصدر الخير والسلام. نعظم اسمك أيها العلي القدير، ونرفع إليك شكرنا من كل القلب على صلاحك، وعلى عنياتك بنا. زد إيماننا يا سيدنا الرب، وقو محبتنا حتى نحبك من كل القلب، لأنك جدير بالحب. ثبتنا فيك، وأصلّنا في محبتك. أوجد فينا روح الشكر، لكي نشكرك لأجل جميع حسناتك آمين.

السؤال: 12 - أي موضوع تناول تحذير الرسول للكولوسيين؟ وعلام حضّهم في الآية السادسة؟

8 اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِٱلْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَسِيحِ. 9 فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً. 10 وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، ٱلَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ.

ما من شك في أن هذه الآيات بالنسبة للمتأمل، هي من أصعب ما كتبه بولس. ولكن ربما لم يكن الأمر هكذا بالنسبة لأهل كولوسي، الذين عرفوا المسيح من الإنجيل، الذي كرز به بولس. ووجه الصعوبة في فهم هذه الآيات، هو ازدحامها بإشارات إلى التعليم المضل، الذي كان يشكل خطراً على حياة المؤمنين في كولوسي.

إن الشيء الواضح لدينا من الآيات السابقة، هو أن المعلمين الكذبة أرادوا أن يدخلوا في عقول الكولوسيين ما يمكن تسميته إضافات للمسيح. إذ كانو يعلمون أن يسوع المسيح وحده ليس كافياً. لأنه حسب زعمهم كان واحدً بين مظاهر كثيرة لله. وإنه كان من الضروري عبادة وخدمة ومعرفة القوات الإلهية الأخرى بالإضافة إليه.

والمتأمل بعمق في الآية الثامنة، يرى أن معلمي الضلال اجتهدوا أن يعلّموا الإخوة فلسفة إضافية. وكان من رأيهم أن الحق البسيط الذي كرز به يسوع، ودُوِّن في الإنجيل لم يكن كافياً لذلك فهو يحتاج إلى تكملة بتعليم موسع من الفكر الفلسفي.

لهذا حذّر الرسول المؤمنين قائلاً: انظروا انتبهوا واسهروا لأن هناك خطراً يتربص بكم. لا يسبيكم المضلون بالفلسفة المبنية على غرور باطل أو خداع.

من المسلّم به أن الرسول هنا لم يشجب كل الفلسفات وإنما حذر الكولوسيين من نوع من الفلسفة كان شائعاً في كولوسي. وهو خليط من الفلسفة اليونانية والأوهام اليهودية وسمي في الكنيسة بتعليم الغنوسيين. ولكي يظهر البون الشاسع بين هذه الفلسفة وحكمة المسيح، قال إنها حسب تقليد الناس. لأن معلميها اتخذوا تقليد الناس، بدلاً من الإعلانات الإلهية. وكان في اليهود ثلاث فرق أساسية: الفريسيون والصدوقيون والأسينيون. فالصدوقيون نفوا الوحي والتقليد، والفريسيون تمسكوا بالتقليد. أما الأسينيون فهم الباطنيون الذين بالغوا في التمسك بالتقاليد. والذي شاع في كولوسي هو تقاليد الآسينيين الذين ادعوا أن لهم كتباً تتضمن كل كنوز الحكمة المخفية عن عامة الناس.

ولكن الرسول الذي ائتمن على إنجيل الله، أبان أصل الفلسفة الباطلة بقوله، بحسب تقليد الناس. وأبان موضعها بقوله بحسب أركان العالم، وليس حسب المسيح. أي أن المسيح ليس هو مصدر تلك الفلسفة، التي نادوا بها ولا موضوعها. فهم وضعوا بدلاً منها رسوماً خارجية ووسطاء من الملائكة.

أما المسيح فخلافا لما علّم به الغنوسيين، ليس هو أحد القوات الكثيرة، التي دعوها أيونات، والتي تختلف بالقدرة، بل هو الكائن الذي حلّ فيه كل ملء اللاهوت في صورة بشرية. وبتعبير آخر إن الله بملء لاهوته حلّ في الكلمة الذي هو الأقنوم الثاني، بدليل قول يوحنا: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 1) وحين تجسد الكلمة، كان فيه الملء جسدياً بدليل قول يوحنا الإنجيلي: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 14).

ومن امتياز المؤمنين بالنعمة، أنهم مملؤون في المسيح. وفي تعبير آخر إن المواهب الروحية تجري من المسيح إلى النفس المؤمنة المتحدة به وفقاً لقول الإنجيل: «وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 1: 16) فمما تقدم يتضح أن كل الذين ظنوا أنهم يحتاجون فضلاً عن المسيح إلى شفعاء كالملائكة وغيرهم من الوسطاء المخلوقين هم مبتدعون.

تأكد يا أخي أن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والناس. ومع أنه فوق الكل ورأس كل رياسة وسلطان، إلا أنه في نعمته وتمشياً مع حبه الفائق يقبلك ويصالحك مع الله إن آمنت به. فهو الذي قال: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجاً.. اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متّى 11: 28 والإنجيل بحسب يوحنّا 6: 37 و إشعياء 45: 22).

«هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ.. هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» ( إشعياء 1: 18 ورؤيا يوحنّا 3: 20).

الصلاة: لك الحمد والشكر. أيها السيد الرب لأنك أحببتنا أولاً، وأحببتنا فضلاً. وبالمحبة، تتنازل وتقبلنا وتتشفع بنا أمام الآب السماوي، وتصالحنا معه. اقبل منا الشكر. واحفظنا في محبتك غير عاثرين آمين.

السؤال: 13 - ما هي التعاليم التي حاول المعلمون المضلّون إدخالها إلى كنيسة كولوسي؟

11 وَبِهِ أَيْضاً خُتِنْتُمْ خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا ٱلْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ ٱلْمَسِيحِ. 12 مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي ٱلْمَعْمُودِيَّةِ، ٱلَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ.

كان معلمو الضلال يطالبون المسيحيين من أصل أممي أن يختتنوا. وكان الختان علامة الانتساب إلى الله. واستندوا في أمر الختان على قول الله لإبراهيم: «هٰذَا هُوَ عَهْدِي ٱلَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» (تكوين 17: 10). وفي كل أجيال العهد القديم، انقسم الناس إلى فريقين في موضوع الختان. قال فريق منهم، إن الختان في حد ذاته كاف ليصلح أمور الإنسان مع الله، وأن الختان الجسدي هو المطلوب. وذهبوا إلى القول: لا يهم أن يكون الإنسان صالحاً أو شريراً، طالما كان يهودياً ومختوناً. أما القادة الروحيون وكبار الأنبياء، فكان لهم رأي آخر يختلف كل الاختلاف عن الرأي السابق. واستعملوا نفس كلمة الختان بمعنى جديد وجريء، فتكلموا عن الشفاه الغلفاء والقلب المختون (لاويين 26: 11 حزقيال 44: 7 و9، 30: 6) وفي تعبير آخر لم يكن الختان عندهم مجرد إجراء عملية في جسد الإنسان، بل حدوث تغيير في قلبه وفي حياته كلها. كان الختان فعل علامة إنسان مكرّس لله، ولكن التكريس لم يكن في ختان الجسد، بل في استئصال أي شيء يتعارض مع مشيئة الله، من حياة الإنسان.

من هذه الحقيقية، انطلق جواب بولس إلى معلمي الضلال، قال: أنتم تطالبون بالختان ولكن يجب أن يستقر في خواطركم، أن الختان في مفهومه الروحي، لايقصد به إزالة قطعة من جسد الإنسان. إنما المعنى الحقيقي له، هو تكريس الحياة كلياً لله، وترك كل الأشياء التي تتعارض مع إرادة الله. ويؤكد بولس أن يسوع المسيح هو وحده القادر أن يجري ختان القلب فينتزع من كل الذين قبلوه كل الأمور المخالفة لحياة الإيمان.

ويتابع الرسول إرشاداته فيقول: إن الختان ليس نظرياً، بل واقعياً يختبره كل مؤمن مولود من الله، وهو يتم لكم في المعمودية.

وعندما نتأمل في العمودية يجب أن نذكر أن المسيح نائب الإنسان، فلما مات، مات عنه. فمات شعبه معه، عن الخطية وعن الدينونة . فلما دُفن، دُفن شعبه معه، عن العالم وعن الخطية. والدفن مع المسيح يشير إلى شدة الاتحاد به، والأشتراك في نتيجة عمله.

قيل سابقاً «إننا مملؤون فيه» وإننا «مختونون بختانه» وزاد على ذلك هنا «إننا مدفونون معه». وهذا إثبات لانفصال المؤمن عن حياته القديمة في الخطية وانفصالاً أشد من الانفصال الذي أشار إليه بالختان. وقال إن هذا الانفصال قد تمّ بالمعمودية، لأن كل مؤمن يعترف عند المعمودية بإيمانه بالمسيح، وموته ودفنه للخطية. ولأنه حصل في وقت المعمودية بواسطة إيمانه بالمسيح والاعتراف بذلك الإيمان جهراً على فوائد كل ما عمله المسيح، واشتراه لشعبه بالفداء.

ويشير الرسول إلى أن المؤمن، الذي اتحد بالمسيح بواسطة المعمودية الروحية التي رمز إليها بمعمودية الماء. وكما قام المسيح بعد دفنه هكذا يُقام روحياً بقوة إيمان عمل الله.

والإيمان هنا ليس سوى اليد التي يمسك بها الله. وعمل الإيمان هنا هو إنارة عيون أذهاننا، لنعلم ما هو رجاء دعوة يسوع المسيح، «وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ ٱلَّذِي عَمِلَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ» (الرسالة إلى أفسس 1: 18-20).

وكثيراً ما ذكر في الإنجيل أن قيامة المسيح أصل رجاء المؤمنين. لأن إيمانهم بأن الله أقام المسيح، يتضمن اليقين بأن الله قادر ومستعد أن يقيمهم معه من الموت في الخطية، إلى الحياة الروحية. وحياته في السماء عربون قيامة كل المتحدين معه وغلبتها.

ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الرمز يصبح حقيقة مباركة، إن كان الإنسان المعمد يؤمن أن القوة التي ساندت يسوع المسيح في الصلب وإقامته من الأموات، تستطيع أن تفعل معه ما فعلت مع يسوع.

كأن بولس يقول لأولئك المعلمين، أنتم تتحدثون عن الختان، ولكن الختان الحقيقي الوحيد، هو عندما يموت الإنسان ويقوم ثانية مع المسيح في المعمودية وليس بانتزاع جزء من جسده، ولكن بانتزاع طبيعته الخاطئة كلها، والامتلاء بجدة الحياة، وبقداسة الله.

الصلاة: يا إلهنا الصالح، نسبّح اسمك، ونعطيك المجد والإكرام، ولا ننسى كل حسناتك. ونشكرك بنوع خاص من أجل موت وقيامة المسيح. أعطنا أن نتشبه بموته وقيامته، فنموت عن الخطية، ونقوم معه لنسلك في جدة الحياة ونحيا للبر آمين.

السؤال: 14 - كيف يتم ختان القلب، وما هي نتيجته؟

13 وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا، 14 إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّراً إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، 15 إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ.

يستعمل بولس سلسلة من الصور، ليبيّن ماذا عمل الله في المسيح للبشر. فليست هناك حاجة إلى أي وسطاء آخرين لتخليص الناس، خلاصاً كاملاً. وقد استخدم الرسول الكريم ثلاث صور:

  1. صورة الأموات في الخطايا. هذا بيان حال الكولوسيين قبل إيمانهم بالمسيح، وهكذا كانت حال الأفسسيين (أفسس 2: 1) وهكذا كانت حالك أنت وحالي أنا، قبل أن نعرف المسيح. كنا مغلوبين من الخطية، عاجزين عن تحطيم سلاسلها. لم تكن لنا قوة أكثر من قوة إنسان ميت للانتصار على الخطية. فهب يسوع لنجدتنا وبعمله حرّرنا من سلطة الخطية ومن عقاب الخطية، وأعطانا حياة جديدة ونشيطة وحرة. حتى يمكن أن يُقال أنه أقامنا من الأموات.

    كان الاعتقاد عند اليهود، أنهم وحدهم الأعزاء عند الله الذي اختارهم قنية له وشعباً خاصاً له. ولكن المسيح جاء ليعلّم الناس أن الله في عهد النعمة كتب الخلاص لجميع الأمم والشعوب والألسنة.

  2. صورة المسيح وهو يمحي الصك الذي علينا في الفرائض، الذي كان ضدنا. وفي تعبير آخر، قد محا عنا قائمة الاتهام المثبتة فيها خطايانا وتعدياتنا. وقد تراكمت هذه الخطايا حتى امتلأت بها قائمة طويلة. ولكن الله في المسيح محا الصك، فصارت الكلمة الرسولية «كما سامحكم الله في المسيح»وهو يمحو خطايا كل إنسان، حين يؤمن بناء على الفداء الذي أكمله المسيح مرة واحدة عن خطايا العالم عند موته، الذي أكد المغفرة، لكل من يأتي إلى الله به. ومعنى قوله محا الصك، كمعنى قوله مبطلاً بجسده ناموس الخطايا في فرائض.

    هذه النعمة الغافرة في أسمى معانيها، إن هذه الدينونة، وهذه الاتهامات كانت مبنية على فرائض الناموس بمعنى أنه قبل مجيء المسيح وقيامه بعمل الفداء، كان الناس تحت حكم الناموس، الذي أغلق على الكل تحت الخطية. ولكن المسيح بموته الكفاري أزال حكم الناموس، فصار الإنسان موضوعاً لرحمة الله، وقد أحاطت به نعمة الله من كل جانب.

  3. صورة المسيح المنتصر، الذي جرّد الرياسات والسلاطين من القوة على مقاومته كما أن الجيش المنتصر يجرّد الجيش المغلوب من أسلحته. «والرياسات والسلاطين» هم المشار إليهم في الرسالة إلى أفسس، والذين لقبهم بـ «وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ» (الرسالة إلى أفسس 6: 12). فهم قوّات الشر أعداء المسيح وأعداؤنا. وأشار المسيح إلى انتصاره عليهم بقوله: «اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجاً» الإنجيل بحسب يوحنّا 12: 31).

ولم يكتف المسيح بدحر قوّات الشر، بل أشهرهم جهاراً ظافراً بهم» والكلام مبني على ما اعتاده الملوك قديماً، يوم يرجعون من الحروب منتصرين، فإنهم كانوا يتباهون بالأسرى والغنائم.

في هذه الصورة الواضحة يقرر بولس الكفاية المطلقة للمسيح. فالخطية مغفورة لكل من يؤمن، والشر مغلوب. لأن المسيح حقق النصر على قوات الشر، وقد أعلن ذلك جهاراً حين قال لتلاميذه: «ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 16: 33).

وهذا النصر هو للمؤمنين أيضاً، بدليل قول الرسول: «شُكْراً لِلّٰهِ ٱلَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي ٱلْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ» (رسالة كورنثوس الثانية 2: 14).. «شُكْراً لِلّٰهِ ٱلَّذِي يُعْطِينَا ٱلْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة كورنثوس الأولى 15: 57).

هل أعطيت هذه الغلبة؟ يجب أن تنالها في جهادك مع المسيح، لكي يتم ذلك وعد المسيح القائل: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ ٱلْمَنِّ ٱلْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى ٱلْحَصَاةِ ٱسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ٱلَّذِي يَأْخُذُ» (سفر الرؤيا 2: 17).

لست في حاجة إلى معرفة أكثر من ذلك. فاترك الفلسفات المضلّة وكل تعليم آخر، يبعدك عن حق الله المعلن في الإنجيل!

الصلاة: شكراً لك أيها الإله البار القدوس، لأنك أحببتنا بهذا المقدار. كنا أمواتاً في الذنوب والخطايا، فأحييتنا مع المسيح، مسامحاً لنا بخطايانا السالفة. فمحوت عنا صك الفرائض الذي كان ضدنا، بقوة الصليب، وأتحت لنا أن نعبدك بحرية الروح القدس. كمّل عملك الصالح، الذي بدأته في حياتنا إلى يوم مجيء المسيح آمين!

السؤال: 15 - ما هو الصك الذي محي عنّا نتيجة لعمل المسيح؟

16 فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَلٍ أَوْ سَبْتٍ، 17 ٱلَّتِي هِيَ ظِلُّ ٱلأُمُورِ ٱلْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ. 18 لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ ٱلْجِعَالَةَ، رَاغِباً فِي ٱلتَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلاً فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخاً بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ ٱلْجَسَدِيِّ، 19 وَغَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِٱلرَّأْسِ ٱلَّذِي مِنْهُ كُلُّ ٱلْجَسَدِ بِمَفَاصِلَ وَرُبُطٍ، مُتَوَازِراً وَمُقْتَرِناً يَنْمُو نُمُوّاً مِنَ ٱللّٰهِ.

في هذه الآيات تحذير من أعمال خاصة تنافي ما سبق، وتشير إلى أن المؤمنين ليسوا مملوئين في المسيح، وإن الصك الذي عليهم في الفرائض لم يُمحَ، أي أنهم ما زالوا تحت رق المناسك الخارجية. ويبدو من القرائن أن هذه الممارسات، التي أشار إليها الرسول هي من ابتداع الغنوسيين، وهي بالنسبة للإنجيل ارتداد نحو اليهودية، وقبول أركانها الضعيفة. ولا ريب في أن المتأمل فيها يرى أربع لمسات غنوسية:

  1. التزهد: وكان يفرض في لوائح طويلة المسموحات والممنوعات من ألوان الأكل والشرب. وفي هذا رجوع واضح إلى قوانين اليهودية وقوائمها الطويلة من المسموح والممنوع، من النجس ومن الطاهر.

    ولعل بولس أراد بتحذيره عدم الربط بين الدين والأكل والشرب، ناسجاً على منوال المسيح الذي علّم أن الأكل والشرب ليس لهما أية صلة بالدين (الإنجيل بحسب متّى 15: 10-20، الإنجيل بحسب مرقس 7: 14-23) وقد تعلّم بطرس عدم التكلم عما هو نجس وطاهر من الأطعمة، كما نقرأ في أعمال 10.

  2. الاهتمام بالأيام: لقد اجتهد معلمو الضلال أن يفرضوا على مؤمني كولوسي ممارسات لم يدع لها الله. ومن جملتها حفظ أيام الأعياد اليهودية من مواسم سنوية، وأهلّة شهرية، وسبوت أسبوعية. وقد وضعوا جداول بالأيام التي تخص الله، والأيام الواجب أن تؤدى فيها طقوس معيّنة، والأيام التي يحرّم فيها بعض الأشياء، وربطوا الدين كله بالطقوس وممارسة السبوت.

كان في انتقاد بولس على هذه الرسالة إشارة إلى قول الله بفم إشعياء النبي: «لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. ٱلْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي. رَأْسُ ٱلشَّهْرِ وَٱلسَّبْتُ وَنِدَاءُ ٱلْمَحْفَلِ... رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي» (إشعياء 1: 13 و14). وعلى ذلك أيضاً قال بولس للغلاطيين: «أَتَحْفَظُونَ أَيَّاماً وَشُهُوراً وَأَوْقَاتاً وَسِنِينَ؟ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَكُونَ قَدْ تَعِبْتُ فِيكُمْ عَبَثاً» (الرسالة إلى غلاطية 4: 10 و11).

وفي أيامنا تقوم جماعات السبتيين والأدفنتست، بدعوة حماسية لحفظ السبوت وغير ذلك من الفرائض التي تتبع ذلك. كأنهم يريدون الرجوع بالمؤمنين إلى أركان اليهودية الضعيفة، التي حرّرنا المسيح منها. فالرسول هنا يؤكد أن المؤمنين غير مكلفين بحفظ أعياد اليهود وسبوتهم.

وكأني بالرسول يقول: لقد صارت لكم النعمة فتحررتم من طغيان الفرائض لحفظ الفرائض الناموسية، فما بالكم تريدون العودة إليها؟ لكأنكم ترفضون الحرية التي اشتراها لكم المسيح بدمه المبارك؟

هذه الممارسات الناموسية، لم تكن سوى ظل الحقيقة، أما الحق الكامل فهو في يسوع المسيح. أو بتعبير آخر إن المناسك الموسوية لم تكن سوى إشارات إلى أمور روحية متوقعة، قد كملت في ملء الزمان بيسوع المسيح، المشار إليه. ولما جاء الحق وجب على ظل الحقيقة أن يتوارى بدون رجعة. ولنا أن نتعلم من كلمة الرسول أن الديانة الحقيقية هي الشركة مع المسيح فقط.

والواقع أن الرسول يقول في رسالته إلى الغلاطيين: «إِذاً قَدْ كَانَ ٱلنَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ» (الرسالة إلى غلاطية 3: 24). وقال للرومانيين: «لأَنَّ غَايَةَ ٱلنَّامُوسِ هِيَ: ٱلْمَسِيحُ» (الرسالة إلى رومية 10: 4). وفي الحقيقة أن المسيح بمجيئه جعل للأمور العتيدة معنى وجوهراً وقيمة وحياة.

وانطلق الرسول من وضع الأمور في نصابها إلى تحذير المؤمنين من خسارة المكافأة المعدة في المسيح، وهي الحياة الأبدية في السماء. وهذه المكافأة لن تنال بحفظ الأيام وبالتدقيق في ما يؤكل ويُشرب. بل لعل هذه الممارسات تقود الممارس إلى الكبرياء، فيشعر أنه على درجة ممتازة من التقوى والصلاح. فينظر إلى البسطاء نظرة ازرداء كما فعل الفريسيون قديماً.

وقد عُرف بالاختبار أن هذا المسلك، لا يحرر الإنسان من شهوات الجسد. ولا شك أن الرسول أراد أن يفهمنا أن الحرية المسيحية لاتأتينا من الكبت ولا من التقشف وخصوصاً التقشف المبالغ فيه. الحرية تأتينا من حلول المسيح بالإيمان في القلب، فيؤسسه ويؤصله في المحبة.

الصلاة: أيها الرب المبارك، نعترف لك بخطايانا الكثيرة، وخصوصاً بالكبرياء التي هي مكرهة عندك. جرّدنا من روح التعالي، وأعطنا روح التواضع، الذي يقربنا من يسوع رئيس الإيمان ومكمله اقبل شكرنا باسم المسيح ربنا آمين.

السؤال: 16 - ما هو التعليم الرسولي الذي نادى به بولس من جهة ناموس الفرائض؟

20 إِذاً إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي ٱلْعَالَمِ، تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: 21 لاَ تَمَسَّ، وَلاَ تَذُقْ، وَلاَ تَجُسَّ؟ 22 ٱلَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي ٱلٱسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ ٱلنَّاسِ. 23 ٱلَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ ٱلْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ ٱلْبَشَرِيَّةِ.

في الآية الثانية عشرة من هذا الأصحاح تكلّم الرسول عن دفن المؤمن في المعمودية، مشيراً إلى شدة اتحاده بالمسيح الذي بلغ من التمام حداً لا يقتصر على أن يموت المؤمن للخطية. بل يصير بالنظر إليها كالمدفون الذي لم يبق بينه وبين الخطية أي تعلُّق، من جهة ممارستها، أو التلذذ بها أو سلطتها. وفي اعتقادي أن الرسول استعار كلمة دفن للمعمودية، لتحقيق انفصال المؤمن عن الخطية. لأن الدفن يثبت أن الإنسان مات حقيقة. فيصير معنى قوله «مدفونين معه» إننا انفصلنا عن عالم الخطية وتحرّرنا من سلطتها.

في رسالته إلى رومية قال الرسول: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هٰذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا ٱلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ ٱلَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ» (الرسالة إلى رومية 6: 5-7).

فبناء على ما سبق من قوله «مدفونين معه» قال الرسول: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ» (كولوسي 2: 20) كما كان حين آمنتم وكررتم إقراركم حين اعتمدتم، مشتركين في موت المسيح على الصليب، عن أركان العالم، التي هي فرائض خارجية وضعها الناس. فلماذا تُفرض عليكم، بعد إن حرركم المسيح منها؟ أو لا تكون ممارستكم لها بمثابة ردة إلى تقاليد بالية يهودية ليست من المسيح في شيء؟

صحيح أن الكنيسة في زمن طفوليتها لم تلغ تلك السنن لأنها كانت قاصرة وتحت أوصياء ووكلاء (الرسالة إلى غلاطية 4: 3 و4) ولعلها كانت في حاجة إليها، قبل أن استعدت لحرية البالغين وحياتهم الروحية. ولكن كل تلك الأركان الضعيفة زالت بعد مؤتمر الرسل الأول في أورشليم كما أخبرنا لوقا الطبيب في الأصحاح الخامس عشر من سفر أعمال الرسل. فتحررت الكنيسة نهائياً من الأركان اليهودية، التي كانت ظل الأمور العتيدة.

وكأني بالرسول يقول للكولوسيين: هذه الرسوم الجسدية، التي وضعت إلى وقت الإصلاح، فلماذا تفرض عليكم ممارستها، بعد أن تم الإصلاح بالمسيح يسوع؟ ولماذا كأنكم عائشون في العالم للعالم؟ أو كأنكم من العالم وليس من المؤمنين الذي اختارهم المسيح من العالم.

كم يجب أن نشكر الرب الإله لأجل الحرية التي وُهبت لنا في المسيح يسوع، إذ أزاح عن كاهلنا ثقل تلك الأركان التي كانت قائمة بأطعمة وأشربة وغسلات مختلفة وفرائض جسدية وغير ذلك من المطاوعات التي ليست من الذي دعانا. وكم يجب أن نتهلل ونبتعد من أجل ناموس روح الحياة في المسيح، الذي أعتقنا من هذه النواحي الخاصة بأمور ممنوعة إنها نجسة ولكن الله لم يحرّمها. بل هي من قواعد الآسينيين، الذي زعموا في تعليمهم أن المادة هي مركز الإثم وإن إماتة الجسد تتيح للإنسان أن يبلغ القداسة. ولهذا حرموا أشياء كثيرة، منها أكل الزيت واللحم ولمس الوثني.

هذه الأشياء حسبها الرسول أنها فانية، لأنها من الأشياء التي تتلاشى بالاستعمال، على وفق قول المسيح: «أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ ٱلإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِهِ بَلْ إِلَى ٱلْجَوْفِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْخَلاَءِ، وَذٰلِكَ يُطَهِّرُ كُلَّ ٱلأَطْعِمَةِ» (الإنجيل بحسب مرقس 7: 18 و19).

في الحقيقة إن كان الله قد عيّن الأطعمة للإستعمال فبأي حق يسمح الإنسان لنفسه بأن يجتهد على شريعته تعالى، فيحرّم ما أحلّه الله؟!

في رسالته الأولى إلى تيموثاوس أشار بولس إلى معلمين كذبة ملبوسين بأرواح مضلّة، وموسومة ضمائرهم. هؤلاء قال الرسول إنهم ابتدعوا قوانين تدعو إلى الامتناع عن الزواج، وتأمر بتحريم أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق. وإنه لمن المؤسف أن يعتبر بعض الناس أن الامتناع عن هذه الأمور فضيلة ووسيلة ضرورية لبلوع أسمى درجات القداسة. هذا مع العلم أن الكتاب المقدس يعلّم بأن الإيمان بالمسيح، ومعرفة حق الإنجيل هما شرط القداسة الحقيقية والقبول عند الله، لا النوافل التي يخترعها الناس.

الصلاة: أيها الرب إلهنا وفادينا. إننا نشكرك لأجل دعوتك لنا في المسيح يسوع. دعوتنا لكي نترك الخطية، ونحيا للبر. ثبّتنا في هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون. وسامحنا عن كل تعدياتنا السابقة، معطياً لنا نعمة وحكمة حتى نتصرف بلياقة وتواضع.

السؤال: 17 - ما هي الأشياء التي حاول المعلمون الكذبة أن يفرضوها على مؤمني كولوسي؟

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

1 فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فَٱطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. 2 ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، 3 لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللّٰهِ. 4 مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ.

إن الحقيقة التي يريد الرسول بولس أن يضعها أمامنا، هي أن المسيحي الذي اتحد بالمسيح في شبه موته ودفنه وصار بقيامته يجب أن يقوم إلى حياة جديدة. وإذا كان الأمر كذلك فإن المسيحي لا يقدر أن يخرج من المعمودية وهو نفس الإنسان. لا بد أن يحدث فرق واضح في حياته. وهذا الفرق هو أن أفكاره تتجه إلى طلب ما فوق.

القيامة مع المسيح تستلزم حياة جديدة روحية موافقة لحال المسيح بعد قيامته، بالنظر إلى اتحادنا به، وطلب ما فوق يستلزم الشوق إليه وتجنب الأمور التي تمنع عواطف الإنسان من الاتجاه إليه.

من المؤكد أن الرسول بقوله: «ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى ٱلأَرْضِ» (الرسالة إلى كولوسي 3: 2) لا يدعونا إلى الكف عن كل مظاهر النشاط هنا، ولا يحرّضنا على الانطواء على النفس. وإنما أراد أن نعطي الأهمية الأولى لما فوق، على وفق قول المسيح: «ٱطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ وَبِرَّهُ» (الإنجيل بحسب متّى 6: 33).

إن جلوس المسيح عن يمين الله، يحقق جلوس مختاريه في السماء بدليل قوله: «حَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي» (الإنجيل بحسب يوحنّا 12: 26). وقد أشار الرسول إلى هذا الأمر في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول: «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (الرسالة إلى أفسس 2: 6).

إن أعظم ما يعزينا كمؤمنين إن المسيح صعد إلى السماء بناسوته الممجد. وإنه ذهب ليعد لنا مكاناً، وقد صرّح بهذا ليوحنّا إذ قال: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤيا يوحنا 3: 21).

ومما لا ريب فيه أن النظر إلى الأبدية يعطي المؤمن مجموعة جديدة من القيم الروحية، وفكراً جديداً للحكم على الأشياء. وإحساساً جديداً لوضع الأمور في مواضعها المناسبة. فالأشياء التي يحسبها أبناء هذا الدهر بالغة الأهمية، لا يراها المؤمن جديرة باهتمامه. صحيح أنه يستعمل أشياء هذا العالم ولكنه يستعملها بروح جديدة وبأسلوب جديد. فبالنسبة له أصبح العطاء أهم من الأخذ.

المؤمن الحقيقي يضع الخدمة فوق المركز المرموق، ويضع التسامح فوق الانتقام. بمعنى أنه يرى الأشياء لا بعيني العالم بل بعيني الله. وهذا المقياس يتسنى له بموته للخطية وكل ما يتعلق بها واستتاره مع المسيح في الله. إن حياته مستترة عن أبصار العالم، لأن العالم لا يعرف حقيقة حياته ولا مصدرها ولا قوتها، التي نالها بالاتحاد بالمسيح. هذه الحياة السعيدة المقامة مع المسيح تبتدئ هنا وتكمل في السماء.

لكن إن كانت حياة المسيحي المولود من الله، مستترة عن العالم فحين سيأتي اليوم الذي فيه سيعود المسيح ثانية بمجده سيكون من امتياز المسيحي، الذي لا يعرفه العالم أن يأخذ نصيبه من مجد المسيح. وكأني بالرسول يقول: إن يوماً آتياً فيه ستنسخ أحكام الأبدية ما أصدرته الأرض على المسيحيين من أحكام قاسية. يومئذ ستتم الكلمة المكتوبة بإشعياء: «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي ٱلْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ» (إشعياء 54: 17).

وهل من امتياز أعظم من هذا أن يكون المسيح حياتنا، فليتك تختبر فيكون لك امتياز القول مع الرسول: «لي الحياة هي المسيح» «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (الرسالة إلى غلاطية 2: 20).

في أحيان كثرة نقول عن إنسان ما: إن الموسيقى حياته أو الرسم حياته أو الشعر حياته كأن هذا الإنسان يجد في إحدى هذه الهوايات حياته. أما للمسيحي فإن المسيح حياته إنه يسيطر على فكره ويملأ كل حياته.

هذه الاختبارات تجعل المسيحي أفكاره وقلبه وكل عواطفه في المسيح، فيطلب ما فوق لأنه منذ أن عرف المسيح في شركة آلامه صار يحكم على أشياء هذا العالم بنور الصليب، ويقيّم كل شيء على ضوء المحبة التي أحبه المسيح بها، حتى بذل نفسه لأجله. وفي نور صليب الفداء يرى أن المحبة وحدها هي التي تستحق أن يجلسها على عرش قلبه. وبذلك يستطيع أن يتخلّص من جاذبية الأشياء الأرضية ويحلّق في السماء، إلى حيث المسيح جالس عن يمين الله.

الصلاة: يا إلهنا الصالح، عظيمة هي محبتك. هذه المحبة رفعت شأن الإنسان إذ أعطته الإيمان. وبالإيمان أعطته هذا الشرف العظيم أن يدعى ابناً لله. نشكرك لأجل الحياة المستترة مع المسيح في الله. افتح قلوب الناس حتى يدركوا هذه الحقيقة، فيطلبوا خلاصك، ويمجدوك بحياة جديدة في البر وقداسة الحق.

السؤال: 18 - كيف يقوم المؤمن مع المسيح؟ ما هي أهداف الحياة المقامة؟

5 فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ ٱلَّتِي عَلَى ٱلأَرْضِ: ٱلزِّنَا، ٱلنَّجَاسَةَ، ٱلْهَوَى، ٱلشَّهْوَةَ ٱلرَّدِيَّةَ، ٱلطَّمَعَ ٱلَّذِي هُوَ عِبَادَةُ ٱلأَوْثَانِ، 6 ٱلأُمُورَ ٱلَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ ٱللّٰهِ عَلَى أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ، 7 ٱلَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا.

كان بولس أقدر من بحث وتعمّق في أسرار الإيمان المسيحي. ولكنه في رسائله كان دائماً يوجّه الأنظار إلى النتائج العملية لكل ما وصل إليه من تفكير عميق. ويبدأ الرسول الكريم هنا بمطلب صريح واضح، مفاده أن العهد الجديد لا يتردد في أبعاد كل شيء يتعارض مع وجود الله في حياتنا. قال: أميتوا من نفوسكم وشخصياتكم أي شيء، يمنعكم عن إتمام إرادة الله. وعبّر عن إماتة الأعضاء بالصليب، إذ قال: «ٱلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا ٱلْجَسَدَ مَعَ ٱلأَهْوَاءِ وَٱلشَّهَوَاتِ» (الرسالة إلى غلاطية 5: 24) وبإماتة أعمال الجسد بقوله: «إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (الرسالة إلى رومية 8: 13). وهو يتفق تماماً مع فكر المسيح في قوله: «فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 29).

ونفهم من القرائن أن الرسول كنّى بالأعضاء هنا عن الخطايا، وعنى بإماتتها اعتزال الخطية. ويختلف موتها عن الموت الحقيقي بأنه اختياري وتدريجي. وربط الأعضاء بالأرض، لأن الأرض موضع استعمال الخطية ولأنها تميل إلى ربط أنفسنا بالأرض.

ويمضي الرسول في ذكر بعض الرذائل، التي ينهي المؤمنين عن ممارستها. فالزنى والنجاسة وكل الشهوات الردية يجب أن تتلاشى من حياة المؤمن. ونلاحظ أن الرسول لم يكتف بالنهي عن الزنى بل نهى عن كل ما يشابهه ويؤدي إليه. وفي رسالته إلى الأفسسيين، قال : «إِنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ، ٱلَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلأَوْثَانِ لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ ٱلْمَسِيحِ وَٱللّٰهِ» (الرسالة إلى أفسس 5: 5).

في العالم القديم كانت الصِلات الجنسية قبل الزواج وخارج دائرة الزواج تُمارس بلا حياء أو خجل. لأن المفكرين آنئذ كانوا يرون في الشهود الجسدية غريزة، يجب إشباعها. فلما جاءت المسيحية أكرمت الزواج ووضعت حداً للفوضى الخلقية.

ولكن مما يؤسف له أن كثيرين من مفكري زمننا، ينادون بالإباحة الجنسية وقد ملأوا المكتبات بالكتب التي تدعو إلى إباحية الجنس تحت شعار سمّوه التحرر. والذي يدعو إلى الأسف هو أن شباب اليوم أخذ بهذه الأفكار الإباحية. فليت الرب إلهنا يتدخل بنعمة لدى شبان اليوم ليضع في قلوبهم فكر العفة وضبط النفس!

ثم يتحدث الرسول عن وجوب الامتناع عن «الهوى وكل الانفعالات الشريرة». ونعتها بالشهوة الردية، التي كما قال الرسول يعقوب « إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَٱلْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً» (رسالة يعقوب 1: 15). ولا ينسى الطمع، الذي هو أقبح الخطايا، لأنه رغبة دائمة ومتزايدة في امتلاك ما هو للغير. وفي تعبير آخر، إن الطمع هو الشهوة الجامحة للتحصيل والامتلاك دون حق. فهو إذن خطية لها آثار بعيدة المدى. فإن كان رغبة في المال، قاد صاحبه إلى السرقة والاحتكار والاختلاس. وإن كان رغبة في السلطة دفعه إلى الطغيان والاستبداد. صدق العالم الشهير مول حين قال الطمع، هو عكس الرغبة في العطاء. أما بولس فقال: « ٱلطَّمَعَ ٱلَّذِي هُوَ عِبَادَةُ ٱلأَوْثَانِ» (الرسالة إلى كولوسي 3: 5).

ويختم الرسول تعليمه في هذا الموضوع بالقول إنه بسبب هذه الأمور ينصّب غضب الله على أبناء المعصية المرتكبين. هذا على وفق قوله: «فَإِنَّ ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً» (الرسالة إلى غلاطية 6: 7). وهذا هو عدل الله في العقاب، المعلن على جميع فجور الناس وإثمهم. وما من أحد يستطيع أن يتهرب من عواقب خطيته. وقد علّمتنا كلمة الله، إن غضب الله والقانون الأدبي، يسيران جنباً إلى جنب. صحيح أن العقاب المعلن من السماء على الإثم سيكون في يوم الدين. ولكن ذلك لا يمنع من أن الله يعاقب الأثمة في هذا العالم، والأمثلة كثيرة على ذلك.

اهرب من الشهوات الشبابية أيها الفتى، واهرع إلى يسوع، الذي عالج مشكلة الشباب. سلّم له واتكل عليه يعطك نعمة لكي تحفظ إناءك بقداسة وكرامة. اقبل إليه بقلبك فهو يقول لك: «يَا ٱبْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي» (سفر الأمثال 23: 26).

الصلاة: قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله. وروحاً مستقيماً جدد في داخلي. أعطني القوة لكي اضبط نفسي، وأقاوم أفكار هذا العالم الدنسة، التي تقود إلى صنع الشر. قوّني لكي أحفظ نفسي، بلا دنس في العالم اقبل شكر قلبي يا إلهي ولك أعطي المجد.

السؤال: 19 - ما هي الأشياء التي نهى عنها الرسول في هذا الفصل من رسالته إلى الكولوسيين؟

8 وَأَمَّا ٱلآنَ فَٱطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً ٱلْكُلَّ: ٱلْغَضَبَ، ٱلسَّخَطَ، ٱلْخُبْثَ، ٱلتَّجْدِيفَ، ٱلْكَلاَمَ ٱلْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. 9 لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ ٱلإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، 10 وَلَبِسْتُمُ ٱلْجَدِيدَ ٱلَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ، 11 حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ ٱلْمَسِيحُ ٱلْكُلُّ وَفِي ٱلْكُلِّ.

في هذه الآيات يحدثنا الرسول عن أشياء أخرى، يجب أن نجرّد أنفسنا منها. قال: اطرحوا عنكم كل الآثام، كما يطرح الإنسان عنه ثوباً بالياً قذراً. وكلمة «الكل» تشمل الخطايا المذكورة في هذه الآية مع الخطايا المذكورة في الآية الخامسة. فعلى المسيحي أن يطرح عنه هذه الكبائر، التي لا تليق به.

يركز الرسول في هذه الآية على مجموعة من الآثام، في مقدمتها السخط والغضب. قيل إن السخط يمتاز عن الغضب بأنه لا يكون إلا من الكبراء والعظماء على من دونهم. أما الغضب فيصدر عن الجميع. وقد يصبح رذيلة متأصلة، ترفض التهدئة وتحتضن الحقد وترعاه بمختلف الوسائل. لهذا حذّر الرسول المؤمنين من الانفعالات الانتقامية التي تصدر عن كل الرذيلتين، وأوصاهم أن يكونوا لطفاء ومسامحين بناء ما اختبروه من رحمة الله.

لا تغذ السخط السريع الاحتداد. ولا تحتفظ بالغضب الدفين، لئلا تدفعك الانفعالات إلى ارتكاب الجريمة. لا تغضب لأن الغضب لا يصنع بر الله. ولا يليق بقديسين، عرفوا المسيح في وداعته وطول أناته.

ولزام على المسيحي، أن يطرح عنه التجديف والكذب. والتجديف في هذه العبارة يشمل الوشاية والافتراء على الإخوة. والكلام القبيح هو الكلام البذيء الفاحش. أما الكذب، فهو من شر سقطات اللسان. وقد قال الرسول يعقوب إن «ٱللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ ٱلإِثْمِ... ٱلَّذِي يُدَنِّسُ ٱلْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ ٱلْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ» (رسالة يعقوب 3: 6).

يا أخي تحلّ باللطف والشفقة، ولا تجعل مكاناً لكلام البذاءة والافتراء على لسانك. قبل أن تتفوه بكلمة اسأل نفسك: هل كلامك حق؟ هل له لزوم؟ هل هو لطيف رقيق؟ اذكر إن ناموس روح الحياة في المسيح يدين الألسنة النمامة الكاذبة، التي تغيّر وجه الحقيقة، وتسيء إلى سمعة الناس.

تذكر إن لغة المسيحية، يجب أن تكون نقية طاهرة عفيفة. ولهذا أوصى الرسول: «لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ ٱلْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ» (الرسالة إلى أفسس 4: 29). والصالح للبنيان هو الكلام الطاهر بالذات، والخارج من القلب الصالح. لأنه يفيد السامعين بالتعليم والنصح والإنذار والتعزية. وهذا على وفق النبوءة بالمسيح، بأنه انسكبت النعمة على شفتيه.

عندما يولد الإنسان ثانية من الله، ينبغي أن يحدث تغيير كامل في حياته. عليه أن يخلع طبيعته القديمة، التي أطلق عليها الرسول اسم «ٱلإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ ٱلْغُرُورِ» (الرسالة إلى أفسس 4: 22). ويلبس طبيعة جديدة. وهي الطبيعة التي أشار إليها المسيح في قوله لنيقوديموس «يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 3: 7) وقد سمّاها الرسول بالإنسان الجديد، الذي يتجدد للمعرفة. بفعل الروح القدس، يوماً فيوماً حسب صورة خالقه. بمعنى أن الإنسان الذي خلقه الله على صورته في البدء، بكلمة قدرته يعيد له تلك الصورة ثانية بفعل روحه القدوس.

ما أكثر الذين يتهربون من هذا الحق المعلن في العهد الجديد بوضوح، وهو أن المسيحية التي لا تجدد الإنسان هي مسيحية ناقصة، تكتفي بشكليات التدين وممارسة الرسوم الخارجية.

وقد عُرف بالاختبار أن التغير في حياة المولود ثانية من الله، يتزايد ويتجدد بصفة دائمة، وينمو على الدوام في النعمة والمعرفة، حتى يصل إلى الإنسان الكامل المخلوق على صورة الله. والمسيحية لا تكون مسيحية حقيقية ما لم تخلق الإنسان من جديد، حتى يبلغ المستوى، الذي قصد الله أن يبلغه.

ومن أعظم آثار المسيحية الحقة، أنها تلاشي الحواجز، التي تفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان. ففيها لا تكون فوارق بين جنس أو لون، أو أمة أو لسان. أي أن التميزات المتعلقة بالعنصر والجنس واللون، لا شأن لها في الإنسان الجديد في المسيح، ولا تليق أن تكون في كنيسة المسيح التي هي ملكوت السموات على الأرض. لأنه لن يكون لها وجود في السماء، حيث مسكن الله مع الناس.

كان العالم القديم مليئاً بالحواجز الفارقة بين الناس. فالإغريقي نظر إلى البربري نظرة احتقار وامتهان. واليهودي كان يحتقر كل أمة أخرى. وبحكم تمتعه بالمواعيد التي أعطيت لإبراهيم ونسله، كانت الأمم الأخرى في رأيه لا تصلح لشيء إلا أن تكون وقوداً لجنهم.

ولكن كل هذه الحواجز قد أُزيلت من أساسها في المسيح يسوع، الذي بتعليمه جذب الناس بعضهم إلى بعض وقد محت كلمة بربري من قاموس البشرية، وحلّت محلها كلمة «أخ». وقبل المسيحية ما كان العالم بمستطيع أن يتقدم خطوة واحدة في معارج الرقي الصحيح.

الصلاة: أيها الآب، رب السماء، نشكرك من كل القلب لأجل النعمة التي تعطيها للمؤمن، لكي يطلب ما هو حق وعادل وجليل وطاهر. أعطنا هذه النعمة لكي نحيا كما يحق للدعوة، التي دعيتنا بها في البر وقداسة الحق. ونشكرك بنوع خاص لأنك علّمتنا أن نزيل الفوارق بين طبقات الناس.

السؤال: 20 - بماذا امتازت المسيحية، وما هي الوصايا التي جاءت على لسان الرسول بولس.

12 فَٱلْبَسُوا كَمُخْتَارِي ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، 13 مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ ٱلْمَسِيحُ هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً. 14 وَعَلَى جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْبَسُوا ٱلْمَحَبَّةَ ٱلَّتِي هِيَ رِبَاطُ ٱلْكَمَالِ. 15 وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ.

في الآية العاشرة من هذا الأصحاح، أشار الرسول إلى ما فعله مؤمنو كولوسي، حين قبلوا الرب يسوع وتجددوا بروح ذهنهم. وهنا يذكر الفضائل المسيحية الواجب أن يتحلوا بها، تمشياً مع مطالب الحياة الجديدة بالنظر لكونهم مختاري الله، الذين عينهم ليكونوا مشابيهن صورة ابنه. لأنهم موقوفون لخدمة الله ولقداسة القلب والسيرة. فهم مغروزون كما قال بطرس «بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ» (رسالة بطرس الأولى 1: 2).

حين نتأمل كلمات الرسول، نرى أن كل فضيلة من الفضائل التي طلب إلى المؤمنين أن يلبسوها، لها صلة بالعلاقات الشخصية، بين الإنسان وأخيه. فهو لم يذكر فضائل الاقتدار والمهارة والنشاط والجهاد، مع أنها فضائل مهمة. ولعله ركز على الفضائل التي تشد أواصر الود بين الأفراد، وبالتالي تنظم العلاقات في المجمتع، على أساس المحبة. والواقع أن الديانة المسيحية هي ديانة جامعة، قوامها عطية الله في المسيح يسوع الذي جاء لكي يوجد السلام بين الإنسان وخالقه، ويحقق التعايش السلمي الحبي بين الإنسان وأخيه. أما الفضائل التي أهاب الرسول بالمؤمنين أن يرتدوها فهي:

  1. أحشاء رأفات - الفضيلة التي كان العالم القديم في أمس الحاجة إليها فقبل المسيحية، ما كانت آلام المرضى لتحرك قلوب الناس. ومعاملة المختلين وضعفاء العقول كانت قاسية خالية من الرحمة ومجردة من المشاعر الإنسانية. ولكن لما جاءت المسيحية قدّمت للعالم الرأفة العملية المتزايدة. فخدمت العاجز والمريض والضعيف عقلياً والطفل والمرأة. ولعله بوحي من هذه الحقيقة قال الشاعر العربي أحمد شوقي بك:

    ولد الرفق يوم مولد عيسى والمروءات والهدى والحياء

  2. اللطف - اعتبر المفكرون القدامى اللطف، أنه فضيلة الإنسان الذي يعتبر مصالح جاره عزيزة كمصالحه هو. وقد أعطى المؤرخ يوسيفوس مثلاً على اللطف في تصرف يعقوب حين حفر آباراً وأعطاها للآخرين، لأنه لم يرد أن ينازعهم بشأنها. أما اللطف في المسيحية فهو الصلاح الشفوق الذي عامل به المسيح المرأة الخاطئة، التي في توبتها اقتحمت مجلسه في بيت سمعان الفريسي. فأشفق على دموعها، وقال لها: «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ. اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (الإنجيل بحسب لوقا 7: 48 و50).

  3. التواضع - والتواضع فضيلة، أدخلتها المسيحية إلى العالم. وهي في لغة الإنجيل، لا تعني الحقارة والمذلة. إنه تنازل العزيز النفس عن حقه في الرفعة لأجل الخير والجمال، كما فعل يسوع، الذي مع أنه رب المجد، إلا أنه حباً بالإنسان ولأجل فدائه، أخلى نفسه وتجسّد وقبل الموت موت الصليب.

    لا تشمخ بنفسك ولا تستكبر، لأن الله يقاوم كل مستكبر أما المتواضع فيعطيه نعمة. والمسيح قال: «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (الإنجيل بحسب متّى 11: 29).

  4. الوداعة - في القديم عرف أريسطو الفيلسوف فضيلة الوداعة بأنها الحلقة السعيدة التي تتوسط بين الغضب الشديد والتساهل الزائد. والإنسان الوديع هو من يضبط نفسه أمام الإثارة، ويملك روحه أمام النكرزات. وقديماً قال سليمان الحكيم: « اَلْبَطِيءُ ٱلْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ ٱلْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال 16: 32).

  5. طول الأناة - وهي الفضيلة التي لا تفقد الصبر مع الناس. وهي تحمل الإنسان على ضبط نفسه عن الغضب، وعلى ا لتمهل في عقاب المذنبين، معاملتهم بالصبر الجميل. ومما لا ريب فيه أنطول الأناة فينا، ما هو إلا انعكاس لطول أناة الله علينا. بدليل قول بطرس : «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (رسالة بطرس الثانية 3: 9).

    تأني يا أخي ولا تترك إساءات الغير تدفعك إلى الحنق والمرارة، فالانتقام الذي قد تكون عواقبه غير محمود العقبى لا يليق بك.

  6. الاحتمال - في الرسالة إلى أفسس، أوصى المؤمنين أن يحتملوا بعضهم بعضاً في المحبة. وقد وصفت المحبة أنها تحتمل كل شيء. والمفروض في المسيحي أنه يتحلى بالروح المحتمل، الذي يصفح عن الإساءة إلى سبعين مرة سبع مرات، هكذا قال المسيح لبطرس. لكأن الفادي يجعل المسامحة ديناً في عنق كل مسيحي. إنه يذكّره بالغفران الذي ناله، والذي يرتب عليه المسامحة باستمرار. وقد أدرجه له المجد في نموذج الصلاة الذي أمر مختاريه أن يرددوه: «ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا» (الإنجيل بحسب متّى 6: 12).

  7. المحبة - البسوا المحبة، قال الرسول، فبلغ القمة في التعليم عن الكمال، لأن المحبة هي رباط الكمال. ولعل الرسول حين كتب هذه العبارة كان يذكر قول المسيح: «وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً... بِهٰذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 13: 34-35). وربما أراد الرسول هنا أن ينقض تعليم الغنوسيين، الذين قالوا بأن الكمال في المعرفة فأراد أن يرسخ في أذهان المؤمنين أن المال في المحبة. وحين قارن بين المعرفة والمحبة، قال: «ٱلْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلٰكِنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَبْنِي» (رسالة كورنثوس الأولى 8: 1).

حين تكون هذه الفضائل فينا وتكثر، تصيّرنا مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح. وعندئذ يملك في قلوبنا سلام الله، ونتحد في جسد واحد، الذي هو كنيسة الله الحي، التي رأسها المسيح. وعندئذ تمتليء قلوبنا بالشكر لذاك «ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤيا يوحنا 1: 5).

الصلاة: أيها الرب سيدنا ما أعظم اسمك! ما أطيب قلبك! ما أسمى حبك! رحمتنا في المسيح، الذي وضع نفسه لأجلنا. أعطنا أن نتجاوب معك في محبتك الفائقة، بأن نتواضع عند قدميك، ونسكن قلوبنا قدامك. اغفر لنا كبريائنا، واسحقنا بالتواضع، واعطنا روح الوداعة وطول الأناة حتى نحتمل بعضنا بعضاً بالمحبة.

السؤال: 21 - عدّد الفضائل المسيحية التي أهاب الرسول بالمؤمنين أن يلبسوها ذاكراً الامتيازات التي تترتب عليها؟

16 لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ ٱلْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. 17 وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَٱعْمَلُوا ٱلْكُلَّ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ ٱللّٰهَ وَٱلآبَ بِهِ.

يحرّض الرسول المؤمنين ليس فقط على تلاوة كلمة المسيح، بل أيضاً على استيعاب الكثير منها في القلب. وهي كلمة الإنجيل التي نادى بها المسيح وأمر رسله الأطهار بنشرها في العالم. وهذه الكلمة سمّاها يعقوب: «ٱلْكَلِمَةَ ٱلْمَغْرُوسَةَ ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ» (رسالة يعقوب 1: 21). إشارة إلى أنها ثابتة حيّة، عاملة في قلب الناس كقوة في يد الله لخلاص النفس من الهلاك. فهذه الخواص مناسبة لقول بولس في إنجيل المسيح: «إِنَّهُ قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (الرسالة إلى رومية 1: 16) ونسب إلى الإنجيل مثل هذه القوة، في مخاطبة أساقفة أفسس، إذ قال: «ٱلآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لِلّٰهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، ٱلْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثاً مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال الرسل 20: 32).

من المعروف بالاختبار أنه ليس في قلب الإنسان شيء من المبادئ الطبيعية، التي تنشئ من تلقاء نفسها القداسة، وبالتالي تؤدي إلى الخلاص. فكل ما يؤثر في القلب للخلاص، إنما يأتي من خارجه بروح إلهنا العامل بكلمة الإنجيل. الكلمة التي وُصفت بأنها «حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (الرسالة إلى العبرانيين 4: 12).

فالرسول أوصى المؤمنين بأن تسكن في قلوبهم بوفرة. وسكنى كلمة المسيح بوفرة في المؤمن. تؤهله ليعرف حقائقها أحسن معرفة، وتجعله «يَلْهَجُ فيها نَهَاراً وَلَيْلاً» (مزامير 1: 2). فيدرك معانهيا والوعود المقطوعة له فيها. لا سيما الوعود التي له بالمسيح يسوع، الذي هو موضوع الإنجيل، والذي أعلن لنا أن الله محبة. وقد جسّد تلك المحبة بالفداء العظيم، الذي أكمله في ملء الزمان. فمعرفة الإنجيل هي معرفة المسيح في فدائه، وفي هذه المعرفة يصبح المؤمن غنياً بالتعزية.

وفي اكتناز كلمة الرب في القلب، قوّة فعالة ضد الخطية. هذا ما عرفه داود المرنم الحلو وخبره في حياته، فكتب لنا بمداد الاختبار كلمته الخالدة: «خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مزامير 119: 11). أي أنه رأى في الكلمة الإلهية قوة تجنبه الشر وتحمله على فعل الخير.

وإنه لمن المبهج أن نرى هنا أن الكنيسة المسيحية من بدء عهدها كانت منكبة على كلمة الله. وإن الرسل الأطهار أوصوا الأساقفة بالاهتمام بها بدليل قول بولس لتميوثاوس: «ٱكْرِزْ بِٱلْكَلِمَةِ. ٱعْكُفْ عَلَى ذٰلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ» (رسالة تيموثاوس الثانية 4: 2).

ونفهم من مرمى كلام الرسول، إن الذين تسكن فيهم كلمة المسيح بغنى، يجب أن يظهروا حكمتهم بتعليم غيرهم وإنذاره على الطريق المذكورة. وغاية التعليم والإنذار تقوية إيمان المؤمنين وإرشاد الخطاة إلى التوبة، وغرس الحقائق الإلهية في قلوب الجميع. لتكون لهم تعزية في الضيقات وتمكنهم من الانتصار على التجربة.

ويبدو أن الرسول يشير بهذه الآية إلى ما اعتاده المؤمنون القدماء في اجتماعاتهم الدينية من الترنم معاً، أو على التناوب بمزامير التسبيح وترانيم الحمد الصادرة إعلاناً لمحبتهم لله وابتهاجهم بعبادته وخدمته.

ويقيناً أنه ليس من سبيل أفضل لبنيان المؤمنين على أساس كلمة الله إلا تلاوة المزامير والتسابيح والترنم بها، لأنه عندئذ ترسخ في النفس، وتأتي بأثمار في الحياة. ونلاحظ أن الرسول قد وصف الترنم المقبول بثلاث صفات:

الأولى إنه صادر من نعمة الروح القدس. الثاني أن يكون من القلب المملوء شكراً ومحبة، لا من مجرد الشفتين، على وفق قوله للأفسسيين «مُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ» (أفسس 5: 19) الثالثة أن يكون الله موضوع الترنم، لا مدح الناس ولا لافتخار المرنمين.

ومن الأوصاف التي ذكرت في التاريخ للعبادة المسيحية، ما جاء في التقرير الذي أرسله بليني الوالي الروماني إلى الأمبراطور تراجان عن حياة المسيحيين ونشاطتهم، إذ قال: إن المسيحيين ينهضون من نومهم عند بزوغ الفجر، ويرتلون تمجيداً للمسيح باعتباره الله المتجسد. فهذا التقرير يخبرنا أن شكر الكنيسة لله وعرفانها بأفضاله عليها، قد ظهر دائماً في صورة التسبيح المسيحي.

وأخيراً يعطينا بولس في هذه الفقرة، المبدأ العظيم للحياة المسيحية، وهو أن كل كلمة نقول بها، وكل عمل نعمله يجب أن يكون باسم المسيح. ومن أفضل الاختبارات التي نختبر بها أعمالنا هو أن نسأل أنفسنا، هل نستطيع أن نؤدي هذا العمل، ونحن ندعو باسم المسيح؟ وهل نستطيع القيام به ونحن نطلب عون المسيح وتأييده؟ ومن جهة الكلام هل كلامنا متفق مع فكر المسيح؟ هل يعطي نعمة للسامع؟

جرّب أن تطبق هذه القاعدة في حياتك، في أقوال فمك وعمل يديك فإذا استطعت أن تختبر أن كل عمل أو قول هو باختبار حضور المسيح الدائم، يمكنك أن تقول بأنك سائر في طريق الرب.

الصلاة: اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيّ طريق باطل، واهدني طريقاً أبدياً.

السؤال: 22 - ما هي أفضل وسيلة لمعرفة أسرار كلمة الله؟

18 أَيَّتُهَا ٱلنِّسَاءُ، ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي ٱلرَّبِّ. 19 أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ، وَلاَ تَكُونُوا قُسَاةً عَلَيْهِنَّ.

هنا يتطرق الرسول إلى السلوك المسيحي في المجتمع، ابتداء من العائلة. فيبسط أمامنا جوانب الحياة اليومية التي يجب ان نحياها كمسيحيين عرفوا الحق، وعاشوا كما يحق لإنجيل المسيح.

إن الآداب المسيحية، هي آداب الالتزام المتبادل. لأن الحق لا يجيز إطلاقاً أن توضع الواجبات على طرف واحد، ويُعفى الطرف الآخر منها. والأمر كما يبسطه الرسول يحتّم بأن يلتزم الأزواج بواجباتهم، كما تلتزم الزوجات بواجباتهن. وأن يقوم الآباء بالتزاماتهم. وأن يحمل السادة مسؤولياتهم، كما يحتمل العبيد مسوؤلياتهم. وهذا التعليم كان شيئاً جديداً على مسامع الناس. لأنه في الشريعة اليهودية لم يكن للمرأة أي اعتبار. كانت تُعد كسلعة يقتنيها الرجل ليتمتع بها. ولم يكن لها أن تتمتع بأدنى الحقوق القانونية. وكان القانون اليهودي يعطي الرجل الحق في أن يطلّق امرأته، بينما لم يكن للمرأة أي حق في طلب الطلاق. أما في المجتمع اليوناني فكانت المرأة الشريفة تعيش في عزلة كاملة. حتى أنه لم يكن ليسوع لها أن تظهر بمفردها ولو في الشوارع، أو الأسواق لشرءا حاجاتها. وكان يطلب منها الخضوع الكامل والعفة الكاملة. أما زوجها فكان مطلق الحرية في إقامة علاقات خارج دائرة الزواج، كما يشاء دون أن يصيبه ما يسيء إلى سمعته. وباختصار فإن القوانين اليهودية واليونانية، تعطي كل الامتيازات للزوج، وتفرض كل الواجبات على الزوجة. ولكن لما جاءت المسيحية جعلت الالتزامات متبادلة بين الزوجين.

في المسيحية طلب إلى الزوجة أن تكون خاضعة لزوجها، خضوعاً ليس من نوع خضوع العبيد للسادة. لأن الكتاب المقدس يقول: «ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ ٱلْمَرْأَةِ، وَلاَ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ ٱلرَّجُلِ فِي ٱلرَّبِّ» (رسالة كورنثوس الأولى 11: 11). هذا الخضوع تطوعي اختياري، تمليه أنوثة المرأة التي هي تاج جمالها. أما واجب الزوج فقد ذكره بولس في رسالته إلى أفسس، وهو المحبة المضحية التي «أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ» (رسالة أفسس 5: 25 و26).

أيها الرجال لا تكونوا قساة على نسائكم، لا بالقول ولا بالفعل كونوا ساكنين، بحسب الفطنة مع نسائكم. ولا تنفصلوا عنهن. راعوا مقتضيات الأحوال بينكم وبينهن اعطوهن إكراماً، لأنهن وارثات معكم نعمة الحياة. لأن لهن نفساً خالدة كما للرجال. والله لا يميز بين الرجال والنساء. فباب الإيمان مفتوح لكل من الرجل والمرأة، لكي يدخلوا ويخلصوا.

أيها الرجال عاملوا نساءكم بلطف متفهم، لئلا تعاق صلواتكم لأن الخصومات في البيت منافية لروح الصلاة. وقد عُرف بالاختبار، أنه إذا وُجد خصام في البيت تنتفي الصلاة منه. أو على الأقل لا يبقى فيها وجه يرضي الله. الخصام بين الزوجين يمنع البركة الموعود بها في قول المسيح: «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 18: 19).

إن المساواة بين الرجل والمرأة سنّها الله منذ القديم القديم. حين قال الله في الفردوس: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18). وكلمة نظيره لا تعني أن المرأة في منزلة أدنى من الاعتبار لدى الله.

وحين نقرأ هذه العبارة: «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ» (تكوين 1: 27 و28). نرى أن الرجل والمرأة، هما في الأصل واحد. كل منهما كان في حاجة إلى الآخر لكي يكمله. ولهذا قال الله في البدء: «لِذٰلِكَ يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً» (تكوين 2: 24).

الصلاة: يا ربنا المبارك، لك شكرنا من كل القلب من أجل كلمة الحياة، التي أوحيتها لرسلك الأطهار، لتكون دستوراً لحياتنا، حتى تكون حياتنا بحسب مشيئتك. نعترف بأننا في أحيان كثيرة نهتم بحقوقنا أكثر من الواجبات الملقاة علينا. سامحنا واغفر لنا. واعطنا قلب حكمة حتى نعيد النظر في مسؤولياتنا ونتصرف بلياقة في البيت وفي المجتمع.

السؤال: 22 - ما هي الواجبات التي أشار إليها الرسول، والواجب أن يتبادلها الزوجان؟

20 أَيُّهَا ٱلأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لأَنَّ هٰذَا مَرْضِيٌّ فِي ٱلرَّبِّ. 21 أَيُّهَا ٱلآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا.

كان للآباء في العالم القديم، مطلق السيادة على الأبناء. وتخبرنا السجلات القديمة، أن القانون الروماني، كان يجيز للآباء أن يصنعوا بأولادهم ما يشاءون. كان النص القانوني يسمح للأب أن يبيع ابنه عبداً، أن يجبره ليعمل في مزرعته، أو يحكم عليه بالموت، وينفذ الحكم فيه بالطريقة التي يستحسنها.

ولكن لما جاءت المسيحية بفضائلها وسماحتها، وضعت لمسة الرفق والحنان على العلاقة بين الآباء والأبناء. فقالت: إن الأولاد مدعوون لأن يطيعوا والديهم، إكراماً للمسيح. لأن إكرام الوالدين مستحسن عند الله الذي قال: «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ» (خروج 20: 12).

«أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي ٱلرَّبِّ» (الرسالة إلى أفسس 6: 1) قال الرسول، فأوضح بذلك أن الطاعة للوالدين يجب أن لا تتعارض مع شريعة الرب. فالولد غير مكلف بأن يكذب أو يجدّف أو يزوّر أو يقتل أو يرتكب أي معصية لشريعة الله إرضاء لوالديه. لكن واجبه كمؤمن بالله قبل الشروع بالطاعة أو برفضها، أن يتحقق ويتأكد من موافقة العمل الذي طُلب إليه القيام به لمشيئة الله. ولعله من الخير له أن يصلي لله ويطلب الإرشاد في كل شيء.

طاعة الوالدين في الرب حق، توجبها شريعة الله، ويستسيغها ضمير كل إنسان. ولكن هذا الحق ليس مبنياً على حكمة الوالدين، ولا على إحسانهم إلى أولادهم، ولا عنايتهم الأبوية بهم في حداثتهم، ولا على حسن أخلاقهم وسيرتهم، ولا على أنه جدير بالولد أن يطيع والديه. بل على أساس وصية الله بإكرام الوالدين. وهناك حقيقة يجب أن نذكرها هنا وهي أن وصايا الوالدين المؤمنين يجب أن تكون مبنية على الحكمة التي اقتبساها من كلام الله، مما يجعلها نافعة للنجاح.

وقد عُرف بالاختبار العملي أن الولد، الذي اعتاد الطاعة في البيت، يتقبل نصائح أساتذته في المدرسة، ورؤساءه في العمل. الأمر الذي يساعده على اكتساب ثقة الجميع. أما الولد الذي لم يتدرب في الطاعة البيتية فيعسر عليه أن يقوم بالطاعة لله ولأولي الأمر، وتبعاً لذلك تتعثر حياته ويصادف صعوبات ويتعرّض للفشل في مشاريعه.

ونلاحظ أن الرسول في تعليمه عن الطاعة، أشار إلى أن إكرام الوالدين له مجازاة، إذ يقول إن الطاعة للوالدين، «هي أول وصية بوعد». أي أن الله وعد الابن البار بوالديه بالبركة المتضمنة بقوله: «أَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ» (تثنية 5: 10). فالله حافظ عهده لمطيعيه. وهذا الوعد أيضاً له جزاء هنا، بدليل قول الله: «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (خروج 20: 12).

ويتجه الرسول الكريم إلى الآباء فيقول: أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بأن تقسوا عليهم أو أن تظلموهم، أو أن تظهروا المحاباة بينهم، أو أن تذهبوا في فرض الطاعة إلى الطلب إليهم القيام بأعمال ليست من الحق في شيء. وقد دل الاختبار على أن لا شيء يهيّج الغيظ في قلوب الأولاد مثل اعتماد القسوة في معامتلهم. وقد ندر أن استفاد ولد شيئاً من قصاص أوقعه به والده وهو مغتاظ.

ربوهم في تأديب الرب وإنذاره، قال الرسول لأهل أفسس. وهذا معناه أن يأخذ الوالدون في تهذيب أولادهم، في سن مبكرة، بالكلام البنّاء والسيرة والنصح والتوبيخ، ليك يفعلوا المستقيم وما يرضي الله. ومعنى كلمة «تأديب الرب وإنذاره» هو أن يربي الأولاد بمغتضى مبادئ الإنجيل ولعل أهم ما يقدمه الوالدون في تربية أولادهم هي القدوة. أن تكون حياتهم إنجيلاً خامساً.

قال أحد المربين الأتقياء إن تأديب الأولاد وتشجيعهم، يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب. وقال المصلح مارتن لوثر: إذا منعت العصا عن ابنك أفسدته، ولكن بجوار العصا احتفظ بتفاحة تعطيها له إذا أرضتك تصرفاته.

يا أخي الأب اذكر هذا: إن الحكمة تهيب بك أن تتجنب القساوة على ابنك لئلا يفشل في حياته. إن الأب الحكيم هو من يقدم لابنه التهذيب في إطار المحبة، وإلى جانب التأديب يقدم له التشجيع.

الصلاة: أيها الإله المتعالي، ساكن الأبد القدوس اسمك، نشكرك لأجل شريعتك التي وضعت لأجل إنذارنا وتهذيبنا، ولأجل إعدادنا إلى ما هو حق وأفضل. درّبنا في أحكامك وامنحنا الحكمة في تعاملنا بعضنا مع بعض.

السؤال: 24 - ما هي الأسس التي وضعها الرسول لإقامة علاقة حسنة بين الآباء والأبناء؟

22 أَيُّهَا ٱلْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ ٱلْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي ٱلنَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ ٱلْقَلْبِ، خَائِفِينَ ٱلرَّبَّ. 23 وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ فَٱعْمَلُوا مِنَ ٱلْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، 24 عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ ٱلرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ ٱلْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ ٱلْمَسِيحَ. 25 وَأَمَّا ٱلظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، ولَيْسَ مُحَابَاةٌ.

من أصعب المشاكل الاجتماعية في زمن بولس، كانت العلاقة بين العبد والسيد. لهذا تكلم الرسول فيها أكثر مما تكلم عن المشكلتين اللتين سبقتاها. ولعل هذا الكلام المستفيض يعود إلى ما سمعه الرسول الكريم من أنسيمس العبد الآبق، الذي أعاده إلى سيده.

لقد أصرّ الرسول على أن يكون العبد عاملاً في خدمة سيده بضمير حي. ويتبين لنا في واقع الأمر أنه أراد القول بأن مسيحية العبد، يجب أن تعمل منه خادماً أفضل خلقاً وأكثر أمانة وكفاية. فالمسيحية كما عرفها بولس وعلّمها لا تقدم لنا أعذار للهروب من المسؤوليات والأعمال الصعبة، العكس هو الصحيح، لأن المسيحية في ما علمته عن المحبة التي «تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رسالة كورنثوس الأولى 13: 7) تمدناً بطاقة على احتمال المضايقات والقيام بالأعمال التي يستصعبها غيرنا.

قال الرسول لا ينبغي للعبد أن يكتفي بخدمة العين، كالمرائين الذين يظهرون الغيرة فيما هم مراقبون، وذلك حوفاً من العقاب، أو طمعاً في الثواب. بل أن يتصرف كما لو كان يخدم المسيح بالذات معتبراً أن المسيح يراقب أعماله ويجازيه عليها.

ستأخذون جزءا الميراث قال الرسول، مؤكداً أن الجزاء من الرب هو ميراث القديسين في النور، الذي لا يفنى ولا يضمحل. وهذا الجزاء يكفي للتعويض عن كل أتعاب العبودية وآلامها.

وأنت ياأخي أيا كان نوع العمل الذي تزاوله، في المكتب أم في المصنع أم في المدرسة أم في المتجر، يجب أن تؤدي عملك بنية صالحة، كما للرب، ليس للناس. واذكر أن الواقع في العمل يعتبرك خادماً. وعليك أن تقوم بالخدمة بكل أمانة، بعيداً عن الحقد على مرؤوسيك، وبدون تذمر على الله، الذي جعلك تحت أمرة الغير. اخدم بإخلاص كما لو كنت تخدم الله بالذات.

قد تتعرض في أثناء ممارسة خدمتك للظلم ولسوء الفهم. ولكن هذا يجب أن لا يوجد في نفسك حقداً على أحد، أو يضعف أمانتك. أما الظالم فسينال ما ظلم به من الله الذي قال: «لِيَ ٱلٱنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي» (الرسالة إلى العبرانيين 10: 30). وهذا على وفاق القانون العام القائل: «ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ» (الرسالة إلى غلاطية 6: 7). واذكر إن يوم الجزاء آت عند مجيء الرب يسوع للدينونة. والسيد الرب ليس عنده محاباة. وقد قال الرسول في مكان آخر: «لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً» (رسالة كورنثوس الثانية 5: 10).

فالعبد والسيد، المرؤوس والرئيس، سيقفون أمام العرش الأبيض، حيث لا سبيل إلى الرياء أو الإخفاء، أو الخداع. هناك ستظهر سرائر الناس، كأنها مكتوبة في طروس منشورة، أو منقوشة على صخر. حينئذ سينال كل واحد ما كان على سبيل الجزاء من ثواب وعقاب بدون محاباة. أي يعاقب الظالمون مع مظالمهم فيأخذون الأجرة التي يستحقونها. ويثاب الأمناء على أعمالهم، ولكن لا على سبيل الأجرة، بل على سبيل النعمة.

وتمشياً مع نعمته المتفاضلة جداً، يغفر الله خطايا المؤمنين، الذين تبرروا بدم المسيح، وتقدسوا بروح إلهنا. على وفق قوله: «لاَ شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (الرسالة إلى رومية 8: 1).

لا بد أن كلام الرسول في هذا الموضوع، قد وقع في مسامع العبيد موقع الدهشة. فبموجب القانون الروماني، لم يكن للعبد من حق بأن يقتني شيئاً ما مهما كان ضئيلاً. أما هنا فيقول الرسول بأن له ميراثاً في السماء مع جميع القديسين.

الصلاة: يا إلهنا الصالح تشكرك قلوبنا لأن شريعتك ليس فيها محاباة. ولأنه في المسيح يسوع لا يوجد سيد وعبد، بل أن سيدنا واحد، وهو المسيح. وإن كنت قد سمحت للكثيرين منا أن يكونوا في مراكز وضيعة، نسألك أن تعطينا القوة لكي نمارس أعمالنا بكل نيّة حسنة كما للرب.

السؤال: 25 - بم أوصى الرسول العبيد؟

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

1 أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ، قَدِّمُوا لِلْعَبِيدِ ٱلْعَدْلَ وَٱلْمُسَاوَاةَ، عَالِمِينَ أَنَّ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً سَيِّداً فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.

بعد أن تكلم الرسول عن التزامات العبد نحو السيد، انتقل إلى ما تعلّمه المسيحية عن معاملة السادة لعبيدهم. ففي زمنه كان العبد في نظر القانون من سقط المتاع. وإذا ما تخلّف العبد عن أداء عمله، كان يُطرح خارجاً للموت. ولم يكن له أي حق حتى الزواج. وإذا تزوج على هامش الشرع، وأنجب طفلاً يصير الطفل من حق السيد، أن يقتنيه كما يقتني قطعان الأغنام وما تلد من حملان. وكان للسيد أن يجلد العبد، أو يكويه بالنار أو يقتله بالسيف، وليس من يحاسبه على ذلك. هذه المعاملات اللاإنسانية سقطت بمجيء المسيحية، التي قالت أيها السادة اتركوا القسوة في معاملة العبيد، اتركوا التهديد، الذي يثير الأحقاد والشراسة. لا تظلموا عبيدكم وإماءكم، بل سوسوهم باللطف. اذكروا أن لكم سيداً في السموات. وهو سيدين كل إنسان حسب تصرفاته بقطع النظر عن أنه كان على الأرض سيداً أو عبداً غنياً أو فقيراً.

ونفهم من القرائن أن الرسول الكريم قصد أن يذكر السادة إن عبيدهم في بعض الاعتبارات مساوون لهم أمام الله، إنهم من دم واحد. وإنهم مثلهم في كونهم عرضة للموت، وفي كونهم ذوي نفوس خالدة. وإن المسيح مات من أجلهم، كما مات من أجل السادة. وإن أبواب السماء مفتوحة لكل المؤمنين بقطع النظر عن أنهم كانوا على الأرض عبيداً أم سادة.

حين نتأمل في نصوص الإنجيل، نرى أنه ما كان من غرض المسيح ورسله أن يغيروا شريعة الرومان في شأن العبيد، بالمناداة بتحريرهم دفعة واحدة بل أن يبشروا بالإنجيل الذي فيه القاعدة الذهبية التي تقول: «كُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ» (الإنجبل بحسب متّى 7: 12). هذه القاعدة حين تتبع تكون نتيجتها إبطال الاسترقاق من العالم.

نقرأ في الرسالة إلى فليمون أن المدعو أنسيمس كان عبد لفليمون. ولكنه أبق ذات يوم بعد أن اختلس مبلغاً من مال سيده. ولما وصل في هروبه إلى رومية قابله بولس، فاهتدى بالرسول إلى المسيح. ونجم عن إيمانه أنه ندم على فعلته ورغب في العودة إلى سيده. فأرسله بولس مع الرسالة، ملتمساً من فليمون أن يعفو عن عبده، وينسى ما قد مضى. ولعل أجمل ما في الرسالة هو قوله: «أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ٱبْنِي أُنِسِيمُسَ» (الرسالة إلى فليمون 10)، ولا بد أن فليمون تعجب كثيراً أول ما قرأ هذه العبارة، إذ دعا الرسول فيها أنسيمس ابنه، لأن قيمة العبد في تلك الأيام كانت تمتاز قليلاً عن قيمة البهيمة.

ولعله اندهش أكثر حين قرأ العبارة الأخرى: «فَٱقْبَلْهُ، ٱلَّذِي هُوَ أَحْشَائِي» (الرسالة إلى فليمون 12). أي إني أعتبره كنفسي. ثم سأل الرسول فيلمون برأفة الله أن يرده إلى خدمته، لا عبداً بل أخاً في المسيح. وأكثر من ذلك أن الرسول حسب ما يفعله فليمون لأنسيمس من اللطف معروفاً له.

ومما لا ريب فيه أن الرسول لم يستخف بذنب العبد الآبق، ولكنه في التماسه الصفح له أظهر الرأفة المسيحية حيال هذه الفئة من الناس الراسفين في قيود العبودية. وهذا التشفع من قبل الرسول لأجل العبد المذنب، يذكرنا بشفاعة المسيح إلى الآب من أجلنا نحن العبيد الذين عملنا الشر.

وباختصار فإن المسيحية تعلّم بأن الواجب على السيد أن لا يعامل عبده كسلعة بل كشخص له كرامة، وأن يقدم له العدل والمساواة. وما ينطبق على السادة والعبيد، ينطبق على الرؤساء والمستخدمين، وأصحاب الأعمال والعمال.

كل عمل في نظر المسيحية يجب أن يُعمل أجل الله، لكي يسير عالم الله في طريق التقدم. ولكي يجد أبناء الله وبنات الله، مما يحتاجون إليه لحياتهم. وفي تعبير آخر أن العقيدة المسيحية للعمل، هي أن صاحب العمل والعامل، كليهما مسؤولان أمام الله، وواجبهما أن يعملا معاً لأجل مجد الله.

وعلينا أن نذكر أن المكافأة الحقيقية عن العمل لا تدفع بعملة الأرض، بل الله سيحدد العملة التي سيجازي بها كل واحد، خيراً كان أم شراً.

وهناك حقيقة يجب أن نذكرها، وهي أنه لا يحق للسيد أن يقول هذا هو ملكي أو عملي، وأنا حرٌّ فيه. بل يجب أن يقول: هذا عمل الله وإنه تعالى عينني وكيلاً عليه. وعليّ أن أديّره كما يشاء الله، الذي أنا مسؤول أمامه.

الصلاة: يا ربنا وسيدنا، نعترف قدامك بأننا لسنا وكلاء صالحين على ما أقمتنا عليه. سامحنا عن عدم أمانتنا، واغرس حب الأمانة والإخلاص في قلوبنا، لكي نتصرف فصاعداً بالأمانة. انزع من قلوبنا أفكار الأثرة والاستبداد وضع في أحشائنا المحبة التي لا تطلب ما لنفسها.

السؤال: 26 - ماذا طلب الرسول من السادة حيال الذين يخدمون تحت أمرتهم؟

2 وَاظِبُوا عَلَى ٱلصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِٱلشُّكْرِ، 3 مُصَلِّينَ فِي ذٰلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً، لِيَفْتَحَ ٱلرَّبُّ لَنَا بَاباً لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضاً، 4 كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.

لم يشأ الرسول بولس أن ينهي رسالته من غير أن يحث أصدقاءه على واجب الصلاة، واعتبارها امتيازاً. فهو يحرّض المؤمنين في كل مناسبة على المواظبة في الصلاة. قد نمر أحياناً في أوقات، نظن أن صلاتنا عديمة الجدوى. أو على الأقل نحس أنها لم تقتدر في فعلها. في مثل هذه الحال، لا يجدر بنا أن نتوقف عن الصلاة، بل أن نواظب عليها. فلعل الله يريد منا أن نصلي بأكثر إلحاح إلى أن تأخذ صلواتنا شكل الجهاد. ولنا من مثل قاضي الظلم وضيف نصف الليل، اللذين نطق المسيح بهما ما يؤكد هذا الأمر.

قال الرسول بولس واظبوا على الصلاة ساهرين، وكأنه يقول: صلّوا ولا تدعوا النوم أن يغلبكم. ولعله حين كتب هذه الوصية كان يذكر التلاميذ وهم نيام على جبل التجلي، مما حرمهم من معاينة مجد المسيح. أو لعله كان يفكر في بستان جثسيماني، حينما كان الفادي يجاهد في الصلاة وتلاميذه نيام. لذلك أنبهم وقال: «أَهٰكَذَا مَا قَدِرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (الإنجيل بحسب متّى 26: 40-41).

قد نمر في يوم مليء بالأعمال، مما يضنينا. حتى حين نخلو بأنفسنا للصلاة تمنعنا شدة الإرهاق من تركيز الفكر في الصلاة. ولكن هذا يجب أن لا يمنعنا من ممارسة الصلاة. ولا يضير في شيء أن تكون الصلاة قصيرة، فإن الله يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله. المهم أن نبدي له أشواقنا ونرفع له شكر قلبنا.

طلب بولس من الإخوة أن يصلوا لأجله. ليس لأجل حاجاته الشخصية، مع أنه لم يكن ميسور الحال. وليس لأجل صحته، مع أن صحته لم تكن على ما يرام. ولا لأجل تبرئته من الاتهامات الكاذبة، التي كان يحاكم من أجلها، مع أنه كان يتوقع حكماً صارماً. ولا لأجل راحته، مع أنه كان يعاني من القيود في سجنه. لقد سألهم أن يصلوا من أجل عمله التبشيري، أن يعطيه الرب قوة وفرصة لإعلان سر المسيح، الذي يخبر في الإنجيل أن الخلاص مباح للأمم كما اليهود بشرط الإيمان.

هل تلهمك مناداة الرسول شيئاً ما؟ كأن تصلي من أجل خدام المسيح المنتشرين في بقاع الأرض، لكي يذيعوا الأخبار السارة إنجيل الخلاص؟ ولكي ينشروا مبادئ السلام الحقيقي، الذي يعطيه المسيح لكل من يؤمن به.

إن مناداة بولس بخلاص الأمم، دون تكليفهم بحفظ السنن اليهودية متعلق بقوله «مصلين» لأن هذه المناداة قوبلت بمقاومة شرسة من قبل اليهود، الذين حملوا بعنصريتهم المقيتة على مقاومة كل تعليم ينادي بالخلاص، خارج الإطار اليهودي.

بولس سأل أن يصلي لأجله، حتى يفتح له الرب باباً للكلام، لكي يتمم العمل الذي انتدبه المسيح له، أن يبشر بين الأمم. واليوم يوجد كثيرون في مثل ظروف بولس. كثيرون ممن تقيدهم قوانين بعض الدول من المناداة بإنجيل الحب والفداء. هؤلاء يجب أن نصلي لأجلهم بحرارة وضراعة.

نحن غير معفيين من المناداة بالإنجيل، صدوعاً بأمر المسيح. فإن كنا لسبب ما لا نستطيع فلا أقل من أن نصلي من أجل سفراء المسيح، الذين لبوا نداء السيد الرب القائل: اذهبوا إلى أقاصي الأرض، واكرزوا للخليقة كلها.

هذا عمل الله وقد ائتمنا عليه، وحق الوفاء يحدو بنا لأن نسانده بكل قوة. وإن كانت القوة تنقصنا فلنطلب إلى ذاك الذي له القوة والمجد أن يعطينا هذه القوة. وإن كانت تعوزنا الحكمة فلنطلب إلى الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر.

في رسالته إلى أفسس، حثّ بولس المؤمنين على الصلاة بكل طلبة في الروح مع السهر لأجل القديسين المجاهدين. لأن لا شيء يقدر المؤمن على الانتصار في جهاده الروحي، ما لم يأته العون من فوق. وهذا العون يأتي بالصلاة لأن : «طِلْبَةُ (صلاة) ٱلْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا» (يعقوب 5: 16).

وقال الرسول يجب أن تكون الصلاة، في كل وقت وهذا ما أراده المسيح حين قال: «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 1). وما أراده الرسول في قوله: «صلوا بلا انقطاع» وقال أيضاً ينبغي أن تكون «الصلاة في الروح» أي بفعل الروح القدس في القلب. لأن هذا موافق لقوله: «ٱلرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (الرسالة إلى رومية 8: 26).

الواقع أنه عُرف بالاختبار، أننا لا نستطيع أن نقدم من قلوبنا صلوات حارة مقبولة فعالة، ما لم يكن الروح القدس قد أنشأ فينا الأشواق والأفكار التي نعبر عنها.

الصلاة: أيها الرب والسيد المتعالي، القدوس اسمه. نحن في حاجة إلى أن نصلي في الروح، وأن نواظب على الصلاة ساهرين. لهذا نكرر ما قاله تلاميذك: «يا رب، علّمنا أن نصلي» اسكب علينا روح الصلاة في هذه الأيام، حتى نصلي كل حين ولا نمل.

السؤال: 27 - ما هي الشروط التي أشار إليها الرسول في موضوع الصلاة؟ ما هو الهدف من طلبه الموجّه إلى أهل كولوسي لكي يصلوا لأجله؟

5 اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ. 6 لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ.

في هاتين الآيتين، يضع الرسول أمامنا ثلاث توجيهات مهمة، لإرشاد المؤمن في حياته في العالم:

  1. أن يتصرف بحكمة، تجاه الذين هم من خارج. والكلمة حكمة هنا، تتضمن الاستقامة والحلم، واعتزال كل ما يهيج التعصب، ويعثر الغرباء، وبالتالي يجلب العار على اسم المسيح. فسلوك المسيحيين بالحكمة كان وما زال واسطة لجذب الآخرين وإرشادهم إلى المسيح وخلاصه.

    قال الرسول في مكان آخر: «إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (رسالة كورنثوس الثانية 5: 20 و21). فالمسيحي هو بالضرورة مرسلاً، إلا أنه يجب أن يعرف متى يتكلم مع الآخرين. ولكن إذا لم تكن له فرصة للكلام، فليدع حياته تتكلم. وهنا يجب أن نذكر أن الذين كسبتهم المسيحية بالحجة والبرهان، هم أقل من الذين كسبتهم بسيرة أبنائها الذين تشبهوا بسيدهم وفاديهم. هكذا قال المسيح: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 16).

  2. على المسيحي أن يكون إنساناً مفتدياً للوقت، هذا أحد الطرق التي تظهر فيها حكمتهم باغتنام كل فرصة، تتيح لهم أن يعملوا الخير، مختطفين الوقت من الإتلاف وسوء الاستعمال. هذه الحقيقة أدركها داود بن يسى، فأدرج حكمة افتداء الوقت في صلاته إذ قال: «إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هٰكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ» (مزامير 90: 12).

    قبيل صعوده قال المسيح لتلاميذه: «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً» (أعمال الرسل 1: 8) فصار قوله هذا أمراً يومياً لكل مسيحي. وعلى كل مسيحي أن ينفذ هذا الأمر فيشهد لعمل نعمة فاديه في حياته، كان يقول مع المرنم: «ذُوقُوا وَٱنْظُرُوا مَا أَطْيَبَ ٱلرَّبَّ!» (مزامير 34: 8).

    إن الكنيسة الحيّة، تقدم لأعضائها فرصاً للعمل الصالح في المجتمع، ولكن هناك للأسف كثيرون يرفضون هذه الفرص، أو يضيعونها بتقاعسهم، فليتك يا عزيزي القارئ تأبى أن تكون من هؤلاء المتقاعسين!

  3. يجب على المسيحي أن لا يبتعد في كلامه عن محور كلمة الله. أو كما قال الرسول بطرس: «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ ٱللّٰهِ» (رسالة بطرس الثانية 4: 11). حتى يكون الجواب مقاداً بروح الله القدوس، فيعطي نعمة للسامعين. وأن يكون المسيحي لبقاً ولطيفاً في كلامه، ليرضي السامعين ويجذبهم إلى الحق فيظهر فيه روح المسيح الذي يبني المؤمنين ويؤصلهم في المحبة.

لقد استعار الرسول كلمة ملح في تعليمه هنا لأن للملح فائدتان، إحداهما جعل الطعام مستساغاً للذوق، والثانية حفظ المواد من الفساد. ولعل الرسول كتب هذه العبارة، وفي خاطره قول المسيح: «أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متّى 5: 13).

تعلّم هذا الحق بالدرس والاختبار، حتى تصير لك قوة التعبير فتجاوب الذين هم من خارج، الجواب المناسب في كل حالة.

ويقيناً أن الرسول يقدم لنا وصية مشوقة جداً وموجبة للاهتمام. ويجدر بنا أن نعترف بأن المسيحية في عقول وأفهام كثيرين، اتخذت شكل التظاهر بالتقوى ولهذا لا تحدث شهادتهم أي أثر لدى من هم من خارج.

ويقول الأسقف مول إن في هذه الوصية تحذيراً لنا، لكي لا نخلط بين التقوى وصورة التقوى، التي لا نعمة فيها ولا ملح.

إن المسيحي يجب أن يقدم رسالة الإنجيل بالحكمة والنعمة المستمدين من يسوع. ولكن للأسف الشديد فإن سلوك معظم المسيحيين عرضة إلى أشد أنواع اللوم. ولهذا عثر فيهم الكثيرون. وقديماً قال المسيح: «لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ ٱلْعَثَرَاتُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ! خَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ» (الإنجيل بحسب متّى 17: 1 و2).

اجتهد مصلياً بكل طلبة لكي لا تكون معثرة للأخ الضعيف، الذي مات المسيح لأجله. واذكر هذا أن أي تصرف سيء يصدر عنك قد يكون سبباً لإخماد عزيمة إنسا في طلب الله.

تيقن أن قوة الله وحكمة الله للخلاص لا تعمل معك، إلا إذا كنت راغباً في نفع المخاطبين. وإن من مقومات النجاح أن تجعل كلامك متفقاً مع كلمة الله وأن تقدر في حسبانك مقدار فهم السامع.

الصلاة: نقدم لك الشكر والتعظيم يا إلهنا الحي، من أجل المسؤولية التي وضعتها على عاتق خدامك الأمناء، لأجل نشر كلمتك المقدسة، التي تحكم للخلاص. نسألك بإيمان أن تؤيد كل خادم بالروح القدس، حتى يربح نفوساً للمسيح الرب.

السؤال: 28 - بم أوصى الرسول المؤمنين من جهة السلوك أمام الآخرين؟

7 جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ ٱلأَخُ ٱلْحَبِيبُ، وَٱلْخَادِمُ ٱلأَمِينُ، وَٱلْعَبْدُ مَعَنَا فِي ٱلرَّبِّ، 8 ٱلَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهٰذَا عَيْنِهِ، لِيَعْرِفَ أَحْوَالَكُمْ وَيُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ، 9 مَعَ أُنِسِيمُسَ ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ ٱلْحَبِيبِ ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ. هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ بِكُلِّ مَا هٰهُنَا. 10 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ ٱلْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ٱبْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، ٱلَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَٱقْبَلُوهُ. 11 وَيَسُوعُ ٱلْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مِنَ ٱلْخِتَانِ. هٰؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ ٱلْعَامِلُونَ مَعِي لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِينَ صَارُوا لِي تَسْلِيَةً.

رأى الرسول قبل ختام الرسالة أن يخبر مؤمني كولوسي بأنه أرسل تخيكس وأنسيمس، ليصفا لهم أحواله لئلا تضطرب أفكارهم من أمره كثيراً. كانوا عالمين أنه مسجون ولكنهم لم يكونوا يعلمون شيئاً من أحواله الصحية، ولا مقدار ما كان له من الراحة، وما له من فرص لمواجهة أصدقائه. وكذلك لم يكونوا ملمين كيف تؤمن له حاجة الجسد، ولا بما له من فرص للتبشير.

يخبرنا سفر الأعمال 20: 4 أن تيخيكس هو أحد المؤمنين من أهل آسيا، وقد رافق بولس في رحلته التبشيرية الثالثة في السنة 58 ميلادية. وكان معه يوم كتب هذه الرسالة. والأوصاف التي أطلقها الرسول عليه، تبين أنه شاركه في خدمة المسيح. وإنه كان محبوباً من الرسول ومعتبراً جداً لديه. وإنه كرّس نفسه لخدمة إنجيل المسيح مثل بولس، ولذلك اضطُهد معه. ويتبين من أفسس 6: 22 أن تيخيكس كان قادراً أن يعزي الإخوة في كولوسي.

ونفهم من القرائن، أن شيئاً كثيراً، لم يكتبه بولس في رسائله، وأوكل أمر إبلاغه لمبعوثيه. أما الرسائل نفسها فقد خصصها الرسول لمعالجة مشاكل الإيمان والسلوك والبدع، التي كانت تهدد الكنائس. وقد ترك تفاصيل الأمور وخصوصاً الشخصية منها لحاملي الرسائل لكي ينقلوها للأحباء بكلام الشفاه.

ويذكر مرة أخرى أنسيمس بكلام يفيض بالرقة المسيحية كما هي عادته دائماً. لقد تقدّم القول أن أنسيمس كان عبداً هارباً وقد وصل إلى رومية بطريقة ما. وهناك تعرّف إلى بولس وآمن بالمسيح، وقُبل في عضوية الكنيسة. وحرص بولس أن يعيده إلى سيده. وليس كعبد آبق بل كأخ حبيب آمين.

ويذكر أرسترخس وهو أحد سكان تسالونيكي، ونعرف من سفر أعمال الرسل 19: 29 أنه خطف مع غايوس، في أثناء الهيجان، الذي أ ثاره ديمتريوس بمدينة أفسس. وإنه أحد الذين رافقوا بولس في عودته من مكدونية إلى آسيا. وكان معه في قيصرية بعد خروجه من السجن، ومن هناك سافر معه إلى رومية. ولسنا ندري هل أُسر مع بولس اضطراراً أم اختياراً.

ويذكر في هذا السجل مرقس، كاتب الإنجيل المعروف باسمه. واسم أمه مريم، وهي أخت برنابا. وكان بيتها في أورشليم مركزاً لاجتماع تلاميذ الرب للصلاة. وفي ذلك البيت صلوا حين كان بطرس في السجن، وأتى إليه حين أطلق. والأرجح أن مرقس آمن بالمسيح على يد بطرس. وكان رفيق بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية المشتركة. إلا أنه تركهما في برجة ورجع. ورغب برنابا في أن يأخذه في الرحلة الثانية، ولكن بولس لم يستحسن. ونجم عن ذلك انفصال بين الرسولين. فذهب برنابا ومرقس إلى قبرص. أما بولس فذهب إلى سورية مع سيلا. ولكن عند كتابة هذه الرسالة أي بعد ثلاث عشر عاماً، كان بولس قد تحقق من أمانة مرقس، فضمه إليه وصار شريكاً في أتعابه.

وكان مرقس صديقاً حميماً لبطرس، حتى أن الرسول دعاه ابنه. ولما شرع مرقس في كتابة إنجيله، استعان ببطرس كشاهد عيان لقصة حياة المسيح. ويقول التقليد أن مرقس ذهب مرسلاً إلى مصر، وأسس كنيسة في الاسكندرية.

ويذكر في القائمة يسوع المدعو يسطس، الذي لا نعرف عنه سوى اسمه. وهو من أصل يهودي.

هؤلاء الأربعة كانوا عوناً وتعزية لبولس في رومية، حين قابله اليهود هناك بفتور. فهؤلاء الأحباء أعطوا قلبه دفئاً بإخلاصهم وتضحياتهم ومساعداتهم.

وتحوي القائمة أيضاً نمغاس، وأعضاء الكنيسة الذين كانوا يجتمعون في بيته. هذه العبارة الأخيرة تفيدنا أنه في فجر المسيحية لم يكن لأتباع يسوع مباني خاصة للكنيسة. فقد كان المؤمنون يجتمعون للصلاة في البيوت. ونذكر من هذه البيوت منزل أكيلا وبريسكلا في رومية، ثم أفسس، وبيت فليمون، وبيت مريم أم يوحنا مرقس. ولعله من الجميل أن يجعل كل مسيحي بيته مكاناً للاجتماع حول كلمة الله.

الصلاة: يا أبانا السماوي، كم يطيب لنا أن نهلل ونرفع القلوب بالشكر من أجل سيرة رجالك الأمناء. أعطنا أن نقتدي بهم. في الإخلاص والمحبة المضحية، والجهاد من أجل الإنجيل. اضرم في قلوبنا نار الغيرة حتى نعمل بكل اجتهاد لنشر بشرى الخلاص حولنا.

السؤال: 29 - من هو تيخيكس، أرسترخس، مرقس؟

12 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِٱلصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ. 13 فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَٱلَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ. 14 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ. 15 سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِ.

يتابع الرسول ذكر أسماء الأبطال، الذين كُتبت أسماؤهم في لائحة الشرف. أبفراس الذي أُطلق عليه لقب «عبد المسيح» وقد جاء في الاصحاح الأول من الرسالة أنه كان مسؤولاً عن الخدمة في كولوسي. كان خادماً أميناً لله، فصلى وجاهد لأجل الكنائس الثلاث هيرابوليس ولاودكية وكولوسي، التي أقامه الله عليها أسقفاً ليرعى خراف الرب. وقد جهد كثيراً لكي يثبّت الإخوة فلا تفسد نفوسهم بتعليم الغنوسيين، الذين مزجوا حقائق الإنجيل بالفلسفة العالمية والأوهام اليهودية. فقد حرص على أن يعيشوا كما يحق لله، كما طلب المسيح من رسله أن يفعلوا.

وبناء على خبرته وما عرفه بولس عن أبفراس، وما سمعه من صلواته، شهد له بالغيرة. وذكر الرسول هذه الناحية تقوية لحبهم إياه، وتعزية لهم بتحققهم أنه مواظب على الصلوات من أجلهم. وذلك تمشياً مع رغبته الشديدة في إصلاحهم، تثبيتهم في الحق لكي لا ينجرفوا بتيارات العالم المضلة.

وفي اللائحة لمع اسم لوقا الطبيب المحبوب الذي كان مع بولس إلى النهاية. الأمر الذي جعله يعتزل مهنة الطب المريحة ليسهر على صحة بولس، ويتحمل معه مسؤولية الكرازة بإنجيل المسيح. ولوقا هو كاتب الإنجيل المعروف باسمه، وسفر أعمال الرسل.

وكان في اللائحة اسم ديماس، وهو الاسم الوحيد الذي لم يقرنه بولس بكلمة مديح، أو تقدير. قال ديماس فقط، ولا شيء آخر. ولعله رأى فيه استعداداً للارتداد الذي حدث بعد ذلك.

ولكن من الإشارات إلى ديماس في رسائل بولس، نستطيع أن نجمع قصة عنه وخصوصاً ما جاء في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 4: 10، إذ يقول: «لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ» فحين كان بولس يعاني مرارة السجن وخطر الموت، آثر ديماس راحته وأمنه في بيته، على تحمل المشقات مع بولس لأجل مجد المسيح. ومن هنا نعلم أنه لم يكن له رجاء كاف للحياة الأبدية، يستطيع به أن يغلب حب العالم الحاضر.

وفي كلام الرسول ما يشعر بأنه أسف من أجله، حين ذهب إلى تسالونيكي، التي يظن أنها موطنه.

وإننا لنرى في أمر ديماس دراسة مؤثرة، لأنها تبين لنا، كيفية فتور الإنسان وانحرافه عن الروحيات فيفقد الحماس ويتراجع عن طلب المثل العليا. وتكون النتيجة أنه يفشل في الإيمان. ولعل حادثة ارتداد ديماس، تقدم لنا مثلاً صارخاً عن الذين يرفضون أن يخلقهم المسيح من جديد.

كلنا نتعرض إلى صعوبات وضيقات لأجل الإيمان بيسوع، وقد قال له المجد: «فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 16: 33). ومعنى هذا أن المسيح لا يتركنا نواجه الأرزاء لوحدنا. فهو قد غلب العالم لأجلنا، وهو على استعداد أن يعطينا الغلبة إن كنا نثبت فيه وهو فينا.

صحيح أن كثيرين من مختاري المسيح ذاقوا آلاماً واضطهادات وإن بعضاً منهم عُذبوا ثم قُتلوا. ولكنهم غلبوا العالم بآلامهم، وانتصروا عليه بشهادتهم. وحسبهم أن المسيح الشاهد الأمين قال: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي» (رؤيا يوحنّا 3: 21).

الصلاة: أيها السيد الرب إلهنا وملكنا. لك السجود والتعظيم من أجل محبتك التي لا تتركنا نُجرب أكثر مما نستطيع، بل تعطينا مع التجربة المنفذ. سلحنا بقوة الرجاء لكي نغلب الألم، ونكون أمناء لك حتى الموت. نجنا من الارتداد الموجود في العالم، والمنتشر في زمننا. أعطنا من روحك حتى الملء لكي لا نفتر ولا تضعف محبتنا.

السؤال: 30 - ماذا تعرف عن أبفراس ومرقس ولوقا الطبيب؟

16 وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ فَٱجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضاً فِي كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ، وَٱلَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضاً. 17 وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ: «ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْخِدْمَةِ ٱلَّتِي قَبِلْتَهَا فِي ٱلرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا». 18 اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ. اُذْكُرُوا وُثُقِي. اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ. آمِينَ.

(كُتِبَتْ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِّي مِنْ رُومِيَةَ بِيَدِ تِيخِيكُسَ وَأُنِسِيمُسَ)

قصد بولس، أن تُقرأ الرسالة جهاراً، تمشياً مع العادة المتبعة في العهد القديم، منذ أيام موسى. وطلب إلى شيوخ الكنيسة أن يعملوا لكي تُقرأ في كنيسة اللاودكيين، وذلك رغبة منه في أن ينتفع اللاودكيون بها. ولعله خشي أن يعمل بعض الإخوة المعاندين من كولوسي على إخفائها.

وأهاب الرسول بالكولوسيين أن يقرأوا الرسالة التي وردت إلى كنيسة لاودكية. وهذا لا يعني أن بولس كتب رسالة إلى اللاودكيين. وقد أجمع علماء الكتاب المقدس أن الرسالة المشار إليها هي المعروفة برسالة أفسس. والواقع أننا حين ندرس رسالة أفسس يرجّح لنا أنها كانت رسالة دورية انتقلت بين جميع كنائس آسيا. أو هي على الأقل أرسلت إلى كنيسة أفسس وما جاورها من الكنائس. ويرجح المفسرون أن تيخيكس حمل نسخة منها إلى لاودكية، وهو في طريقه إلى كولوسي.

قبل أن ينهي بولس رسالته أوصى لأرخبس، أن يلاحظ دعوته إلى الخدمة. ولعل هذا الأخ انشغل عن خدمة الإنجيل بسبب انصرافه إلى أشياء أخرى. فوجد الرسول أن من واجبه أن يذكره بأنه تكرس ذات يوم للخدمة بمحض إرادته، وأن يحرّضه لكي يقوم بتعهداته التي قطعها على نفسه حين قبل الخدمة من الرب.

يرجح بعض المفسرين أن أرخبس هو ابن فليمون وأبفية ويستندون في ذلك على كون الثلاثة ذكروا معاً في رسالة فليمون التي هي رقيم خاص. وقد تولى خدمة في الرب، لم يذكر الرسول نوعها، أراعياً كان أم شيخاً، أم شماساً أم مبشراً؟ بيد أن الرسول استحسن أن يرسل توصية خاصة به، ويحثه على القيام بما تطوع لأجله بالأمانة، تعزية وتقوية له، وهو عرضة للتجارب.

ويبدو أن الرسول كان حريصاً على أن تصدق الكنيسة التوصية، لتزيدها سلطاناً في ممارسة رسالتها لنشر الإنجيل.

المعروف أن بولس، كان يملي رسائله على كل كاتب، فمثلاً أملى رسالته إلى أهل رومية على أخ يدعى ترتيوس (الرسالة إلى رومية 16: 22) إلا أنه كان يكتب بيده كلمة البركة، ثم يذيل الرسالة بتوقيعه، وهذا ما فعله في ختام هذه الرسالة وغايته من ذلك تثبيت صحة الرسالة.

ولكن نلاحظ أنه قبل توقيع الرسالة، سأل الإخوة أن يذكروا قيوده. والعلاقة بين عبارتي «اذكورا وثقي» و «السلام بيدي» واضحة. لأن يده اليمنى التي يكتب بها كانت مربوطة إلى يد عسكري روماني، فعسر عليه أن يكتب بها، فاقتصر على كتابة السلام. وكانت كتابته تدل على أنه هو كاتبها. وكأن الرسول يقول: إنكم متى رأيتم خطي فاذكروا أني مقيد بسلاسل من أجل الإنجيل الذي بشرتكم به. فالتفتوا إلى كلامي وما فيه من نصائح وتحذير، وصلوا من أجلي. وهذا كقوله للأفسسيين: «لاَ تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي لأَجْلِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ» (الرسالة إلى أفسس 3: 13) وكقوله للفيلبيين: «وَإِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضاً عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ» (الرسالة إلى فيلببي 2: 17).

قال رجل الله الفورد: عندما نقرأ عن قيود بولس، يجب أن لا ننسى أنها كانت تتحرك على الورق وهو يكتب توقيعه.

وهناك حقيقة يجب أن نذكرها وهي أن إشارات بولس إلى قيوده وآلامه لم تكن رغبة في تحريك شفقة الناس نحوه، بل كانت إثباتاً لسلطانه كرسول يسوع المسيح. إنها برهان على حقه في الكلام، حتى ليمكننا القول أن كتاباته ليست رسائل من إنسان يجهل معنى خدمة المسيح. كما أنها ليست من إنسان دعي، يطلب من الغير أن يعملوا ما ليس هو على استعداد أن يعمله. إنها من رجل احتمل، وقاسى وتألم لأجل المسيح. وله الحق كل الحق أن يقول: «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ.» (الرسالة إلى غلاطية 22: 20).

وهكذا تأتي الرسالة المجيدة إلى نهايتها المباركة إلى ختم المسك بالنعمة. أي نعمة المسيح التي تتكفل للمؤمنين بكل ما يحتاجون إليه. والرسول الكريم استودع نفوس محبيه إلى هذه النعمة، التي وجد فيها كل الكفاية لكل شيء.

السؤال: 31 - ما هي الوصايا الأخيرة التي قدّمها بولس لأهل كولوسي؟

مسابقة المسيح فيكم رجاء المجد

إن درست معنا تفسير رسالة كولوسي كلها تقدر أن تجاوب بسهولة على 24 سؤالاً من الأسئلة التي بنهاية كل تفسير.

  1. ماذا نتعلم من بولس في تعامله مع الإخوة في كولوسي؟

  2. ما هو سبب فرح الرسول بكنيسة كولوسي؟

  3. ما هي الصفات التي تميّز بها أبفراس؟

  4. ماذا كان هدف الرسول من صلاته لأجل الكولوسيين؟

  5. ما هو ميراث القديسين في النور وكيف يناله الإنسان؟

  6. ما هي الصفات والألقاب والكرامات التي رآها الرسول في يسوع المسيح؟

  7. ما هو مقام المسيح بالنسبة للكنيسة؟

  8. ما هي الحال التي كان عليها الكولوسيون قبل أن يعرفوا المسيح ويقبلوا خلاصه؟

  9. ما هو السر المكتوم الذي أشار إليه بولس في الآية 26؟

  10. ما هو الأسلوب الذي اتبعه بولس في إنذار الناس واقتيادهم إلى الكمال في المسيح؟

  11. كيف تجلّت محبة الرسول بولس من أجل المؤمنين؟

  12. أي موضوع تناول تحذير الرسول للكولوسيين. وعلام خصهم في الآية السادسة؟

  13. ما هي التعاليم التي حاول المعلمون المضلون إدخالها إلى كنيسة كولوسي؟

  14. كيف يتم ختان القلب وما هي نتيجته؟

  15. ما هو الصك الذي محي عنا نتيجة لعمل المسيح؟

  16. ما هو التعليم الرسولي الذي نادى به بولس منجهة ناموس الفرائض؟

  17. ما هي الأشياء التي حاول المعلمون الكذبة أن يفرضوها على مؤمني كولوسي؟

  18. كيف يقوم المؤمن مع المسيح؟ ما هي أهداف الحياة المقامة؟

  19. ما هي الأشياء التي نهى عنها الرسول في هذا الفصل من رسالته إلى الكولوسيين؟

  20. بماذا امتازت المسيحية. وما هي الوصايا التي جاءت على لسان الرسول بولس؟

  21. عدد الفضائل المسيحية التي أهاب الرسول بالمؤمنين أن يلبسوها ذاكراً الامتيازات التي تترتب عليها.

  22. ما هي أفضل وسيلة لمعرفة أسرار كلمة الله؟

  23. ما هي الواجبات التي أشار إليها الرسول والواجب أن يتبادلها الزوجان؟

  24. ما هي الأسس التي وضعها الرسول لإقامة علاقة حسنة بين الآباء والأنباء؟

  25. بم أوصى الرسول العبيد؟

  26. ماذا طلب الرسول من السادة حيال الذين يخدمون تحت إمرتهم؟

  27. ما هي الشروط التي أشار إليها الرسول في موضوع الصلاة؟ ما هو الهدف من طلبه الموجه إلى أهل كلوسي لكي يصلّوا لأجله؟

  28. بم أوصى الرسول المؤمنين من جهة السلوك أمام الآخرين؟

  29. من هو تيخيكس، أرسترخس، مرقس؟

  30. ماذا تعرف عن أبفراس ومرقس ولوقا الطبيب؟

أرسل جوابك بعنوان وخط واضح إلى:


Call of Hope
  P.O.Box 10 08 27
D-70007 
Stuttgart
Germany