العودة الى الصفحة السابقة
رَنِّموا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً

رَنِّموا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً

المرشد للصلاة تأملات في نخبة من المزامير 84 - 119 الجزء الثاني

اسكندر جديد


Table of Contents

Bibliography
اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّمَانُونَ - التشوق
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّمَانُونَ - صلاة الثقة
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّمَانُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّمَانُونَ - قصيدة لهيمان الأزراحي
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّمَانُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - صلاة لموسى رجل الله
اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ - امتياز الثقة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلتِّسْعُونَ - تسبيحة لله
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - عبادة الرب القدير
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - الله قاضي كل الأرض
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ - حمد الشعوب
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تعظيم الجود الإلهي
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ - تسبيحة للخالق
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ - شكر لإنقاذ الرب
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ عَشَرَ - الرب المخلص
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ عَشَرَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - الإشادة بالشريعة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - تتمة
المسابقة الثانية للمزامير رنموا للرب ترنيمة جديدة

List of Tables

1.
2.
3.
4.
5.
6.
7.
8.
9.
10.
11.
12.
13.
14.
15.
16.
17.
18.
19.
20.
21.
22.
23.
24.
25.
26.
27.
28.

Bibliography

رَنِّموا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. اسكندر جديد. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1972. SPB 3206 ARA. English title: Sing to the Lord a New Song. German title: Singet dem Herrn ein neues Lied. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّمَانُونَ - التشوق

1مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ. 2تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ ٱلرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِٱلإِلٰهِ ٱلْحَيِّ. 3اَلْعُصْفُورُ أَيْضاً وَجَدَ بَيْتاً، وَٱلسُّنُونَةُ عُشّاً لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلٰهِي. 4طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ أَبَداً يُسَبِّحُونَكَ. سِلاهْ.

5طُوبَى لِأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. 6عَابِرِينَ فِي وَادِي ٱلْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً. أَيْضاً بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ.

موضوع هذا المزمور هو الاشتياق إلى بيت الله، حيث يتمتع المؤمن بفرح التعبد لله. وقد كتب داود هذا المزمور في أثناء هربه من أبشالوم. كان المرنم يومئذ قد أُقصي عن عرشه، وأُبعد عن بيت الله المقدس. ولذا كانت نفسه مشتاقة جداً إلى الله.

(1-3) يبدأ المرنم بوصف جمالات بيت الرب، حيث تمتع بحلاوة السكنى فيه، بعيداً عن ضوضاء العالم ومشاكل الحكم. في أيام داود لم يكن الهيكل قد بني. وكانت العبادة الجمهورية تمارس في خيمة (صموئيل الثاني 6: 17، أخبار الأيام الأول 16: 1). وهذه الخيمة أقامها داود، ووضع فيها تابوت العهد. وهي امتداد للخيمة التي أمر الله موسى أن يقيمها في البرية، لكي يسكن الله فيها بين شعبه (خروج 25: 8-9) وكانت تودع فيها ألواح الشريعة والشهادة، ولذلك سميت مسكن الشهادة (خروج 38: 21) وقد أطلق عليها أيضاً اسم بيت الرب.

وقد صنعت الخيمة من خشب السنط الذي كان ينبت في البرية، ومن جلود الحيوانات، والذهب والفضة، والنحاس، وأدوات الزينة. وهذه كلها تبرع بها الشعب بكل حماس (خروج 35: 21-29) وقسمت الخيمة إلى ثلاثة أقسام:

  1. المسكن - صنع من البوص المبروم المطرز بالكاروبيم، ومن ألواح للمقدس وقدس الأقداس.

  2. الخيمة - كانت فوق المسكن، وكانت مصنوعة من شعر المعزى.

  3. الغطاء - كان مصنوعاً من جلود الكباش والتيوس. وكان يوضع فوق الخيمة والمسكن، لوقايتها من الشمس والمطر.

وأحيط دار المسكن بشقق من بوص مبروم علوها ثمانية أقدام، معلقة بعواميد من نحاس، بواسطة عُرَى من الفضة. وكان طول المسكن 150 قدماً وعرضه 75 قدماً. وكان عرض المدخل إلى شرقي المسكن ثلاثين قدماً، ومغطى بشقة من بوص مبروم، مطرز فيه كروبيم وأثبتت العواميد بحبال وأوتاد من نحاس. وكانت رزز الأعمدة وقضبانها من فضة.

وبقرب الطرف الغربي من الدار كان طول الخيمة 45 قدماً، وعرضها 15 قدماً، وعلوها 15 قدماً. وكان جانباها ومؤخرها مغلفة بألواح. ولكل لوح طرفان من الفضة يدخلان في قاعدتين من فضة. وكانت الألواح موصولة بعوارض من خشب السنط مصفحة بذهب. وكان مدخل الخيمة مغطى بشقة مزخرفة معلقة على خمسة عواميد. وانقسم داخلها إلى القدس وقدس الأقداس، يفصل بينهما شقة مطرزة، من أعلى المسكن إلى أسفله. وسميت هذه الشقة بالحجاب. وكان في دار المسكن:

  1. مذبح المحرقة، بقرب مركز الدار.

  2. المرحضة، وسميت أيضاً بحر النحاس (ملوك الأول 7: 23) وكانت بين المذبح والخيمة. وكان في المرحضة ماء لغسل أيدي الكهنة عند دخولهم إلى القدس.

أما أثاث الخيمة فهو: (أ) منارة الذهب إلى اليسار (ب) مائدة خبز الوجوه (ج) مذبح البخور (د) تابوت العهد.

وكان صنع الخيمة دقيقاً، بحيث يمكن فكها وحملها ونصبها في مكان آخر، بكل سهولة. ويخبرنا الكتاب المقدس أنه في اليوم الذي أكملت فيه الخيمة أظهر الله ذاته في سحابة غطتها وملأتها.

وعندما انتهت رحلات الشعب، استقرت الخيمة في الجلجال (يشوع 4: 19) ثم انتقلت إلى شيلوه (يشوع 18: 1) حيث استقرت عدة قرون ومن هناك انتقلت إلى نوب (1 صموئيل 21: 1-9) وفي ملك داود انتقلت إلى جبعون (أخبار الأيام الأول 21: 29). ولما بني الهيكل شيد على نمط الخيمة ونقلت إليه كل أثاثاتها وآنيتها.

فإلى هذا المسكن المقدس حنت أحشاء المرنم فيما كان مطارداً متذكراً ما كان قلبه يجد من فرح في الرب وهو في بيته المقدس، حيث كان يسكب قلبه في ترانيم وأغاني روحية.

لقد شبه قلبه بالعصفور، الذي كان عشه في جدران المنزل، حيث يجد الاطمئنان له والحماية لفراخه، فازداد حنينه إلى مساكن الله حتى برح به الشوق.

هل تعاني من حرمان كهذا، الذي ابتُلي به رجل الله داود؟ أتشعر بأنك محروم من مقدس الله؟ وهل تنكر لك من كنت تحبه؟ داود تنكر له أبشالوم، أحب الناس لديه، تنكر له ابنه الذي كان يرجو له خيراً. وأنت من هو الذي تنكر لك وطردك من قلبه؟ لا تقل أنه يسوع لأن يسوع قال: « من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً». لعلك أنت طردت نفسك من حنان يسوع، بسبب فتور محبتك. ولكن يسوع ما زال يريدك ويقول لك: «انظر من أين سقطت وتب». ارجع إليه ولا تتأخر لأنه يدعوك، والروح القدس يقول: «اليوم أن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم».

لكل من عصافير الدوري وكره، ولكل سنونة عشها، وأنت كيف تبقى بدون مأوى، بينما رب الأرباب يريد أن يظللك بجناحيه؟ قل له الآن: يا رب أنا بغاية الشوق، أريد أن أصعد إلى مسكنك إلى جبل قدسك.

(5-7) افتح له قلبك، واعترف له بفتورك الروحي. ابسط له مالك، وارجع إليه بكل قلبك. وحينئذ يطيب لك أن تنضم إلى المرنم، وتقول: للرب «طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم».

حين ننهي كل شيء مع أنفسنا، ونركز حياتنا على يسوع، نصير بالحقيقة أحراراً. ويصير فرحنا في الرب قوة لنا، فنعبر وادي البكاء، وادي الدموع والآلام، الذي هو قسطنا من صليب المسيح. الذي إن قبلناه بحب، يصير وادي الدموع ينبوع بركات لنا ولكل الذين نخبرهم كم صنع الرب بنا ورحمنا! ويعلم الجميع عبر شهادتنا لعمل النعمة المخلصة، إن الصليب وحده يتضمن سر تحويل التجارب إلى ينبوع بركات.

الترنيمة

Table 1. 

مَا أُحَيْلَى دِيَارَ رَبِّنَايَا لَشَوْقِي إِلَيْهَا مَسْكِناً
لَكَ قَلْبِي يُغَنِّي بِٱلثَّنَاوَٱلْهَتْفِ سَيِّدِي ٱلْمَنَّانْ
قرار 
لِي ٱشْتِيَاقٌيَا رَبُّ أَنْ أَرَاكْ
لِي ٱشْتِيَاقٌأَنْ أَسْكُنَنَ فِي حِمَاكْ
مَنْ بِبَيْتِ ٱلإِلَهِ يَسْكُنُونْهُمْ لِدَهْرِ ٱلْدُّهُورِ يَفْرَحُونْ
لاِسْمِ رَبِّ ٱلْفِدَاءِ يَهْتِفُونْبِسُبْحِهِ مَدَى ٱلأَزْمَانْ
وَبِوَادِي ٱلْبُكَا إِذْ يَعْبُرُونْمِنْ يَنَابِيعِ فَيْضٍ يَسْتَقُونْ
بَرَكاتٍ وَعِزّاً يَقْبَلُونْحَتَّى يُرُوا لَدَى ٱلْرَّحْمَانْ
إِنَّ يَوْماً يُقْضَى بِٱلْوُقُوفْفِيِ دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أُلُوفْ
أَنْتَ شَمْسُ مِجَنٌّ يَا عَطُوفْلِلْسَالِكِينَ بِٱلإِيمَانْ

الصلاة: أيها الرب الإله المبارك. إليك أرفع قلبي مسبحاً ومهللاً. أنت حاجتي وموضوع محبتي الأولى، ومدار أشواقي المتزايدة. أحمدك اللهم على بركاتك التي لا تحصى. وخصوصاً أشكرك على البركة العظمى، التي لي في الرب يسوع، الذي خلصني من خطاياي، أتوسل إليك أن تهبني القوة لكي أثبت في المسيح، ويثبت المسيح فيّ، فأثمر لمجد اسمك القدوس. آمين.

السؤال: 1 - أين كانت تقام العبادة الجمهورية وما هي أقسام مساكن الله في زمن داود؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّمَانُونَ - صلاة الثقة

1أَمِلْ يَا رَبُّ أُذْنَكَ. ٱسْتَجِبْ لِي، لأَنِّي مَسْكِينٌ وَبَائِسٌ أَنَا. 2ٱحْفَظْ نَفْسِي لأَنِّي تَقِيٌّ. يَا إِلٰهِي خَلِّصْ أَنْتَ عَبْدَكَ ٱلْمُتَّكِلَ عَلَيْكَ. 3ٱرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي إِلَيْكَ أَصْرُخُ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. 4فَرِّحْ نَفْسَ عَبْدِكَ لأَنَّنِي إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. 5لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ لِكُلِّ ٱلدَّاعِينَ إِلَيْكَ.

6اِصْغَ يَا رَبُّ إِلَى صَلاتِي وَأَنْصِتْ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. 7فِي يَوْمِ ضِيقِي أَدْعُوكَ لأَنَّكَ تَسْتَجِيبُ لِي. 8لا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلا مِثْلَ أَعْمَالِكَ. 9كُلُّ ٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُونَ ٱسْمَكَ. 10لأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ ٱللّٰهُ وَحْدَكَ.

(1-4) يستهل المرنم هذا المزمور بالتوسل إلى الله لكي يميل إليه ويسمع صلاته، كما فعل في عدة مزامير أخرى. إلا أنه هنا يستصرخ حنان الله، ويتوسل حالة البؤس التي يعانيها لاستدرار عطف الله عليه. ثم يسأله أن يحفظ نفسه لأنه تقي. وقد يرى كثيرون أن داود جارى العديدين من رجال العهد القديم، الذين درجوا على التغني بتقواهم. الأمر الذي لم يستسغه يسوع، بل عرض به بالمثل الذي ضربه لجماعة من أتقياء اليهود المتكلين على تقواهم كوسيلة للتبرير أمام الله (الإنجيل بحسب لوقا 18: 9-14).

ففي هذا المثل أراد الرب يسوع أن يؤكد لهذه الفئة من المتدينين، أنه أمام الله لا يتبرر أحد. لأن الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد. وأنه ليس لنا أن نشيد بتقوانا، لأن الله يعرف ميولنا.

وهب أن الفريسي الذي ذكره المسيح في المثل، كان خالياً من الخطايا الشائنة. أي لم يكن خاطفاً ولا ظالماً ولا زانياً، بل عرف أن يقتني إناءه بقداسة وكرامة. ولكن ما كان له أن يحصر كل مسرته في ترفعه عن هذه النجاسات لكأن كل مهمته في المجيء إلى بيت الله، أن يخبر الله القدير بأنه صالح جداً. قال البشير لوقا، أنه كان من فئة الواثقين بأنفسهم، الذين قالوا لله «لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ؟» (إشعياء 58: 3).

ما أكثر الذين يتصرفون على هذا النحو، فيجعلون من تدينهم حجة أمام الله لنيل البركات! كأنهم بتقواهم نالوا استحقاقاً وبالتالي، صار الله مديوناً لهم. يا أخي التقي حين تقترب من الله، لا تقتحمه بذكر فضائلك بل تقدم إليه بالتواضع، الذي يتضمن شعورك بعدم الاستحقاق.

تمثل بذلك العشار الذي استحسن الرب يسوع تصرفه أمام الله. فقد وقف بعيداً عن قدس الأقداس، معترفاً بأنه غير مستحق الاقتراب من الله. ولكنه بالإيمان رفع قلبه إلى الله بأشواق مقدسة مع انسحاق الروح. كان لسان حاله يردد ما قيل في المزمور 40: 12 «لأَنَّ شُرُوراً لا تُحْصَى قَدِ ٱكْتَنَفَتْنِي. حَاقَتْ بِي آثَامِي وَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ».

كانت صلاته قصيرة ولكنها عبرت عن توبته وانكسار قلبه. ولعل التنهدات والأنات ابتلعت كلامه. ولكن ما قاله، كان كافياً وافياً «ارحمني اللهم أنا الخاطي» إنه لم يجد له رجاء إلا في رحمة الله، لهذا اعتمد عليها وحدها. وتوسل بحرارة، لينال تلك الرحمة. والرب لم يمنع رحمته عنه، فقد قال المسيح، إنه نزل من بيت الله مبرراً. لأنه وضع نفسه، ومن يضع نفسه يرتفع. إنه في محبة الله، وفي الشركة معه.

يجمع المفسرون على أن داود لم يطلب إلى الله الحفظ كمجازاة لتقواه. وإنما توخى خلاصه وحفظه بالاتكال على رحمة الله، كما يرى في قوله: يا إلهي خلص عبدك المتكل عليك. وفي الآية الثالثة نراه يستمر في الصراخ إلى الله، راجياً رحمته. فهو مؤمن برحمة الله المخلصة. وفي الآية الرابعة، يسأل إلهه أن يفرح قلبه الذي رفعه إليه بتضرّع المؤمن الواثق في الله الراجي رحمته.

هل حصلت على اختبار المرنم، الذي حين سكب نفسه عند قدمي الله باتضاع، رفع الله وجهه وأعطاه نعمة فوق نعمة؟ إن كنت لم تحصل على هذا الاختبار، فحاجتك الروحية تهيب بك أن لا تتردد في طلب الله. لأن الفرصة سانحة وطوباك إن فعلت.

(5) من فرحه العارم، انطلق داود يمجد الله، ويشهد لصلاحه، ويعدد حسناته، التي يمنحها لكل الذين يدعونه بالحق. وتشعرنا كلماته، أنه بعد توبته ورجوعه إلى الله، نال المغفرة والصفح. ليس لبر في أعمال عملها، بل بمقتضى رحمة الله، التي ينالها كل المتكلين عليه.

(6-8) في هذه الآيات ترديد لصلوات سبق للمرنم أن رفعها إلى عرش نعمة الله وكتبها في مزامير أخرى. وقد تميزت هذه الصلوات بالعمق، وبقوة التعبير عن حاجة النفس البشرية التي تترجى الله وتتكل على صلاحه للحصول على سؤلها.

(9 و10) في هذه العبارات المجيدة تطل علينا فكرة من صميم عهد النعمة، إن الله إله كل الشعوب، خلافاً لادعاء اليهود بأن الله إلههم فقط، هذا هو امتياز المسيحية، أن إنجيلها أعلن الله الهاً لكل الذين يأتون إليه بالإيمان. هذا نقرأه عن المسيح أنه «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 11-13).

ينهي الملك المرنم هذا القسم من مزموره بإعلان حقيقة مهمة جداً، وهي أن تعامل الله مع البشر بالرحمة والإحسان لدليل على عظمته ولطفه، على بره وصفحه، على حقه ورحمته. ولهذا يليق به أن يكون الحاكم الأوحد في السماء وعلى الأرض.

الترنيمة

Table 2. 

أَيُّهَا ٱلْمَوجُوُد فِيكُلِّ أَجَْزاءِ ٱلْوُجُودْ
هَلْ تُرَى يَخْفَى خَفِيٌّعَنْكَ يَا رَبَّ ٱلْجُنُودْ؟
فَٱلْتَفِتْ يَا ذَا ٱلْمِنَنْوَٱهْدِنِي إِنِّي فَتَاكْ
وَبِسِرٍّ وَعَلَنْهَبْ لِعَيْنِي أَنْ تَرَاكْ
كُنْ بِقَلْبِي سَاكِناًوَلأَعْمَالِي ٱلْرَّقِيبْ
وَلِنَفْسِي حَاضِناًوَلأَسْقَامِي ٱلْطَبِيبْ
كُنْ رَفِيقِي فِي ٱلْسَّفَرْوَمُعِينِي فِي ٱلْعَمَلْ
وَلِعَينَيَّ ٱلْبَصَرْوُلإِعْوَازِي ٱلأَمَلْ
كُنْ أَمَامِي فِي ٱلْنَّهَارْحَافِظِي وَقْتَ ٱلْمَنَامْ
رَاحَتِي حِيْنَ ٱلْقَرَارْمُرْشِدِي حِيْنَ ٱلْكَلاَمْ
كُنْ مَعِي فِي كُلِّ حِيْنْعَاضِدِي طُولَ ٱلْحَيَاةْ
حَارِسِي حِصْنِي ٱلأَمِينْنَاصِرِي عِنْدَ ٱلْوَفَاةْ

الصلاة: يا إلهنا الحي، الموجود في كل مكان والقادر على كل شيء، أنت الفاحص القلوب والكلى، والعالم بسرائر الناس جميعاً. إليك أرفع قلبي يا ساكناً في الأعالي، راجياً وملتمساً أن تلتفت إليّ، وتسمع أنات قلبي، وترحم ضعفي. توبني يا رب فأتوب، طهر قلبي بدم المسيح، واجعله مسكناً لك. امكث معي يا سيدي في كل حين. في وقت العمل، حتى تكون أعمالي وفقاً لمشيئتك. وفي وقت الفراغ، حتى لا تجتذبني شهوات هذا العالم، وتسبيني إلى ناموس الخطية. تقبل شكري المتعبد لجلالك بربنا يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 2 - ماذا سأل المرنم في بداية المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّمَانُونَ - تتمة

11عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، أَسْلُكْ فِي حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ ٱسْمِكَ. 12أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ إِلٰهِي مِنْ كُلِّ قَلْبِي وَأُمَجِّدُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ. 13لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ ٱلسُّفْلَى.

14اَللّٰهُمَّ، ٱلْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ، وَجَمَاعَةُ ٱلْعُتَاةِ طَلَبُوا نَفْسِي وَلَمْ يَجْعَلُوكَ أَمَامَهُمْ. 15أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلٰهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَٱلْحَقِّ. 16ٱلْتَفِتْ إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي. أَعْطِ عَبْدَكَ قُوَّتَكَ وَخَلِّصِ ٱبْنَ أَمَتِكَ. 17ٱصْنَعْ مَعِي آيَةً لِلْخَيْرِ فَيَرَى ذٰلِكَ مُبْغِضِيَّ فَيَخْزُوا لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ أَعَنْتَنِي وَعَزَّيْتَنِي.

(11-13) قد يتعجب أحدنا أن يتقدم نبي ملهم اختبر الله مدة طويلة، فيسأل إلهه أن يعلمه طريقه، لكي يسلك في حقه. ولكن التعجب يزول، متى تذكرنا أن الروح القدس، المرشد إلى الطريق والحق، لم يكن قد بدأ رسالته بين جماعات الأتقياء. لأن الروح المبارك قد أُعطي للكنيسة في يوم الخمسين كمعز ومعلم ومرشد إلى جميع الحق.

نقرأ في الإنجيل أن تلاميذ الرب، بعد ثلاث سنين ونيف قضوها في رفقة معلمهم، لم يعرفوا الطريق إلى الله. وكان لا بد من اعترافهم بالجهل بلسان توما، لكي يسمعوا الإعلان من فم يسوع نفسه! «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاّ بِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 6).

إن الكلمة الرئيسية في جواب المسيح هي الطريق. وإنما ذكر الحق والحياة توضيحاً لها. فالحق هو الله معلناً في قداسته ومحبته، والحياة هي الله متصلاً بالنفس في مسرته. قال الدكتور مارتين لوثر إن هذه الكلمات الثلاث «الطريق والحق والحياة» منسقة تنسيقاً بديعاً. فالطريق هو البدء والحق هو الوسط، والحياة هي الختام.

«كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6) ولكن المسيح يرد أنفسنا يهدينا إلى سبيل البر من أجل اسمه (مزمور 23: 3) والمسيح هو الوسيط الأوحد بين الله والناس، ولهذا كان من حقه أن يعلن ذاته الطريق الأوحد إلى الله.

نحن من باطل أجمعون (مزمور 62: 9) وقد استعبدتنا الخطية، ولكن المسيح هو الحق الذي جاء لكي يرسل المنسحقين في الحرية. نحن أموات في الذنوب والخطايا، والمسيح جاء ليحيي نفوسنا، ويقدرها على أن ترى الطريق وتسير فيه.

أجل، إن المسيح هو الطريق التي فيها يسير الإنسان من الأرض إلى السماء، ومن حال الخطية إلى حال القداسة، ومن حال العداوة لله، إلى المصالحة معه. وقد فتح المسيح هذا الطريق بسفك دمه (الرسالة إلى العبرانيين 10: 2) فالفاصل بين الإنسان والآب السماوي، ليس البعد بين السماء والأرض، بل خطية الإنسان. ولكن المسيح أزال ذلك الفاصل، حين علق على الصليب (إشعياء 53: 8-10).

وهو أيضاً الحق وقد أعلن بروحه وكلامه كل ما نحتاج إلى معرفته من أمر أنفسنا، وأمور الله والطريق إلى السماء. وقد كانت قبلاً أقوال الفلاسفة عن الله والسماء وعن آخرة الأخيار والاشرار ظنوناً وتخمينات. أما تعاليم المسيح، فكانت يقينيات.

وهو أيضاً الحياة، وقد قال الإنجيل: «فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ، وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 4). إنه مصدر كل حياة روحية، وقبل أن ظهرت حياة الخليقة كانت للمسيح حياة في ذاته. وهو المحيي، والإحياء عمل أعظم من خلق المادة، لأنه مما يختص بالله وحده. وهو يعلمنا حقيقة الحياة الروحية واحتياجنا إليها. وهو الذي اشتراها لنا بموته الفدائي ويهبها لنا بروحه.

والجدير بالملاحظة أن المسيح لم يقل أنه يدل على الطريق، ويقول الحق، ويهدي إلى الحياة، بل قال بصورة قاطعة، أنا هو الطريق، فلا طريق إلاه. أنا هو الحق، فلا حق سواه. أنا هو الحياة، فلا حياة بغيره. أنا هو الطريق هذا جواب المسيح على المتسائلين: أين الطريق؟ أنا هو الحق، هذا جواب المسيح مع القائلين: كيف نعرف الحق؟ أنا هو الحياة، هذا جواب المسيح على القائلين: إلى أين تذهب؟

كان للمرنم تطلعات نحو تجسد المسيا، فحياه من بعيد، وسأل في صلاته أن يُعطَى نعمة لمعرفة الطريق والسلوك في الحق. ثم صلى لكي لا يكون مشتت الفكر مقسم الأهواء، بل بالحري موحد العاطفة، حتى يستطيع أن يحمد الله من كل قلبه، ويمجد اسمه بالسلوك في طريق الحق. وشفع طلباته بالإشارة إلى رحمة الله، التي لم يمنعها الله عنه في الماضي.

(14-17) يبدو أن النبي الملك كان يمر في ظروف صعبة كالتي مر بها حين طلب شاول نفسه ليهلكها. ويظهر أنه كان يقاسي متاعب عظيمة، بسبب وجود أخصام من الكبار المعتدين بأنفسهم، والذين لم يستحسنوا أن يجعلوا الله أمامهم، وأمام هذه المتاعب الشديدة، يلتجئ إلى إلهه، ويستصرخ رحمته، ويسأله أن يلتفت إليه ولا يمنع رأفته عنه.

يمكن للمتأمل في هذه العبارات أن يلحظ كأن الكاتب يشعر في قرارة نفسه بأن البلايا التي حاقت به، كانت قصاصاً له على تقصير ما، بدليل تذكير الله بأنه طويل الروح وغني في الرحمة. فيسأله أن يتلطف به، ويصنع آية من أجل خلاصه وإنقاذه من مكايد أعدائه العتاة المتكبرين.

إنها لنعمة أن يتيح الله الفرصة للإنسان أن يتحاجج معه من أجل غفران خطاياه (إشعياء 1: 18) وأن يذكره بطول أناته. هذه الحقيقة عرفها بطرس رسول يسوع المسيح فكتب إلى أهل الشتات يقول «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (رسالة بطرس الثانية 3: 9) وهذه العبارة كقول الرب «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لا أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11).

هذه فرصة طيبة أمامك، أن تقر بجهلك أمام المسيح فيظهر لك ذاته الطريق والحق والحياة. ومهما كانت استعداداتك ضعيفة، فهو لا يمنع رحمته وبره وحقه عنك.

الترنيمة

Table 3. 

أُحِبُّ أَنْ أَبْعُدَ عَنْمَتَاعِبِ ٱلْحَيَاةْ
وَأَقْضِيّ ٱلسَّاعَاتِ فِيعِبَادَةِ ٱلإِلَهْ
أُحِبُّ أَنْ أَسْكُبَ فِي ٱلْوِحْدَةِ أَشْجَانِي
وَدَمْعَ تَوْبَتِي لَدَىغَاسِلِ أَدْرَانِي
أَذْكُرُ رَحْمَةً مَضَتْوَأَسْأَلُ ٱلْمَزِيدْ
وَأَطْرَحُ ٱلْحُزْنَ لَدَىمُخَلِّصِي ٱلْوَحِيدْ
أَرَى بِإِيمَانٍ سَنَامَنَازِلَ ٱلْرَبِّ
فَأَرْتَجِي يَوْماً بِهِأَظْفَرُ بِٱلْقُرْبِ
وَحِينَمَا أَرْحَلُ مِنْمَوَاطِنِ ٱلْشَّقَاءْ
أَنَالُ فِي فِرْدَوْسِهِسَعَادَةَ ٱلْبَقَاءْ

الصلاة: شكراً لك يا إلهنا الصالح، لأجل يسوع مريح التعابى، ومنهض الساقطين الذي مسح لكي يبشر المساكين، وجاء لكي يسند الضعفاء ويجبر المنكسري القلوب، ويرسل المنسحقين في الحرية. أعطنا نعمة لكي نثبت في الحرية التي اشتراها لنا بدم صليبه لكي لا نعود نؤخذ بريح أيّة عبودية. بل نعيش في حرية أولاد الله. ونصلي من أجل جميع المتألمين لكي تهدهد آلامهم. ومن أجل جميع الحزانى، لكي تعزيهم. ومن أجل جميع الساقطين لكي تنهضهم، باسم يسوع نسأل هذا. آمين.

السؤال: 3 - ماذا طلب المرنم في صلاته؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّمَانُونَ - قصيدة لهيمان الأزراحي

1يَا رَبُّ إِلٰهَ خَلاصِي، بِٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ صَرَخْتُ أَمَامَكَ، 2فَلْتَأْتِ قُدَّامَكَ صَلاتِي. أَمِلْ أُذْنَكَ إِلَى صُرَاخِي، 3لأَنَّهُ قَدْ شَبِعَتْ مِنَ ٱلْمَصَائِبِ نَفْسِي، وَحَيَاتِي إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ دَنَتْ. 4حُسِبْتُ مِثْلَ ٱلْمُنْحَدِرِينَ إِلَى ٱلْجُبِّ. صِرْتُ كَرَجُلٍ لا قُوَّةَ لَهُ. 5بَيْنَ ٱلأَمْوَاتِ فِرَاشِي مِثْلُ ٱلْقَتْلَى ٱلْمُضْطَجِعِينَ فِي ٱلْقَبْرِ ٱلَّذِينَ لا تَذْكُرُهُمْ بَعْدُ، وَهُمْ مِنْ يَدِكَ ٱنْقَطَعُوا. 6وَضَعْتَنِي فِي ٱلْجُبِّ ٱلأَسْفَلِ، فِي ظُلُمَاتٍ، فِي أَعْمَاقٍ. 7عَلَيَّ ٱسْتَقَرَّ غَضَبُكَ وَبِكُلِّ تَيَّارَاتِكَ ذَلَّلْتَنِي. سِلاهْ. 8أَبْعَدْتَ عَنِّي مَعَارِفِي. جَعَلْتَنِي رِجْساً لَهُمْ. أُغْلِقَ عَلَيَّ فَمَا أَخْرُجُ. 9عَيْنِي ذَابَتْ مِنَ ٱلذُّلِّ. دَعَوْتُكَ يَا رَبُّ كُلَّ يَوْمٍ. بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ.

ناظم المزمور هو هيمان بن زارح من بني يهوذا (أخبار الأيام الاولى 2: 6) وقد عُرف بحكمته الواسعة، حتى ضُرب به المثل (ملوك الأولى 4: 31). ويرجع بعض المفسرين أنه عاش في عهد سليمان الملك، وإنه كان ينتمي إلى جماعة الكتبة الذين اشتهروا بالحكمة. وكانت لهم محاولات لكشف سر الألم، كما فعل أيوب، وكما فعل كاتب الرسالة إلى العبرانيين.

ويتميز هذا المزمور بعبارات تدل على أن الكاتب يعاني مرارة الشقاء. هذا مع العلم أنه استهل المزمور بهذا القول «يا رب إله خلاصي» ولعله وهو في غمرة شقائه، كان ينتظر تدخل الرب لأجل خلاصه، فرفع صوته واستصرخ رحمة الله، لأجل إنقاذه من ضيقه.

إن كنت تعاني ضيقات ومصاعب لا قبل لك بالخلاص منها، فالفرصة متاحة لك الآن. يكفي أن تدعو الله لكي يهب لنجدتك. فهو قريب منك أقرب إليك من حبل الوريد. وكلمته لك «اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ» (إشعياء 55: 6). «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لأَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء 45: 22).

(1-3) يبدأ المرنم هذا المزمور بتوجيه صلاة حارة إلى إله خلاصه، متوسلاً لاستجابة صلاته. وكلماته المستغيثة تشعرنا بأنه كان في حال سيئة من الضيق وكأنه في هوة سحيقة لا يستطيع الصعود منها، حينئذ صرخ إلى الرب، وسأله بإلحاح أن يصغي لدعائه. وهكذا تكون الصلاة قدامه، فلا يرفض ملتمسه، وهو العالم بحاله التاعسة، وبضيق نفسه التي شبعت من المصائب، واتخمت من الآلام المريرة، بحيث لم تعد لديه طاقة للاحتمال، وها هي حياته تدنو من الهاوية بخطى سريعة.

(4) يمضي الكاتب في بسط حاله الصعبة، فيقول: «حسبت مثل المنحدرين إلى الجب»، فيرسم لنا صورة الأسير الذي حبس عليه في الجب. وكان هذا الأمر معمولاً به قديماً. وقد عانى منه إرميا النبي، حين طرحه الرؤساء في الجب ليموت جوعاً. ولكن خصياً حبشياً توسل له لدى الملك، فأخرجه ووضعه في دار السجن، وكان هناك إلى أن أخذت أورشليم (إرميا 38: 7-28).

(5) في هذه الآية يشبه نفسه بسجين أُلقي به في جب مليء بجثث الموتى. فراح يتألم ويئن وسأل الرب الإله أن يطلق سراحه. وهذا الوصف ينطبق على الخاطي الذي كبلته الخطية بقيودها الثقيلة. وهكذا قال الرسول بولس للكولوسيين «وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا» (كولوسي 2: 13)، والواقع أن هذا الوصف ينطبق على جميع الذين غلبتهم الخطية غلبة ساحقة، فعجزوا عن تحطيم سلاسل الخطية. وفقدوا القدرة لمواجهة دينونة الخطية. لم تكن لهم قوة أكثر من قوة إنسان ميت للانتصار على الخطية أو للتكفير عن الخطية. ولكن شكراً لله بربنا يسوع المسيح الذي جاء ليطلب، ويخلص الأموات بالذنوب والخطايا. لأنه بعمله الكفاري على الصليب، حرر الناس من عقاب الخطية، وأنقذهم من سلطان الخطية. وأعطاهم حياة جديدة محررة، حتى يمكن أن يقال أنه أقامهم من الأموات ونفخ فيهم حياة جديدة.

كان الاعتقاد القديم أن اليهود فقط هم الأعزاء عند الله. ولكن قوة المسيح المخلصة جاءت للأممي الأغلف الذي لم يقطع الله معه أي عهد، فتم الوعد بأنه بالمسيح تتبارك جميع الأمم. وفي تعبير آخر، إن عمل المسيح هو عمل قوة وهبت الحياة للموتى. وهو عمل نعمة وصلت حتى إلى أولئك الذين لا يحق لهم أن ينتظروا فضلاً من الله.

ولكن الصورة تزداد أمامنا وضوحاً بالقول «إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّراً إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ» (كولوسي 2: 14). فقد محا عنا وثيقة الاتهام المثبتة فيها جناياتنا الكثيرة، ومزق قائمة الاتهام المبنية على فرائض الناموس، التي وقفت ضدنا كنائب عام للشريعة الأدبية، التي خرقناها بمعاصينا. وقد نفى عنا عريضة الاتهام نفسها ولم يبق لها أثر، فيا لرحمة الله الفائقة كل فهم!!! فالله نفسه أخذ بيده عريضة الاتهام وسمرها بالصليب. وهكذا محا سجل خطايانا محواً كاملاً. هذه هي النعمة الفاخرة في أسمى معانيها، فصارت الكلمة الرسولية، «لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية 8: 1).

(6-9) في هذه الآيات المجيدة، يصف لنا المرنم مراحل السقوط: (أ) الجب الأسفل الذي هو نهاية الظلمات وقد عبر عنه أيوب بأرض مظلمة وظل الموت، أرض ظلام مثل دجى ظل الموت وبلا ترتيب، وإشراقها كالدجى (أيوب 10: 21 و22). (ب) نزول غضب الله. الذي هو نتيجة الاستهانة بلطف الله وإمهاله وطول أناته على الخاطي لكي يقبل إلى التوبة (رومية 2: 4) ونظراً لشدة غضب الله شبهه المرنم بالتيارات التي تجرف كل شيء في طريقها. ويخبرنا بولس أن غضب الله المخيف معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم. ولكن شكراً للرب يسوع الذي أطفأ بدمه لظى هذا الغضب، فصار الرضى الإلهي في متناول يد كل إنسان، يؤمن به ويتخذه مخلصاً شخصياً. (ج) هجر الأصدقاء فلم تقتصر مصيبته على ما انتابه من الآلام والأكدار، بل ذهبت به إلى هجر الأصدقاء الذين تركوه في ضيقه، وابتعدوا عنه كأنه مصاب بالبرص. (د) الوقوع في الذل، فقد جعلته المصائب ضعيفاً ذليلاً. ولكنه بالرغم من حاله السيئة، لم ينس الرب إلهه بل ذكره، ودعاه باسطاً يديه بالتوسل.

هل تجد في تصرف المرنم ما يحملك على الاقتداء به؟ وهل تواجه صعوبات الحياة وأرزاءها باللجوء إلى الله والتسليم له؟ إن كنت تفعل فطوباك، كما هو مكتوب «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلرَّبَّ مُتَّكَلَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ٱلْغَطَارِيسِ وَٱلْمُنْحَرِفِينَ إِلَى ٱلْكَذِبِ» (مزمور 40: 4).

الترنيمة

Table 4. 

أَرَاكَ بِٱلإِيْمَانْيَا حَمَلَ ٱلرَّحْمَانْ
رَبِّي يَسُوعْ 
إِسْمَعْ لِطِلْبَتِي وَٱنْزَعْ خَطِيَّتِييَا لَيْتَ جُمْلَتِي
عَبْدٌ يَطُوعْ 
يَا رَبِّ زِدْ نَفْسِيمِنْ نِعْمَةِ ٱلْقُدْسِ
أَنْتَ ٱلرَّحُومْ 
زِدْ غَيْرَتِي رَبِّي لِذَلِكَ ٱلصَّلْبِوَٱضْرِمْ عَلَى قَلْبِي
حُباً يَدُومْ 
فِي ظُلْمَةِ ٱلأَجْفَانْوَشِدَّةِ ٱلأَحْزَانْ
كُنْ مُرْشِدِي 
دَعْ ظُلْمَتِي تُكْشَفْ وَأَدْمُعِي تَنْشَفْوَٱلْوَجْهَ لاَ يُصْرَفْ
عَنْ سَيِّدِي 
إِذْ تَنْتَهِي ٱلأَيَّامْكَٱلْحُلْمِ فِي ٱلْمَنَامْ
فَأَرْقُدُ 
يَحْمِلُنِي ٱلْمَسِيحْ بِجَنْبِهِ ٱلْجَرِيحْهُنَاكُ أَسْتَرِيحْ
إِذْ أُصْعَدُ 

الصلاة: يا رب إلهي، لا تحجب وجهك عني، ولا تتغاضى عن صوت تضرعاتي. اعترف بفتور محبتي وضعف إيماني، ولكنني التجئ إلى رحمتك، لكي تعفو عني، وتعطيني قوة في محبتي، وتزيد إيماني، جدد توبتي يا إله خلاصي واقبل صلاتي، واستجب لسؤالي. إنني أسأل الكل باسم يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 4 - من هو ناظم المزمور وماذا تعرف عنه؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّمَانُونَ - تتمة

10أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ، أَمِ ٱلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاهْ. 11هَلْ يُحَدَّثُ فِي ٱلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ أَوْ بِحَقِّكَ فِي ٱلْهَلاكِ؟ 12هَلْ تُعْرَفُ فِي ٱلظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ ٱلنِّسْيَانِ؟

13أَمَّا أَنَا فَإِلَيْكَ يَا رَبُّ صَرَخْتُ، وَفِي ٱلْغَدَاةِ صَلاتِي تَتَقَدَّمُكَ. 14لِمَاذَا يَا رَبُّ تَرْفُضُ نَفْسِي؟ لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ 15أَنَا مَسْكِينٌ وَمُسَلِّمُ ٱلرُّوحِ مُنْذُ صِبَايَ. ٱحْتَمَلْتُ أَهْوَالَكَ. تَحَيَّرْتُ. 16عَلَيَّ عَبَرَ سَخَطُكَ. أَهْوَالُكَ أَهْلَكَتْنِي. 17أَحَاطَتْ بِي كَٱلْمِيَاهِ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. ٱكْتَنَفَتْنِي مَعاً. 18أَبْعَدْتَ عَنِّي مُحِبّاً وَصَاحِباً. مَعَارِفِي فِي ٱلظُّلْمَةِ.

(10-12) في العدد الخامس شبه المرنم نفسه كميت مضطجع في القبر، وهنا يطرح على العزة الإلهية مجموعة من الأسئلة. كأن يقول: أنت إله العجائب حقاً، ولكن هل ينتفع ميت نظيري بعجائبك؟ أنت إله أحياء فهل تتمجد بالأموات، أنت إله رحمة، فهل تظهر رحمتك في القبور؟ وهل لعالم الظلام من عيون لترى آياتك؟ وهل عالم النسيان يذكر برك، ويتمتع بحسن صنعك؟

(13) في هذه الآية يقيم المرنم دعواه أمام الله، وينطلق من كونه حياً لقول الله: إن كان الأموات والأخيلة لا تنتفع من عجائبك، فبالأولى أن تصنعها فيّ أنا الحي الذي أصرخ إليك كل يوم، وأضرع في الصباح، قبل أن أزاول أي عمل.

صحيح أن إلهنا إله أحياء لا إله أموات (الإنجيل بحسب متى 22: 32) ولكن عجائبه تتجاوز النطاق الذي تصوره رجال العهد القديم. ففي العهد الجديد، سُمع كلام النعمة من فم المسيح «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 25) هذه الآية تنطبق على:

  1. الأموات روحياً (أفسس 5: 14) وهم الذين يعيشون في الجهل والمعصية وعدم الشعور بسوء حالهم الروحية، وتحت حكم الهلاك الأبدي. ويظهر من كلام المسيح أن هناك نوعين من الأموات روحياً. الأول يسمع صوت ابن الله ولا يميز ولا يطيع. والثاني يسمع ويميز ويطيع ويحيا.

  2. الأموات الذين أقامهم المسيح من الاموات بمعجزة، كابنة يايروس.

  3. جميع الأموات، الذين سيقومون عند مجيء المسيح ثانية، وفقاً لقوله «لا تَتَعَجَّبُوا مِنْ هٰذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 28 و29).

ومما لا مراء فيه أن التأمل في هذه الحقيقة على ضوء كلمة المسيح سيضع أمامنا الملاحظات التالية:

  1. إن الخطاة خالون من الحياة الروحية، ومن كل عاطفة روحية، وقوة روحية، وحركة روحية. والمؤسف جداً أنهم عديمو الإحساس بتعاستهم، وعاجزون عن إنقاذ أنفسهم.

  2. إن تجديد النفس لإعادتها لله، يعتبر قيامة من الموت إلى الحياة. إنها تحيا عندما تبدأ تحيا لله، وتتنفس مشتاقة إليه، وتتحرك متجهة نحوه لتوجد به.

  3. إن النفوس تقوم للحياة الروحية بصوت المسيح، فهي تقوم بقوته. وهذه القوة تنتقل إليها بكلمته التي هي روح وحياة. حين قال الرسول بولس: «استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح» كان يحرض الناس على فتح آذان أذهانهم ليسمعوا صوت ابن الله، ويفهموه ويقبلوه ويؤمنوا به، وعندئذ يهبهم الروح حياة.

اطلب إليك برأفة الله أن تفتح أذنك الداخلية لتسمع صوت الرب، المنبعث من كتابه العزيز، «أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ» (إشعياء 55: 3).

(14-17) في هذه الآيات يعود المرنم إلى التساؤل، لماذا يرفضه الله، ولماذا يحجب وجهه عنه؟ ثم لا يلبث أن يتعجب من تصرف الله معه! وحجته في ذلك أنه مسكين بالروح وقد سلم نفسه لله منذ حداثته.

وحين مرت به الصعوبات، احتملها بروح المؤمن الصابر. والآن اخذته الحيرة، كيف أن الله يسمح بأن تجتاح الأهوال نفسه؟!

هذا تصرف المؤمن الذي أعيته المحن والضيقات، أنه يكف عن كل جهد ويصرخ إلى إلهه متسلحاً بقوله تعالى: «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

(18) يختم الكاتب هذا المزمور بكلمات نلمس فيها نفخات من أنفاس رجل الله أيوب حين قال: «قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي. وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي. أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي وَٱلَّذِينَ عَرَفُونِي نَسُونِي. نُزَلاءُ بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيّاً... عَبْدِي دَعَوْتُ فَلَمْ يُجِبْ. بِفَمِي تَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ. نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ ٱمْرَأَتِي، وَمُنْتِنَةٌ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي. اَلأَوْلادُ أَيْضاً قَدْ رَذَلُونِي» (أيوب 19: 13-18).

وهكذا ينهي المرنم كلامه بتقديم صورة مروعة لنفس متألمة بلغت أقصى درجات التعاسة. فهل مررت في حالة كهذه؟ لا تيأس بل قل لنفسك لا تئني يا نفسي بل ترجي الله، واطلبي المنقذ يسوع، الذي يريح التعابى.

الترنيمة

Table 5. 

أَيُّهَا ٱلْمَدْعُوُّ لِلْعُرْسِ ٱلْعَظِيمْيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
إِنَّ رَبَّ ٱلْعُرْسِ لاَ شَكَ كَرِيمْفَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
فَتَعَالَ لاَ تُؤَجِلْكُلْ مِنْ ٱلْخَيْرَاتِ عَجِّلْ
حَتَّى ثَوْبَ ٱلْعُرْسِ مِنْ أَجْلِكَ يُعْمَلْفَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
قرار 
مَاتَ عَنْكَ فَتَعَالَوَفَّى دَيْنَكَ تَعَالَ
قَدْ أَعَدَّ كُلَّ شَيْءٍ فَتَعَالَيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
إِسْمَعِ ٱلْدَّعْوَةَ لِلْفَرَحْيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
وَتَعَالَ يَا صَدِيقِي تَسْتَرِحْيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
صَاحِبُ ٱلْعُرْسِ تَكَلَّفْكُلَّ شَيْءٍ جِئَ لِتَعْرِفْ
ٱلْمَحَبَةُ أَعَدَّتْ مَا لاَ يُوصَفْفَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
ٱلْذَبَائِحُ دِمَاهَا قَدْ جَرَتْفَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
ٱلْمَسِيحُ مَاتَ عَنْكَ لاَ تَمُتْيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
مَاتَ عَنْكَ فَتَعَالَوَفَّى دَيْنَكَ تَعَالَ
قَدْ أَعَدَّ كُلَّ شَيْءٍ فَتَعَالَيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
ٱلْدَّمُ ٱلْغَالِي جَرَى فَوْقَ ٱلْصَّلِيبْفَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
يَمْحُو آثَامَ ٱلْوَرَى دَمُ ٱلْحَبِيبْيُوجَدُ لَكَ مَكَانْ
فَتَعَالَ رَغْمَ شَرِّكْضَعْ عَلَيهِ كُلَّ أَمْرِكْ
ٱلْعَرِيسُ قَدْ أَعَدَّ ٱلْكُلَّ ْفٱدْرِكْوَتَعَالَ لِلْمَكَانْ
عَنْ قَرِيبٍ سَوْفَ تُغْلَقُ ٱلأَبْوَابْحِينَ يَمْتَلِي ٱلْمَكَانْ
إِنْ قَرَعْتَ سَوْفَ تَسْمَعُ ٱلْجَوَابْإِمْتَلاَ كُلُّ ٱلْمَكَانْ
عِنْدَ ذَا لَيْسَ دُخُولُأَبَداً وَلاَ قُبُولُ
عِنْدَ ذَا تَبْكِي وَلاَ أَيُّ وَصُولٍلَيْسَ يُوجَدْ مَكَانْ

الصلاة: يا ساكناً في الأعالي، أيها الرب القدير والقدوس والحق. أعترف لك بذنبي، ولا أنكر إثمي. وأقر بأن وزري ثقيل وأن الأحزان تسحق قلبي. لقد سمعت صوتك أنا المقطوع الرجاء، إلا من رحمتك في يسوع الفادي. فهبني رحمة واغفر لي آثامي وأزل أثقالي. يا الله أنت إلهي، وأنا عبدك الضعيف. وقد أتيت التمس عندك الفرح، ليكون فرحك قوتي، التي أغالب فيها أحزان هذا العالم. استجب طلبتي إكراماً للفادي يسوع. آمين.

السؤال: 5 - ما هي الحجة التي دعم بها المرنم دعواه أمام الله؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - صلاة لموسى رجل الله

1يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 2مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ ٱلْجِبَالُ أَوْ أَبْدَأْتَ ٱلأَرْضَ وَٱلْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ ٱلأَزَلِ إِلَى ٱلأَبَدِ أَنْتَ ٱللّٰهُ. 3تُرْجِعُ ٱلإِنْسَانَ إِلَى ٱلْغُبَارِ وَتَقُولُ: «ٱرْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ». 4لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ. 5جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ. بِٱلْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ. 6بِٱلْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ.

يعتقد بعض المفسرين أن هذا المزمور مقتبس عن بعض الكتابات القديمة، التي فقدت مثل سفر ياشر (صموئيل الثاني 1: 18) والتي كانت مقروءة في زمن موسى. والواقع أنه حين نقرأ تثنية 32 و33 نلاحظ أن نسق هذا المزمور يشبه أسلوب موسى في الكتابة.

(1) يستهل الكاتب صلاته الرائعة بالقرار بأن الرب وحده هو الملجأ منذ القديم القديم. ويقول القديس أغسطينوس أن الكلمة دور فدور، تشير إلى العهدين القديم والجديد. والرب تجلى في العهد القديم لموسى وأعطاه الناموس، وبذلك صار خادم العهد القديم. وبالاعلان الذي أعطي له عن المسيح، صار نبي العهد الذي يتصل بالعهد الجديد (تثنية 18: 15).

في الواقع أن يسوع ضامن العهد وفاديه، قال لليهود الذين بسبب تعصبهم لناموس موسى، اعترضوا على أعمال محبته في يوم السبت «لا تَظُنُّوا أَنِّي أَشْكُوكُمْ إِلَى ٱلآبِ. يُوجَدُ ٱلَّذِي يَشْكُوكُمْ وَهُوَ مُوسَى، ٱلَّذِي عَلَيْهِ رَجَاؤُكُمْ. لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلامِي؟» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 45-47).

كم يجب أن نشكر المسيح، لأجل هذا الإعلان! إنه يبين الفرق، بين الناموس والإنجيل. إن موسى أي الناموس يشكوكم، لأن بالناموس معرفة الخطيئة. إنه يدينكم، وهو لكل المتكلين عليه خدمة الموت والدينونة. أما إنجيل المسيح فلم يقصد به أن ندان بل أن نتبرر. هكذا نقرأ «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لا يُدَانُ، وَٱلَّذِي لا يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 17 و18).

لم يأت المسيح إلى العالم كإله شاكٍ، لكي ينتقد كل إنسان ويتشاجر مع كل إنسان. أو كجاسوس على تصرفات الناس، أو ليتصيد الجرائم. كلا، فقد جاء كمدافع لا كمتهم. لم يأت لكي يباعد بين الله والإنسان، بل جاء لكي يصالح الإنسان مع الله.

لقد تنبأ موسى بصفة خاصة عن المسيح، وقال عنه: إنه نسل المرأة، الذي يسحق رأس الشيطان، ونسل إبراهيم الذي به تتبارك جميع الأمم. وقال: إنه شيلون أي المسيا المنتظر، والنبي العظيم.

(2) إن الله موجود قبل كل شيء. فهو كائن واجب الوجود، قبل أن نوجد. ولما وجدنا صار ملجأ لكل من يرجع إليه. ولسعادة البشرية أن أشواق الله تصرخ كل يوم «ٱرْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ» (ملاخي 3: 7) «فَتُوبُوا وَٱرْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ ٱلْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ» (أعمال 3: 19). ارجع إلى الله يا أخي بالتوبة، فإنه يكتنز الغفران وعنده فدى كثير، وهو يفدي من الحفرة حياتك. التجئ إليه واجعله حصن حياتك، فتحيا في سلام.

(3) إن الإنسان سريعاً ما ينسى الطينة التي أخذ منها، فيتكبر ويستعلي، والله في حكمته يريد له التواضع، لينعم بشركة الودعاء السعداء. ونتعلم من سفر الأمثال أن الكبرياء نذير للخراب، إذ يقول «قَبْلَ ٱلْكَسْرِ ٱلْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ ٱلسُّقُوطِ تَشَامُخُ ٱلرُّوحِ» (أمثال 16: 18) ويخبرنا الكتاب المقدس أن الكبرياء كانت علة خراب رئيس ملائكة. لأن العلي ساكن الأبد القدوس اسمه ضد المنتفخين، فقد قال الرسول يعقوب «يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة». والعلي نفسه تواضع بتجسده وقال «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 11: 29). وأنه خير للإنسان أن يكون صغيراً في عيني نفسه، لأن المسيح قال: «من يضع نفسه يرتفع».

(4) الإنسان في طبيعته يحب الحياة، ويهوى كثرة الأيام، ولكن الزمان في نظر الله لا حساب له. فألف سنة لديه مثل يوم أمس العابر، لا مثل الغد المقبل. لأن الأيام تحصى على أساس أنها مرت وعبرت. ويضيف المرنم قائلاً أن الألف سنة في عيني الله كهزيع من الليل، والهزيع يدوم ثلاث ساعات. ولعل المرنم قصد أن يقول إن الله لا يحده الزمن، فهو أزلي سرمدي، يملأ الزمن بمجده وعظمته. قال الرسول بطرس «أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (بطرس الثانية 3: 8) ولا بد للمتأمل بعمق في هذه الآية أن يجد فيها تحذيراً لكي لا ينخدع ويظن أن لديه وقتاً طويلاً، يمكنه فيه أن يرجع إلى الله بالتوبة.

(5) هنا يشير رجل الله إلى ناموس مكتوب في حكمة الله الخفية، فيه وضع حداً لسِني البشر الزائلين، معبراً عن ذلك بالقول «كسنة يكونون بالغداة كعشب يزول». أي سنو حياة الإنسان قصيرة، تمضي كما تمضي الأحلام. وتضمحل حياته، كما يضمحل العشب. وكأن رجل الله يقول إن سني الإنسان لا تساوي شيئاً فهي تزول سريعاً، لأنها لا تأتي لكي نلبث هنا، بل لكي نذهب.

إن وجوه الشبه بين حياة عمر الإنسان والعشب متعددة: فالعشب يُجز في الصباح فيذبل. وعند المساء يكون قد يبس. وعمر الإنسان يسقط بالموت ويذبل في الجثة، وييبس في القبر.

ولكن شكراً لله بربنا يسوع المسيح لأن حياة الإنسان لا تقاس بالسنين القليلة على أرض الآلام. ولأن الموت ليس نهايته. إنه مخلوق على صورة الله، في البر وقداسة الحق. والله أعطاه امتياز الخلود. صحيح أن جسده سيعود إلى تراب الأرض كما كان، ولكن روحه ترجع إلى الله الذي أعطاها (جامعة 12: 7)، وهذا الجسد الذي عاد إلى تراب الأرض سيقيمه الله ثانية وفقاً للقول الرسولي: «فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ ٱلْبُوقِ ٱلأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَّوَقُ، فَيُقَامُ ٱلأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هٰذَا ٱلْفَاسِدَ لا بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهٰذَا ٱلْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ» (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15: 52-53).

إن جسدنا الحاضر في هوان، وأما جسد القيامة فسيكون في مجد. لأن أجسادنا المتغيرة إلى شبه جسد مجد المسيح، لن تكون خادمة لشهواتنا وبواعثنا. ولكنها ستكون أدوات خدمة طاهرة لله. إن جسدنا الحاضر جسد حيواني طبيعي أما جسد القيامة فسيكون جسداً روحانياً. ويمكننا به أن نقدم لله العبادة الكاملة والخدمة الكاملة، والمحبة الكاملة.

الترنيمة

Table 6. 

يَا عَوْنَنَا فِي مَا مَضَى،رَجَاؤنَا ٱلْوَطِيدْ
مَلْجَأَنَا فِي ضِيقِنَامَوْطِنَنَا ٱلْمَجِيدْ
مِنْ قَبْلِ إِبْدَاعِ ٱلْثَّرَىأَوْ مَنْشَأِ ٱلْجِبَالْ
أَنْتَ إِلَهُ ٱلْمَجْدِ وَٱلْعِزَّةِ وَٱلْجَلاَلْ
نَظِيرُ أَمْسِ ٱلْمُنْقَضِيلَدَيكَ أَلْفُ عَامْ
وَكَهَزِيعِ ٱللَّيْلِ يَاحَيٌّ عَلَى ٱلْدَّوَامْ
أَيَّامُنَا كَسِنَةٍأَوْ كَلأ ٱلْحُقُولْ
يُرَى ٱلْغَدَاةَ مُزْهِراًوَفِي ٱلْمَسَا يَزُولْ
يَا عَوْنَنَا فِي مَا مَضَى،رَجَاؤنَا ٱلْمَتِينْ
كُنْ حَارِساً دَوْماً لَنَامَوْطِنَنَا ٱلأَمِينْ

الصلاة: نعم يا رب أنت ملاذنا وحصننا. وأنت رجاؤنا المكين. نشكرك لأجل صلاحك، ونحمدك لأجل رحمتك، ونهلل لك لأجل العون الذي ترسله إلينا من قدسك. إن أيام سنينا على الأرض قصيرة، فاعطنا الحكمة لكي نصرفها حسب مشيئتك، عاملين ما يرضي أمامك بيسوع المسيح ربنا. نتوسل إليك أن تذكر في عنايتك جميع مواطنينا، فترسل نورك وحقك إلى القلوب، لكي تتغير من حالة الخطية إلى حالة البر. هذا نطلبه باسم يسوع. آمين.

السؤال: 6 - من هو كاتب المزمور وماذا تعرف عن مصادره؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - تتمة

7لأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ وَبِغَضَبِكَ ٱرْتَعَبْنَا. 8قَدْ جَعَلْتَ آثَامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضُوءِ وَجْهِكَ. 9لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ ٱنْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. 10أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ ٱلْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعاً فَنَطِيرُ. 11مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ، وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ.

(7) لقد تسلط الموت على الناس بسبب الخطية. لأن الخطية أثارت سخط الله، فحكم بالموت وفناء الجسد على الإنسان. وذلك منذ سقوط الإنسان الأول، كما هو مكتوب «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (الرسالة إلى رومية 5: 12).

العالم غارق في طوفان من النكبات، ومليء بالموت. وإذا ما بحثنا عن المصدر الذي يغذيه بهذه وتلك، وجدنا أنها خطية آدم الأول. فقبل سقوط آدم قال الله عن الخليقة «إن كل شيء حسن جداً» (تكوين 1: 31) لقد سبق أن دخلت الخطية عالم الملائكة، حين خرج عدد منهم عن ولائهم، ولم يحفظوا رياستهم، فسقطوا من الكمال وطردوا من مجمع الله. وهكذا لما عصى آدم ولم يحفظ عهده مع الله، طرد من فردوس الله، فهام على وجهه في العالم. ومنذئذ دخلت الخطية العالم ومعها الموت. وبما أن الجميع أخطأوا اجتاز الموت إلى الجميع. والمعنى أن كل فرد من أفراد البشر خاطئ أمام الله. ويلزم من ذلك أن كل إنسان مفتقر إلى بر الله. وهذا ما أشار إليه بولس حين قال «إِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ» (رومية 5: 18). قال أحد المفسرين معلقاً على هذه الآية: إن كانت خطية آدم قد عرضته ونسله لكل العقابات المترتبة على الخطية، كالموت والدينونة. فإن إطاعة المسيح للناموس وآلامه من أجل الإنسان منحت الهبة للجميع للتبرير، الذي يتضمن النجاة من الموت الثاني والحصول على رضى الله والسعادة الأبدية في السماء.

وفي تعبير آخر كما أن الدينونة شملت جميع الناس بسبب الخطية، فإن البر شمل الجميع. ومعنى ذلك أن عمل المسيح ذو قدرة على التبرير العام، وأن طريق النجاة معدة لكل من وجبت عليه الدينونة، شرط أن يؤمن.

(8) إن آثام البشر معروفة عند الله. لأنه فاحص القلوب والكلى، وليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعينيه (الرسالة إلى العبرانيين 4: 13) إنه يميز أفكار القلب ونياته، وعينه ترى كل البواطن. أي أن الله لا يغض النظر عن خطايا الناس، بل يسخط بسببها لأنها ضد قداسته. ولكنه بقدر ما يكره الخطية، يحب الخاطي ويقبل توبته ويغفر إثمه. هكذا نقرأ: «فَٱللّٰهُ ٱلآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ ٱلْجَهْلِ» (اعمال 17: 30).

(9) في هذه الآية تأكيد على أن خضوع البشر للموت، إنما هو قصاص، ولكن المسيح بموته النيابي كسر شوكة الموت وغلب الهاوية (كورنثوس الأولى 15: 55). لا ريب في أن الناس يرهبون سطوة الموت. ولعل أكبر أسباب الخوف من الموت يعود إلى الإحساس بالخطية. أما المؤمن الذي تبرر بدم المسيح فلا يخاف الموت.

قال أحد الأتقياء: إن الموت بالنسبة لي مجرد مغامرة عظيمة. ولكنها مغامرة سعيدة ستنقلني إلى ديار الرب.

في اعتقادي أن إحساس الإنسان بالخطية الذي يسبب له الخوف من الموت. يأتي من إحساسه بأن الله مجرد ناموس للبر. لأن هذا الإحساس يجعله في مركز الجاني القابع في قفص الاتهام أمام القاضي الأزلي، بلا أمل في العفو. ولكن المسيح جاء لكي يخبرنا بأن الله ليس هو الناموس بل المحبة. وأن الإنسان الذي تبرر بالإيمان لن يمثل أمام قاضٍ، بل أمام أب طالما انتظر عودة أبنائه إلى حظيرة البيت.

(10) هذه الكلمات تعبر عن قصر الحياة هنا وشقائها وبؤسها. وكأني بالمرنم يقول: إن من يصلون إلى سبعين سنة يحسبون في عداد الشيوخ. وعلى أي حال إذا وصلوا إلى الثمانين، قد تكون فيهم بعض القوة. أما إن تجاوزوا هذا الحد فإن وجودهم يصبح متعباً لهم بسبب الضعف والأحزان. ولذلك نرى كثيرين من الشيوخ المتعبين، يتمنون أن تمر سنوهم بسرعة. وهكذا تنقرض سريعاً فتطير.

في أيامنا يسعى العلماء لرفع معدل طول الحياة. وإلى الآن كانت نتيجة أبحاثهم تقليل عدد الوفيات عند الأطفال. ولكن لو أنهم وجدوا أكسيراً ما يطيل سنى الحياة، فهذا لن يغير شيئاً من الحقيقة المؤملة القائلة «إنه وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ» (الرسالة إلى العبرانيين 9: 27). ولكن حمداً لله، لأن النعمة تصرح: إن لا شيء من الدينونة على الذين هم في المسيح لأن المسيح بررهم فانتفى عنهم حكم الدينونة. هذه فرصة العمر لك يا أخي أن تقبل يسوع مخلصاً فيبررك ويعطيك نصيباً مع المقدسين الذين افتداهم وتبناهم لله.

(11) قليلون هم الذين يعرفون قوة غضب الله. وخصوصاً في وقت الرعب السابق للنهاية، الذي وصفه يوحنا الرائي هكذا «وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَٱلْعُظَمَاءُ وَٱلأَغْنِيَاءُ وَٱلأُمَرَاءُ وَٱلأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ ٱلْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَٱلصُّخُورِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ ٱلْحَمَلِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ» (رؤيا 6: 15-17).

إنه رعب عام، يشمل كل طبقات البشر، فلا ينجو أحد من العقاب، ولا بد أن يقع الكل تحت سلطان الله. وفي الرؤيا، يرى يوحنا البشر يبحثون عن ملجأ للهروب من غضب الله. أليس غريباً أن أول ما يفعله الخاطي هو محاولة الاختباء؟ ومع ذلك هكذا فعل آدم في جنة عدن بعد سقوطه، إذ اختبأ بين أشجار الجنة! (تكوين 3: 8). إن الخطية ترعب الإنسان من محضر الله ولكني أقول لك لا تخف ولا يرتعب قلبك، لأن عمل يسوع هو أن يعيد الصلة بينك وبين الله. لقد صار من أجلك خروف الله، وغضب الخروف هو غضب المحبة الراغب في خلاصك.

الترنيمة

Table 7. 

أُمْكُثْ مَعِي يَا سَيِّدِيفَٱلْغَمْرُ غَطَّى جَسَدِي         
وَٱلْوَهْنُ قَدْ أَعْيَا يَدِيوَلَيْسَ لِي مِنْ مُنْجِدِ         
فَٱمْكُثْ مَعِي يَا سَيِّدِيفَٱمْكُثْ مَعِي يَا سَيِّدِي         
مَوْلاَيَ قَدْ مَالَ ٱلْنَّهَارْوَلَيْسَ لِلْسَّعِي ٱقْتِدَارْ         
وَٱلْعُمْرُ وَلَّى كَٱلْغَمَامْوَقَدْ دَنَى وَقْتُ ٱلْمَنَامْ         
فَلاَ ٱلْدُّجَى يُرْعِبُنِيوَلاَ ٱلْعِدَى تَغْلِبُنِي         
وَلَسْتُ أَرْهَبُ ٱلْرَّدَىإِذْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمُرْشِدَا         
يَا مَوْتُ أَيْنَ شَوْكَتُكْيَا قَبْرُ أَيْنَ صَوْلَتُكْ         
لَبِسْتُ ثَوْبَ ٱلْظَّافِرِلأَنَّ رَبِّي نَاصِرِي         
إِنْ جُزْتُ فِي وَادِي ٱلْبُكَاأَرَاهُ مَأْنُوساً بِكَ         
فَفِي مَمَاتِي وَٱلْحَيَاةْإِنِّي نَذِيرٌ لِلإِلَهْ         

الصلاة: يا سيدي الرب، أنت إلهي. عليك أتكل قلبي فلا تتركني بل امكث معي. أنا في حاجة إليك، ولا أريد الانفصال عنك. امنحني قوة للثبات فيك، للثبات في حبك، للثبات في كلامك. أشكرك من أعماق قلبي لأجل الفداء العظيم الذي بررني من حكم الدينونة، ونجاني من الغضب الذي سيستعلن في يوم الدين، وهذا ليس لبر بأعمال عملتها، بل بمقتضى نعمتك الغنية بالغفران. اقبل شكر قلبي يا إلهي. آمين.

السؤال: 7 - لماذا تسلط الموت على الناس وماذا كانت النتيجة لذلك؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتِّسْعُونَ - تتمة

12إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هٰكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ.

13اِرْجِعْ يَا رَبُّ. حَتَّى مَتَى؟ وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ. 14أَشْبِعْنَا بِٱلْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا. 15فَرِّحْنَا كَٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، كَٱلسِّنِينِ ٱلَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرّاً. 16لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ وَجَلالُكَ لِبَنِيهِمْ. 17وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ.

(12 و13) ابتداءً من هذه الآية، يتقدم الكاتب بمجموعة من الطلبات، أولاها سؤال الرب الإله أن يعلمنا حكمة إحصاء الأيام لكي نغتنم كل فرصة تمكننا من أن نكسب الخير ونفعله، مفتدين الوقت من الاتلاف.

هذا هو السلوك بالتدقيق الذي دعا الرسول بولس أهل أفسس إليه، لكي لا يميلوا عن سنن القداسة والطاعة لله، كما يليق بأولاد نور. وعلل دعوته بكون الأيام شريرة تكثر فيها التجارب القوية. فما على المؤمن أن يفعله، يجب أن يفعله بسرعة (أفسس 5: 15 و16). وقد نبه المسيح تلاميذه على وجوب انتهاز الفرص في مثل قاضي الظلم، إذ قال «إِنَّ أَبْنَاءَ هٰذَا ٱلدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ ٱلنُّورِ فِي جِيلِهِمْ» (الإنجيل بحسب لوقا 16: 8).

وهو أيضاً السلوك بحكمة، الذي طلب الرسول بولس إلى أهل كولوسي أن يمارسوه، تجاه الذين هم من خارج (كولوسي 4: 5) فالمسيحي مدعو أن يتصرف بحكمة، وخصوصاً بوداعة. لكي لا يترك لدى السامع شعوراً بأنه أعلى منه، أو بأنه رقيب يحصي عليه زلاته. وفي ممارسة هذه المسؤوليات، يجب على المسيحي أن يفتدي الوقت منتهزاً كل فرصة لعمل ما يرضي الله في خدمة الناس.

إن العمل اليومي والحياة اليومية يقدمان للمؤمن باستمرار الفرص المؤاتية للشهادة لعمل نعمة الفادي للتأثير على الناس، واكتسابهم للرب، وفقاً لقول المسيح «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 16).

إن الكنيسة تقدم لأعضائها فرصاً طيبة للتعليم، أو للزيارات، أو للعمل الصالح. ولكن للأسف فهنالك كثيرون لا يشتركون في نشاطات الكنيسة، لكأنهم يرفضون بإصرار هذه الفرص، مفضلين استهلاك الوقت في الكسل، أو في ممارسات ليست بحسب مشيئة الله.

لقد علل بولس الدعوة لافتداء الوقت، بكون الأيام شريرة وعسيرة، مما يجعل فرص الكسب نادرة جداً. لأن سوق الفضيلة في كساد، وسوق الرذيلة في رواج. فالعالم كله وضع في الشرير. وعدو الخير يريد اغتنام كل فرصة لمصلحته. فلا يرى باباً مفتوحاً للخير، إلا ويسعى في إغلاقه.

لذلك وضعت الضرورة على أبناء النور، لكي يتسلحوا بالحكمة الغيورة لله ويتقدموا لخدمة النفوس الضالة. ومَن غير المستنير بنور الله يستطيع أن يميز الأوقات، ويتذوق ما هو مرضي عند الرب؟

إن كنت تشعر بعدم حيازتك حكمة إحصاء الأيام وافتداء الوقت، فليس المعنى أن الفرصة قد فاتتك. فالرب مصدر الحكمة وكل نعمة، مستعد أن يهبك بكل غناء. هكذا قال الرسول يعقوب «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُعْطِي ٱلْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلا يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يعقوب 1: 5).

(14) يسأل الله في هذه الطلبة أن يشبعه الرب الإله من رحمته، لتكون حياته مفعمة بالبهجة. وحقاً ما أحلى أن ينهض المرء في الصباح، فيجد نفسه جائعاً لبر الله، فيفتتح يومه بالصلاة، وسرعان ما يشبعه الله، وفقاً لقول المسيح: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (الإنجيل بحسب متى 5: 6). يشبعهم المسيح لأن أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد (مزمور 16: 11).

قال المرنم «أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ. أَشْبَعُ إِذَا ٱسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مزمور 17: 15) هذا هو نصيب المؤمن أنه بالبر الذي من الله بالمسيح يشبع، وينظر وجه الله ويتمتع بالشركة معه. هذا هو الشبع من رحمة الله. فما أعظم الفرق بين نصيب المؤمنين ونصيب أبناء هذا الدهر! فأبناء هذا الدهر يحاولون عبثاً إشباع نفوسهم من أشياء هذا العالم الفانية. أما المؤمنون فيشبعهم أنهم بالبر يرون الله في شخص يسوع، الذي جسد رحمة الله.

(15 و16) يلتمس رجل الله التعزية من الهم، لكي يفرح بعد الوقت الطويل الذي عانى خلاله من الذل. ويدعم سؤله بكون التعزيات الإلهية وسيلة لله لكي يظهر ذاته لعبيده كإله تعزية ورحمة. وهذا يمهد السبيل لإظهار جلاله للأبناء بعد الآباء. وهكذا تنتشر الشهادة لعمل النعمة المخلصة.

لا ريب أن الصعوبات التي يواجهها المؤمن كثيرة وقاسية. وعلى المؤمن أن يتسلح بالإيمان، للوقوف في وجه التجارب والانتصار عليها. قال أحدهم لمسيحي متألم: إن الصعوبات والآلام تغير لون الحياة أليس كذلك؟ فأجابه قائلاً: نعم، ولكن أنا الذي اختار اللون الجديد.

حين تنتابنا الصعاب ويعصف بنا الألم، لنذكر أننا لسنا متروكين لنواجه الارزاء وحدنا. بل إن تعزية الله معدة لنا بالروح القدس، وإن رحمة الله هي لنا كل يوم. اطمئن يا أخي فكلمة تعزية في العهد الجديد تعني أكثر مواساة مسكنة ومهدهدة للألم. إنها تؤدي إلى معنى الشجاعة، التي تمكن الإنسان من كفاح الإيمان. والمعزي هو الروح القدس، الذي هو الله فينا. ومن كان الله فيه يستطيع أن يغلب التجارب ويقود سفينة حياته إلى شاطئ السلام.

(17) يختم رجل الله هذا المزمور المجيد بصلاة مفعمة بالخشوع، طالباً فيها نعمة الله، لتجعل أيدينا وأعمال أيدينا مستقيمة. هناك ركن في الحياة المسيحية تنبع منه كل الأعمال الصالحة، وهو الإيمان العامل بالمحبة. وما أحلى ما قاله رسول الجهاد العظيم بولس في هذا الصدد «نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10). فإيماننا العامل بالمحبة ليس منا، بل من الله بيسوع المسيح. وإذا تأملنا في كلمة الله بعمق نكتشف أن قصد الله قبل أن خلقنا كان لكي نسلك في الأعمال الصالحة، التي أعدها وأعطانا النعمة للقيام بها.

ولكن يجب أن نذكر أن الأعمال الصالحة التي نقوم بها، ليست علة خلاصنا وإنما هي ثمرة خلاصنا. هذه حقيقة عظيمة تدعونا إلى رفع الشكر لله، لأنها تعلمنا ضمناً، أننا في الخليقة الجديدة التي تصنع البر، تظهر إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.

الترنيمة

Table 8. 

أَنْتَ صَخْرِي يَا يَسُوعْبِكَ لِي ظِلٌّ عَظِيمْ
لَكَ فِي عُرْيٍ وَجُوعْيُقْبِلُ ٱلْخَاطِي ٱلأَثِيمْ
مَا لِنَفْسِي مِنْ صَلاَحْتَلْتَجِي فِيهِ إِلَيكْ
بِسَقَامٍ وَجِرَاحْيَقِفُ ٱلْعَبْدُ لَدَيْكْ
أَشْبِعِ ٱلْعَبْدَ ٱلْفَقِيرْرَحْمَةً تَنْفِي ٱلْخَطَرْ
وَٱكْسُهِ ٱلثَّوْبَ ٱلْمُنِيرْوَٱخْلُقَنْ فِيهِ ٱلْبَصَرْ
لَيْسَ لِي إِلاَّ ٱلشَّقَاءْيَا حَبِيبِي وَٱلسَّقَامْ
أَنْتَ تَعْطِينِي ٱلشِّفَاءْوَخَلاَصاً وَسَلاَمْ
أَنْتَ رُكْنِي وَٱلنَّصِيبْأَنْتَ فَادِيَّ ٱلْحَنُونْ
لِي عَزَاءٌ بِٱلصَّلِيبْسِيَّمَا عِنْدَ ٱلْمَنُونْ
يَا مُنَجِيَّ ٱلْعَزِيزْمِنْ عُلَى ٱلْمَجْدِ تَعَالْ
أَنْتَ كُنْ حِصْناً حَرِيزْلِي وَتَاجاً لِلْجَمَالْ

الصلاة: يا رب صخرتنا وولينا، لك شكرنا وحمدنا، لأجل مراحمك الغنية بالغفران. نعترف أمامك بأنه ليس فينا شيء صالح. وإن كان فينا حب للخير فهو من صنعك. إننا نعيش من نعمتك، التي تأنت علينا ولم تشأ أن نهلك، بل أن نقبل إلى التوبة. جدد توبتنا يا إلهنا كل يوم. وثبتنا في إيماننا واجعله عاملاً بالمحبة. نقر بأننا عبيد بطالون، لأننا لم نعمل ما علينا، لذلك نلتمس أن تشبعنا بالغداة من رحمتك، فنفرح كل أيام حياتنا. آمين.

السؤال: 8 - ما هي الطلبات التي تقدم بها رجل الله؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ - امتياز الثقة

1اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ ٱلْعَلِيِّ فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ. 2أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلٰهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». 3لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ. 4بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ. 5لا تَخْشَى مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلا مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي ٱلنَّهَارِ، 6وَلا مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِي ٱلدُّجَى، وَلا مِنْ هَلاكٍ يُفْسِدُ فِي ٱلظَّهِيرَةِ. 7يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لا يَقْرُبُ. 8إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ ٱلأَشْرَارِ.

في القديم كان أبناء الشعب يتلون هذا المزمور كصلاة للوقاية في أثناء الحروب أو الأوبئة. واستعمال المزامير كصلوات تتلى في المناسبات الخاصة، ما زال معمولاً به في بعض الأوساط المسيحية.

(1 و2) «الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت» عبارات حلوة يتضوع منها عبير اليقين بعناية الله الحافظة المؤمن. فلا عجب أن يتلو هذا المزمور كثيرون من الأتقياء ساعة يأوون إلى مضاجعهم. ويقيناً أن الذي يسكن في حمى القدير، يستطيع أن ينام مطمئناً قرير العين، حتى ولو أحاط به المضايقون. هكذا كانت الحال مع بولس وسيلا، حين ألقيت عليهما الأيادي وطرحا في سجن فيلبي، ووضعت أرجهلما في المقطرة.

يخبرنا لوقا أن ولاة الأمر في فيلبي ألقوا القبض على بولس وسيلا ومزقوا ثيابهما، وأمروا بأن يضربا بالعصي «فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي ٱلسِّجْنِ، وَأَوْصُوا حَافِظَ ٱلسِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هٰذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي ٱلسِّجْنِ ٱلدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي ٱلْمِقْطَرَةِ» (أعمال 16: 22-24).

ومع أنهما ضربا بالعصي كثيراً وبقسوة، ومع أن المقطرة التي كانت آلة تعذيب تجعل المغلول بها يتأوه ويصرخ، فإن بولس وسيلا لم يصرخا، بل كانا يصليان ويسبحان الله على مسمع من المسجونين (أعمال 16: 25).

ما كان في وسعهما الجثو للصلاة لكنهما استطاعا أن يرفعا القلب والصوت إلى السماء. لم يعولا لما أصابهما، ولم يتذمرا على الله، لأنه جعل ذلك من عواقب إطاعتهما لأمره، في رؤيا ترواس. لكنهما وجدا في كل ذلك ما حملهما على الصلاة والتسبيح. ولعلهما في صلاتهما شكرا الله لأنهما حُسبا مستأهلين أن يهانا من أجل اسم الرب. لقد سبحا والتسبيح ينبع من الفرح، وهكذا تمما قول المسيح «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 5: 11 و12). هذه الحادثة تعلمنا ثلاث حقائق مهمة:

  1. إن الديانة المسيحية تنشئ فرحاً داخلياً لا ينزعه شيء من الأحوال الخارجية حتى ولو كانت بالغة السوء.

  2. إن أعداء المسيحي مهما قسوا عليه، لا يستطيعون أن يسلبوه سروره. فإن حرموه كل المنافع، فلن يستطيعوا أن يحرموه نعمة الله.

  3. من شأن الضمير الصالح أن يمنح صاحبه وهو في السجن سلاماً وسعادة، لا يتمتع بهما أي غني مترف في هذا العالم.

(3) يقول أغسطينوس: إن الصياد هنا هو الشيطان، والفخ هو التجربة التي يعترض بها سبيل المؤمن. ولكن المتكل على الله يستطيع أن يحتمل كل متاعب هذا العالم. لأن المسيح رفيق دربه وحامل النير معه. لهذا لا يسقط في شراك إبليس. ولا يروعه أي خوف لأنه ممكن في الله، قلبه ثابت.

إن النجاة من فخ الصياد بركة عظيمة فعلاً، لأنها حصيلة السلوك في المسيح. اجعل المسيح طريقك تحفظ نفسك، والشيطان لا يمسك. لأن الشيطان يبث فخاخه على جانب الطريق، وليس على الطريق.

(4-6) في هذه الآية يعلن المرنم حقيقة مهمة جداً، وهي أن الله يتولى حماية المؤمن، فالتظليل بالخوافي والاحتماء بالأجنحة، يعنيان أن الله يضع المؤمن في حضن عنايته، التي تحقق له الحماية والأمن والسلام والراحة. وقد عبر المسيح عن هذه العناية بقوله «أَبِي ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلْكُلِّ، وَلا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 29). فالآب أعظم من كل قوات الأبالسة والجحيم. إنه كلي القدرة، وقدرته تنشغل بالحفاظ على القديسين، بحيث لا تستطيع قوة ولا سلطة في الوجود أن تحرمهم من النعمة التي لهم، أو تمنع حماية الله عنهم.

المؤمن المحاط بعناية الله لا يخاف من شر، يفاجئه في الليل. وهو متسربل بترس الإيمان الذي يقدر به أن يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة، التي تتطاير في النهار (أفسس 6: 16). والتي تمثل الشكوك والأفكار الكفرية والشهوات الدنسة، التي يحاول الشيطان أن ينفثها في صدور الناس. ويستخدم عدو الخير بعض هذه السهام الشيطانية ضد المؤمنين، محاولاً أن يهيج فيهم الشهوات الردية، والتذمر والحسد والطمع والكبرياء، ولا واقي منها إلا الإيمان والثقة بالمواعيد الإلهية، والنظر إلى يسوع بالصبر والخضوع لإرادته، والتسليم لمشيئته. والإيمان يوحدنا بالله، فيصير الله نفسه ترسنا. هكذا قال لأبرام «لا تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ» (تكوين 15: 1).

(7 و8) قال أغسطينوس: إن الآية 7 خاصة بالمسيح، الذي حين رآه سمعان الشيخ قال لأمه بروح النبوة «إِنَّ هٰذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ» (الإنجيل بحسب لوقا 2: 34) وبالفعل فإن يسوع صار صخرة عثرة للأمة اليهودية التي رفضت الاعتراف بإنسانيته. ولكنه صار علة إنهاض لجميع الساقطين، الذين يتضعون بالتوبة ويؤمنون به. وتبين من هذا أن المسيح رائحة موت لموت للبعض، ورائحة حياة لحياة لبعض آخر (كورنثوس الثانية 2: 16).

ويرى بعض المفسرين أن الآية 7 تنطبق على المؤمن إذ يقف وقفة المشاهد المتأسف على سقوط الناس حوله في الإثم، ويدرك أن مصيرهم في النهاية إلى الهلاك، إن لم يتوبوا.

الترنيمة

Table 9. 

أَمَّا أَنَا أَنَا وَبَيْتِيفَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ
عِبَادَتِي أَنَا وَبَيْتِيتَزِيدُنَا قُرْبَا
هَيَا ٱذْكُرُوا كَمْ قَادَنَابِنُورِ سُحْبٍ أَوْ بِنَارْ
كَمْ كَانَ هَادِياً لَنَاوَٱلْمَنَّ أَعْطَى فِي ٱلْقِفَارْ
هَيَّا ٱحْمَدُوا رَباً لَكُمْهَيَّا ٱعْبَدُوهُ بِٱفْتِخَارْ
إِنْ كَانَ ذَا يُسِيئُكُمْتَعَقَّلُوا فِي ٱلإِخْتِيَارْ
أَمَّا أَنَا أَنَا وَبَيْتِيفَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ
عِبَادَتِي إِلَى إِلَهِيتَزِيدُنِي قُرْبَا
تَكْرِيسُ نَفْسِي لَذَّتِيفَٱلرَّبُّ نُورِي لاَ سِوَاهْ
مُمْتَلِكاً إِرَادَتِيعَقْلِي وَقَلْبِي فِي رِضَاهْ
هَيَّا ٱعْبَدُوا مَعِي ٱلإِلَهْهَيَّا ٱنْهَلُوا مَاءَ ٱلْحَيَاةْ
أَوْ بِٱخْتِيْارِكُمْ سِوَاهْفَٱلشَّرُّ لاَ نَدْرِي مَدَاهْ
أَمَّا أَنَا أَنَا وَبَيْتِيفَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ
مُكَرِّساً لَهُ حَيَاتِيفَتَنْقَضِي حُبَّاً

الصلاة: أيها السيد الرب إلهنا، نعظم اسمك الكريم. ونباركك لأجل العناية الراحمة التي تحيطنا بها. ولأنك لا تعاملنا بحسب أعمالنا، بل تعاملنا بحسب محبتك الغافرة. نعترف أننا لسنا أهلاً للرضى، ولكننا نتوسل إليك بالمسيح فادينا، الذي أرضاك نيابة عنا، فهو شفيعنا أمامك. وبه نتقدم إليك بالقلب التائب، سائلين أن تقبل توبتنا، وأن تثبتنا فيها. آمين.

السؤال: 9 - في أي مناسبات يتلو بعض الناس المزمور 91؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلتِّسْعُونَ - تتمة

9لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ ٱلْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، 10لا يُلاقِيكَ شَرٌّ وَلا تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ. 11لأَنَّهُ يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ. 12عَلَى ٱلأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. 13عَلَى ٱلأَسَدِ وَٱلصِّلِّ تَطَأُ. ٱلشِّبْلَ وَٱلثُّعْبَانَ تَدُوسُ. 14لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ ٱسْمِي. 15يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي ٱلضِّيقِ. أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. 16مِنْ طُولِ ٱلأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاصِي.

(9) يظن كثيرون أن الله مجرد ملجأ من الاضطهاد الزمني، بينما حمى العلي أسمى وأعظم من ذلك بدرجة فائقة. فهو الملاذ الأمين، الذي يستطيع المؤمن المغسل بدم المسيح، أن يهرب إليه من الغضب الآتي، الذي سماه إشعياء النبي بيوم الانتقام (إشعياء 34: 8).

قد نتضايق من كلمة انتقام، لأننا نعيش في ظل العهد الجديد، الذي هو عهد النعمة المتفاضلة جداً. ولكن إن كان الله في عدله قد عين يوماً للنقمة، فهو في محبته عين سنة للنعمة. سنة فيها يكثر الغفران والخلاص. وهذه السنة السعيدة، ابتدأت في المسيح ولم تنته إلى الآن. وقد عبر عنها النبي بالسنة المقبولة (إشعياء 61: 2) لأنها متاحة لكل إنسان مدة حياته على الأرض.

(10) عندما تنتهي أيام المؤمن على أرض الآلام ينتقل إلى أورشليم السماوية، التي لقبها يوحنا مسكن الله مع الناس (رؤيا 21: 3) هناك لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم (رؤيا 7: 16 و17). ففي تلك المساكن في جوار الله يكون المؤمن في مأمن من الشر والأمراض وكل ضربة. وترسم لنا كلمة الرائي الملهم صورة للراعي الصالح المعتني بقطيعه، الذي يقود خرافه إلى المراعي الخضراء، ويوردها إلى مياه الراحة، بحيث لا تجوع و لا تعطش. والراعي الصالح يمسح كل دمعة من العيون. إنه يشبع الجسد ويعزي القلب هنا، بانتظار الانتقال إلى منازل الآب هناك.

(11-13) يعتقد ثقات المفسرين وفي مقدمتهم أغسطينوس أن هذه الآيات خاصة بالمسيح. وقد اقتبسها الشيطان ليجرب المسيح. ويبدو أن رأيهم بما جاء في الإنجيل «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ... وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» (الإنجيل بحسب لوقا 4: 9-11).

وكان يسوع وقتئذ على جناح الهيكل، وكانت التجربة مغرية جداً، فللمسيح الحق أن تخدمه الملائكة. وبكونه ابن الله، فالهيكل أليق مكان يوجد فيه. وفي تلك الأيام، كان أحد الكهنة يصعد كل صباح إلى سطح الهيكل، حاملاً البوق لينفخ فيه، عندما تلوح تباشير الصباح، ليعلن للناس أن موعد ذبيحة الصباح قد حان. فلماذا لا يقف يسوع هناك، ويلقي بنفسه إلى فناء الهيكل، ليبهر أبناء الشعب، من ثم يتبعونه؟ ألم يقل ملاخي النبي «وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ ٱلسَّيِّدُ ٱلَّذِي تَطْلُبُونَهُ» (ملاخي 3: 1).

وفوق هذا خلع الشيطان على تجربته هذه طلاء دينياً زائفاً، ولكنه براق جذاب يأخذ بمجامع القلوب. وكانت في ظاهرها تعبير عن انتظارات رؤساء الكهنة والفريسيين، الذين كانوا يتوقعون آية من المسيح، ليؤمنوا به.

فلو أقدم يسوع على إجابة رغبة الشيطان، وألقى بنفسه من فوق قمة الهيكل أمام الكهنة، لرأوا فيه المسيا المنتظر، ولأسرعوا للمناداة به ملكاً. ولكن شكراً له، لأنه تغلب على التجربة ورفض الإغراء. وتابع خطواته نحو الصليب. لإكمال الفداء.

أرأيت كيف أن الكلمة المتجسد رد على المجرب بكلمة الله المكتوبة. أجابه: قيل، لا تجرب الرب إلهك. فبين بهذا أن إلقاء الإنسان نفسه في أشداق المخاطر لغير ضرورة ليس سوى تحد لعناية الله. وأن الإيمان الذي يشترط العجائب، ليس بالحقيقة إيماناً، بل هو شك يبحث عن برهان. اذكر يا أخي أن قدرة الله المخلصة ليست وسيلة للعبث، بل هي حقيقة يجب أن تثق بها في هدوء خلال حياتك اليومية.

(14) في هذه الآية وصف لعمل عناية الله المحيطة بالمؤمن. فالله أقامه مع المسيح، وأجلسه معه في السماويات. ولأنه تعلق بالله ووضع محبته فيه نجاه. ولأنه عرف اسمه المبارك، أصعده من جب الهلاك. ورفعه بالإيمان فصار يطلب ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله (كولوسي 3: 1).

(15) عندما يحل بك الضيق، لا تخف، كأن الرب تخلى عنك. ليكن لك الإيمان بعناية الله، وادعه يستجب لك، وفقاً لقوله «وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ» (إشعياء 65: 24) هناك أمواج تلاطم سفينة حياتك. ولكن اذكر أن المسيح نائم فيها وتستطيع أن توقظه بصلاة الإيمان. وعندئذ ينتهر الريح والأمواج، فيصير هدوء شامل.

(16) شكراً لله لأجل أناته الطويلة. إنه يتأنى ولا يشاء أن يهلك أناس. بل أن ينالوا خلاصه المعد بالمسيح يسوع، الذي يعطي كل من يؤمن الحياة الأبدية. فلنحبه بكل إخلاص، ولنمجد اسمه القدوس بسلوكنا كأولاد نور، غير مهتمين بالأمور الفانية «عاملين ما يرضي أمامه بيسوع المسيح ربنا».

الترنيمة

Table 10. 

لَيْسَ حُبٌّ مِثْلَ حُبِّيبِدَمٍ غَالٍ فَدَيْتٌكْ
يَا بُنَيَّ ثِقْ بِوَعْدِيعَلَى كَفَيَّ نَقَشْتُكْ
قرار 
هَلِلّويَا - هَلِلّويَاأَهْتِفُ أُمَجِّدُ ٱسْمَكَ
وَعْدُكَ ٱلأَمِينُ بَاقٍعَلَى كَفَيَّ نَقَشْتُكْ
إِنَّنِي ٱلرَّبُّ ٱلْقَدِيرْبِأَمَانَةٍ وَعَدْتُكْ
إِنَّنِي لَنْ أَنْسَاكَ يَوْماًعَلَى كَفَيَّ نَقَشْتُكْ
حِيْنَمَا ٱلْعِدَى تَشُنُّحَرْبَهَا كَيْ مَا تَرُدَّكْ
فِي حِمَى يَدَيَّ تَهْنَاعَلَى كَفَيَّ نَقَشْتُكْ
عِنْدَ عَرْشِ ٱلآبِ لَمَّاأَشْفَعُ لاَ أَنْسَى ذِكْرَكْ
أَنْتَ مَوضُوعُ ٱهْتِمَامِيعَلَى كَفَيَّ نَقَشْتُكْ

الصلاة: عظيمة هي محبتك، أيها الرب إلهنا، لأنك دعوتنا لنتحاجج معك في أمر خطايانا، نعترف ولنا خزي الوجه بأن لا حجة لنا. ولكن نشكرك لأجل يسوع المسيح الذي بموته عنا صار حجة أمامك لكي تغفر لنا خطايانا وتطهرنا من كل إثم. أعطنا القوة لكي نحتفظ بالنقاوة، التي صارت لنا، بعد أن غسلنا المسيح بدمه المبارك. آمين.

السؤال: 10 - ماذا كان قصد الشيطان من تجربة المسيح؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلتِّسْعُونَ - تسبيحة لله

1حَسَنٌ هُوَ ٱلْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَٱلتَّرَنُّمُ لٱسْمِكَ أَيُّهَا ٱلْعَلِيُّ. 2أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي ٱلْغَدَاةِ وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ 3عَلَى ذَاتِ عَشْرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى ٱلرَّبَابِ عَلَى عَزْفِ ٱلْعُودِ. 4لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ. 5مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ وَأَعْمَقَ جِدّاً أَفْكَارَكَ. 6ٱلرَّجُلُ ٱلْبَلِيدُ لا يَعْرِفُ وَٱلْجَاهِلُ لا يَفْهَمُ هٰذَا. 7إِذَا زَهَا ٱلأَشْرَارُ كَٱلْعُشْبِ وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى ٱلدَّهْرِ. 8أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَالٍ إِلَى ٱلأَبَدِ. 9لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ. 10وَتَنْصِبُ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ ٱلْوَحْشِيِّ قَرْنِي. تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ. 11وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ، وَبِٱلْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِٱلشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ.

12اَلصِّدِّيقُ كَٱلنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَٱلأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. 13مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلٰهِنَا يُزْهِرُونَ. 14أَيْضاً يُثْمِرُونَ فِي ٱلشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَاماً وَخُضْراً 15لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ ٱلرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلا ظُلْمَ فِيهِ.

هذا المزمور يدل عنوانه على أنه يناسب الأيام المقدسة، فهو يدعو للعبادة، ورفع الشكر لله ويقول علماء الكتاب المقدس أن هذا المزمور كان معيناً ليوم السبت، بينما المزامير الأخرى معينة لأيام الأسبوع الأخرى، حين كانت تقام الخدمة بعد العودة من السبي.

(1-5) يستهل الكاتب كلامه بحمد الإله المعتني بمخلوقاته، ويترنم لاسم العلي ساكن الأبد القدوس اسمه. وقد أشاد برحمته الواجب أن يخبر بها في الصباح، ونوه بأمانة الله المرافقة، وحض على أن يستصرخها المؤمن كل ليلة، ويسبح الله ويثني عليه. فهو إله كثير الرأفة، لطيف بالبشر. لذلك يليق بالمؤمن أن يترنم لاسمه المبارك، مع العزف على الآلات الموسيقية.

وإنه لمن الملذ لنا، أن نرى هنا أن الكنيسة المسيحية كانت منذ بدء عهدها تمارس عبادة الترنم. وكان الترنيم موضوعاً لوصية الرسول بولس إذ قال: «لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ ٱلْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ» (كولوسي 3: 16) وقد ورثت الكنيسة الترنيم من اليهود إذ يخبرنا فيلو الفيلسوف والمؤرخ أن اليهود كانوا أحياناً يقضون الليل كله في الترنيم والإنشاد. ومن الأوصاف الأولى للعبادة المسيحية ما كتبه بليني الوالي الروماني على بيثينية في التقرير، الذي دفعه للأمبراطور الروماني تراجان، عن حياة المسيحيين ونشاطهم، إذ قال: إن المسيحيين ينهضون من نومهم عنذ بزوغ الفجر، ويرتلون التراتيل تمجيداً للمسيح، باعتباره الله المتجسد. إن شكر الكنيسة المسيحية لله وعرفانها بأفضاله عليها قد ظهر دائماً في صورة التسبيح المسيحي والأغاني الروحية.

قال الرسول يعقوب «أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يعقوب 5: 13) فعندما تسكن كلمة المسيح في قلبك بغنى تفرح، فيفيض قلبك بالترنيم:

بمزامير - المزامير تعني الترتيل المصحوب بآلة موسقية، كالمزمار والرباب والعود قديماً، وكالأرغن والبيانو، وغير ذلك من الآلات الموسيقية في زمننا.

تسابيح - هذه تعني الترنيمة المرفوعة إلى الله، لتمجيد اسمه. وهي قطعة مقتطفة من مزمور، أو منظومة من أقوال الوحي.

أغاني روحية - هذه أناشيد معبرة عن قوة الأشواق الروحية، التي تتحرك في المؤمن عند امتلائه من الروح القدس.

إن أعمال الله المجيدة مدى الأجيال، التي أظهر فيها اهتمامه بالبشر من شأنها أن تفرح قلب الإنسان المستنير بالرب، والممتلئ بالروح القدس، لأن الفرح من ثمار الروح المبارك.

(6-9) قال الرسول إن الأشرار يسلكون ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم (أفسس 4: 17 و18). آي أن آراءهم وعواطفهم وضمائرهم وسائر قوى أنفسهم، التي وهبها الله لهم ليعرفوه ويبعدوه معطلة. لذلك أنفقوا تلك القوى الثمينة على أمور لا تستحق أن تطلبها النفس الخالدة. لقد كلف الإنسان في الوصية الأولى والعظمى أن يحب الله من كل قلبه ومن كل فكره. ولكن الشرير الذي نعته المرنم بالبليد غلظ قلبه وأظلم فكره، فتجنب الحياة الروحية التي عبر عنها الرسول بحياة الله. والتجنب عن تلك الحياة، يستلزم كل الانفصال عن الله وعدم الاشتراك في الفوائد الناتجة عن جريان حياة الله في حياة نفس الإنسان. وهذا التجنب من نتائج إظلام الفكر لأن عميان القلوب لا يمكنهم أن يعرفوا الله، ويتقوه ويحبوه ويعبدوه.

وبتعبير آخر إن الأشرار البلداء مظلمو الفكر بسب جهلهم، وأنهم متجنبون عن حياة الله بسبب غلاظة قلوبهم وبلادة أفكارهم. وهذا يوافق قول الرسول «وَلٰكِنَّ ٱلإِنْسَانَ ٱلطَّبِيعِيَّ لا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ ٱللّٰهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً» (كورنثوس الأولى 2: 14) ولنا من ذلك، أن تجديد الإنسان بروح ذهنه ضروري لإدراك الروحيات. وإدراك الروحيات ضروري للأشواق والعواطف المقدسة. فحين يفتح الله عيون الذهن، يدرك الإنسان إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.

ينهي المرنم هذا القسم من المزمور بالتحدث عن نهاية الأشرار فقد قال في المزمور الأول: «أما طريق الأشرار فتهلك. قد يزهرون وينجحون في الماديات ولكنهم سيبادون في النهاية».

(10-15) في هذا القسم يتكلم داود عن أتقياء الله وهو منهم. يصفهم بالقوة، ويشبههم بالبقر الوحشي الجميل الشكل، والذي له قرون قوية جداً. ويصفهم بكلمة صديق. ثم يشبه الصديق بالنخلة في زهوها وبأرز لبنان في نموه وشموخه.

في الواقع أن أوجه الشبه كثيرة بين الصديق في جماله الروحي والنخلة في زهوها. فهما متشابهان في الازدهار والاخضرار الدائم ووفرة الثمار. وهما متشابهان في المهابة والجمال. وكما أن النخلة تبقى مخضوضرة يانعة بالرغم من الجفاف والحر والقر، لا فرق لديها بين مناخ ومناخ، لأنها تعيش في جميع المناطق. هكذا الصديق يحيا بحياة الله أنى وجد، بالرغم من المصائب والمعاكسات في العالم لأن فرح الرب قوته، وقد أعطاه أن يرتفع فوق الشدائد والمحن جميعاً.

وكذلك أوجه الشبه عديدة بين الصديق والأرز. يقف منتصباً دون أن يخشى الزوابع والرياح. لأن جذوره متأصلة ومتمكنة في التربة، بحيث لا تستطيع أعتى الرياح أن تقتلعه. هكذا الصديق قلبه ثابت، متكلاً على الرب قلبه ممكن فلا يخاف، بره قائم إلى الأبد. وكما أن الأرز في نموه يرتفع إلى العلاء ليعانق أشعة الشمس هكذا الصديق، ينمو وأفكاره في السمويات، حيث المسيح شمس البر جالس عن يمين الله. ويكفي الأرز حسناً أنه لا يحتاج إلى تدخل الإنسان لتجميله لأنه جميل في ذاته. هكذا الصديق يمتاز بجمال الخلق الكريم، الذي عليه مسحة من قداسة الله، ومن ميزات الأرز أن جذوره الضخمة الطويلة، تغور في الأرض إلى الأعماق حيث الماء والخصب. هكذا الصديق المستترة حياته مع المسيح في الله، لا تتغذى بالأمور السطحية، بل بينبوع حي هو الروح القدس العامل فينا والماكث في أعماق قلوبنا.

ومن ميزات الصديقين أنهم يغرسون في بيت الرب، أي أنهم متأصلون في إيمانهم ومعرفتهم الروحية في محبة الله وصبر المسيح. أنهم منذ حداثتهم يتعلمون مخافة الرب. وهم ينمون كل يوم في النعمة وفي معرفة المسيح، وإلى كل ملء الله. هؤلاء حياتهم شهادة لعمل نعمة الله، مخبرين بفضائل الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب.

الترنيمة

Table 11. 

ٱلإِعْتِرْافُ صَالِحٌلِلرَّبِّ وَٱلْحَمْدِ
وَلاِسْمِهِ ٱلْمَدَائِحُرَتَّلَهَا ٱلْعَبْد
لِيُخْبِرُوا فِي ٱلْغَدْوَةبَرَحْمَةِ ٱلْمَوْلَى
وَذَاكَ كُلّ لَحْظَةٍبَحَقِهِ أَوْلَى
يَا رَبُّ قَدْ أَرْشَدْتَنِيبَنُورِ أَقْوَالِك
وَطَالَمَا أَبْهَجْتَنِيبَحُسْنِ أَعْمَالِكْ
يَا رَبُّ مَا أَعْمَقَهَاأَفْكَارَكَ ٱلْعُظْمَى
ضَلَّ ٱلْجَهُولُ طُرْقَهَالأَنَّهُ أَعْمَى

الصلاة: أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك الكريم، ونباركك، ونحمدك ونرنم لاسمك أيها العلي ساكن الأبد القدوس اسمه. إننا نشكرك لأنك فرحتنا بصنيعك، وأبهجت نفوسنا بخلاصك. أعطنا الفكر الصالح، حتى نتم خلاصنا بخوف ورعدة، متذكرين أن الله هو العامل فينا من أجل المسرة. أعطنا الشجاعة لكي نخبر من حولنا بأنك إله حي، لا تهمل الصديق من عنايتك. وليكن لك المجد في حياتنا. آمين.

السؤال: 11 - ما هو عنوان المزمور 92 وفي أي مناسبة كان يُتلى؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - عبادة الرب القدير

1هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاصِنَا. 2نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ. 3لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهٌ عَظِيمٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ ٱلآلِهَةِ. 4ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَقَاصِيرُ ٱلأَرْضِ وَخَزَائِنُ ٱلْجِبَالِ لَهُ. 5ٱلَّذِي لَهُ ٱلْبَحْرُ وَهُوَ صَنَعَهُ، وَيَدَاهُ سَبَكَتَا ٱلْيَابِسَةَ.

هذا المزمور هو واحد من المزامير، التي أنشدها المسبيون الذين رجعوا من أسر طويل، الأمر الذي كان مبعث الحمد ومدعاة التسبيح، إعلان الرب نفسه كملك العالم كله، وكالديان الآتي. لأن عين الإيمان تنظر إلى المستقبل، فتراه كما ترى الحاضر. ويقسم المزمور إلى قسمين: الأول دعوة إلى الحمد اعترافاً بمراحم الله، والثاني بتحذير الراجعين من عصيان كعصيان أسلافهم.

(1-3) يبدأ المرنم المزمور بالدعوى للترنيم والهتاف للرب، فالنشيد نشيد ابتهاج. وما أحلى وما أجمل، أن يدخل المؤمن إلى حضرة الرب بفرح متهلل! وقد آمن العائدون من الأسر بأن آنات قلوبهم وصلت إلى أذني رب الجنود، فتحنن وعملت يده لتحريرهم من عبودية السبي. وتبعاً لذلك وضح لهم جلياً أن الله ملاذ ثابت وصخرة خلاص لكل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق. وأنه العظيم القدير الأعظم والأقوى من آلهة الأمم. فهو الخالق والمعين، فمجاهل الأرض الخفية المظلمة، التي يعجز الإنسان عن كشفها، والجبال العالية التي يتعذر على الإنسان الوصول إليها، هذه كلها معلومة عند الله. فالبحر واليابسة في قبضة يده، وتحت سلطته.

لذلك يدعونا النبي المتعبد، لنرنم للرب ونهتف بخلاصه، كدليل شكرنا القلبي على حسن صنيعه وكل بركاته، التي يمنحها لأتقيائه الراجين رحمته بكل سخاء. فهذا الإله المنعم الجواد، يستحق أن نتعبد له ونشكره.

ولكن إن كان الترنيم خير معبر عن الفرح الذي يغمر القلب المتجدد، فإن الشكر من أظهر الأدلة على أن الإنسان مؤمن حقاً. لأن غير المؤمن هو الإنسان الذي يلقي ستاراً من الجمود على نعم الله عليه. والشكر طابع خاص امتازت به المسيحية، ونرى بولس رسول يسوع المسيح، يوصي المؤمنين بممارسة الشكر في كل ظروف الحياة. إذ قال «شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب». ونفهم من هذه الآية أن من واجبنا لا بل من أفضل امتيازاتنا أن نشكر الله على كل شيء. وفوق كل شيء أن نشكره لأجل عطيته العظمى التي لا يُعبر عنها، أعني بها يسوع المسيح، الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وفداءً. أن نشكره على كل شيء، لأن أقل خير نناله منه، هو فوق استحقاقنا الطبيعي. ومن امتيازات المسيحية أن وسيط الشكر فيها المسيح. بمعنى أن الشكر في اسم المسيح، هو الشكر الذي نرفعه إلى الآب ونحن متحدون بالمسيح وثابتون فيه، وهو ثابت فينا. فشكراً للمسيح، لأننا فيه وحده نستطيع أن نتقدم إلى الآب في روح واحد عن يقين وثقة.

في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي 5: 16-18 ثلاث علامات للكنيسة الحقيقية:

  1. إنها كنيسة سعيدة يشيع فيها الجو المشبع بالفرح، الذي يجعل كل أعضائها يشعرون بأنهم يستحمون في ضوء شمس البر الرب يسوع وفي دفئه المنعش. قال الرسول افرحوا كل حين.

  2. إنها كنيسة مصلية. ولعل صلواتنا الجمهورية تكون أكثر اقتداراً في فعلها إذا كانت لنا شركة مع الله في صلاة المخدع.

  3. إنها كنيسة شاكرة باستمرار، ولا غرو بذلك فهناك دائماً شيء يستوجب منا الشكر لله. حتى في أشد الأوقات ضيقاً يجب أن نعدد بركات الله ونحن شاكرون.

الترنيمة

Table 12. 

إِنِّي أُصَلِّي شَاكِراًإِلَيْكَ بِٱلْغَدَاةْ
فَٱسْمَعْ صُرَاخِي بَاكِراًوَٱسْتَجِبِ ٱلْصَلاَةْ
أَنْتَ ٱلإِلَهُ ٱلْصَالِحُلاَ تَقْبَلُ ٱلْعُيُوبْ
لَكِنْ إِلَيْكَ ٱلْطَالِحُيَقْرُبُ إِذْ يَتُوبْ
رَبِّي بِرَحْمَةٍ أَنَاأَدْخُلُ فِي حِمَاكْ
أَجْثُو خُشُوعاً فَمَتَىنَفْسِي تَرَاكْ
يَا رَبُّ أَرْشِدْنِي إِلَىعَدْلِكَ يَا حَكِيمْ
ثُمَّ طَرِيقِي سَهِلَنْوَٱجْعَلْهُ مُسْتَقِيمْ

الصلاة: نبارك اسمك، يا إلهنا القدوس. ونعطيك المجد والإكرام، لأجل جميع حسناتك. ونشكرك من كل القلب، لأجل رأفتك ولأجل محبتك الغنية بالصفح. لم تعاملنا حسب خطايانا، بل غفرتها لنا، لأجل يسوع فادي الخطاة، اللهم نريد أن نكمل الطريق معك في البر وقداسة الحق ولكننا ضعفاء وبدون عونك لا نستطيع. فارسل اللهم عونك وساندنا واعضدنا، حتى نعيش حسب وصاياك، بربنا يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 12 - ماذا وجدت في هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - تتمة

6هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ ٱلرَّبِّ خَالِقِنَا، 7لأَنَّهُ هُوَ إِلٰهُنَا وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ. ٱلْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ 8فَلا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي مَرِيبَةَ، مِثْلَ يَوْمِ مَسَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، 9حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. ٱخْتَبَرُونِي. أَبْصَرُوا أَيْضاً فِعْلِي 10أَرْبَعِينَ سَنَةً مَقَتُّ ذٰلِكَ ٱلْجِيلَ وَقُلْتُ: «هُمْ شَعْبٌ ضَالٌّ قَلْبُهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي». 11فَأَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي لا يَدْخُلُونَ رَاحَتِي!

(6 و7) ما أن فرغ المرنم من التأمل في مظاهر قوة الله في الطبيعة حتى جدد دعوة الحمد والتسبيح لذلك الرب الإله، الذي له وحده الحق بالسجود والعبادة. لأنه هو الخالق وكل الأشياء بإرادته خلقت. وبإرادته تستمد كيانها وبقاءها. وبتعبير آخر إن كل ما خلق هو من عمل مشيئة الله، قبل خلقه. صحيح أن الإنسان حصل على قوات كثيرة، ولكنه لم يحصل على قوة الخلق.

في إمكانه أن يعدل ويغير التوزيع، كما يمكنه أن يعمل أشياء من المواد الموجودة عنده. لكن الله وحده، هو الذي يخلق الشيء من لا شيء. وهذا معناه أن كل ما في العالم ملك للرب، ولهذا وجب على كل كائن حي أن يسجد له ويعبده. أو كما نقرأ في الكتاب العزيز «مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤيا 4: 11).

لقد عرف بالاختبار أنه حين تكون العين والقلب متجهين نحو الله، المخلص الخالق وصخرة الخلاص، فلا يسع المؤمنين إلا أن يدعوا بعضهم بعضاً لكي يعلوا اسمه معاً. ولكي يهتفوا له هتاف التهليل والفرح. ويقيناً أنه حين يكون الله الكل في الكل في حياتنا، وعندما يكون المسيح أمام نفوسنا مالئاً القلب، فلا بد أننا نصبح شعباً هاتفاً مسبحاً في طريق سيرنا في برية هذا العالم. وهنا يجب أن نعلن أن هذه هي مشيئة الله من جهتنا أنه يريد أن يرى خاصته شعباً حامداً.

والجدير بالملاحظة هو أن المرنم حين انتقل من الكلام عن الراعي إلى الكلام عن غنم مرعاه كشف لنا عن سر عظيم. وهو أنه عندما تكون الخراف مشغولة بالراعي لا يكون هناك إلا الحمد والتسبيح. وهذا دليل الغبطة والسعادة. فلنبتهل إلى الله لكي يجعل قلوبنا تتمسك به وتنشغل به وحده «صخرة خلاصنا».

(8-11) في هذه الآيات المجيدة إنذار وتحذير من العصيان. ففي غمرة المسرة والابتهاج باسترداد الحرية، قد يرفع المسبيون الراجعون أصواتهم. ويهتفون بترانيم الحمد ونشائد التسبيح، ولكنهم فيما ينصرفون إلى مشغولياتهم اليومية، وينهمكون في أعمالهم يفقدون الحماس. لذلك يوجه الله التحذير للخراف: اليوم، يجب الإصغاء إلى صوت الله، الآن عندما نالوا بركة الحرية! الآن عندما استطاعوا أن يرفعوا أصواتهم بالحمد والشكر والهليلويات في بيت الله. الآن ليحذروا كل الحذر، ولينتبهوا أشد الانتباه إلى طرقهم وأعمالهم. وليسلكوا بتواضع أمام إلههم، لئلا تتقسى قلوبهم، كما فعل آباؤهم في البرية.

هنا النقطة الهامة التي يجب أن نلاحظها، فطالما أن الله في محبته ونعمته يملأ النفس، فلا يمكن إلا التسبيح والحمد له. ولكن حين تتحول العين من الله إلى الإنسان فحينئذ تبرز الحاجة إلى الإنذار والتحذير من الوقوع في قساوة القلب، كما كانت الحال في يوم مسة في البرية، حين جرب اليهود الرب وأسخطوه. إذ نقرأ في سفر الخروج أن الله تحنن على ذلك الشعب، وسمع أنينه تحت ثقل مظالم فرعون. فحطم كبرياء ذلك الملك الطاغية. وفتح أمامهم طريق الخلاص. وفوق ذلك نراه يقيم بينهم خيمته بكل خدمتها ومجدها، رمزاً إلى أشياء عتيدة أفضل في المسيح. ولكن ماذا كانت شهادة الله عنهم المرة بعد المرة؟ لقد أغاظوه وأسخطوه وجربوه وتذمروا عليه!!! حتى قال الله: «مقت ذلك الجيل». لقد دمدموا على موسى رسول الله إليهم قائلين: هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية؟ وكانوا كلما جيء بهم إلى موقف يدعوهم لله والاعتماد عليه وحده، كان يظهر عدم إيمانهم.

هكذا الحال دائماً مع الإنسان الطبيعي. إنه كل ما أتى إلى موقف يستدعي الاتكال على رأفة الله، ظهر عدم إيمانه بأجلى بيان. آه كم نحتاج كلنا إلى الإيمان، الذي يجعل الرب متكله في كل شيء! الله يريد أن نعتمد عليه، لا بل فإن هذا الأمر من مشتهيات قلبه الإلهي لكي يفتح علينا كوى سمائه، ويمطرنا ببركات لا تعد، بدليل قوله «لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلامُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ ٱلْبَحْرِ» (إشعياء 48: 18).

ليحفظنا الرب من قساوة القلب، ومن احتقار نعمة محبته المتفاضلة، وخصوصاً بعدما أبصرنا أعماله من أجلنا خلال سني العمر. لئلا نقع تحت حكم الله القائل: «مقت ذلك الجيل، وأقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي». هذا الإنذار كان موضوعاً لوصية كاتب رسالة العبرانيين، إذ قال «اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ لا يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي ٱلٱرْتِدَادِ عَنِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ» (عبرانيين 3: 12). والرسول الكريم لم يحذر المسيحيين من الوقوع في خطية أدبية معينة، أو أعمال الشر الظاهرة، بل حذرهم من الخطية الجذرية، التي تنتج كل الخطايا الأخرى وهي خطية عدم الإيمان في الإرتداد عن الله. فعدم الإيمان هو المصدر لكل الخطايا الأخرى.

وكأني بالرسول يقول للمؤمنين: إن كنتم تريدون الاستمرار في التسبيح والهتاف والسجود لله، وإن كنتم تريدون إكمال الإرتحال في البرية بفرح، فانظروا أن لا يرتد أحدكم عن الله الحي. بل بالحري اثبتوا فيه، واعظين أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يدعى اليوم. انبذوا الخطية لأن الخطية شيء يقسي القلب. تقود مرتكبها إلى فقدان الحس.

الترنيمة

Table 13. 

مَا أَحْسَنَ ٱلْجُمُوعْفِي مَوْضِعِ ٱلصَّلاَةْ
تَنْفِي مِنَ ٱلْعَيْنِ ٱلْهُجُوعْمَحَبَّةُ ٱلإلَهْ
مَا أَحْسَنَ ٱلسُّجُودْلِلَّهِ بَٱلْوَرَعْ
فَإِنَّهُ رَبُّ ٱلْوُجُودْوَٱلْكُلَّ قَدْ صَنَعْ
مَا أَحْسَنَ ٱلْجُلُوسْفِي بَيْتِهِ ٱلْمُنِيرْ
تَحْيَا بِهِ كُلُّ ٱلنُّفُوسْلأَنَّهُ ٱلْقَدِيرْ
يَا أَيُّهَا ٱلأَنَامْقُومُوا وَرَنِّمُوا
وَكَرِّرُوا عَلَى ٱلدَّوَامْحَمْداً وَعَظِّمُوا

الصلاة: سبحانك اللهم، ما أعظم اسمك أيها القدير المتعالي، أنت الله وحدك، أنت القادر على كل شيء. أمامك ينبغي أن تجثو كل ركبة، ويتعبد لك كل قلب. إليك أرفع نفسي يا ساكناً في الأعالي متضرعاً وملتمساً الرحمة. وسائلاً البركة. أن تبارك أوطاننا العزيزة ومواطنينا ببركة الحياة. أن تجذبهم رجوعاً إليك، يا من لا تسر بموت الخاطي. بل تريد أن يرجع الخاطي إليك ليحيا. يا رب قدس قلبي وطهر نواياي، ليحل روحك القدوس في قلبي مع محبتك التي تشاء أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. باسم يسوع استجب. آمين.

السؤال: 13 - إلى من وجه الرب إنذاره. وما هي محتوياته، وعلى من ينطبق أيضاً؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلتِّسْعُونَ - الله قاضي كل الأرض

1رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. رَنِّمِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. 2رَنِّمُوا لِلرَّبِّ، بَارِكُوا ٱسْمَهُ، بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاصِهِ. 3حَدِّثُوا بَيْنَ ٱلأُمَمِ بِمَجْدِهِ، بَيْنَ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ. 4لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَظِيمٌ وَحَمِيدٌ جِدّاً، مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ ٱلآلِهَةِ. 5لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ ٱلشُّعُوبِ أَصْنَامٌ، أَمَّا ٱلرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ. 6مَجْدٌ وَجَلالٌ قُدَّامَهُ. ٱلْعِزُّ وَٱلْجَمَالُ فِي مَقْدِسِهِ.

7قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا قَبَائِلَ ٱلشُّعُوبِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْداً وَقُوَّةً. 8قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدَ ٱسْمِهِ. هَاتُوا تَقْدِمَةً وَٱدْخُلُوا دِيَارَهُ. 9ٱسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. ٱرْتَعِدِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. 10قُولُوا بَيْنَ ٱلأُمَمِ: «ٱلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضاً تَثَبَّتَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ فَلا تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلٱسْتِقَامَةِ». 11لِتَفْرَحِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ ٱلأَرْضُ، لِيَعِجَّ ٱلْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ. 12لِيَجْذَلِ ٱلْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ. لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ ٱلْوَعْرِ 13أَمَامَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ. جَاءَ لِيَدِينَ ٱلأَرْضَ. يَدِينُ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ وَٱلشُّعُوبَ بِأَمَانَتِهِ.

هذا المزمور هو الحلقة الأولى من سلسلة مزامير 96-99 وتُدعى نشائد التتويج. ويقول المفسرون إن الغرض من استعمالها الديني استحياء أمل اليهود بالمسيح المنتظر وتمهيد السبيل لظهور الله فيه. صحيح أنها لا تنبئ بالتجسد ولكنها تُعِد أفكار الناس لتدخُّل الله مباشرة، الذي كان على وشك أن يتحقق بالتجسد. وقال أحدهم إن في هذا المزمور تحية لملكوت الله الجديد.

والحق أن من يتأمل هذا المزمور بعمق، يرى أنه يتضمن الترنيم للرب صاحب السلطان المطلق والسيادة التامة على الأمم والخليقة كلها. وهو جزء من النشيد الجامع الذي جاء ذكره في أخبار الأيام الأولى 16: 8-32 وكان يُنشد أمام تابوت عهد الله، بعد الرجوع من السبي. وهو كما يرى مناسب جداً للتعبير عن أفراح الشعب العائد من الأسر.

(1-3) يبدأ كاتب المزمور بدعوة المؤمنين لإنشاد ما سماه ترنيمة جديدة، ولكنه لا يلبث أن يوجه الدعوة لشعوب الأرض كلها ليشتركوا في الترنيمة الجديدة، لكأن في هذه الدعوة صدى للوعد الإلهي القائل بهوشع «وَأَرْحَمُ لُورُحَامَةَ، وَأَقُولُ لِلُوعَمِّي: أَنْتَ شَعْبِي وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ إِلَهِي» (هوشع 2: 23).

ثم يدعو المرنم الجميع معاً لكي يباركوا اسم الرب ويبشروا بخلاصه، ويعتبر المزمور بشارة. وفيه دلالة واضحة على اتساع المجال أمام المؤمنين لكي يذيعوا بشارة الخلاص. وفيه ترحيب سار بمظهر اجتماع الشعوب الأخرى. فهو والحالة هذه نشيد جديد لأنه يعبر عن آراء لم تكن مقبولة عند شعب العهد القديم، من جهة قبول الأمم في ملكوت الله. وفي يقيني أن في هذا المزمور نفحات من روح العهد الجديد، الذي يتلألأ بنور المسيح، الذي تغنى به سمعان الشيخ لما اكتحلت عيناه بنور محيا الفادي، مسبحاً وقائلاً «ٱلآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلامٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاصَكَ، ٱلَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ» (الإنجيل بحسب لوقا 2: 29-31).

وفي المزمور المجيد اعتراف جديد بمراحم الله العظيمة في الإنقاذ من أسر الخطية، بقوله «بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه». هذه المراحم الخلاصية تجسدت في المسيح يسوع، الذي صير كل من قَبِله إنساناً جديداً صانعاً سلاماً. هذه العجيبة يجب أن نحدث بها بين الأمم، طاعةً لأمر المسيح «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (أعمال 1: 8).

(4-9) هذا الإله العظيم الغني بالرحمة، والذي لا حد لقدرته حميد جداً، أي يستحق الإكرام والتمجيد لأنه فاق آلهة الأمم التي لا قيمة لها، لأنها «عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلا تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلا تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلا تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلا تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلا تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلا تَمْشِي، وَلا تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا» (مزمور 115: 4-8).

أما إلهنا فمجد وجلال قدامه، العز والجمال في مقدسه ففي جمال القداسة تجتمع قبائل الأرض ليسجدوا للرب ويأتوا بتقدماتهم إلى الرب في زينة مقدسة. حتى الخلائق الصامتة مدعوة للإبتهاج بفداء الرب وتثبيت سلطته العادلة البارة على الأرض.

ويختم المرنم الحلو هذا المزمور بدعوة السماء لكي تبتهج بالمفديين، وبتعزيتهم. صحيح أن الله يدين الشعوب بالعدل والاستقامة. ولكن الحمد لله، «إِذاً لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية 8: 1).

ولا ينسى الحقل وأشجار الوعر من الدعوة إلى الابتهاج، إذ يستعير لها الجذل، لكأنها في جمالها البديع نشيد ابتهاج. لأن الرب الإله يملأ كل شيء بمجده.

الترنيمة

Table 14. 

بِٱلأَيَادِي صَفِقُوايَا جَمِيعَ ٱلأُمَمْ        
وَٱهْتِفُوا لِرَبِّكُمْبِلَذِيذِ ٱلنَّغَمْ        
مَلِكٌ مُقْتَدَرٌمُرْهَبٌ مُرْتَفِعٌ        
تَحْتَ أَقْدَامٍ لَهُكُلُّ شَعْبٍ يُخْضَعُ        
بِهُتَافِ ٱلْبُوقِ قَدْصَعِدَ ٱللَّهُ ٱلْعَلِي        
رَتِّلِي لِلَّهِ يَاكُلَّ نَفْسٍ رَتِّلِي        
مَلِكُ ٱلأَرْضِ ٱلَّذِيهُوَ رَبٌّ يُعْبَدُ        
رَتِّلوُا حَمْداً لَهُكُلَّ حِينٍ يُنْشَدُ        
جَلَسَ ٱللَّهُ عَلَىعَرْشِ قُدْسِهِ ٱلرَّفِيع        
رَبُّ إِبْرَاهِيمُ بَلْإِنَّهُ رَبُّ ٱلْجَمِيعْ        

الصلاة: أبانا السماوي القدوس. عظيم أنت يا إلهنا ولك ينبغي التسبيح أيها السيد، لأنك إله حميد. ولك ينبغي الشكر لأنك إله محب للبشر، وقد فديت البشر، بيسوع ابن محبتك وأنت يا إلهنا الصالح مستحق أن تعبدك الشعوب جميعاً وتمجد اسمك الكريم. يا رب تقبل شكر قلبي من أجل خلاصك. واطلق لساني لكي أبشر من يوم إلى يوم بخلاصك. وأخبر الأمم بما صنعته معي إذ نقلتني من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة. استجب طلبتي لأجل خاطر يسوع. آمين.

السؤال: 14 - ماذا ترى في هذا المزمور رقم 96؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ - حمد الشعوب

1اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. 2ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِفَرَحٍ. ٱدْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ. 3ٱعْلَمُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللّٰهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ. 4ٱدْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِٱلتَّسْبِيحِ. ٱحْمَدُوهُ بَارِكُوا ٱسْمَهُ، 5لأَنَّ ٱلرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ.

دعيت المزامير السبعة السابقة نشائد ملكية، لأنها تصف بأبلغ عبارة كيف يتسلط الله اللابس الجلال على قوة الطبيعة ويدير شؤونها. وكيف يهتم بأتقيائه، ويذود عنهم هجمات الأشرار، لانه حصنهم وصخرة ملجأهم. أما هذا المزمور فيأتي كحمد أو تسبيحة شكر للمنعم الجواد. ويرجح أنه كان يستعمل في الهيكل. وأنشدته الكنيسة الغربية، منذ وقت طويل في صلاة الصباح. وهو يصلح على الخصوص للعبادة الجمهورية، لأنه يصف العلاقة بين الله الخالق المعتني وبين الإنسان الذي يجب عليه أن يعبد إلهه. بناء على هذه العلاقة المتبادلة التي كانت بين الله وأتقيائه القدماء. والتي تعلموها وعرفوها هي في الوقت الحاضر قائمة بين إلهنا وبيننا، ولأجلها نقدم له نشائد الحمد والتسبيح. ويقيناً أنه ما من نشيد أجمل ولا أروع من هذه الدعوة الموجهة إلى كل الارض للإتحاد في عبادة الله برابطة البنوة!

(1-3) ليس في هذه الآيات إشارة إلى أعمال الله الفدائية التي ذكرت في المزامير السابقة، ولا إلى أعمال سلطته المنظورة، التي تكرر ذكرها مرة بعد مرة «الرب قد ملك». بل فيها دعوة صريحة للذين يعرفون أن الرب هو الله، لكي يعبدوه بفرح. هذه هي العبادة الحقة، حينما يدخل العابدون إلى حضرة الله مترنمين ومهللين ومبتهجين.

وهناك حقيقة جديرة بالملاحظة، وهي أن هذه الدعوة تتخطى تخوم اليهودية، إذ تدعو الأرض كلها لتقترب من الإله الحي بفرح وتهتف بتسابيح خالق الكون ورب العالم. وانطلاقاً من هذه الحقيقة دعي هذا المزمور لدى الكنائس الشرقية «مزمور هداية الأمم». وهكذا نشره المسيحيون الأوائل.

ودعوة الأرض كلها لعبادة الله، ترن بما لا يزيد عليه من الوضوح. فالجميع مدعوون للمثول والسجود له بالروح والحق. وهذه دعوة من وحي العهد الجديد، حيث لم يبق السجود الحقيقي محصوراً في مكان معين. هذا ما أعلنه المسيح، جواباً على سؤال المرأة السامرية، إذ قال لها «يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب... ولكن تأتي ساعة وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق». وبتعبير آخر أنه بمجيء المسيح، أصبحت العبادة أوسع من أن يحصرها مكان. وليس هذا فقط بل أيضاً في عهد النعمة تحررت العبادة من الرموز والذبائح. لأن هذه كانت ترمز إلى المسيح. فلما جاء المرموز إليه بطل الرمز.

في زمن السامرية كان شعبها يعتقدون أن جبل جرزيم مكان مقدس في ذاته دون سواه. وكان اليهود يعتقدون أن المكان المقدس الحقيقي هو أورشليم. فأنبأها المسيح بوقت يعتبر فيه كل مكان يحل الله فيه مقدساً. وعندئذ يعلم الجميع أن المكان لا يقدس العبادة، وإنما العبادة الحقيقية تقدس المكان.

(4-5) هنا يرى المرنم بعين الإيمان جماهير المؤمنين من كل شعب ولسان وأمة يدخلون أبواب بيت الله المفتوحة للجميع بتسابيح الحمد والشكر. والسبب في جمع الكل بعبادة الله الواحد، هو أن الرب صالح كما ظهر من أعمال رحمته لأتقيائه في الماضي، وما أعلنه من جهة محبته الأبدية لمختاريه التي من أجلها يديم الرحمة.

وكما أن رحمة الله تنتقل من دور إلى دور، هكذا أمانته تتناول الأبناء، كما تناولت الآباء. كل الذين تعاملوا مع الله يشهدون بأنه أمين ينجز الوعد، ويصنع الخير لكل من يتكل عليه.

لقد اختبر الرسول بطرس أمانة الله وأهاب بالمتألمين أن يستودعوا أنفسهم لهذا الخالق الأمين في عمل الخير (بطرس الأولى 4: 19) فلكونه خالق النفس يهتم ويعتني بها. ويؤيد ذلك قول المسيح «شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لا تَهْلِكُ» (الإنجيل بحسب لوقا 21: 18).

هل اختبرت أمانة الله؟ اتكل عليه واصبر له يُدِم لك الرحمة، حتى لو ضعفت أمانتك. هكذا قال بولس «إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ» (تيموثاوس الثانية 2: 13) فهو يعطي الفرصة ويتأنى ولا يشاء أن يهلك أحد بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولك الامتياز أن الله في حال التوبة يقبلك متغاضياً عن أزمنة الجهل. فاطلب وجهه ولا تتلكأ لأنه ينتظرك بكل حنان لكي تقبل إليه. «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: فِي وَقْتِ ٱلْقُبُولِ ٱسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ ٱلْخَلاصِ أَعَنْتُكَ. فَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ، لإِقَامَةِ ٱلأَرْضِ» (إشعياء 49: 8).

نرى مزامير كثيرة تتخللها نغمات حزن ناشئة عن مكاره خارجية أو عن ضعف داخلي. أما هذا المزمور، فنغماته كلها نغمات سرور وحبور. ولهذه النغمات، يجب أن نفسح المجال في الحياة الروحية لتكون عبادتنا سامية وسجودنا لله بالروح والحق. وإذ نتحقق بأننا لله، لنعتمد عليه بملء الثقة، وعندئذ يطيب لنا أن نعبده بفرح وأن ندخل إلى حضرته بترنم، ونهتف لصخرة خلاصنا.

الترنيمة

Table 15. 

اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ جِهَارًاوَٱشْهَرُوا أَعْمَالَهُ
رَنِّمُوا غَنُّوا لَدَيْهعَظِّمُوا أَفْعَالَهُ
بِاسْمِهِ ٱلْقُدُوسِ نَادُوامِنُهُ تَحْيَا ٱلأَنْفُسُ
أُطْلُبُوا وَجْهَ إِلَهِيوَقُوَاهُ ٱلْتَمِسُوا
هُوَ رَبٌّ فِي ٱلسَّمَا وَٱلْأَرْضِ يَقْضِي وَحْدَهُ
وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍلَيْسِ يَنْسَى وَعْدَهُ
هُوَ أَعْطَى شَعْبَهُ مِنْجُودِهِ فَيْضَ غِنَاهْ
سَبِّحُوهُ كُلَّ حِينٍهَلِّلُويَا لِلإِلَهْ

الصلاة: نحمدك يا ربنا الصالح، ونرنم لك من كل القلب، مبتهجين بالصعود إلى جبل قدسك باسم فادينا ومخلصنا يسوع. أنت إلهنا وأبونا السماوي وقد أعطيتنا امتياز البنوة، ليس لبر فينا ولا لأعمال عملناها بل بمقتضى النعمة التي رحمتنا. نشكرك لأجل دم المسيح الذي طهرنا من خطايانا وأعطانا هذا الامتياز أن نكون من شعبك ومن غنم مرعاك. تقبل منا الشكر والحمد باسم مخلصنا الكريم يسوع. آمين.

السؤال: 15 - إلام يدعو هذا المزمور المائة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تعظيم الجود الإلهي

1بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ. 2بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَلا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. 3ٱلَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. ٱلَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. 4ٱلَّذِي يَفْدِي مِنَ ٱلْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. ٱلَّذِي يُكَلِّلُكِ بِٱلرَّحْمَةِ وَٱلرَّأْفَةِ. 5ٱلَّذِي يُشْبِعُ بِٱلْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ ٱلنَّسْرِ شَبَابُكِ.

(1-3) يتأمل داود في جودة الرب الإله وما أسبغه عليه من بركات روحية وزمنية ولا يلبث أن يلتفت إلى نفسه ويخاطبها، لكي تبارك الرب وترفع إليه ترانيم الشكر. ويسألها أن لا تنسى حسناته الكثيرة وإنعاماته الفياضة، التي تدل على محبته الإلهية الغنية بالمراحم والألطاف.

كم هو جميل أن نتمثل برجل الله داود، فنتأمل في جودة الرب الإله وعنايته المحيطة بنا كل يوم. فقد يقودنا التأمل إلى أن نتساءل بحق: أيمكن لإنسان غمره الرب بأفضاله أن ينسى أعمال القدير؟ نعم إن هذا ممكن ويا للأسف! إذ يكفي أن نذكر إحسانات الرب لشعب اليهود، التي قابلوها بالجحود حتى نحزن شديداً. لقد صنع الله لأجلهم عجائب، تمشياً مع نعمته وصدقه في عهده. فقد أخرجهم من مصر فرعون، بيت العبودية. وشق لهم طريقاً في البحر. ومع ذلك نسوا حسنات الرب وتمردوا وعبدوا العجل الذهبي.

ولعل التساؤل يذهب إلى غير اليهود، وخصوصاً الذين يعرفون الكثير عن المسيح، فيقول: هل من الممكن نسيان هذا الحب الفدائي العجيب الذي أحب به المسيح العالم، حتى قدم نفسه ذبيحة كفارية لأجل خلاصه؟ هل من الممكن أن ينسى أحد خلاصاً هذا مقداره، الله فكر فيه، ولم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجلنا أجمعين؟!

إن نسياناً كهذا من قبل البشر لدليل على عدم الاعتراف بفضل المنعم الجواد. أما إن كنا نحسب عمل الله هذا كأمر نستحقه، فإننا نرتكب ذنباً غليظاً، لأننا بهذا نتجنى على النعمة. تذكر يا أخي أنك إنسان خاطئ، وهذا يعني أن لا استحقاق لك إطلاقاً. وإنما الله فاتح باب النعمة لك في المسيح يسوع، بحيث يصبح عدم اعترافك بفضل الله أنانية، تدور حول ذاتها.

(3-5) في هذه الآيات يقدم رجل الله شهادة لنعمة الله. فهو يرى كل حسنات الله من خلالها. فهي:

  1. غافرة - فنعمة الله تقابل الإيمان المقترن بالتوبة بالصفح عن الخطايا السالفة. هكذا قال الرب «إِنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ» (إرميا 31: 34) وقال الرسول المغبوط بولس «وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا، إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا» (كولوسي 2: 13 و14).

  2. تشفي الأمراض - قال الرسول يعقوب: وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه. وإن كان قد فعل خطية تغفر له (يعقوب 5: 15) وهذا الشفاء لا يعني الأمراض الجسدية فقط، بل قد يتناول الأمراض العقلية والروحية. وقد رأينا في الإنجيل أن المسيح في حالات عدة شفى الاثنين معاً، كما في حالة الرجل المفلوج الذي قدم له في كفرناحوم. فقد قال للرجل «مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ... لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ» (الإنجيل بحسب مرقس 2: 5 و11).

  3. يفدي الحياة من الحفرة - الحفرة هنا الهاوية (شياؤل) مسكن الأموات. فالله يفدي المؤمن، وتمشياً مع رأفته ورحمته يعطيه إكليل الحياة (رؤيا 2: 10) وتعلمنا الكلمة الرسولية أن الله فدى الجنس البشري من خطاياه وصالحه في المسيح، إذ تقول: إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة (كورنثوس الثانية 5: 19).

  4. تشبع الخير - تستمر عناية الله بالمؤمن، فتشبعه من خيرات الله كل أيام حياته. هذا كقوله في المزمور 104: تفتح يدك فتشبع خيراً.

سلم أمرك إلى هذا الرب المنعم. وباركه لأجل جميع حسناته، وخصوصاً لأجل خلاصه في المسيح يسوع. اعبده بفرح، كل أيام حياتك، بانتظار أن تراه وجهاً لوجه، ويتمم لك وعده للمختارين «وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتاً، لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي» (الإنجيل بحسب لوقا 22: 29 و30).

الترنيمة

Table 16. 

قرار 
بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّوَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ
بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ (3)بَارِكِي
ٱلَّذِي يَغْفِرُ كُلَّ آثَامِكِٱلَّذِي يَشْفِي جَمِيعَ أَمْرَاضِكِ
وَمِنَ ٱلْحُفْرَةِ يَفْدِي حَيَاتَكِوَبِٱلرَّحْمَةِ دَوْماً يُكَلِّلُكِ
بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ 
ٱلَّذِي يُشْبِعُ بِٱلْخَيْرِ عُمْرَكِفَيُجَدِّدُ كَٱلنَّسْرِ شَبَابَكِ
ٱلَّذِي يَمْلأُ إِحْتِيَاجَاتِكِبَارِكِي رَبَّكِ يَا نَفْسِي بَارِكِي
بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ 
بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا كُلَّ أَجْنَادِهِبَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا كُلَّ أَمْلاَكِهِ
بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا كُلَّ أَعْمَالِهِفِي جَمِيعِ مَوَاضِعِ سُلْطَانِهِ
بَارِكُي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ 

الصلاة: شكراً لك أيها الرب الإله، من أجل جميع حسناتك. ونبارك اسمك القدوس. لأنك تغفر ذنوبنا، وتستر خطايانا وتشفي أمراضنا. نحن نشعر بالضعف فقونا. ونعترف بفتور محبتنا، ملتمسين منك أن تسكب محبتك في قلوبنا بالروح القدس. حتى نحبك من كل قلوبنا ومن كل قدرتنا. وحتى نحب قريبنا كنفسنا. اقبل عواطف شكرنا، من أجل خاطر يسوع شفيعنا الوحيد أمامك. آمين.

السؤال: 16 - ما هي الحسنات التي عددها داود؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة

6اَلرَّبُّ مُجْرِي ٱلْعَدْلَ وَٱلْقَضَاءَ لِجَمِيعِ ٱلْمَظْلُومِينَ. 7عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ. 8ٱلرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ. 9لا يُحَاكِمُ إِلَى ٱلأَبَدِ وَلا يَحْقِدُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. 10لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثَامِنَا. 11لأَنَّهُ مِثْلُ ٱرْتِفَاعِ ٱلسَّمَاوَاتِ فَوْقَ ٱلأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ. 12كَبُعْدِ ٱلْمَشْرِقِ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا.

(6-9) من صفات الله أنه عادل، وأنه يقضي بالحق والانصاف للجميع ولا سيما للمهضومة حقوقهم، الذين لا يجدون عطفاً من البشر. فالله في محبته المعتنية ينصف الجميع ويحكم بالعدل.

قد تسير مركبات قضاء الله على مهل، وقد تتباطأ ساعة إنصافه في دقاتها، لكن لعدله وقتاً معيناً لإجراء القضاء. هكذا قال «أنا الرب في وقته أسرع به». في تعقيبه على مثل قاضي الظلم، الذي أبطأ في إنصاف الأرملة، قال الرب يسوع، إن الله ينصف وخصوصاً المختارين. ولنا هذا الامتياز أنه لن يخسرنا قضايانا.

الأرملة جاءت إلى قاضي ظالم، أما نحن فلنا الامتياز أن نرفع دعوانا إلى أبينا السماوي الذي ليس هو عادل قدوس فقط، بل محب ورحوم وكثير الرأفة وقد قال «أَنَا أَشْفِي ٱرْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً» (هوشع 14: 4).

الأرملة أتت إلى القاضي تلقائياً ورفعت قضيتها وسألت إنصافاً. أما نحن، فإن الله القاضي المنزه العظيم نفسه مهتم بقضيتنا. ولنا عنده شفيع، يسوع البار الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. الأرملة لم يكن متاحاً لها أن تقابل قاضي الأرض إلا في وقت محدد سابقاً. أما نحن فلنا امتياز القدوم إلى قاضي السماء بروح واحد، نهاراً وليلاً وفي كل ساعة. الأرملة، كان إلحاحها مزعجاً للقاضي، حتى أنه اشتد غضبه عليها. أما نحن فحين نرفع قضيتنا لإلهنا فإن قلبه يسر جداً. وقد قال لنا في المسيح اطلبوا فتأخذوا ليكون فرحكم كاملاً.

هل سبق لك أن ظلمت ورفعت ظلامتك إلى القاضي الإلهي؟ إن أعظم قضية على الإطلاق هي الخطية. إنها تزعجك كما تزعج كل إنسان. إرفعها إليه باسم المسيح، تنل الغفران، الذي هو أهم من كل إنصاف. «قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ ٱلأَّوَلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا» (إشعياء 41: 21 و22) «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

إنه إله رحيم ورؤوف، وقد ظهرت رحمته لموسى في البرية. فحين تعقدت الأمور بالنسبة له وقال للرب «فَٱلآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ...» أجابه الرب «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ» (خروج 33: 13 و14).

وظهرت رحمته لأيوب، إذ أشفق عليه في بلواه، وسر بإثابته في نهاية امتحانه فصارت الكلمة في يعقوب «هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ ٱلصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ ٱلرَّبِّ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ كَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ» (يعقوب 5: 11).

وظهرت رحمته لداود في أبان سقطته، فأشفق على دموع توبته التي عوم بها فراشه. فغفر له إثمه وستر خطيته، وأعطاه نقاوة القلب. حتى أنه قال «رأيت داود ابن يسى رجلاً حسب قلبي».

وظهرت رأفته لبني البشر في عمل المسيح الكفاري على الصليب، وفقاً لقول الإنجيل «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16).

(10-12) وقد ظهر لطف الله في تعامله مع البشر لأنه لا يعامل أحداً بحسب استحقاقه، بل بمقتضى نعمته الغنية بالرحمة. ولا يجازي أحداً حسب ذنوبه بل يعامله بالصفح والغفران. هكذا قال رسوله المغبوط بولس «وَلٰكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ وَإِحْسَانُهُ - لا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغَسْلِ ٱلْمِيلادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (تيطس 3: 4 و5).

فكل الهبات الروحية التي للمؤمنين إنما حصلوا عليها بنعمة الله ومحبته لهم، فلا يحق لهم الافتخار والاعجاب بأنفسهم. فمحبة الله مصدر عمل الفداء. فلطفه إذن ظهر للناس بإرساله ابنه يسوع المسيح ليفتدي البشر ويخلصهم.

الترنيمة

Table 17. 

هُوَ ٱلرَؤوفُ ٱلرَّاحِمُوَٱلْوَاسِعُ ٱلْعِلْمِ
إِذَا أَسَاءَ ٱلْظَالِمُعَامَلَ بَٱلْحِلْمِ
لَيْسَ كَإِثْمِنَا صَنَعْمَعْنَا فَجَازَانَا
وَلاَ قَصَاصَنَا صَنَعْحَسْبَ خَطَايَانَا
لَكُمْ كَمَا تَعْلُو ٱلسَّمَاعَنْ جَانِبِ ٱلأَرْضِ
يَلْطُفُ رَبُّ ٱلرَّحْمَابَٱلْخَائِفِ ٱلْمَرْضِي
وَمِثْلُ بُعْدِ ٱلْمَشْرِقِعَنْ جِهَةِ ٱلْغَرْبِ
أَبْعَدَ عَنْ قَلْبِ ٱلتَّقِيشَوَائِبَ ٱلذَّنْبِ
وَمِثْلَمَا يَحْنُو ٱلأَبُعَلَى ٱبْنِهِ ٱلْطِفْلِ
يُشْفِقُ إِذْ يُؤَدِبُبَنِيهِ بِٱلْعَدْلِ

الصلاة: ربنا وإلهنا القادر على كل شيء، والحاضر في كل مكان، نشكرك لأجل رأفتك الواسعة، ورحمتك الغنية. نشكرك لأنك لم تعاملنا بحسب أعمالنا. بل كما يترأف الآب على البنين هكذا تترأف علينا. ولأنك محوت كغيم كل ذنوبنا. ليس لأننا أبرار، بل المسيح بررنا، وقدس قلوبنا، وأهلنا للبنوة الإلهية. فصار لنا هذا الامتياز أن نقترب إليك بدالة البنين. باسم المسيح تقبل شكر قلوبنا. آمين.

السؤال: 17 - ما هي صفات الله التي عددها المرنم؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة

13كَمَا يَتَرَأَّفُ ٱلأَبُ عَلَى ٱلْبَنِينَ يَتَرَأَّفُ ٱلرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ. 14لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ. 15ٱلإِنْسَانُ مِثْلُ ٱلْعُشْبِ أَيَّامُهُ. كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ كَذٰلِكَ يُزْهِرُ. 16لأَنَّ رِيحاً تَعْبُرُ عَلَيْهِ فَلا يَكُونُ، وَلا يَعْرِفُهُ مَوْضِعُهُ بَعْدُ. 17أَمَّا رَحْمَةُ ٱلرَّبِّ فَإِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي ٱلْبَنِينَ، 18لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا.

(13 و14) في هذه الآية مسحة من الإنجيل، إذ يعيد إلى أذهاننا الكلمة الأولى في نموذج الصلاة الذي وضعه الرب يسوع (أبانا). لم يسمع في العهد القديم أن أحداً من الآباء أو الأنبياء أو الملوك أو القديسين خاطب الله بهذه العبارة «أبانا». لكننا في عهد النعمة والحق بيسوع المسيح، نلنا هذا الامتياز أن نتقدم إلى الله بدالة البنين.

صحيح أن كل البشر يعتبرون أولاد الله، باعتبار كونه خالقهم، ولأنهم خلقوا على صورته كشبهه. ولكن هناك للمؤمنين بنوة غالية ومن نوع آخر، وهي التي ننالها بالإيمان بالمسيح يسوع (غلاطية 3: 26). «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 12).

هذا هو امتياز العهد الجديد أن المؤمنين لا يتقدمون إلى الله كإله جبار منتقم مرعب، بل كآب حنون. وهذا ما يحببنا في أن نقترب منه في كل وقت. دون أن يعترينا خوف الرعب، ولا نشعر بشيء من القلق الذي يشكو منه كثيرون في أيامنا. بل بالعكس فإن الاقتراب منه وإقامة الشركة الروحية معه يشعرنا بالفرح والنشاط.

لذلك حين نصلي خليق بنا أن نكون واثقين من أننا في المسيح وأن المسيح تبنانا فعلاً لله. المسيح قال لجماعة من اليهود المعاندين، إنهم أولاد إبليس. فكيف نعرف أننا أولاد الله، ولسنا أولاد إبليس؟ يوحنا الحبيب يجيب على هذا السؤال إذ يقول «بِهٰذَا أَوْلادُ ٱللّٰهِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلادُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لا يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكَذَا مَنْ لا يُحِبُّ أَخَاهُ مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هٰذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لا يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ» (رسالة يوحنا الأولى 3: 10 و8 و9).

تأمل يوحنا بتعاملات الله معنا على أساس هذه المحبة العجيبة، فاندهش وقال: «أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلادَ ٱللّٰهِ! مِنْ أَجْلِ هٰذَا لا يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ، لأَنَّهُ لا يَعْرِفُهُ» (رسالة يوحنا الأولى 3: 1). وكأبناء نتمتع برعاية الله لنا، تلك الرعاية التي لا تغفل ولا تنام، ولا تكل ولا تمل. في كل ساعة، في كل لحظة عينه علينا، لا يهملنا ولا يتركنا. «وَيَكُونُونَ لِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ ٱلإِنْسَانُ عَلَى ٱبْنِهِ» (ملاخي 3: 17) ويعزو المرنم الشفقة الإلهية ليس للمحبة فقط، بل أيضاً لكون الإنسان مخلوقاً ضعيفاً، يحتاج دائماً إلى حنان الله وعطفه.

(15-18) يشبه المرنم الحلو الإنسان بالعشب نظراً لقصر أيام عمره على الأرض. وهذا التشبيه بالعشب كان شائعاً في العهد القديم. إذ نقرأ في إشعياء 40: 6-8 «كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ. يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلّزَهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقّاً ٱلشَّعْبُ عُشْبٌ! يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلّزَهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ». والواقع أن حياة الإنسان على الأرض قصيرة، فهو سريع الزوال، كالعشب، وله جمال كالعشب. ولكن جماله يذوي يوماً بعد يوم حتى يأتي أجله، فيوارى الثرى ويصبح نسياً منسياً. أما رحمة إلهنا، فهي كل يوم لا تتركنا. وحين تنتهي أيامنا على الأرض، تحملنا الرحمة على أجنحتها إلى ديار الرب، لنتمتع إلى الأبد بما «لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ ٱللّٰهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (كورنثوس الأولى 2: 9) هذه هي ثمرة لقاء روح الإنسان، الذي يطلب الله، مع روح الله.

الترنيمة

Table 18. 

إِذَا غَدَا ذَنْبِيكَٱلْقِرْمِزِ ٱلْقَانِي      
يَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ ٱلَّذِيفِي رَأْسِ لُبْنَانِ      
فِي ضِيقِ أَحْوَالِيوَشِدَّةِ ٱلأَحْزَانْ      
لاَ أَرْهَبُ ٱلَّشرَّ وَلِيعَوْنٌ مِنَ ٱلرَّحْمَانْ      
إِنُ تَهْجُمِ ٱلْعِدَىمَعْ عَسْكَرِ ٱلْجَحِيمْ      
فَلَسْتُ أَخْشَى أَحَدَاوَمُنْقِذِي ٱلرَّحِيمْ      
بِتُرْسِ إِيمَانٍوَسَيْفِ رُوحِ ٱللَّهْ      
وَخُوذَةِ ٱلرَّجَا مَعاًأَظْفَرُ بَٱلنَّجَاةْ      

الصلاة: أيها السيد الرب إلهنا، يا غافر يا صفوح. نعترف أمامك بخطايانا الكثيرة. ونقر بمخالفتنا لوصاياك. ونشكرك لأجل رأفتك الواسعة في الحلم، الغنية بالمراحم. ولأجل قلبك الممتلئ بالمحبة، التي إذ رأتنا نئن تحت ثقل أوزارنا تحننت علينا وغفرت خطايانا، لأجل خاطر الفادي يسوع، الذي غسلنا وتبنانا لله. ثبِتنا في القداسة منعماً، ولك المجد بربنا يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 18 - ما هو امتياز العهد الجديد؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّالِثُ - تتمة

19اَلرَّبُّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ثَبَّتَ كُرْسِيَّهُ وَمَمْلَكَتُهُ عَلَى ٱلْكُلِّ تَسُودُ. 20بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا مَلائِكَتَهُ ٱلْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً، ٱلْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلامِهِ. 21بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ جُنُودِهِ، خُدَّامَهُ ٱلْعَامِلِينَ مَرْضَاتَهُ. 22بَارِكُوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ أَعْمَالِهِ. فِي كُلِّ مَوَاضِعِ سُلْطَانِهِ بَارِكِي يَا نَفْسِيَ ٱلرَّبَّ.

(19) في هذه الآية يرتفع رجل الله إلى الأعالي فيتصور الرب مثبتاً سلطانه، حيث كل ما في السموات من أجناد وقوات يخضع لجلاله الأقدس، وفقاً لقوله: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متى 28: 18) بمعنى أنه لا يوجد شيء ليس تحت سلطانه، باعتبار كونه إلهاً. وقد وردت نبوات كثيرة في العهد القديم، عن ملكوت المسيح، تتضمن صفاته وقوته وفاعليته ومدى انتشاره. قال دانيال النبي «يُقِيمُ إِلَهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً، وَمَلِكُهَا لا يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ» (دانيال 2: 44) «مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ وَسُلْطَانُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ» (دانيال 4: 3). وقال سليمان «يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ ٱلصِّدِّيقُ وَكَثْرَةُ ٱلسَّلامِ... وَيَمْلِكُ مِنَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَمِنَ ٱلنَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ... وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ لأَنَّهُ يُنَجِّي ٱلْفَقِيرَ ٱلْمُسْتَغِيثَ وَٱلْمِسْكِينَ إِذْ لا مُعِينَ لَهُ» (مزمور 72: 7-12).

وقال إشعياء «اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. ٱلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلالِ ٱلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ... لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ. لِنُمُّوِ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلامِ لا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلآنَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (إشعياء 9: 2-7).

فولادة المسيح مصدر كل سلام، وتقلده كل رياسة وسلطان وقدرة، مصدر كل تعزية لكل الذين قبلوه. وأما رياسة المسيح فلم تجد قبولاً عند اليهود، لأنها لم تكن كما كانوا ينتظرون. فقد انتظروا رياسة ملك زمني يتزعمهم سياسياً. ويجند طاقاتهم العسكرية. وحتى التلاميذ أنفسهم كانوا يعتقدون أن المسيح وقد أتى فإنه سوف يرد الملك لإسرائيل. ولكن المسيح في مناسبات كثيرة أوضح لهم أن ملكوته ليس ملكوتاً أرضياً، بل ملك روحي. ومع ذلك فحتى بعد قيامته من الأموات، كان هذا الفكر ما زال مسيطراً على التلاميذ فقبيل انطلاقه إلى السماء سألوه «يَا رَبُّ، هَلْ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» (أعمال 1: 6).

ولكن المسيح رفض الرغبة اليهودية بكل إباء، لأن رياسته كانت روحية في قلوب الناس، وغايتها القداسة. أما في العالم الحاضر، فمملكة المسيح تقوم على المحبة، وتظهر الحق وتنير الضمير. هكذا قال لبيلاطس في أثناء محاكمته: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 18: 36).

إن مملكة الرب التي أشار إليها المرنم، هي المملكة التي عبر عنها في العهد الجديد بملكوت الله. وهو الملكوت الذي كانت الأجيال تنتظره لتتمتع فيه بنعمة الله كاملة. نعمته الغافرة نعمته المحررة نعمته المخلصة، التي تعلمنا أن ننكر الفجور الذي في العالم بالشهوة.

ولهذا فإن يوحنا المعمدان حين بدأ رسالته، كان أول ما عمله هو إعداد القلوب بالتوبة، لاستقبال هذا الملكوت، إذ قال «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّماوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 3: 2).

وكانت هذه بداية كرازة المسيح، إذ نقرأ في الإنجيل «مِنْ ذٰلِكَ ٱلّزَمَانِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ : تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 4: 17).

وكانت هذه هي الكرازة التي أمر يسوع رسله أن ينادوا بها، إذ قال لهم: «وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ ٱكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 10: 7).

ومن ميزات ملكوت الله أنه ليس له حدود. ولكن قلب المؤمن يحتويه، بدليل قول المسيح «هَا مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ دَاخِلَكُمْ» (الإنجيل بحسب لوقا 17: 21) ومعنى هذا أن الرب يريد أن يملك على كل قلب ويتخذ منه عرشاً له. هكذا قال الرسول: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ» (كورنثوس الأولى 3: 16).

أليس أمراً عجيباً أن يرتضي الله الكلي القداسة، بأن يحل في قلوبنا الدنسة في الحقيقة لو أتيح لإنسان أن يرى ما احتواه قلبه من أفكار دنسة من النوع الذي ذكره قبيح، لغطى وجهه خجلاً. ولكن امتياز ملكوت الله، أن الملك الرب يغسل كل قلب يؤمن به بدمه الطاهر، فيقدسه ويصيره لائقاً بسكنى الله. فهل تريد الحصول على هذا الغسل، لتقبل روح الله القدوس، وبالتالي تصبح أحد رعايا ملكوت الله.

اذكر أيها القارئ الكريم أن الرب ملك عظيم، لا حد لعظمته، فقد قال سليمان في صلاته أثناء تدشين الهيكل «هُوَذَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ ٱلسَّمَاوَاتِ لا تَسَعُكَ، فَكَمْ بِٱلأَقَلِّ هٰذَا ٱلْبَيْتُ» (ملوك الأول 8: 27).

وهو ملك غني وغناه لا يُحد. كل بركات السماء وخيرات الأرض ملك له. بل السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها ملك له. «لَكَ ٱلسَّمَاوَاتُ. لَكَ أَيْضاً ٱلأَرْضُ. ٱلْمَسْكُونَةُ وَمِلْؤُهَا أَنْتَ أَسَّسْتَهُمَا» (مزمور 89: 11).

وهو ملك قدير، وقدرته لا تُحد. فهو الذي علق الأرض وكل الكواكب والنجوم على لا شيء. وهو الذي يسير المسكونة، وهو الذي أخضع الكل له، ولا يقوى عليه أي سلطان في الوجود.

فإن كان ملكاً عظيماً، وملكاً غنياً، وملكاً مقتدراً أفليس من الحكمة ومن الخير لنا، أن نتخذه ملكاً؟ أليس شرفاً عظيماً أن يكون لنا ملك كهذا؟ قال تيودوس الكبير، أمبراطور الرومان: أنه أكثر شرفاً لي أن أكون خادماً لله، من أن أكون أمبراطوراً.

إني أتوسل إليك أيها العزيز أن تفتح قلبك للرب يسوع، ليتخذه عرشاً مقدساً له. لا تهدأ حتى يتملك الرب حياتك، لئلا يمتلكها العالم والشيطان والخطية.

يختم المرنم هذا المزمور المجيد بدعوة الأجناد السماوية لكي يباركوا الرب ويشتركوا معاً في تسبيح السيد وحمده وتمجيده. وأخيراً يعود إلى نفسه فيكرر عبارته الأولى: باركي يا نفسي الرب.

الترنيمة

Table 19. 

يَا مَلِيكَ ٱلْعَالَمِينْيَا رَئِيسَ ٱلْمُؤْمِنِينْ      
سُدْ بَقَلْبِي كُلَّ حِينْبِهُدَى ٱلرُّوحِ ٱلأَمِينْ      
وَٱمْلِكَنِّي يَا مُعِينْيَا مَلِيكَ ٱلْعَالَمِينْ      
أَنْتَ ُسُلْطَانُ ٱلدُّهُورْأَنْتَ قَهَّارُ ٱلشُّرُورْ      
قَوِّنِي كَيْ لاَ أَخُورْأَنْتَ لِي حِصْنٌ وَسُورْ      
مِنْ مَكَايِدِ ٱلْغُرُورْأَنْتَ سُلْطَانُ ٱلدُّهُورْ      
أَنْتَ سَيِّدِي ٱلسَّمِيعْمِنْ ذُرَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّفِيعْ      
أَعْطِنِي قَلْباً يُطِيعْيَا مُخَلِّصَ ٱلْجَمِيعْ      
وَأَعِنِي يَا شَفِيعْ       
أَنْتَ سَيِّدِي ٱلسَّمِيعْ       

الصلاة: أيها السيد الرب، أنت إلهي وملكي. أرجوك أن تسود على حياتي، حتى أكون لك بكليتي أعطيك قلبي وفكري وإرادتي، فتقبل عطيتي، وطهر نواياي وعواطفي، لكي أعبدك بطهارة قلب. أنت تعرف أنني من تراب جبلت، وأنا بالطبيعة ضعيف. لذلك أتوسل ْإليك باسم الرب الفادي، أن تقويني وتعين ضعفي. وأعترف بأن لي طبيعة التمرد، فأعطني روح الطاعة، حتى أحفظ وصاياك، ولا أضل عن شريعتك. هذا ما أطلبه باسم يسوع ربي ومخلصي، فاستجب لي إكراماً له. آمين.

السؤال: 19 - ماذا كانت كرازة المعمدان وبماذا أمر المسيح أن يكرز؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ - تسبيحة للخالق

1بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ. يَا رَبُّ إِلٰهِي قَدْ عَظُمْتَ جِدّاً. مَجْداً وَجَلالاً لَبِسْتَ. 2ٱللاّبِسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ ٱلْبَاسِطُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَشُقَّةٍ. 3ٱلْمُسَقِّفُ عَلالِيَهُ بِٱلْمِيَاهِ. ٱلْجَاعِلُ ٱلسَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ. ٱلْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلرِّيحِ. 4ٱلصَّانِعُ مَلائِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً. 5ٱلْمُؤَسِّسُ ٱلأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلا تَتَزَعْزَعُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. 6كَسَوْتَهَا ٱلْغَمْرَ كَثَوْبٍ. فَوْقَ ٱلْجِبَالِ تَقِفُ ٱلْمِيَاهُ. 7مِنِ ٱنْتِهَارِكَ تَهْرُبُ مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ تَفِرُّ. 8تَصْعَدُ إِلَى ٱلْجِبَالِ. تَنْزِلُ إِلَى ٱلْبِقَاعِ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي أَسَّسْتَهُ لَهَا. 9وَضَعْتَ لَهَا تُخُماً لا تَتَعَدَّاهُ. لا تَرْجِعُ لِتُغَطِّيَ ٱلأَرْضَ.

10اَلْمُفَجِّرُ عُيُوناً فِي ٱلأَوْدِيَةِ. بَيْنَ ٱلْجِبَالِ تَجْرِي. 11تَسْقِي كُلَّ حَيَوَانِ ٱلْبَرِّ. تَكْسِرُ ٱلْفِرَاءُ ظَمَأَهَا. 12فَوْقَهَا طُيُورُ ٱلسَّمَاءِ تَسْكُنُ. مِنْ بَيْنِ ٱلأَغْصَانِ تُسَمِّعُ صَوْتاً. 13ٱلسَّاقِي ٱلْجِبَالَ مِنْ عَلالِيهِ. مِنْ ثَمَرِ أَعْمَالِكَ تَشْبَعُ ٱلأَرْضُ. 14ٱلْمُنْبِتُ عُشْباً لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ ٱلإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ ٱلأَرْضِ، 15وَخَمْرٍ تُفَرِّحُ قَلْبَ ٱلإِنْسَانِ لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلزَّيْتِ، وَخُبْزٍ يُسْنِدُ قَلْبَ ٱلإِنْسَانِ. 16تَشْبَعُ أَشْجَارُ ٱلرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ ٱلَّذِي نَصَبَهُ. 17حَيْثُ تُعَشِّشُ هُنَاكَ ٱلْعَصَافِيرُ. أَمَّا ٱللَّقْلَقُ فَٱلسَّرْوُ بَيْتُهُ. 18ٱلْجِبَالُ ٱلْعَالِيَةُ لِلْوُعُولِ. ٱلصُّخُورُ مَلْجَأٌ لِلْوِبَارِ.

(1 و2) يستهل المرنم هذا المزمور أيضاً بدعوة نفسه لتسبيح الرب، قائلاً: باركي يا نفسي الرب. وبعد أن يتأمل أعمال الله في الخليقة يخاطب الرب ويصفه بالعظمة والجلال ثم يصف هذا الخالق العظيم مجداً وجلالاً، فيتصوره متسربلاً بالنور، فيلتقي بذلك مع يوحنا الرسول الملهم، إذ يقول «وَهٰذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ (أي من المسيح) وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ٱللّٰهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (يوحنا الأولى 1: 5-7). ومعنى كون الله نوراً، أنه طاهر مجيد ومصدر النور الطبيعي، لأنه دعا النور من الظلمة، ومصدر النور الروحي. لأن منه المعرفة والحكمة وكل كمال في الخليقة. وهذا موافق لقول المرنم «اللابس النور كثوب» وقول حبقوق «وَكَانَ لَمَعَانٌ كَٱلنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ ٱسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ» (حبقوق 3: 4).

ولكن هذا الإله الساكن في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه (تيموثاوس الأولى 6: 16)، لم يبق بعيداً عنا، بل تجلى لنا في العهد الجديد في شخص الرب يسوع، الذي قال الإنجيل عنه إنه النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 9) وقال هو نفسه «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاة»(الإنجيل بحسب يوحنا 8: 12). الله نور والمسيح نور، فهو صورة الله غير المنظور (كولوسي 1: 15) هو إله من إله نور من نور. إن النور المنظور في العالم هو الشمس، والمسيح هو شمس البر (ملاخي 4: 2).

والمسيح إذ يدعو نفسه نوراً، يعلن ضمناً لاهوته. فالله نور في تجلياته وفي صفاته. ظهر لموسى في هيئة نار (خروج 3: 2) وعند ارتحال أتقيائه من سكوت ونزولهم في طرف البرية، كان الرب يسير أمامهم... ليلاً في عمود نار (خروج 3: 21) ويقول داود في المزمور 27: 1 «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاصِي».

المسيح نور ومن يتبعه لا يمكث في ظلمة الخطية. فواجبنا نحو أنفسنا أن نتبعه وأن نسلك في نوره، وفي كل شيء نستمد منه الإرشاد لكي نعرف الطريق المؤدية للسعادة الأبدية.

كثيرون يتبعون أنواراً تؤدي بهم إلى الهلاك، أما المسيح فهو النور الحقيقي. لذلك نكون حكماء إن آمنا ومشينا فيه، لأنه سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا. وإنها لسعادة لمن يتبع المسيح! أنه لا يمشي في الظلمة، أي لا يترك محروماً من تعاليمه المنيرة التي تصير الجاهل حكيماً. وتحفظ من يعمل بها من الضلالات المهلكة. إنه يكون له نور الحياة، أي معرفة الله والتمتع به. اتبع المسيح منذ الأزل، لأنك إن تبعته هنا تتبعه إلى السماء.

(3) ينتقل المرنم من عمل الله في اليوم الأول للخليقة، إلى عمله في اليوم الثاني، حينما قال الله ليكن جلد. فتكونت القبة الزرقاء، وهي ستارة جميلة وجذابة، منبسطة كشقة الخيمة، المنتشرة في كل الاتجاهات.

(4) كان الاعتقاد السائد لدى شعب العهد القديم بأنه كما أن الله خلق الإنسان من تراب الأرض، هكذا خلق ملائكته من النار الملتهبة. ولكن يرجح ثقات المفسرين أن المعنى الذي قصده المرنم، هو أن الله يستخدم الريح والنار في إتمام مقاصده واستماع صوته. هكذا نقرأ عن إيليا النبي، أنه حين كلم الرب عن الصعوبات التي واجهها في إتمام رسالته، كيف أنه صار وحيداً بعد قتل رفاقه الأنبياء، جاء كلام الله إليه «ٱخْرُجْ وَقِفْ عَلَى ٱلْجَبَلِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. وَإِذَا بِٱلرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ... وَبَعْدَ ٱلرِّيحِ زَلْزَلَةٌ،... وَبَعْدَ ٱلّزَلْزَلَةِ نَارٌ... وَبَعْدَ ٱلنَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ» (ملوك الأولى 19: 10-12).

(5-7) في هذه الآيات يتكلم المرنم عن الأرض فيصفها بأنها ثابتة، بقدرة الرب فلا تتزعزع ولا تتقلقل، لأن الرب قرر شكلها ووضعها في المكان المناسب من الفضاء ووضع سرعة دورانها، قال العالم المعاصر أ. كرسبي رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك:

  1. إن الأرض تدور حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة. ولو أنها دارت بسرعة ماية ميل في الساعة، لأصبح الليل والنهار عشرة أضعاف أطول مما هما عليه، وتبعاً لذلك تحرق الحرارة النباتات في النهار، أو يقتل الجليد الكائنات الحية في الليل.

  2. إن انحراف كروية الأرض بمقدار 23 درجة أوجد لنا الفصول الأربعة. ولو لم تكن منحرفة هكذا، لتحركت أبخرة المحيطات شمالاً وجنوباً وقذفتنا بكميات لا تقدر من الجليد.

  3. لو أن القمر بعيد عن الأرض خمسين ألف ميل فقط لتعرضنا للغرق مرتين كل يوم، ولتفتت الجبال.

  4. لو أن قشرة الأرض أكثر سماكة مما هي لانعدم الأوكسجين وتبعاً لذلك تنعدم الحياة.

  5. لو أن المحيطات أعمق مما هي، لامتص ثاني أوكسيد الكربون والأوكسجين وماتت الحياة النباتية.

  6. لو أن الجو المحيط بالأرض أقل سمكاً مما هو عليه، لتعرضت الأرض للحرائق بسبب النيازك التي ترتطم بسطحها كل يوم.

هكذا عناية الله بالمؤمن، الذي صار في المسيح خليقة جديدة لا يتزعزع ولا يتقلقل، لأن يد الرب عاضدة الصديق تسنده. وإذا عثر ينهضه الرب، ويشفي ارتداده (هوشع 14: 4).

يقيناً أن الذين يرجعون إلى الله، يلتقيهم الله في الطريق برحمته الغنية بالغفران. لأن الرب طويل الروح وكثير الرحمة، لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر (مزمور 103: 9) تكلم مع الله بصلوات طيبة باسم يسوع، فيتكلم معك بمواعيد طيبة، ويرفع نفسك. صحيح أن الارتداد عن الله مرض خطير، ولكنه ليس مرضاً عديم الشفاء، لأن الله وعد برحمته، أنه إن لجأ الخاطي المرتد إليه كطبيبه، وخضع لطرقه، فالله يشفي ارتداده بنعمته الغافرة، ويشفي ايضاً ميله إلى الارتداد ذلك لأنه يحب الخاطي فضلاً. يحبه محبة كاملة ويتوق إلى رجوعه إليه، ولا يستكثر أن يعطيه صفحاً وتغاضياً شاملاً عن أزمنة الجهل. كما أنه يغير أفكاره وميوله.

اذكر أن الله يحبك محبة مبتهجة. يحبك بلا تردد. وفي يوم توبتك سوف لا يقول: كيف أقبلك ثانية؟ صحيح أن كلمته «أحبهم فضلاً» تعني بأن الخاطي لا يستحق المحبة. ولكن كم يجب أن تشكر لأجل استحقاق يسوع الذي صالحك مع الله، فصارت المسرة الإلهية أن تحب من الله.

(8-13) وينظر المرنم إلى الجبال، فإذا هي شامخة، وإلى الوديان فإذا هي سحيقة، وإلى السهول فإذا هي منبسطة، وإلى الأنهر فإذا هي تنساب بين الحقول كسلاسل فضية، لتروي العطاش. وهذا يذكرنا بدعوة المسيح «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَي» (الإنجيل بحسب يوحنا 7: 37 و38) وإنها لسعادة كبرى للبشر أن المسيح وجه دعوة عامة إن عطش أحد مهما كانت حاله، أو وضعه أو مركزه، فإن المسيح يدعوه وفقاً للدعوة الإلهية «أَيُّهَا ٱلْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا» (إشعياء 55: 1).

وكأني بالدعوة تقول لكل إنسان: لا تذهب إلى الناموس الطقسي الذي لا يريح الضمير ولا يستطيع أن يطهره من أعمال ميته. لا تذهب إلى الفلسفة المادية، التي لا تفعل شيئاً سوى خداع الناس، وتركهم في صحارى الإلحاد دون هداية. بل اذهب إلى المسيح، واقبل خلاصه المجاني، وتعاليمه الإلهية، على أساس أنه هو ينبوع الحياة الحية، مانح كل البركات.

وقد أضيف إلى هذه الدعوة الكريمة وعد كريم «من آمن بي تجري من بطنه أنهار ماء حي» هنا نرى معنى المجيء إلى المسيح. إنه قبوله مخلصاً شخصياً كما هو مقدم لنا في الإنجيل. إن أتقياء العهد القديم الذين آمنوا برسالة موسى، شربوا من الصخرة التي تابعتهم، بمعنى أن المياه تابعتهم. أما المؤمنون بيسوع، فإنهم يشربون من الصخرة التي فيهم، أي المسيح الذي هو ينبوع ماء حي (الإنجيل بحسب يوحنا 4: 14). والماء الحي هو الماء الجاري لأنه دائم التحرك. وهو بالنسبة لعطية المسيح نعم وتعزيات الروح القدس، الذي ينعش ويحيي الحياة الروحية.

(14-18) بعد أن يستعرض المرنم ما في الطبيعة من عيون متفجرة تسقي كل حيوانات البرية، وطيور السماء التي تبني أعشاشها في الأشجار، ينتقل إلى وصف ما في الأرض من ثمر أعمال الله لخدمة الإنسان. إذ ينبت الأشجار المثمرة، والخضر وكل أنواع البقول والثمار التي يتمتع بها الإنسان. وينبت المزروعات التي منها يؤخذ الخبز، الذي يتغذى به الإنسان جسدياً. وهو يذكرنا بخبز الله النازل من السماء الواهب حياة للعالم، يسوع ابن الله الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلا يَعْطَشُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 6: 33-36).

ثم يذكر المرنم الكرمة السخية بعنبها وعصيرها الذي كان في القديم يقدم في الأفراح. فهو رمز الفرح الذي يجعل الوجه مشرقاً كأنه مدهون بالزيت. والكرمة تذكرنا بيسوع الذي قال «أَنَا ٱلْكَرْمَةُ ٱلْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي ٱلْكَرَّامُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 15: 1) وهكذا يذكر المرنم العناصر الهامة في غذاء الإنسان حسب العرف القديم وهي الخبز والزيت والخمر.

ويذكر لنا رجل الله أشجار الأرز ويصفها بأشجار الرب. لأن هذه الأشجار الجميلة الباسقة ككل روائع الطبيعة تتحدث لنا بقدرة السيد الرب، وترينا عظمته بالنسبة لقوتها وشموخها وقدمها في السنين، وثباتها ضد العواصف العاتية.

الترنيمة

Table 20. 

مَنْ ذَا ٱلَّذِي يَفْصِلُنَاعَنْ حُبِّ فَادِينَا
أَكُرْبَةٌ أَمْ ضِيقَةٌلاَ شَيْءَ يُثْنِينَا
لاَ ٱلْجوعُ لاَ ٱلْعُرْيُ وَلاَ ٱلْأَخْطَارُ وَٱلأَتْعَابْ
مِنْ أَجْلِهِ نَحْتَمِلُ ٱلْأَرْزَاءَ وَٱلْعَذَابْ
لاَ خَوْفَ مِنْ مَوْتٍ وَلاَأَذىً بِذِي ٱلْحَيَاةْ
يقْدِرُ أَنْ يَفْصِلَنَاعَنْ حُبِّنَا إِيَّاهْ
لاَ شَيْءَ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَخَلِيقَةٌ أُخْرَى
لاَ عُمْقَ لاَ عُلُوَّ لاَسِيَادَةٌ كُبْرَى
تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَاعَنْ حُبِّ رَبِّنَا
فَإِنْ نَمُتْ فِي حُبِّهِفَٱلْمَوْتُ مَجْدُنَا

الصلاة: هأنذا يا رب آتي إليك بذنوبي، ملتمساً الرحمة، مبتغياً الخلاص، طالباً الغفران عن خطاياي، أعترف بأنني أغضبتك بآثامي الكثيرة. ولكني أسألك باسم يسوع، الذي مات بديلاً عني، أن تذكر الرحمة في وقت الغضب لكي لا تبيدني نار الغضب. اللهم اقبل توبتي، وثبتني في محبة المسيح، لكي أشفى نهائياً من ارتدادي. أرجوك والتمس أن تستجيب لي. آمين.

السؤال: 20 - كيف استهل المرنم هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلرَّابِعُ - تتمة

19صَنَعَ ٱلْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. ٱلشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا. 20تَجْعَلُ ظُلْمَةً فَيَصِيرُ لَيْلٌ. فِيهِ يَدِبُّ كُلُّ حَيَوَانِ ٱلْوَعْرِ. 21ٱلأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطُفَ وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ ٱللّٰهِ طَعَامَهَا. 22تُشْرِقُ ٱلشَّمْسُ فَتَجْتَمِعُ، وَفِي مَآوِيهَا تَرْبِضُ. 23ٱلإِنْسَانُ يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ.

24مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنَةٌ ٱلأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ. 25هٰذَا ٱلْبَحْرُ ٱلْكَبِيرُ ٱلْوَاسِعُ ٱلأَطْرَافِ. هُنَاكَ دَبَّابَاتٌ بِلا عَدَدٍ. صِغَارُ حَيَوَانٍ مَعَ كِبَارٍ. 26هُنَاكَ تَجْرِي ٱلسُّفُنُ. لَوِيَاثَانُ هٰذَا خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ. 27كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ. 28تُعْطِيهَا فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْراً. 29تَحْجُبُ وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. 30تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ ٱلأَرْضِ.

31يَكُونُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلدَّهْرِ. يَفْرَحُ ٱلرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ. 32ٱلنَّاظِرُ إِلَى ٱلأَرْضِ فَتَرْتَعِدُ. يَمَسُّ ٱلْجِبَالَ فَتُدَخِّنُ. 33أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلٰهِي مَا دُمْتُ مَوْجُوداً، 34فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي وَأَنَا أَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ. 35لِتُبَدِ ٱلْخُطَاةُ مِنَ ٱلأَرْضِ وَٱلأَشْرَارُ لا يَكُونُوا بَعْدُ. بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ. هَلِّلُويَا.

(19-23) يبدأ المرنم هذا القسم من المزمور بذكر القمر نظراً لأهمية القمر بالنسبة للقدماء في تقسيم الأوقات إلى أشهر. ولكنه لا يلبث أن يتحول إلى شمس النهار فيذكر غروبها، الذي تتبعه جيوش الظلام. وهكذا يذكر هدأة الليل وما يدب في أثنائها من حيوانات سعياً وراء الرزق. وكأني بالمرنم يوجه الأنظار إلى عناية الله بمخلوقاته، إذ يهيء لها طعامها. وهذه المخلوقات حين تشرق شمس النهار بأشعتها، تعود إلى مرابضها أما الإنسان فنظام حياته يختلف تماماً، إذ يعمل أثناء النهار، ويعود إلى مأواه في المساء.

(24) يتأمل المرنم هذه المخلوقات الحية، ويستعرض طريقة عيشها، فيرى أن عناية الله المدبرة، هي التي تسوسها بكل حكمة. ثم ينتقل إلى التأمل في ما حوله من روائع الطبيعة، وما فوقه من أفلاك وأجرام سماوية فينطلق فمه بالتسبيح قائلاً «ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت».

ولا ريب أنها لنعمة لا تحد، تلك التي تجعل ذاك الذي يضبط الكل بكلمة قدرته، يعتني بخطوات خلائقه. ويقدم لنا حكمته، لتكون مرشداً لنا في أيام غربتنا.

نلاحظ جيداً أن كل شيء يختص بحكمة الله، يتصف بالثبات والحفظ وعدم الضياع. لأن كل ما هو خاضع في الطبيعة إنما هو خاضع بقوة الله وحكمته. «لأنه بِٱلْحِكْمَةِ أَسَّسَ ٱلأَرْضَ. أَثْبَتَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلْفَهْمِ» (أمثال 3: 19). وبمعنى آخر إنها نتيجة تدبير حكيم. أي أن صورة أفكاره ومشيئته، ليست مثل ثمرة تفكير الإنسان الذي يجهل نهاية العمل الذي بدأه، بل هي ترتيب الله الكامل الذي أتم كل شيء حسب قصد حكمته.

وهنا يظهر المسيح بصورة ظاهرة، لأنه حتى هذه الخلائق الظاهرة، قد خلقت ليكون وارثاً لها، لأن الكل به وله قد خلق (كولوسي 1: 16). ولأن في المسيح تستعلن حكمة الله وقوة الله. ولأن الكل يتركز فيه، كما هو مكتوب «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 3).

عندما نطيع ونسلك بحسب فكر الله، وبحسب كلمته، يمكننا أن نسلك في السبيل، الذي رتبته هذه الحكمة غير المحدودة. والرب إذ أعطانا المسيح حكمة، أعطانا معه التمييز والفهم والمعرفة.

(25-29) وينتقل رجل الله إلى البحر الواسع جداً، فيندهش من عظمته، معدداً ما فيه من كائنات حية صغيرة وكبيرة، وما يمخر فيه من سفن. وهذه كلها موضوع لعنايته تعالى، وكلها تشهد لمجد اسمه وتذيع حمده، لأنه يمنحها جميعاً طعامها في حينه، فلا تجوع ولا تضطرب، بل تسكن مطمئنة، لأن خالقها العظيم هيأ لها كل وسائل عيشها، وفقاً لحكمته العظيمة.

(30) في هذه العبارات إعلان ضمني للاهوت الروح القدس، إذ تصفه بكلمة «خالق» وفي الكتاب المقدس نصوص عديدة تدل على لاهوت الروح القدس منها:

  1. قول الرسول بطرس لحنانيا «لِمَاذَا مَلأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ... أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ» (أعمال 5: 3 و4).

  2. «رُوحُ ٱللّٰهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي» (أيوب 33: 4).

  3. «وَإِنْ كَانَ رُوحُ ٱلَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَٱلَّذِي أَقَامَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ ٱلْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ ٱلسَّاكِنِ فِيكُمْ» (رومية 8: 11).

  4. «فَأَعْلَنَهُ ٱللّٰهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ ٱلرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ ٱللّٰهِ» (كورنثوس الأولى 2: 10).

(31-35) في هذه الأعداد يذكر رجل الله أن مجد الرب أزلي، فلا يتغير ولا يتبدل. بل هو ثابت بثبات الله إلى الأبد. وأن الرب الإله يفرح بأعمال عنايته التي أجراها، لأنها صالحة كلها. وأمام حسنات الرب، يطيب لرجل الله أن يشدو بترنيمات لائقة بهذا الإله المعتني بخلائقه. وكان لديه اليقين بأن الرب يفرح بالترنيم.

هل تشارك رجل الله شعوره بفضل الرب، فترفع له تسابيح الحمد؟ هناك أسباب عديدة، تدعوك إلى التخشع والتعبد لهذا الرب المحب، الذي منحنا بركات عديدة أعظمها المسيح الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وفداءً. ويقيناً أن هذه العطية العظمى، التي لا يعبر عنها، لجديرة بأن تقابل بتسابيح الحمد والشكر، فبارك الرب وسبحه بكل ما أوتيت من قوة وحلاوة نشيد.

الترنيمة

Table 21. 

بَارِكِي يَا نَفْسِ لِلرَّبِّ ٱلّْذِييَلْبَسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ فِي سَمَاهْ
كَخِيَامٍ بَاسِطٌ أَفْلاَكَهُلِعَلاَلِيهِ سُقُوفٌ مِنْ مِيَاهْ
ذَلِكَ ٱلْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِٱلرِّيَاحِ وَٱلْسَّحَابَ قَدْ رَكِبْ
صَانِعَ ٱلأَمْلاَكِ أَرْوَاحاً كَمَاصَنَعَ ٱلْخُدَامَ نَاراً تَلْتَهِبْ
أَشْرَقَتْ شَمْسُ ٱلْضُحَى وَٱنْتَشَرَتْجُنْدُ وَحْشٍ تَبْتَغِي مَطْعَمَهَا
تَخْرُجُ ٱلْنَّاسُ إِلَى أَعْمَالِهَاحِكْمَةُ ٱلْخَالِقِ مَا أَعْظَمَهَا
كُلُّهَا تَأْمَلُ أَنْ تَمْنَحَهَازَادَهَا فِي حِينِهِ يَا ذَا ٱلْكَرَمْ
يُمْلأُ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱلْخَيْرِ إِذَافَتَحَ ٱلرَّبُّ يَدَيْهِ بِٱلنِّعَمْ
وَاجِبٌ لِلرَّبِّ مِنِّي طَالَمَاعِشْتُ تَرْنِيمٌ بِهَ أُسَبِّحُ
يَجِدُ ٱلرَّبُّ لِقَوْلِي لَذَّةًوَأَنَا بِٱلرَّبِّ أَيْضاً أَفْرَحُ

الصلاة: باركي يا نفسي الرب العلي الساكن في نور لا يدنى منه، الباسط الأرض الناشر السماء. باركيه يا نفسي من أجل كل حسناته، وعظمي اسمه المبارك. وابتهجي يا نفسي بالرب مخلصك، الذي ألبسك ثوب البر، وكساك رداء الخلاص. وهللي يا نفسي للرب الذي يفتح يده، فيشبع كل حي خيراً ورضى، باركي يا نفسي الرب، آمين.

السؤال: 21 - ما هي الكائنات التي استرعت نظر المرنم في هذا القسم من المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ - شكر لإنقاذ الرب

1اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ. 2لِيَقُلْ مَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ ٱلَّذِينَ فَدَاهُمْ مِنْ يَدِ ٱلْعَدُوِّ، 3وَمِنَ ٱلْبُلْدَانِ جَمَعَهُمْ، مِنَ ٱلْمَشْرِقِ وَمِنَ ٱلْمَغْرِبِ مِنَ ٱلشِّمَالِ وَمِنَ ٱلْبَحْرِ. 4تَاهُوا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي قَفْرٍ بِلا طَرِيقٍ. لَمْ يَجِدُوا مَدِينَةَ سَكَنٍ. 5جِيَاعٌ عِطَاشٌ أَيْضاً أَعْيَتْ أَنْفُسُهُمْ فِيهِمْ. 6فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ، 7وَهَدَاهُمْ طَرِيقاً مُسْتَقِيماً لِيَذْهَبُوا إِلَى مَدِينَةِ سَكَنٍ. 8فَلْيَحْمَدُوا ٱلرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ.

9لأَنَّهُ أَشْبَعَ نَفْساً مُشْتَهِيَةً وَمَلأَ نَفْساً جَائِعَةً خُبْزاً، 10ٱلْجُلُوسَ فِي ٱلظُّلْمَةِ وَظِلالِ ٱلْمَوْتِ، مُوثَقِينَ بِٱلذُّلِّ وَٱلْحَدِيدِ. 11لأَنَّهُمْ عَصُوا كَلامَ ٱللّٰهِ وَأَهَانُوا مَشُورَةَ ٱلْعَلِيِّ فَأَذَلَّ قُلُوبَهُمْ بِتَعَبٍ. عَثَرُوا وَلا مَعِينَ. 13ثُمَّ صَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ فَخَلَّصَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ.

هذا مزمور شكر لله لأجل فداء مختاريه وإنقاذهم من مخاطر، كانت ستتفاقم لولا تدخل الله برحمته الفائقة، الغنية باللطف. فهذا الإله الصالح، من أجل محبته الكثيرة، أوجد خلاصاً وفداء لأتقيائه الراجين رحمته. والمزمور كله مملوء بالاختبار العميق لأعمال الله وحسناته نحو بني البشر.

(1-7) يستهل المرنم هذا المزمور بدعوة المفديين، لرفع آيات الحمد للرب لأجل صلاحه ورحمته، التي كل يوم. ولكن مع ذيوع هذه الدعوة، نلاحظ أن عدداً عديداً من المسيحيين لا يلهجون بالحمد للرب، لكأنهم خرس مشلولو الألسنة. وبتعبير آخر أنهم لا يعبرون عن اعترافهم بفضل الله لكل ما فعله من الخير لأجلهم. هذا يعني أنهم مغلوبون أو خائفون، لأنهم لا يشهدون لله أمام الناس. إنهم مغلفون بصمت أناني، كما لو أن الله لم يعمل خيراً من أجلهم! ومع ذلك فكلمة الله تنادي عالياً «ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو». وأي عدو لم يخلصنا منه؟ لقد فدانا من الضلال في برية هذا العالم. لذلك، لا نغمط الرب حقه، بل لنشهد لعمل نعمته صدوعاً بأمره القائل «وتكونون لي شهوداً».

لنفكر جدياً، في ما يجب علينا نحوه مستغفرين عما اختلسنا من حقه في الحمد تعبيراً عن اعترافنا بحسن صنيعه. لقد أعطانا مزيداً من البركات المادية والروحية، فهل حمدناه على عطاياه؟ هل اعترفنا عملياً بأفضاله شهادة بين الناس.

إن عدم الحمد في حياة المسيحي، يخلف فراغاً، سرعان ما تنبت فيه الأنانية مع ما يتبعها من شكوك وطمع وتذمر. وهذا ما يفسر لنا مواقف الكثيرين من الرجال والسيدات، الذين يشكون دهرهم، مع أنهم يعيشون في البحبوحة. إنهم يدورون حول أنفسهم، ويتأوهون بدلاً من أن يحمدوا الرب ويعبدوه، ويخدموا الناس، حباً بالله واعترافاً بفضله.

ويقيناً من أجدر بتقديم الحمد والشكر من المفديين، الذين أنقذهم بعد أن أعيت الشدائد أنفسهم؟ لقد صرخوا إلى الرب مستنجدين، فأنجدهم. واستعانوا به في ضيقهم، فأعانهم. وهكذا استقام سبيلهم، ونجوا من الهلاك، ليتمتعوا بسلام الله. لذلك وجب عليهم، أن يحمدوا الرب ويشكروه.

(8-13) حين نتأمل هذه الآيات بعمق، لا بد أن نلاحظ فيها عدة أمور جديرة بالاهتمام منها:

  1. نحس من خلالها بنغمة التعجب! وليست هذه المرة الوحيدة التي يرينا فيها الكتاب المقدس الله، متعجباً من جحود البشر، الذي قلما تعترف أفواههم بفضله، لأجل حسناته الفياضة. وقلما تلهج قلوبهم بحمده وشكره، لأجل مراحمه التي هي لهم كل يوم.

  2. نحس من خلالها بنعمة الإنذار. وهل تلزمنا أدلة، لكي نتذكر الحال السيئة، التي كنا عليها قبل أن تنقذنا يمينه من الضيقة؟ نحن ما زلنا عرضة للخطر، لأننا إن كنا نعترف بيوم افتقاد نعمته، فيخشى علينا من أن نواجه يوم افتقاد نقمته.

  3. نحس من خلالها بنعمة الدعوة لحب الله. كان المفديون في الكنيسة الأولى، يعبرون عن حبهم للرب فاديهم، بإعطاء الحياة كلياً له. وإن كانت المحبة، لم تذهب بالجميع إلى الاستشهاد فعلى الأقل ظهر اعترافهم بفضل الله بالتسليم الكامل لإرادته الصالحة المرضية الكاملة، غير تاركين شيئاً لأنفسهم.

لنفكر في كل ما لنا، وفي ما نحن. فالله هو الذي أوجد وهو الذي أعطى! إذن أليس من الوفاء، أن نعطيه الكل؟ أليس من الحكمة أن نعترف له بكل خطايانا، وتذمرنا، وسعينا وراء مصالحنا الشخصية؟

في ممارستنا اليومية نسعى جاهدين ليسر الناس بنا، بدلاً من أن نسعى لمسرة الله. كأن لنا قلب منقسم، وهذا ما فتح الباب أمام عدو النفوس، ليعمل في تحطيم حياتنا الروحية. فليت حياتنا من الآن فصاعداً تتميز بالحمد الحقيقي لله بلا تحفظ! وهناك حقيقة يجب أن نذكرها، وهي إن كانت المخافة من الإنسان فخاً لنا، فمخافة الرب هي رأس الحكمة.

الحمد سلاح قوي يهزم عدو الخير والصلاح. يخبرنا الكتاب المقدس أن يهوشافاط خرج في جماعة من الأتقياء لمحاربة أعدائهم. ولما صاروا في برية تقوع، قال لهم يهوشافاط: آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا... ثم أقام مغنين للرب ومسبحين في زينة مقدسة... قائلين احمدوا الرب لأن إلى الأبد رحمته. ولما ابتدأوا الغناء والتسبيح جعل الرب كمائن على الأعداء، فانكسروا (أخبار الأيام الثاني 20: 20-24).

قل مع المرنم: ادعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي.

الترنيمة

Table 22. 

أُبَارِكُ ٱلرَّبَّ ٱلإِلَهْمَا دُمْتُ كُلَّ حِينْ
وَفِي فَمِي طُوْلَ ٱلْحَيَاةْتَسْبِيحُهُ مَبِينْ
فَعَظِّمُوا ٱلرَّبَّ مَعِيإِلَهُنَا ٱلْعَظِيمْ
وَكُلُّنَا فَلْنَرْفَعِحَمْدَ ٱسْمِهِ ٱلْكَرِيمْ
تُعَسْكِرُ ٱلْمَلاَئِكَةمِنْ حَوْلِ خَائِفِيهْ
فَلَيْسَ نَفْسٌ هَالِكَةمِنَ كُلِّ طَائِعِيهْ
دَعَوْتُ رَبِّي فَٱسْتَجَابْدُعَايَ عِنْدَهُ
وَمِنْ غُمُومٍ وَٱكْتِئَابْخَلَّصَ عَبْدَهُ
إِمْتَحِنُوا كَيْ تَعْرِفُوامِقْدَارَ حُبِّهِ
طُوبَى لِمَنْ يَعْتَرِفُمُعْتَصِماً بِهِ

الصلاة: أباركك يا إلهي الصالح، تسبيحك دائماً في فمي. يا ليت لي ألف لسان، لأحمدك لأجل برك. أنت الإله المحب، غافر الذنب. أعظم اسمك يا كريم، لأنك خلصتني من آثامي. أعترف قدامك بفتور محبتي ملتمساً أن توقظ محبتي. أعترف أمامك بضعف إيماني، متوسلاً أن تقوي إيماني. ثبتني في كلمتك، حتى كلمتك تنعشني، وتحفظني في محبتك. اسأل هذا باسم فاديّ. آمين.

السؤال: 22 - بماذا تحس وأنت تقرأ الآيات من 8-13؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ - تتمة

14أَخْرَجَهُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ وَظِلالِ ٱلْمَوْتِ وَقَطَّعَ قُيُودَهُمْ. 15فَلْيَحْمَدُوا ٱلرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ. 16لأَنَّهُ كَسَّرَ مَصَارِيعَ نُحَاسٍ وَقَطَّعَ عَوَارِضَ حَدِيدٍ.

17وَٱلْجُهَّالُ مِنْ طَرِيقِ مَعْصِيَتِهِمْ وَمِنْ آثَامِهِمْ يُذَلُّونَ. 18كَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ كُلَّ طَعَامٍ، وَٱقْتَرَبُوا إِلَى أَبْوَابِ ٱلْمَوْتِ. 19فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ فَخَلَّصَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ. 20أَرْسَلَ كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ وَنَجَّاهُمْ مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ. 21فَلْيَحْمَدُوا ٱلرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ، 22وَلْيَذْبَحُوا لَهُ ذَبَائِحَ ٱلْحَمْدِ، وَلْيَعُدُّوا أَعْمَالَهُ بِتَرَنُّمٍ.

23اَلنَّازِلُونَ إِلَى ٱلْبَحْرِ فِي ٱلسُّفُنِ، ٱلْعَامِلُونَ عَمَلاً فِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ، 24هُمْ رَأُوا أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ وَعَجَائِبَهُ فِي ٱلْعُمْقِ. 25أَمَرَ فَأَهَاجَ رِيحاً عَاصِفَةً فَرَفَعَتْ أَمْوَاجَهُ. 26يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهْبِطُونَ إِلَى ٱلأَعْمَاقِ. ذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِٱلشَّقَاءِ. 27يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ ٱلسَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ٱبْتُلِعَتْ. 28فَيَصْرُخُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ. 29يُهَدِّئُ ٱلْعَاصِفَةَ فَتَسْكُنُ، وَتَسْكُتُ أَمْوَاجُهَا. 30فَيَفْرَحُونَ لأَنَّهُمْ هَدَأُوا، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى ٱلْمَرْفَإِ ٱلَّذِي يُرِيدُونَهُ. 31فَلْيَحْمَدُوا ٱلرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ. 32وَلْيَرْفَعُوهُ فِي مَجْمَعِ ٱلشَّعْبِ، وَلْيُسَبِّحُوهُ فِي مَجْلِسِ ٱلْمَشَايِخِ.

(14) يتابع رجل الله تأمله في مراحم الله نحو المفديين، الذين أخرجهم الرب من الظلمة إلى نوره العجيب. وهذه الكلمات هي بمثابة دعوة لكل من نال خلاص الله، أن يذكر الحال التي كان عليها قبلاً، وكيف عملت نعمة الله في إخراجه من الظلمة إلى النور العجيب. فيثبت في النور، ويسلك كابن نور. قال الرسول بولس لأهل أفسس «كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً وَأَمَّا ٱلآنَ فَنُورٌ فِي ٱلرَّبِّ. ٱسْلُكُوا كَأَوْلادِ نُورٍ. لأَنَّ ثَمَرَ ٱلرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلاحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ. مُخْتَبِرِينَ مَا هُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ ٱلرَّبِّ» (أفسس 5: 8-10) ونفهم من هذه الكلمة الرسولية أن المؤمنين باتحادهم بالرب، استناروا وتقدسوا، وصاروا واسطة نور وبركة لغيرهم، وفقاً لقول المسيح «أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ... فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 14-16).

هذه الدعوة لسلوك المؤمنين كأولاد نور تستلزم أن يكونوا أطهاراً باطناً وظاهراً، وأن يشبهوا الله أبا الأنوار (يعقوب 1: 17) وأن يحبوا الحق (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 21) وأن يوبخوا أعمال الظلمة غير المثمرة (أفسس 5: 16) وأنهم دعوا للشهادة في وسط جيل معوج وملتو يضيئون بينهم كأنوار في العالم متمسكين بكلمة الحياة (فيلبي 2: 15) فكون هؤلاء نور في الرب وجب عليهم أن يمجدوا الله، برفع تسابيح الحمد والشكر لمقامه السامي العظيم. وخصوصاً لأنه كسر قيود الشر، التي كانت تربطهم بالعالم بالشهوة. وبتعبير آخر أن تلك الخطايا، ليست بمتعذرة الشفاء. وأنها قابلة الإصلاح، ولذلك وجب أن توبخ. فيشرق في القلب نور الحق الإلهي، ويبدد ظلمات الضلال، كما يبدد النور ظلمات الليل. قال الرسول بولس أن كل ما أظهر فهو نور. هذا هو بيان قوة الحق الإلهي، الذي يشرق من الإنجيل ومن أعمال المؤمنين، وهو يفعل فعل النور، فينير القلب ويقدسه فيصبح المتنور واسطة إنارة لغيره.

(20-32) في هذه الآية دعوة للعاملين في نشر الإنجيل. فالله يرسل كلمته، وعلى العاملين له أن يحولوها باسمه إلى الآخرين. لذلك تعوزهم حكمة من فوق. وهذه يتعلمونها في مدرسة الرب، وفقاً لقول الرسول يعقوب «وإِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُعْطِي ٱلْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلا يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يعقوب 1: 5) حينئذ لا يكون عمله شبيهاً بمومياء لا حياة فيها، أو كدوران آلة لا شعور فيها. فالله يرسل كلمته لشفاء الناس وإنقاذهم من التهلكة.

إن كلمة الله تدعونا لنسأل أنفسنا: هل الأوجاع التي تعاني منها الإنسانية، تثقل على قلوبنا؟ إنها أوجاع كثيرة، بكثرة البشر. ولكن الكلمة الإلهية تمنح الشفاء للجميع أيا كان عددهم. ودعوة كل عامل في الحقل الروحي بالمناسبة، هي أن يزرع الكلمة في القلوب، عالماً أن كلمة الرب لا يمكن أن ترجع إليه فارغة، بل تعمل في ما أرسلت من أجله.

ليبق سفراء المسيح في حضرة الرب، لكي يتقبلوا الرؤيا عن الإنسانية الجريحة، وما فيها من قلوب متألمة ونفوس رازحة. وعندئذ ينطلقون في كل اتجاه ليهدهدوا آلام المتألمين، ويسندوا الرازحين. وعندئذ سيجدون أن الآلام يعبر عنها أحياناً في شكل تمرد أو رفض أو عمل عنف، وأن عند الكثيرين تختفي الجراح تحت هدوء سطحي، أو تتغلب باللامبالاة. ولا ريب في أن المؤمنين إن عاشوا في شركة كاملة مع الرب يمكنهم أن يعرفوا الوسيلة الناجحة لتضميد هذه الجراح المختفية، سواء كان وراء التمرد أم اللامبالاة.

إن عملاً كهذا ليس عبثاً، ولا بد أن ينال جزاءه حاضراً ومستقبلاً. صحيح أننا لا نعمل لأجل الحصول على الجزاء ولكن كلمة الله تقول «لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً»(كورنثوس الثانية 5: 10).

وبالمناسبة يجب أن لا ننسى أن من يبقى سلبياً مع عمل الله، يصنع شراً. فنحن في عالم مجروح عميقاً، يحتاج إلى شفاء. ولكن هذا العالم لا يأتي إلينا، بل علينا أن نذهب إليه بالكلمة التي أرسلها الله لشفائه. ولا بد أن الذي يزرع بالدموع سيحصد بالابتهاج.

فلنحمد الرب على رحمته، ولنقدم له ذبائح الشكر لأجل محبته المدبرة التي تعمل على انقاذ المتضايق والمضطرب، من الصعوبات التي يوجد فيها. يكفي أن يرسل صراخه إلى أذني رب الجنود، وهو يسرع لتهدئة العاصفة وإسكات أمواج بحر الآلام.

الترنيمة

Table 23. 

ٱلرَّبُّ ذُو ٱلْسُلْطَانْوَٱلْمَالِكُ ٱلْكُلِّ
فَلْنُهْدِ حَمْداً كُلَّ آنْلَهُ عَلَى ٱلْفَضْلِ
قُومُوا ٱسْجُدُوا أَمَامْذِي ٱلْعَرْشِ بِٱلْوَرَعْ
فَإِنَّهُ بَارِي ٱلأَنَامْوَٱلْكُلَّ قَدْ صَنَعْ
اُنصُتْ لِمَا يَقُولُ يَاكُلَّ شَعْبِهِ
وَٱخْضَعْ بِطَوْعٍ وَقُبُولْمُعْتَرِفاً بِهِ
لِلآبِ حَمِّدُواوَٱلإِبْنَ عَظِّمُوا
وَٱلرُّوحَ أَيْضاً مَجِّدُوادَوْماً وَكَرِّمُوا

الصلاة: أنت أيها الرب إلهنا، لك السلطان، لك المجد، لك الملك. فتحمدك قلوبنا لأجل كلمتك، التي أرسلتها لكي تشفينا من الأمراض الروحية المتفشية في العالم الموضوع في الشرير. نسجد لك يا ربنا في خشوع كامل، متوسلين أن ترسل كلمتك إلى كل قلب جريح لتشفي جراحه. وإلى كل نفس متخاذلة، لكي تسندها وتقيل عثارها. اعط نعمة وحكمة لخدام الكلمة، حتى تعمل كلمتك في ما أرسلتها من أجله بواسطتهم، ولك المجد. آمين.

السؤال: 23 - ما هي الدعوة التي تجدها في الآية العشرين؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ عَشَرَ - الرب المخلص

1أَحْبَبْتُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي، تَضَرُّعَاتِي. 2لأَنَّهُ أَمَالَ أُذْنَهُ إِلَيَّ فَأَدْعُوهُ مُدَّةَ حَيَاتِي. 3ٱكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ. أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ ٱلْهَاوِيَةِ. كَابَدْتُ ضِيقاً وَحُزْناً. 4وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ دَعَوْتُ: «آهِ يَا رَبُّ، نَجِّ نَفْسِي». 5ٱلرَّبُّ حَنَّانٌ وَصِدِّيقٌ وَإِلٰهُنَا رَحِيمٌ. 6ٱلرَّبُّ حَافِظُ ٱلْبُسَطَاءِ. تَذَلَّلْتُ فَخَلَّصَنِي. 7ٱرْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ. 8لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَعَيْنِي مِنَ ٱلدَّمْعَةِ، وَرِجْلَيَّ مِنَ ٱلزَّلَقِ. 9أَسْلُكُ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ.

(1-4) يبدأ المرنم هذا المزمور بالكلمة العذبة «أحببت» ويبدو أنه أراد التعبير عن سعادته بحب الرب المنعم الكريم، الذي سمع صوت تضرعاته، ومال إليه، وخلصه من ضيق شديد وخطر مميت، بدليل قوله: اكتنفتي حبال الموت. وهذا الخلاص كان له تأثير عظيم على حياته. لانه أتاح له أن يختبر حنو الرب العجيب عليه. لم يفعل شيئاً يستحق هذا العطف العجيب، ولكنه إذ كابد الضيق الشديد، رفع قلبه نحو الله واستصرخ اسمه المبارك لكي ينجيه من شدائد الهاوية التي كانت تجذبه إلى أسفل وتجعل حياته مريرة، مليئة بالآلام والأحزان.

(5) في هذه الآية يتكلم عن حنان الله كمختبر هذا الحنان. وهو بذلك يضع أمام أعيننا صورة من العهد الجديد يظهر فيها يسوع المسيح. إذ نقرأ في الإنجيل بحسب متى 9: 36 «وَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لا رَاعِيَ لَهَا» وكلمة تحنن هنا تصف أقوى عواطف الشفقة وأعمقها. وبتعبير آخر أن يسوع لما رأى الرجال والنساء متضايقين هكذا، فاضت أحشاؤه بالحنان. وقد ظهر حنانه الإلهي في عدة مناسبات أثناء حياته على الأرض منها:

  1. قدم إليه رجل ابنه الملبوس بروح شيطاني، قائلاً له إن كنت تستطيع شيئاً فتحنن علينا... «فٱنْتَهَرَ (يسوع) ٱلرُّوحَ ٱلنَّجِسَ قَائِلاً لَهُ: «أَيُّهَا ٱلرُّوحُ ٱلأَخْرَسُ ٱلأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: ٱخْرُجْ مِنْهُ وَلا تَدْخُلْهُ أَيْضاً!» فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيداً وَخَرَجَ» (الإنجيل بحسب مرقس 9: 17-28).

  2. حين رأى ابن أرملة نايين الوحيد محمولاً على نعش، امتلأ قلبه بالحنان على تلك الأرملة الثكلى، فقال لها: «لا تَبْكِي». ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ ٱلنَّعْشَ، فَوَقَفَ ٱلْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ ٱلْمَيْتُ وَٱبْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ» (الإنجيل بحسب لوقا 7: 1-17).

  3. تبع جمع كبير يسوع إلى البرية لسماع كلامه، وإذ جاعوا، دعا يسوع تلاميذه وقال: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى ٱلْجَمْعِ، لأَنَّ ٱلآنَ لَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاّ يُخَّوِرُوا فِي ٱلطَّرِيقِ... وبعدئذ أجلسهم على الأرض وأخذ سبع خبزات وقليلاً من السمك كانت مع تلاميذه، وشكر وكسر وأعطى الجمع، فأكلوا وشبعوا» (الإنجيل بحسب متى 15: 32-38).

(6) «الرب حافظ البسطاء» هذه العبارة تحسب مفتاحاً أو تفسيراً لكثير من انقاذات الله. فالرب يترأف بالبسطاء، وداود كان أحدهم. فمع أنه كان يستطيع بعد انتصاراته أن يعلن نفسه رجلاً عظيماً شجاعاً. استحق أن يُولىّ الملك. ولكنه لم يفعل لأنه كان صغيراً في عيني نفسه. وسلك صغيراً أمام إلهه. وفي اتضاعه كان يذكر دائماً، أنه صار إلى ما هو عليه من مجد بالنعمة، وليس بالاستحقاق. وهكذا كان بولس رسول الجهاد العظيم.

وقد كتب لنا شهادته بأحرف من نور إذ قال «وَلٰكِنْ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلٰكِنْ لا أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي مَعِي» (كورنثوس الأولى 15: 10) وقد علم الرسول الكريم أن الله في حكمته، «ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ جُهَّالَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلْحُكَمَاءَ، وَٱخْتَارَ ٱللّٰهُ ضُعَفَاءَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلأَقْوِيَاءَ» (كورنثوس الأولى 1: 27) وقال أيضاً عن نفسه «لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (كورنثوس الثانية 12: 10).

ما هو هذا الضعف الذي أشار إليه الرسول؟ إنه لم يكن نوعاً من السلبية ولا يمت بصلة إلى الشكليات. ولا هو من النوع الذي ينجم عنه خطية، كما أنه ليس ثمرة عدم الطاعة لله. وإنما هذا الضعف هو اليقين الجازم، بأن كل موهبة هي من النعمة الإلهية. وهذا يعني أن كل الكفاءات البشرية بدون قوة وضبط الروح القدس، تشكل حواجز أمام عمل الله.

التصاغر معناه الاعتراف بحقوق الله على كل كياننا وكل حياتنا. ومن تفاضل النعمة علينا، أن الله عندما يرتب علينا واجبات، يعطينا القدرة لإتمامها وبكلمة واحدة، أقول إن التصاغر هو الصليب الذي أمرنا المسيح أن نحمله. ففي المسيح مصلوباً فينا، تبدأ الحياة التي يستطيع الله أن يستخدمها لمجد اسمه، سواء في الصبر على الضيقات أم في بركات الخدمة.

هذا السلوك المتواضع مع الله يحفظك من الفشل من جهة، ومن كل تخمين متكبر من جهة أخرى. وتأكد أنه مهما كان نوع العمل أو الخدمة أو الشهادة المطلوبة، فالنعمة بالروح القدس تعمل وحيث تعمل النعمة بالروح القدس. يكون الفرح. ويليه الاعتراف بفضل الله وحمده، لأن الرب حافظ البسطاء.

(7-9) يختم رجل الله هذا القسم من المزمور، بدعوة نفسه إلى الراحة بعد أن تكررت عليه الآلام والضيقات، غمراً ينادي غمراً. يدعوها لتستريح في ظل إحسانات الرب، الذي أنقذه من موت محتوم، ومسح كل دمعة من عينه. وأعطاه النعمة لكي يسلك قدام الرب في استقامة حياة.

الترنيمة

Table 24. 

رَبِّ إِلَيْكَ ٱلْمُلْتَجَىإِنْ تَعْصِفِ ٱلآلاَمْ
فَٱلْخَيْرُ مِنْكَ يُرْتَجَىوَٱلْعَدْلُ وَٱلسَّلاَمْ
فَٱنْعِمْ عَلَينَا بِٱلرِّضَىيَا وَاهِبَ ٱلْنُعْمَى
يَا مُسْعِفاً فِيمَا مَضَىأُرْفُقْ بِنَا دَوْمَا
هَا نَحْنُ جِئْنَا وَاثِقِينْبَٱلْفَوْزِ وَٱلنَّجَاهْ
فَٱرْحَمْ بَنِيكْ ٱلْظَّامِئِينْلِلْبِرِّ وَٱلْحَيَاةْ

الصلاة: يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور. أنت المحب المترأف وأنت الراحم. الشكر لك لأنك سمعت صوتي، واستجبت لتضرعاتي، ورحمتني وأنقذتني من الهلاك. أنت حنان وصديق ورحيم. أنت تحفظ الودعاء البسطاء وتخلصهم من شدائدهم. يا إلهي انظر بعين عطفك إلى بني أوطاننا وبارك جموعهم ببركة الخلاص. قف إلى جانب المستضعفين وأعنهم، وزر المرضى زيارة الشفاء، واسعف اليتيم والأرملة، باسم يسوع نسألك أن تستجيب. آمين.

السؤال: 24 - ما هو الضعف الذي أشار إليه الرسول بولس؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ عَشَرَ - تتمة

10آمَنْتُ لِذٰلِكَ تَكَلَّمْتُ. أَنَا تَذَلَّلْتُ جِدّاً. 11أَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: «كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ». 12مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ 13كَأْسَ ٱلْخَلاصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو. 14أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ.

(10) تذلل داود جداً واكتنفته حبال الموت، وأصابته شدائد الهاوية، وقاسى الضيق والحزن، ودعا الرب فاستجابه وخلصه من ضيقاته وأنقذ نفسه من الموت، وعينه من الدمع، ورجليه من الزلق. فآمن مع اكتئابه وصرح بثقته بالله.

وقد جاز بولس رسول يسوع المسيح نفس الاختبار. فمع كل شدائده، لم يفتأ يتكل على الله وعلى مواعيده. لأنه كان يتمتع بمحبة شديدة لله، حتى أنه قال: «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ ٱضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ 36كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ ٱلنَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. 37وَلٰكِنَّنَا فِي هٰذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ ٱنْتِصَارُنَا بِٱلَّذِي أَحَبَّنَا. 38فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لا مَوْتَ وَلا حَيَاةَ، وَلا مَلائِكَةَ وَلا رُؤَسَاءَ، وَلا قُّوَاتِ، وَلا أُمُورَ حَاضِرَةً وَلا مُسْتَقْبَلَةً، 39وَلا عُلْوَ وَلا عُمْقَ، وَلا خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية 8: 35-39).

لقد سبق للرسول أن قال، لا أحد يشتكي على المؤمن، ولا أحد يدينه. وهنا يقول لا أحد يفصله عن محبة المسيح، وهذا يؤكد دوام سلام المؤمن واطمئنانه. وخصوصاً عندما يذكر أن الله أظهر محبته لنا عندما وهبنا ابنه الوحيد دون أدنى تردد. وهذه المحبة الإلهية الكاملة، هي ركن المؤمنين في الضيقات والاضطهاد، لا محبتهم الضعيفة. هنا نلاحظ أن المؤمن، ليس في منأى عن متاعب هذا الدهر وأوجاعه، بل هو معرض للشدائد من كل نوع.

وبقوله المقتبس من المزمور 44: 22 من أجلك نمات كل النهار، قد حسبنا مثل غنم للذبح أراد الرسول بولس القول أن ما صدق على الأتقياء في زمن داود، صدق على المؤمنين في أيام الرسل. أي أن أعداء المؤمنين قتلوهم بلا شفقة، وحسبوا حياتهم بلا قيمة، كأنهم خلقوا للذبح.

ونحن أيضاً يجب أن لا نستغرب البلوى المحرقة التي قد تحدث. فقد كان هذا هو نصيب القديسين الذين سبقونا، وقد قال المسيح، «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 5: 11 و12).

هذه النوازل الشديدة الظالمة، قال الرسول إن فيها يعظم انتصارنا بالمسيح. أي أنها لا يمكن أن تغلب محبتنا، بل فيها تزكية لنا، لأنها تؤول إلى تطهيرنا الآن وتمجيدنا أخيراً، بدليل قول الرسول «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً» (كورنثوس الثانية 4: 17).

المسيح هو ركن انتصارنا، لا قوتنا ولا إرادتنا ولا عزمنا، بل محبة المسيح لنا. فهو يعطينا شجاعة وقوة ونعمة، وفقاً لقوله: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ» (كورنثوس الثانية 12: 9).

في الواقع أن أعداءنا مهما اضطهدونا، ومهما كان اضطهادهم لنا عنيفاً، لن يستطيعوا أن يسلبوا منا محبة المسيح، ولن يستطيعوا مهما جهدوا أن يزيلوا علامات محبته عنا، ولن يستطيعوا أن يعطلوا افتقاده لنا. ومهما أتوا من بأس لن يعطلوا سلام المؤمن الحقيقي.

ويختم المرنم هذا المقطع من مزموره بإبداء تألمه وامتعاضه من تصرفات الإنسان، فقد كان فريسة للكذب والاحتيال ولكن الله مد يمينه القوية وأنقذه. وما قاله داود بأن كل إنسان كاذب، أكده بولس بيقين مؤكداً أن الكذب من سجايا الإنسان العتيق الفاسد، الذي كأنه كل واحد منا، قبل أن يعرف المسيح (رومية 3: 4).

(12-14) بعد هذه الاختبارات الرائعة، التي فيها رأى رجل الله أمانة الرب، راح يتساءل كيف يستطيع أن يقوم بالشكر لله لأجل كل إحساناته التي أغدقها الله عليه. ومثله فعل رجل الله ميخا حين قال «بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى ٱلرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلَهِ ٱلْعَلِيِّ» (ميخا 6: 6) وهذا دليل على إخلاص كل من النبيين ومحاولاتهما أن يعرفا الوسيلة لإرضاء الرب. ولكن الرب الذي يكافئ الإخلاص لم يتركهما في الحيرة. فقد ألهم كلا منهما الجواب. فميخا أجاب نفسه: «قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك». وداود أجاب نفسه: «كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو». وهذه صورة من فصح العهد الجديد، الذي ذبح فيه المسيح. إذ يخبرنا متى الإنجيلي أن يسوع في الليلة التي أسلم فيها، وفيما هو وتلاميذه يأكلون الفصح، «أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلامِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هٰذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا» (الإنجيل بحسب متى 26: 26-28).

فشكراً لله على كأس الخلاص الذي منحه المسيح لكل من يؤمن به، ويعمل مرضاته خلال أيام غربته.

الترنيمة

Table 25. 

فِي ٱللَّيلَةِ ٱلَّتِي بِهَاأُسْلِمَ فَادِينَا ٱلْمَجِيدْ
سَنَّ لَنَا لِذِكْرِهِفَرِيضَةَ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدْ
فَإِنَّهُ بَعْدَ ٱلْعَشَاأَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرْ
وَبَعْدَمَا بَارَكَهُقَالَ لَهُمْ لَمَّا كَسَرْ
خُذُوا كُلُوا ذَا جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ عَنْكُمْ لِلْفِدْى
هَذَا ٱصْنَعُوهُ وَٱذْكُرُوامَوْتِي عَلَى طُولِ ٱلْمَدَى
وَبَعَدَ هَذَا رَفَعَ ٱلْكَأْسَ وَقَالَ إِذْ شَكَرْ
خُذُوا ٱشْرَبُوا جَمِيعُكُمْمَنْهَا فَذَا خَيْرُ أَثَرْ
هَذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِييُسْفَكُ غَسْلاً لِلذُّنُوبْ
خَتْمٌ لِعَهْدِ نِعْمَةبِهَا تُطَهَّرُ ٱلْقُلُوبْ

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع لأجل جسدك المكسور على الصليب إكمالاً للفداء العظيم. ونعظم اسمك الكريم، لأجل دمك المسفوك الذي به طهرتنا من خطايانا، وأعطيتنا هذا العهد الجديد بالدم الكريم. كأس الخلاص نتناول وباسمك ندعو. أعطنا القوة لكي نثبت معك في العهد، ولا نستحي بإذاعة إنجيل موتك الفدائي على الصليب. آمين.

السؤال: 25 - ماذا كان سؤال كل من ميخا وداود؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - الإشادة بالشريعة

1طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقاً، ٱلسَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ ٱلرَّبِّ. 2طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ. 3أَيْضاً لا يَرْتَكِبُونَ إِثْماً. فِي طُرُقِهِ يَسْلُكُونَ. 4أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَ تَمَاماً. 5لَيْتَ طُرُقِي تُثَبَّتُ فِي حِفْظِ فَرَائِضِكَ. 6حِينَئِذٍ لا أَخْزَى إِذَا نَظَرْتُ إِلَى كُلِّ وَصَايَاكَ. 7أَحْمَدُكَ بِٱسْتِقَامَةِ قَلْبٍ عِنْدَ تَعَلُّمِي أَحْكَامَ عَدْلِكَ. 8وَصَايَاكَ أَحْفَظُ. لا تَتْرُكْنِي إِلَى ٱلْغَايَةِ.

هذا المزمور الطويل كله صلاة، موضوعها أن يمنح الله نعمة الثبات في وسط جيل معوج. وقد رتبه رجل الله الكاتب بحسب أحرف الهجاء، ابتداء بحرف الألف، وهذه صناعة لفظية، تدل على تضلع الكاتب في اللغة، كما أن محتويات المزمور، تدل على سعة المعرفة في أمور الدين. ويرجح بعض المفسرين أن المزمور كتب في العهد المكابي، حين جرى الاضطهاد على أهل التوراة المتمسكين بالشريعة الإلهية.

(1-3) يبدأ الكاتب بتطويب الكاملين. ولعل هذه الكلمة كاملين تثير كثيراً من التساؤل. لأن الشائع على ألسنة الناس هو أنه لا يستطيع أحد أن يكون كاملاً. ومع ذلك فقد قال المسيح لسامعي عظته على الجبل «فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (الإنجيل بحسب متى 5: 48). فهل نفهم من هذا أن المسيح يطلب من الإنسان ما ليس في استطاعته؟ لا لأن الكلمة هنا لا تعني أن الإنسان يستطيع من ذاته أن يبلغ الكمال، بل عليه أن يسعى ليدرك الرب ويتكمل فيه. كان بولس عرضة للإفتخار بفرط الإعلان، فأعطاه الله شوكة في الجسد. ولما سأل أن ترفع عنه، قال له الرب «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ» (كورنثوس الثانية 12: 7-9) ومن هنا كان قوله «لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلٰكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً ٱلْمَسِيحُ» (فيلبي 3: 12) بمعنى أن على المؤمن أن يجتهد كل يوم لكي يتقدم في الإيمان والمحبة، وأن ينمو في الحياة المقدسة، متخذاً وسائل النعمة التي أعدها الله، إلى أن يصل رويداً رويداً إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح (أفسس 4: 13). وقد شرح الرسول الكريم الطريقة التي يسعى فيها نحو الكمال، فقال بكل تواضع «أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئاً واحداً، إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. وأسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع».

هل أنت مستعد أن تتبع مثال الرسول، فتترك أشياء العالم الفانية وتسعى وراء جعالة دعوة الله العليا، دون التفات إلى الوراء؟ امرأة لوط نظرت إلى الوراء فهلكت (تكوين 19: 26). فصار هلاكها الفاجع محفزاً لكل إنسان أن يهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة. قال المسيح «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى ٱلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب لوقا 9: 62).

يقيناً أن الذين يبدأون حياة الله، يجب أن يعزموا على الاستمرار فيها، وإلا فإنهم لن يستفيدوا منها. لأن الالتفات إلى الوراء يؤدي في الغالب إلى الانسحاب، والانسحاب يؤدي حتماً إلى الهلاك. وأن الذين لا يثبتون وجوههم نحو السماء. ولكن يلتفتون بوجوههم هنا وهنالك فإنهم لا يصلحون للسماء. أما من يصبر إلى المنتهى فهو يخلص.

(4-8) في هذا القسم من المزمور، يخبرنا رجل الله، لماذا يجدر بالمؤمن الساعي نحو الكمال أن يستمسك بالرب، مبتعداً عن الإثم، فيقول: إن الرب أوصى بأن تحفظ شريعته، وأن تحترم وصاياه إلى التمام. قال الرسول يعقوب: «مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي ٱلْكُلِّ» (يعقوب 2: 10). فالرسول العظيم يعتبر شريعة الله كسلسلة متعددة الحلقات، تربط نفس الإنسان بعرش الله بالبر والأمانة فإذا خالف الإنسان وصية من وصايا الله فكأنه كسر حلقة من السلسلة، وتبعاً لذلك تقطع الصلة بين الله والنفس.

لهذا توسل رجل الله أن تثبت طرقه في حفظ شريعة الرب، لكي لا يخزى. وأنها لطلبة حكيمة حقاً، يليق بكل طالب الله أن يرفعها إلى إلهه. وصاحبها لن يخزى لأنها دليل على حبه لله. والذي يحب الله لا يمكن أن يخزى. لأن الله يكرمه بدليل قول المسيح «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلامِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 23).

ويختم المرنم هذه الفقرة بقوله: «لا تتركني إلى الغاية» ومن أجدر من المرنم بأن يختم بهذه الطلبة، واثقاً بالرب؟ فهو الذي اختبر أمانة الرب وكتب لنا شهادته بأحرف بارزة «أَيْضاً كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ وَلَمْ أَرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عَنْهُ» (مزمور 37: 25).

ومما يزيدنا يقيناً بأن الله لن يترك مؤمناً به قول المسيح «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 27 و28).

هذا الوعد من الأدلة على ثبوت المؤمنين في النعمة. وهو أن كل من آمن الإيمان الحق، لا يمكن أن يسقط من النعمة ويهلك (رومية 8: 38 و39) وهو ليس بوعد لكل المعترفين بالمسيح، ولا لكل المعمدين بل هو للذين يسمعون صوت المسيح: ويتبعونه قلباً وسيرة. وأسباب صيانة المؤمنين بالحق أربعة!

  1. كون الله أعطاهم المسيح.

  2. كون المسيح حصل لهم الحياة الأبدية وأعطاهم إياها.

  3. تعهد الآب والابن معاً بحفظهم من الهلاك.

  4. عدم وجود قوة في العالم تستطيع أن تقاوم قوة المسيح ومقاصده الخيرة من أجلهم.

الترنيمة

Table 26. 

نَرَى فِي كَلاَمِ ٱلإِلَهِ ٱلصَّمَدْأَسَاساً لإِيمَانِنَا كَٱلْجَبَلْ
وَلَيْسَ مَزِيدٌ عَلَى مَا وَعَدْلِمَنْ يَلْجَأُونَ لِذَاكَ ٱلْحَمَلْ
يَقُولُ ٱطْمَئِنَّ فَإِنِّي مَعَكْوَإِنِّي إَلَهُكَ وَٱلْعَوْنُ بِي
وَإِنِّي أُقَوِّيكَ كَيْ أَرْفَعَكْوَأَسْنُدُ ضُعْفَكَ مِثْلَ ٱلأَبِ
إِذَا خُضْتَ لُجَّ ٱلْمِيَاهِ ٱلْعَمِيقْفَلاَ تَقْدِرَنَّ عَلَيْكَ ٱللُّجَجْ
أَنَا لَكَ فِي ٱلضِّيقِ نِعْمَ ٱلرَّفِيقْوَضِيقُكَ أُبْدِلُهُ بِٱلْفَرَجْ
إِذَا مَا دَهَاكَ ٱلْبَلاَ وَٱلْخَطَرْفَيَكْفِيكَ مِنْ نِعْمَتِي مَا ٱنْسَكَبْ
وَلاَ تُوقِعُ ٱلنَّارُ فِيكْ ٱلضَّرَرْفَإِنِّي أُنَقِّيكَ مِثْلَ ٱلذَّهَبْ
وَدَادِي رَفِيعُ ٱلذُّرَى لاَ يَحُولْوَيَدْرِيهِ شَعَبِي لِوَقْتِ ٱلْهَرَمْ
إِذَا زَيَّنَ ٱلشَّيْبُ صُدْغَ ٱلْكُهُولْفَحِضْنِي حِمَاهُمْ كَرَاعِي ٱلْغَنَمْ
فَمَا نَالَ كَيْدُ ٱلْعَدُوِّ ٱلْخَصِيمْوَلاَ خَابَ مَنْ لِيَسُوعْ ٱسْتَنَدْ
وَإِنْ قَامَ يَغْزُوهُ جَنْدُ ٱلْجَحِيمْفَلَسْتُ بِتَارِكِهِ لِلأَبَدْ

الصلاة: أيها الرب إلهنا. أنت هو الكامل وحدك ونحن كلنا نعاني النقص. ولكن نشكرك لأجل يسوع الكامل الذي بذبيحة نفسه، يكمل نقائصنا ويؤهلنا للرضى في عينيك. ونشكرك لأجل كلامك، الذي ينقي القلوب، ويطهر النوايا. اعطنا يا سيد الذوق الصالح والإرادة الصالحة لكي نحفظ كلامك ونعيش بموجبه. ثبتنا في حفظ وصاياك. لكيلا نخطئ إليك. آمين.

السؤال: 26 - من طوب المرنم؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - تتمة

49اُذْكُرْ لِعَبْدِكَ ٱلْقَوْلَ ٱلَّذِي جَعَلْتَنِي أَنْتَظِرُهُ. 50هٰذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي. 51ٱلْمُتَكَبِّرُونَ ٱسْتَهْزَأُوا بِي إِلَى ٱلْغَايَةِ. عَنْ شَرِيعَتِكَ لَمْ أَمِلْ. 52تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ يَا رَبُّ فَتَعَزَّيْتُ. 53ٱلْحَمِيَّةُ أَخَذَتْنِي بِسَبَبِ ٱلأَشْرَارِ تَارِكِي شَرِيعَتِكَ. 54تَرْنِيمَاتٍ صَارَتْ لِي فَرَائِضُكَ فِي بَيْتِ غُرْبَتِي. 55ذَكَرْتُ فِي ٱللَّيْلِ ٱسْمَكَ يَا رَبُّ وَحَفِظْتُ شَرِيعَتَكَ. 56هٰذَا صَارَ لِي لأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ.

(49) في هذه الآية، يذكر المرنم أن كلمة الله، هي رجاؤه. وهنا يجب أن نذكر أن الرجاء في الكتاب المقدس، لا علاقة له بالتفاؤل، أو رغبة القلب في أن يرى كل شيء في صورة جميلة، لأن القلب البشري كثيراً ما يخطئ.

مع أن الرجاء يكون في البداية صغيراً، إلا أنه لا يخزي. لأنه بذرة سماوية، ألقيت في قلب الإنسان، ولا يمكن أن تموت. لأنها موضوع لاهتمام الزارع الإلهي، الذي يتعهدها بالعناية التامة، في كل مراحل نموها.

يقال عن البذور أن رطوبة التربة، تعمل لإنباتها. ولكنها تحتاج إلى الحرارة لأجل نمو النبتة، وإلى الريح العاصفة، وإلى عتمة الليل لكي تتأصل في عمق التربة. هكذا الرجاء، يحتاج إلى الصبر المرطب بالحلم لكي ينبت. وإلى دفء الإيمان لكي ينمو. ويحتاج إلى عواصف التجارب لكي يتأصل في المحبة، التي ترجو كل شيء.

والرجاء يولد في الإنسان، لكي يغلب. ولكن قبل أن يكلل، يجب أن يكمل نموه في تربة الضيقات وفي مجابهة رياح المقاومات الأشد قساوة. لأن التعرض للكرب والصعوبات تفرض عليه أن تتقوى أصوله. والمعروف بالخبرة أن وقوف الرجاء في الظلمة الأكثر حلكة يجعله يلمع بالنقاوة، أكثر فأكثر إلى النهار الكامل.

الرجاء ينتصر في الأيام العصيبة، التي كل شيء فيها يدعو لليأس. من أجل هذا في البدء خلقه الله كما خلق النور، حين قال في البدء «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ» (تكوين 1: 14).

إن كان الرجاء، يولد ويكبر في إنسان عرف المسيح وقبله مخلصاً. وتعلم أن يطيعه ويتبعه ويخدمه، فإن هذا الإنسان سيصل حتماً إلى مجد السماء، ليتمتع بميراث القديسين في النور.

لقد عرف بالاختبار أن التفاؤل يتلاشى في أثناء الضيق ويحل محله التشاؤم فالفشل. ولكن الرجاء يلمع في الضيقات، وفقاً للقول الرسولي «وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي ٱلضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ ٱلضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً، وَٱلصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَٱلتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَٱلرَّجَاءُ لا يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱللّٰهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5: 3-5).

شكراً لله لأجل الرجاء الذي يتعاون مع الصبر، فينتجان معاً طول الأناة. هذه الفضائل تصير المسيحي منتصراً ومثمراً لمجد الله. أرجو أن لا تكون هذه الحقيقة بالنسبة لك مجرد نظرية. وإن كان الأمر كذلك فإني أسال الله أن يقود قلبك إلى مقدس الرجاء، لتختبر قوته وتعيشها مع الله.

(50-52) هنا يحدثنا رجل الله كيف صارت كلمة الله ليس رجاؤه فحسب بل أيضاً تعزيته في وسط متاعبه وآلامه الكثيرة. لأن الذين دعاهم بالمتكبرين لم يتركوه وشأنه، بل حاولوا إلحاق الأذى به. ولكنه تحمل المضاضة والمقاومات إكراماً للرب الذي عزاه بكلمته.

(53-56) إلا أن رجل الله أخذته الحمية والغضب، بسبب ترك أولئك الأشرار شريعة الله. من المسلم به أن الغضب انفعال طبيعي وليس هو بالخير وقد قال الرسول يعقوب إن الغضب لا يصنع بر الله (يعقوب 1: 19) وينبغي أن تعترف بأن الغضب الطبيعي من شر العادات، وهو يدل على وجود الأنانية. إلا أن هناك غضب ينشأ عن الانفعال انتصاراً للحق. ففي مثل هذه الأحوال لا يكون الغضب شراً. فغضب المرنم، كان من هذا النوع، ناشئ عن غيرته على شريعة الرب، بحيث لم يكن في وسعه أن يبقى حيادياً.

الترنيمة

Table 27. 

لِمَنْ تَرَى نَذْهَبُ يَا رَبَّ ٱلْوَرَىوَمِنْكَ كِلْمَةُ ٱلْحَيَاةِ تَخْرُجُ
طُوبَى لِمَنْ يَحْيَا بِهَاوَكُلَّ حِينٍ يَلْهَجُ
تِلْكَ ٱلَّتِي أَضْحَتْ لَنَا نُورَ ٱلْهُدَىوَٱلسَّيْفَ ذِي ٱلْحَدَّيْنِ فِي حَرْبِ ٱلْعِدَى
وَٱلْكَوْكَبَ ٱلْوَضَّاحَ إِذْقَدْ أَعْلَنْتَ سِرَّ ٱلْفِدَى
يَا رَبَّنَا هَبْ نِعْمَةً مَعْهَا لِكَيْتُثْمِرَ فِي ٱلْقُلُوبِ حِينَ تَقَعُ
فَقَدْ وَعَدْتَ أَنَّهَافَارِغَةً لاَ تَرْجِعُ
يَا رَبُّ قَدِّسْنَا بِهَا وَٱنْعَمْ بِأَنْتَسْكُنَ فِي كُلِّ ٱلْقُلُوبِ بِغِنَى
طَهِّرْ بِهَا نُفُوسَنَايَا مَنْ بِهَا أَرْشَدْتَنَا

الصلاة: نعم، يا رب إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟ ثبتنا فيك يا سيد، لكي يثبت كلام الحياة الأبدية فينا. نعترف بأننا خطاة أثمة، ولكن أنت هو مخلص الأثمة وصديق الخطاة. فتجاوب مع حاجتنا التي تصرخ إليك، خلصنا يا رب، وقدس قلوبنا المشتاقة إلى خلاصك. آمين.

السؤال: 27 - تكلم عن الرجاء.

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - تتمة

105سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي. 106حَلَفْتُ فَأَبِرُّهُ أَنْ أَحْفَظَ أَحْكَامَ بِرِّكَ. 107تَذَلَّلْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ. يَا رَبُّ أَحْيِنِي حَسَبَ كَلامِكَ. 108ٱرْتَضِ بِمَنْدُوبَاتِ فَمِي يَا رَبُّ، وَأَحْكَامَكَ عَلِّمْنِي. 109نَفْسِي دَائِماً فِي كَفِّي، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. 110ٱلأَشْرَارُ وَضَعُوا لِي فَخّاً، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَضِلَّ عَنْهَا. 111وَرَثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ لأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي. 112عَطَفْتُ قَلْبِي لأَصْنَعَ فَرَائِضَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ.

(105) ما أثمن هذا التأكيد، الذي جاء على لسان المرنم! أنه يكشف شيئين جديرين بالملاحظة: الظلمة التي تسود العالم، والصعوبات التي تعترض سبيل المؤمنين بسبب موقف العالم البغيض منهم. الأمر الذي أشار المسيح إليه حين قال لتلاميذه «لَوْ كُنْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ لَكَانَ ٱلْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلٰكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ، لِذٰلِكَ يُبْغِضُكُمُ ٱلْعَالَمُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 15: 19).

إننا نعيش في زمن يجب فيه على المؤمن أن يلاحظ سيره بدقة، بل يحسن به أن يتأكد من سلامة المكان الذي يضع فيه رجله. هناك خطر من التعثر بسبب الظلام، وهنا خطر من الوقوف، بسبب الضيقات الكثيرة التي تعترض خط السير. خطوة خاطئة واحدة، ويعقبها السقوط فتدمير الحياة الروحية. ووقوف واحد، يكفي لإفشال الدعوة. ولهذا أوصى الرسول بولس تيموثاوس قائلاً: «لاحِظْ نَفْسَكَ وَٱلتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذٰلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هٰذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضاً» (تيموثاوس الأولى 4: 16).

في الحق أن ملاحظة المؤمن سيرته وتعليمه ضرورة لحفظ نفسه ونجاحه في شهادته. فلا بد من سقوطه إن لم تكن سيرته على وفق تعليم كلمة الله. إن أمانة المؤمن لربه والسير وفق شريعته في البر والقداسة هي البرهان على أنه قد نال الخلاص.

نحن لا نستطيع أن نفي فضل الله حقه من الشكر لأنه أعطانا كلمته سراجاً لأرجلنا. ولأنه قادنا إلى الآن خطوة بعد خطوة، حتى صرنا نعرف أين نحن تماماً. هذه الكلمة المنيرة، تتيح لنا الشركة مع إلهنا في كل وقت. إنها لنا بمثابة عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً، الذي يقود خطواتنا ويحفظنا في اجتيازنا برية هذا العالم. لنذكر أن كلمته لنا هي كسراج يضيء في الليل فيبدد حلكة الظلام من حولنا، بحيث لا تستطيع أعمال الظلمة أن تفاجئنا، أو تتسلل إلى داخلنا.

إنها أيضاً نور لسبيلنا، خلال تجوالنا كل يوم. فهي ترسل نورها أمامنا. متيحة لنا التقدم والسير قدماً في خدمة إلهنا. إنها تضيء سبيلنا في أبان الظروف المتقلبة والأحوال الجديدة الصعبة. والكلمة الإلهية تحيطنا علماً بالمخاطر الكامنة في الطريق، وتبيح لنا سر الانتصار على كل ضيقة. إنها المرشد الأمين الذي لا يخطئ أبداً، لأنها من وحي الروح القدس الذي يرشدنا إلى جميع الحق. فكلامه بالأنبياء يلقي أشعته على المستقبل، حتى لا يؤخذ المؤمنون على غرة. بل يصيرهم القول النبوي عارفين كيف يفتدون الوقت. ولهم الامتياز أن الانذارات التي تحملها كلمة الحق، لا شيء من المبالغة فيها، وأن وعوده الأمينة تتحقق دائماً.

هل تستطيع أنت، أن تركز حياتك على وعود الله وإرشادته، قائلاً مع المرنم: «ثَبِّتْ خَطَواتِي فِي كَلِمَتِكَ وَلا يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ» (مزمور 119: 133).

لقد عرف المرنم أن سبيل الوصايا الإلهية هو وحده الذي يؤدي به إلى الخير ويبعده عن الشر لهذا عاهد نفسه بقسم أن يحفظ أحكام بر الله. سائلاً الرب الإله أن يحييه حسب كلامه الإلهي.

لقد كانت له اختبارات مرة مع الأشرار، الذين تآمروا عليه ليسقطوه. ولعله تعثر في طرقه أحياناً، بيد أنه لم يتنكر مطلقاً لوصايا الرب. بل بالحري كان قلبه دائماً يتحرك لصنع مشيئة الله وحفظ وصاياه. وقد عبر عن هذا القول بأنه يحفظ شهادات الرب، لأنها بهجة قلبه.

الترنيمة

Table 28. 

سِرَاجٌ مُنِيرٌ لَنَا فِي ٱلسَّبِيلْكَلاَمُكَ يَا رَبَّنَا
سِلاَحٌ ضَعِيفٍ شِفَاءُ ٱلْعَلِيلْوَبَابُ خَلاَصٍ لَنَا
وَقَوْلُكَ حُلْوٌ كَقَطْرِ ٱلشَّهَادْوَتُرْسٌ لَنَا فِي ٱلْحُرُوبْ
بِشَارَةُ خَيْرٍ لِكُلِّ آلْعِبَادْوَبَهْجَةُ كُلِّ ٱلْقُلُوبْ
سُلاَفُ سُرُورٍ عَشَاءٌ عَظِيمْطَعَامٌ وَرُوحُ ٱلْحَيَاةْ
وَنَامُوسُكَ ٱلْكَامِلُ ٱلْمُسْتَقِيمْيُرِينَا طَرِيقَ ٱلنَّجَاةْ
قِلاَدَةُ عُنْقٍ وَتَاجُ ٱلْجَمَالْيُسَرُّ بِهَا ٱلْمُؤْمِنُ
لأَنَّكَ يَا رَبُّ عَيْنُ ٱلْكَمَالْفَتَحْمَدُكَ ٱلأَلْسُنُ

الصلاة: أيها السيد الرب، نشكرك لأجل كلمتك المقدسة التي وضعتها بين أيدينا. لتكون النور الذي ينير سبيلنا. ونشكرك لأجل الأخبار السارة التي وردت في الكتاب العزيز، والتي تتحدث عن مخلصنا وفادينا الرب يسوع. اعطنا القدرة والنعمة لكي نحفظ شرائعك المدونة فيه. وساعدنا لكي نذيع بشرى الخلاص بإنجيل ربنا يسوع. آمين.

السؤال: 28 - بماذا شبه المرنم كلام الله. وبماذا تعهد المرنم لله؟

المسابقة الثانية للمزامير رنموا للرب ترنيمة جديدة

إن جاوبت أيها الأخ على 24 سؤالاً أو أكثر من هذه الأسئلة الثمانية والعشرين بصواب، نرسل لك الكتاب الذي تختاره من قائمة المطبوعات جائزة.

  1. أين كانت تقام العبادة الجمهورية. وما هي أقسام مساكن الله في زمن داود؟ (مزمور 84)

  2. ماذا سأل المرنم في بداية المزمور؟ (مزمور 86)

  3. ماذا طلب المرنم في صلاته؟ (مزمور 86)

  4. من هو ناظم المزمور وماذا تعرف عنه؟ (مزمور 88)

  5. ما هي الحجة التي دعم بها المرنم دعواه أمام الله؟ (مزمور 88)

  6. من هو كاتب المزمور، وماذا تعرف عن مصادره؟ (مزمور 90)

  7. لماذا تسلط الموت على الناس. وماذا كانت النتيجة لذلك؟ (مزمور 90)

  8. ما هي الطلبات التي تقدم بها رجل الله؟ (مزمور 90)

  9. في أي مناسبات يتلو بعض الناس المزمور 91؟

  10. ماذا كان قصد الشيطان من تجربة المسيح؟ (مزمور 91)

  11. ما هو عنوان المزمور 92. وفي أي مناسبة كان يتلى؟

  12. ماذا وجدت في هذا المزمور الخامس والتسعين؟

  13. إلى من وجه الرب إنذاره. وما هي محتوياته وعلى من ينطبق أيضاً؟ (مزمور 95)

  14. ماذا ترى في هذا المزمور رقم 96؟

  15. إلام يدعو هذا المزمور المائة؟

  16. ما هي الحسنات التي عددها داود؟ (مزمور 103)

  17. ما هي صفات الله التي عددها المرنم؟ (مزمور 103)

  18. ما هو امتياز العهد الجديد؟ (مزمور 103)

  19. ماذا كانت كرازة المعمدان وبماذا أمر المسيح أن يكرز؟ (مزمور 103)

  20. كيف استهل المرنم هذا المزمور؟ (مزمور 104)

  21. ما هي الكائنات التي استرعت نظر المرنم في هذا القسم من المزمور 104؟

  22. بماذا تحس وأنت تقرأ الآيات من 8-13 في المزمور 107؟

  23. ما هي الدعوة التي تجدها في الآية العشرين؟ (مزمور 107)

  24. ما هو الضعف الذي أشار إليه الرسول بولس؟ (مزمور 116)

  25. ماذا كان سؤال كل من ميخا وداود؟ (مزمور 116)

  26. من طوب المرنم؟ (مزمور 119)

  27. تكلم عن الرجاء. (مزمور 119)

  28. بماذا شبه المرنم كلام الله. وبماذا تعهد المرنم لله؟ (مزمور 119)

اكتب مسابقتك على ورقة مستقلة ولا تنس ذكر عنوانك كاملاً.


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany