العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر يونان

شرح سفر يونان

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس وليم مارش


Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر يونان. للقس وليم مارش . Copyright © 2009 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call - of - hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

1، 2 «1 وَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ: 2 قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي».

2ملوك 14: 25 ومتّى 12: 39 - 41 و16: 4 ولوقا 11: 29 و30 و32 تكوين 1: 11 و2ملوك 19: 36 وإشعياء 37: 37 وناحوم 1: 1 وصفنيا 2: 13 ص 3: 2 و3 و4: 11 إشعياء 58: 1 تكوين 18: 20

الأرجح أن يونان هو المذكور في (2ملوك 14: 25) الذي تنبأ في أيام يربعام الثاني برد تخم إسرائيل إلى مدخل حماة وإلى بحر العربة. وهو من جت حافر في زبولون بقرب بحر طبرية. ولا يوجد غيره بهذا الاسم ولا غير أبيه باسم أمتاي. والأرجح أن يونان هذا هو كاتب هذا السفر مع أن الكلام في صيغة الغائب لا بصيغة المتكلم.

يقول البعض ولا سيما المفسرون المحدثون إن هذا السفر ليس تاريخاً بل رواية تمثيلية ويبنون رأيهم على ما يأتي: (1) وجود السفر مع الأسفار النبوية وليس مع الأسفار التاريخية (2) ذكر عجائب تختلف عن العجائب المذكورة في الأسفار التاريخية ولا سيما نبأ الحوت العظيم (3) عدم الاتفاق بين ما قيل في نبوة أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم وما يُعرف عن تاريخ نينوى وما أتى في سفر ناحوم «وَيْلٌ لِمَدِينَةِ ٱلدِّمَاءِ. كُلُّهَا مَلآنَةٌ كَذِباً وَخَطْفاً» (3: 1) «جُرْحُكَ عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ. كُلُّ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ» (3: 19) وناحوم بعد يونان (4) ما أتى في إرميا (51: 34 و44) «أَكَلَنِي أَفْنَانِي نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ. جَعَلَنِي إِنَاءً فَارِغاً. ٱبْتَلَعَنِي كَتِنِّينٍ وَمَلأَ جَوْفَهُ مِنْ نِعَمِي. طَوَّحَنِي... وَأُعَاقِبُ بِيلَ فِي بَابِلَ وَأُخْرِجُ مِنْ فَمِهِ مَا ٱبْتَلَعَهُ» والأمر واضح أن هذا الكلام تشبيه. فيقولون إن نبأ يونان أيضاً تشبيه لا تاريخ.

والأرجح أن سفر يونان سفر تاريخي. ومما يثبت ذلك (1) نَفَس الكلام فإنه لا يقول «صار قول الرب إلى إنسان بل إلى يونان ابن أمتاي» الخ (2) كلام يسوع إذ قال «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ الخ... رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا» (متّى 12: 40 و41) (3) إن نبأ الحوت العظيم ليس من الحكايات التي غايتها أن يندهش الناس منها بل غايته الرمز إلى موت المسيح وقيامته. ومن جهة توبة أهل نينوى فمن المحتمل أنهم تابوا توبة وقتية فقط فلا تُذكر إلا في هذا السفر. ولعل هذا السفر وُضع مع الأسفار النبوية لأن فيه ما يرمز إلى أمور آتية كقيامة المسيح وتبشير الأمم بعد ذلك وعلى أي وجه كان يوجد في هذا السفر فوائد مهمة ستظهر في التفسير بالتفصيل.

3 - 7 «3 فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ. 4 فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رِيحاً شَدِيدَةً إِلَى ٱلْبَحْرِ، فَحَدَثَ نَوْءٌ عَظِيمٌ فِي ٱلْبَحْرِ حَتَّى كَادَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَنْكَسِرُ. 5 فَخَافَ ٱلْمَلاَّحُونَ وَصَرَخُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلٰهِهِ، وَطَرَحُوا ٱلأَمْتِعَةَ ٱلَّتِي فِي ٱلسَّفِينَةِ إِلَى ٱلْبَحْرِ لِيُخَفِّفُوا عَنْهُمْ. وَأَمَّا يُونَانُ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى جَوْفِ ٱلسَّفِينَةِ وَٱضْطَجَعَ وَنَامَ نَوْماً ثَقِيلاً. 6 فَجَاءَ إِلَيْهِ رَئِيسُ ٱلنُّوتِيَّةِ وَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ نَائِماً؟ قُمِ ٱصْرُخْ إِلَى إِلٰهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ ٱلإِلٰهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ. 7 وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلُمَّ نُلْقِي قُرَعاً لِنَعْرِفَ بِسَبَبِ مَنْ هٰذِهِ ٱلْبَلِيَّةُ. فَأَلْقَوْا قُرَعاً، فَوَقَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ عَلَى يُونَانَ».

إشعياء 23: 1 و6 و10 وإرميا 10: 9 مزمور 139: 7 و9 و10 2أيام 2: 16 وعزرا 3: 7 وأعمال 9: 36 و43 مزمور 107: 25 - 28 و135: 7 و1ملوك 18: 26 أعمال 27: 18 و19 و38 مزمور 107: 28 ص 3: 9 و2صموئيل 12: 22 وعاموس 5: 15 يشوع 7: 14 - 18 و1صموئيل 1: 20 و21 و14: 41 و42 وأعمال 2: 23 - 26 عدد 32: 23 وأمثال 16: 33

كانت نينوى عاصمة مملكة أشور وكان أشور أعظم عدو لإسرائيل وطبعاً لم يطلب يونان بقاءه ولم يرد أن يدعوه إلى التوبة فيخلص. وكانت ترشيش في بلاد أسبانيا في الغرب الأقصى. ولا شك أن يونان عرف أنه لا يقدر أن يهرب من الرب (مزمور 139: 7 - 12) «اين أذهب من روحك» الخ. ولكنه هرب من الخدمة المطلوبة منه كما أن البعض يستعفون من خدمة التبشير أو خدمة المحتاجين وذلك من الكسل أو من الخوف وعدم الإيمان بنجاح الخدمة.

فَأَرْسَلَ ٱلرَّبُّ رِيحاً (ع 4) الأرياح والبحر وحيوانات البحر جميعاً بيد الرب فيستعلمها كما يشاء.

كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى إِلٰهِهِ (ع 5) للوثنيين آلهة كثيرون فاعتبروا الرب كأحد الآلهة ولم ينكروا وجوده وقدرته غير أنهم لم يعرفوه كالإله الوحيد.

طَرَحُوا ٱلأَمْتِعَةَ خسروها بسبب يونان «أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً» (جامعة 9: 18) أنظر نبأ عخان الذي بسبب خيانته هرب إسرائيل أمام أهل عاي وقُتل منهم 36 رجلاً (يشوع 7: 1 - 5) ونام يونان لأنه تعب من سفره ومن اضطراب أفكاره وبما أنه ليس نوتياً لم يأخذ على نفسه مسؤولية في تدبير السفينة.

مَا لَكَ نَائِماً (ع 6) وُبخ يونان من الوثنيين كأنه لم يهتم بخلاص نفسه ولا بخلاص غيره ونام في وقت الخطر ولم يصلّ كأنه بلا دين.

نُلْقِي قُرَعاً (ع 7) في القديم كان الرب يستعمل أحياناً القرعة لإعلان مشيئته (انظر لاويين 16: 8 ويشوع 18: 6) مع أن القرعة ليس لها اعتبار في أيامنا لأن الله أعطانا دستوراً أفضل في كتابه الكامل وفي موهبة الروح القدس.

8 - 12 «8 فَقَالُوا لَهُ: أَخْبِرْنَا بِسَبَبِ مَنْ هٰذِهِ ٱلْمُصِيبَةُ عَلَيْنَا؟ مَا هُوَ عَمَلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟ مَا هِيَ أَرْضُكَ وَمِنْ أَيِّ شَعْبٍ أَنْتَ؟ 9 فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا عِبْرَانِيٌّ، وَأَنَا خَائِفٌ مِنَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ. 10 فَخَافَ ٱلرِّجَالُ خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا لَهُ: لِمَاذَا فَعَلْتَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّجَالَ عَرَفُوا أَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ، لأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ. 11 فَقَالُوا لَهُ: مَاذَا نَصْنَعُ بِكَ لِيَسْكُنَ ٱلْبَحْرُ عَنَّا؟ لأَنَّ ٱلْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ ٱضْطِرَاباً. 12 فَقَالَ لَهُمْ: خُذُونِي وَٱطْرَحُونِي فِي ٱلْبَحْرِ فَيَسْكُنَ ٱلْبَحْرُ عَنْكُمْ، لأَنَّنِي عَالِمٌ أَنَّهُ بِسَبَبِي هٰذَا ٱلنَّوْءُ ٱلْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ».

يشوع 7: 19 و1صموئيل 14: 43 تكوين 47: 3 و1صموئيل 30: 13 تكوين 14: 13 وخروج 1: 15 و2: 13 و2ملوك 17: 25 و28 و32 و33 عزرا 1: 2 ونحميا 1: 4 ومزمور 136: 26 ودانيال 2: 18 نحميا 9: 6 ومزمور 95: 5 و146: 6 ع 3 وأيوب 27: 22 و2صموئيل 24: 17 و2أيام 21: 17

كثرة سؤالاتهم تدل على اضطراب أفكارهم.

أَنَا عِبْرَانِيٌّ (ع 9) هكذا كان الأجانب يلقبون الإسرائيليون ومع أنه كان قد هرب من وجه الرب قال «أنا خائف من الرب» فلم يكن كالملحدين بل كانت خطيئته كخطايا أولاد الله الناتجة عن ضعف إيمانهم. قال يسوع عن رسله «أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف» وخاف الرجال خوفاً عظيماً لما سمعوا أن إله يونان هو إله السماء الذي صنع البحر والبر.

لِمَاذَا فَعَلْتَ هٰذَا (ع 10) يتعجب غير المؤمنين من خطايا المؤمنين لأنهم لا يستنظرون مثل هذه الأعمال منهم.

ٱطْرَحُونِي فِي ٱلْبَحْرِ (ع 12) كان يونان رمزاً إلى المسيح الذي بذل نفسه ومات لتكون حياة أبدية لكل من يؤمن به. فإن يونان قال للنواتي اطرحوني في البحر أي سلّم نفسه للموت لينجو الرجال. ولعل الرب كان أعلن له أنه سيقوم من ذلك الموت وأما يونان فأطاع الرب في هذا الأمر إن كان للموت أو للحياة. وخاف الرجال أن يعملوا حسب قوله لما عرفوا أنه مرسل من قبل الرب وازداد خوفهم لما وقف البحر عن هيجانه لأن ذلك كان شهادة لصدق قول يونان إن الرب هو صانع البحر والبر.

13 - 17 «13 وَلَكِنَّ ٱلرِّجَالَ جَذَّفُوا لِيُرَجِّعُوا ٱلسَّفِينَةَ إِلَى ٱلْبَرِّ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا، لأَنَّ ٱلْبَحْرَ كَانَ يَزْدَادُ ٱضْطِرَاباً عَلَيْهِمْ. 14 فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ: آهِ يَا رَبُّ، لاَ نَهْلِكْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِ هٰذَا ٱلرَّجُلِ، وَلاَ تَجْعَلْ عَلَيْنَا دَماً بَرِيئاً، لأَنَّكَ يَا رَبُّ فَعَلْتَ كَمَا شِئْتَ. 15 ثُمَّ أَخَذُوا يُونَانَ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْبَحْرِ، فَوَقَفَ ٱلْبَحْرُ عَنْ هَيَجَانِهِ. 16 فَخَافَ ٱلرِّجَالُ مِنَ ٱلرَّبِّ خَوْفاً عَظِيماً، وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ وَنَذَرُوا نُذُوراً. 17 وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتاً عَظِيماً لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ».

أمثال 21: 30 ع 16 ومزمور 107: 28 مزمور 115: 3 و135: 6 ودانيال 4: 34 و35 مزمور 65: 7 و93: 3 و4 و107: 29 و1صموئيل 6: 2 - 5 ودانيال 4: 34 - 37 مزمور 50: 14 و66: 13 و14 ص 4: 6 (ص 2: 1 في العبراني) متّى 12: 40

وَذَبَحُوا ذَبِيحَةً (ع 16) أي وهم في البحر. ونذروا نذوراً أي وعدوا الرب بأنهم يقدمون ذبائح أخرى حينما يصلون إلى البر. ومن تقاليد اليهود أن النواتي رجعوا إلى البر وصعدوا إلى أورشليم واعترفوا بإيمانهم بالرب واختتنوا وانضموا إلى شعب الله.

حُوتاً عَظِيماً (ع 17) الكلمة العبرانية الأصلية تفيد معنى حيوان كبير في البحر. ويوجد حيوانات بحرية ككلب البحر تقدر أن تبلع إنساناً. قذفه الحوت إلى البر في اليوم الثالث. وقام يسوع من القبر في اليوم الثالث. والقول ثلاثة أيام وثلاث ليال اصطلاح عبراني معناه ثلاثة أيام وليلتان. وطبعاً لا يمكن إنساناً أن يعيش ولا ساعة إذا غرق في البحر ولا سيما في جوف سمكة. فكان كأنه مات ودُفن ولما قذفه الحوت كان كمن قام من بين الأموات. فذكر يسوع هذه الحادثة وخصصها لنفسه «كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (متّى 12: 40).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

1 - 10 «1 فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ مِنْ جَوْفِ ٱلْحُوتِ 2 وَقَالَ: دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي ٱلرَّبَّ، فَٱسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ ٱلْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. 3 لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي ٱلْعُمْقِ فِي قَلْبِ ٱلْبِحَارِ. فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ. 4 فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلَكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. 5 قَدِ ٱكْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ إِلَى ٱلنَّفْسِ. أَحَاطَ بِي غَمْرٌ. ٱلْتَفَّ عُشْبُ ٱلْبَحْرِ بِرَأْسِي. 6 نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجِبَالِ. مَغَالِيقُ ٱلأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى ٱلأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ ٱلْوَهْدَةِ حَيَاتِي أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهِي. 7 حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ ٱلرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. 8 اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ. 9 أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ ٱلْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ ٱلْخَلاَصُ. 10 وَأَمَرَ ٱلرَّبُّ ٱلْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى ٱلْبَرِّ».

أيوب 13: 15 ومزمور 130: 1 و2 ومراثي 3: 53 - 56 و1صموئيل 3: 6 ومزمور 18: 4 - 6 و22: 24 و120: 1 مزمور 18: 5 و6 و61: 2 و86: 13 و88: 1 - 7 مزمور 69: 1 و2 و14 و15 ومراثي 3: 54 مزمور 42: 7 مزمور 31: 22 وإرميا 7: 15 و1ملوك 8: 38 و2أيام 6: 38 ومزمور 5: 7 مراثي 3: 54 مزمور 69: 1 و2 مزمور 18: 5 و116: 3 إشعياء 38: 10 ومتّى 16: 18 أيوب 33: 28 ومزمور 16: 10 و3: 3 وإشعياء 38: 17 مزمور 142: 3 مزمور 77: 10 و11 و143: 5 و2أيام 30: 27 ومزمور 18: 6 ع 4 ومزمور 11: 4 و65: 4 وميخا 1: 2 وحبقوق 2: 20

فَصَلَّى يُونَانُ صلاته كلها شكر وحمد للرب ولا نعني أنه وزن هذه الصلاة وكلها شعر بأجمل ألفاظ وترتيب وهو في بطن الحوت بل أنه بصلاته عبّر عما كان في قلبه لما نزل إلى أعماق البحر وصعد منها إلى البر.

ٱلْهَاوِيَةِ (ع 2) شبّه بطن الحوت بالهاوية أو القبر. والنهر هو مياه كثيرة كنهر الفرات وهنا مياه البحر (انظر مزمور 24: 2) ونرى في قصيدة يونان ألفاظاً كثيرة منقولة من المزامير فنستنتج أنه كان من الأبرار الذين يلهجون في ناموس الرب نهاراً وليلاً (مزمور 1: 2).

تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ (ع 3) أي كلها للرب وهو يرسلها ويردها كما يشاء فلم يصبه شيء بالصدفة بل الكل من الرب وتأديباً له.

فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ (ع 4) (انظر مزمور 31: 22) «قُلْتُ... إِنِّي قَدِ ٱنْقَطَعْتُ مِنْ قُدَّامِ عَيْنَيْكَ».

أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ كان اليهود يديرون وجوههم نحو الهيكل كلما صلوا (انظر 1ملوك 8: 33 ودانيال 6: 10) فوجه يونان أفكاره نحو الهيكل.

قَدِ ٱكْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ (ع 5) (انظر مزمور 69: 1).

ٱلْتَفَّ عُشْبُ ٱلْبَحْر كان يونان في جوف الحوت وليس في مكان عشب البحر فلا يلزمنا أن نفسر القول حرفياً بل نفهم فقط أنه كان في العمق.

أَسَافِلِ ٱلْجِبَالِ (ع 6) حسب اعتقاد القدماء كانت الأرض مؤسسة على عمق عظيم (انظر مزمور 24: 2) «عَلَى ٱلْبِحَارِ أَسَّسَهَا» أي الأرض.

مَغَالِيقُ ٱلأَرْضِ الأرض مشبهة ببيت له أبواب ومغاليق فلا يقدر أحد أن يدخله ما دامت الأبواب مغلقة بمغاليقها فكان يونان مطروحاً خارجاً ولا يقدر أن يصعد من البحر ويرجع إلى البر وذلك إلى الأبد أي بلا رجاء.

أَصْعَدْتَ مِنَ ٱلْوَهْدَةِ (انظر مزمور 16: 10 و30: 3) وهذا قول كل خاطئ عندما يخلص بإيمانه بالمسيح.

هَيْكَلِ قُدْسِكَ (ع 7) (انظر ع 4) عبّر عن أفكاره لما كان في بطن الحوت وعبّر أيضاً عن شكره بعدما خلص منه. وظهر إيمانه بالرب بما أنه نسب له خلاصه وإيمانه بأن صلاته جاءت إلى الرب (انظر مزمور 18: 6).

اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ (ع 8) (انظر تثنية 32: 21 ومزمور 31: 6) يشير إلى عبدة الأصنام وربما يشير أيضاً إلى نفسه فإنه كان يراعي أباطيل راحته الجسدية وظنونه الضعيفة وقد ترك اتكاله على نعمة الله. وكل من يطلب الخلاص بموجب أفكاره يجلب الهلاك على نفسه (انظر مزمور 42: 4 و50: 14 و23).

بذل يونان حياته لأجل خلاص السفينة ورجالها. (انظر قول يسوع يوحنا 10: 17) «أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً». ومات يسوع لأجل العالم وليس لليهود فقط. والذين خلصهم يونان كانوا من الوثنيين وليس من اليهود (ع 10).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

1 - 4 «1 ثُمَّ صَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً: 2 قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا ٱلْمُنَادَاةَ ٱلَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا. 3 فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ ٱلرَّبِّ. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً لِلهِ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. 4 فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى: بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَنْقَلِبُ نِينَوَى».

ص 1: 1 و2 صفنيا 2: 13 - 15 إرميا 1: 17 وحزقيال 2: 7 ص 1: 2 و4: 11 متّى 12: 41 ولوقا 11: 32 و2ملوك 20: 1 و6 وإرميا 18: 7 - 10

قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً غفر له الرب خطيئته ولم يطرده من وظيفته النبوية كما غفر يسوع لبطرس بعدما كان أنكره وقال له «ارع خرافي» (يوحنا 21: 17).

وَنَادِ لَهَا (ع 2) القول الأول (1: 2) «ناد عليها» أي في القول الثاني تلميح إلى الرحمة.

ٱلَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا وعلى كل و اعظ أن ينادي المناداة التي يكلمه الرب بها إن كان توبيخاً على خطاياهم أو تعزية وتبشيراً بالخلاص وكل ذلك بالمحبة والتواضع والأمانة والقوة لعبيده. وربما لم يعرف يونان بالأول ما هي المناداة.

مَدِينَةً عَظِيمَةً لِلهِ (ع 3) اصطلاح عبراني بمعنى عظيمة جداً كما في (مزمور 36: 6 «جبال الله» أي جبال عظيمة. و(مزمور 80: 10) «أرز الله».

مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أي دائرة المدينة ولا شك كان ضمن أسوارها بساتين وحقول للفلاحة وليس فقط بيوتاً. دخل المدينة مسيرة يوم واحد ولعله قطع المدينة كلها من الباب الواحد إلى الباب الآخر حتى أن جميع أهلها سمعوا مناداته. أو أنه دخل المدينة وجال فيها يوماً واحداً ونادى لها ووسع وأوضح في كلامه. وأما الوعيد فهو كالوعد أي تحت شروط (انظر إرميا 18: 7 و8) «تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِٱلْقَلْعِ وَٱلْهَدْمِ وَٱلإِهْلاَكِ، فَتَرْجِعُ تِلْكَ ٱلأُمَّةُ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ عَنِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا». ولم تنقلب نينوى وأما أهلها فانقلبوا من الخطيئة إلى خوف الله. ولا نعرف إذا كان تكلم بلغته العبرانية أو بلغة نينوى أو أنه اكتفى بالعبارة الواحدة أو بالتفصيل والإيضاح.

5 - 10 «5 فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادُوا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحاً مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. 6 وَبَلَغَ ٱلأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. 7 وَنُودِيَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ: لاَ تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلاَ ٱلْبَهَائِمُ وَلاَ ٱلْبَقَرُ وَلاَ ٱلْغَنَمُ شَيْئاً. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً. 8 وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، 9 لَعَلَّ ٱللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ. 10 فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ».

دانيال 9: 31 ويوئيل 1: 14 تكوين 37: 34 و2صموئيل 3: 31 إرميا 31: 34 أستير 4: 1 - 4 وإرميا 6: 36 وحزقيال 27: 30 و31 ودانيال 9: 3 ع 5 و2أيام 20: 3 وعزرا 8: 21 ص 1: 6 و14 ومزمور 130: 1 إشعياء 1: 16 - 19 و55: 6 و7 وإرميا 18: 11 و2صموئيل 12: 22 ويوئيل 2: 14 و1ملوك 21: 27 - 29 وإرميا 31: 18 خروج 32: 13 وإرميا 18: 8 وعاموس 7: 3 و6

فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى صدقوا قول الرب بواسطة عبده يونان بأن المدينة تنقلب وآمنوا برحمة الله للتائبين ولولا رجاؤهم بالرحمة لما تابوا ونادوا بصوم (انظر 2أيام 20: 3 ويوئيل 1: 14) وربما نبأ نجاة يونان من البحر بواسطة الحوت أثر فيهم وأمالهم إلى الإيمان. ولبسوا مسوحاً من تلقاء أنفسهم قبلما بلغتهم أمر الملك (ع 6).

وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ (ع 6) (انظر أيوب 2: 8 وحزقيال 27: 20) ولا نعرف من هو هذا الملك. وخلع رداءه ونزل عن كرسيه لأن لا كبير ولا صغير عند الله بل الجميع بشر ومحتاجون إلى الخلاص.

ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ (ع 7) دليل على حكم مقيد فإن الأمر لم يصدر من الملك وحده (انظر دانيال 6: 17).

ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ (ع 8) لو انقلبت المدينة لكانت البهائم هلكت وليس أصحابها فقط وفي 4: 11 إن الله أشفق على بهائم نينوى. وفي أمر الملك أيضاً أن يرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة أي أن يتوبوا توبة حقيقية بالفعل وليس بالكلام فقط. على كل من يترك الخطية أن يترك أيضاً ما ربحه بواسطتها. كما قال زكا العشار (لوقا 19: 8) «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ». واشتهر أهل نينوى بخطيئة الظلم. (انظر نبوة ناحوم ص 2 و3) وجعل يسوع أهل نينوى قدوة لجيله بقوله «أهل نينوى تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا» (متّى 12: 41). ونستنتج مما نعرفه عن تاريخ نينوى أن توبتهم كانت وقتية ورجعوا إلى الظلم وعبادة الأصنام. ولكنهم وإن رجعوا إلى خطاياهم يبشرون كل جيل بأن الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

1 - 4 «1 فَغَمَّ ذٰلِكَ يُونَانَ غَمّاً شَدِيداً، فَٱغْتَاظَ 2 وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ: آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هٰذَا كَلاَمِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذٰلِكَ بَادَرْتُ إِلَى ٱلْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلٰهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى ٱلشَّرِّ. 3 فَٱلآنَ يَا رَبُّ خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي. 4 فَقَالَ ٱلرَّبُّ: هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ؟».

ع 4 و9 ومتّى 20: 15 ولوقا 15: 28 إرميا 2: 7 ص 1: 3 خروج 34: 6 وعدد 14: 18 ومزمور 86: 5 و15 ويوئيل 2: 13 وميخا 7: 18 ع 8 و1ملوك 19: 4 وأيوب 6: 8 و9 أيوب 7: 15 و16 وجامعة 7: 1 ع 9 ومتّى 20: 11 و15

فَغَمَّ ذٰلِكَ العلاقة مع الأصحاح السابق أي «ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه فغم ذلك يونان» واغتم لأنه حسب نينوى عدوّاً لإسرائيل وانقلابهم خيراً لهم فغار لشعبه كما غار إيليا للرب (انظر 1ملوك 19: 10) وأما يونان فكان ضعيف الإيمان وقليل المعرفة فإن طرق الرب ليست طرقنا ولا يمكننا أن ندرك عمق غناه وحكمته وبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء (انظر رومية 11: 33) ويونان كغيره من معاصريه لم يعرف أنّ الرب أب حنون لكل بني البشر ومن مقاصده الأزلية أن بشارة الخلاص تمتدّ إلى أقاصي الأرض فلا يكون أممي ولا يهودي بل يكون الجميع واحداً في المسيح.

لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلٰهٌ رَؤُوفٌ (ع 2) (انظر خروج 34: 6 و7 ويوئيل 2: 13) قال يونان «هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي» أي عرف من الأول أن إرساليته إلى نينوى لا تكون للانقلاب بل للرحمة فلم يستحسن الرحمة للعدو وما أراد أن يكون مرسلاً لا ينفذ قوله.

خُذْ نَفْسِي مِنِّي (ع 3) هكذا صلى إيليا لما هرب من إيزابل. ولم يرد يونان أن يرى سقوط شعبه عن يد ملك أشور.

هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ (ع 4) ما أعظم لطف الله وطول أناته فطلب من يونان أن يراجع قوله ليرى غلطه بنفسه.

5 - 8 «5 وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ ٱلْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي ٱلظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي ٱلْمَدِينَةِ. 6 فَأَعَدَّ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ يَقْطِينَةً فَٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ، لِيُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ فَرَحاً عَظِيماً. 7 ثُمَّ أَعَدَّ ٱللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ فِي ٱلْغَدِ، فَضَرَبَتِ ٱلْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. 8 وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ أَنَّ ٱللهَ أَعَدَّ رِيحاً شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ ٱلشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ ٱلْمَوْتَ، وَقَالَ: مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي».

1ملوك 19: 9 و13 ص 1: 17 عاموس 6: 13 يوئيل 1: 12 حزقيال 19: 12 وهوشع 13: 15 مزمور 121: 6 وإشعياء 49: 10 ع 3

جَلَسَ شَرْقِيَّ ٱلْمَدِينَةِ لعله دخل المدينة من الغرب ومرّ فيها وخرج من الشرق.

وَجَلَسَ فِي ٱلظِّلِّ كانت نينوى على نهر دجلة بقرب مدينة الموصل الحالية وهناك حر شديد واليوم في فصل الصيف ينزل أهل الموصل إلى أقبية تحت الأرض في نصف النهار ليخلصوا من الحر.

فَأَعَدَّ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ يَقْطِينَةً (ع 6) أعدّ يقطينة وأعد دودة (ع 7) وأعد ريحاً شرقية. أي كل شيء من الرب. الخير كاليقطينة والمصائب كالدودة والريح الشرقية. الأشياء الصغيرة كالدودة والأشياء العظيمة كانقلاب المدينة وخلاصها. الكل منه والكل للخير فعلينا وإن كنا لا نفهم كل مقاصده أن نقبلها بالإيمان.

لِيُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ أي اعتنى به مع أنه تذمر عليه ولم يستحق تلك العناية الأبوية.

ثُمَّ أَعَدَّ ٱللهُ (ع 7) قيل إن كل يقطينة لها دودة أي أن الخيرات الجسدية وقتية ونفرح بها ونعرف أيضاً أن فيها جراثيم الموت فإن الغنى يزول سريعاً «يصنع لنفسه أجنحة كالنسر يطير نحو السماء» وأيام الحياة مهما كثرت «تقرض سريعاً فتطير» ومهما كانت محبتنا شديدة نحو أهل بيوتنا ففي كل بيت دودة أي ما يكدر. وكما أنه لا يليق بيونان أن يعلّق قلبه باليقطينة التي كانت ليوم فقط بلا اهتمام بالمدينة العظيمة الواقعة أمام عينيه هكذا لا يجوز لنا أن نعلق قلوبنا بمالنا وأملاكنا وراحتنا الجسدية بلا اهتمام بالملايين الهالكين في البلدان الوثنية.

فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ ٱلْمَوْتَ (ع 8) (انظر أيضاً ع 3) أولاً طلب الموت لأنه لم يرد نجاة نينوى وهي المدينة الظالمة الضارة لشعبه. ثم طلب الموت لأنه انزعج من الحر. ولكن حياتنا من الله وهو يحفظها يوماً فيوماً حتى نكمل الخدمة المعينة لنا فلا يجوز أن نستعفي من هذه الخدمة في هذا العالم ولا أن نتجاسر ونطلب الوقوف لدى الله بلا دعوة منه.

9 - 11 «9 فَقَالَ ٱللهُ لِيُونَانَ: هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ؟ فَقَالَ: ٱغْتَظْتُ بِٱلصَّوَابِ حَتَّى ٱلْمَوْتِ. 10 فَقَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا، ٱلَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. 11 أَفَلاَ أُشْفِقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ».

ع 4 ص 3: 10 ص 1: 2 و3: 2 و3 ص 3: 3 تثنية 1: 39 وإشعياء 7: 16 مزمور 36: 6

ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً أي 120000 «لا يعرفون يمينهم من شمالهم» أي أولاد من سن سبع سنين وما دون. فكان عدد أهل المدينة نحو 600000.

وخلاصة ما استفدناه من هذا السفر:

  1. وجوب تبشير الوثنيين والإيمان بأنهم يسمعونه ويقبلونه. وإن رحمة الله تشمل الجنس البشري وإنه يقبل كل من تاب وأحسن عمله والله قادر على تجديد القلوب وإنارة العقول.

  2. إن يونان كان رمزاً للمسيح لأن السيد المسيح أشار إلى هذا في الإنجيل ومع روح يونان كانت ذاتية متعصبة فيستدل من السفر على روح المسيح المملوءة بالرأفة والحلم والرحمة.

  3. إن راحتنا وسلامتنا ومجدنا العالمي ونفوذ كلامنا كلها أشياء خفيفة جداً بالنسبة إلى تبشير العالم وخلاص النفوس وإقامة ملكوت الله على الأرض.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany