العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر يشوع

شرح سفر يشوع

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس . وليم مارش


Table of Contents

Bibliography
مقدمة
المقدمة: وفيها سبعة فصول
القسم الأول من سِفْرُ يَشُوعَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
القسم الثاني من سفر يشوع: تقسيم الأرض بين أسباط إسرائيل ص 12 إلى ص 22
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

List of Tables

1.
2.
3.

Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر يشوع. للقس . وليم مارش . Copyright © 2013 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة: وفيها سبعة فصول

الفصل الأول: في ترجمة يشوع

يشوع المنسوب إليه هذا السفر هو ابن نون أحد رجال أفرايم (1أيام 7: 20 - 27) ولم يُذكر اسم أمه مع كثرة ذكر اسم أبيه. واسمه الأصلي هوشع (عدد 13: 8) وهو لفظة عبرانية معناها خلاص (1أيام 7: 27). ثم دعاه موسى يهوشع ومعناه الرب خلّص وكُتب في الترجمة العربية يشوع. وفي كتب مؤرخي العربية وغيرها من مؤلفات العرب يُوشع وهو أقرب إلى الاسم العبراني يهوشع. ويشوع هو اسم الفادي الذي هو فوق كل اسم وصار في اليونانية يسوع بإبدال الشين سيناً.

وُلد يشوع في مصر أيام إذلال بني إسرائيل والجور عليهم وخرج معهم وكان خادماً لموسى. وعاش مئة سنة وعشر سنين (ص 24: 29). عاش بعضها في مصر و بعضها في البرية وبعضها في أرض كنعان. وقاد الإسرائيليين بعد موسى. وكان موسى قد علّمه كل ما يحتاج إليه في سياسته لشعب الله. وكان قد اختبر كثيراً من أمور تلك السياسة بمصاحبته لموسى حتى صار أخبر الإسرائيليين فيها. وكان خليفة موسى بتعيين موسى حسب أمر الرب ثم بتعيين الرب نفسه على مشهد من موسى فلم يدّع الخلافة لنفسه (انظر تثنية 31: 7 و14 و23 ويشوع 1: 1 و2). ومارس الحرب منذ أول أمره بدليل أنه كان خبيراً في الحرب منذ أول ذكره في الكتاب على أثر الخروج من مصر على ما في سفر الخروج عينه. فإنه لما أتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم «قَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: ٱنْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً وَٱخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ» (خروج 17: 9). فلا ريب في أن الله كان قد أعلن لموسى من أول الأمر أن يشوع هو الذي يفتح أرض كنعان ولهذا منذ أرسله من قادش برينع سماه يشوع.

أما حياته في مصر فكانت حياة الذل والعبودية والمشقة كسائر الإسرائيليين من عمل اللبن وخدمة المصريين. وشاهد أصنام المصريين ومعبوداتهم وسائر رجسهم وتألمت نفسه من مشاهدته إياهم يعبدون المخلوق دون الخالق. وعهد سقوط بعض شعبه في تلك العبادة بدليل قوله للإسرائيليين «فَٱلآنَ ٱخْشَوْا ٱلرَّبَّ وَٱعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ، وَٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ... فِي مِصْرَ» (ص 24: 14). فإن المصريين كانوا يعبدون فرعون والعجل والشمس بل كل ما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء تحت الأرض فعرف أن شعبه كان مائلاً إلى بعض تلك الأباطيل وكانوا قد حملوا معهم بعض صغار الصور والتماثيل المصرية فحذرهم من ذلك وأوصاهم أن يعبدوا الله ونهاهم عن أن يعبدوا سواه وأن يعزلوا آثار الآلهة الغريبة.

وأما حياته في البرية فكانت بدائتها منذ خروج بني إسرائيل من مصر فيكون قد مرّ عليه أربعون سنة في العبودية مع الشعب حتى افتقدهم الله وحانت ساعة السعي في الإنقاذ فشاهد حينئذ عقاب العلي لأرض حام (مزمور 78: 51 و105: 23 و27 - 31). وظهر في برية سيناء بشيء من العظمة إذ رآه موسى أهلاً لأن يكون قائد جند فاختاره قائداً للأبطال في محاربة عماليق في رفيديم «فَهَزَمَ... عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ» (خروج 17: 8 - 14). وصار منذ ذلك اليوم خادماً لموسى. وصعد مع موسى إلى سيناء زمن إتيانه بلوحي الشريعة الأولين. وبعد أربعين يوماً انحدر معه من الجبل. فسمع صوت هتاف الشعب فقال لموسى «صَوْتُ قِتَالٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ» (خروج 32: 15 - 17). فقال له موسى «إن ذلك الصوت غناء». ولما بلغا المحلة نظرا العجل والشعب يعبده بغناء ورقص. فشاهد يشوع حينئذ حمو غضب موسى وطرحه لوحي الوصايا وكسره إياهما على مشهد من الشعب في حضيض الجبل (خروج 32: 15 - 19).

ومن حوادث حياة يشوع في برية سيناء أنه لما تنبأ ألْداد وميداد سأل موسى أن يردعهما فسمع ذلك الجواب المشهور وهو قول موسى له «يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ ٱلرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ إِذَا جَعَلَ ٱلرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ» (عدد 11: 26 - 29).

وكان يشوع أحد الجواسيس الأثني عشر الذين أرسلهم موسى إلى أرض كنعان لأنه كان محتاجاً إلى معرفة الأرض إذ كان من قصد الله أنه هو يُدخل الشعب إلى أرض ميراثه ولهذا غيّر موسى اسمه فدعاه يشوع (وفي العبرانية يهوشع) أي الرب خلّص فسُمي بما يناسب ما عُيّن له قبل وقته على مثال النبوءة. وإذ كان خادم موسى ونائبه لزم أنه كان رئيس أولئك الجواسيس فصعد بهم شمالاً وتجسّس الأرض من برية صين إلى رحوب في مدخل حماة. ثم صعدوا إلى الجنوب وأتوا حبرون ورأوا أثمار الأرض وخصبها إلى أن وصلوا إلى وادي أشكول (عنقود) ورجعوا بعنقود عظيم من عنبه وعادوا إلى خيام إخوتهم الإسرائيليين بعد أربعين يوماً (عدد 13: 22 - 25). فأتى الجواسيس غير كالب ويشوع ما ملأ أفئدة الإسرائيليين خوفاً وجبناً أما يشوع وكالب فبذلا المجهود في أن يملآها اطمئناناً وشجاعة وسألاهم أن يصعدوا ويستولوا على الأرض (عدد 14: 6 - 9) لكن كلامهما وقع على آذان صمّاء فكان جزاء الشعب على عصيانهم أن لا أحد منهم يدخل أرض الميعاد (عدد 14: 22 و23).

ولم نسمع شيئاً من أمر يشوع مدة سفر السنين الشاق الذي كانت بداءته من سيناء لكن نعلم بدلالة الالتزام أنه لا بد من أن يكون ممن شاهدوا معصية قورح وداثان وأبيرام وعقابهم الشديد (عدد ص 16 و17) ووفاة مريم ودفنها في برية قادش (عدد 20: 1) وموت هارون ودفنه في جبل هور (عدد 20: 23 - 29) ومحاربتي ياهص وأذرعي (عدد 21: 23 - 35) والاستيلاء على شرقي أرض كنعان وخيبة مسعى بلعام بغيرة فينحاس للبرّ (عدد 25: 1 - 18).

ولما حانت ساعة انطلاق موسى من هذه الأرض عُين خلفاً له على وفق قول الرب وأمره (عدد 27: 18) وكان ذلك الخلَف يشوع تلميذه الذي اختبره وولّاه إخوته وأوصاه آخر وصاياه (عدد 27: 22 و23 وتثنية 31: 14 و23).

وأما حياته في أرض كنعان فقد بُينت في سفره ولكنّا نذكرها هنا بالإيجاز. إنه تولّى قيادة الشعب على أثر موت موسى في شطيم آخر محلّات بني إسرائيل قبل أن دخلوا أرض كنعان (ص 2) وكان حسن الصيت موثوقاً به بناء على شهادة موسى. وكان بطلاً شديد البأس لا يرهب ولا يرتعد وأفلح حيث ذهب. وكان سفر الشريعة لا يبرح من فمه. وكان الله معه في كل حركاته وسكناته فكان الشعب طوع أمره يسمعون له كما سمعوا لموسى (ص 1: 7 - 9 و18) فقاد إسرائيل من الأردن إلى أريحا ومن أريحا إلى عاي ومن عاي إلى جبعون وبيت هورون وميروم وقام بحروب الرب. وكان الشعب يخطأ وهو يرفق بالخطأة ويرشدهم ويعظهم. وكان إيمانه بالله مفتاح نجاحه. وكان مع قيامه بالحروب التي أمر بها الرب يسعى في السلام وقسم الأرض للشعب ولم يلتفت إلى نفسه بشيء من الأملاك والغنائم. وكان كل قصده أن يرضي الرب ويمهد سبل الراحة لشعبه. ولما شعر بقرب الأجل دعا جميع إسرائيل وشيوخ الشعب وقضاته وعرفاءه وذكرهم بصنائع الرب وحثهم على التقوى وشدهم على السعي في إدراك مواعيد الرب لآبائهم وأوصاهم بحفظ شريعة الرب التي أعطاهم إياها بيد عبده موسى. وأنذرهم بما يصيبهم من مخالفتها. فجرى في هذا على سنن شريعة الله ومنهج أستاذه موسى. ومات بسلام ابن مئة وعشر سنين ودُفن في تمنة سارح أو حارس على جبل أفرايم (ص 24 وقضاة 2: 9).

وكان يشوع في قيادته لشعب الله رمزاً إلى يسوع فالإسمان واحد إنما صار يشوع في اليونانية يسوع. ومعنى الإسم يفيد أنه مخلّص فإن يشوع غلب أعداء شعب الله وخلّص الشعب من الأخطار وملّكه أرض الموعد ويسوع خلّص الشعب من أعظم الاعداء الشيطان والخطيئة. قال الملاك جبرائيل ليوسف في البشارة بالفادي «وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 1: 21). والفرق بين اليشوعين أن ابن نون خلّص شعب الله بقدرة الله وابن الله خلّص شعب نفسه بقدرة نفسه. وابن نون ملّكهم أرض الأعداء بقوة الله وابن الله ملكهم ملكوته وملكوت أبيه بقوة نفسه. وابن نون ملّكهم الأرض ولم يملّكهم وابن الله ملّكهم السماء وملّكهم لأنه اشتراهم بدمه فالرمز كالتشبيه لا يقتضي المماثلة في كل شيء.

الفصل الثاني: في كاتب هذا السفر

كاتب هذا السفر عند اليهود يشوع وهذا تواتر عندهم واتصل إليهم من الأقدمين ولم تحدث مناقشة فيه. ولكن علماء هذا العصر لا يسلمون بأن يشوع كاتب كل هذا السفر ويذهبون إلى أنه كتب بعضه وكتب سائره بعض الشيوخ الذين عاصروه وماتوا بعده. وإن الدليل على أنه كتب بعضه قول السفر نفسه «وَكَتَبَ يَشُوعُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ» (يشوع 24: 26 انظر التفسير) وإن الدليل على أنه لم يكتب كل السفر عدة آيات. منها نبأ موته ومنها «فَسَكَنَ ٱلْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي يَهُوذَا فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» (ص 15: 63) وهذا يدل على أن ذلك كان بعد موت يشوع. وإن أخذ كالب لحبرون وأخذ عثتئيل لدبير المذكوران في هذا السفر ذُكرا في سفر القضاة أنهما كانا بعد موت يشوع (انظر ما في ص 15: 13 - 20 و19: 47 وقابله بما في قضاة 1: 10 - 15 و18: 29). فالقول بأن كتب بعضه يشوع وبعضه من عاصره وأخذ عنه يوافق ما ذُكر كل الموافقة. وإن السفر نُسب إليه لأنه يتضمن نبأ أعماله. وهذا خلاصة ما قاله بعض المفسرين.

وقال الدكتور مكلير «إن كتبة اليهود والمسيحيين نسبوا هذا السفر إلى يشوع نفسه. وخالفهم جماعة من المتأخرين فذهبوا في ذلك مذاهب وهي أن كاتبه اليعازار أو فينخاس أو أحد الشيوخ الذين عاصروا يشوع وعاشوا بعده أو صموئيل أو إرميا أو أحد من عاشوا بعد سبي بابل».

ولنا أدلة كثيرة على أن يشوع كتب أكثر هذا السفر نذكر منها ما يأتي:

  1. إنّ موسى لا بد من أنه أمر خليفته يشوع بكتابة الحوادث في إتمام الله وعده لإسرائيل على يده.

  2. إنّه لا أحد أولى بكتابة تلك الحوادث ممن تمّت بواسطته وأن يضمّ ما كتبه إلى سفر شريعة الرب.

  3. إنه لا أحد يرغب مثل يشوع في أن يدّون تلك الحوادث وما فيها من آيات العناية الإلهية لتبقى مناراً للشعب.

  4. إنّه لا أحد يستطيع أن ينبئ بتلك الحوادث ويرتبها مثل مختبرها يشوع ويكتبها بإحكام وضبط مثل يشوع لأنه شاهدها وأخذ الأنباء عن العلي «ورئيس جند الرب» (ص 1: 1 و3: 7 و4: 1 و2 و5: 2 و9 و13 و6: 2 و7: 10 و8: 1 و10: 8).

  5. جاء في سفر يشوع «وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله» وهذا الكلام وإن لم يدل على أن يشوع كتب السفر كله صريحاً على أنه ضمّ ما كتبه إلى سفر شريعة الرب التوراة أي أسفار موسى الخمسة عينها حتى صار ما كتبه يشوع جزءاً وهذا هو الواقع بدلالة واو العطف في أول سفر يشوع المعطوف على ما في آخر سفر التثنية فالعاطف جعل هذه السفر والتوراة كتاباً واحداً.

الفصل الثالث: في قانونية هذا السفر

لم يشك أحد من قدماء المسيحيين واليهود ومحدثيهم في قانونية هذا السفر. وأثبتت قانونيته شهادة غيره من الأسفار المقدسة فإنها شهدت بصحة حوادثه وأنبائه. ومنها المزامير والأنبياء والعهد الجديد (انظر مزمور 44: 2 و3 و68: 12 - 14 و78: 54 و55 وإشعياء 28: 21 وحبقوق 3: 11 - 13 وأعمال 7: 45 وعبرانيين 11: 30 و31 ويعقوب 2: 25).

الفصل الرابع: في زمان كتابة هذا السفر ومكانها

المرجّح أن يشوع كتب القسم الأكبر من هذا السفر في آخر حياته أو نحو سنة 1426 ق.م في تمنة سارح أرض ملكه.

الفصل الخامس: في مشتملات سفر يشوع

يشتمل سفر يشوع على 24 أصحاحاً تنطوي في ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: افتتاح أرض كنعان (ص 1 - ص 12).

  • القسم الثاني: قسمة الأرض على التسعة الأسباط ونصف السبط (ص 13 - ص 22).

  • القسم الثالث: نصائح يشوع للإسرائيليين (ص 23 وص 24).

وأشهر ما في هذا السفر أربعة أمور ذات شأن:

  1. انقسام نهر الأردن لعبور الكهنة والشعب (ص 3).

  2. ظهور المسيح ليشوع (ص 5).

  3. وقوف الشمس والقمر يوماً كاملاً (ص 10).

  4. ظهور أن يشوع كان رمزاً إلى يسوع على ما بُيّن في التفسير ولا سيما آخره.

الفصل السادس: في دفع الاعتراضات على سفر يشوع

قام معترضون كثيرون على سفر يشوع نذكر من الاعتراضات ما يأتي:

الاعتراض الأول: إنه لم يظهر إلى الآن اسم مؤلف سفر يشوع قطعاً وكل قائل من علماء النصرانية بمؤلفه وزمان تأليفه لم يقل إلا ظناً. وفي الجواب على هذا الاعتراض وجوه:

  1. إن التواتر في هذا الكتاب منذ كونه بلا خلاف بين قدماء الإسرائيليين والمسيحيين أن كاتبه يشوع لا يقدح فيه تشكيك بعض المحدثين. وإن أكثر المتأخرين رجّحوا الظن أن ما رآه القدماء حقّ.

  2. إن عدم معرفة مؤلف كتاب تواتر أنه من أسفار الوحي منذ كُتب إلى هذه الساعة بلا خلاف بين اليهود والمسيحيين وصدّقه كتبة الوحي المشهورون وكما علمت في الفصل الثالث من هذه المقدمة لا يبطله ولا يحط شأنه إذ العمدة أن الكتاب إلهي لا المؤلف.

  3. لو كان يجب السند المتصل وعدم الالتفات إلى التواتر ما بقي لأهل دين من الأديان ثقة بمعظم الكتب التي يدّعون أنها وحي الله فقد اختلف علماء الأديان المختلفة في زمان كتابة الفصول وأزمنة نزول الآيات وأماكنها وجهلوا كثيراً من ذلك ولم يبطلوا المقول لجهل الكاتب وزمانه ومكانه.

وإذ ثبت أن الكتاب إلهي ثبت أن كاتبه موحى إليه سواء كان واحداً أم كان متعدداً. ونحن لا نشك في أن بعض رجال الوحي كتبوا في سفر يشوع في عصر غير عصره ما لم يكتبه هو وهذا حمل بعضهم على القول بأنه كتُب الكتاب كله بعد عصر يشوع ولا يخفى بطلان قوله على ذي عقل إذ كتابة جزء صغير في كتاب قديم لا يستلزم أن الكتاب كله كُتب في زمن كتابة ذلك الجزء مع أنه لو ثبت هذا المحال ما ضرّ بوحي السفر شيئاً كما علمت.

الاعتراض الثاني: إنه في هذا السفر أن موسى أعطى سبط جاد أراض بني عمون (ص 13: 25) وفي سفر التثنية (تثنية 2: 19) إن الله لا يعطي بني إسرائيل شيئاً منها.

والجواب أن المراد بأرض بني عمون في يشوع هو القسم الذي أخذه الأموريون من العمونيين في ملك سيحون فلم يبقَ للعمونيين بل صار للأموريين والإسرائيليون أخذوه من الأموريين لا من العمونيين وإنما نُسب إلى العمونيين بالنظر إلى السابق والمنهي عنه ما بقي للعمونيين أخيراً لأن الإسرائيليين كانوا قد أخذوا تلك الأرض على أثر صعودهم من مصر (عدد 21: 24 و25 و26 وقضاة 11: 13).

الاعتراض الثالث: إن في ص 19: 34 ما نصه «وإلى يهوذا الأردن نحو شروق الشمس» وهذا غلط.

والجواب لم يتبين لنا شيء من الغلط هنا لأن قسماً من الأردن كان شرقي يهوذا فإن من حدود نصيبهم البحر المتوسط إلى بحر لوط والأردن يصب في هذا البحر شرقي ذلك النصيب.

الاعتراض الرابع: إنه في ص 8 «إن يشوع بنى مذبحاً كما أمره موسى وكتب عليه التوراة فعُلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كُتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك».

والجواب إن التوراة لم تكن قد تمت كتابتها فالمراد هنا بالتوراة وصايا الله العشر (انظر تفسير ص 3: 3 وتثنية 27: 8) أو كلمات اللعنة المكررة في (تثنية 27: 15 - 26) كما رأى بعضهم. والأول هو الأرجح لأن الوصايا العشر سُميّت بالعهد والشهادة والشريعة وكانت معهم في تابوت العهد (انظر تثنية 4: 13 و9: 11 و33: 2 وخروج 32: 15).

وسُميّت الوصايا العشر بالشريعة وهي معنى التوراة لأنها مختصر شريعة الله الأدبية في كل الأسفار الخمسة المعروفة بالتوراة على أنه لو صحّ ما توهم المعترض ما امتنع كتابة الأسفار الخمسة على عُمُد تقام مع المذبح وإن تكن العُمُد اثني عشر على عدد أسباط إسرائيل أو غير ذلك من الوسائل.

الاعتراض الخامس: إن إيقاف يشوع للشمس باطل لأدلة جمعها المعترض من أقوال الملحدين سيأتي بيانها. وقبل إيرادها نقول يظهر من تكذيبه ذلك أنه ليس بيهودي ولا بنصراني ولا بمسلم لأن كلاّ من هؤلاء يصدقون إمكان تلك المعجزة فاليهود وجمهور النصارى يصدقونها وبعضهم يؤولها مع التسليم بقدرة الله على كل شيء لأنها في التوراة ولا حاجة إلى إيراد أقوال الفريقين في ذلك.

ومن الاعتراضات على توقيف يشوع الشمس بقدرة الله أن ذلك أمر عظيم فلو صح لكتبه المؤرخون.

والجواب على هذا أمور:

  1. إن كاتب هذا السفر من أصدق المؤرخين وقد صدّقه ألوف وربوات لا تحصى.

  2. إن كتب المؤرخين منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف وخمس مئة سنة لا توجد وإن ادّعى الصينيون والهنود حفظها وأما هذا السفر فبقي لمحافظة اليهود والمسيحيين عليه لاعتقادهم أنه وحي الله بخلاف كتب المؤرخين.

  3. إن أموراً كثيرة من الأمور ذات الشأن انفرد بها مؤرخ واحد.

  4. إن أنباء كثيرة نفاها المحدثون من نفاة الوحي واثبتتها العاديّات المكتشفة في القرن الماضي وهذا القرن فقامت الحجارة من مدافنها وشهدت بإثبات ما نفوه وما وقفوا على شيء منه قبل هذا الاكتشاف في شيء من تورايخ العالم.

  5. نقول مقابلة لقوله أنه لم يكذّب أحد من مؤرخي ذلك العصر هذه الحادثة ومن اعتراضه على ذلك إن الشمس ثابتة والأرض متحركة ويشوع أثبت الحركة للشمس وهو باطل. ولا شيء في ذلك من الخطإ لأنه كلام بمقتضى الظاهر والفلكيون المحدثون القائلون بدروان الأرض كثيراً ما يتكلمون بحسب الظاهر. وكل منّا اليوم يقول أشرقت الشمس وغربت لأن في ذلك اختصار وبيان للناظرين وإلا اضطررنا أن نقول دارت الأرض حتى قابل مكاننا الشمس بدلاً من طلعت الشمس ودارت الأرض حتى بعد مكاننا عن الشمس فحُجبت عنا الشمس بكروية الأرض فتأمل. ولو قال يشوع يا أرض قفي لتبقى الشمس ظاهرة فماذا كان يفهم الشعب فتعجب من فلسفة المعترض. على أن الشمس ثابتة بالنسبة إلى الأرض وأجرام عالمها متحركة بالنسبة إلى غيره فاذكر ذلك ولا تنسه. ومنها أن الإسرائيليين قتلوا ألوفاً من الأعداء ومطر الحجارة قتل أكثر ممن قتلوا فكان الوقت كافياً لقتل الباقين بدون رد الشمس. وهذا أوهن اعتراض تحرك به لسان إلا إذا كان المعترض عرف كم قتل وكم بقي وبيّن الوقت الذي يقتضيه قتل الباقين وهذا مما يقصّر باعه عنه على أن قوله قتلوا ألوفاً ليس في الكتاب (انظر تفسير ص 10: 12 - 14).

الاعتراض السادس: إن العلماء اختلفوا في زمان تأليف سفر يشوع اختلافاً فاحشاً. قلنا الاختلاف في زمان حادثة لا ينفيها لجهل المختلفين لذلك الزمان أو لجهلهم شيئاً من أحوال تلك الحادثة وما حمل على الخلاف إلا أن سفر ياشر ذُكر فيه حوادث بعد زمن يشوع. والكلام على هذا السفر يطول فنقتصر هنا على ذكر ما فيه الحاجة وهو أن هذا السفر ليس من كتب الدين القانونية بل مجموع أنباء حوادث في شعب اليهود من أعمال العناية الإلهية ذات الشأن كالحادثة المذكورة هنا ونشيد القوس (2صموئيل 1: 18) وكانت تجمع فيه على توالي الأزمنة فالحوادث التي ذُكرت فيه بعد عصر يشوع أُلحقت به وهو في العبرانية معرّفاً بآداة التعريف وهي حرف الهاء في العبرانية ومعنى ياشر بار أو مستقيم (انظر حاشية الكتاب ذي الشواهد في نبإ هذه الحادثة ص 10: 13) فتكون الترجمة الموافقة سفر الياشر أو سفر البار أو الأبرار أو سفر المستقيم أو المستقيمين لأن ما جمع فيه من أعمال العناية العجيبة والأغاني الروحية ذكرى نافعة للأبرار والمستقيمين. هذا ولا يبطل صحة سفر يشوع زمن كتابته أو كون كاتبه غير يشوع وقد بت بالتواتر أنه كتاب إلهي اتفق عليه اليهود منذ وجوده إلى الآن والمسيحيون منذ نشوئهم كذلك.

الاعتراض السابع: إنه ما كانت الساعات عند الإسرائيليين فكيف علموا أن الشمس قامت على دائرة نصف النهار اثنتي عشرة ساعة. قلنا إن لم تكن عندهم الساعة المعتادة اليوم فكان لهم ساعات غيرها لا نعلم كل صنوفها ولكن علمنا أنه كان للأقدمين ساعات مائية وساعات رملية. هذا وإن لم يكن لهم شيء من الساعات. ولكن الذي تحقق من آثار بابل وأشور أو الكلدانيين أنهم كانوا يقيسون الوقت بساعتين الشمسية المعروفة في النهار والمائية في الليل وأوقات الدجن أو الغيوم المطبقة.

الاعتراض الثامن: قيل إن الله كان قد وعد أن مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد برد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل لا تزال كما هو مصرّح به في (تكوين 8: 22) وإن وقوف الشمس تلك المدة لم يمنع من توالي الليل والنهار إلا أن النهار كان طويلاً شيئاً والنهار يطول ويقصر على توالي أيام السنة قبل أن أُنزلت تلك الآية ولم يمنع ذلك من عدم زوال توالي الليل والنهار. وعلى كل فرض أن المعجزة أمر خارق العادة وإلا لما كانت معجزة وهي من النوادر التي لا تفسد القاعدة ولا القياس (انظر تفسير ص 10: 12 - 14) وأمثالها كثير في كتب كل الأديان المعروفة.

ما بقي من الاعتراضات

  1. إن في سفر يشوع ما نصه «فَدُعِيَ ٱسْمُ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ «ٱلْجِلْجَالَ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» (5: 9) ويدفع هذا وأمثاله بأن يشوع لم يكتب كل هذا السفر كما علمت وإن قوله «إلى هذا اليوم» لا يستلزم زماناً طويلاً بدليل قوله «وَٱسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ... وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» (يشوع 6: 25) وهذا لا يستلزم إلا وقتاً قصيراً. وكثيراً ما يذكر أحدنا حادثة منذ بضع سنين أو سنة أو أقل ويقول إن أثرها لا يزال إلى هذا اليوم.

  2. إن في ذلك السفر إن الله أمر يشوع ما ينافي الرحمة الإلهية من قتل الكنعانيين. ودُفع هذا بأن ذلك انتقام الله منهم لأنهم خبثوا وتوغلوا في عبادة الأوثان وأباحوا المحظورات التي لا تحسن أمور الناس عموماً إلا بالامتناع عنها وقد جاءتهم النذُر ونهتهم عنها النواميس الطبيعية سنين بل قروناً كثيرة والله يعاقب الأثمة بالموت بطرق مختلفة فيقتل بعضهم بالوباء وبعضهم بالحرب وبعضهم بالصواعق أو الزلازل إلى غير ذلك من طرق الهلاك المختلفة. ولولا انقراض الكنعانيين لكانوا أفسدوا أخلاق الإسرائيليين وعلموهم عبادة الأصنام والأعمال القبيحة فانقراضهم كان أمراً ضرورياً كضرورة قتل الحيات السامة والوحوش المفترسة.

  3. إن كاتب سفر يشوع ينقل عن موسى ما لم يقله كما قاله هو. قلنا للراوي أن ينقل القول بمعناه وأن ينقله بلفظه وهذا جارٍ في كل لغات البشر على وجه الأرض. وفي التفسير شيء مما لم نذكره هنا ولا يخلو من الفائدة فارجع إليه.

الفصل السابع: في دفع الإبهام والإشكال في هذا السفر

كثيراً ما يتعربس دارس هذا السفر فيرى إن إحدى المدن لسبط أو لشخص ثم يراها لسبط آخر وعلة ذلك إن بعض المدن ومراعيها أُخذت من الأسباط للاويين لسكانهم ومراعي مواشيهم وإن حبرون كانت لكالب بن يفنّة ثم صارت للاويين لأن صاحبها وهبها لهم إكراماً للرب (انظر ص 14: 13 - 15 و20: 7) فيراها القارئ مرة لأحد سبط يهوذا ومرة للاويين فإذا عرف السبب لم ير في ذلك أدنى إشكال. ومنها إن لإحدى المدن اسمان أو أسماء فيرى خلافاً في بعض المواضع فيشكل عليه الأمر. ومثال ذلك حبرون وقرية أربع وممرا وهذه ثلاثة أسماء المدينة واحدة تُعرف اليوم بالخليل. وتمنة سارح وتمنة حارس اسمان لمدينة واحدة تُعرف اليوم بتبنة وهي على قول بعضهم شمالي الشمال الغربي وعلى غاية 14 ميلاً ونصف ميل من أورشليم. وكفر حارس على قول آخر وهي في جنوبي نابلس وعلى بعد تسعة أميال منها.

ومن ذلك وفرة المجاز على اختلاف أقسامه من عقلي ولغوي واستعارة وتمثيل وتعدد الكنايات والتشابيه البليغة إلى غير ذلك من أنواع البيان ولذلك يبهم المعنى على كثيرين من جهلة البيان. ومما يعربس مطالعي هذا السفر وغيره من الأسفار أن الملحدين وسائر أعداء أسفار التوراة والإنجيل يقفون على اعتراضات كثيرة في كتب المفسرين عما دفعها به المفسرون فليعلم مطالع الأسفار المقدسة أن علماء الإسرائيليين وعلماء المسيحيين لم يتركوا في التوراة اعتراضاً لم يدفعوه من آيات الوحي وليسأل الذين لا يعلمون من يعلمون.

القسم الأول من سِفْرُ يَشُوعَ

افتتاح يشوع أرض كنعان ص 1 إلى 11

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

1 «وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَبْدِ ٱلرَّبِّ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لِيَشُوعَ بْنِ نُونٍ خَادِمِ مُوسَى».

خروج 24: 13 وتثنية 1: 38

وَكَانَ ابتدأ الكاتب السفر بواو العطف كأنه أحد أسفار التوراة أي أسفار شريعة موسى والحق إن العطف على كلام كاتب خاتمة سفر التثنية لا على كلام موسى (تثنية 34: 5 الخ).

مُوسَى عَبْدِ ٱلرَّبِّ في إطاعته ونيابته وإعلان شريعته وسياسته الإسرائيليين وترتيب الرسوم وسائر ما في الأسفار الخمسة ولعل في قوله أنه «عبد الرب» تنبيهاً للإسرائيليين على أن موسى مع ما كان له من علوّ المكانة عند الله ليس بإله بل عبد الإله فإنهم كانوا عرضة لأن يؤلهوه ويعبدوه فصرّح بلسان الكاتب أن موسى عبده. ويلزم من ذلك أن العبادة للرب لا للعبد وهذا موافق لإخفاء الله قبره عنهم (تثنية 34: 6). وأطلق الكتاب العبد على كثيرين من الملائكة (أيوب 4: 18) والأنبياء (إرميا 7: 25 الخ) وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وشعب إسرائيل (حجي 2: 23) وغيرهم حتى السماء والأرض (مزمور 119: 91) ونبوخذ نصّر (إرميا 25: 9 الخ).

يَشُوعَ بْنِ نُونٍ (انظر الفصل 1 من المقدمة).

خَادِمِ مُوسَى كان يشوع خادم موسى بمعنى أنه تلميذه ومساعده على القيام بأوامر الله وأعماله السياسية ومطيع أوامره في ذلك (انظر خروج 17: 9 و10).

2 «مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ. فَٱلآنَ قُمِ ٱعْبُرْ هٰذَا ٱلأُرْدُنَّ أَنْتَ وَكُلُّ هٰذَا ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ».

تثنية 34: 5

مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ لفظة «قد» هنا تشير إلى قرب الحادثة وكون هذا الخطاب على أثرها والمرجّح أنه كان على أثر فراغ الإسرائيليين من المناحة على موسى ومعلوم أن يشوع كان قد علم أن موسى مات وأنه عرف ذلك قبل غيره من الشعب فكيف أنبأه الله بما لم يجهله فأقول ليس المراد بذلك إفادة يشوع بموت موسى بل التنبيه على أن الإسرائيليين أمسوا بلا قائد ولا مدبّر واقتضاء ذلك إقامة خليفة له يقودهم ويساعدهم على الإستيلاء على أرض الميعاد ويرشدهم إلى مشيئة الله ويحثهم على الإئتمار بأوامره والإنتهاء بنواهيه إلى غير ذلك من الأمور التي كان موسى عبده يقوم بها وأنه لا يصلح لهذه الخلافة إلا من كان تلميذاً وخادماً لموسى وممن ساعده على أعماله على أن الرب كان قد أنبأه بأنه سيكون خليفة موسى (انظر تثنية 31: 23) فيكون في الخطاب تذكير له بذلك.

فَٱلآنَ أي في الوقت الحاضر بلا تأخر. إن الواجبات يجب أن يُقام بها في الحال.

قُمِ ٱعْبُرْ هٰذَا ٱلأُرْدُنَّ الإشارة تدل على أن الأردن كان تجاهه وقريباً منه وكان مخيم الإسرائيليين في السهل المعروف بسهل الأردن وهو على قرب ضفته. ومعنى الأردن منحدر أو هابط ولازم معناه أنه سريع الجري وسُمي بالنهر أيضاً (تكوين 31: 21). قال بعض المختبرين أن ميله خمس عشرة قدماً في الميل وفي بعض الأماكن أكثر من ذلك كما رأيت في تفسير الأسفار الخمسة وانظر الكلام على الأردن في قاموس الكتاب المقدس (للدكتور جورح بوست).

ولا ريب في أن أمر الرب ليشوع بأن يعبر الأردن في ذلك الوقت امتحاناً لإيمان يشوع من أشد الامتحانات فإن النهر كان حينئذ في معظم فيضانه بدليل قوله «وَٱلأُرْدُنُّ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ» (ص 3: 15) ولم يكن ليشوع عند هذا الأمر شيء من وسائل العبور كالقوارب والجسور وما كان أمامه إلا أن يعبر الأردن هو والشعب حسب أمر الرب في الحال بلا أدنى استعداد فكانت الطاعة لأمر الله كل ما لهم من الوسائل فكان أمر الله ليشوع وبني إسرائيل بتعريض نفوسهم للهلاك غرقاً مع وعد الله لهم بأنهم يدخلون أرض الميعاد كأمره لعبده إبراهيم بأن يذبح إسحاق وكان قد وعده بأنه من إسحاق يكون له النسل الكثير فآمن يشوع كما آمن إبراهيم وتمّ له الوعد.

أَنْتَ وَكُلُّ هٰذَا ٱلشَّعْبِ اذكر ما ذكرناه آنفاً من عدم وسائل قطع الأردن ومعظم فيضانه حينئذ وكثرة الإسرائيليين تعرف شدة الامتحان لإيمان يشوع.

إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إن الله وعد إبراهيم بأن تكون هذه الأرض لنسله ولكن مضت مئات من السنين حتى أتمّ وعده فالله يتمهّل بالوعد أحياناً فما للموعود له إلا الإيمان والرجاء والصبر فإن الله لا يخلف الميعاد.

3 «كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى».

تثنية 11: 24 وص 14: 9

كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ أو كل ما تقع عليه أقدامكم وهذه العبارة كناية عن الفوز والاستيلاء وعدم الرجوع والانكسار أمام الأعداء بالإجمال. أي أنكم تتقدمون وتستولون أو تملكون. ولا يخفى ما فيها من التأكيد الحامل على النشاط والشجاعة.

لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ أي أعطيكم إيّاه. عبّر عن المستقبل بصيغة الماضي للتوكيد والتحقيق حتى كأنه وقع ومضى.

كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى أي كما وعدته (انظر تثنية 11: 24) وفي هذا بيان أن الله لا يخلف الميعاد فهو يتم وعده لهم ويذكر لهم أنه وعد به موسى إظهاراً لعنايته به وذكره إياه على توالي الأيام. ولا يخفى ما في ذلك من التنشيط والتشجيع اللذين كانوا في شديد الحاجة إليها.

4 «مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ هٰذَا إِلَى ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ، جَمِيعِ أَرْضِ ٱلْحِثِّيِّينَ، وَإِلَى ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ نَحْوَ مَغْرِبِ ٱلشَّمْسِ يَكُونُ تُخُمُكُمْ».

تكوين 15: 18 وخروج 23: 31 وعدد 24: 3 إلى 12

مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ أي برية سيناء أو العربية الصخرية وهي حد أرض الميعاد الجنوبي. وفي هذه الآية حدد الله أرض الميعاد أحسن تحديد بأوجز عبارة وهو أن حدها جنوباً البرية وشمالاً لبنان وشرقاً الفرات وغرباً البحر المتوسط.

وَلُبْنَانَ هٰذَا لبنان الحد الشمالي وهو تجاه البرّية وأشار «بهذا» إليه لأن قننه البيضاء من الثلج كانت تُنظر من المحلة أو من حيث كان يشوع. ورسم لبنان في العبرانية لبنون وهو مشتق من اللبن أي البياض لتلك العلة عينها فعلى ذلك يكون معناه الأبيض.

ٱلنَّهْرِ ٱلْكَبِيرِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ سُمي الفرات «بالنهر الكبير» لأنه أكبر من كل أنهر آسيا الغربية وأنهر سورية وهي بالنسبة إليه جداول أو سواقي طوله 1780 ميلاً ومعدّل ما يصبه في البحر في الثانية ما يزيد على 72800 قدم مكّعبة.

جَمِيعِ أَرْضِ ٱلْحِثِّيِّينَ قال جماعة من المفسرين أنه أراد «بجميع أرض الحثيين» جميع أرض الكنعانيين من باب المجاز المرسَل أي استعمال الجزء وإرادة الكل. وقال آخر الصواب هنا الحقيقة لا المجاز إذ لا قرينة عليه فالأحسن أن نفهم من أرض الحثيين الكور الشمالية التي فيها حماة وكركميش بين فلسطين والفرات (انظر قضاة 1: 26 والتفسير).

والذي يقع عليه الاختيار أنه ذكر أرض الحثيين لأنها أهم أراضي الأمم لقوة الحثيين وخشية الإسرائيليين إيّاهم فالوعد باستيلائهم عليها وعدٌ بالاستيلاء على كل بلاد الكنعانيين لأن الذي يغلب القوي لا يصعب عليه أن يغلب الضعيف.

والحثيون منسوبون إلى حث ثاني أبناء كنعان وكانت أرضهم شمالي فلسطين (قضاة 1: 26) وبين الفرات ولبنان (يشوع 1: 4) وكان بعضهم ساكنين في جنوبي فلسطين بقرب حبرون (تكوين 23: 3) وجاء أنهم كانوا من سكان الجبل قال بعضهم أي الأرض الجبلية وهي قسم فلسطين الجبلي وكان يسكنه أيضاً اليابوسيون والأموريون والمرجّح أن المراد بذلك الجبل جبل بعينه هو أقرب أجزاء تلك الأرض إلى محلة الإسرائيليين يومئذ (انظر عدد 13: 29 والتفسير). وقد شهدت الآثار أن الحثيين كانوا أمة قوّية حربية هائلة حاربت المصريين ورُسم اسمها على أنصاب مصر القدمى وكانوا مملكة مستقلة متعددة الملوك المتحالفة (1ملوك 10: 29 و2ملوك 7: 6).

ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ أي البحر المتوسط المعروف اليوم ببحر الروم. وسُمي بالكبير لأنه أكبر أبحر الأرض المقدسة كبحر طبرية وبحر لوط فإنهما بحيرتان صغيرتان بالنسبة إليه. واعتاد العبرانيون أن يسموا البحر الكبير باليم وهو البحر في العبرانيّة والعربيّة.

نَحْوَ مَغْرِبِ ٱلشَّمْسِ وفي العبرانية «ميبو هشمش» أي الذاهب مع الشمس أي الممتد في المغرب فالترجمة معنويّة. وهذا الكلام جرى على مقتضى الظاهر فإن الشمس تُرى ذاهبة من الشرق إلى الغرب.

يَكُونُ تُخُمُكُمْ التخم الحد أو الفاصل بين الأرضين أي أن البحر الكبير يكون حد أرض الميعاد الغربي. وأما بنو إسرائيل فلم يمتلكوا تماماً الأرض المحددة في هذا الوعد وما هذا إلا من ضعف إيمانهم وعصاوتهم على الرب.

5 «لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ».

تثنية 7: 24 خروج 3: 12 تثنية 31: 8 و23 وع 9 و17 وص 3: 7 و6: 27 وإشعياء 43: 2 و5 تثنية 31: 6 و8 وعبرانيين 13: 5

لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ أي لا يثبت أحد من الأعداء أمامك. فمعنى قوله «لا يقف إنسان في وجهك» لا يستطيع أن يثبت في الطريق الذي أمام وجهك أو الطريق المتوجه فيه إلى أرض الميعاد. ولازم هذا المعنى أنه لا يستطيع أحد أن يمنعك من الوصول إلى تلك الأرض. وهذا الكلام من أحسن المشجعات. فإنه كان أمام يشوع أهوال وموانع كثيرة فوعده الله بذلك فأزال مخاوفه وخشية شعبه من الأعداء لأنه إذا كان الله معه فمن يقدر عليه.

وبقي في هذه العبارة صعوبة تظهر للقارئ في بادئ الرأي وهو أنه كيف نسلم بصدق هذا الوعد ولقد صادف يشوع أهوالاً تقهقر بها وهُزم شعبه وقتل الأعداء أناساً منه (ص 7: 4). والجواب أن علة ذلك عدم مراعاتهم لشروط الوعد بالانتصار. ومن تلك الشروط الإيمان بالله والطاعة له وأن العون من الله وحده وهم أهملوا ذلك وتعدوا وأخطأوا بدليل قول الله ليشوع على أثر هربهم «قُمْ! لِمَاذَا أَنْتَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِكَ؟ قَدْ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ، بَلْ تَعَدَّوْا عَهْدِي ٱلَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ... فَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ الخ» (ص 7: 10 - 12).

كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ أي أرشدك وأساعدك وأنصرك كما أرشدته وساعدته ونصرته لا أنه يجعله مساوياً لموسى في كل مواهبه لأنه «لَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى» (تثنية 34: 10).

لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ الإهمال للإنسان التخلية بينه وبين نفسه أي ترك العناية به ليعتني هو بنفسه والمعنى أن الله يعتني به ويحفظه ويرعاه ويساعده دائماً (انظر تكوين 28: 15 وعبرانيين 13: 5) وهذا تفسير لقوله «كما كنت مع موسى أكون معك» (انظر تثنية 31: 6 - 8).

6 «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَقْسِمُ لِهٰذَا ٱلشَّعْبِ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي حَلَفْتُ لآبَائِهِمْ أَنْ أُعْطِيَهُمْ».

تثنية 31: 7 و23

تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ كُرر هذا الكلام ليشوع فدل ذلك على أنه كان خائفاً من الأهوال والصعوبات ومتيقناً أنه غير أهل لقيادة إسرائيل. وكان الله قادراً أن يهب له الشدة والشجاعة ولكن الله قضى بحكمته أن يقوم العبد بما عليه ليقوم الله معه ولهذا قال أحد الأفاضل أن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه على أن في قوله تعالى «تشدد وتشجع جداً» أحسن التشديد والتشجيع.

لأَنَّكَ أَنْتَ تَقْسِمُ الخ وهذا زيادة تشديد وتشجيع إذ هو يستلزم أنه ينتصر على الأعداء ويدخل أرض الموعد ويملكها ويقسمها على الإسرائيليين فيرثوها حسب الوعد المحقق بالقسَم.

7 «إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّداً، وَتَشَجَّعْ جِدّاً لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي. لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِيناً وَلاَ شِمَالاً لِتُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ».

عدد 27: 23 وتثنية 31: 7 وص 11: 15 تثنية 5: 32 و28: 14 و29: 9

إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّداً، وَتَشَجَّعْ جِدّاً كرر الأمر الذي في الآية السادسة للتأكيد والتقرير وزيادة التشجيع. ويستلزم هذا أن يشوع كان مفتقراً إلى الشجاعة ليتمكن من الاستيلاء على أرض الميعاد.

لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ «اللام» في «لكي» متعلقة «بتشجّع» والمراد «بالعمل» هنا كل ما يقتضيه الاستيلاء على أرض كنعان. و «التحفط» الاحتراز والتصوُّن وفي العبرانية «لشمر» أي لتنتبه أو لتراقب. ولا ريب أن الانتباه لعمل عظيم مثل غلب الأعداء الكثيرين والاستيلاء على بلادهم يحتاج إلى الشدة والشجاعة ولذلك صدّر الله الآية بهما.

حَسَبَ كُلِّ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِي أوجب الله على عبده يشوع أن يقوم بذلك العمل العظيم مع العناية بحفظ الشريعة التي أعلنها لموسى الذي كان يطيع الله إطاعة العبد لسيده المحبوب وهو أن يستولي على أرض الميعاد بالطريق التي أمره بها موسى وأخص ما أشار إليه هنا من تلك هو ما في (تثنية 5: 32 و28: 14 و31: 7 و8) والأمر ليشوع أمر لجميع الشعب لأن يشوع نائب عنهم.

لاَ تَمِلْ عَنْهَا يَمِيناً وَلاَ شِمَالاً مثَّل هنا الشريعة بالطريق المستقيم والانحراف عنها بالميل يميناً أو شمالاً. فالذي يسير على الطريق المستقيم يؤدي به إلى المكان والانحراف القليل يكثر على توالي السير من نقطة الانحراف فيضل السائر عن ذلك المكان ضلالاً بعيداً.

لِتُفْلِحَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ أي تفوز بالوصول إلى كل مقصد لأن طرق المقاصد الدينية كلها مستقيمة وهي شرائع الله.

8 «لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ».

تثنية 17: 18 و19 مزمور 1: 1

لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هٰذِهِ ٱلشَّرِيعَةِ الخ أي اقرأ كتاب شريعة موسى وكرّر قراءته في كل حين. وهذه الآية بسط وتأكيد للجزء الآخر من الآية السابعة.

9 «أَمَا أَمَرْتُكَ؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ».

تثنية 31: 7 و8 و23 مزمور 27: 1 وإرميا 1: 8

أَمَا أَمَرْتُكَ الخ أي قد أمرتك فالاستفهام إنكاري. وسائر الآية تأكيد وبسط للآية السابعة كلها.

أوامر يشوع الأولى ع 10 إلى 15

10 «فَأَمَرَ يَشُوعُ عُرَفَاءَ ٱلشَّعْبِ».

فَأَمَرَ يَشُوعُ الفاء سببية أي أمر يشوع بسبب ما أوصاه الرب.

عُرَفَاءَ ٱلشَّعْبِ «العرفاء» هنا ترجمة «سطريم» في العبرانية جمع سطر وهو المسيطر في العربية وكلاهما من السطر بمعنى الكتابة والمسيطر الرقيب الحافظ والمتسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتبها. والعرفاء جمع عريف وهو رئيس القوم أو نائبه أي ثاني الرئيس وهو المعنى المناسب هنا ويفيده «السطر» في العبرانية في كثير من المواضع كشيوخ بني إسرائيل بالنسبة إلى موسى.

11 «جُوزُوا فِي وَسَطِ ٱلْمَحَلَّةِ وَأْمُرُوا ٱلشَّعْبَ قَائِلِينَ: هَيِّئُوا لأَنْفُسِكُمْ زَاداً، لأَنَّكُمْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تَعْبُرُونَ ٱلأُرْدُنَّ هٰذَا لِتَدْخُلُوا فَتَمْتَلِكُوا ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي يُعْطِيكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا».

تثنية 9: 1 و11: 31 وص 3: 2

جُوزُوا فِي وَسَطِ ٱلْمَحَلَّةِ لتتمكنوا من مخاطبة الشعب على الجانبين وليراكم بنو إسرائيل على أسهل طريق.

هَيِّئُوا لأَنْفُسِكُمْ زَاداً أشكل على بعضهم أمره لهم بالتزود مع أن قوتهم المن لم يكن قد انقطع ولكن وجود المن لم يكن مانعاً لهم من أن يغتذوا بغيره معه (انظر تثنية 2: 6 و28). وربما كان عليهم من الاهتمام ما كان يعيقهم عن جمع المن وقتاً طويلاً وإن المن كان على وشك أن ينقطع ولعله كان قد قلّ. واللفظة العبرانية المترجمة بالزاد «صده» أتت في مكان آخر ومعناها زاد وطعام. واذا كان الزاد الذي أُمروا أن يهيئوه لأنفسهم قال بعضهم إنه البقر والغنم والحبوب وما أشبه ذلك. وقال بعضهم أنهم أمروا بالتزود لأنهم صاروا إلى أرض يمكنهم فيها أن يجدوا كل ما يحتاجون إليه من الأطعمة ولهذا قلّ المن لأن الحاجة إليه كانت في البرية الأرض غير العامرة وهو قول مقبول.

بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تَعْبُرُونَ ٱلأُرْدُنَّ هٰذَا اختلف المترجمون في ترجمة الأصل العبراني لهذه العبارة فترجمها بعضهم «في أثناء ثلاثة أيام الخ» وآخر «في نهاية ثلاثة أيام الخ» ولفظها العبراني «بعود سلاسة يميم الخ» أي بعد ثلاثة أيام كما في ترجمتنا (انظر ص 2: 22). والظاهر أن المعنى أنهم يرتحلون من المحلة ليعبروا الأردن بعد ثلاثة أيام. وبقي هنا أن موسى قال لهم قبل هذا «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، أَنْتَ ٱلْيَوْمَ عَابِرٌ ٱلأُرْدُنَّ» (تثنية 9: 1) فكيف قيل لهم بعد موت موسى إنهم يعبرونه بعد ثلاثة أيام. قلنا إن موسى أراد أن إسرائيل آخذ في أن يعبره أو على وشك ذلك (راجع تفسير تثنية 9: 1) فلا مغايرة في المعنى. ومثل هذه العبارة كثير في العربية وسائر اللغات السامية.

وقوله «هذا» يشير إلى قرب الأردن منهم (راجع تفسير ع 2). والأرجح أن ما ذُكر هنا حدث بعد ما ذُكر في ص 2 أي أرسل يشوع أولاً الجاسوسين في 3 نيسان فرجعا في 6 منه ثم في 7 منه صدر الأمر المذكور في ص 1: 10 وتكرر ذكره في ص 3: 2. وبعد ثلاثة أيام أي بعد رجوع الجاسوسين بثلاثة أيام في 10 نيسان عبروا الأردن. وكثيراً ما يرتب كتاب الأسفار المقدسة ذكر الحوادث حسب سياق الكلام وليس حسب النسق التاريخي.

فَتَمْتَلِكُوا ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي يُعْطِيكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ لِتَمْتَلِكُوهَا يحتمل اللفظ العبراني معنىً آخر وهو «فترثوا... لترثوها». وفي هذه العبارة أمران التأكيد لهم بامتلاك الأرض وبيان أن لا قوة لهم على امتلاكها إنما القوة للرب لأنه هو يعطيهم إياها ليملكوها وهو الذي أعانهم على الأعداء ونصرهم عليهم.

12 «ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَٱلْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى».

لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ الخ هم الذين أخذوا نصيبهم من الأرض قبل أن عبروا الأردن وتفصيل ذلك في (عدد 32: 1 - 42).

13 «ٱذْكُرُوا ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ قَائِلاً: ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ قَدْ أَرَاحَكُمْ وَأَعْطَاكُمْ هٰذِهِ ٱلأَرْضَ».

عدد 32: 20 إلى 28 وص 22: 2 و3 و4

ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ قَدْ أَرَاحَكُمْ الخ أراحهم الرب بإعطائه إياهم الأرض شرقي الأردن إذ قلّ تعبهم لذلك بعيالهم وصغارهم ومواشيهم فلا يُعترض على قوله هذا بأنهم كان عليهم أن يحاربوا مع إخوتهم فشتان بين أن يقوموا بالحرب ويعتنوا بالعيال والمواشي وأن يحاربوا دون تلك العناية الشاقة على أنهم استراحوا كثيراً من الأتعاب التي كانت على سواهم من الإسرائيليين.

14 «نِسَاؤُكُمْ وَأَطْفَالُكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ تَلْبَثُ فِي ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ، وَأَنْتُمْ تَعْبُرُونَ مُتَجَهِّزِينَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ، كُلُّ ٱلأَبْطَالِ ذَوِي ٱلْبَأْسِ، وَتُعِينُونَهُمْ».

خروج 13: 18

نِسَاؤُكُمْ أي أزواجكم وعذاراكم وفي العبرانية «نسيكم» وهي تعمّ الأزواج وغيرهنّ كالعربية.

وَأَنْتُمْ تَعْبُرُونَ مُتَجَهِّزِينَ متأهبين للحرب حسب أمر موسى (انظر عدد 32: 20 - 27). ولا بد من أنهم أبقوا حماة من الرجال للنساء والأطفال والبهائم وغيرها ولا ينافي ذلك ما بعده وهو قوله.

كُلُّ ٱلأَبْطَالِ ذَوِي ٱلْبَأْسِ أي كل المنتخبين أو الممتازين من الأبطال.

15 «حَتَّى يُرِيحَ ٱلرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ، وَيَمْتَلِكُوا هُمْ أَيْضاً ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي يُعْطِيهِمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ. ثُمَّ تَرْجِعُونَ إِلَى أَرْضِ مِيرَاثِكُمْ وَتَمْتَلِكُونَهَا، ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ».

ص 22: 4 الخ

نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ أي الجهة التي تشرق الشمس منها وهي الشرق.

16 - 18 «16 فَأَجَابُوا يَشُوعَ: كُلَّ مَا أَمَرْتَنَا بِهِ نَعْمَلُهُ، وَحَيْثُمَا تُرْسِلْنَا نَذْهَبْ. 17 حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَا لِمُوسَى نَسْمَعُ لَكَ. إِنَّمَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ يَكُونُ مَعَكَ كَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى. 18 كُلُّ إِنْسَانٍ يَعْصَى قَوْلَكَ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُهُ بِهِ يُقْتَلُ. إِنَّمَا كُنْ مُتَشَدِّداً وَتَشَجَّعْ».

ع 5 و1صموئيل 20: 13 و1ملوك 1: 37

قاموا بوعدهم وزادوا على ذلك الوعد بالطاعة له كما أطاعوا موسى وشجعوه كما شجعه الله وموسى ولا ريب في أن هذا الكلام يستلزم أنهم على غاية الاستعداد لنصرته.

فوائد

  1. إن الله يقيم لشعبه قوّاداً حسب أحوالهم كما أقام يشوع لما مات موسى فلا يتعلق نجاح ملكوت الله بدوام حياة أحد من عبيده (ع 1).

  2. إن أعظم الناس وأشرفهم الذين يخدمون كما خدم موسى ويشوع (ع 1).

  3. إن الله يُعطي شعبه بسخاء فإن أرض الميعاد كانت واسعة الحدود وحسنة الموقع قدمها لإسرائيل بكمالها وما منعهم عن امتلاكها الكامل إلا عدم إيمانهم (ع 3 و4).

  4. إن وعد الله بأنه يكون معنا يشتمل على جميع الخيرات ويؤكد لنا الغلبة مهما كانت الصعوبات أمامنا (ع 5).

  5. إن دعوة الله تنشئ الثقة والشجاعة (ع 1 - 9).

  6. إن وعد الله أساس الرجاء والتوكّل.

  7. إن الشجاعة من الواجبات المطلوبة من جميع الناس وهي تكون بيد الإنسان وباختياره. ومما ينشئ الشجاعة الإيمان بالله والتأمل في مواعيده والطاعة له. وتمتاز الشجاعة الحقيقية عن الثقة الباطلة إنها بالله وليس بنفوسنا (ع 6 و7).

  8. إن عبد الرب يجتهد في درس شريعة الله ومراعاتها في كل أعماله (ع 7) فيجب على المسيحي الذي يقصد امتلاك كنعان السماوية أن يدرس كتاب الله ويراعي وصاياه.

  9. إن الفضل لله في كل ما نحصل عليه من النعم باجتهادنا لا لنا ولا لاجتهادنا (ع 11).

  10. إن رجال الله الذين يحصلون على الراحة لا يعيشون بعدها لنفوسهم بل يساعدون إخوتهم حتى يحصلوا على ما حصلوا عليه (ع 13 - 18).

  11. إن الرعيّة الصالحة تشدّد راعيها وتشجعه كما يشدّدها ويشجعها (ع 17 و18).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

الجاسوسان وراحاب

1 «فَأَرْسَلَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ مِنْ شِطِّيمَ رَجُلَيْنِ جَاسُوسَيْنِ سِرّاً، قَائِلاً: ٱذْهَبَا ٱنْظُرَا ٱلأَرْضَ وَأَرِيحَا. فَذَهَبَا وَدَخَلاَ بَيْتَ ٱمْرَأَةٍ زَانِيَةٍ ٱسْمُهَا رَاحَابُ وَٱضْطَجَعَا هُنَاكَ».

عدد 25: 1 وعبرانيين 11: 31 ويعقوب 2: 25 متّى 1: 5

فَأَرْسَلَ أرسل الجاسوسين قبل أن يرحل الإسرائيليون من المحلة التي كانوا قد تقضى عليهم أشهر فيها (عدد 22: 1 و33: 49).

شِطِّيمَ جمع شطه في العبرانية مخفف أو مختصر من شنطه أو سنطه وهي السنطة أي واحدة شجر السنط كما قالوا (أي العبرانيون) حطة في حنطة وهو اسم مكان كان كثير شجر السنط ولم يزل بعض أشجاره فيه وهو آخر محلات بني إسرائيل واسمه اليوم غور السيسبان يمتد من بحر لوط والأردن إلى جبال موآب. وظن بعضهم أنه بلدة اسمها بيت يشيموت وهو ظن ضعيف. وهل أرسل يشوع الجاسوسين بأمر الرب ذلك لا دليل لفظي عليه ولكنا لا نشك في أنه كان بإلهام الله إياه لأنه جاء بالنفع ولم يُشر أدنى إشارة إلى أن يشوع أخطأ به. وقد جرت العادة عندهم بإرسال الجواسيس في مثل تلك الحال. ولنا لذلك ثلاثة أمثلة تتعلق بأرض كنعان الأول إرسال موسى اثني عشر جاسوساً من قادش برنيع (عدد 13: 2 وتثنية 1: 22). والثاني إرسال الجاسوسين هنا. والثالث إرسال الرجال ليتجسسوا عاي (ص 7: 2 و3).

أَرِيحَا هي مدينة من أقدم مدن الأرض المقدسة كانت في سهم بنيامين على غاية عشرين ميلاً من أورشليم وميلين من الأردن والمرجّح أنها من «روح» في العبرانية أي رائحة لأن أرضها كانت كثيرة الأشجار الطيبة برائحة الأزهار. ورأى آخرون أنها من «يرح» في تلك اللغة أي القمر أو الشهر القمري ورأوا من ذلك أن سكانها كانوا يعبدون القمر. وقال بعضهم سُميت بذلك لأن الأرض التي فيها تشبه القمر شكلاً. وهي تتلي أورشليم في السعة. ويُظن أن موقعها كان عند مدخل وادي كلت. وسُميت أيضاً «مدينة النخل» (تثنية 34: 3) وقيل إنها في بقعة مدينة النخل.

رَاحَابُ كانت صاحبة خان في أريحا ولهذا نزل الجاسوسان عندها. آمنت بالله وكانت بعد ذلك زوجة لأحد أسلاف المسيح. ولعل سلمون (متّى 1: 5) الذي تزوجها كان أحد الجاسوسين.

2 «فَقِيلَ لِمَلِكِ أَرِيحَا: هُوَذَا قَدْ دَخَلَ إِلَى هُنَا ٱللَّيْلَةَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَتَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ».

مزمور 127: 1 وأمثال 21: 30

فَقِيلَ لِمَلِكِ أَرِيحَا كانت كنعان أقساماً كثيرة يُسمّى حاكم كل قسم ملكاً وكانت أريحا مدينة كبيرة تقرب من أورشليم سعة فكانت جديرة بأن تكون في ذلك العصر عاصمة ملك.

رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَتَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ إن قيل كيف عرفوا أنّ الرجلين من بني إسرائيل وإنهما جاسوسان. قلنا إن خبر بني إسرائيل كان قد ملأ الأرض المقدسة وكانت راحاب نفسها تعلم ذلك وإن الله أعطى الإسرائيليين أرض كنعان وصنع لهم المعجزات (ع 9 - 13) وكان الإسرائيليون قريبين من أريحا وأهلها خافوا منهم وتوقعوا زحف الإسرائيليين عليهم فكانوا يرقبون الطرق والداخل إلى المدينة والخارج منها.

3 «فَأَرْسَلَ مَلِكُ أَرِيحَا إِلَى رَاحَابَ يَقُولُ: أَخْرِجِي ٱلرَّجُلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ أَتَيَا إِلَيْكِ وَدَخَلاَ بَيْتَكِ، لأَنَّهُمَا قَدْ أَتَيَا لِيَتَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ كُلَّهَا».

أَخْرِجِي ٱلرَّجُلَيْنِ... لأَنَّهُمَا قَدْ أَتَيَا لِيَتَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ هذا يدل على أن الملك اعتقد أن راحاب لم تعلم أنهما جاسوسان ولا من أين هما وهذا الذي خلصها من الملك بعد ما أتته من الحيلة والكذب.

4 «فَأَخَذَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلرَّجُلَيْنِ وَخَبَّأَتْهُمَا وَقَالَتْ: نَعَمْ جَاءَ إِلَيَّ ٱلرَّجُلاَنِ وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ هُمَا».

2صموئيل 17: 19 و20

نَعَمْ جَاءَ إِلَيَّ ٱلرَّجُلاَنِ هذا يدل على أن رآهما بعض أهل أريحا وإنّ راحاب علمت ذلك وإلا لأنكرت وكذبت كما كذبت بقولها «لم أعلم من أين هما». والظاهر أن راحاب استحلت الكذب لأن نتيجته نجاة الرجلين اللذَين اعتقدت صحة دينهما فكان عندها أن الغاية تبرر الواسطة وهذا لا يجوز ولكنها عُذرت لجهلها وضلال قومها الذين لم يحرّموا مثل ذلك الكذب.

5 «وَكَانَ نَحْوَ ٱنْغِلاَقِ ٱلْبَابِ فِي ٱلظَّلاَمِ أَنَّهُمَا خَرَجَا. لَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ ذَهَبَا. ٱسْعُوا سَرِيعاً وَرَاءَهُمَا حَتَّى تُدْرِكُوهُمَا».

ٱنْغِلاَقِ ٱلْبَابِ أي باب المدينة فكانوا يغلقون أبواب المدينة ليلاً وهذه العادة معهودة في عصرنا في كثير من بلاد الشرق.

أَنَّهُمَا خَرَجَا يجوز هذا الكذب عند الوثنيين وكان أمراً سهلاً عند الكنعانيين وراحاب لم تكن قد عرفت أن الكذب محرّم في شريعة الله فهي معذورة لجهلها ولذلك لم يُحسب ذلك عليها كما يُحسب علينا.

ٱسْعُوا سَرِيعاً وَرَاءَهُمَا حَتَّى تُدْرِكُوهُمَا وهذا احتيال على إبعادهم حتى تتمكن مما أتته بعد ذهابهم.

6 «وَأَمَّا هِيَ فَأَطْلَعَتْهُمَا عَلَى ٱلسَّطْحِ وَوَارَتْهُمَا بَيْنَ عِيدَانِ كَتَّانٍ لَهَا مُنَضَّدَةً عَلَى ٱلسَّطْحِ».

خروج 1: 17 و2صموئيل 17: 19

فَأَطْلَعَتْهُمَا عَلَى ٱلسَّطْحِ الخ لندرة أن يفطن أحد أنهما يتواريان على السطح لأنه ليس المختبأ المناسب وتغطيتها إياهما بقضبان الكتان يبعد الظن أنهما هناك إذ كان السطح ولا يزال إلى الآن محل التجفيف والتيبيس لأنه بسيط وعرضة للشمس. وكانت السطوح المسنمة غير معروفة يومئذ أو نادرة كل الندرة ويُعرف واحدها عند العامة بالجملول وعند بعضهم بالجملون. وكانت راحاب قد نضدت قضبان الكتان على السطح لتيبس.

وذكر الكتان هنا يذكّرنا ما أتى في (أمثال 31: 13) في المرأة الفاضلة التي تطلب صوفاً وكتاناً وتعمل بيدين راضيتين. فلم تكن راحاب كالزواني الشريرات المتكاسلات في المدن في هذه الأيام بل كانت رئيس بيت زكية ونشيطة وكانت تعتني بأهل بيتها وزناها مع أنه خطيئة عظيمة لم يكن خطيئة حسب عادات الكنعانيين.

وليُعلم هنا أن غلة الشعير والكتان من أول غلال أرض كنعان (خروج 9: 31) وكان الشهر الأول من شهور السنة اليهودية الدينية أي نيسان (ص 9: 14) وقت حصاد الشعير (قابل هذا بما في 2صموئيل 21: 9).

مُنَضَّدَةً موضوعاً بعضها فوق بعض.

7 «فَسَعَى ٱلْقَوْمُ وَرَاءَهُمَا فِي طَرِيقِ ٱلأُرْدُنِّ إِلَى ٱلْمَخَاوِضِ. وَحَالَمَا خَرَجَ ٱلَّذِينَ سَعَوْا وَرَاءَهُمَا أَغْلَقُوا ٱلْبَابَ».

ٱلْمَخَاوِضِ وفي العبرانية «همبعروت» أي المعابر. وهذا يحتمل الأماكن التي يُقطع بها الأردن على الجسور أو الخيل أو القوارب أو خوضاً بالقدمين. والمخاوض جمع مخاضة وهي ما جاز فيه الناس مشاة وركباناً. وهذا يقتضي أن الباحثين عن الجاسوسين تفرقوا على قدر عدد المخاوض والظاهر أنها كثيرة.

أَغْلَقُوا ٱلْبَابَ أي باب المدينة لكي يمنعوا الجاسوسين من الخروج إن كانا باقيين في المدينة ويمنعوهما من الدخول إن كانا خارجها وربما وضعوا عند الباب حرّاساً.

8 «وَأَمَّا هُمَا فَقَبْلَ أَنْ يَضْطَجِعَا صَعِدَتْ إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلسَّطْحِ».

يَضْطَجِعَا يضعا جنبيهما على السطح ليناما.

إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلسَّطْحِ أي إلى مكانهما الذي هو السطح.

9 «وَقَالَتْ: عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ».

تكوين 35: 5 وخروج 23: 27 وتثنية 2: 25 و11: 25 خروج 15: 15

عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلأَرْضَ لعلها أول ما دخل الجاسوسان بيتها سألتهما عن شعبهما وغايتهما في إتيانهما وأظهرت أفكارها من جهة بني إسرائيل فوثقا بها وعلماها بعض التعليم بشأن الإله الحقيقي. قالت «أعطاكم» ولم تقل أعطاكما لاعتبارها معها سائر بني إسرائيل لأن الرب أعطى الإسرائيليين كلهم تلك الأرض. وفي كلامها تأكيد كأنها قالت إني موقنة أن الرب أعطاكم أرض كنعان فلا يعروني أقل شك في ذلك وهذا دليل على قوة إيمانها برب الإسرائيليين وصدقه وقدرته.

رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا أي على سكان كل أرض كنعان. وهذا تصديق لنشيد موسى النبوي وهو قوله «يَسْمَعُ ٱلشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ ٱلرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ ٱلرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ. تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ» (خروج 15: 14 - 16).

جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ كأن راحاب كانت تعرف تسبحة موسى أو نشيده فأخذت هذه العبارة منه بالمعنى وهو قوله «يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ» (خروج 15: 15 انظر التفسير أيضاً).

10 «لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ ٱلرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَمَا عَمِلْتُمُوهُ بِمَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ: سِيحُونَ وَعُوجَ، ٱللَّذَيْنِ حَرَّمْتُمُوهُمَا».

خروج 14: 21 وص 4: 23 عدد 21: 24 و34 و35 تثنية 2: 43 و3: 6 و7: 2 و20: 17

يَبَّسَ ٱلرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ الخ هذا دليل قاطع على شيوع أنباء إسرائيل ومؤيد أنهم كانوا يعرفون نشيد موسى فإن بني إسرائيل ترنموا بذلك النشيد على أثر قطعهم البحر الأحمر وهو المراد ببحر سوف هنا.

سِيحُونَ وَعُوجَ، ٱللَّذَيْنِ حَرَّمْتُمُوهُمَا أي وقفتموهما للهلاك والتدمير (انظر عدد 21: 24 و34 و35 وتثنية 2: 34 و3: 6 و7: 2 و20: 17 والتفسير).

11 «سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا وَلَمْ تَبْقَ بَعْدُ رُوحٌ فِي إِنْسَانٍ بِسَبَبِكُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱللّٰهُ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ».

خروج 15: 14 و15 وص 5: 1 و7: 5 وإشعياء 13: 7 تثنية 4: 39

ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱللّٰهُ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ أي هو القادر على كل شيء والحاضر في كل مكان. وكونه «على الأرض من تحت» دليل على أنه مع سموه يتنازل للعناية بخليقته السافلة بالنظر إلى علوه. ويظهر هنا أن الأمم كلها كانت تؤمن بوجود خالق واحد أعظم من كل الكائنات ولكن كل أمة وصفته بصفات خاصة وأشركت به من دونه. وإن راحاب رأت أن ذلك الخالق هو إله الإسرائيليين لما عرفته من قدرته ومحبته لعبيده وعنايته بهم. وفي كلامها ما يستلزم اعترافها بأن آلهة شعبها باطلة وعبادتهم الوثنية إثم فظيع وإن نفسها امتلأت عجباً من أعمال الإله الحق وقلبها امتلأ حباً له. وذلك دليل قاطع على قوة عقلها ومداركها وإصابتها في الاستدلال ولا يعترض على ذلك أنها كانت زانية والمرأة الحكيمة لا ترضى ذلك. قلنا إن الإنسان قد يكون عاقلاً ويخطأ للجهل وهذه المرأة غُذيت مبادئ الوثنية الباطلة مع لبن الثدي ولكنها لما وقفت على الواقعات استدلت بها على بطلان مبادئها وكون إله إسرائيل هو الله. وأما الزناء فربما كان عملاً دينياً عند قومها الوثنيين وهم يسمونها بالزناء المقدس أو أُريد أنها زانية المعنى المجازي وهو أنها تعبد الأوثان أو أنها كانت من قبل زانية معروفة فصار الزنى لقباً لها. وكيف كان الأمر أن الله يغفر خطايا الجهل إذا رجع الجاهل عنها عند علمه أنها تغيظ الله.

وكان اعتراف راحاب بأن إله العبرانيين هو الإله الحق وأن دينهم هو الدين الحق واحد من أمثال كثيرة عهدت من عقلاء الأمم الضالة عند الوقوف على البراهين أو معرفتهم عقائد شعب الله فاعترف بذلك كثيرون من قدماء المصريين والفلسطينيين والسوريين والآشوريين والبابليين والفرس. وقد أبان هذا السفر أن عناية الله بشعبه كان المقصود منها أن «تَعْلَمَ جَمِيعُ شُعُوبِ ٱلأَرْضِ يَدَ ٱلرَّبِّ أَنَّهَا قَوِيَّةٌ» (ص 4: 24) فيجب على شعب الله في كل زمان ومكان أن يُعلنوا لغيرهم ما صنعه الله لهم فيهدوا كثيرين. ولهذا قال رب الفداء والمجد «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلْإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15).

12 «فَٱلآنَ ٱحْلِفَا لِي بِٱلرَّبِّ وَأَعْطِيَانِي عَلاَمَةَ أَمَانَةٍ. لأَنِّي قَدْ عَمِلْتُ مَعَكُمَا مَعْرُوفاً. بِأَنْ تَعْمَلاَ أَنْتُمَا أَيْضاً مَعَ بَيْتِ أَبِي مَعْرُوفاً».

1صموئيل 20: 14 و15 و17 ع 18 و1تيموثاوس 5: 8

ٱحْلِفَا لِي بِٱلرَّبِّ بعد أن أعلنت لهم أن إلههم هو الله في السماء الخ سألتهما الحلف فهي بلغت بذلك مطلبين الأول بيان إيمانها والثاني إرهابهم من الحلَف باطلاً لأن المحلوف به الإله الحق القدير الحاضر في كل مكان العالم السرائر والأفكار القاضي العادل المنتقم الشديد العقاب. على أنه في الحلف لها اطمئنان لنفسها وتقوية لرجائها أنهما يخلصانها هي ومن طلبت خلاصهم.

عَلاَمَةَ أَمَانَةٍ علامة آمن بها أنكما تعرفان مكاني وتأتيان إليّ لإنقاذي وإنقاذ من لي.

13 «وَتَسْتَحْيِيَا أَبِي وَأُمِّي وَإِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي وَكُلَّ مَا لَهُمْ وَتُخَلِّصَا أَنْفُسَنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ».

تَسْتَحْيِيَا أَبِي وَأُمِّي وَإِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي من عرف صفات الكنعانيين ووقف على هذا الكلام حكم بأن راحاب كانت أسمى من سواها من رجال الكنعانيين ونسائهم (انظر لاويين 18: 22 - 28). فإن هذا لا يخرج من فم زانية يهجرها أهلها فهي كانت مع جهلها السابق أفضل من سائر أمتها. ولم تذكر مع من ذكرت زوجاً ولا ابناً فهي إما أرملة لا أولاد لها وأما عزب. وإضافتها للجاسوسين تدل على أنها لم تكن منفردة بذلك المسكن لأن الشرقيين كانوا لا يسمحون لابنة أن تقيم وحدها وتقبل ضيوفاً مهما كانت صفاتها. وعلى فرض أن بيتها كان فندقاً زاد كره انفرادها فيه فالمرجح أن أباها وأمها وإخوتها وأخواتها كانوا ساكنين معها. فوصفها بالزانية لا يحطها عن سواها من أفراد أمتها على أن أعمالها دلت على حكمتها وفضلها بالنسبة إلى سائر أمتها. وهنا بيان أن إيمان راحاب كان مثمراً لأن المؤمن يبذل الجهد في إنقاذ أهله وأقربائه ويردهم عن جهلهم ببيان طريق الحق.

14 «فَقَالَ لَهَا ٱلرَّجُلاَنِ: نَفْسُنَا عِوَضَكُمْ لِلْمَوْتِ إِنْ لَمْ تُفْشُوا أَمْرَنَا هٰذَا. وَيَكُونُ إِذَا أَعْطَانَا ٱلرَّبُّ ٱلأَرْضَ أَنَّنَا نَعْمَلُ مَعَكِ مَعْرُوفاً وَأَمَانَةً».

قضاة 1: 24 ومتّى 5: 7

فَقَالَ لَهَا ٱلرَّجُلاَنِ: نَفْسُنَا عِوَضَكُمْ لِلْمَوْتِ أي كل منا يفديكم بنفسه وأفرد النفس كأنهما شخص واحد لاتفاقهما على تخليصهم. وهذا تأكيد عظيم يحملها على شديد الثقة بوعدهما.

إِنْ لَمْ تُفْشُوا خاطبها بالجمع وهذا يدل على أن من معها عرفوا بأمرهما لكنها هي التي بذلت الجهد في وقايتهما (على أنه قُرئ أن تفشي وهي قراءة ضعيفة). وفي هذه العبارة إمارة على الريب من والديها وإخوتها وأخواتها وربما كان لمجرد التحذير والتنبيه ليحرصوا على كتم أمرها فإنهم إن بدت منهم أدنى إمارة على معرفة طريقهم في الخروج من أريحا اهتدى قومها إليهما وقتلوهما. والمظنون أن هذه العبارة معترضة والكلام بعدها متصل بما قبلها.

وَيَكُونُ إِذَا أَعْطَانَا ٱلرَّبُّ ٱلأَرْضَ جاءا «بإذا» لا بإن لتيقن أن الرب يعطيهم الأرض ولهذا عينه قالا «أعطانا» بدلاً من يعطينا.

15 «فَأَنْزَلَتْهُمَا بِحَبْلٍ مِنَ ٱلْكُوَّةِ، لأَنَّ بَيْتَهَا بِحَائِطِ ٱلسُّورِ، وَهِيَ سَكَنَتْ بِٱلسُّورِ».

أعمال 9: 25

فَأَنْزَلَتْهُمَا الخ بمساعدة من معها في البيت لكي لا يمرا من باب المدينة فيُمسكا فكان إنقاذهما مثل إنقاذ بولس من دمشق (أعمال 9: 25).

16 «وَقَالَتْ لَهُمَا: ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْجَبَلِ لِئَلاَّ يُصَادِفَكُمَا ٱلسُّعَاةُ، وَٱخْتَبِئَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَرْجِعَ ٱلسُّعَاةُ، ثُمَّ ٱذْهَبَا فِي طَرِيقِكُمَا».

ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْجَبَلِ أي الأرض الجبلية بين أريحا وأورشليم فطالما كانت تلك الأرض ملجأ للخائفين وهي ذات كهوف يتاورون فيها.

ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ الخ الظاهر أن هذه المدة كانت معيّنة للتفتيش عن الجواسيس أو إنها كانت كافية عندهم.

17 «فَقَالَ لَهَا ٱلرَّجُلاَنِ: نَحْنُ بَرِيئَانِ مِنْ يَمِينِكِ هٰذَا ٱلَّذِي حَلَّفْتِنَا بِهِ».

خروج 20: 7

نَحْنُ بَرِيئَانِ مِنْ يَمِينِكِ هٰذَا أي نحن غير مسؤولَين بما يلحقكم من الشر وما علينا إثم إن لم نقم بما حلّفتنا عليه فلا يقال إنا حنثنا إن لم تفعلي ما يأتي. وأضاف اليمين إليها لأنها هي علتها ولأن اليمين مطلوبها.

18 «هُوَذَا نَحْنُ نَأْتِي إِلَى ٱلأَرْضِ، فَٱرْبِطِي هٰذَا ٱلْحَبْلَ مِنْ خُيُوطِ ٱلْقِرْمِزِ فِي ٱلْكُوَّةِ ٱلَّتِي أَنْزَلْتِنَا مِنْهَا، وَٱجْمَعِي إِلَيْكِ فِي ٱلْبَيْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَإِخْوَتَكِ وَسَائِرَ بَيْتِ أَبِيكِ».

ع 12 ص 6: 23

ٱرْبِطِي هٰذَا ٱلْحَبْلَ مِنْ خُيُوطِ ٱلْقِرْمِزِ أي المُبرم من هذه الخيوط الحمراء المصبوغة بالقرمز وهو صبغ من عصارة دود يكثر في آجام أرمينية.

قال بعض المفسرين إن الإشارة تدل على أن ذلك الحبل هو الحبل الذي أنزلتهما به من الكوة وقال آخرون يحتمل أنه حبل آخر أشار إليه واختار الحبل القرمزي لأنه يظهر على الجدار فلا يُضَلّ عنه فيكون علامة لبيتها فلا يقربه أحد من الجنود ويهدمه. فهو يشبه دم الفصح الذي وُضع على القائمتين والعتبة العليا على بيوت الإسرائيليين في مصر فنجا به أبكارهم من الملاك المهلك.

وَٱجْمَعِي... أَبَاكِ وَأُمَّكِ الخ وهم الذين طلبت نجاتهم معها.

19، 20 «19 فَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِكِ إِلَى خَارِجٍ، فَدَمُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَنَحْنُ نَكُونُ بَرِيئَيْنِ. وَأَمَّا كُلُّ مَنْ يَكُونُ مَعَكِ فِي ٱلْبَيْتِ فَدَمُهُ عَلَى رَأْسِنَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ يَدٌ. 20 وَإِنْ أَفْشَيْتِ أَمْرَنَا هٰذَا نَكُونُ بَرِيئَيْنِ مِنْ حَلْفِكِ ٱلَّذِي حَلَّفْتِنَا».

متّى 27: 25 ع 14

هذا تأكيد لما في (ع 17).

فَدَمُهُ عَلَى رَأْسِهِ أي هو المطالب بدم نفسه فإثمه عليه لا علينا.

21 «فَقَالَتْ: هُوَ هٰكَذَا حَسَبَ كَلاَمِكُمَا. وَصَرَفَتْهُمَا فَذَهَبَا. وَرَبَطَتْ حَبْلَ ٱلْقِرْمِزِ فِي ٱلْكُوَّةِ».

فَقَالَتْ: هُوَ هٰكَذَا أي هذا هو الحق.

وَرَبَطَتْ حَبْلَ ٱلْقِرْمِزِ فِي ٱلْكُوَّةِ أي ربطته في الوقت المعيّن لا في الحال وإلا وقعت عليها الشبهة وكثرت الظنون.

22 «فَٱنْطَلَقَا وَجَاءَا إِلَى ٱلْجَبَلِ وَلَبِثَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى رَجَعَ ٱلسُّعَاةُ. وَفَتَّشَ ٱلسُّعَاةُ فِي كُلِّ ٱلطَّرِيقِ فَلَمْ يَجِدُوهُمَا».

ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (انظر تفسير ص 1: 11).

23 «ثُمَّ رَجَعَ ٱلرَّجُلاَنِ وَنَزَلاَ عَنِ ٱلْجَبَلِ وَعَبَرَا وَأَتَيَا إِلَى يَشُوعَ بْنِ نُونٍ وَقَصَّا عَلَيْهِ كُلَّ مَا أَصَابَهُمَا».

عَبَرَا أي قطعا الأردن.

قَصَّا عَلَيْهِ وحده أو وهو مع الشيوخ.

24 «وَقَالاَ لِيَشُوعَ: إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ دَفَعَ بِيَدِنَا ٱلأَرْضَ كُلَّهَا، وَقَدْ ذَابَ كُلُّ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ بِسَبَبِنَا».

خروج 23: 31 وص 6: 2 و21: 44 ع 9

إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ دَفَعَ بِيَدِنَا ٱلأَرْضَ أي ولاّنا إيّاها أو ملّكنا إياها وعبّر عن المضارع بصيغة الماضي للتحقيق حتى كأن الاستيلاء وقع فعلاً. وهذا لا يُبقي لهم فخراً بالاستيلاء عليها لأنه عمل الرب لا عملهم.

ذَابَ كُلُّ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ أي خافونا خوفاً شديداً حتى صاروا إلى غاية الوهن والضعف.

فوائد

  1. إن يشوع مع عناية الله به ووعده له بالنصر والاستيلاء على أرض الموعد لم يترك الوسائل بل بذل جهده في إدراك الموعد فعلينا أن نستعمل كل ما لنا من الوسائل مع الاتكال على الله أن نعمل ونتوكل لا أن نتوكل ولا نعمل. قال الكتاب «تمموا خلاصكم» مع أن الخلاص كله بالمسيح لأن المسيحي يجب أن يكون غصناً حياً في الكرمة وهو مخلوق لأعمال صالحة.

    قيل إن الإنسان يختلف عن الحيوان لكونه يفتكر بالغد وأما الحيوان فباليوم وأمس فقط. يجب على الإنسان أن يستعد للغد ولا يهتم به. فيكفي جاسوسان فقط ويكفي إرسالهما أمامنا. هما جاسوس الإيمان وجاسوس الطاعة فإن المؤمن يعرف بإيمانه الأمور الآتية. والطاعة رفيقة الإيمان لأنها مستعدة أن تعمل ما يُطلب لما تعرفه.

  2. إن الجاسوسين آثرا القيام بما عليهما على حسن الصيت فدخلا ذلك البيت الساقط وعرفا منه أحوال القوم وكان سبباً لخلاص تلك المرأة ومن لها. وكذا فعل تلاميذ المسيح والمسيح نفسه فكانوا يبشرون ويعلّمون شر الخطأة ليخلصوهم من الهلاك. وشرعوا في ما أُرسلوا لأجله غير مكترثين بالخطر واتخذوا الوسائل الواقية ولم يقتصروا على التسليم لقضاء الله.

  3. إن راحاب آمنت بإله إسرائيل وعملت فكان إيمانها هو الإيمان الحي المطلوب لأن الإيمان بلا أعمال ميت (يعقوب 2: 25 و26).

  4. إن راحاب آثرت غيرها على نفسها بخلاف الأكثرين الذين يؤثرون نفوسهم على غيرهم فإنها عرّضت نفسها للخطر العظيم لتنقذ الجاسوسين وأتت المؤاساة من أحسن أبوابها فلم تقتصر على طلب نجاة نفسها بل طلبت مع ذلك نجاة والديها وإخوتها وأخواتها فصارت تلك المرأة التي كانت تُحسب ساقطة خير مثال للذين يحبون البر.

  5. إن كذب راحاب وإن كان قصدها منه الخير لا يبرّرها لو عرفت شريعة الله حق المعرفة لكنها غُفر لها لجهلها وإن الله يتغاضى عن خطايا الجهل غير المقصود فيجب أن نحذر الكذب وأن نغلب التجربة على أن بعض العلماء اعتذر عن راحاب بأن وقعت بين شرين قتل الجاسوسين والكذب فاختارت أصغر الشرّين فتأمل وانظر مع هذا ما كانت عليه من المبادئ.

  6. إن لنا من قبول راحاب في جماعة إسرائيل إن الله يقبل الراجعين إليه من الأمم ويقبل توبة التائبين ولو كانوا أشراراً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

عبور الأردن ع 1 إلى 4

1 «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ وَٱرْتَحَلُوا مِنْ شِطِّيمَ وَأَتَوْا إِلَى ٱلأُرْدُنِّ، هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَاتُوا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ عَبَرُوا».

ص 2: 1

فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ المرجّح أن ترتيب الحوادث كما يأتي:

  1. في 3 نيسان أرسل يشوع الجاسوسين (ص 2: 1).

  2. في 6 منه رجعا إلى شطيم.

  3. في 7 منه أمر يشوع عرفاء الشعب أن يأمروا الشعب أن يستعدوا لعبور الأردن (ص 1: 10).

  4. في 9 منه ارتحلوا من شطيم وباتوا عند الأردن (ص 3: 1) وفي ذات النهار قال يشوع للشعب «تَقَدَّسُوا لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْمَلُ غَداً فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ» وقال للكهنة «ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَٱعْبُرُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ» (ص 3: 5 و6).

  5. في 10 منه أي بعد الأمر للشعب أن يستعدّوا لعبور الأردن (ص 1: 10) بثلاثة أيام اجتاز العرفاء في وسط الشعب قائلين لهم أن يرتحلوا ويسيروا وراء تابوت العهد (ص 3: 2 - 4).

فنرى أن كتّاب الأخبار التاريخية في العهد القديم كثيراً ما يذكرون نهاية حادثة ثم يرجعون ويذكرون بالتفصيل ما حدث بين أولها وآخرها.

ونهوض يشوع باكراً مما يدل على رغبته ونشاطه في إتمام الواجب عليه.

ٱرْتَحَلُوا مِنْ شِطِّيمَ (انظر ص 2: 1 والتفسير). كان هذا الارتحال أول ارتحال بأمر يشوع في خلافته.

بَاتُوا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ عَبَرُوا أي باتوا ليلة واحدة وأُبقي العبور إلى النهار لتظهر المعجزة للعيان فيكونوا على يقين منها ولكي يكون الهول شديداً على الكنعانيين. ولم يدرك أن الإسرائيليين كانوا عارفين أسلوب العبور قبل أن يعبروا النهر بل تقدموا إليه بالإيمان بلا سؤال لأنهم تيقنوا أنهم يعبرونه (ص 1: 11). إن الواجبات تحملنا على أن نشرع في القيام بها ونخطو الخطوة الأولى ونحن لا نعلم كيف نخطو الثانية على أن لنا أن نسعى ونتخذ الوسائل إلى القيام بها ما استطعنا مع التوكل على الله. ونحن عبيد الله فعلى العبد أن يفعل ما يأمره سيّده به.

2 «وَكَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ ٱلْعُرَفَاءَ جَازُوا فِي وَسَطِ ٱلْمَحَلَّةِ».

ص 1: 10 و11

وَكَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ من وقت الأمر المذكور في (ص 1: 10 و11).

3 «وَأَمَرُوا ٱلشَّعْبَ: عِنْدَمَا تَرَوْنَ تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ وَٱلْكَهَنَةَ ٱللاَّوِيِّينَ حَامِلِينَ إِيَّاهُ، فَٱرْتَحِلُوا مِنْ أَمَاكِنِكُمْ وَسِيرُوا وَرَاءَهُ».

عدد 10: 33 تثنية 31: 9 و25

أَمَرُوا ٱلشَّعْبَ بأمر يشوع وسلطانه لا بأمرهم.

تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ أي الصندوق الذي فيه لوحا وصايا الله العشر التي كتبها بإصبعه تعالى (خروج 34: 1 و28 وتثنية 10: 1 - 5). والتابوت صُنع للشريعة لا الشريعة للتابوت وكان فوقه مقرّ الرحمة أو الغفران يغطّي الشريعة.

وَٱلْكَهَنَةَ ٱللاَّوِيِّينَ قُرئ في بعض النسخ الكهنة واللاويين. ومعنى ما في المتن عندنا أن حاملي التابوت هم «الكهنة الذين هم من سبط لاوي» فالتفت لمجرد البيان والتأكيد. وعلى القراءة المذكورة أن الكهنة واللاويين القهاتيين اشتركوا في حمل التابوت. كان حمل التابوت مما يجب على اللاويين القهاتيين (عدد 4: 15) ولكن هنا حمله الكهنة لأن التابوت الذي هو علامة وجود الله سيعبر أمام بني إسرائيل وينزل في الأردن فتنفلق مياهه أمامه ليعبر الشعب ثم ترجع المياه إلى مكانها عندما يصعد التابوت من الأردن وهذه الأمور ذات أهمية غير اعتيادية فكان من اللياقة أن يحمل التابوت الكهنة بنو هارون لا القهاتيون. والفرق بين الكهنة واللاويين أن الكهنة هم اللاويون من نسل هارون وإن اللاويين كل بني لاوي أو سائر بني لاوي فصار معنى اللاويين عند الإطلاق بني لاوي ما عدا بني هارون. وقد يُذكر اللاويون نعتاً للكهنة كما هنا وفي (تثنية 17: 8) لمجرد البيان والتأكيد كما ذكرنا.

4 «وَلٰكِنْ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ نَحْوُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ بِٱلْقِيَاسِ. لاَ تَقْرَبُوا مِنْهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ. لأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُرُوا هٰذَا ٱلطَّرِيقَ مِنْ قَبْلُ».

خروج 19: 12

نَحْوُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ هذه الذراع عبرانية وهي نحو ثلثي ذراعنا المعروفة فتكون هذه المسافة نحو 1333 ذراعاً من ذراعنا. وعلة جعل هذه المسافة 2000 ذراع ذكر بعضها في الآية وهو أن يعرفوا الطريق إذ يكون التابوت وحاملوه دليلاً لهم. ومنها أن يتقوا مسّ التابوت احتراماً له لأنه بمنزلة مسكن الله. فنُهوا بذلك التزاماً عن القرب منه وعن مسكه كما نُهوا عن القرب من سيناء ومسّه يوم حلّ به الرب وخاطبهم بكلمات الشريعة الأدبية (خروج 19: 12) ومنها أن يتمكنوا كلهم من رؤية التابوت.

لأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُرُوا هٰذَا ٱلطَّرِيقَ مِنْ قَبْلُ أي إنكم ستقطعون أرضاً لم تُوطأ أو إنكم لم تسلكوا هذا المسلك قبلاً.

5 «وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسُوا لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْمَلُ غَداً فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ».

خروج 19: 10 و14 و15 ولاويين 20: 7 وعدد 11: 18 وص 7: 13 و1صموئيل 16: 5 ويوئيل 2: 16

وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسُوا أي اغسلوا أجسادكم وثيابكم وقلوبكم. وهذه الوصية مثل وصية موسى للإسرائيليين يوم إعطاء الله الشريعة على طور سيناء في الأهمية (خروج 19: 10 - 14) فكان عليهم أن يغسلوا أجسادهم وثيابهم ويعتزلوا كل ما لا يليق بما يسمعونه ويشاهدونه. وكانت الوصية بالتطهر أو التقدس تتقدم كل أمر ذي شأن وعظمة واحترام (لاويين 20: 7 و8 وعدد 11: 18 و1صموئيل 16: 5 ويوئيل 2: 16). وكان الأحرى بشعب الله أن يدنوا من حضرته تعالى بالتواضع والتوبة والصلاة وتطهير النفس من كل الأقذار الجسدية والروحية.

وكان الإسرائيليون هنا على وشك أن يشاهدوا حضور الله على الأردن وصنعه المعجزة وكانوا وراء تابوت الشريعة المقدسة التي فوقها مجلس الرحمة أو الغفران الذي يغطّيها. كان يشوع مثل موسى في أمور كثيرة ولكن موسى كان يقودهم بالسحابة ويشوع بالشريعة المكتوبة. وهذه الشريعة هي التي حُملت حول أسوار أريحا فكانت حجة الانتقام من الكنعانيين. وهذه الشريعة عينها هي التي كانت حجة الانتقام من الإسرائيليين كما كانت حجة الانتقام من الأمة الكنعانية (1صموئيل ص 4) ومن الفلسطينيين (1صموئيل ص 5).

6 «وَقَالَ يَشُوعُ لِلْكَهَنَةِ: ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَٱعْبُرُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ. فَحَمَلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَسَارُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ».

عدد 4: 15

ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ لم يكن الأمر بحمل تابوت العهد باختيار يشوع ومجرد سلطانه بل بأن كان يشوع يخشى أن يغيّر عادة الحمل على الأعداء بدون أمر الرب. فما كان إلا مبلغاً إرادة الرب للشعب في هذا الحادث فكان مطيعاً لأوامر رب السماء كما كان الكهنة كذلك. والعهد هنا الشريعة لأنها عهد بين الله والناس.

فَحَمَلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَسَارُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ حملوه على أكتافهم (كما يُعرف من عدد 7: 9).

7 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱلْيَوْمَ أَبْتَدِئُ أُعَظِّمُكَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ لِيَعْلَمُوا أَنِّي كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ».

ص 4: 14 و1أيام 29: 25 و2أيام 1: 1 ص 1: 5

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ أي لذلك قال الخ أي لأن يشوع أمر الشعب بمقتضى مشيئة الرب قال له الرب ما يأتي كما يظهر من أمثال كثيرة لهذا القول.

ٱلْيَوْمَ أَبْتَدِئُ أُعَظِّمُكَ الخ (انظر ص 4: 14) أي أجعلك عظيماً وأرفع مقامك وأثبت سلطانك وأُلبسك الكرامة فيحترمك الإسرائيليون ويهابونك. وقد أكرم الرب يشوع وعظمه في عدة أوقات (خروج 24: 13 وتثنية 31: 7) لكنه لم يكرمه كما أكرمه اليوم إذ عظمه أمام الجميع وأثبت له سلطاناً كسلطان موسى وسلطه على بني إسرائيل وإن الوسيلة إلى صنع الله المعجزة في مشهد كل الشعب إذ انفلقت مياه الأردن المنحدرة ووقفت نداً واحداً حينما استقرت بطون أقدام الكهنة حاملي تابوت الرب في مياه الأردن (ع 13).

8 «وَأَمَّا أَنْتَ فَأْمُرِ ٱلْكَهَنَةَ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلْعَهْدِ قَائِلاً: عِنْدَمَا تَأْتُونَ إِلَى ضَفَّةِ مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ تَقِفُونَ فِي ٱلأُرْدُنِّ».

ع 3 ع 17

تَقِفُونَ فِي ٱلأُرْدُنِّ أي ضيفة الأردن حتى ينفلق الماء وتنكشف الأرض التي تحته. والظاهر أنهم بعد أن انكشفت الأرض وجفت وقفوا في وسط الأرض وبقوا واقفين إلى أن عبر الشعب على غاية ألفي ذراع عبرانية من التابوت.

9 «فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: تَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا وَٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ».

تَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا الخ أي تعالوا إلى حيث يمكنكم أن تفهموا كلامي الذي أنقله إليكم عن الرب.

10 «ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ: بِهٰذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ، وَطَرْداً يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».

تثنية 5: 26 و1صموئيل 17: 26 و2ملوك 19: 4 وهوشع 1: 10 ومتّى 16: 16 و1تسالونيكي 1: 9 خروج 23: 2 وتثنية 7: 1 ومزمور 44: 2

ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ الخ نعته «بالحي» تمييزا له تعالى عن آلهة الأمم التي لا حس لها ولا حياة وبياناً لحياة الله وقدرته على نصرهم ودفع أعدائهم من الأمم التي ذكرها وإنها هو رب الجميع لا رب الإسرائيليين فقط كما يتوهم الأمم الذين يعددون الآلهة ويخصصون كلاً منها بمكان أو ببعض أعمال العناية كما يتبين من الآية الآتية.

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ من نسل حام (تكوين 9: 18) والمراد بالكلمة أهل السواحل فالظاهر أن الكنعانيين كانوا ساكنين سواحل الأردن والبحر المتوسط (عدد 13: 29 ويشوع 5: 1) وكانت لغتهم اللغة العبرانية كما يظهر من الكلام الذي جرى بينهم وبين إبراهيم وبني إسرائيل.

وَٱلْحِثِّيِّينَ (انظر ص 1: 4).

وَٱلْحِوِّيِّينَ من نسل حام (تكوين 10: 17) وكان شكيم رئيس مدينة شكيم منهم (تكوين 34: 2). وكان طبعهم كراهة الحرب كما ظهر من حادثة شكيم ومن حادثة الجبعونيين (ص 9) وسكنوا المدن ومارسوا التجارة ولم يكونوا من أهل البادية.

وَٱلْفِرِزِّيِّينَ كما يظهر من معنى الكملة الأصلية سكنوا القرى والبادية ومارسوا الفلاحة ورعي المواشي.

وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ قبيلة قطنوا البلاد شرقي بحر الجليل ومنهم أُخذ اسم كورة الجرجسيين (متّى 8: 28). وكان الأموريون أقوى جسماً من الكنعانيين (عاموس 2: 9) فسكنوا الجبال (عدد 13: 29) وبلاد شرقي الأردن (عدد 21: 13 و24 و26). ومعنى الأمم الأصلي جبليون فأُطلق على الجبليين بالإجمال.

وَٱلْيَبُوسِيِّينَ سكنوا أورشليم وما حواليها.

11 «هُوَذَا تَابُوتُ عَهْدِ سَيِّدِ كُلِّ ٱلأَرْضِ عَابِرٌ أَمَامَكُمْ فِي ٱلأُرْدُنِّ».

ع 13 وميخا 4: 13 وزكريا 4: 14 و6: 5

تَابُوتُ عَهْدِ الخ أي تابوت الوصايا العشر. وهذا تفسير الكتاب المقدس عينه (انظر خروج 34: 29 وتثنية 4: 13). تقدُّم الوصايا العشر أمام الشعب إشارة إلى وجوب أنهم يسلكون بمقتضاها في أرض ميراثهم أرض الميعاد. ويجب أن يُذكر هنا أن مقدمة ذلك العهد أو الوصايا العشر «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ» فالذي أخرجهم من مصر بقدرته العظمى هو الذي أدخلهم أرض الميعاد بتلك القدرة. فتخصيص الله بأنه هو الواجب الأزلي وحده ركن الدين في العهدين وأساس الشريعة كلها.

12 «فَٱلآنَ ٱنْتَخِبُوا ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ».

ص 4: 2

ٱنْتَخِبُوا ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً علة أن المُنتخبين اثني عشر ليكونوا نواباً عن أسباط إسرائيل الاثني عشر. وذُكر عملهم الذي اختيروا له في (ص 4: 4 و5) وانتُخبوا هنا ليكونوا مستعدّين لما يدعون إليه من العمل لئلا يُعاقوا عنه.

13 «وَيَكُونُ حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سَيِّدِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا فِي مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ، أَنَّ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ ٱلْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ تَنْفَلِقُ وَتَقِفُ نَدّاً وَاحِداً».

ع 15 و16 ع 11 مزمور 78: 13 و114: 3

حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ... فِي مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ الظاهر أنهم كانوا حفاة وأول ما لمست بطون أقدامهم مياه الأردن لمستها عند الضفة أي الشاطئ في الماء الرقيق (ع 15) فلم يقفوا في أول الأمر في وسط النهر. وما كان من الضرورة أن يتوسطوا النهر قبل انفلاق الماء وجفاف القرار.

ٱلْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ أي من الشمال ووُصفت الجهة التي يجري منها ماء النهر بأنها فوق لارتفاع الينبوع عن المجرى.

نَدّاً أي تلاً مرتفعاً فكان الماء الجاري من الينبوع في الشمال يقف عن الجري عن جهة النبع أي جهة الجنوب والذي يجري إلى الجنوب يذهب إذ لا حاجة إلى وقوفه بل ذهابه أحسن لأنه يطيل المعبر ليعبر ذلك الجمع العظيم.

14 «وَلَمَّا ٱرْتَحَلَ ٱلشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ لِيَعْبُرُوا ٱلأُرْدُنَّ، وَٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ ٱلْعَهْدِ أَمَامَ ٱلشَّعْبِ».

أعمال 7: 45

ٱرْتَحَلَ ٱلشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ الشعب باعتبار اللفظ مفرد وباعتبار المعنى جمع فراعى في قوله «خيامهم» المعنى.

ٱلْكَهَنَةُ... أَمَامَ ٱلشَّعْبِ كالأدلة له وكانوا بذلك هداة ومشجعين.

15 «فَعِنْدَ إِتْيَانِ حَامِلِي ٱلتَّابُوتِ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ وَٱنْغِمَاسِ أَرْجُلِ ٱلْكَهَنَةِ حَامِلِي ٱلتَّابُوتِ فِي ضَفَّةِ ٱلْمِيَاهِ وَٱلأُرْدُنُّ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ كُلَّ أَيَّامِ ٱلْحَصَادِ».

ع 13 1وأيام 12: 15 وإرميا 2: 5 و49: 19 ص 4: 18 و5: 10 و12

مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ إذ كان في نهاية أشهر المطر وأول ذوبان الثلج على الجبال.

كُلَّ أَيَّامِ ٱلْحَصَادِ أي حصاد الشعير وكانت بداءة حصاده في تلك الأرض في نيسان (انظر 1أيام 12: 15). (انظر ما قيل في خروج 9: 31) إن حصاد الكتان كان مع حصاد الشعير (وانظر ما قيل في ص 2: 6) إن راحاب وارت الجاسوسين بين عيدان الكتان. فإن الوقت المشار إليه في القول الواحد يطابق تماماً المشار إليه في الآخر.

16 «وَقَفَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ وَقَامَتْ نَدّاً وَاحِداً بَعِيداً جِدّاً عَنْ «أَدَامَ» ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ، وَٱلْمُنْحَدِرَةُ إِلَى بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ «بَحْرِ ٱلْمِلْحِ» ٱنْقَطَعَتْ تَمَاماً، وَعَبَرَ ٱلشَّعْبُ مُقَابِلَ أَرِيحَا».

1ملوك 4: 12 و7: 46 تثنية 3: 17 تكوين 14: 3 وعدد 34: 3

أَدَامَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ يصعب تعيين موقع هاتين المدينتين والأولى لم يُذكر هنا من أمرها غير أنها إلى جانب صرتان ولم يعرف الباحثون من أمرها على التحقيق غير هذا. وظن بعضهم أن موقعها عند الدامية. وآخر أنها خربة الحمراء على غاية نحو ميل من تل حارم بناءً على أن معنى «أدام» أرض حمراء. ولكن ذُكر في 1ملوك 4: 12 إن «صرتان» كانت تحت يزرعيل قرب بيت شان على مقربة من سكوت. وسكوت على ما يظهر من (تكوين 33: 17 ويشوع 13: 27) كانت شرقي الأردن على القرب من بحيرة طبريا ولا ريب في أن هناك كان موقع أدام. ورسم أدام في العبرانية «أدم» أي تراب أحمر أو تربة حمراء كما مرّ في أول الكلام عليها.

بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ بَحْرِ ٱلْمِلْحِ بحر الملح بيان لبحر العربة وهو بحر لوط وله أسماء أُخر هي البحر الشرقي (حزقيال 47: 18 ويوئيل 2: 20 وزكريا 14: 8). وعمق السديم (تكوين 14: 3). وبحر سدوم على ما في التلمود. والبحيرة الزفتية. والبحيرة السدومية على ما في يوسيفوس. والبحر الميت على ما في بعض الكتب اليونانية. وهو على غاية 16 ميلاً من أورشليم طوله 46 ميلاً ومعظم عرضه عشرة أميال ومساحته تقرب من ثلاثة مئة ميل مربع.

والعربة اسم للوادي من حرمون أي جبل الشيخ إلى العقبة وطوله 250 ميلاً وفيه الحولة وبحر الجليل أي بحر طبرية وبحر الملح المذكور وقد يقصر هذا الاسم على الغور بين بحر الملح والبحر الأحمر وعلى الغور الذي شمالي بحر الملح والمقصود به هنا ما فيه بحر لوط (انظر تفسير تثنية 3: 17).

وَعَبَرَ ٱلشَّعْبُ مُقَابِلَ أَرِيحَا والمرجّح أن عبورهم النهر كان عند المكان الذي سمي بعد ذلك بيت عبرة أي بيت العبر أو العبور وإن علة هذا الاسم في هذه الحادثة أي عبور الأردن. وهناك كان يوحنا المعمدان يعمّد (يوحنا 1: 28) وهنالك عُظّم يسوع ومُجّد كما عُظّم يشوع ومُجّد.

17 «فَوَقَفَ ٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ رَاسِخِينَ، وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ عَابِرُونَ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ حَتَّى ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ ٱلأُرْدُنِّ».

خروج 14: 29

وَقَفَ ٱلْكَهَنَةُ... عَلَى ٱلْيَابِسَةِ يبس قرار النهر فكان يبسه سريعاً جزءاً من المعجزة.

رَاسِخِينَ الخ المرجّح أنهم لم يتحركوا من موقفهم والتابوت على أكتافهم منذ أول عابر من الإسرائيليين إلى آخر عابر منهم.

وهذه المعجزة على ما رأى بعضهم أعظم من معجزة عبور البحر الأحمر من بعض الوجوه فإنه لا يمكن تعليل وقوف الماء نداً من جهة مجراه بعلّة طبيعية والله على كل شيء قدير.

فوائد

  1. إن يشوع كان مثال الجد والاجتهاد والاستعداد للعمل في المصالح الجسدية والروحية فأعماله على وفق المبدأ الإلهي وهو قول الله بلسان الحكيم «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ» (جامعة 9: 10) وهذا هو مبدأ عبيد الله في كل زمان ومكان.

  2. إن الإسرائيليين كانوا عند الاستعداد لعبور الأردن مثالاً للإيمان والطاعة فإنهم آمنوا بقول الله بلسان يشوع وأطاعوا أمره بالاستعداد لقطع الأردن مع أن النهر كان طامياً لا يمكن عبوره بلا وسائل ولم يكن لهم شيء منها فساورا للعبور بلا جدال ولا سؤال. فعلينا نحن أن نطيع يشوعنا (أي يسوعنا) ونقوم بأمره ولو ظهر لنا أن القيام به متعذر وأنه لا يُرجى النجاح بالاجتهاد فعلينا أن نقوم بما أوجب علينا ونترك العاقبة لله ولا نلتفت إلى الموانع لنتخذها عذراً على إهمال الواجب وحينئذ نرى القوة الإلهية منعت العوائق كما منعت مياه الأردن.

  3. إن تابوت عهد الله أي آية حضوره يجب أن يكون أمامنا في كل أحوال حياتنا. إنه يشتمل على شريعة الله والمنّ أي كلمة الله وأسراره ورسومه. وفوق الشريعة مجلس الرحمة أي آية حضور المسيح الذي التقت فيه الخطيئة والمغفرة فليس لنا إلا أن نتبع هذا التابوت لأن كلمة الله سراج لأرجلنا ونور لسبلنا. إن حياته الأرضية كانت مثالاً لنا فإن كنا مسيحيين وجب أن نحيا مثل حياته ونسير مثل سيرته. والخلاصة أنه يجب علينا أن نحفظ كلام الله ونعمل بحسبه ونقتدي بالفادي الذي حمل عنا العقاب ومهّد لنا السبيل إلى عبور نهر الموت إلى كنعان السماوية.

  4. إنه يجب علينا أن نبذل الجهد في الاقتداء بالمسيح وإن كنا لا نستطيع أن نكون مثله كما يجب فإنه كان مسافة بعيدة بين الشعب وتابوت عهد الله فعلينا أن نتقدم وإن لم ندركه (فيلبي 3: 13 و14) إننا نحن خطأة عاجزون والمسيح بارّ قدير.

  5. إنه على خادم الدين أن يرشد إلى الطريق المستقيم كما أرشد الكهنة حاملو تابوت عهد الله إليه فإن لم يسيروا في ذلك الطريق وجب على الشعب أن لا يتبعهم لئلا يضلوه. وعلى هذا قال متى هنري في خدم الدين أنه ما علينا أن نتبعهم إلا حين يتبعون المسيح. ونعرف اتّباعهم للمسيح وعدمه بأن نقرأ كلمة الله فيه التي تكشف لنا الحقيقة وتقدّرنا على الحكم الصحيح فالعمدة تابوت العهد لا حَمَلَته.

  6. إن العمل الخاص يقتضي استعداداً خاصاً. إن يشوع أمر الإسرائيليين أن يتقدسوا لأن الله كان على وشك أن يصنع المعجزات بينهم فإذا كان علينا عمل ذو شأن وجب أن نتقدس قبل الشروع فيه ونتوقع وقته بالصلاة وطلب الروح القدس الهادي ودرس كلام الله. فإن سيدنا يسوع المسيح أحيا الليل بالصلاة قبل أن اختار تلاميذه الرسل. والرسل انتظروا ساكتين في أورشليم حلول الروح القدس ولما قبلوه شرعوا يعظون ويعلّمون. وبولس الرسول شغل ثلاث سنين في العربية يصلي لله ويتأمل في كلامه قبل أن شرع في خدمته العظيمة الطويلة العهد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

1 «وَكَانَ لَمَّا ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ ٱلأُرْدُنِّ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَمَرَ يَشُوعَ».

تثنية 27: 2 وص 3: 17

وَكَانَ لَمَّا ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ ٱلأُرْدُنِّ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَمَرَ يَشُوعَ الله هنا علّمنا الترتيب ووضع الشيء في محلّه فإنه ما كلّم يشوع والشعب يعبر إذ لا محل لسمع الكلام حينئذ فلو تكلّم لما فهم يشوع ولا فهم الشعب حسناً.

2 «ٱنْتَخِبُوا مِنَ ٱلشَّعْبِ ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً. رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ».

ص 3: 12

ٱنْتَخِبُوا خاطب يشوع بضمير الجمع للعلاقة التي بين الشعب ورئيسه فالكلام المذكور في (ص 3: 12) لم يقله الله هناك وإنما ذكره الكاتب باعتبار أنه قوله بعد أمر الله وذكره مقدماً للعلاقة ثم رجع إلى بيان أصل مصدره وهو أنه أمر الله. وكان هؤلاء الاثنا عشر المطلوب انتخابهم نواباً عن كل الإسرائيليين كل واحد نائباً عن سبطه في العمل المأمور به في (ع 3).

3 «وَأْمُرُوهُمْ قَائِلِينَ: ٱحْمِلُوا مِنْ هُنَا مِنْ وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ مِنْ مَوْقِفِ أَرْجُلِ ٱلْكَهَنَةِ رَاسِخَةً ٱثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً، وَعَبِّرُوهَا مَعَكُمْ وَضَعُوهَا فِي ٱلْمَبِيتِ ٱلَّذِي تَبِيتُونَ فِيهِ ٱللَّيْلَةَ».

ص 3: 13 ع 19 و20

وَأْمُرُوهُمْ قوله ليشوع «وأمروهم» بضمير الجمع كقوله له «انتخبوا» (انظر تفسير ع 2).

ٱحْمِلُوا... ٱثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً اختار الحجارة من موقف أرجل الكهنة لتكون تذكاراً للعبور بمتعلقاته ذات الشأن. وتذكُّر هذه الحادثة تذكُّر أعظم أمور العناية من محبة الله لهم وصنعه المعجزات وبيان قدرته وجودته والتذكير بعهده وما يشير إليه من إرشاد الروح القدس وأعمال الفداء وتمهيد السبيل إلى كنعان السماوية إلى غير ذلك مما يملأ قلب الحكيم حباً وشكراً للرب.

وَضَعُوهَا فِي ٱلْمَبِيتِ ٱلَّذِي تَبِيتُونَ فِيهِ ٱللَّيْلَةَ هذا المبيت هو الجلجال (ص 4: 19 و20) وكانت على الجانب المقابل وعلى غاية ما يزيد على ثلاثة أميال من الأردن وهي قرية في شرقي أريحا والشمال الشرقي من أورشليم. وكانت مركزاً لإسرائيل مدة محاربة يشوع للكنعانيين وما زالت مستودع تابوت عهد الله إلى أن نُقل إلى شيلوه ثم أُعيد إليها (1صموئيل 10: 8 و15: 33). وكان صموئيل يذهب إليها من سنة إلى سنة ويقضي بها للإسرائيليين (1صموئيل 7: 16). وبعد هذا المجد العظيم صارت معبداً للأوثان (هوشع 12: 11 وعاموس 4: 4). واليوم في موقعها القديم قرية اسمها جلجليّة أو الجلجليّة.

بقي في هذه الآية قوله «من وسط الأردن من موقف أرجل الكهنة» وأرجل الكهنة على ما فُهم من (ص 3: 15) كانت في «ضفة المياه» وفي ذلك اختلاف ظاهر فقال بعضهم أن الكلمة العبرانية المترجمة «بوسط» لا تعني مكاناً على بعد واحد من الضفتين بل تعني مكاناً داخل مجرى الأردن في الوسط أو غير الوسط. والكلمة العبرانية «توك» تعني داخل الشيء أو وسطه. وقال آخر إن الكهنة لما كان النهر طامياً وقفوا في الضفة ولما وقفت المياه الآتية وبعدت الذاهبة وجف بطن النهر ذهبوا إلى الوسط بدليل ذلك القول وكلا الأمرين يدفع الخلاف. وإن قيل إنه لم يذكر انتقالهم من موضعهم قلنا دلالة الالتزام معتبرة كدلالة التصريح. ومثل هذا قول يشوع «انتخبوا» وسكوته عن أنهم انتخبوا (ع 2) ثم ذكر أنه دعا الرجال الذين عيّنهم من دون أن يذكر نبأ التعيين.

4 «فَدَعَا يَشُوعُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً ٱلَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ.

فَدَعَا يَشُوعُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً ٱلَّذِينَ عَيَّنَهُمْ (انظر آخر تفسير ع 3) كان يشوع قد عيّنهم على أثر أمر الرب بتعيينهم ولم يذكر ذلك ولكن كلامه هنا دلّ عليه وهم الذين عيّنهم لحمل الحجارة من وسط النهر ووضعها في المبيت (ع 3) قال بعضهم والمرجّح أن كلاً من تلك الحجارة كان كبيراً إلى حد أن يقدر الرجل القوي على حمله على كتفه.

5 «وَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: ٱعْبُرُوا أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ إِلَى وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ، وَٱرْفَعُوا كُلُّ رَجُلٍ حَجَراً وَاحِداً عَلَى كَتِفِهِ حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ٱعْبُرُوا أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ في هذا إشارة إلى أن أولئك الرجال الاثني عشر دخلوا إلى أن قربوا من التابوت ووقفوا وراءه احتراماً وكانت الحجارة المطلوبة أمامه فأمرهم يشوع بذلك.

6 «لِكَيْ تَكُونَ هٰذِهِ عَلاَمَةً فِي وَسَطِكُمْ. إِذَا سَأَلَ غَداً بَنُوكُمْ: مَا لَكُمْ وَهٰذِهِ ٱلْحِجَارَةَ؟».

خروج 12: 26 و13: 14 وتثنية 6: 20 وع 21 ومزمور 44: 1 و78: 3 إلى 6

عَلاَمَةً أو آية أي ذكرى لما فعله الله لكم من الإحسان والمعجزة وكان مثل ذلك مألوفاً وكثيراً عند الأمم منذ العصور الخالية (انظر تكوين 31: 46). نعم إنه لم يكن من كتابة تذكارية على تلك الحجارة لكن يعلم من عددها وموضعها أنه أُقيمت تذكاراً للحادثة فكان كل واحد يذكر بها معجزة قطع الأردن ويقصها على بنيه وبناته وغيرهم من الأحداث والسائلين عن علة إقامتها هناك. فإن قيل أن نبأ ذلك كُتب في السفر فما الحاجة إلى إقامة التذكار. قلنا إن الله الذي خلق البشر يعلم أن من طبعهم أن تؤثر فيهم المنظورات أكثر من المسموعات وأن أبنية التذكار تؤيد الخبر وتقرره في الذهن أحسن تقرير. ومثل ذلك رسم العشاء الربي فإنه يمثل للإنسان المسيح يُكسر جسده ويُراق دمه ويحقق له نبأ الصلب والفداء ويذكّره بحب الله الذي بذل ابنه من أجل العالم. ومن فوائد ذلك أيضاً أن الجاهل يسأل عن علة الذكرى والعالِم يقص عليه النبأ.

غَداً أي الزمان المستبقل لا اليوم التالي بخصوصه. نعم إن الغد وُضع لليوم الذي يأتي على أثر يومك ثم تجوّزوا فيه حتى أُطلق على البعيد المترقب ويوم الدين نفسه. والظاهر أن استعماله للمستقبل مطلقاً من باب المجاز المرسل إذ اعتبروا الزمان متصلاً وأول المستقبل منه الغد. وهذا مثل تجوزّهم في الأمس الماضي فتأمل. وقد استُعمل الغد لمطلق المستقبل في غير هذا الموضع من الكتاب المقدس (تكوين 30: 33) واستُعمل فيه الأمس لمطلق الماضي (عبرانيين 13: 8).

7 «تَقُولُونَ لَهُمْ: إِنَّ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ قَدِ ٱنْفَلَقَتْ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ. عِنْدَ عُبُورِهِ ٱلأُرْدُنَّ ٱنْفَلَقَتْ مِيَاهُ ٱلأُرْدُنِّ. فَتَكُونُ هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةُ تِذْكَاراً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلدَّهْرِ».

ص 3: 13 و16 خروج 12: 14 وعدد 16: 40

ٱنْفَلَقَتْ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ أي فلقها الرب أمام تابوته فانفلقت.

عِنْدَ عُبُورِهِ ٱلأُرْدُنَّ ٱنْفَلَقَتْ مِيَاهُ ٱلأُرْدُنِّ أي لم يكن ذلك عن سبب آخر غير عبور التابوت فهو عمل قصده الله لم يتفق أن يحدث عن علة أخرى فالتكرار لتأكيد المعجزة.

إِلَى ٱلدَّهْرِ أي الزمن الطويل غير المحدود أو مدة بقاء بني إسرائيل.

8 «فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ يَشُوعُ، وَحَمَلُوا ٱثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً مِنْ وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ كَمَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ، حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَبَّرُوهَا مَعَهُمْ إِلَى ٱلْمَبِيتِ وَوَضَعُوهَا هُنَاكَ».

فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أي الاثنا عشر رجلاً وأُطلق عليهم «بنو إسرائيل» لأنهم بعضهم ولأنهم نواب كل الشعب كما يُطلق نواب الأمة في المجالس على الأمة كلها.

9 «وَنَصَبَ يَشُوعُ ٱثْنَيْ عَشَرَ حَجَراً فِي وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ تَحْتَ مَوْقِفِ أَرْجُلِ ٱلْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلْعَهْدِ. وَهِيَ هُنَاكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

نَصَبَ يَشُوعُ الخ أي نصب الاثني عشر ونُسب الفعل إلى يشوع لأنه أمر به فذلك كقولنا بنى سليمان الهيكل. فكان المبني عمودين الواحد في وسط الأردن والآخر في الجلجال للدلالة على أن المعجزة حصلت في الأردن وأن بني إسرائيل بأسباطهم الاثني عشر عبروه.

وَهِيَ هُنَاكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ هذا إما كلام يشوع قرب موته أي بعد عشرين سنة من وضع الحجارة أو زادها بوحي الله صموئيل أو عزرا أو أحد الكتبة الملهمين والظاهر أن الأول هو الصحيح وأن يشوع كتب هذا السفر في أواخر حياته.

10 «وَٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو ٱلتَّابُوتِ وَقَفُوا فِي وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ حَتَّى ٱنْتَهَى كُلُّ شَيْءٍ أَمَرَ ٱلرَّبُّ يَشُوعَ أَنْ يُكَلِّمَ بِهِ ٱلشَّعْبَ، حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى يَشُوعَ. وَأَسْرَعَ ٱلشَّعْبُ فَعَبَرُوا».

حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى يَشُوعَ لم يُذكر في الأسفار الخمسة أن موسى أمر يشوع بذلك. فهو دليل على أن موسى كان يوصي يشوع بما يُعلنه الله له مما لم يكتبه في توراته أو قال له ذلك ضمناً أو التزاماً من أمره إياه بأن يسلك بمقتضى أوامر الرب.

وَأَسْرَعَ ٱلشَّعْبُ فَعَبَرُوا علّة إسراعهم خوفهم من أن يرجع الماء الذي ارتفع كندٍّ إلى الجريان فيغرقهم ويجرفهم وهذا عجيب الوقوع ممن شاهدوا هذه المعجزة وعرفوا قدرة الله العظمى ولكن الطبيعة البشرية ضعيفة بما عراها من الفساد. وعبور بني إسرائيل نهر الأردن من أرض التيه والعذاب مثال حسن لعبور المسيحي من هذا العالم عالم الإثم والشقاء إلى العالم الآخر عالم البر والسعادة. فالمسيحي مهما كان إيمانه قوياً لا بد من أن يخشى الموت لكنه متى دنا النزع يمدّ الله يده لمساعدته وتشجيعه فلا يخشى شرّاً.

11 «وَكَانَ لَمَّا ٱنْتَهَى كُلُّ ٱلشَّعْبِ مِنَ ٱلْعُبُورِ أَنَّهُ عَبَرَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ وَٱلْكَهَنَةُ فِي حَضْرَةِ ٱلشَّعْبِ».

عَبَرَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ وَٱلْكَهَنَةُ فِي حَضْرَةِ ٱلشَّعْبِ قُرئ في بعض النسخ «والحجارة» بدلاً من قوله «والكهنة» والأصل العبراني المترجم هنا «في حضرة الشعب» يحتمل معنىً آخر وهو «إلى أمام الشعب» والقرينة تدل أن الشعب عبر إلى الجانب الآخر من النهر ووقف على الشاطئ ثم عبر الكهنة بالتابوت وتقدم الشعب كما كان قبل العبور. ولا ريب في أن الشعب كان واقفاً ينظر إلى الماء الذي كان لم يزل واقفاً نداً ويعجب من تلك المعجزة العظيمة.

12 «وَعَبَرَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادٍ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى مُتَجَهِّزِينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا كَلَّمَهُمْ مُوسَى».

عدد 32: 20 و27 و28

وَعَبَرَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادٍ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى... أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا على خلاف ترتيب الأسباط في الارتحال في البرية فإن هؤلاء لم يكونوا في المقدمة بل كان بنو يهوذا يرتحلون أولاً (عدد 10: 14). والظاهر أن السبطين ونصف السبط المذكورين تقدموا بني إسرائيل هنا للقيام بما يجب عليهم كأنه من أول الضروريات وللمبالغة في بيان الوفاء بوعدهم أن يساعدوا إخوتهم على إدراك أنصبتهم في أرض الميعاد كما كلمهم موسى (عدد 32: 1 الخ وص 1: 12 - 18). ومن المحتمل أيضاً أن هذا القول يفيد فقط أن السبطين ونصف السبط عبروا أمام عيون الشعب ليرى الشعب كله أنهم أنجزوا وعدهم ليشوع.

13 «نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَلْفاً مُتَجَرِّدِينَ لِلْجُنْدِ عَبَرُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحَرْبِ إِلَى عَرَبَاتِ أَرِيحَا».

نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَلْفاً كان عدد الأسباط الثلاثة رأوبين وجاد ومنسى على الإحصاء الأخير 136930 فكان بنو رأوبين 43730 وبنو جاد 40500 وبنو منسى 52700 فإذا طرحنا من ذلك نصف سبط منسى أي 26350 كان عدد السبطين ونصف السبط 110580 ونصفهم 55290 ولكن الذين تجندوا للحرب كانوا 40000 أي أقل من النصف وهذا مخالف لوعدهم والظاهر أن عذرهم حاجة أرضهم إلى من يحميها من الأعداء فذهب فريق لمساعدة إخوتهم وبقي فريق لحماية النساء والأولاد والأملاك (انظر بيان هذا التفصيل في عدد 32: 16 - 26).

عَبَرُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي الرب الحاضر في التابوت لأن التابوت كان آية حضوره فهم عبروا الأردن والكهنة حاملوا التابوت في موقفهم ثم عبر وراءهم سائر الإسرائيليين على ما ذُكر في الآية الثانية عشرة فارجع إليها وإلى التفسير.

14 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَظَّمَ ٱلرَّبُّ يَشُوعَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، فَهَابُوهُ كَمَا هَابُوا مُوسَى كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ».

ص 3: 7

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي يوم عبور الإسرائيليين الأردن بمعجزة.

عَظَّمَ ٱلرَّبُّ يَشُوعَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ أي جعل الرب الإسرائيليين أن يروا يشوع عظيماً في المقام والحكمة والمنزلة عند الله. وجعل الله مئات من الألوف يرون عظمته ويحكمون بها بالإجماع يكاد يكون معجزة كشق نهر الأردن وإيقاف مائه نداً. وهذا بدء تاريخ سلطان يشوع على الإسرائيليين وإعلان أن الله كان معه.

فَهَابُوهُ الفاء هنا سببية أي لذلك هابوه أي لتعظيم الرب إياه في أعينهم. ومعنى الهيبة هنا الخوف المقترن بالإجلال.

كَمَا هَابُوا مُوسَى أي أنزلوه في المهابة والإجلال منزلة موسى إذ علموا أن سلطانه من الله كسلطان موسى وإن الله شق له الأردن كما شق البحر الأحمر لموسى.

كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الضمير هنا باعتبار القرب يرجع إلى موسى ولكن سياق الكلام يدل على أنه راجع إلى يشوع لأنه مسوق لبيان تعظيمه ومنزلته في عيون الإسرائيليين. والمعنى على الوجهين أن الإسرائيليين كانوا يهابون يشوع كل أيام حياته كما هابوا موسى كذلك. وبداءة تاريخ هذه المهابة وقت عبورهم نهر الأردن.

15 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ».

مرّ في الأسفار الخمسة أن هذه العبارة كانت تُذكر مقدمة لأمر جديد. وما بعد هذه العبارة إلى الآية 19 تفصيل لما ذُكر في الآية 11 إجمالاً.

16 «مُرِ ٱلْكَهَنَةَ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ أَنْ يَصْعَدُوا مِنَ ٱلأُرْدُنِّ».

خروج 25: 16 و22

مُرِ ٱلْكَهَنَةَ... أَنْ يَصْعَدُوا وقفوا في النهر بأمر يشوع عن أمر الرب وكذا كان صعودهم فكان سلطان يشوع على كل الإسرائيليين من كهنتهم إلى عامتهم.

17 «فَأَمَرَ يَشُوعُ ٱلْكَهَنَةَ: ٱصْعَدُوا مِنَ ٱلأُرْدُنِّ».

فَأَمَرَ يَشُوعُ ٱلْكَهَنَةَ فعل كما أمره الرب فلّله السلطان الأعلى.

18 «فَكَانَ لَمَّا صَعِدَ ٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ مِنْ وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ، وَٱجْتُذِبَتْ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ إِلَى ٱلْيَابِسَةِ، أَنَّ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا وَجَرَتْ كَمَا مِنْ قَبْلُ إِلَى كُلِّ شُطُوطِهِ».

ص 3: 15

فَكَانَ لَمَّا... وَٱجْتُذِبَتْ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ إِلَى ٱلْيَابِسَةِ، أَنَّ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ... جَرَتْ كما أنه كان عند انغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت في ضفة المياه أن وقفت المياه المنحدرة (ص 3: 15) كان حين اجتُذبت أقدامهم إلى اليابسة أن جرت تلك المياه. وهذا دليل واضح على أن الحادثة كانت معجزة خالصة لا علاقة للأسباب الطبيعية بها فلا فعل لذلك لغير القدرة الإلهية الصالحة لكل شيء.

وبهذا الفصل (ع 15 - 18) كرر الكاتب ما ذكره في ع 11 وزاد عليه أن صعود الكهنة كان بأمر الرب بواسطة يشوع وأن مياه الأردن رجعت إلى مكانها وجرت كما من قبل. فظن بعضهم أن هذا الفصل لكاتب آخر ولكن ليس ظنهم في محله لأن التكرار على هذه الطريقة من اصطلاحات اللغة العبرانية.

حادثة الجلجال ع 19 إلى ص 5: 12

19 «وَصَعِدَ ٱلشَّعْبُ مِنَ ٱلأُرْدُنِّ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْعَاشِرِ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ، وَحَلُّوا فِي ٱلْجِلْجَالِ فِي تُخُمِ أَرِيحَا ٱلشَّرْقِيِّ».

ص 5: 9

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْعَاشِرِ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ أي العاشر من نيسان من السنة الحادية والأربعين لسنة الخروج من مصر. وهذا اليوم كان سنة الخروج قبل الفصح الأول بأربعة أيام وفيه أمر الله موسى أن يأمر بني إسرائيل بإعداد شاة الفصح (خروج 12: 3) ليكون أول دخولهم أرض الميعاد زمان إعداد خروف الفصح في أرض الميعاد كما كان زمن إعداد ذلك في أرض مصر أرض العبودية.

حَلُّوا فِي ٱلْجِلْجَالِ أي في المكان الذي سُمي على أثر ذلك بالجلجال وهذا من جملة الأدلة على أن هذا السفر كتبه يشوع في نحو أواخر حياته (انظر ص 5: 9). وقد تقدّم الكلام على الجلجال في تفسير (ع 3).

20 «وَٱلاثْنَا عَشَرَ حَجَراً ٱلَّتِي أَخَذُوهَا مِنَ ٱلأُرْدُنِّ نَصَبَهَا يَشُوعُ فِي ٱلْجِلْجَالِ».

ع 3

نَصَبَهَا يَشُوعُ فِي ٱلْجِلْجَالِ أي أمر بنصبها هناك والظاهر أنها نُصبت على أكمة طبيعية أو صناعية لأن الحجر الذي يستطيع الإنسان حمله ستة أميال لا يُظن أنه كبير حتى إذا نُصب على الأرض يظهر لكل مارٍّ به كما لو وُضع على رأس أكمة. ولعل الحجارة وُضع بعضها فوق بعض حتى صارت كعمود لأنه قصد أن يراها كل إنسان ليذكر حادثة العبور أو يسأل عن علة إقامتها كذلك.

21 «وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِذَا سَأَلَ بَنُوكُمْ غَداً آبَاءَهُمْ قَائِلِينَ: مَا هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةُ؟».

ع 6

إِذَا سَأَلَ بَنُوكُمْ غَداً الخ أي في المستقبل (راجع تفسير ع 6). إنه إذا رأى الإنسان عدد تلك الحجارة ومقاديرها وضعها وانفرادها عن أمثالها في ذلك المكان وغير ذلك من المنبهات سأل طبعاً كيف جيء بها إلى هناك ومن أين أُتي بها وما القصد منها فيكون ذلك خير فرصة للوالدين أن يقصوا على أولادهم أنباء عناية الله بهم وأعماله العجيبة وتدريبهم في عبادته وخوفه وتعظيمه وحمده على مراحمه ومحبته على حسن عنايته. ونحن يجب علينا أن نشجع الصغار ليرغبوا في التعلم والاستفادة ونُسر بأن يسألونا فيعدوا لنا فرصة لتعليمهم وإرشادهم إلى محبة الله وفدائه وغير ذلك من آلائه التي لا تُحصى.

22 «تُعْلِمُونَ بَنِيكُمْ قَائِلِينَ: عَلَى ٱلْيَابِسَةِ عَبَرَ إِسْرَائِيلُ هٰذَا ٱلأُرْدُنَّ».

ص 3: 17

عَلَى ٱلْيَابِسَةِ عَبَرَ إِسْرَائِيلُ هٰذَا ٱلأُرْدُنَّ السؤال «ما هذه الحجارة» (ع 21) جوابه بحسب الظاهر على ما يظهر لا يناسب أن يكون جواباً له إنما يحسن أن يكون جواباً «على مَ عبر إسرائيل هذا الأردن» والصحيح أنه لم يُرد به أنه الجواب لذلك السؤال بل أراد أن ذلك السؤال يؤدي بهم إلى أن يعلموهم هذا النبأ أو يمكنهم من إنبائهم بتلك الحادثة العجيبة. وهي التي نُصبت هذه الحجارة من أجلها. وقدم قوله «على اليابسة» للتأكيد لأن قطع النهر على اليابسة مما يحمل على الشك فوجب التأكيد على مقتضى قواعد البلاغة في العربية والعبرانية وغيرها من اللغات المعروفة والظاهر أن ذلك مما يحمل عليه العقل فلم تختلف اللغات فيه.

23 «لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِكُمْ حَتَّى عَبَرْتُمْ، كَمَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بِبَحْرِ سُوفٍ ٱلَّذِي يَبَّسَهُ مِنْ أَمَامِنَا حَتَّى عَبَرْنَا».

خروج 14: 21

لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ التأكيد في قوله في ع 22 «على اليابسة عبر إسرائيل هذا النهر» يزيل الشك لكن المخاطب مع ذهاب شكه لا يمكنه إلا أن يسأل عن علة هذا الحادث العجيب فأتى هنا ببيانها. وهذه الآية من تتمة أنباء الآباء للأبناء.

مِنْ أَمَامِكُمْ كان مقتضى الظاهر أن يقال من أمام الإسرائيليين لأن هؤلاء البنين لم يكونوا قد خُلقوا وربما كان السؤال الذي أجابوا عليه قبل أن يخلق الآباء أيضاً. فأبان بعضهم أن مسوغ ذلك أنهم كانوا في أصلاب آبائهم يوم عبروا الأردن. والذي نراه أنه خاطبهم كذلك لاعتباره شعب إسرائيل واحداً مثل هذا كثير في الكلام كقولنا اليوم لأهل عصرنا إن الله أرسل إليكم الأنبياء وأرشدكم إلى الحق باعتبار أن الناس جماعة واحدة. فإسرائيل يُطلق على شعب الله القديم في كل وقت ويخاطب به أهل كل عصر من بني إسرائيل. فالذي صُنع للآباء كأنه صُنع للأبناء. ولهذا نظائر في الكتاب المقدس (انظر مزمور 66: 6 ويوحنا 6: 32).

كَمَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بِبَحْرِ سُوفٍ ٱلَّذِي يَبَّسَهُ مِنْ أَمَامِنَا حَتَّى عَبَرْنَا هذا نظير آخر لتنزيل الجماعة منزلة الواحد في كل عصر فإن المخاطبين لم ييبس البحر الأحمر أمامهم ولم يعبروه إذا كان ذلك قبل أن يولدوا وربما كانوا ممن وُلدوا بعد قرون من تلك الحادثة العجيبة ولكن كان هذا لهم كما كان لآبائهم. فالمتكلم تصور أن بني إسرائيل جماعة واحدة أبداً وأنهم كلهم عبروا البحر الأحمر في ذلك الزمان. قال بعضهم في هذا مقابلة معجزة عبور الأردن بمعجزة عبور البحر الأحمر «فكما دُعي عبور البحر الأحمر اعتماداً لموسى يُدعى عبور الأردن اعتماداً ليشوع» (1كورنثوس 10: 2).

24 «لِتَعْلَمَ جَمِيعُ شُعُوبِ ٱلأَرْضِ يَدَ ٱلرَّبِّ أَنَّهَا قَوِيَّةٌ، لِكَيْ تَخَافُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ».

1ملوك 8: 42 و43 و2ملوك 19: 19 ومزمور 106: 8 خروج 15: 16 و1أيام 29: 12 ومزمور 89: 12 خروج 14: 31 وتنثية 6: 2 ومزمور 89: 7 وإرميا 10: 7

لِتَعْلَمَ الخ أي لم تكن تلك المعجزة لمجرد الإعجاب بل بيان قدرة الرب لكل الأمم ولحمل الإسرائيليين على خشية الله.

فوائد

  1. إنه يجب علينا أن نذكر نعم الله علينا. ولهذا وضع الله كثيراً من أمور الذكرى لبني إسرائيل فوضع الختان ذكر لوعده لإبراهيم والفصح ذكرى لإنقاذ الإسرائيليين من مصر وقسط المن ذكرى لإعداد الله لشعبه أسباب المعاش في البرية إلى غير ذلك مما يصعب إحصاؤه. ومن ذلك نصب حجارة الأردن في الجلجال (ع 1 - 3).

  2. إن ما أسبغه الله على آبائنا من النّعم يصل نفعه إلينا فيُحسب كأنه أسبغه علينا أيضاً (ع 23) فيجب أن نشكره على ذلك كما نشكره على ما ينعم به علينا رأساً.

  3. إن الإنسان ضعيف بالطبع فيخامره بعض الشك والخوف مع علمه الأمن علم اليقين فيجب عليه أن يتضع أمام الله وينسب الفضل إليه تعالى في كل ما يحصل عليه من الخيرات (انظر ع 10 والتفسير).

  4. إن هذه الحياة حياة بحث ودرس واختبار والله يُسر بأن نبحث عن الحقائق وندرسها ونختبرها (ع 21 وتفسيره).

  5. إن الله يحب أن الناس يُعلنوا اسمه وأعماله ويعرفوا قدرته (ع 24) حُباً لهم لأن ذلك ينفعهم وهو غنيّ عن كل خلقه.

  6. إن أعمال الله العجبية يبقى تأثيرها إلى الأبد ويعمّ كل من عرفها في كل زمان ومكان (ع 24).

  7. إنه يجب أن لا نأبى العمل الذي يدعونا الله إليه لما فيه من الصعوبة فإن الله دعا يشوع إلى أن يقود الإسرائيليين ويأخذ أرض كنعان ويقسمها عليهم فأطاعت حالاً ولم يلتفت إلى الموانع والأهوال من عبور الأردن ومحاربة الكنعانيين.

  8. إنه يجب علينا أن نذكر في كل دعوة إلهية أنه تعالى يعين من دعاه إليها على الصعوبات كما أعان يشوع والإسرائيليين على عبور الأردن والاستيلاء على أرض الميعاد.

  9. إن الله يدّرب من يختاره لعمل قبل أن يختاره له. فإنه اختار يشوع خليفة لموسى بعد أن درّبه سنين كثيرة بالخدمة لموسى فعبر بالإسرائيليين الأردن كما اجتاز بهم موسى البحر الأحمر بجريه على سنن موسى في مراعاته وصايا الله. وأتى سائر أعماله باعتبار كونه قائد إسرائيل على ذلك السنن.

  10. إن الله تعالى يساعدنا على عبور وادي الموت كما أعان الإسرائيليين على عبور الأردن وإن خشيناه لضعف طبيعتنا كما خشي الإسرائيليون جري ندّ مياه الأردن عليهم. إنا نخاف قليلاً ونرجو كثيراً والثقة بالله تغلب الخوف.

  11. إنه يجب على الآباء أن يرشدوا الأبناء إلى الله وحسن عنايته ويقصوا عليهم ما اختبروه من إحسانه. وأن يبذلوا الجهد في تنبيه أذهانهم فيُحلمون على السؤال عن أعمال الله وعنايته ومراحمه (ع 15 - 24).

  12. إنه يجب علينا أن نعمل مع الله فإن الإسرائيليين حملوا الحجارة من نهر الأردن إلى الجلجال بواسطة نوابهم بأمر الله مع أن الذي شق النهر وأوقف ماءه نداً بمجرد إراداته وقدرته كان قادراً أن ينقل الحجارة على أجنحة الهواء إلى الجلجال. وهذا موافق كل الموافقة لتعليم العهد الجديد (1كورنثوس 3: 9 و2كورنثوس 6: 1 وفيلبي 2: 12).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

1 «وَعِنْدَمَا سَمِعَ جَمِيعُ مُلُوكِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ غَرْباً، وَجَمِيعُ مُلُوكِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ، أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى عَبَرْنَا، ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِمْ رُوحٌ بَعْدُ مِنْ جَرَّاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

عدد 13: 29 خروج 15: 14 و15 وص 2: 9 و10 و11 ومزمور 48: 6 وحزقيال 21: 7 و1ملوك 10: 5

جَمِيعُ مُلُوكِ ٱلأَمُورِيِّينَ الملوك هنا رؤساء بلاد صغيرة كمشايخ قبائل البادية اليوم. و «الأموريون» قبيلة سورية كنعانية اشتهر رجالها بالقوة والشجاعة (عاموس 2: 9) سكنوا في أول أمرهم في جنوبي أورشليم الأرض الكثيرة الهضاب. ثم استولوا على أحسن أرض من أروض الخصب على جانبي نهر الأردن. ومن ملوكها سيحون وعود اللذان قُتلا على الجانب الشرقي (تثنية 4: 46 و47).

وَجَمِيعُ مُلُوكِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ الناس الذين نُسلوا من كنعان وهم أهل أرض الميعاد فعطف «جميع ملوك الكنعانيين» على «جميع ملوك الأموريين» من عطف العام على الخاصّ لأن الأموريين من الكنعانيين وإنما خُصصوا بالذكر لاشتهارهم بالبسالة والبأس أو من عطف قسم على قسم تميزاً باختلاف المسكن وأراد الكاتب كل سكان كنعان فاكتفى بذكر أشهرهم.

ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ أي البحر المتوسط فإن الكنعانيين كانوا متفرقين على شطوطه. وعُرفت أرض مسكنهم بعد ذلك بفينيقية ومن مدنها صور وصيداء عاصمتا الفينيقيين وعلى هذا دُعيت المرأة الواحدة في متّى «كنعانية» وفي مرقس «فينيقية سورية» (متّى 15: 22 ومرقس 7: 26).

ٱلرَّبَّ قَدْ يَبَّسَ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ أي جفف مقر مياه الأردن. وكان الكنعانيون يرون الأردن سوراً طبيعياً لبلادهم لا يقوى الأعداء على اجتيازه بسهولة ولا سيما اجتيازه زمن فيضانه السنوي. قال بعضهم لو راعى الكنعانيون قواعد الرب لقابلوا الإسرائيليون عند عبورهم الأردن لكن هلاك المصريين جنود فرعون في البحر الأحمر وانتصار الإسرائيليين على سيحون وعوج جعل الخوف في قلوبهم فلم يتعرضوا للإسرائيليين لئلا يُلحقوا بمن أُهلكوا. وهذه الحادثة بينت أن الأمة إذا تمّ إثمها لم تستطع أن تنجو من نقمة الله مهما كانت الموانع دون تلك النقمة ومهما كان لها من وسائل الدفاع العالمية. إن الله يمهّد السبيل لغضبه ونقمته فلا يثبت شيء أمام نار غضبه.

حَتَّى عَبَرْنَا أي حتى عبر الإسرائيليون (انظر ص 4: 23 والتفسير) وقُرى في بعض النسخ «حتى عبروا».

ذَابَتْ قُلُوبُهُمْ أي خافوا كل الخوف أو لم يبق لهم من شجاعة لأن القلب محل الشجاعة على ما اشتهر عند الناس فذوبان القلب كناية عن أنه لم يبقَ موضع للشجاعة والقصد من ذلك المبالغة في الجبن.

لَمْ تَبْقَ فِيهِمْ رُوحٌ أي كأنهم ماتوا فلا يستطيعون المقاومة. وكان ذلك من أحسن أعمال العناية الإلهية فإن الإسرائيليين كانوا على وشك أن يُختنوا فلولا أن الله أخاف الكنعانيين إلى ذلك الحد لهجموا على الإسرائيليين إلى أثر الختان وقتلوهم كما فعل شمعون ولاوي بأهل شكيم على أثر ختانهم (تكوين 34: 6 - 29).

ختن يشوع للإسرائيليين ع 2 إلى 9

2 «فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱصْنَعْ لِنَفْسِكَ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ، وَعُدْ فَٱخْتُنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَانِيَةً».

خروج 4: 25

ٱصْنَعْ لِنَفْسِكَ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ «صوّان» هنا في الأصل العبراني صريم ويحتمل معنيين وهما صوّان وقاطعة أو حادة. والصروم في العربية السيف القاطع وفيه صرم الشي أي قطعه وصرم السيف أي كان صارماً أي قاطعاً وعلى الأول فالترجمة الحرفية «اصنع لنفسك سكاكين صوان أو سكاكين حادة». والصوّان هنا الأرجح لأن الظرّان وهي حجارة الصوّان الحادة كانت كثيرة الاستعمال للذبح والقطع في تلك الأيام. وأحوال بني إسرائيل بعد كل سني التيه في البرية ترجح أنهم كانوا يستعملون الظرّان لذلك. وقد وقفنا على كثير من أنباء أهل البادية بعد العصر المذكور بذبحهم البهائم بالظرّان. ولا يزال بعض الناس غير المتمدنين يستعملونها. وعلماء العاديات اكتشفوا كثيراً من القواطع الصوانية من سكاكين وأسنة وأن صفورة امرأة موسى ختنت ابنها بصوّانة (خروج 4: 25). ومترجمو السبعينية فهموا أنها سكاكين صوّان ففي ص 24 فيها زادوا «أنهم دفنوا مع يشوع سكاكين الحجر (أو الصوّان) التي ختن بها بني إسرائيل» ولا يزال الأحباش إلى اليوم يختنون بالظرّان جرياً على سنة صفورة على ما قال بعض المختبرين. والاعتقاد الغالب أن الختان بالظرّان لا ينشأ عنه ما ينشأ عن الموسى الفولاذية من الالتهاب.

فَٱخْتُنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَانِيَةً كان الختان علامة العهد بين الله وشعبه (تكوين 17: 11) فاختتن جميع ذكور الإسرائيليين إلى حين خروجهم من مصر ثم أُهمل الختان في البرية لأن الشعب نكثوا العهد بسجودهم للعجل وكانت علامة نكث العهد كسر لوحي الشهادة المنقوشة عليهما الوصايا العشر (خروج 32: 19). وبعدما عبروا الأردن ودخلوا أرض الميعاد عادوا فاختتنوا كعادتهم القديمة فكان ختانهم في الجلجال علامة رجوعهم إلى الرب ورجوع الرب إليهم. ولا يمكن أن المختون يُختن ثانية والمقصود الشعب وليس الأفراد والمعنى أن الشعب كانوا مختونين في مصر ثم أهملوا ختان صغارهم في البرية ثم رجعوا إلى حالتهم الأولى فاختتنوا ثانية الآباء خُتنوا في مصر والأبناء في الجلجال. وبما أن الآباء والأبناء شعب واحد قيل «اختتن الشعب ثانية».

3 «فَصَنَعَ يَشُوعُ سَكَاكِينَ مِنْ صَوَّانٍ وَخَتَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَلِّ ٱلْقُلَفِ».

تَلِّ ٱلْقُلَفِ القلفة الجزء المقطوع بالختان. وسُمي المكان «تل القُلف» تذكاراً لهذه الحادثة. وهذا المكان في الجلجال.

4، 5 «4 وَهٰذَا هُوَ سَبَبُ خَتْنِ يَشُوعَ إِيَّاهُمْ: أَنَّ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ٱلْخَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ، ٱلذُّكُورِ، جَمِيعَ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ، مَاتُوا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ عَلَى ٱلطَّرِيقِ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ. 5 لأَنَّ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا كَانُوا مَخْتُونِينَ. وَأَمَّا جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ وُلِدُوا فِي ٱلْقَفْرِ عَلَى ٱلطَّرِيقِ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ فَلَمْ يُخْتَنُوا».

عدد 14: 29 و26: 64 و65 وتثنية 2: 16

خلاصة هاتين الآيتين أن علة الختان ثانية إهمال الختان في البرية. وكان الختان يومئذ ضرورياً لتمييز بني إسرائيل عن سائر أهل كنعان ولم يكن ذلك في البرّية لعدم من يختلطون بهم على أن الختان كان فرضاً عليهم أين كانوا.

6 «لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَارُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي ٱلْقَفْرِ حَتَّى فَنِيَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ رِجَالُ ٱلْحَرْبِ ٱلْخَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ، ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِينَ حَلَفَ ٱلرَّبُّ لَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُرِيهِمِ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي حَلَفَ ٱلرَّبُّ لآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَنَا إِيَّاهَا، ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً».

عدد 14: 33 وتثنية 1: 3 و2: 7 و14 ومزمور 95: 10 عدد 14: 23 ومزمور 95: 11 وعبرانيين 3: 11 خروج 3: 8

سَارُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً قال «ساروا» لأنهم كانوا بين حل وارتحال.

فَنِيَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ أي مات الشعب الذي خرج من مصر لأن الخارجين كانوا يومئذ الشعب كله.

رِجَالُ ٱلْحَرْبِ بدل من الشعب بدل بعض من كل وخصهم بالذكر لأنه عمدة إسرائيل في التيه الذين حاربوا الأعداء وحموا الباقين.

ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِ ٱلرَّبِّ فعدم سمعهم لقول الرب علة حرمانهم دخول أرض الميعاد.

تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً أي كثيرة الخصب والمرعى فتقوى فيها البقر والغنم والمعزى فيكثر لبنها ويجني نحلها العسل من أزهارها الكثيرة.

7 «وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَأَقَامَهُمْ مَكَانَهُمْ. فَإِيَّاهُمْ خَتَنَ يَشُوعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا قُلْفاً، إِذْ لَمْ يَخْتِنُوهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ».

عدد 14: 31 وتثنية 1: 39

وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَأَقَامَهُمْ مَكَانَهُمْ قال في الآباء إنهم فنوا وفي الأبناء أنهم أقيموا فأولئك فنوا للمعصية وهؤلاء أُقيموا للطاعة. أسند الفناء إلى الآباء لأنهم هم علته والإقامة إلى الله لأنهم قاموا بنعمته. والخلاصة أن الآباء علة فناء نفوسهم بمعصيتهم وأن علة قيام الأبناء إحسان الله إليهم لطاعتهم فالطاعة شرط الإحسان الإلهي لا علته. ومعنى إقامتهم مكان آبائهم جعله إيّاهم شعبه المختار والقيام بوفاء الوعد لهم. فني الآباء وهم مختتنون وقام الأبناء وهم قُلفٌ انظر قول الرسول (رومية 2: 25) «فَإِنَّ ٱلْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِٱلنَّامُوسِ. وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّياً ٱلنَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً». وقوله (1كورنثوس 7: 19) «لَيْسَ ٱلْخِتَانُ شَيْئاً، وَلَيْسَتِ ٱلْغُرْلَةُ شَيْئاً، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا ٱللّٰهِ».

8 «وَكَانَ بَعْدَمَا ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنَ ٱلاخْتِتَانِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ فِي ٱلْمَحَلَّةِ حَتَّى بَرِئُوا».

تكوين 34: 25

بَرِئُوا أي شُفيت جراح ختانهم. و «برئوا» ترجمة «حيوتم» أي حيوا والمراد بها هنا شفوا لأن الحياة من لوازم الشفاء وقد جاءت بهذا المعنى في قوله «ٱصْنَعْ لَكَ حَيَّةً مُحْرِقَةً وَضَعْهَا عَلَى رَايَةٍ، فَكُلُّ مَنْ لُدِغَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا يَحْيَا» أي يبرأُ فيحيا (عدد 21: 8).

9 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱلْيَوْمَ قَدْ دَحْرَجْتُ عَنْكُمْ عَارَ مِصْرَ. فَدُعِيَ ٱسْمُ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ «ٱلْجِلْجَالَ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تكوين 34: 14 ولاويين 18: 3 وص 24: 14 و1صموئيل 14: 6 وحزقيال 20: 7 و23: 3 و8 ص 4: 19

دَحْرَجْتُ عَنْكُمْ عَارَ مِصْرَ كانت بين المفسرين مناقشات كثيرة في المراد «بعار مصر» فرآه بعضهم قسمين أحدهما فعليّ وهو معصية بني إسرائيل بأن تذمروا على الله لإخراجه إياهم من مصر وتعريضه إياهم للمشاق والموت في البرية فودوا لو بقوا في مصر وهذا خطاء فظيع وعار متعلق بميلهم إلى مصر فدُعي «بعار مصر» والآخر انفعالي وهو كونهم في عبودية المصريين فسمي العبودية للمصريين «بعار مصر» والذي يظهر أن المراد «بعار مصر» العبودية للمصريين وإن تلك العبودية أُزيلت عنهم لما دخلوا أرض الموعد فإن عبودية مصر كانت عليهم كل مدة غربتهم عن أرض الميعاد. نعم إنهم كانوا قد خرجوا من مصر منذ أربعين سنة لكنهم كانوا في تيههم عبيداً للمصريين هاربين أو آبقين ولكن لما بلغوا الجلجال وصلوا إلى الوطن الموعود به تحرروا فلم يبقوا عبيداً ولا غرباء فتأمل. واستعار «الدحرجة» لإزالة العبودية للمبالغة زيادة البيان بتمثيل المعقول بالمحسوس كأن العبودية صخرة على ظهورهم دحرجها عنهم فأراحهم من ثقلها.

فَدُعِيَ ٱسْمُ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ ٱلْجِلْجَالَ «الفاء» في قوله «فدُعي» سببية أي كانت دحرجة الله عبوديتهم عنهم في ذلك المكان سبب تسميته «بالجلجال» أي متدحرج.

10 «فَحَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْجِلْجَالِ، وَعَمِلُوا ٱلْفِصْحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ مَسَاءً فِي عَرَبَاتِ أَرِيحَا».

خروج 12: 6 وعدد 9: 5

عَمِلُوا ٱلْفِصْحَ هذا هو الفصح الثالث الذي عملوه منذ خروجهم من مصر إلى تلك الساعة. وعملوا الاثنين في حياة موسى. الأول في مصر يوم أنقذهم الرب من الملاك المهلك والثاني في سيناء (عدد 9: 1 - 5). وكان آخر فصح عند المسيحيين الفصح الذي أكله المسيح مع تلاميذه (لوقا 22: 16).

ٱلرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ أي شهر نيسان.

انظر هنا أن يشوع ختن الشعب قبل أن عمل الفصح بناء على حكم الشريعة بأن الأغلف محظور عليه أن يأكل الفصح (خروج 12: 48) ولذلك لم يصنعوا الفصح في البرية بعد صنعه في سيناء لأنهم لم يكونوا مختونين كالذين صنعوه هناك.

11 «وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ فِي ٱلْغَدِ بَعْدَ ٱلْفِصْحِ فَطِيراً وَفَرِيكاً فِي نَفْسِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».

وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ لم يتبين من هذه العبارة أن تلك الغلّة كانت من حاصل السنة الماضية أو من حاصل السنة التي هم فيها لأنهم كانوا في شهر الحصاد. قال بعضهم أنهم وجدوا تلك الغلة في بيوت الذين هربوا. وقال آخر أن الباعة أتوا إلى محلة الإسرائيليين وباعوهم إياها. والغرض أنهم أكلوا من غلة أرض كنعان.

ًفَطِيرا أي خبز فطير أي مختمر لأنهم كانوا في عيد الفصح وهو عيد الفطير.

فَرِيكاً الحَب الذي حان له أن يُفرك ويُؤكل ويحتمل المعنى أنه حَبّ مشويّ ولا يُشوى ما لم يكن على وشك البلوغ وهذا يستلزم أن ذلك الحَبّ من غلال الفصل الذي كانوا فيه.

12 «وَٱنْقَطَعَ ٱلْمَنُّ فِي ٱلْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَنٌّ. فَأَكَلُوا مِنْ مَحْصُولِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ».

خروج 16: 35

وَٱنْقَطَعَ ٱلْمَنُّ فِي ٱلْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ أي في السادس عشر من شهر نيسان انقطع المن فإن اليوم الرابع عشر أكلوا الفصح وفي الخامس عشر أكلوا بعض غلال الأرض وفي غد هذا اليوم أي في السادس عشر من نيسان وهو أول السنة التي دخلوا فيها أرض الميعاد انقطع المن ولم تبق من حاجة إليه. وكان أول إعطائه لبني إسرائيل في اليوم السادس عشر من الشهر الثاني من السنة الأولى للخروج من مصر (خروج 16: 1 و7 و13 و14). فوقع لهم 39 سنة وأحد عشر شهراً في كل يوم سوى أيام السبت. وحفظوا السبت اليوم السابع من الأسبوع في كل سفرهم وإقامتهم في البرية ولكن في غد السبت أي في أول الأسبوع الذي قام فيه المسيح صار السبت أول الأسبوع المعروف بيوم الرب وكانت قيامة يسوع بمنزلة المن الذي لا ينقطع لأنه قوت الخلاص أو الخبز النازل من السماء الذي من أكله يحيا إلى الأبد.

الاستيلاء على كنعان

هنا بداءة القسم الثاني الكبير من هذا السفر إن عبور الأردن كان حادثة عظيمة من القسم الأول الصغير والحادثة العجيبة الآتية الحادثة العظيمة من القسم الثاني الكبير.

13 «وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، وَإِذَا بِرَجُلٍ وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعْدَائِنَا؟».

تثنية 18: 2 و32: 24 وخروج 23: 23 وزكريا 1: 8 وأعمال 1: 10 عدد 22: 23

لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أي في سهول أريحا المجاورة لها أو في ضواحي أريحا أو على أقرب ما يمكن منها ولعله كان حينئذ يلاحظ بنفسه موقع المدينة والجهة التي هي أنسب للهجوم.

وَإِذَا بِرَجُلٍ أي كائن أعظم من الإنسان في صورة رجل ولذلك ظنه يشوع في أول الأمر إنساناً حقيقياً ودلنا على ذلك ما يأتي في الآية الآتية.

سَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ أي مستعد للحرب. وقد ذُكر في مكان آخر أنه «رجل الحرب» (خروج 15: 3). وظهر ليشوع على هذه الصورة ليشجعه ويبين له أن الرب معه وإذا كان الرب معنا فمن يقدر علينا.

فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ لا ريب في أن منظر ذلك الرجل كان رهيباً فسَير يشوع إليه كان من بيّنات شجاعته.

هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعْدَائِنَا أي أمعنا أنت أم علينا أو صديق أنت أم عدوّ.

14 «فَقَالَ: كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ ٱلرَّبِّ. ٱلآنَ أَتَيْتُ. فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ لَهُ: بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي عَبْدَهُ؟».

خروج 23: 20 ودانيال 10: 13 و21 و12: 1 ورؤيا 12: 7 و19: 11 و14 تكوين 17: 3

أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ ٱلرَّبِّ. ٱلآنَ أَتَيْتُ دلّ ذلك على أنه رب الجيش وأنه قادر على الحرب ومستعد لها وأنه يساعد الإسرائيليين. ومما يناسب هذا أن محاربات إسرائيل في كنعان دُعيت «حروب الرب».

فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ الخ عبادة لمن خاطبه إذ عرف أنّه الرب ظهر له في صورة بشرية كان مستعداً أن يظهر في مثلها للبشر مولوداً من امرأة.

15 «فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ ٱلرَّبِّ لِيَشُوعَ: ٱخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ، لأَنَّ ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ. فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذٰلِكَ».

خروج 3: 5 وأعمال 7: 33

ٱخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ كان هذا علامة الاحترام في بلادنا ولا يزال كذلك عند كثيرين في المعابد والمساجد وهو ككشف الرأس عند غير الشرقيين. وهذه العبارة هي العبارة التي خاطب بها ملاك العليقة الملتهبة بلا احتراق موسى (خروج 3: 5) وبهذا وبغيره يرّجح أن الشخص الواحد ظهر في المكانين وهو الكائن العظيم المجيد الذي لا حدّ لكماله ولا لعنايته وإنه اعتنى بشعب الله منذ خلق الإنسان.

تبيّن مما ذكرناه اعتقادنا أن الذي ظهر ليشوع في هيئة إنسان هو ابن الله الأزلي واعتقادنا ذلك لأسباب:

  1. إنه رئيس جند الرب أي سيّد جنود السماء أو هو بمثابة قوله «رب الجنود» فهو الرب يسوع.

  2. قبوله عبادة يشوع فلو كان ملكاً أو غيره من المخلوقات لمنع يشوع من ذلك لا محالة (انظر قضاة 13: 16 ورؤيا 19: 10 و22: 9) لكنه بدلاً من أن ينهاه عن ذلك طلب منه أن يزيد عليه بأمره إياه بخلع نعله مما دلّ على أنه إله لأنه ما كان يُؤمر بذلك دينياً إلا في الحضرة الإلهية.

  3. دعوة أن المكان مقدس بمجرد حضوره. وهذا في الكتاب من الأمور المختصة بالله (خروج 3: 5).

  4. ذُكر أنه الرب (يهوه) في الآية الثانية من الأصحاح السادس وهذا نصّ يمنع من كل تأويل.

فوائد

  1. إن إسرائيل رمز إلى كنيسة الله في محاربتها للخطيئة (قابل ع 1 - 9 بما في نشيد الأناشيد 6: 10 و8: 5).

  2. إن إسرائيل رمز إلى النفس في محاربتها للإثم فإن كل نفس فرد من أفراد الكنيسة المحاربة للخطيئة.

  3. إنه يجب طرح الحكمة البشرية حين إطاعة الأمر الإلهي. ألم ترَ أن يشوع ختن الإسرائيليين عند الحاجة إلى تجنب كل ما يعيق عن الحرب ويلجئ إلى الضعف. إن عمل يشوع إطاعة لله يحسبه حكماء العالم من أفظع الجهل. فيجب أن لا نترك الواجب للخوف من العاقبة.

  4. إذا أجبرتنا الأحوال على ترك العهد يجب أن نجدده. وإن كانت الموانع غير شديدة وجب أن لا نتخذ الأحوال عذراً بل نسأل الله أن يغفر لنا خطيئة الإهمال. فإن يشوع جدد العهد بالختان وسكت عن لوم الذين لم يختتنوا قبلاً. إن النيّة تشفع عند تعذّر العمل فالله لا يكلف نفساً فوق طاقتها. إن الختان كان رمزاً إلى تطهير القلب ومعاهدة الله على خلع الإثم فيجب علينا أن نجدّد هذا العهد دائماً ولا عذر لنا على إهماله في كل الأحوال فإن ختان القلب غير ختان الجسد.

  5. إن الختان والفصح كانا سرّي العهد القديم ويقابلهما في العهد الجديد المعمودية والعشاء الربي.

  6. إن الختان كان قبل تناول الفصح (ع 7 و10) فيجب أن تكون طهارة النفس المرموز إليها بالمعمودية قبل تناول العشاء الربي المرموز به إلى الاتحاد بالمسيح بالإيمان به وبفدائه إيّانا من الموت الأبدي.

  7. إن بني إسرائيل لما دخلوا أرض الميعاد انقطع المنّ عنهم. إن الله يصنع المعجزات عند الحاجة إليها لا لمجرد أن يحمل الناس على الإعجاب. وهذه عادته في عنايته. فإن المسيح لما أثبت تعاليمه ودعوى أنه ابن الله وأنه فادي العالم وختم عمله وصعد إلى السماء وأرسل الروح القدس إلى تلاميذه فأثبتوا شهادتهم له بألوهته وموته وقيامته إلى غير ذلك من أمور الفداء بالمعجزات فثبتت كنيسته وصارت شاهدة له بطلت المعجزات المحسوسة كنزول المن كل يوم ما عدا السبت. ولكن بقي معجزات غير محسوسة أعظمها تغيّر القلب البشري بفعل الروح القدس. انقطع المنّ المنظور وأما المنّ الروحي فباقٍ فلنتغذ به كل يوم.

  8. إن يسوع المسيح الكلمة الأزلية كان منذ البدء معتنياً بكنيسته وناصراً لها ومدافعاً عنها ولا يزال كذلك حتى يغلب الشيطان ويهلك أعداء ملكوته وأخر عدو يقهره ويزيله الموت. فهو رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى ورب العليقة الملتهبة بلا احتراق ورئيس السماوات صاحب السيف ذي الحدين وهو في مقدمة شعبه أبداً وهو الذي أبطل الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور (ع 13 - 15 وخروج 3: 1 - 10 و1كورنثوس ص 15 ورؤيا 1: 16).

  9. إنه يجب علينا أن نطيع أمر الله لمجرد أمره دون سؤال عن السبب فيشوع سقط على الأرض وسجد وقال للرب «بماذا يكلم سيدي عبده» أي بماذا يأمرني أنا عبده لأفعله فقال له «اخلع نعلك» فخلعه فلنطع أوامر الله وهو إذا شاء يبين لنا سبب الأمر كما أبانه ليشوع دون أن يسأله عنه وهو أن المكان الذي كان واقفاً فيه «مقدس».

  10. إن كل مكان يُعلن الله فيه حضوره مقدس فسيناء كان عند حضوره عليه مقدساً وكذا موضع العليقة وموضع مرأى رئيس جند الرب وكذا كل موضع لعبادة الله فيجب علينا أن نقف بحضرته بالاحترام وبكل ما يليق من علامات الوقار والهيبة (ع 15 وخروج 3: 5 و19: 10 و11 ومزمور 2: 11 و93: 5 وأعمال 10: 22).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

1 «وَكَانَتْ أَرِيحَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لاَ أَحَدٌ يَخْرُجُ وَلاَ أَحَدٌ يَدْخُلُ».

إذا تأملت قليلاً رأيت هذه الآية معترضة بين كلام رئيس جند الرب في نهاية الأصحاح الخامس والآية الثانية من الأصحاح السادس. وذُكرت تمهيداً لبيان قوة الله في نصرة شعبه.

كَانَتْ أَرِيحَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً أي كانت أبواب أريحا موصدة بالإقفال والعقل يدل على ما عُرف من أمور الحصار يومئذ إن الأبواب كانت من حديد ومقواة بالمتاريس والعصي الحديدية أو النحاسية حتى يتعذّر على الأعداء فتحها ولذلك جاء بالترجمة التفسيرية الكلدانية ما مترجمه «وكانت أريحا مغلقة بأبواب الحديد ومحصّنة بالمتاريس النحاسية حتى لا يستطيع أحد أن يخرج لحرب أو لتأدية ما به السِّلم».

بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي خوفاً من دخول بني إسرائيل واستيلائهم على المدينة.

لاَ أَحَدٌ يَخْرُجُ وَلاَ أَحَدٌ يَدْخُلُ من أهلها إذ الخارج لا يجسر أن يدنو منها خوفاً من أن يقتله الإسرائيليون والداخل لا يجسر على الخروج لذلك ولفتح السبيل للإسرائيليين. ولا ريب في أن حرس الأريحيين كانوا وراء الأبواب وعلى الأسوار بكل أدوات الحرب حتى كاد يتعذّر الاستيلاء عليها دون أن يُقتل كثيرون من الإسرائيليين.

2 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱنْظُرْ. قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا وَمَلِكَهَا جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ».

ص 2: 9 و24 و9: 1 تثنية 7: 24

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ أي قال له ذلك على أثر خلع نعله (ص 5: 15) والذي سُمي هناك «رئيس جند الرب» سمي هنا «الرب» (وفي العبرانية «يهوه» وهو واجب الوجود الأزلي) وهذا دليل قاطع على أن الابن هو الروح الأزلي والحكمة الأزلية والكلمة التي لا بداءة لها أو هو واجب الوجود علة العلل ورب الأزل.

ٱنْظُرْ أي تأمل وتحقق. قال ذلك تأكيداً وتنبيهاً دفعاً لكل شك. والداعي لذلك ما كانت عليه أريحا من قوة التحصّن والاستعداد للدفاع مما يحمل على الشك في الاستيلاء عليها. انظر يا يشوع وتنبّه لما أقول واعرف من هو الذي يكلمك إنه القادر على كل شيء.

قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا جاء بصيغة الماضي بدل المضارع للتحقيق أن ذلك سيكون بلا ريب حتى كأنه كان. أي كان مقتضى اللغة أن يقول «ادفع» فقال «دفعت» وزاد ذلك تحقيقاً بلفظة «قد». إن ما يقصد الله إحداثه لا بد من أن يحدث. ومثل له تقديره على الاستيلاء على أريحا بشيء صغير في يده زيادة لثقته.

وَمَلِكَهَا كانت ممالك أرض كنعان صغيرة حتى كان لكل مدينة ملك (انظر تثنية 7: 24).

جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ عطف بيان لقوله «أريحا» إذ المراد رجال الحرب فيها من باب المجاز المرسل وهو التعبير عن الحال باسم المحل فكأنه قال دفعت بيدك أبطال أريحا وملكها كل جبابرة البأس. ووصفهم بذلك لبيان أن هذا الانتصار يتم بمساعدته تعالى لا بقدرة يشوع ورجال الحرب من إسرائيل. «والجبابرة» العُتاة القتلة «والبأس» القوة.

3 «تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ، جَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ. حَوْلَ ٱلْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. هٰكَذَا تَفْعَلُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ».

تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ... سِتَّةَ أَيَّامٍ خاطبه في ع 2 بضمير المفرد وخاطبه هنا بضمير الجمع كأنه هو ومن يقودهم في الأول شخص واحد وهنا دل على أن خطابه له الأول خطاب لكل إسرائيل. وأراد بقوله «تدورون دائرة المدينة» تمشون على مثل محيط بدائرة المدينة والمعنى تدورون حول المدينة. وفي هذا عدة مقاصد:

  1. تعظيم قوة الله في عيون الإسرائيليين والأمم إذ هدم المدينة بمجرد ما أتوه لا يمكن فما بقي إلا أن قوة الله هي التي هدمتها.

  2. إمتحان إيمان يشوع والإسرائيليين إذ الانتصار على أولئك المحاصَرين المتحصنين بما أمر الله الإسرائيليين به جهل بالنظر إلى الحكمة البشرية ومحال بحكم البديهة.

  3. حملهم على احترام التابوت باعتبار أنه سكن الله وآية حضوره.

ثم أن دورانهم حول المدينة كانت ستاً إذ كانوا يدورون مرة حولها كل يوم ستة أيام وسبعاً في اليوم السابع كما سيأتي في الآية الرابعة.

4 «وَسَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ تَدُورُونَ دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَٱلْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

قضاة 7: 16 و22 عدد 10: 8 و9

سَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلتَّابُوتِ عدد السبعة عند اليهود عدد مقدس يدل على الكمال. فهنا كان الكهنة سبعة والأبواق سبعة ونُفخ فيها في اليوم السابع. و«أبواق الهتاف» هي أبواق النصر والبهجة. والمعنى أنهم بذلك ينتصرون انتصاراً كاملاً ويبتهجون ابتهاجاً تاماً. ومع أن النصر كله كان من الله كان عليهم أن يقوموا بشيء من العمل لأن الله لا يعمل شيئاً لمن لا يعمل معه ولو كالذهاب إلى بركة سلوام ودحرجة الحجر عن قبر لعازر.

5 «وَيَكُونُوا عِنْدَ ٱمْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ ٱلْهُتَافِ عِنْدَ ٱسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ ٱلْبُوقِ، أَنَّ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ يَهْتِفُ هُتَافاً عَظِيماً، فَيَسْقُطُ سُورُ ٱلْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ، وَيَصْعَدُ ٱلشَّعْبُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ».

عِنْدَ ٱمْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ ٱلْهُتَافِ عِنْدَ ٱسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ ٱلْبُوقِ قوله «عند استماعكم الخ» بدل اشتمال من قوله «عند امتداد الخ» لأن امتداد الصوت يستلزم أنه يسمع فهو من مشتملاته والبدل يفيد التوكيد. وبقي أن أبواق الهتاف على ما في الآية الرابعة سبعة وهنا ذكر واحداً فالمراد بالواحد هنا الجنس ويكفي أن يكون المسموع صوت بوق واحد والبوق تفسير للقرن فإنهم كانوا يصنعون القرون أبواقاً وقد يُصنع البوق من المعدن على هيئة القرن فيسمى قرناً للشبه.

فَيَسْقُطُ سُورُ ٱلْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ أو إلى أساسه وفي الأصل العبراني «فيسقط سور المدينة تحتها» والمعنى واحد.

وَيَصْعَدُ ٱلشَّعْبُ على ردم السور إذ يكون حينئذ مرتفعاً عن موقفهم.

كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ قوله «كل رجل» بدل من الشعب للتوكيد كما مرّ. والمراد بصعوده مع وجهه سيره على خط مستقيم من محيط المدينة إلى مركزها إذ لم يبق أمامهم من حاجز ولا مانع. والمعنى بمقتضى اللفظ أن كل رجل يصعد مصاحباً ما يقابل وجهه من الطريق.

6 «فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ ٱلْكَهَنَةَ وَقَالَ لَهُمُ: ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ. وَلْيَحْمِلْ سَبْعَةُ كَهَنَةٍ سَبْعَةَ أَبْوَاقِ هُتَافٍ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ».

فَدَعَا يَشُوعُ بْنُ نُونٍ ٱلْكَهَنَةَ الخ كان سلطان يشوع فوق سلطان الكهنة وكان رئيسهم الآمر كما كان سميه يسوع رئيس كهنة الله فهو رمز إلى المسيح من وجوه كثيرة. وهذه ليست طريقة الحصار المعتاد فكانت امتحاناً لإيمان يشوع والكهنة والشعب معاً ولكن إيمان يشوع كان وطيداً ففعل كما أمره الرب بلا اعتراض ولا سؤال لأنه آمن بأن الله قادر على كل شيء.

7 «وَقَالُوا لِلشَّعْبِ ٱجْتَازُوا وَدُورُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ وَلْيَجْتَزِ ٱلْمُتَجَرِّدُ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ».

وَقَالُوا لِلشَّعْبِ كذا في الأصل العبراني ونظم الكلام يقتضي الأفراد أي وقال للشعب وقرئ كذلك في بعض النسخ. وعلى هذا جرى مترجمو الكلدانية واللاتينية وكثير من سائر الترجمات وعلى ما في المتن يكون القائلون الكهنة أو القواد الذين أمرهم يشوع.

ٱلْمُتَجَرِّدُ أي كل متجرد (فالكلام فيه لاستغراق الجنس انظر تفسير ع 9).

تَابُوتِ ٱلرَّبِّ كان تابوت الرب أمام الإسرائيليين في كل أمر ذي شأن لأمور كثيرة أهمها ما يأتي:

  1. أن ينظروا إلى الله في كل أعمالهم لأن الله قائدهم وعلامة ذلك تابوت العهد آية حضوره.

  2. أن ينظروا إلى شريعته ويسلكوا بمقتضاها لأن في التابوت خلاصة كل الشريعة وهي الوصايا العشر.

  3. أن يعلموا أن الله معهم لأن التابوت كان علامة ذلك.

  4. إن الله زاحف بجيش نقمته على الأمم التي أمهلها حتى تتوب عصوراً وزاد على ذلك أن أمهلها أربعين سنة التي تاه فيها شعبه ليتوبوا قبل أن يصلوا إليها وينتقموا منها باعتبار أنهم جنود الله المرسلون للانتقام حتى أن طواف الإسرائيليون سبعة أيام حول أريحا بلا حرب كان من إمهال الله لهم وصبره عليهم لكي يرجعوا إليه.

8 «وَكَانَ كَمَا قَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ. ٱجْتَازَ ٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَهَنَةُ حَامِلِينَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ. وَتَابُوتُ عَهْدِ ٱلرَّبِّ سَائِرٌ وَرَاءَهُمْ».

أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي أمام تابوت الرب (من باب المجاز المرسل وهو التعبير عن المحل باسم الحال لأن التابوت كان بمنزلة محل للرب لأنه محل ظهوره للإسرائيليين).

تَابُوتُ عَهْدِ ٱلرَّبِّ أي التابوت الذي فيه اللوحان المكتوب فيهما الوصايا العشر التي هي عهد الرب.

9 «وَكُلُّ مُتَجَرِّدٍ سَائِرٌ أَمَامَ ٱلْكَهَنَةِ ٱلضَّارِبِينَ بِٱلأَبْوَاقِ. وَالساقة (ٱلْبَقِيَّةُ) سَائِرَةٌ وَرَاءَ ٱلتَّابُوتِ. كَانُوا يَسِيرُونَ وَيَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

عدد 10: 25

كُلُّ مُتَجَرِّدٍ أي جاد للحرب ومتفرغ لها. وفي بعض الترجمات «الكمأة» أي المتسلحون. يُقال تجرد للأمر إذ جد فيه وتفرغ له.

الساقة الذين في مؤخر الجيش كأنهم يسوقون من أمامهم فإن الجيش مؤلف من خمس فرق وهي المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة ولذلك سُمي بالخميس.

10 «وَأَمَرَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ: لاَ تَهْتِفُوا وَلاَ تُسَمِّعُوا صَوْتَكُمْ، وَلاَ تَخْرُجْ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ كَلِمَةٌ حَتَّى يَوْمَ أَقُولُ لَكُمُ: ٱهْتِفُوا. فَتَهْتِفُونَ».

لاَ تُسَمِّعُوا صَوْتَكُمْ ما الحكمة في أنهم يسكتون فوق امتناعهم عن النفخ في الأبواق قبل الوقت المعيّن. قال بعضهم ما خلاصته «إنهم أُمروا بالسكوت التامّ إعلاناً لوقارهم وخشيتهم لله قبل وقوع المنتظر واتقاء للخطإ لئلا يوهمهم الصوت الإيذان بالهتاف قبل الوقت المعيّن فلا تقع الأسوار فيهزأ بهم الأعداء». وظهر من وصية يشوع ومن طاعة بني إسرائيل أنهم كانوا جنوداً منظمين أحسن تنظيم لأن السكوت أصعب من التكلم والهدوء أصعب من الهجوم.

11 «فَدَارَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ حَوْلَ ٱلْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ دَخَلُوا ٱلْمَحَلَّةَ وَبَاتُوا فِي ٱلْمَحَلَّةِ».

دَارَ تَابُوتُ ٱلرَّبِّ أي داروا به فأسند الفعل إلى المفعول به مجازاً.

ولا ريب في أن المحتفين بذلك الدوران كانوا بعيدين عن أن تصل إليهم سهام الأعداء وعن أن يسمعوا استهزاءهم بالإسرائيليين لأن الأعداء كانوا يرون ما يفعله الإسرائيليين مثل لعب الأولاد ولا فعل رجال الحرب المحاصرين وزادهم ذلك استخفافاً بالإسرائيليين إنهم كانوا يرونهم يأتون ذلك على توالي الأيام فكانوا يطمئنون يوماً فيوماً ويقولون سلام وفيما هم يقولون سلام أتاهم الموت بغتة فويل للمتهاونين.

12 «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ، وَحَمَلَ ٱلْكَهَنَةُ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ».

تثنية 31: 25

فَبَكَّرَ يَشُوعُ هذا شأن خادم الرب الأمين أن يبكر إلى عمله وعلى الرئيس أن يكون مثالاً حسناً للمرؤسين في خدمة الرب.

وَحَمَلَ ٱلْكَهَنَةُ تَابُوتَ ٱلرَّبِّ فيجب على خدم الدين أن يحملوا كتاب عهد الرب أمام مخدوميهم ويكونوا مثالاً لهم في السّير على سنن ذلك الكتاب.

13 «وَٱلسَّبْعَةُ ٱلْكَهَنَةُ ٱلْحَامِلُونَ أَبْوَاقَ ٱلْهُتَافِ ٱلسَّبْعَةَ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سَائِرُونَ سَيْراً وَضَارِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ، وَٱلْمُتَجَرِّدُونَ سَائِرُونَ أَمَامَهُمْ، وَٱلْبَقِيَّةُ سَائِرَةٌ وَرَاءَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ. كَانُوا يَسِيرُونَ وَيَضْرِبُونَ بِٱلأَبْوَاقِ».

سَائِرُونَ سَيْراً معتاداً لا حاملون على الأعداء أو زاحفون عليهم فسيرهم حقيقي كالسير المعهود من غير القاصدين الحرب. والظاهر من تمام الآية أن التابوت كان في قلب الجيش وقدامه المتجردون وهم المقدمة وراءه الساقة فهو موقّي من كل الجهات. وهذا يدل على وجوب المحافظة على كتاب الله وشدة العناية به.

14 «وَدَارُوا بِٱلْمَدِينَةِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ. هٰكَذَا فَعَلُوا سِتَّةَ أَيَّامٍ».

وَدَارُوا بِٱلْمَدِينَةِ أي داروا حول أريحا أي ساروا حولها في مثل محيط دائرة حسب الوصية (انظر ع 3).

15 «وَكَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ وَدَارُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ عَلَى هٰذَا ٱلْمِنْوَالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ فَقَطْ دَارُوا دَائِرَةَ ٱلْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ».

وَكَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ الخ بكروا هكذا لأنه كان عليهم أن يدوروا سبع مرات حول أريحا في ذلك اليوم. والمتأمل قليلاً في هذه الآية يرى أن أريحا لم تكن مدينة كبيرة وإنه لم يدر حولها كل بني إسرائيل فإنها لو كانت كبيرة لكان محيطها مسافة طويلة وكم يكون المحيط الذي يدورون فيه وهم بعيدون عنها إلى حد تقصر عنه السهام المرمية (انظر تفسر ع 11) وإن رجال الحرب في إسرائيل دون غيرهم نحو 600000 فيكون مجموع الإسرائيليين نحو 2000000 فدورانهم في ذلك المحيط سبع مرات في يوم واحد لا يتوقّع فلعلهم اختاروا عدداً كافياً أو مناسباً لذلك واكتفوا به بذلك الدوران.

وبقي في هذا البحث إنه لا بد من أن يكون أحد هذه الأيام السبعة يوم سبت فيكون بنو إسرائيل عملوا به على خلاف الوصية. ودفع مفسروا اليهود ذلك بأن تلك الأيام لم تكن كلها متوالية فهم قدسوا السبت وفي سائر الأيام عملوا. وهذا لا نصّ عليه. واتخذ بعضهم عدم النصّ حجة على بطلان قولهم ولكن لليهود أن يفسروا كذلك بدلالة الالتزام. وبقي لدفع الاعتراض أمران الأول أن الذي وضع السبت وحرّم فيه العمل له أن يحلله فيه للاقتضاء. والثاني إنه لم يثبت أن اليوم السابع هنا هو يوم السبت بل هو السابع من اليوم الذي ابتدأوا فيه الدوران ومجرّد الدوران كل يوم كان نوعاً من العبادة. والعبادة من الواجبات في يوم السبت لا من المحرّمات فيه والله اعلم.

16 «وَكَانَ فِي ٱلْمَرَّةِ ٱلسَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ ٱلْكَهَنَةُ بِٱلأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: ٱهْتِفُوا، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلْمَدِينَةَ».

ٱهْتِفُوا، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلْمَدِينَةَ أي مدّوا أصواتكم بالفرح لأن الرب ولاكم أريحا. يظهر من هذا أن يشوع لم يخبر بني إسرائيل بطريق الاستيلاء على أريحا حتى استولوا عليها كما أنهم ساروا إلى الأردن ليعبروه ولم يخبرهم بطريق عبوره حتى عبروه فسلكوا في الأمرين سبيل الإيمان ولهذا قال كاتب رسالة العبرانيين «بِٱلْإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ» (عبرانيين 11: 30).

17 «فَتَكُونُ ٱلْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّماً لِلرَّبِّ. رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ فَقَطْ تَحْيَا هِيَ وَكُلُّ مَنْ مَعَهَا فِي ٱلْبَيْتِ، لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ أَرْسَلْنَاهُمَا».

لاويين 27: 28 وميخا 4: 13 ص 2: 4

فَتَكُونُ ٱلْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّماً لِلرَّبِّ ما في قوله «كل ما فيها» مستعملة للإنسان وغيره مع أنها لغير العاقل وإنما استُعلمت هنا للتغليب على أنها قد تُستعمل للعاقل دون التغليب.

والمراد «بالمحرّم» هنا ما نُذر للرب وحُظر بيعه وشراءه وفداؤه (انظر لاويين 27: 28 والتفسير) أو الملعون (ع 18 وتثنية 7: 26). وعلى هذا يكون المعنى أن المدينة وكل ما فيها من الأملاك والبهائم والناس منذور أو موقوف للعنة والدمار إكراماً للرب ما عدا راحاب وأهل بيتها وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين. ومنهم من جمع المعنيين هنا فقال المعنى إن المدينة وكل ما فيها منذوران للرب وللعنة أي متروكان لله ليجري عليهما لعنته. قالوا وقد اجتمع المعنيان في تقدمة الخطيئة فإنّها تقدم لله وتُدعى قدس أقداس وتحمل لعنة الإثم وتُحرق (لاويين 6: 25).

لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ من يحرص على حياة رسل الله يحرص الله على حياته وحياة من له.

18 «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَٱحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا وَتَأْخُذُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا».

تثنية 7: 26 و13: 17 وص 7: 1 و11 و12 ص 7: 25 و1ملوك 18: 17 و18 ويونان 1: 12

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَٱحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا أنزلت هذه المدينة «أريحا» منزلة باكورة الأثمار التي تقدم للرب لأنها أول مدن أرض الميعاد التي استولى عليها الإسرائيليون فكان بجملتها للرب فكان يحرم عليهم أن يملكوا شيئاً منها ومن تعدّى الوصية دين فكان عرضة للعنة القتل وهو معنى قوله «تحرّموا» وقوله «تجعلوا محلة إسرائيل محرّمة». وأما غيرها من المدن فكان لهم أن يقتسموا غنيمتها (عدد 31: 31 - 47).

تُكَدِّرُوهَا وفي العبرانية «تعكّروها» والمعنى واحد وهو إيذاؤها وإفساد حالها كإفساد حال الماء بالتكدير أو التعكير.

19 «وَكُلُّ ٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ وَآنِيَةِ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْساً لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ ٱلرَّبِّ».

وَكُلُّ ٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ وَآنِيَةِ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ... تَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ ٱلرَّبِّ أبقى هذا وأتلف ما سواه لأنه ما يحتاج إليه في خدمة المقدس.

20 «فَهَتَفَ ٱلشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ ٱلشَّعْبُ صَوْتَ ٱلْبُوقِ أَنَّ ٱلشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافاً عَظِيماً، فَسَقَطَ ٱلسُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا ٱلْمَدِينَةَ».

ع 5 وعبرانيين 11: 30

ضَرَبُوا بِٱلأَبْوَاقِ أي نفخ الكهنة بالأبواق وإنما أُسند ذلك إلى الشعب لأن الكهنة كانوا نوابّه.

فَسَقَطَ ٱلسُّورُ ولعله قتل بسقوطه كثيرين ممن كانوا عليه وممن كانوا قريبين منه من أهل أريحا. ولا ريب في أن بعض السور لم يسقط إذ كان بيت راحاب جزءاً منه.

إن انتصار الإسرائيليين على أهل أريحا بلا أسلحة ولا حرب يصلح أن يكون رمزاً إلى انتصار الدين المسيحي على سائر الأديان بلا رمح ولا سيف ولا قتال فقوة الله في نصرة هذا الدين ظاهرة كما ظهرت في نبإ أريحا.

21 «وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَٱمْرَأَةٍ، مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ حَتَّى ٱلْبَقَرَ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْحَمِيرَ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ».

تثنية 7: 2 و13: 15 و16

ٱلْبَقَرَ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْحَمِيرَ لئلا يُظن أن الإسرائيليين قتلوا الكنعانيين رغبة في الغنيمة والمقصود أنهم يقتلونهم إتماماً لانتقام الله منهم. والله ينتقم من العصاة الأثمة بطرُق مختلفة ووسائل متعددة منها الناس والزلازل والأوبئة وهنا كانت الوسيلة الكبرى الناس الإسرائيليين فليس قتل الإسرائيليين للكنعانيين من باب الغلو في الدين. فالذين أتاه الإسرائيليون لم يكن إلا العمل بمقتضى أمر الرب الذي انتقم من أعدائه المصريين على خطاياهم فلو أن الله كان بعد أن احتمل أولئك الأمم ما يزيد على أربع مئة سنة وهو ينذرهم ويرفق بهم ويحلم عليهم فلم يرجعوا عن شرّهم ورذائلهم وآثامهم الفظيعة قتلهم بالجوع أو الوباء وأبادهم من وجه الأرض فمن كان يعترض عليه تعالى ومن يستطيع أن يقول إنه لم يعاقبهم بالعدل وكذا لو قتلهم بأن أنزل عليهم ناراً كأهل سدوم وعمورة أو إغراقهم بالطوفان كما فعل بقوم نوح فعلام يُعترض عليه بإهلاكهم بالحرب أو بأمر غيرهم بقتلهم. فالإسرائيليون لم يكونوا إلا بمنزلة أدوات لانتقامه تعالى. وفي هذا القدر كفاية لقوم يعقلون.

22 «وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا ٱلأَرْضَ: ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ ٱلْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا».

ص 2: 14 وعبرانيين 11: 31

ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ هذا دليل على أن ذلك البيت لم يسقط بسقوط السور وهذا معجزة خاصة ضمن معجزة عامة.

مَا لَهَا ومن لها كما يتبين من ع 23 «فما» أُجريت هنا على العاقل وغير العاقل.

كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا (انظر ص 2: 14).

23 «فَدَخَلَ ٱلْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَكُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ».

ص 2: 13

أَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا... وَكُلَّ عَشَائِرِهَا معروف واحدة خلّص كثيرين و «العشائر» هنا الأقرباء.

وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ إلى أن ينتهوا من إهلاك السكان من الناس والبهائم ويطهروا راحاب ومن لها من النجاسة الوثنية ويسمعوا اعترافهم بالله والإيمان بشرائعه ووصاياه ومن ثمّ يدخلونهم الجماعة أو المحلة التي هي الكنيسة الإسرائيلية.

24 «وَأَحْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا. إِنَّمَا ٱلْفِضَّةُ وَٱلذَّهَبُ وَآنِيَةُ ٱلنُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ».

ع 19

مَعَ كُلِّ مَا بِهَا من الناس والبهائم (ع 19).

25 «وَٱسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ ٱلزَّانِيَةَ وَبَيْتَ أَبِيهَا وَكُلَّ مَا لَهَا. وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، لأَنَّهَا خَبَّأَتِ ٱلْمُرْسَلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا يَشُوعُ لِيَتَجَسَّسَا أَرِيحَا».

متّى 1: 5

وَٱسْتَحْيَا يَشُوعُ رَاحَابَ وعلة استحياؤها إيمانها بأن الله هو إله إسرائيل وإنه لا بد من أن ينصر شعبه ويوليهم أرض الميعاد ويهلك الأمم الخاطئة التي لم تتب بعد إمهاله إياها وحلمه وصبره عليها. «بِٱلْإِيمَانِ رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ ٱلْعُصَاةِ» (عبرانيين 11: 31). وعلى هذا قول يسوع للتي خدمته في بيت سمعان الفريسي «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ... إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لوقا 7: 47 - 50). «كَذٰلِكَ رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ أَيْضاً، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِٱلأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ ٱلرُّسُلَ» (يعقوب 2: 25). أي إنها آمنت فقبلت الرسل وهذا هو العمل الصالح الذي هو ثمرة الإيمان. وقول يعقوب على وفق قول يشوع «لأنها خبأت المرسلَين» (والظاهر أن اللام في الرسل في كلام يعقوب للجنس فنطلق لفظة الرسل على الاثنين).

وَسَكَنَتْ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي صارت منهم واشتركت في كل ما لهم من الامتيازات أي عُدت واحدة من النسل المختار وما قصرت على هذا الجزاء بل صارت من أسلاف المسيح إذ اقترن بها سلمون بن نحشون ورئيس سبط يهوذا (متّى 1: 5). فالإيمان يمحو الآثام ويرفع من هاوية الدناءة فليؤمن شر الخطاة وليتب ولا ييأس. وقوله «إلى هذا اليوم» هنا دليل قاطع على أن قوله مثل هذا في مكان آخر لا يستلزم بُعد الزمان وإن غير يشوع كتبه فإن راحاب كانت في وسط إسرائيل ويشوع حي بالبداهة.

26 «وَحَلَفَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَائِلاً: مَلْعُونٌ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ أَرِيحَا. بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا».

1ملوك 16: 34

مَلْعُونٌ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ لم تقع هذه اللعنة على أحد حتى قام حيئيل البيتئيلي وبناها في ملك آخاب. أما مدينة النخل شُكّ في أنها هي أريحا. وهذه كان يسكنها الموآبيون تحت سلطة عجلون بعد يشوع بوقت ليس بطويل (قضاة 3: 13 الخ) والظاهر أن عجلون كان يسكنها يوم قتله أهود فاللعنة وقعت على حيئيل وأهله. والظاهر أن لعنة أريحا أُزيلت بشفاعة أليشع يوم سأله سكانها ذلك (2ملوك 2: 18 - 22).

وليُعلم هنا أن اللعنة كانت على بانيها لا على سكانها بعد بنائها ومع ذلك كان فيها من تلك اللعنة ما لا يوافق السكان من رداءة الماء والإقليم على ما سفر الملوك الثاني.

وبقي أن مدينة النخل في بقعة في أريحا وإن كانت هي أريحا فتكون قد أُطلقت على مساكن قريبة منها فنُسبت إليها.

بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا أي يموت كل أولاده في مدة بنائها من أكبرهم إلى أصغرهم ووقع هذا على حيئيل البيتئيلي (1ملوك 6: 34) والمسيح عمل في أريحا بعض أعماله العجيبة إذ فتح عيني برتيماوس وبشّر زكا العشار (مرقس 10: 46 - 52 ولوقا 19: 1 - 10).

27 «وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ، وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ ٱلأَرْضِ».

ص 1: 5 ص 9: 1 و 3

وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ أي كان مساعداً له بقدرته ومرشداً إياه إلى منهج الحكمة والتدبير كأنه رفيق له في كل خدمته الروحية أو الدينية.

وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ ٱلأَرْضِ أي بلغ ما فعله الله بواسطته كل أرض كنعان حتى رهبه كل سكانها.

فوائد

  1. إن النجاح مضمون لمن يطيع وصايا الله (ع 2).

  2. إن للصلاة قدرة لا توصف فإن دوران الإسرائيليين حول أريحا والنفخ بالأبواق كان صلاة (ع 3 - 11).

  3. إن على كلٍّ من المسيحيين أن يحارب الشر (ع 12 - 16).

  4. إن شعب الله موقّي من كل شرّ في سبيل الواجبات. فإن الإسرائيليين استولوا على أريحا دون أن يلم بهم إدنى ضرر لأنهم فعلوا كما أمرهم الله.

  5. إنه يجب أن لا نكلّ من عمل الصلاح. إن الإسرائيليين داروا سبعة أيام حول المدينة ثلاث عشرة مرة ولم يكلوا. والعدد السبعة يدل على الكمال فيجب علينا أن نقوم بما علينا من الواجبات قياماً كاملاً.

  6. إنه يجب علينا أن نميت كل الشهوات الجسدية المحظورة كما أهلك الإسرائيليون كل حيّ في أريحا ونستحيي الإرادة الصالحة كما استحيوا المؤمنين فيها.

  7. إن الإيمان لا ينافي حكم العقل السليم وإن نافى الحكمة البشرية. إن ما قصده الإسرائيليون من الاستيلاء على أريحا كان يقتضي بمقتضى الحكمة البشرية الهجوم على أريحا وتسلُّق أسوارها ورمي السهام والضرب بحد السيف لكنهم لم يأتوا سوى الدوران حول المدينة على بُعد من مرمى السهام لأن الله أمرهم بذلك ففعلوا مؤمنين أن الله يولّيهم المدينة بمجرد ما ينافي تلك الحكمة لأنهم حكموا عقلاً أن الله القادر على كل شيء الصادق الوافي بوعده لا بد من أن ينصرهم على الأعداء بمجرد القيام بما أمرهم به.

  8. إن أريحا رمز إلى حصون الإثم وسقوط أسوارها عند النفح بالأبواق والهتاف رمز إلى سقوط أسوار الجهل والكفر بالمناداة بإنجيل الله.

  9. إنه يجب على المؤمن أن يعمل مع الله فإنه تعالى قادر على كل شيء فما كان يعسر عليه أن يُسقط أسوار أريحا ويميت أهلها بمجرد إرادته ومع ذلك أمر الإسرائيليين بالدوران والهتاف وقتل الأشرار.

  10. إن الله لا يضيع أجر المحسنين إلى عبيده ويضاعف أجرهم فإنه أنقذ راحاب ومن لها لمجرد أنها قبلت الجاسوسين وخبأتهما. إنها خلّصت بما فعلته الجاسوسين من الهلاك الجسدي لكن الله خلّصها من الهلاكين الجسدي والروحي وزاد على ذلك أنه جعلها في سلسلة نسب مسيحه.

  11. إن الله يمحو الذنوب الماضية والعار لمن يؤمن ويتوب وإن كان من شرّ الخطأة فبالإيمان والتوبة مُحيت آثام تلك الزانية وعيوبها وشُرّفت شرفاً عظيماً.

  12. إن الله قد يخلّص عبيده وأصدقاءه قبل أن يهلك أعداءه ولو اقتضت الأحوال خلاف ذلك فإنه في أثناء العمل العظيم والانقلاب الغريب قال يشوع للجاسوسين «ٱدْخُلاَ بَيْتَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ ٱلْمَرْأَةَ» قبل أن هجموا على الأعداء ليقتلوهم كما أخرج لوطاً من سدوم قبل أن دمرها وقد حفظ بيت راحاب بمعجزة إذ كان بحائط السور (ع 25).

  13. إنّا نستفيد من هذا الأصحاح أن الخلاص بالإيمان وأن الإيمان المخلّص هو الإيمان المثمر أي الذي تنشأ عنه الأعمال الصالحة وإنه لا خلاص لمن لا يُظهرون إيمانهم بأعمالهم.

  14. إن المؤمن يخلّص نفسه ويكون سبباً لخلاص غيره فإن أهل راحاب نجوا بإيمان راحاب ومن أجلها كما أُنقذ من الطوفان أهل نوح من أجل نوح.

  15. إن الله لا يُخلف الميعاد وإن طال الزمان. إنه وعد إبراهيم بأرض الميعاد ووفى بوعده بعدما ما يزيد على أربع مئة سنة.

  16. إن الله يجزي خيراً من يصنع لشعبه أو لأحد عبيده خيراً فإحسان راحاب إلى عبديه الجاسوسين أولاها جزاء عظيماً جداً. قال الرب يسوع «مَنْ يَقْبَلُ نَبِيّاً بِٱسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متّى 10: 41 و42).

  17. إن المسيح كان مع الشعب المختار من بداءة خلق الإنسان فإنه هو الذي ظهر ليشوع وهو عند أريحا كما ظهر لموسى في العليقة.

  18. إن المسيح هو الرب الأزلي الواجب الوجود فإن الذي قال ليشوع «أنا رئيس جند الرب» هو الذي دُعي «الرب» وهو في العبرانية «يهوه» أي الواجب الوجود الإله الواحد الأزلي (انظر ص 5: 13 - 15 وص 6: 2).

  19. إن الله رب السبت فله أن يجيز الأعمال في السبت كما أجاز للإسرائيليين ذلك. على أن الأعمال الصالحة أولى بالجواز في ذلك اليوم ولا سيما العبادة فإن بني إسرائيل عملوا سبعة أيام في حصار أريحا فلا بد من أن يكون واحد منها السبت والمسيح شفى الأمراض يوم السبت وهو رب السبت (متّى 12: 8 ومرقس 2: 28 ولوقا 6: 5).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

1 «وَخَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ خِيَانَةً فِي ٱلْحَرَامِ، فَأَخَذَ عَخَانُ بْنُ كَرْمِي بْنُ زَبْدِي بْنُ زَارَحَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا مِنَ ٱلْحَرَامِ، فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 22: 20 و1أيام 2: 7 و1أيام 2: 6

خَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ خِيَانَةً المصدر هنا مؤكد إذ لم يقيّد فليس هو مبيناً للعدد أي ليس المراد خانوا خيانة واحدة وإن كانت الخيانة هنا واحدة وهي خيانة عخان فالقصد وقوع الخيانة بالحقيقة.

والخيانة نقض العهد وخلاف الأمانة وكلا الأمرين كانا من عخان فإن بني إسرائيل كانوا قد عاهدوا يشوع أن يسمعوا له ويطيعوه كما عُرف من أنهم أنزلوه منزلة موسى ويشوع أوصاهم بأن لا يأخذوا غنيمة من أريحا إذ حرّم كل ما فيها وأمّنهم يشوع على ذلك فلم يقوموا بالأمانة.

وهنا يُقال أن الخائن عخان فلماذا نسب يشوع الخيانة إلى إسرائيل. ويدفع ذلك بأن الشعب كان يُعتبر كشخص واحد فخيانة أحدهم خيانة الجميع إذ الجميع نُهوا عن الغنيمة فكان عليهم أن ينتبهوا للخائن وهم لم ينتبهوا ويدلّك على ذلك أنهم عوقبوا جميعاً إذ غضب الرب عليهم وكسرهم أهل عاي. ولذلك نظائر كثيرة في الكتاب منها أنه جاء في رواية متّى لخبر المرأة التي طيّبت المسيح أنه «لَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذٰلِكَ ٱغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا هٰذَا ٱلْإِتْلاَفُ» (متّى 26: 8). وفي ورواية يوحنا لهذا الخبر عينه أن المتذمر من ذلك يهوذا الإسخريوطي (يوحنا 12: 4 و5).

وفي الكنز الجليل في تفسير الإنجيل ما نصّه في تفسير قول متّى «فَلمَا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذٰلِكَ ٱغْتَاظُوا الخ» «يظهر أن أصل هذا التذمر يهوذا (يوحنا 12: 5)... وتذمره حمل غيره من التلاميذ على تكرير ما قاله هو». والخلاصة أن ما عمله الواحد يُنسب إلى الجماعة التي هو منها لمشاركته في الرأي أو لعدم الانتباه له أو لغير ذلك من الاعتبارات المتعلقة بالنبإ (انظر ص 22: 20).

عَخَانُ بْنُ كَرْمِي بْنُ زَبْدِي... مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا وسُمّي زبدي زمري في (1أيام 2: 6). وامتاز سبط يهوذا في التاريخ المقدس بعظائم الأعمال وفظائع الآثام. ومعنى عخان مزعج وسُمي في سفر الأيام الأول عخار (1أيام 2: 7). واسمه في العبرانية «عكر» كعكر في العربية أو كدر. ولا ريب في أنه قصد بهذا الاسم الإشارة إلى ما أتاه في هذا النبإ كما قصد بتسميته بيت إيل (أي بيت الله) بيت آون (أي بيت البطل أو بيت الأصنام) لعبادة أهلها الأوثان (انظر هوشع 10: 5 و8) وتغيير الأسماء في الكتاب المقدس للإشارة إلى الحوادث والأعمال كثير.

2 «وَأَرْسَلَ يَشُوعُ رِجَالاً مِنْ أَرِيحَا إِلَى عَايَ ٱلَّتِي عِنْدَ بَيْتِ آوِنَ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلَ، وَقَالَ لَهُمْ: ٱصْعَدُوا تَجَسَّسُوا ٱلأَرْضَ. فَصَعِدَ ٱلرِّجَالُ وَتَجَسَّسُوا عَايَ».

تكوين 12: 8 و13: 3

وَأَرْسَلَ يَشُوعُ رِجَالاً مِنْ أَرِيحَا إِلَى عَايَ معنى عاي طللٌ وسُمّيت أيضاً عيّا (نحميا 11: 31) وعيّاث (إشعياء 10: 28) وهي مدينة كانت شرقي بيت إيل على غاية نحو ميلين منها وعلى غاية نحو تسعة أميال من أورشليم وهي خربة اليوم ويُعرف موقعها بخربة حيّان وهي تحريف عيّان. بناها البنيامينّيون بعد أن أخربها يشوع وسكنوها إلى زمن السبي ثم أخربها سنحاريب ثم بُنيت بعد السبي ثم أُخربت وصارت طللاً حتى كادت آثارها تُمحى في القرن الرابع للميلاد. ولم يرسل يشوع الرجال إلى داخل عاي بل إلى جوارها للتجسس والاكتشاف.

بَيْتِ آوِنَ كانت آون مدينة لبنيامين وهي في الشمال من عاي وعلى غاية نحو ثلاثة أميال منها وشرقي بيت إيل وعلى مدة نحو ستة أميال منها.

فإن قيل لماذا اختير الهجوم على عاي دون غيرها على أثر أخذ أريحا قلنا تلك مسئلة لم نعرف علتها معرفة يقينية ولكن نرجّح أن العلة أن توضع الوصايا العشر بعد أخذ عاي على جبل عيبال الذي في وسط البلاد إذ كان منبر الخطبة بالبركات واللعنات فكان مقدس شريعة الله وإن أخذ عاي يمكّن الإسرائيليين من الاستيلاء على الطريق المؤدية إلى شمالي فلسطين وجنوبيها وإلى مركز البلاد رأساً. وبقي أن عاي ذُكرت أولاً في سفر التكوين (تكوين 12: 8) وإنها أول مكان ضرب فيه إبراهيم خيمته بعد رجوعه من مصر إلى كنعان (تكوين 13: 3). إن بيت آون هنا غير بيت إيل لكنهما متجاوران ولا فرق بينهما أيضاً في معنى الاسمين فإنهما متضادان فإن معنى بيت إيل بيت الله ومعنى بيت آون بيت البطل أي بيت الأصنام. نعم إن بيت إيل سُميت بيت آون في نبوءة هوشع لأنها كانت يومئذ مثلها في عبادة الأوثان كما ذُكر آنفاً.

3 «ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى يَشُوعَ وَقَالُوا لَهُ: لاَ يَصْعَدْ كُلُّ ٱلشَّعْبِ، بَلْ يَصْعَدْ نَحْوُ أَلْفَيْ رَجُلٍ أَوْ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رَجُلٍ وَيَضْرِبُوا عَايَ. لاَ تُكَلِّفْ كُلَّ ٱلشَّعْبِ إِلَى هُنَاكَ لأَنَّهُمْ قَلِيلُونَ».

لاَ يَصْعَدْ كُلُّ ٱلشَّعْبِ يظهر من هذا أن الإسرائيليين صاروا على أثر انتصارهم على الأريحيين بسهولة يستخفون بالأعداء ويعتدون بنفوسهم بناء على أن الله يحارب عنهم فلا داعي إلى اتخاذ الوسائل وهذا خطأٌ. نعم يجب أن نتكل على الله لكن يجب أيضاً أن نعمل مع الله على قدر ما وهب لنا من القوة والوسائل. وانظر الفرق بين الجواسيس الذين أرسلهم موسى والجواسيس الذين أرسلهم يشوع فإن الجواسيس الذين أرسلهم موسى جاءوا بما قطّع قلوب الإسرائيليين خوفاً من الكنعانيين. والجواسيس الذين أرسلهم يشوع جاءوا بما يحمل الإسرائيليين على عدم الاكتراث بسكان كنعان والفريقان أخطاءا أولئك بالجبن وهؤلاء بالاستخفاف فكانا مختلفين بالأنباء ومتفقين في الخطاء. على أن يشوع نفسه هنا لم يخلُ من الخطإ إذ سلّم سريعاً بما قال الجواسيس ولم يتأمل ويسأل الله كما هو الواجب. فهذا نتيجة غضب الله عليهم بخيانة عخان ونتيجة هذه النتيجة انتصار الأعداء عليهم. فإن الله إذا غضب على الإنسان قلّ تدبيره ووهنت حكمته فجلب الشر على نفسه بنفسه. وقولهم «لا يصعد» يدل على أن عاي كانت في أرض أرفع منهم وهي الأرض الجبلية.

لاَ تُكَلِّفْ كُلَّ ٱلشَّعْبِ التكليف الأَمر بما يصعب القيام به ويُتعب. والقرينة تدل على أن الصعوبة صعوبة الطريق الجبلية ونقل عدد الحرب ومقتضياتها لا بأس الأعداء لأنهم استهانوا بهم ولأنهم كما قالوا قليلون.

قَلِيلُونَ كان أهل عاي قليلين بالنسبة للإسرائيليين ولكنهم كانوا كثيرين على من صعدوا إليهم فإنه صعد إليهم نحو ثلاثة آلاف وأهل عاي أكثر منهم كثيراً لأنهم اثنا عشر ألفاً (ص 8: 25) فرجالها لا يقلّون عن ستة آلاف.

4 «فَصَعِدَ مِنَ ٱلشَّعْبِ إِلَى هُنَاكَ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ. وَهَرَبُوا أَمَامَ أَهْلِ عَايَ».

لاويين 26: 17 وتثنية 28: 25

هَرَبُوا أَمَامَ أَهْلِ عَايَ لا لصلاح أهل عاي بل لإثم الإسرائيليين (انظر لاويين 26: 17 وتثنية 28: 25).

5 «فَضَرَبَ مِنْهُمْ أَهْلُ عَايَ نَحْوَ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ رَجُلاً، وَلَحِقُوهُمْ مِنْ أَمَامِ ٱلْبَابِ إِلَى شَبَارِيمَ وَضَرَبُوهُمْ فِي ٱلْمُنْحَدَرِ. فَذَابَ قَلْبُ ٱلشَّعْبِ وَصَارَ مِثْلَ ٱلْمَاءِ».

لاويين 22: 36 وص 2: 9 و11 ومزمور 22: 14

شَبَارِيمَ رسم هذا الاسم في العبرانية «شبريم» وهو جمع شبر فيها ومعناه الخربة أو الشق أو الكسر وهو اسم مكان تحت عاي وعلى مقربة منها ولا يزال موقعه مجهولاً.

ضَرَبُوهُمْ فِي ٱلْمُنْحَدَرِ كانت عاي على تلّ وشباريم على سفحه.

فَذَابَ قَلْبُ ٱلشَّعْبِ وَصَارَ مِثْلَ ٱلْمَاءِ أي فقدوا شجاعتهم وقوتهم فكانوا جبناء وبضعفاء. والكلام كناية عن أنه لم يبق من موضع للشجاعة في صدورهم لأن القلب محلّ الشجاعة وقد ذاب وصار مثل الماء (انظر ص 5: 1 والتفسير وخروج 15: 15 والتفسير).

6 «فَمَزَّقَ يَشُوعُ ثِيَابَهُ وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلْمَسَاءِ، هُوَ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوا تُرَاباً عَلَى رُؤُوسِهِمْ».

تكوين 37: 29 و34 و1صموئيل 4: 12 و2صموئيل 1: 2 و13: 19 ونحميا 9: 1 وأيوب 2: 12

فَمَزَّقَ يَشُوعُ ثِيَابَهُ كان تمزيق الثياب عند القدماء بياناً لشدة الحزن والغم. إن انكسار الإسرائيليين في عاي لم يكن أمراً يستحق كل هذا الحزن والغم فهو في نفسه ليس بالذي أحزن يشوع إلى هذا الحد فلزم من ذلك أن الذي أحزنه علته وهي ذنب مجهول ارتُكب في الشعب فلا يدل على أن يشوع كان جباناً أو ضعيف القلب فإن الشجاع الحكيم يخاف الإثم وإن لم يرهب أبطال البأس والحرب. فإن يشوع كان على يقين من أن الله ينصر شعبه ولا يخذله إلا لذنب أو معصية.

وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ الخ أي شغل اليوم كله بالصوم والصلاة هو وشيوخ إسرائيل أي نوّاب الشعب فالصوم والصلاة والندامة على الخطيئة وقت المصاب من أحسن أنواع العبادة. ولا ريب في أن يشوع مع ذلك حزن على قتل 36 من رجال إسرائيل لكن حزنه الأعظم كان على الخطيئة المجهولة التي عُلمت بعد أن قتل 36 رجلاً لا يعده القائد في الحرب خسارة عظيمة لكن دم الإسرائيليين كان ثميناً عند يشوع. وكان ليشوع أن يلوم الجواسيس على استخفافهم بأهل عاي ولكنه علم أن يد الرب هي التي ضربت ولا تضرب عبيدها إلا للتأديب على المعصية فما كان له إلا أن يخضع ويتذلل قدام الله. ووضع التراب على الرأس من آيات التذلل في شدة الضيق عند الشرقيين وكذا وضع الرماد عليه. وهذا يدل على أن يشوع شعر بوقوع إثم لم يعلمه وإن لم يصرّح الكتاب بذلك على أن كلام يشوع في صلاته الآتية يُشعر بذلك.

7 «وَقَالَ يَشُوعُ: آهِ يَا سَيِّدُ ٱلرَّبُّ! لِمَاذَا عَبَّرْتَ هٰذَا ٱلشَّعْبَ ٱلأُرْدُنَّ تَعْبِيراً لِكَيْ تَدْفَعَنَا إِلَى يَدِ ٱلأَمُورِيِّينَ لِيُبِيدُونَا؟ لَيْتَنَا ٱرْتَضَيْنَا وَسَكَنَّا فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ».

خروج 5: 22 و 2ملوك 3: 10

وَقَالَ يَشُوعُ آهِ «آه» كلمة توجّع دلّ بها يشوع على ما في نفسه من الألم.

لِمَاذَا عَبَّرْتَ هٰذَا ٱلشَّعْبَ ٱلأُرْدُنَّ تَعْبِيراً أي كيف سمحت بانكسار شعبك وقد عبّرته الأردن حقيقة بمعجزة وقوة عجيبة. وكان المتوقع أن نتيجة هذه العناية العظمى أن تنصره لا أن تخذله فيهرب أمام العدو ويسقط 36 قتيلاً من رجاله فكأنك عبّرتنا الأردن لتمكن الأموريين من إبادتنا من دون أن تكلفهم الزحف علينا فسهلت عليهم إهلاكنا.

ٱلأَمُورِيِّينَ قبيلة من نسل كنعان ومعنى «الأموريون» الجبليين سموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون في أول أمرهم وفي وقت هذه الحادثة الأرض الجبلية التي من مدنها عاي. وكانوا طوالاً وشجعاناً أقوياء.

لَيْتَنَا ٱرْتَضَيْنَا وَسَكَنَّا فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أي ليتنا اكتفينا بالأرض التي ملكناها قبل أن نعبر الأردن وسكنّا فيها فلم نتعرّض للأموريين ولم ننكسر أمامهم.

8 «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدُ: مَاذَا أَقُولُ بَعْدَمَا حَوَّلَ إِسْرَائِيلُ قَفَاهُ أَمَامَ أَعْدَائِهِ؟».

مَاذَا أَقُولُ المرجّح أن الاستفهام هنا إنكاري أراد به أنه لم يبق له ما يحتج به دفعاً لتعيير الأعداء.

بَعْدَمَا حَوَّلَ إِسْرَائِيلُ قَفَاهُ أَمَامَ أَعْدَائِهِ أي بعد ما هرب إسرائيل الذي صنعت له المعجزات ووعدته بالنصر والاستيلاء على أرض الميعاد.

9 «فَيَسْمَعُ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَجَمِيعُ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ وَيُحِيطُونَ بِنَا وَيَقْرِضُونَ ٱسْمَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ. وَمَاذَا تَصْنَعُ لاسْمِكَ ٱلْعَظِيمِ؟».

مزمور 83: 4 خروج 32: 12 وعدد 14: 13

يَقْرِضُونَ ٱسْمَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ بعد ما جعلت قلوب أهل الأرض تذوب رهبة منّا.

مَاذَا تَصْنَعُ لاسْمِكَ ٱلْعَظِيمِ كيف تصنع لحفظ مجد اسمك الذي كان الأعداء يرهبونه فإنه إن تبيّن لهم بإذلالنا وإبادتنا أنه ليس برهيب ولا عظيم استهزئوا بإله إسرائيل وفضلوا أوثانهم عليه (قابل ما ذُكر من ع 7 - 9 بما في خروج 32: 12 وعزرا 14: 13).

إن ظاهر كلام يشوع في الآيات الثلاث (ع 7 و8 و9) عتاب لله وتذمّر عليه والواقع ليس كذلك إنما هو استبعاد لأن يكون من الله السماح بانقراض شعبه وإهانة اسمه تعالى أو حجة لأن يسأل الله نجاة إسرائيل ونصره على الأعداء أو بيان لما يعتري الإنسان في مثل هذه الحال والمرجّح المعنى المتحصّل من الأمرين الأولين وخلاصته أن يشوع ينزه الله عن الإخلاف بوعده وخذلان شعبه ولذلك يرجو من الله أن يشفق على إسرائيل ويغفر له ما أوصله إلى الانكسار من الذنب الذي اعتقده وهو يجهل ما هو. فبيّن له ذلك الذنب وغفر لإسرائيل بصلاته وتذلُله كما سيأتي. فكأنه قال لله حاشا لك يا رب أن تخذل شعبك وتهين اسمك فتحملنا على الندم على ما أتيناه من عبور الأردن وعدم رضانا السكنى في عبره أو شاطئه الأول وإني أعترف بأننا أخطأنا وأرجو من رحمته المغفرة على الخطاء الذي أجهله. وأتى مثل ما أتاه يشوع عدة من رجال الله ومنهم موسى وداود وإرميا لاعتبارات مختلفة بل أيوب البار أتى أعظم من ذلك (انظر أيوب 10: 1 الخ).

10 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: قُمْ! لِمَاذَا أَنْتَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِكَ؟».

قُمْ وفي العبرانية «قُم لك» واللام للتعليل فالمعنى قُم لأجل نفسك والمراد «ارفق بنفسك».

لِمَاذَا أَنْتَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِكَ قال أحد المفسرين «لم يُرد الله لوم يشوع على أنه سقط على وجهه وتذلل بل أراد أنه يكفي ما أتاه من ذلك فلا حاجة إلى أكثر منه وإن الله لا يريد أنه يطيل ذلك». فكأنه قال إلى متى أنت ساقط على وجهك. فالاستفهام للاستبطاء عما يجب أن يفعله لإسرائيل على ما سيبينه له وهو الأولى إذ لكل شيء وقت. والأظهر أن الاستفهام إنكاري والمعنى أن لا علة موجبة لسقوطك على وجهك وهذا يوافق ما فسرناه بأرفق بنفسك. وخلاصة المراد «ارفق بنفسك فلا موجب لما أنت عليه» وذلك لأن الذي كسر إسرائيل هو ذنب إسرائيل لا ذنب يشوع. والتفسير الأول أوفق للغاية والثاني أنسب للفظ على أن الثاني يستلزم الأول فتأمل.

11 «قَدْ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ، بَلْ تَعَدَّوْا عَهْدِي ٱلَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ، بَلْ أَخَذُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ، بَلْ سَرِقُوا، بَلْ أَنْكَرُوا، بَلْ وَضَعُوا فِي أَمْتِعَتِهِمْ».

ع 1 ص 6: 17 و 18 أعمال 5: 1 و2

قَدْ أَخْطَأَ إِسْرَائِيلُ بيان سبب انكسارهم. ونسبة الخطاء إلى الشعب وهو خطاء عخان كما في (ع 1 فارجع إلى تفسيره).

بَلْ تَعَدَّوْا عَهْدِي ٱلَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ أي خطئوا عمداً لا سهواً والعهد هنا الوصية وهي قوله لهم حرّموا كل ما في المدينة (ص 6: 17) أو الوصايا العشر كلها لأن مخالفة وصية من الناموس مخالفة لكلّه.

بَلْ أَخَذُوا مِنَ ٱلْحَرَامِ هذا بيان لقوله «بل تعدّوا عهدي».

بَلْ سَرِقُوا أي أخذوا من الحرام وما لخزينة الرب خفيّة فذلك إثمان تعدّي العهد والسرقة.

بَلْ أَنْكَرُوا لم يعترفوا بإثمهم ويطلبوا المغفرة فذلك إثم ثالث. فترى من هنا أن الخطيئة الواحدة تقود إلى غيرها من الخطايا وربما أدّت بالخاطئ إلى آثام يعسر عددها وعواقبها المؤلمة.

بَلْ وَضَعُوا فِي أَمْتِعَتِهِمْ أي أخفوا المسروق فيها لكي لا تُعرف سرقتهم.

ولم يحرّم الله كل غنائم الكنعانيين كما حرّم غنائم أريحا ولعل علة ذلك زيادة فظائع الوثنية في هذه المدينة.

12 «فَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. يُدِيرُونَ قَفَاهُمْ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ لأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ، وَلاَ أَعُودُ أَكُونُ مَعَكُمْ إِنْ لَمْ تُبِيدُوا ٱلْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ».

عدد 14: 45 وقضاة 2: 14 تثنية 7: 26 وص 6: 18

فَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ أي لذلك لم يثبت الإسرائيليون في حومة القتال أمام الأموريين فجعلتهم الخيانة شراً من الوثنيين فإن الوثنيين صاروا آلات انتقام الله منهم بدلاً من أن يكونوا آلات انتقامه من الوثنيين.

يُدِيرُونَ قَفَاهُمْ أي يهربون فالعبارة كناية. والقفا مؤخر العُنق.

لأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ أي ملعونون ومُبعدون عن رحمته بمخالفتهم وعصيانهم وقد أنذرهم بذلك قبل أن يقع فلم يكترثوا فأقصاهم عن وقايته وبركاته (انظر ص 6: 18).

إِنْ لَمْ تُبِيدُوا ٱلْحَرَامَ أي الذي فعل الحرام ولهذا جاء في بعض التراجم غير العربية المحروم أو الملعون وهو يعمّ الشخص وماله. ومعنى «الإبادة» هنا القتل والإزالة.

13 «قُمْ قَدِّسِ ٱلشَّعْبَ وَقُلْ: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ. لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ، فَلاَ تَتَمَكَّنُ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِكَ حَتَّى تَنْزِعُوا ٱلْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ».

خروج 19: 10 ص 3: 5

قُمْ ارفع وجهك عن الأرض وانهض وتوجّه إلى العمل.

قَدِّسِ ٱلشَّعْبَ أي مُرهم أن يتقدسوا بغسل ثيابهم وأجسامهم وتنقية قلوبهم وأذهانهم من الإثم والتصورات القبيحة وليحضروا أمام الله وليخضعوا له ويسلموا بفحصه وامتحانه.

فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ أي فيك إنسان أحلّ ما حرّمه الله واختلسه. إن الله أعلن لإسرائيل الإثم ولكم لم يصرّح باسم مرتكبه فترك ذلك ليكون إعلانه على أسلوب شديد التأثير في الأمة وجليّ الرحمة للآثم إذ أعدّ له بذلك فرصة ووقتاً للتوبة.

14 «فَتَتَقَدَّمُونَ فِي ٱلْغَدِ بِأَسْبَاطِكُمْ، وَيَكُونُ أَنَّ ٱلسِّبْطَ ٱلَّذِي يَأْخُذُهُ ٱلرَّبُّ يَتَقَدَّمُ بِعَشَائِرِهِ، وَٱلْعَشِيرَةُ ٱلَّتِي يَأْخُذُهَا ٱلرَّبُّ تَتَقَدَّمُ بِبُيُوتِهَا، وَٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي يَأْخُذُهُ ٱلرَّبُّ يَتَقَدَّمُ بِرِجَالِهِ».

أمثال 16: 33

فَتَتَقَدَّمُونَ وفي العبرانية «نقربتم» أي تقتربون والمراد أنهم يقتربون أو يتقدمون إلى الخيمة أو التابوت وهذا الكلمة هي المستعملة لتقديم القرابين في اللغة العبرانية وكانوا يتقدمون إلى الخيمة أو التابوت سبطاً بعد سبط على الترتيب.

ٱلسِّبْطَ ٱلَّذِي يَأْخُذُهُ ٱلرَّبُّ بإعلان الله ليشوع على قول بعض المفسرين وبالقرعة على قول الآخر. وحجّة الأولين أن ليس في الآية ما يشير إلى القرعة. وحجة الآخرين أنه كانت العادة في مثل ذلك أن يعيّن المطلوب بالقرعة وأن تلك القرعة كانت مقترنة بالعناية الإلهية فهي ليست كالقرعة المعتادة (انظر أمثال 16: 33 و1صموئيل 10: 20 و21 و14: 41 و42 وأعمال 1: 24 و26). ورأى أحد القائلين بعدم القرعة هنا أن الأسباط كانوا يدخلون الخيمة على التوالي ويقتربون من المكان الذي فيه التابوت وكان الله يقول من فوق الكروبيم قدموا سبط فلان وقبيلة فلان وعشيرة فلان إلى أن عُيّن عخان وكان كل الشعب يسمع صوت ذلك القائل العظيم. وهذا مناسب لما في (حزقيال 10: 5).

15 «وَيَكُونُ ٱلْمَأْخُوذُ بِٱلْحَرَامِ يُحْرَقُ بِٱلنَّارِ هُوَ وَكُلُّ مَا لَهُ، لأَنَّهُ تَعَدَّى عَهْدَ ٱلرَّبِّ، وَلأَنَّهُ عَمِلَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ».

1صموئيل 14: 38 و39 ع 11 تكوين 34: 7 وقضاة 20: 6

وَيَكُونُ ٱلْمَأْخُوذُ بِٱلْحَرَامِ أي المأخوذ بالقرعة أو بإعلان الرب وهو الذي سرق بعض الأشياء المحرّمة بدليل قوله «لأنه تعدّى عهد الرب».

يُحْرَقُ بِٱلنَّارِ على ما هو معيّن في الشريعة في المحرمات (انظر تثنية 13: 15 و16).

هُوَ وَكُلُّ مَا لَهُ أي كل أبنائه وبناته ومواشيه وأمتعته. فإن قيل إن عخان هو الآثم فكيف عُوقب أولاده قلنا لا ريب في أنهم كانوا شركاءه في المعصية لسكوتهم على ما عرفوه من أمر أبيهم ولو كانوا لم يعرفوا ذلك لما عاقبهم الله فعقابه إياهم دليل قاطع على إثمهم ودلالة الالتزام تُعتبر كدلالة النصّ.

لأَنَّهُ تَعَدَّى عَهْدَ ٱلرَّبِّ أي لأنه جاوز الحد الذي وضعته شريعة الله أو الوصية المعلنة في (ص 6: 18).

وَلأَنَّهُ عَمِلَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ أي لأنه جعل بمعصيته قبحاً لإسرائيل وجلب عليهم عاراً وهواناً (انظر تكوين 34: 7 وقضاة 20: 6).

16 «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ وَقَدَّمَ إِسْرَائِيلَ بِأَسْبَاطِهِ، فَأُخِذَ سِبْطُ يَهُوذَا».

فَأُخِذَ سِبْطُ يَهُوذَا أي الجماعة التي يتصل نسبها بيهوذا بن يعقوب.

17 «ثُمَّ قَدَّمَ قَبِيلَةَ يَهُوذَا فَأُخِذَتْ عَشِيرَةُ ٱلزَّارَحِيِّينَ. ثُمَّ قَدَّمَ عَشِيرَةَ ٱلزَّارَحِيِّينَ بِرِجَالِهِمْ فَأُخِذَ زَبْدِي».

قَبِيلَةَ يَهُوذَا أي قبائل يهوذا. استعمل المفرد مكان المجموع لأن قبائل يهوذا جماعة واحدة وهذا الاستعمال لمثل هذه العلاقة كثير في العربية والعبرانية كقولهم قلب الناس متقلب أي قلوبهم متقلبة (انظر إرميا 29: 13 وحجي 1: 5 و2: 15 ولوقا 12: 34 و1تسالونيكي 5: 23) وقُرئ في بعض النسخ «عشائر يهوذا».

فَأُخِذَتْ عَشِيرَةُ ٱلزَّارَحِيِّينَ بيتاً فبيتاً ثم واحداً فواحداً. إن ترتيب ذلك كان هكذا فكان يؤخذ السبط من الأسباط والعشيرة من عشائرها والبيت من العشيرة والشخص من البيت حتى عيّن الفرد الذي تعدّى العهد. وهذا يقتضي زماناً طويلاً رأفة بعخان لكي يندم ويتوب إلى الله (راجع ع 14 والتفسير) وعشيرة الزارحيين هم سلالة زارح بن يهوذا (تكوين 38: 30 و46: 12 وعدد 26: 20 ويشوع 7: 1 و1أيام 27: 11 و13).

بِرِجَالِهِمْ أي بيوتهم كما يقتضي الترتيب في (ع 14) ولكنه أراد بالرجال هنا رؤساء البيوت ويبيّن ذلك قوله «فَأُخِذَ زَبْدِي فَقَدَّمَ بَيْتَهُ بِرِجَالِهِ فَأُخِذَ عَخَانُ الخ» (عدد 17 و18). وقُرئ في بعض النسخ «بيوتهم».

فَأُخِذَ زَبْدِي هو ابن زارح (ع 1).

18 «فَقَدَّمَ بَيْتَهُ بِرِجَالِهِ فَأُخِذَ عَخَانُ بْنُ كَرْمِي بْنِ زَبْدِي بْنِ زَارَحَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا».

1صموئيل 14: 42

فَقَدَّمَ بَيْتَهُ بِرِجَالِهِ أي فقدّم رؤساء البيوت المتفرغة عن بيته.

فَأُخِذَ عَخَانُ هل تستطيع أن تتصور كيف كان وجه عخان قدام أولئك الجموع الكثيرة وما كان في قلوبهم عليه لما نشأ عن معصيته وطمعه ودناءته من المصائب لإسرائيل. لا ريب أنه كان أعظم عبرة لكل من تحمله نفسه على الخيانة فما أذلّ الخائنين وما أقبح آخرتهم.

19 «فَقَالَ يَشُوعُ لِعَخَانَ: يَا ٱبْنِي، أَعْطِ ٱلآنَ مَجْداً لِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ، وَٱعْتَرِفْ لَهُ وَأَخْبِرْنِي ٱلآنَ مَاذَا عَمِلْتَ. لاَ تُخْفِ عَنِّي».

1صموئيل 6: 5 وإرميا 13: 16 ويوحنا 9: 24 عدد 5: 6 و7 و2أيام 30: 22 ومرقس 51: 3 ودانيال 9: 4 و1صموئيل 14: 43

فَقَالَ يَشُوعُ لِعَخَانَ: يَا ٱبْنِي انظر إلى رقة قلب يشوع بدعوته الخائن ابنه. وهذا دليل على الرحمة والشفقة والأسف عليه وهو أحسن بيان لأن الحكم عليه بمقتضى أمر الله وشريعته لا بحب يشوع الانتقام منه. ولعل الله بمجرد رحمته لو دعا ذلك الخائن لقال له يا ابني لكي يقوده إلى التوبة قبل أن يجري عليه ما يستحقه بمقتضى العهد والشريعة.

أَعْطِ ٱلآنَ مَجْداً لِلرَّبِّ باعترافك بإثمك لأنه لو لم يعترف عخان بإثمه أمام الجماعة ويحتمل العار والقصاص لكان أعطى المجد لنفسه لا لله. ولعلّ في قوله «الآن» يدل على أن إعطاء المجد لله يكون صحيحاً مقبولاً في مثل هذه الحال بخلاف ما سواها (انظر يوحنا 9: 24 والتفسير).

وَٱعْتَرِفْ لَهُ أي اعترف لله. ولا ريب في أن يشوع قصد توبة عخان وخلاصه من الهلاك الأبدي قبل أن يقتل فلا يبقى وقت للتوبة. إن الله بالاعتراف له الاعتراف الصحيح القلبي يمحو الإثم ولكنه لا يعفو عن عقابه في هذه الدنيا بمقتضى الشريعة. فقد أظهر يشوع هنا أنه كان رمزاً إلى يسوع. قال داود لله «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي» (مزمور 32: 5). وقال يوحنا الرسول «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا 1: 9).

أَخْبِرْنِي ٱلآنَ مَاذَا عَمِلْتَ الخ هذا تقرير حاكم فلا بد أن يتحقق الذنب ليوقع العقاب على المذنب دون غيره مع ما فيه من العظة ترجيعاً للمذنب إلى الله ليحصل على المغفرة ويخلص من الهلاك الأبدي.

20 «فَأَجَابَ عَاخَانُ يَشُوعَ: حَقّاً إِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ وَصَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا».

حَقّاً إِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ في هذه العبارة ثلاث مؤكدات «حقاً» و«إن» و«قد» وهذا يدل على أنه اعترف اختياراً مخلصاً الاعتراف لا خوفاً وخداعاً ولم يطلب العفو من العقاب لمعرفته أنه يستحق الحرق لأن العهد الموجب ذلك كان قد أُعلن فأعطى مجداً لله بإعلان الحق. فنأمل ولو أملاً ضعيفاً أن الله خلّص نفسه وإن أهلك جسده.

21 «رَأَيْتُ فِي ٱلْغَنِيمَةِ رِدَاءً شِنْعَارِيّاً نَفِيساً، وَمِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ، وَلِسَانَ ذَهَبٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ شَاقِلاً، فَٱشْتَهَيْتُهَا وَأَخَذْتُهَا. وَهَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي ٱلأَرْضِ فِي وَسَطِ خَيْمَتِي، وَٱلْفِضَّةُ تَحْتَهَا».

تكوين 10: 10 و11: 2

رِدَاءً شِنْعَارِيّاً نسبة إلى شنعار وهي على ما يرجّح سهل أرام بين الفرات ودجلة. وكانت الأردية الشنعارية يومئذ من أحسن الثياب ولعلها كانت تُصنع في مدينة بابل المشهورة في ذلك العصر بالمنسوجات وبابل مدينة في سهل شنعار. وجاء في بعض ترجمات هذا السفر في غير العربية «رداء بابلياً».

وَمِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ أي ما قيمته نحو 2400 قرش فإن قيمة شاقل الفضة نحو 12 قرشاً.

لِسَانَ ذَهَبٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ شَاقِلاً أي ما قيمته نحو 9600 قرش لأن قيمة شاقل الذهب نحو 192 قرشاً.

فَٱشْتَهَيْتُهَا وَأَخَذْتُهَا قال في أول الآية «رأيت» وقال هنا «فاشتهيت وأخذت» جرى بذلك على الترتيب الطبيعي فإن العين ترى فيشتهي القلب فتأخذ اليد فكان اعترافه صحيحاً مفصلاً مرتباً.

إن الشهوة حملت عخان على السرقة وعمته عن أن ينظر في العاقبة فالشهوة تمنع من معرفة الحق أبداً. وأظن الذي حمل عخان على الاعتراف بإخلاص خوف الله الذي أعلن خيانته وما نشأ عنها من الشر على إسرائيل. إن الشهوة حبلى بالخطيئة تلد إثماً والإثم يلد شراً وعقاباً وينشأ عن ذلك بلايا متسلسلة.

وَهَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي ٱلأَرْضِ فِي وَسَطِ خَيْمَتِي، وَٱلْفِضَّةُ تَحْتَهَا ما اكتفى بأن اعترف بإيمه على الترتيب حتى أعلن مخبأ المسروق ووضعه كذلك. رأى بعضهم من هذا أن لسان الذهب كان في الثوب الشنعاري والفضة تحت ذلك الثوب. وقال بعض المفسرين أظن هذه الغنيمة كلها كانت في هيكل بعض الأوثان والله نهى الإسرائيليين عن الغنائم المختصة بالأوثان (انظر تثنية 7: 25 و26).

22 «فَأَرْسَلَ يَشُوعُ رُسُلاً فَرَكَضُوا إِلَى ٱلْخَيْمَةِ وَإِذَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي خَيْمَتِهِ وَٱلْفِضَّةُ تَحْتَهَا».

فَرَكَضُوا يشوع أرسلهم ليتحقق اعتراف عخان ولم يأمرهم بالركض لكنهم ركضوا ليسرعوا بتطهير إسرائيل من هذا الحرام.

وَإِذَا هِيَ الخ كما اعترف تماماً (ع 21).

23 «فَأَخَذُوهَا مِنْ وَسَطِ ٱلْخَيْمَةِ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى يَشُوعَ وَإِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَسَطُوهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

بَسَطُوهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي أمام تابوت العهد مظهر حضور الرب وهو المكان الذي كان يشوع والشيوخ يتوقعون خروج الأوامر منه فتكون قد بُسطت أمام الرب. وقد عُلم أن الله أمر بأن يأتوا بالفضة والذهب إلى خزانته (ص 6: 19).

24 «فَأَخَذَ يَشُوعُ عَخَانَ بْنَ زَارَحَ وَٱلْفِضَّةَ وَٱلرِّدَاءَ وَلِسَانَ ٱلذَّهَبِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَقَرَهُ وَحَمِيرَهُ وَغَنَمَهُ وَخَيْمَتَهُ وَكُلَّ مَا لَهُ، وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، وَصَعِدُوا بِهِمْ إِلَى وَادِي عَخُورَ».

بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ هنا سؤالان الأول إنه لم يذكر امرأته فهل كانت قد ماتت أو لم تشارك في هذه الذنب كبنيه وبناته. والثاني أن الكتاب لم يذكر أن البنين والبنات شاركوه. أما السؤال الأول فلا شيء لنا يرجّح أحد الأمرين. وأما الثاني فنرجّح أن البنين والبنات شاركوا أباهم في الذنب إذ سكتوا عن السرقة فإنه يتعذر أن يحفر أرض خيمته ويطمر المسروق ولا يعرف أحد منهم وهم في تلك الخيمة بالأمر والله لا يعاقب الأولاد الأبرار بذنوب والديهم (انظر حزقيال 18: 20). وأما قوله «أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ» (خروج 20: 5) وقوله «يَجْعَلُ ذَنْبَ ٱلآبَاءِ عَلَى ٱلأَبْنَاءِ الخ» (عدد 14: 18) ليسا من هذا (فارجع إلى تفسير خروج 20: 5). ونكتفي هنا بأن نقول إن الميراث الطبيعي جناية الوالدين على الأولاد فهم يحملون الآلام الناشئة عنها في هذا العالم ولا يُعاقبون عليها في يوم الدين وعقاب بني عخان وبناته ليس من باب الميراث الطبيعي. وقال بعض المفسرين «إن أولاد عخان عوقبوا على ذنب غير ذنب أبيهم» وعلى فرض أنهم عوقبوا به ولم يعرفوا خيانته نقول كان عقابهم على غفلتهم عن ذلك وهم معه في خيمة واحدة وقد نبههم الله على ذلك ونهاهم عنه (ص 6: 17).

وَبَقَرَهُ الخ صارت خيمته محرّمة كجزء من أريحا فأُهلك كل ما فيها وكل ما له لأنه هو نفسه صار كواحد من أهل أريحا. وقتل البهائم ليس بظلم إذ كان قتلها للترهيب من الإثم على أنه لو لم تُقتل بهائم عخان كذلك لكانوا قتلوا البقر والغنم وأكلوا لحومها وانتفعوا بخدمة حمير الأثيم وربما قتلوها إجهاراً على أن للإنسان أن يذبح الحمار لنفع يراه ولا يأثم ولا يظلم.

وَادِي عَخُورَ أي وادي عَكَر أو كدَر وهو وادٍ قرب أريحا يُظن أنه وادي كَلت وهو وراء مرتفع من الأرض ولذلك قال «صعدوا بهم إلى وادي عخور» أي صعدوا بعخان ومن له متوجهين إلى وادي عخور. وسُمي هذا الوادي «عخور» من العكر أو الكَدر الذي حصل لإسرائيل من خيانة عخان. على أن عخان نفسه سُمي في سفر الأيام الأول عخار أي عَكَراً (1أيام 2: 7). وكان وادي عخور سبيلاً من الجلجال إلى مركز البلاد أو من أريحا إلى أورشليم أي من مدينة الخراب أو الهلاك إلى مدينة الله.

25 «فَقَالَ يَشُوعُ: كَيْفَ كَدَّرْتَنَا؟ يُكَدِّرُكَ ٱلرَّبُّ فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ! فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِٱلْحِجَارَةِ وَأَحْرَقُوهُمْ بِٱلنَّارِ وَرَمَوْهُمْ بِٱلْحِجَارَةِ».

ص 6: 18 و1أيام 2: 7 وغلاطية 5: 12 تثنية 17: 5

فَقَالَ يَشُوعُ: كَيْفَ كَدَّرْتَنَا إن يشوع بذل جهده في أن يقود عخان إلى التوبة بإظهار اللطف والشفقة ليخلّص نفسه من الموت الأبدي لكن لم يلطف به ويشفق عليه بإجراء أحكام الشريعة على الأرض فوبخه وقتله بمقتضى العهد أن لا رحمة مع الإثم في هذه الدنيا على ما في شرع الله العادل. لا ريب في أن عخان كدّر غيره بما كدّر به نفسه. ولنا من ذلك هذه القاعدة الأدبية أن الخاطئ يسيء إلى نفسه وإلى غيره.

يُكَدِّرُكَ ٱلرَّبُّ فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ هذه العبارة خبر لا دعاء أي أن الله اليوم يكدّره جزاء على تكديره إسرائيل والقصد بيان أن عقابه كان بمقتضى العدل.

فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ لأنه كدّر الجميع ولأن الجميع شهود عليه ولا نظن أن كل فرد من أفراد إسرائيل رماه بحجر فالمراد أن الجميع الراجمين فعلاً والراجمين نيّة كانوا متفقين على وجوب رجمه.

26 «وَأَقَامُوا فَوْقَهُ رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. فَرَجَعَ ٱلرَّبُّ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ. وَلِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ «وَادِيَ عَخُورَ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

ص 8: 29 و2صموئيل 18: 17 ومراثي إرميا 3: 53 تثنية 13: 17 و2صموئيل 21: 14 ع 24 وإشعياء 65: 10 وهوشع 2: 15

وَأَقَامُوا فَوْقَهُ رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً لتبقى زماناً طويلاً تذكاراً لشرّه وعبرة للأشرار ليتعزلوا خيانة عهد الله كما فعل الشعب بأبيشالوم إذ طرحوه في الوعر في الجب وأقاموا عليه جثوة عظيمة جداً من الحجارة تذكاراً لإثمه وعاره وعبرة لمن هو من أشكاله (2صموئيل 18: 17).

إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ الخ أي باقية إلى هذا اليوم أي يوم كتابة هذا النبإ. وهنا نص على أن وادي عخور أي الكدر أو التكدير سُمي بها لتكدير عخان شعب الله.

فوائد

  1. إن الله لا يسمح بترك قصاص متعدي شريعته على الأرض ولو تاب المتعدي وغُفرت خطيئته لكي لا يُدان عليها يوم الدين. فالإثم جزاؤه معه على الأرض ولو غير كامل.

  2. إن قصاص الإثم في العهد القديم والعهد الجديد لا بد منه.

  3. إن نبأ الأشرار في العهدين لم يكن إلا بيان قاعدة أدبية وعبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين.

  4. إن الخطأ أي الغلظ لا بد له من عاقبة تسوء فإطاعة يشوع للجواسيس دون تروّ أدت على الانكسار ولا عذر له بأن ذلك علته خيانة عخان فكان عليه أن يعمل ما يجب عليه والله يعلم كيف يعاقب الخائن.

  5. إن الخاطئ يضرّ بخطيئته نفسه وغيره فعخان ضرّ بخيانته نفسه وأهله وشعبه.

  6. إن المعصية والطمع من مجلبات الأخطار العظيمة.

  7. إن الخطيئة خادعة فإن الخاطئ يرى فيها حلاوة ولكنه بعد ارتكابها يعرف شدة مرارتها. شوكة الخطيئة أنفذ من لذّتها.

  8. إن الشهوة تلد إثماً والإثم يلد موتاً.

  9. إن عخان سرق مال الله لأن الفضة والذهب كانا هنا مما يجب وضعه في خزينة الرب وكل من سلب ما ليس له فهو سارق لله لأنه «لِلرَّبِّ ٱلأَرْضُ وَمِلْؤُهَا» (مزمور 24: 1).

  10. قد يُعاقب السارق على سرقة ما لم ينتفع به فعخان لم ينتفع شيئاً مما سرقه من الفضة والذهب والرداء الشنعاري.

  11. إن الخطيئة تبقى تذكار عار دائم لمرتكبها بعد موته.

  12. كان عخان من سبط يهوذا وهو أشرف أسباط إسرائيل وسمع كلام الله ورأى أعماله العظيمة ومع ذلك أخطأ فلا يخلص الإنسان بواسطة جنسيته أو اسمه ولا بوسائط علمية أو روحية بل الجميع محتاجون إلى نعمة الله.

  13. أخطأ عخان بأخذه ما ليس له بل للرب ونحن نخطئ تلك الخطيئة لما نفتخر بأنفسنا كأننا لم نأخذ كل شيء من الله أو نقضي أيامنا وننفق أموالنا كأنها لنا وليس للرب.

  14. عخان احتقر الرب بخطيئته كأنه قال الله لا يعمل أو إنه لم يخف مما يعمل الله به.

  15. كثيراً ما يقاوم الإنسان التجربة الكبيرة ويسقط في الصغيرة فإن عخان عبر الأردن ودار حول أسوار أريحا ولم يخف من الحرب ولم يعصَ أمر القائد ولكنه سقط في تجربة الرداء والفضة والذهب.

  16. كل خطيئة تفصلنا عن الرب فلا يسمع إذ ذاك صلواتنا ولا يعيننا حتى ننزع الخطيئة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

1 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ. خُذْ مَعَكَ جَمِيعَ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ، وَقُمِ ٱصْعَدْ إِلَى عَايَ. ٱنْظُرْ. قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ مَلِكَ عَايٍ وَشَعْبَهُ وَمَدِينَتَهُ وَأَرْضَهُ».

لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ «لأن الرب إلهك معك» (ص 1: 9) و «لأَنَّهُ هٰكَذَا يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ بِجَمِيعِ أَعْدَائِكُمُ ٱلَّذِينَ تُحَارِبُونَهُمْ» (ص 10: 25). والنهي عن الخوف والرعب يدل على أن الله عاد إلى شعبه إسرائيل لممارسة الحرب. وكان يشوع في حاجة إلى تشجيع الرب إياه لأن خيانة عخان وعاقبتها أثرتا تأثيراً عظيماً في نفسه فخاف وارتعب وكاد يقعد عن الحرب جُبناً. ولكن الله كان قد عاقب على تلك الخيانة وعزل الإسرائيليون الخطيئة من بينهم فما بقي إلا أن يرجمهم ويفي بوعده لهم ولآبائهم من قبلهم. ولنا من ذلك إنا إذا اعتزلنا الخطايا الفاصلة بيننا وبين إلهنا (إشعياء 59: 1) توقعنا بقية رجوعه إلينا وإضاءة وجهه علينا فيشجعنا وينفي الخوف من قلوبنا.

خُذْ مَعَكَ جَمِيعَ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ لا «نَحْوُ أَلْفَيْ رَجُلٍ أَوْ ثَلاَثَةُ آلاَفِ» فقط (ص 7: 3) ظاهر العبارة يدل على أن الله أمره بأخذ كل رجال الحرب إلى عاي وهم على ما يرجّح أكثر من ست مئة ألف وهؤلاء يحاربون مملكة كبيرة فلا يتوقع أنه يزحف بكل هؤلاء على عاي والذي تقتضيه الحال إن أولئك الرجال جماعة مختارة من الأبطال وهم الثلاثون ألفاً المذكورون في الآية الثالثة. وإنما أُطلق الأمر اعتماداً على القرينة العقلية هنا واللفظ في ع 3 فكأنه تعالى قال ليشوع خُذ معك جميع رجال الحرب الممتازين أو المختارين أو خذ معك الأبطال الذين هم بمقام كل رجال الحرب لشدة بأسهم واختبارهم. فأخذهم وأبقى سائر الشعب في الجلجال.

ٱصْعَدْ إِلَى عَايَ كانت عاي على مرتفع عن الجلجال ولهذا قال «اصعد» (انظر تفسير ص 7: 2). سُمّيت عاي بعد أن أخربها بنو إسرائيل لأن معنى عاي كومة خراب أو طَلَلٌ وهو ما شخص من آثار البناء.

قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أي لا بد من أن أدفع بيدك وعبّر عن المستقبل بالماضي للتحقيق والتوكيد ولهذا أمثال كثيرة في الكتاب المقدس واللغات السامية وقد مرّ كثيرة منها في الأسفار الخمسة وهذا السفر.

وَأَرْضَهُ أي ضواحي مدينة عاي التي هم من مملكته. ولعل هذه الضواحي كانت مناسبة لأن تكون مركزاً حربياً حينئذ ولو إلى حين.

2 «فَتَفْعَلُ بِعَايٍ وَمَلِكِهَا كَمَا فَعَلْتَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا. غَيْرَ أَنَّ غَنِيمَتَهَا وَبَهَائِمَهَا تَنْهَبُونَهَا لِنُفُوسِكُمُ. ٱجْعَلْ كَمِيناً لِلْمَدِينَةِ مِنْ وَرَائِهَا».

ص 6: 21 تثنية 20: 14

فَتَفْعَلُ بِعَايٍ وَمَلِكِهَا كَمَا فَعَلْتَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا إجمالاً لا تفصيلاً والمراد أنك تخرب عاي وتقتل أهلها وملكها كما أخربت بمعجزتي أريحا وقتلت أهلها. وإلا فطريق إخراب أريحا غير طريق إخراب عاي وطريق قتل ملك أريحا غير طريق قتل ملك عاي (قابل ما في ص 6: 21 بما في هذا الأصحاح ع 29) ولعن من يبني أريحا (ص 6: 26) ولم يلعن من يبني عاي.

غَيْرَ أَنَّ غَنِيمَتَهَا وَبَهَائِمَهَا تَنْهَبُونَهَا لِنُفُوسِكُمُ هذا أعظم الفرق بين أمَري أريحا وعاي ولذلك خصّصه بالذِكر. فإن غنيمة أريحا حُرّمت على الشعب وغنيمة عاي حُلّلت له.

فإن قيل لماذا حُرّمت غنيمة أريحا وحُلّلت غنيمة عاي قلنا على المرجّح لنا أن الأبكار من الناس والبهائم والغلال كانت للرب وأريحا كانت أول الفتوح في أرض الميعاد فكانت بمنزلة بكر للفتوحات. وكان تحريم غنيمة أريحا امتحاناً للشعب أيضاً بل لرجال الحرب فيه وطاعتهم وصبرهم على ذلك الحرمان فأطاعوا وصبروا فجوزوا هنا بالغنيمة. قال بعض العلماء في هذا «لا يخسر من أنكر نفسه». وقال آخر «طريق الحصول على تعزية الله لنا أن نصبر على ما يحرمه الله علينا». ولم تكن الغنيمة رجال المدينة (انظر ص 11: 14) بل أملاكها وبهائمها وخصّ البهائم بالذكر لأن حاجة الشعب إليها كانت حينئذ أشد الحاجات.

ٱجْعَلْ كَمِيناً لِلْمَدِينَةِ مِنْ وَرَائِهَا أي في جانبها الغربي بدليل أن الإسرائيليين كانوا حينئذ في جانبها الشرقي. والمراد «بالكمين» هنا جماعة تتوارى عن الأعداء في مكان تحمل منه عليهم بغتة.

3 «فَقَامَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ لِلصُّعُودِ إِلَى عَايٍ. وَٱنْتَخَبَ يَشُوعُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ وَأَرْسَلَهُمْ لَيْلاً».

فَقَامَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ أي شرع يشوع ونخبة رجال الحرب في الاستعداد للقتال والمشورة والتدبير واختيار الأسلوب وأمثال ذلك.

لِلصُّعُودِ إِلَى عَايٍ للزحف على عاي صعوداً لأنها أعلى من منزلتهم.

وَٱنْتَخَبَ يَشُوعُ ثَلاَثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ جَبَابِرَةَ ٱلْبَأْسِ وهم كل من اختارهم لهذا القتال.

وَأَرْسَلَهُمْ لَيْلاً لئلا يراهم الأعداء. أي أرسل بعضهم ليتواروا في مكان فاستعمل الكل للبعض كما ترى في تفسير العبارة الآتية.

4 «وَأَوْصَاهُمْ: ٱنْظُرُوا! أَنْتُمْ تَكْمُنُونَ لِلْمَدِينَةِ مِنْ وَرَاءِ ٱلْمَدِينَةِ. لاَ تَبْتَعِدُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ كَثِيراً، وَكُونُوا كُلُّكُمْ مُسْتَعِدِّينَ».

قضاة 20: 29

وَأَوْصَاهُمْ أي أوصى الخمسة الآلاف الذين أرسلهم ليلاً.

أَنْتُمْ تَكْمُنُونَ لِلْمَدِينَةِ مِنْ وَرَاءِ ٱلْمَدِينَةِ أي تتوارون للدخول إلى المدينة من غربيّها. والذين كمنوا خمسة آلاف لا كل المخاطبين فأطلق الكل على البعض من باب المجاز المرسل بقرينة التفصيل الآتي لأنهم جماعة واحدة مقصدها واحد وهو الاستيلاء على عاي. وأمثال هذا كثير في الكتاب المقدس وفي العربية والعبرانية فلم يبقَ من إشكال على ما رأى بعض المفسرين. وهذا يشبه نسبة الخيانة في أريحا إلى الإسرائيليين والخائن بعضهم (ص 7: 11). وعلى الجملة إن الكلام هنا إجمالي وما يليه تفصيل له.

5 «وَأَمَّا أَنَا وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعِي فَنَقْتَرِبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ. وَيَكُونُ حِينَمَا يَخْرُجُونَ لِلِقَائِنَا كَمَا فِي ٱلأَوَّلِ أَنَّنَا نَهْرُبُ قُدَّامَهُمْ».

قضاة 20: 32

جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي مَعِي أي بقية الجماعة المختارة وهي 25000.

كَمَا فِي ٱلأَوَّلِ أي كما في الخروج الأول على الثلاثة الآلاف الذين هربوا أمام أهل عاي وقتل أهل عاي ستة وثلاثين رجلاً منهم (ص 7: 4 و5).

6 «فَيَخْرُجُونَ وَرَاءَنَا حَتَّى نَجْذِبَهُمْ عَنِ ٱلْمَدِينَةِ. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ هَارِبُونَ أَمَامَنَا كَمَا فِي ٱلأَوَّلِ. فَنَهْرُبُ قُدَّامَهُمْ».

نَجْذِبَهُمْ الخ أي نبعدهم عن المدينة بإطماعهم بالجري وراءنا فيكون ذلك كأنّا جذبناهم عنها.

7 «وَأَنْتُمْ تَقُومُونَ مِنَ ٱلْمَكْمَنِ وَتَمْلِكُونَ ٱلْمَدِينَةَ، وَيَدْفَعُهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بِيَدِكُمْ».

وَأَنْتُمْ تَقُومُونَ مِنَ ٱلْمَكْمَنِ عند مشاهدتكم العلامة (ع 18).

8 «وَيَكُونُ عِنْدَ أَخْذِكُمُ ٱلْمَدِينَةَ أَنَّكُمْ تُضْرِمُونَ ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ. كَقَوْلِ ٱلرَّبِّ تَفْعَلُونَ. ٱنْظُرُوا. قَدْ أَوْصَيْتُكُمْ».

2صموئيل 13: 28

تُضْرِمُونَ ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ أي تحرقون قسماً منها يصعد الدخان الكثير فنعلم أنكم دخلتم المدينة وإلا فلو أحرقوا المدينة كلها لاحترقت الغنيمة وهذا مجاز مرسل من إطلاق الكل وإرادة البعض وهذا كقولك لمست ثوب زيد وأنت لم تلمس سوى جزء صغير منه وقد سبق مثل هذا (ع 1 و3 و4) ولكن يشوع أحرق المدينة بعد ذلك (ع 28).

9 «فَأَرْسَلَهُمْ يَشُوعُ، فَسَارُوا إِلَى ٱلْمَكْمَنِ، وَلَبِثُوا بَيْنَ بَيْتِ إِيلَ وَعَايٍ غَرْبِيَّ عَايٍ. وَبَاتَ يَشُوعُ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ فِي وَسَطِ ٱلشَّعْبِ».

فَأَرْسَلَهُمْ يَشُوعُ أي أرسل الخمسة الآلاف (ع 12).

فَسَارُوا إِلَى ٱلْمَكْمَنِ بين بيت إيل وعاي (ع 12).

وَبَاتَ يَشُوعُ بِمُعتزل عن غير المنتخبين.

فِي وَسَطِ ٱلشَّعْبِ أي بين الباقين من المنتخبين وهم 25000 رجل الذين دعاهم «رجال الحرب» (ع 11).

10 «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ وَعَدَّ ٱلشَّعْبَ، وَصَعِدَ هُوَ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ قُدَّامَ ٱلشَّعْبِ إِلَى عَايٍ».

فَبَكَّرَ يَشُوعُ لشدة اهتمامه والظاهر أنه قام والظلام باقٍ كما يظهر من (ع 13).

عَدَّ ٱلشَّعْبَ الكلمة العبرانية «يفقد» أي يفتقد وتحتمل معنى يحشد ويمتحن ويراجع ويعدّ وذهب جماعة إلى المعنى الثاني ومترجم نسختنا وغيره إلى المعنى الآخر. ولعل الكلمة «عدّ» غير وافية بالمعنى الأصلي لكنها قريبة منه والافتقاد يشمل كل المراد والعدّ نفسه فإن يشوع افتقد الشعب وجمعه وعدّه لئلا يكون قد هرب بعضه ليلاً وهذا جمع وعدّ وامتحان وهذا الشعب هو الرجال الباقون مع يشوع وعددهم 25000 كما ذُكر.

صَعِدَ هُوَ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ قُدَّامَ ٱلشَّعْبِ باعتبار أنهم أرباب شورى الحرب ومدبريها ليبينوا أن هذا الزحف أمر ذو شأن وليعدلوا في قسمة الغنيمة وليعتبرهم الجميع أنهم قوّاد الشعب وأنهم يبذلون الجهد في نفعه. ولا ريب في أن ما أتوه يزيد الشعب شجاعة وحماسة.

11 «وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ صَعِدُوا وَتَقَدَّمُوا وَأَتَوْا إِلَى مُقَابِلِ ٱلْمَدِينَةِ. وَنَزَلُوا شِمَالِيَّ عَايٍ، وَٱلْوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَايٍ».

ع 5

نَزَلُوا شِمَالِيَّ عَايٍ كان المكمن الذي كمن فيه خمسة آلاف غربي عاي بين بيت إيل وعاي وكان بين الباقين وبين عاي مأزق أو وادٍ طويل ضيق يمتد شرقاً وغرباً على شمالي تل عاي فالمرجّح أن يشوع والباقين معه كانوا على النجد أو الأرض المرتفعة على شمالي هذا الوادي.

12 «فَأَخَذَ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ وَجَعَلَهُمْ كَمِيناً بَيْنَ بَيْتِ إِيلَ وَعَايٍ غَرْبِيَّ ٱلْمَدِينَةِ».

فَأَخَذَ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رأى بعضهم أن هذه الآية معترضة بين ع 11 وع 13 أُتي بها هنا إيضاحاً لما ذُكر في ع 3 وع 9. ونرى أنه يصحّ أنها غير معترضة وإنها بداءة التفصيل لما أجمله آنفاً.

13 «وَأَقَامُوا ٱلشَّعْبَ، أَيْ كُلَّ ٱلْجَيْشِ ٱلَّذِي شِمَالِيَّ ٱلْمَدِينَةِ، وَكَمِينَهُ غَرْبِيَّ ٱلْمَدِينَةِ. وَسَارَ يَشُوعُ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ إِلَى وَسَطِ ٱلْوَادِي».

ع 4

وَأَقَامُوا ٱلشَّعْبَ أي أقام يشوع والشيوخ رجال الحرب أن أيقظوهم وأعدّوهم.

أَيْ كُلَّ ٱلْجَيْشِ ٱلَّذِي شِمَالِيَّ ٱلْمَدِينَةِ، وَكَمِينَهُ غَرْبِيَّ ٱلْمَدِينَةِ أي نبّهوا كل رجال الحرب المنتهبين الذين بقوا مع يشوع وهم الخمسة والعشرون ألفاً الذين نزلوا شمالي عاي مقابل المدينة (ع 11) والذين كمنوا غربيها وهم الخمسة الآلاف وكان تنبيه هؤلاء بإشارة من الأولين على ما نرجّح.

وَسَارَ يَشُوعُ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ على أثر قيامه باكراً وهذا نص على أنه قام والليل باقٍ.

وَسَطِ ٱلْوَادِي هذا الوادي غير المأزق (أي الوادي الضيق) المذكور في تفسير (ع 11) بل الجو (أي الوادي الواسع) المتصل به كجزء منه في الجنوب كما يظهر من الأصل العبراني لأن الكلمة «وادي» هنا تختلف عن «وادي» في (ع 11). وكان القصد من ذلك أن يخرج أهل عاي إلى الإسرائيليين فيتظاهر الإسرائيليون بالهرب فيتبعهم العدو في جهة الجلجال فيبعد عن المدينة فيدخلها الكمين. والكلام لا يوجب أن يشوع سار وحده فيحتمل أنه سار مع رجاله وأسند الفعل إليه لأنه قائد الجيش كما نقول حاصر القائد المدينة أو لأن الجيش سار بمقتضى أمره. وظن بعضهم أن يشوع سار إلى ذلك الوادي لينفرد للصلاة ثم أمر الجيش الباقي معه بالمسير.

وقال بعضهم أرجّح أن يشوع أرسل الخمسة الآلاف ليكمنوا غربي عاي في مساء اليوم السابق وبعد أن نام ساعات قليلة هو والخمسة والعشرون ألفاً الباقون معه بكّر في القيام ولعله قام لمضي قليل بعد نصف الليل ونبه الجند وأمرهم بالاستعداد والانتظار والسرعة عند الطلب بواسطة الشيوخ ولعله انفرد في الوادي للصلاة آخذاً فيها حينئذ وقد بلغ أصعبها أو إنه قاد الجيش في الوادي ولما طلع الصباح ظهروا أمام المدينة عاي لأعدائهم فخرج ملكها ورجاله لقتالهم.

14 «وَكَانَ لَمَّا رَأَى مَلِكُ عَايٍ ذٰلِكَ أَنَّهُمْ أَسْرَعُوا وَبَكَّرُوا، وَخَرَجَ رِجَالُ ٱلْمَدِينَةِ لِلِقَاءِ إِسْرَائِيلَ لِلْحَرْبِ هُوَ وَجَمِيعُ شَعْبِهِ فِي ٱلْمِيعَادِ إِلَى قُدَّامِ ٱلسَّهْلِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ كَمِيناً وَرَاءَ ٱلْمَدِينَةِ».

قضاة 20: 34 وجامعة 9: 12

وَكَانَ لَمَّا رَأَى مَلِكُ عَايٍ ذٰلِكَ أَنَّهُمْ أَسْرَعُوا وَبَكَّرُوا أي لما أخبر ملك عاي الحرس بظهور الإسرائيليين تجاه المدينة نبه رجاله فقاموا من مضاجعهم مسرعين وأخذوا يخرجون على الإسرائيليين.

هُوَ وَجَمِيعُ شَعْبِهِ أي هو وكل رجال الحرب من شعبه لأن الشيوخ والنساء والأولاد الصغار لا يخرجون للحرب فبقوا في المدينة (انظر ع 24).

فِي ٱلْمِيعَادِ أي الوقت المعيّن الموعود أن تُرفع العلامة فيه (انظر قضاة 20: 38).

إِلَى قُدَّامِ ٱلسَّهْلِ أي تجاه سهل الأردن أو العربة وهو الوادي من جبل الشيخ إلى خليج العقبة وطوله 250 ميلاً وفيه الحولة وبحر الجليل وبحر الملح وخرج الإسرائيليون إلى أمام جزء منه وهذا أيضاً من باب المجاز المرسل لقوله «قدّام السهل» وهذا المجاز كثير في هذا الأصحاح.

15 «فَأَعْطَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ ٱنْكِسَاراً أَمَامَهُمْ وَهَرَبُوا فِي طَرِيقِ ٱلْبَرِّيَّةِ».

قضاة 20: 36 الخ

فَأَعْطَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ ٱنْكِسَاراً أي تظاهر بأنهم منكسرون.

وَهَرَبُوا فِي طَرِيقِ ٱلْبَرِّيَّةِ جروا في الوادي إلى البلاد الجبلية بين عاي ووادي الأردن (أو أريحا أو الجلجال). وإذا قال معترض أن الخديعة لا تجوز نقول:

(1) إن الرب قال ليشوع (ع 2) اجعل كميناً للمدينة.

(2) الخديعة مما يتعلق بالحرب وإذا كان الحرب جائزاً فالخديعة في الحرب جائزة أيضاً.

(3) حتى في الحرب لا يجوز جميع أنواع الخديعة وأمثلة ذلك مخالفة العهود كعهد هدنة وما أشبه ذلك.

16 «فَأُلْقِيَ ٱلصَّوْتُ عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِلسَّعْيِ وَرَاءَهُمْ، فَسَعَوْا وَرَاءَ يَشُوعَ وَٱنْجَذَبُوا عَنِ ٱلْمَدِينَةِ».

فَأُلْقِيَ ٱلصَّوْتُ عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَدِينَةِ مدينة عاي والمراد بالشعب هنا رجال الحرب من باب المجاز.

ٱنْجَذَبُوا عَنِ ٱلْمَدِينَةِ أي بعدوا عنها كأنهم انجذبوا بحبال الطمع بقتل الإسرائيليين وغنائمهم فتمت مكيدة يشوع لهم.

17 «وَلَمْ يَبْقَ فِي عَايٍ أَوْ فِي بَيْتِ إِيلٍ رَجُلٌ لَمْ يَخْرُجْ وَرَاءَ إِسْرَائِيلَ. فَتَرَكُوا ٱلْمَدِينَةَ مَفْتُوحَةً وَسَعَوْا وَرَاءَ إِسْرَائِيلَ».

وَلَمْ يَبْقَ فِي عَايٍ أَوْ فِي بَيْتِ إِيلٍ رَجُلٌ من رجال الحرب المختارين وممن لا يعجزون عن الحرب إذ بقي غيرهم فيها وهم الذين قُتلوا بعد الواقعة (ع 24). وبيت إيل كانت على غاية ثلاثة أميال من عاي والظاهر أنها كانت مخالفة لعاي فحاربت معها وتسمى بيت إيل سماها يعقوب بيت إيل (انظر تكوين 28: 11 - 19 و31: 13) للرؤيا التي رآها هناك. ويُعلم مما ذُكر في هذه الآية إن الطريق بين بيت إيل وعاي كان مفتوحاً وهو يمر بالطرف الشمالي من المضيق الذي كان كمين الإسرائيليين فيه وكان يهون على الحراس أن يروا مرور الأعداء وهم متوارون من بعض الخلل وينبئوا الخمسة الآلاف الكامنين في الوقت المناسب وبكل ما يجري حتى يكونوا على غاية الاستعداد للهجوم على عاي وكان يسهل على طرف الكمين القريب من يشوع أن يرى العلامة فيُعلم الرائي غيره ويندفع الجميع إلى عاي.

ومن الغريب أن هذا الكتاب لم ينبئنا هنا أن الإسرائيليين استولوا على بيت إيل حينئذ مع أن ذلك كان هيّناً عليهم وإنه عد ملك بيت إيل شراً من الملوك الذي ضربهم يشوع (ص 12: 16) ولكن ذكر فتح الإسرائيليين إياها في سفر القضاة (قضاة 1: 26) والمرجّح أن هذا فتح ثانٍ لها فيلزم من النبأين أنها كانت قد عصت بعد أن فُتحت فافتتحوها ثانية.

18 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: مُدَّ ٱلْمِزْرَاقَ ٱلَّذِي بِيَدِكَ نَحْوَ عَايٍ لأَنِّي بِيَدِكَ أَدْفَعُهَا. فَمَدَّ يَشُوعُ ٱلْمِزْرَاقَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ نَحْوَ ٱلْمَدِينَةِ».

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ مُدَّ ٱلْمِزْرَاقَ المزراق الرمح القصير وهذا لا يُرى إلا على القرب فالظاهر أنه كان على رأسه نسيج كبير حتى كان كالعلم وإن يشوع كان على ربوة أو تل عال وإن مد يده به كان إشارة للكمين إلى أن يسرع إلى عاي. وبقي مادّاً إياها به إلى أن قُضي الأمر كما يتبين من (ع 26). فكأنه كان مد يد يشوع بالمزراق وإبقاؤها كذلك إلى النهاية كرفع يدي موسى في حرب عماليق آية لحضور الله معهم ومدّ يده لمساعدتهم ونصرهم (خروج 17: 11 و12).

وكان الاستيلاء على عاي كالاستيلاء على أريحا بأن كان كل حركة من حركاته بأمر الرب وكانت يد الرب في الاستيلاء على أريحا هي العاملة دون أيدي الإسرائيليين لكنهم عملوا معه بمجرد حمل التابوت والدوران والهتاف. وكانت أيدي الإسرائيليين في الاستيلاء على عاي هي العاملة وأول عامل منها يد يشوع دلالة على أن يد الله كانت عاملة بتقديرهم على ذلك فالنصر والاستيلاء على المدينتين بعناية الله.

19 «فَقَامَ ٱلْكَمِينُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكَانِهِ وَرَكَضُوا عِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ، وَدَخَلُوا ٱلْمَدِينَةَ وَأَخَذُوهَا، وَأَسْرَعُوا وَأَحْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِٱلنَّارِ».

فَقَامَ ٱلْكَمِينُ... عِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ هذا يستلزم إن مدّ يده بالمزراق كان علامة معيّنة لقيام الكمين. وسرعة قيامة دليل على أنهم مستعدين ومنتبهين.

20 «فَٱلْتَفَتَ رِجَالُ عَايٍ إِلَى وَرَائِهِمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا دُخَانُ ٱلْمَدِينَةِ قَدْ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ. فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَكَانٌ لِلْهَرَبِ هُنَا أَوْ هُنَاكَ. وَٱلشَّعْبُ ٱلْهَارِبُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ ٱنْقَلَبَ عَلَى ٱلطَّارِدِ».

فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَكَانٌ لِلْهَرَبِ وفي الأصل العبراني «فلم يكن لهم أيدٍ» أي قوة لأنه يكنى باليد عنها. وكثر هذا في العبرانية والعربية حتى جرت دلالته مجرى الأدلة الوضعية فجاءت اليد فيها بمعنى القوة والقدرة والسلطان. وعلى هذا جرى مترجمو الكتاب المقدس إلى الانكليزية فجاء في ترجمتهم «فلم يبق لهم قوة على أن يهربوا في هذه الطريق أو في تلك». على أن كثيرين فسروا العبارة العبرانية بقولهم فلم يكن لهم مكان للهرب لأن عدم القوة علتها عدم المهرب وعلى هذا جرى مترجم كتابنا وترجمها البعض بأنه لم يكن لهم جهة للهرب والمؤدى واحد.

ٱنْقَلَبَ عَلَى ٱلطَّارِدِ أي رجعوا إليه إذ لا مهرب لهم.

21 «وَلَمَّا رَأَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱلْكَمِينَ قَدْ أَخَذَ ٱلْمَدِينَةَ، وَأَنَّ دُخَانَ ٱلْمَدِينَةِ قَدْ صَعِدَ، ٱنْثَنَوْا وَضَرَبُوا رِجَالَ عَايٍ».

وَلَمَّا رَأَى يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ أي كل الإسرائيليين الذين كانوا هناك للحرب. فالكلام مطلق قيّدته القرينة وهي أن الإسرائيليين لم يكونوا كلهم هنالك ليروا.

ٱنْثَنَوْا أي رجعوا بعد أن ذهبوا متظاهرين بالهرب.

22 «وَهٰؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ لِلِقَائِهِمْ، فَكَانُوا فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ، هٰؤُلاَءِ مِنْ هُنَا وَأُولٰئِكَ مِنْ هُنَاكَ. وَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَارِدٌ وَلاَ مُنْفَلِتٌ».

تثنية 7: 2

هٰؤُلاَءِ أي الخمسة الآلاف الذين كمنوا ودخلوا عاي وأحرقوا المدينة.

حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَارِدٌ وَلاَ مُنْفَلِتٌ المراد «بالشارد» هنا الهارب و «المنفلت» الناجي والمعنى أنهم لم يُبقوا حياً فلم يمكنوا أحداً من الهرب ولم يُنجوا أحداً فمحوا كل أهل عاي (ع 25 و29).

23 «وَأَمَّا مَلِكُ عَايٍ فَأَمْسَكُوهُ حَيّاً وَتَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى يَشُوعَ».

وَأَمَّا مَلِكُ عَايٍ فَأَمْسَكُوهُ حَيّاً ليمثلوا به رهبة لغيره من ملوك كنعان الذين يقصدون مقاومة الإسرائيليين ومنعهم من أرض ميراثهم بمقتضى قضاء الله.

24 «وَكَانَ لَمَّا ٱنْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي ٱلْحَقْلِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ، وَسَقَطُوا جَمِيعاً بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ حَتَّى فَنُوا أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ».

بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وفي العبرانية «بفي حرب» أي بفي السيف أو فمه ومعنى «فم السيف وحده» واستُعير له الفم لأنه يأكل الحياة.

رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا أي قتلوا الباقين فيها من الشيوخ والأولاد والنساء.

25 «فَكَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ».

مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وفي العبرانية «مِ إيش عد إشه» أي من الإنسان إلى الإنسانة أو من الرجل إلى المرأة والمعنى واحد.

ٱثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ قوله «جميع أهل عاي» بدل من اثني عشر ألفاً وهذا حسب النصّ عدد الرجال والنساء من أهل عاي دون الأولاد من بنات وصبيان صغار فيكون عدد رجال الحرب نحو ستة آلاف إذ عدد الشيوخ العاجزين عن الحرب قليل كما عُرف من الاستقراء في كل قرية ومدينة. وهذا موافق لقول الجواسيس «لأنهم قليلون» (ص 7: 3). وهجوم هؤلاء على خمسة وعشرين ألف رجل لا يستلزم كثرتهم فإنهم ما حملوا على هذا الجيش إلا لما رأوهم هربوا منهم (ع 15).

26 «وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ ٱلَّتِي مَدَّهَا بِٱلْحَرْبَةِ حَتَّى حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ».

تثنية 2: 34 و3: 6 و7: 2 و20: 17

وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ ٱلَّتِي مَدَّهَا بِٱلْحَرْبَةِ سبق أن مدّ يشوع يده بالمزراق كان علامة للكمين على أن يهجم على عاي ويدخلها ويضرمها. وهنا تبين أنه كان علامة على شيء فوق هذا وهو أنهم لا يكفون عن القتال ما دام ماداً يده بالمزراق. وفيه ما هو أعظم من كل ذلك وهو الإِشارة إلى أن يد الله ممدودة لمساعدتهم ونصرهم (راجع تفسير ع 18).

فإن قيل كيف قدر يشوع أن يُبقي يده ممدودة بمزراق عليه نسيج كبير حتى صار به كالعلم كما يستلزم المقام ليراه الكمين والمحاربون كل المدة التي يقتضيها قتل أهل عاي أفلم تتعب يده فيثنيها. قلنا أن المحاربين الإسرائيليين كانوا مسرعين وأكثر من الأعداء فلم يشغلوا وقتاً طويلاً بقتل أعدائهم والرجال الأقوياء يقدرون أن يمدوا أيديهم ساعات. وعلى فرض أن الوقت كان طويلاً وأن يشوع لم يكن يقوى على ذلك بقوته الطبيعية نقول إن من أهون الأشياء على من شقّ البحر الأحمر وأسقط أسوار أريحا وهو القادر على كل شيء أن يقوي يد يشوع كل تلك المدة. وربما سند يده بعض الإسرائيليين كما سند بعضهم يدَي موسى.

حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ أي قتلهم أُسند القتل إليه والقاتلون جنوده لأنه هو الذي أمرهم بالقتل بمقتضى أمر الله. واستعمل «حرّم» بمعنى قتل لأن التحريم علة القتل.

27 «لٰكِنِ ٱلْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ».

عدد 31: 22 و26 ع 2

نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ الخ أي بنو إسرائيل. حذف المضاف للقرينة ويكثر مثل هذا الحذف في القبائل فيُطلق اسم الأب على القبيلة في اللغات الشرقية مثل جاءت هُذَيل أي قبيلة هُذَيل وغلبت قضاعة أي أبطال قضاعة وانتصرت عبس أي فرسان عبس أو رجالها. وفي الأمكنة نحو خرجت المدينة أي أهل المدينة أو سكانها وقس على ذلك. وهذا المجاز كثير في سفر يشوع كما مر في عدة مواضع. وكانت الغنمية هنا لإسرائيل بخلاف غنيمة أريحا فإنها كانت لله.

لو حفظ عخان وصية الرب ولم يأخذ من غنيمة أريحا لكان أخذ من غنيمة عاي ما يُشبعه بلا خوف وبلا خطيئة. لأن الرب لا يحرم عبيده شيئاً من الخير بل يعطيهم كل شيء بسخاء إذا انتظروا الوقت المعيّن منه. فلم يلزم سارة أن تعطي جاريتها لإبراهيم ليكون له نسل لأن الرب قصد أن يرزقها إسحاق. ولم يلزم يعقوب أن يغش أباه لأن الرب قاصد أن يعطي يعقوب البكورية.

28 «وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيّاً خَرَاباً إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تثنية 13: 16

تَلاًّ أَبَدِيّاً أي رُكام خراب زماناً طويلاً كأنه الأبد. فيُطلق الأبدي على طويل المدة في المستقبل كما يُطلق الأزلي على طويلها في الماضي فيقال الأهرام أبنية أزلية. فإن عاي بُنيت بعد نحو ألف سنة من ذلك. وبناها رجال بنيامين وسموها عيّا (نحميا 11: 13) قال بعضهم واسمها اليوم التلّ.

إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي أواخر حياة يشوع.

29 «وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ ٱلْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

ص 10: 26 ومزمور 107: 40 و110: 5 تثنية 21: 23 وص 10: 27 ص 7: 26 و10: 27

وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ أي صلبه وهو المرجّح (انظر تثنية 21: 22 والتفسير) ولم يُعلم أحيّاً علّقه أم ميتاً فإنه يحتمل أنه قتله بغير التعليق ثم علّقه. وخصّصه بذلك لأنه كان شراً من كل أهل عاي لأنه أتى الشر وجرّأ رعيته على إتيانه ولأن التنكيل به يكون عبرة ورهبة لسائر ملوك الكنعانيين.

ولماذا قال «على الخشبة» ولم يقل «على خشبة» وهو الذي تقتضيه الحال فإن تعريفها باللام يقتضي إنها معهودة ذكراً أو ذهناً أو حضوراً ولم يجر لها ذكر ولم تُعهد فإن هذا العقاب ندر كثيراً فلم يكن له صورة في الذهن. فبقي أن اللام هنا جنسية لتعريف الحقيقة فيكون اللفظ المعرّف بها كالنكرة كقول الشاعر:

Table 1. 

ولقد أمرُّ على اللئيم يسبُنيفمضيت ثمّت قلت لا يعنيني    

فكأنه قال ولقد أمرّ على لئيم من اللؤماء يسبني الخ. وكأن الكاتب هنا قال علّقه على خشبة من الخشب.

قال بعضهم إن اللام هنا للعهد الذهني المدلول عليه بقوله «فَتَفْعَلُ بِعَايٍ وَمَلِكِهَا كَمَا فَعَلْتَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا» (ع 2) فكان الإسرائيليون قد عهدوا تعليق ملك أريحا على خشبة وعلّقوا ملك عاي على تلك الخشبة. وهو قول مقبول والمرجّح أنه هو الواقع.

وَعِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ أي أمر يشوع بإنزال جثته عن الخشبة فأنزلوها عنها. فإن قيل لماذا أمر بإنزالها عند غروب الشمس قلنا ذلك جرى على الوصية التي أوصى بها موسى «لأن المعلّق ملعون من الله» (انظر تثنية 21: 22 و23).

وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ أي المكان الذي كان مدخل المدينة قبلما خربت. غلب أن تكون أبواب المدينة يومئذ أماكن القضاء فكان الناس يكثرون عندها ويشاهد ما يكون عندها الداخلون والخارجون علاوة على المجتمعين.

وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ كان هذا من أنواع الإهانة كالصلب على الخشبة وكان العرب يرجمون مدافن الأشرار حتى تصير مدافنهم ركاماً من الحجارة ولا يزال بعض أهل الشرق في بعض المدن والقرى والبوادي يأتون ذلك (قد رأيت أُناساً في دمشق يرجمون مدفناً عليه رجمة عظيمة من الحجارة فسألتهم عن علة ذلك فقالوا هذا قبر رجل من أعداء الله. وهذه الرجمة عند مدخل من مداخل دمشق).

إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي أواخر حياة يشوع. وقد ذُكرت أمثاله في ما مرّ من هذا السفر.

إقامة المذبح في وسط كنعان وتسطير الشريعة

30 «حِينَئِذٍ بَنَى يَشُوعُ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ عِيبَالَ».

تثنية 27: 4 و5

حِينَئِذٍ أي على أثر الفراغ من هدم عاي وصلب ملكها.

حسب الحكمة البشرية كان أحسن ليشوع أن يذهب إلى شكيم ويقيم المذبح بعد ما يكون قد أخذ الأرض كلها واستراح من كل أعدائه ولكنه طلب أولاً ملكوت الله واتكل عليه بأنه يعطيهم الأرض ويحفظهم من أعدائهم. فنتعلم من هذا أهمية الدين فلا نسمح لعمل من أعمالنا العالمية أن يمنعنا عن ممارسة الخدمة الدينية أو يؤخرنا عنها.

بَنَى يَشُوعُ مَذْبَحاً... فِي جَبَلِ عِيبَالَ قياماً بوصية موسى (انظر تثنية 27: 4 و5 وتفسير ع 31). وجبل عيبال يُعرف اليوم عند العامة «بستي سلامة» وفي جواره جبل نابلس وهي شكيم القديمة. وعلو عيبال عن سطح البحر 3076 قدماً أو نحو 1367 ذراعاً سلطانية. ويسمع الذين على عيبال صوت المتكلم على جرزيم حسناً وترى من قنته أرض فلسطين من جبل حرمون (وهو المعروف اليوم بجبل الشيخ) إلى قرب بيت إيل (المعروفة اليوم ببيتين) ومن بحر الروح إلى حوران. وكان في شكيم بعد ذلك سبط أفرايم غير بعيد عن السامرة القديمة. وبنى المذبح على أثر دخولهم أرض كنعان جرياً على أمر موسى (تثنية 27: 2) وقدموا عليه الذبائح إطاعة لذلك الأمر (تثنية 27: 7). ولم نعهد أنه ذُكر في غير هذا الموضع تقديم الذبائح على عيبال. ولكن الذي نتيقنه أن الله قبل الذبائح في أماكن كثيرة من أرض كنعان (خروج 20: 24). وذبائح السلامة كانت تقدّم للشكر على السلامة والنجاة من الشر. وكان بعد انتصار الإسرائيليين على أهل عاي ونجاتهم مما حلّ ببعض الثلاثة الآلاف الذين كسرهم أهل عاي وقتلوا بعضهم وقت مناسب لتلك الذبائح. وما سلموا هنا إلا لأنهم قاموا بما يجب عليهم. وصدق قول بعضهم «طريق الواجب طريق السلامة». وكانت تلك الذبائح فوق ذلك لتجديد العهد مع الله وفى لهم بعهده وأدخلهم أرض الميعاد أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً.

31 «كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ تَوْرَاةِ مُوسَى. مَذْبَحَ حِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ عَلَيْهَا حَدِيداً، وَأَصْعَدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ».

خروج 20: 25 وتثنية 27: 5 و6 خروج 20: 24

لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ عَلَيْهَا حَدِيداً أي آلة حديد من آلات البناء. وكان ذلك بمقتضى الشريعة (انظر خروج 20: 25 وتثنية 27: 5). ولعل غاية هذا النهي حفظهم من صنع الصور والتماثيل والسجود لها.

32 «وَكَتَبَ هُنَاكَ عَلَى ٱلْحِجَارَةِ نُسْخَةَ تَوْرَاةِ مُوسَى ٱلَّتِي كَتَبَهَا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

تثنية 27: 2 و8

وَكَتَبَ هُنَاكَ عَلَى ٱلْحِجَارَةِ إذا قابلت ما قيل هنا بما قيل في (تثنية 27: 2 - 7) ترى أن تلك الحجارة كانت زائدة على بناء المذبح وكانت عدة أعمدة منصوبة مطلية بالشيد ليملّس سطحها ويستوي لتكون مناسبة لأن يُكتب عليها (راجع تثنية 27: 2 والتفسير).

نُسْخَةَ تَوْرَاةِ مُوسَى أي نسخة البركات واللعنات لأن ذلك الوقت كان وقت تلاوتها لا تلاوة الأسفار الخمسة ولا الوصايا العشر (انظر تثنية 27: 8).

ونتعلم من هذا أهمية الكتب المقدسة فإن يشوع كتب على الحجارة خلاصة الشريعة وقرأ جميع كلام التوراة ليسمعه كل الشعب ويفهموه لأن معرفة كلام الله من واجبات جميع الشعب وليس الرؤساء فقط.

وكتب اللعنات وليس البركات فقط وذلك مما يشير إلى محبة الله لشعبه كمحبة أب لابنه المسافر لأنه يعلمه الطريق وفوق ذلك يذكر الأخطار من لصوص أو من حفرة أو من وحوش إذا حاد عن الطريق.

33 «وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَشُيُوخُهُمْ، وَٱلْعُرَفَاءُ وَقُضَاتُهُمْ، وَقَفُوا جَانِبَ ٱلتَّابُوتِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ مُقَابِلَ ٱلْكَهَنَةِ ٱللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ. ٱلْغَرِيبُ كَمَا ٱلْوَطَنِيُّ. نِصْفُهُمْ إِلَى جِهَةِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَنِصْفُهُمْ إِلَى جِهَةِ جَبَلِ عِيبَالَ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ أَوَّلاً لِبَرَكَةِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ».

تثنية 31: 9 و25 تثنية 31: 12 تثنية 11: 29 و27: 12

ٱلْعُرَفَاءُ وفي العبرانية «شطريم» أي المُسيطرون جمع مُسيطر وهو الرقيب الحافظ والمتسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أعماله ويكتبها وأصله من السطر أي الكابة. و«العرفاء» جمع عريف وهو رئيس القوم أو نائبه وهو الموافق هنا فإن المراد بالعرفاء هنا هم الذين كانوا بعد الشيوخ أي نواب الشيوخ في القضاء المدني وكانوا قواد الشعب في مصر وفي البرية مع السبعين شيخاً (انظر خروج 5: 6 - 19 وعدد 11: 16 وتثنية 20: 5 - 9 وانظر التفسير).

ٱلْغَرِيبُ كَمَا ٱلْوَطَنِيُّ (انظر تثنية 31: 12).

نِصْفُهُمْ إِلَى جِهَةِ جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَنِصْفُهُمْ إِلَى جِهَةِ جَبَلِ عِيبَالَ (انظر تثنية 27: 11 - 26 والتفسير) ويظهر أن القسمين لم يكونا على قنتي الجبلين بل اصطفا عند الحضيضين ليسمعا.

لِبَرَكَةِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وللعنته أيضاً (انظر تثنية 27: 13).

34، 35 «34 وَبَعْدَ ذٰلِكَ قَرَأَ جَمِيعَ كَلاَمِ ٱلتَّوْرَاةِ: ٱلْبَرَكَةَ وَٱللَّعْنَةَ، حَسَبَ كُلِّ مَا كُتِبَ فِي سِفْرِ ٱلتَّوْرَاةِ. 35 لَمْ تَكُنْ كَلِمَةٌ مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى لَمْ يَقْرَأْهَا يَشُوعُ قُدَّامَ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ وَٱلنِّسَاءِ وَٱلأَطْفَالِ وَٱلْغَرِيبِ ٱلسَّائِرِ فِي وَسَطِهِمْ».

تثنية 31: 11 ونحميا 8: 3 تثنية 28: 2 و15 و45 و29: 20 و21 و30: 19 تثنية 31: 12 ع 33

وَبَعْدَ ذٰلِكَ قَرَأَ جَمِيعَ كَلاَمِ ٱلتَّوْرَاةِ: ٱلْبَرَكَةَ وَٱللَّعْنَةَ التي كُتبت على الحجارة والتي لم تُكتب عليها لأنه «لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقرأها يشوع» وكان كل ذلك لتجديد العهد مع الله.

وَٱلنِّسَاءِ وَٱلأَطْفَالِ كان تجديد عهد الله على الكبار والصغار ذكوراً وأناثاً.

وَٱلْغَرِيبِ المتهوّد من الأمم.

فوائد

  1. إن شعب الله ينتصر (ع 1 و2) لكن عليه أن يستعد للمحاربة فعلى المسيحي أن يحارب الخطيئة والشيطان لينتصر عليهما ويدخل كنعان السماوية.

  2. إن على شعب الله أن لا يستخفّ بالأعداء ويأتي الحرب بكل ما يستطيعه من الوسائل وإلا انكسر (ع 3 و4). فمن استخفّ بالخطيئة غلبته وبالشيطان كسره وقتله.

  3. إن الفطنة والنباهة مما يجب في الجهاد المسيحي (ع 2 - 22).

  4. إن النجاح الوقتي يعمي الأشرار (قابل ما في ص 7: 4 بما في ص 8: 14 - 17). إن انتصار أهل عاي أولاً أعمى أذهانهم حتى حسبوا إن جيش إسرائيل هرب أمامهم الآن كما هرب قبلاً ولم يفطنوا لخدعة الحرب.

  5. إن الثقة بوعد الله وكلامه والعمل بمقتضاه مصدر الانتصار (ع 1 و10 الخ).

  6. إن اختلاف الوسائل لا يلزم منه اختلاف المقاصد. (فبعض الإسرائيليين كمن وبعضهم ظهر وتظاهر بالانكسار وكان قصد الفريقين الانتصار).

  7. إن الانكسار في أول وقائع الحرب ليس بدليل على الانكسار الدائم فهو لا يوجب الجبن. (إن الإسرائيليين انكسروا في الواقعة الأولى لكنهم انتصروا الانتصار التام في الواقعة الثانية).

  8. إن خراب عاي بواسطة يشوع رمز إلى خراب مملكة الشيطان بواسطة يسوع لأنه أُظهر يسوع «ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ» (1يوحنا 3: 8).

  9. إن الله يغضب على الخطيئة غضباً شديداً. (فخطيئة أهل عاي بالعبادة الوثنية ومقاومة شعب الله حملته تعالى على قتل رجالها ونسائها وأولادها وهدمها وصلب ملكها وجعل قبره جثوة حجارة عبرة للمعتبرين).

  10. إنه يجب تكرار الاجتهاد. فمن أمثال اليهود إن ثلاثة من الناس لا يستحقون الشفقة الدائن غير الواثق بإيفاء مدينه ما عليه. والرجل الذي تتسلط عليه زوجته ومن لا يكرر اجتهاده. فقوة تجديد الاجتهاد ومحاولة إدراك المطلوب من صفات الطباع الشريفة. إن الله أمر يشوع بعد انكسار رجاله في عاي بالاجتهاد ثانية فأدرك المراد. فيجب أن نتعلم من الخيبة الأولى ما يقوينا على الفوز.

  11. إنه يجب أن تكون ثمرة الانتصار الإكرام لله والشكر له فإن يشوع بنى على أثر انتصاره المذبح وقدم عليه ذبائح السلامة وهي ذبائح الشكر وتلا على الجميع شريعة الله.

  12. إن الشريعة بركة ولعنة بركة على الطائعين ولعنة على العاصين.

  13. إن الإيمان بلا أعمال ميت. آمن يشوع بقوة الله ونصره إياه ولكنه ما اكتفى بهذا بل بنى المذبح وكتب الشريعة وتلا الكتاب.

  14. إن الفضل لله في نجاحنا لا لنا (والعلة ظاهرة).

  15. إن الناموس خادم الإنجيل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

معاهدة الجبعونيين

1 «وَلَمَّا سَمِعَ جَمِيعُ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ فِي ٱلْجَبَلِ وَفِي ٱلسَّهْلِ وَفِي كُلِّ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ إِلَى جِهَةِ لُبْنَانَ، ٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ».

عدد 34: 6 خروج 3: 17 و23: 23

عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أرض الشاطئ الغربي حيث كان الإسرائيليون وكاتب هذا السفر يكتب هذا النبأ كأنهم اعتادوا القول «عبر الأردن» فلم يزالوا يسمّون به الشاطئ الغربي بعد ما عبروا.

ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ أي بحر الروم وهو البحر المتوسط.

ٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ «الحثيون» أبناء حثّ ثاني أبناء كنعان سكنوا أولاً في قرية أربع وهي حبرون وسُميت أيضاً ممرا (تكوين 23: 19 و35: 27) وهي لا تزال إلى هذا اليوم وتُعرف بالخليل. ودلت كتابات الأشوريين وأنباء المصريين على أنهم كانوا أمة قوية. و«الأموريون» أمة كنعانية وُصفوا بطول القامة والشجاعة (عاموس 2: 9) وكانوا يسكنون في أول أمرهم الحزون الكثيرة الهضاب جنوبي أورشليم ثم سكنوا بين نهر أرنون ويبوق والأردن فكانت أرضهم الأرض الجبلية بين الأردن والنهر الكبير. و«الكنعانيون» سلالة كنعان بن حام بن نوح وهم سكان الأرض المقدسة قبل أن دخلها بنو إسرائيل والمراد بهم قسم من الكنعانيين بقوا يسمون بنسبتهم إلى كنعان وإلا فالحثيون والأموريون وغيرهم كنعانيون. ومثل هذا كثيراً ما يحدث في هذه الأيام فتسمى أقسام من العشيرة بأسماء مختلفة ويبقى كثيرون منها معروفين بالاسم الأول. و«الفرزيون» القرويون أي سكان القرى كانوا من سكان فلسطين. و«اليبوسيون» سكان أورشليم يومئذ وهم أمة كنعانية على ما يرجّح.

2 «ٱجْتَمَعُوا مَعاً لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ وَإِسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ».

مزمور 83: 3 و5

ٱجْتَمَعُوا مَعاً لِمُحَارَبَةِ يَشُوعَ أي تعاهدوا وتحالفوا على محاربة يشوع وشعب يشوع وفي العبارة عطف العام على الخاص لأن يشوع واحد من الإسرائيليين.

بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وفي العبرانية «بفم واحد» والمعنى باتفاق تامّ.

3 «وَأَمَّا سُكَّانُ جِبْعُونَ لَمَّا سَمِعُوا بِمَا عَمِلَهُ يَشُوعُ بِأَرِيحَا وَعَايٍ».

ص 10: 2 و2صموئيل 21: 1 و2 ص 6: 27

سُكَّانُ جِبْعُونَ معنى جبعون تلّ وهي مدينة كبيرة لبنيامين (ص 18: 25) أُعطيها بنو هارون (ص 21: 17) على غاية نحو 6 أميال من أورشليم وفي شماليها كان سكانها يومئذ الحويون (ع 7) ولعلها كانت عاصمتهم. وهي اليوم قرية صغيرة تُسمى جيب أو جب فاسمها الآن قطعة من جبعون وهي على قنة أكمة في حضيضها الشرقي عين ينصب ماؤها إلى بركة طولها 120 قدماً وعرضها مئة قدم. وكان هؤلاء على ما يظهر أعقل من سائر سكان كنعان لعلمهم أن النصر للإسرائيليين فلم يحالفوا أولئك الأحلاف المذكورين في الآية الأولى. وخداعهم يومئذ ليشوع وسائر الإسرائيليين كان من أعجب المجاراة الاتفاقية فكأنه كان جزاء لهم على خداع شمعون ولاوي للحويين قديماً منذ عهد مجيء يعقوب إلى شكيم من فدان آرام (انظر تكوين ص 34). ويزيد ذلك عجباً إن زمان دخلها يعقوب أعمل ولداه السيف في أهلها وزمان إتيان يشوع أُنقذت هي وسائر مدن الحويين الأربع (ع 17) من سيف الإسرائيليين.

لَمَّا سَمِعُوا بِمَا عَمِلَهُ يَشُوعُ بِأَرِيحَا وَعَايٍ كان العمل عمل الثلاثين ألفاً من الإسرائيليين فأُسند إلى يشوع لأنه كان الآمر. وما أكثر المجاز في هذا السفر.

4 «عَمِلُوا بِغَدْرٍ، وَمَضَوْا وَدَارُوا وَأَخَذُوا جَوَالِقَ بَالِيَةً لِحَمِيرِهِمْ، وَزِقَاقَ خَمْرٍ بَالِيَةً مُشَقَّقَةً وَمَرْبُوطَةً».

عَمِلُوا بِغَدْرٍ وفي العبرانية «بعرمة» أي بخداع وأما الغدر فهو الخيانة ونقض العهد. إن أهل جبعون قصدوا بهذا الخداع النجاة دون الإضرار بالإسرائيليين فهم عملوا بفطنة كوكيل الظلم الذي ذكره المسيح وكان هذا مألوفاً عند سكان كنعان وما أظنهم حسبوه حراماً ولذلك لم يجازوا عليه لأنه إذا لم يكن من شريعة فليس من عقاب فهم أخطأوا على غير علم وربما حسبوا ذلك جائراً لعدم قصدهم الشر لغيرهم فنجوا كما نجت راحاب ولكن هذا كله لا يبرئهم من الخطاء فكان عليهم أن يعرفوا ذلك ويعتزلوه ولعلهم ندموا على ذلك بعد حين ورأوا أنهم كانوا قادرين على معاهدة الإسرائيليين من غير خداع والذي حملهم على الخداع إن الإسرائيليين كانوا يعتقدون إن أهل أرض كنعان كلهم كانوا أعداءهم ويريدون لهم الشرّ.

جَوَالِقَ جمع جِوالَق (بكسر الجيم وفتح اللام) وجُوالَق (بضم الجيم وفتح اللام) وجُوالِق (بضم الجيم وكسر اللام) وهو عِدل كبير من صوف أو شعر يُحشى تبناً ويوضع تحت الحمل وهو فارسي معرّب. وللكلمة العبرانية معنىً آخر وهو الإخلاص والبُلس أي البراذع.

زِقَاقَ جمع زق وهو ظرف من الجلد.

مَرْبُوطَةً الشقوق بدل الخياطة أو الرّقع بأن جُمعت أطراف الشق ورُبطت بخيط كما يفعل أهل الأسفار البعيدة.

5 «وَنِعَالاً بَالِيَةً وَمُرَقَّعَةً فِي أَرْجُلِهِمْ، وَثِيَاباً رَثَّةً عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ خُبْزِ زَادِهِمْ يَابِسٌ قَدْ صَارَ فُتَاتاً».

نِعَالاً أي أحذية وكانت يومئذ قطعاً من الجلود تحت الأقدام تُربط إلى ظهورها بسيورٍ وهي قدد من الجلد فلم تكن كأحذية هذا العصر والعصور الحديثة قبله ولهذا كان المضيفون يغسلون أرجل الضيوف عند نزولهم عليهم لأن ظهور الأقدام وأصابعها كانت تحمل غباراً وأوساخاً كثيرة في أثناء السفر.

فُتَاتاً متفتتاً. وأتوا كلّ ما في هذه الآية والتي قبلها ليوهموا الإسرائيليين أنهم قصدوهم من مكان بعيد.

6 «وَسَارُوا إِلَى يَشُوعَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ، وَقَالُوا لَهُ وَلِرِجَالِ إِسْرَائِيلَ: مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِئْنَا. وَٱلآنَ ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً».

ص 5: 10 تثنية 7: 2

لِرِجَالِ إِسْرَائِيلَ أي شيوخ الإسرائيليين أو عرفائهم (انظر ع 15) وفي الأصل العبراني «رجل إسرائيل» فاستعمل المفرد للجمع إذ حسب الرؤساء المتحدين كشخص واحد كاستعمال إسرائيل لكل الشعب ومثل هذا كثير في العبرانية. والمسوغ لذلك أن الرؤساء كانوا وكلاء الشعب وكانوا كواحد في القصد والعمل.

ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً وفي العبرانية «كرتوا (أو كرثوا) لنو بريت» أي اقطعوا لنا مقطوعاً وأرادوا بالمقطوع العهد لأن أصله من قطع الذبيحة ذبيحة العهد (انظر تكوين 15: 10 والتفسير). ومادة الكرث لا تزال في العربية والمستعمل منها انكرث أي انقطع. وبريت كأنها وزن فعيل من برت أي قطع ففي متون اللغة العربية برث الشيء يبرته برتاً قطعه وكذا البرت في العبرانية ولكني لم أقف على بريت في كتب اللغة العربية. و«العهد» هنا الحلف على أنهم لا يضرونهم وأن يتخذوهم أصدقاء وخلطاء.

7 «فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِلْحِوِّيِّينَ: لَعَلَّكَ سَاكِنٌ فِي وَسَطِي، فَكَيْفَ أَقْطَعُ لَكَ عَهْداً؟».

ص 11: 19 خروج 23: 32 وتثنية 7: 2 و20: 16 وقضاة 2: 2

فَقَالَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وفي العبرانية «رجل إسرائيل» كما في ع 6 (انظر التفسير) والمراد الشيوخ أو الرؤساء. والمفرد هو المناسب لقوله «في وسطي».

لِلْحِوِّيِّينَ وفي العبرانية «للحوي» بلفظ المفرد وهو المناسب لقوله «لعلك ساكن» على أن المراد به الجمع.

لَعَلَّكَ سَاكِنٌ فِي وَسَطِي أي بيننا وفي أرضنا لأن الإسرائيليين كانوا أرباب أرض كنعان بمقتضى وعد الله.

فَكَيْفَ أَقْطَعُ لَكَ عَهْداً أي لا أقطع لك عهداً. وعلى ذلك قول الله بلسان موسى «مَتَى أَتَى بِكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا وَطَرَدَ شُعُوباً كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: ٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ. َدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْداً، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ» انظر تثنية 7: 1 و2 والتفسير). فعمل أهل جبعون يدل على أنهم كانوا عارفين هذه الوصية وإن المدن البعيدة مستثناة منها كما في (تثنية 20: 15).

8 «فَقَالُوا لِيَشُوعَ: عَبِيدُكَ نَحْنُ. فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: مَنْ أَنْتُمْ، وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟».

تثنية 20: 11 و2ملوك 10: 5

عَبِيدُكَ نَحْنُ على مقتضى شريعة موسى في أهل المدن البعيدة التي تريد السلم (تثنية 20: 10 - 12) فقد سلّمنا بلا حرب ولا شروط فنرضى ما ترضون إنما نبغي حفظ حياتنا ومصادقتنا وووقايتنا من حد السيف رحمة منك ومن رؤساء إسرائيل.

مَنْ أَنْتُمْ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ لعل إتيانهم على تلك الحال من الخضوع والتذلل جعل في نفس يشوع ريباً من أمرهم فسألهم هذا على ما رأى أحد المفسرين. ويحتمل الكلام أن قولهم دلّ على أنهم ليسوا من أمم كنعان السبع التي نهى الإسرائيليين عن معاهدتهم واستبقائهم (تثنية 20) فسأل ليعرف من هم وما بلادهم.

9 «فَقَالُوا لَهُ: مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِدّاً جَاءَ عَبِيدُكَ عَلَى ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ، لأَنَّنَا سَمِعْنَا خَبَرَهُ وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمِصْرَ».

تثنية 20: 15 خروج 15: 14 وص 2: 10

مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ جِدّاً جَاءَ عَبِيدُكَ أي ما جاء عبيدك إلا من أرض بعيدة. قالوا ذلك للتحقيق ودفع الريب.

عَلَى ٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ أي لأجل اسم الرب إلهك.

لأَنَّنَا سَمِعْنَا خَبَرَهُ أي خبر أعماله وعنايته وما استلزم ذلك من أنه إله قدير محب لشعبه وأدلة قدرته نصركم على الأعداء وما صنعه من المعجزات وأعلنه من الآيات.

وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمِصْرَ من الضربات وقهر المصريين وإلجائهم على أن يطلقوا شعب إسرائيل الخ. وذكروا هذه الأمور القديمة ليبينوا ليشوع أنهم وآبائهم من قبلهم عرفوا قدرة إله إسرائيل وصلاحه وإنه الإله الحق وإنهم مؤمنون بذلك الإله العظيم. أتوا كل ذلك ستراً لأمرهم أو لخداعهم. ولذلك كتموا الأمور الحديثة من العظائم كشق نهر الأدرن وهدم أريحا وغير ذلك لئلا يُظنوا أنهم من أرض قريبة منهم فإن تلك الأمور القديمة إذا كانت قد بلغتهم حديثاً دلّ ذلك على أن بلادهم بعيدة.

10 «وَكُلَّ مَا عَمِلَ بِمَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ، سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ ٱلَّذِي فِي عَشْتَارُوثَ».

عدد 21: 24 و33

بِمَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ... سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ (انظر عدد 21: 24 - 33 والتفسير). فسيحون (ومعناه الانقراض) أُهلك لأنه منع الإسرائيليين من المرور بأرضه وهم آتون من مصر إلى كنعان وهُزم جيشه وأُخذت حسبون عاصمة ملكه واقتسم الإسرائيليون بلاده. وعوج ملك من الرفائيين كان طويل القامة شديد البأس (تثنية 3: 11 ويشوع 13: 12) حاول منع الإسرائيليين من المرور بأرضه (تثنية 3: 1). لكنه هرب في واقعة أذرعي وقُتل هو وبنوه (عدد 21: 34 وتثنية 1: 4). واقتسم الرأوبينيون والجاديون ونصف سبط منسى مدنه الستين المحصنة (عدد 32: 2 - 5). وكان سريره من حديد أخذه أهل ريّة بني عمون وحفظوه بين نفائسهم (تثنية 3: 11). و«حشبون» تسمى اليوم حسبان وهي على أكمة تعلو 200 قدم عن صعيد موآب. وكانت على التخم الذي بين سهمي رأوبين وجاد على غاية 15 ميلاً من شرقي الطرف الشمالي من بحر لوط وهي خربة ظاهرة الأطلال. وإلى شرقيها بقايا قنوات وبركة يًُظن أنها إحدى بُرك حشبون (نشيد الأناشيد 7: 4). و«باشان» قسم من أرض كنعان شرقي الأردن بين جبلين أحدهما حرمون أي جبل الشيخ والآخر جلعاد وهو جنوبي يبوق علوه نحو 4000 قدم بين خمسة أميال وستة أميال وهو يمتد شرقاً وغرباً ويقرب من عمان. و«عشتاروت» مدينة في باشان شرقي الأردن (تثنية 1: 4) وهي بعشترة (ص 21: 27) والمرجّح أنها ما يُعرف اليوم بتل عشترة في الجولان.

11 «فَكَلَّمَنَا شُيُوخُنَا وَجَمِيعُ سُكَّانِ أَرْضِنَا قَائِلِينَ: خُذُوا بِأَيْدِيكُمْ زَاداً لِلطَّرِيقِ، وَٱذْهَبُوا لِلِقَائِهِمْ وَقُولُوا لَهُمْ: عَبِيدُكُمْ نَحْنُ. وَٱلآنَ ٱقْطَعُوا لَنَا عَهْداً».

فَكَلَّمَنَا شُيُوخُنَا أي حكامنا. رأى بعضهم من هذا أن حكمهم كان جمهورياً لا ملكياً أي إنه كان يسوسهم جماعة من المنتخبين الذين هم أهل للحكم.

ٱذْهَبُوا لِلِقَائِهِمْ لأنهم لو بقوا لوصل إليهم الإسرائيليون وأهلكوهم ولم تجد حيلة ولا ينفع خداع. وكلامهم يدل على أنهم عرفوا أن الإسرائيليين سيصلون إلى أرضهم وإنهم قادمون إليها وإنهم سيقتلون أمم كنعان (ع 24).

12، 13 «12 هٰذَا خُبْزُنَا سُخْناً تَزَوَّدْنَاهُ مِنْ بُيُوتِنَا يَوْمَ خُرُوجِنَا لِنَسِيرَ إِلَيْكُمْ، وَهَا هُوَ ٱلآنَ يَابِسٌ قَدْ صَارَ فُتَاتاً. 13 وَهٰذِهِ زِقَاقُ ٱلْخَمْرِ ٱلَّتِي مَلأْنَاهَا جَدِيدَةً، هُوَذَا قَدْ تَشَقَّقَتْ. وَهٰذِهِ ثِيَابُنَا وَنِعَالُنَا قَدْ بَلِيَتْ مِنْ طُولِ ٱلطَّرِيقِ جِدّاً».

سُخْناً تَزَوَّدْنَاهُ الخ فيدلكم يبسه وتفتته على بُعد المسافة بيننا وبينكم وكذا سائر أدواتنا.

14 «فَأَكَلَ ٱلرِّجَالُ مِنْ زَادِهِمْ، وَمِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ لَمْ يَسْأَلُوا».

عدد 27: 21 وقضاة 1: 1 و1صموئيل 22: 10 و23: 10 و11 و30: 8 و2صموئيل 2: 1 و5: 19 وإشعياء 30: 1 و2

فَأَكَلَ ٱلرِّجَالُ مِنْ زَادِهِمْ هذه العبارة مبهمة فلا يُعلم منها أرجال إسرائيل أخذوا من زاد الحويين أم الرجال الحويون أخذوا من زاد أنفسهم ولكن الكلام الفصيح يقتضي الأول. والمراد بأولئك الرجال الشيوخ الإسرائيليون. ومعنى أخذهم الزاد مبهم أيضاً فهل أخذوه وأكلوه فكان ذلك علامة الصداقة كما هو المعهود إلى الآن في الشرق أو أخذوه ليروا أنه كما قالوا يبس وتفتت لطول المسافة فوجدوه يابساً متفتتاً فصدقوا قول الجبعونيين أنهم أتوا من مكان بعيد جداً. وفي الترجمة الكلدانية ما معناه والرجال صدقوا كلامهم. وقال بعضهم إن الأصل العبراني يحتمل أنهم قبلوا الرجال بسبب زادهم أي ما رأوه من أحواله الدالة على أنهم قدموا من مكان بعيد.

وَمِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ لَمْ يَسْأَلُوا أي سلّموا بقول الحويين الذين هم أهل جبعون ولم يسألوا كلاماً أو بياناً من فم الرب بواسطة الكاهن الذي كان يعلم إرادة الرب بواسطة الأوريم والتميم (خروج 28: 30 وعدد 27: 21 و1صموئيل 30: 7 و8) فهذا يدل على أنهم لو سألوا الرب ما خُدعوا ولم يقبلوا الجبعونيين ولم يرحموهم. وإن الله خلّص الجبعونيين لإيمانهم وتوبتهم وإن كان ذلك ليس بعذر للجبعونيين على كذبهم ولا لرؤساء إسرائيل على غفلتهم عن أن يسألوا الرب.

15 «فَعَمِلَ يَشُوعُ لَهُمْ صُلْحاً وَقَطَعَ لَهُمْ عَهْداً لاسْتِحْيَائِهِمْ، وَحَلَفَ لَهُمْ رُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ».

ص 11: 19 و2صموئيل 21: 2

وَحَلَفَ لَهُمْ رُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ أي حلف رؤساء الإسرائيليين لأهل جبعون على أنهم لا يقتلونهم. ومعنى هذا الحَلف أن غضب الله يقع عليهم إن خانوا أو خالفوا عهدهم بأن قتلوهم أو أفسدوا صداقتهم.

16 «وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَمَا قَطَعُوا لَهُمْ عَهْداً سَمِعُوا أَنَّهُمْ قَرِيبُونَ إِلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِهِمْ».

وَفِي نِهَايَةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إذ كانوا قد وصلوا إلى بلادهم. الظاهر أنه كان بين مدن الجبعونيين والجلجال حيث كان الإسرائيليون ثلاث مراحل فإن الجبعونيين في اليوم الثالث بعد قطع العهد وصلوا إلى بلادهم وكانوا قد أشاعوا على الطريق إنهم عاهدوا الإسرائيليين فبلغ ذلك مسامع الإسرائيليين إن الذين عاهدوهم أهل جبعون.

وَأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِهِمْ أي في وسط أرضهم (والمجاز كثير في هذا السفر كما عرفت) وفي العبرانية «ساكنون في وسطه» أي في وسط أرض شعب إسرائيل فاستعمل المفرد للجمع وقد سبق له نظائر.

17 «فَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى مُدُنِهِمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. وَمُدُنُهُمْ هِيَ جِبْعُونُ وَٱلْكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتُ وَقَرْيَةُ يَعَارِيمَ».

ص 18: 25 و26 و28 وعزرا 2: 25

فَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ على أثر سمعهم فالفاء سببيّة (ويصحّ أنها استئنافية) أو عاطفة غير سببيّة للترتيب.

وَجَاءُوا إِلَى مُدُنِهِمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أي مدن الحويين الذين منهم الجبعونيون. وقال بعضهم إن المعنى الأحسن حسب الأصل العبراني لأنه حين سافر الإسرائيليون جاءوا إلى مدنهم فيكون المعنى أن الإسرائيليين إذ جاءوا إلى مدن الحوّيين سمعوا أنهم ساكنون في وسطهم فيكون فرق المدة بين التفسيرين ثلاثة ايام إذ على المعنى الأول أنهم سمعوا بعد الحلف بثلاثة أيام إن الذين حالفوهم ساكنون في وسطهم أي في أرضهم لأنها كانت لهم بوعد لله وقد دخلوها فسافروا إلى مدنهم ووصلوا إليها في اليوم الثالث فتكون المدة بين الحلَف ووصول الإسرائيليين إلى مدن الحويين ستة أيام وعلى التفسير الثاني ثلاثة أيام والأول هو المناسب لنظم الكلام.

وَمُدُنُهُمْ هِيَ جِبْعُونُ وَٱلْكَفِيرَةُ وَبَئِيرُوتُ وَقَرْيَةُ يَعَارِيمَ «جبعون» كانت مدينة عظيمة على غاية نحو 6 أميال من شمالي أورشليم وهي اليوم قرية تُعرف بالجيب. و«الكَفيرة» وهي اليوم قرية اسمها الكفير أو كفيرة على غاية ثمانية أميال من الجيب وفي الشمال الغربي منها. و«بئيروت» معناها آبار كانت مدينة في سبط بنيامين على سفح الأكمة التي عليها جبعون وعلى غاية عشرة أميال في شمالي أورشليم وهي اليوم قرية اسمها البيرة. و«قرية يعاريم» معناها مدينة الآجام ظنّ بعضهم أنها قرية العنب قرب أورشليم وآخر أنها عرمة على غاية أربعة أميال من عين شمس شرقاً وتسمى بعلة وقرية بعل. أُتي إليها بالتابوت من بيت شمس (1صموئيل 6: 21 و7: 1 و2) فبقي هناك حتى نقله داود إلى بيدر ناخون وبيت عوربيد أدوم (2صموئيل 6: 6 - 10).

18 «وَلَمْ يَضْرِبْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْجَمَاعَةِ حَلَفُوا لَهُمْ بِٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. فَتَذَمَّرَ كُلُّ ٱلْجَمَاعَةِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ».

مزمور 15: 4 وجامعة 5: 2

لَمْ يَضْرِبْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أي لم يقتلوهم ضرباً بالسيف أو لم يضربوهم بيسوفهم فيقتلوهم.

لأَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْجَمَاعَةِ حَلَفُوا لَهُمْ أي لأن رؤساء الإسرائيليين عاهدوهم بقسم على أن لا يقتلوهم فلو ضربوهم حنثوا والحنث محظور وكذا الإخلاف بالوعد ونقض العهد (مزمور 15: 4).

فَتَذَمَّرَ كُلُّ ٱلْجَمَاعَةِ عَلَى ٱلرُّؤَسَاءِ لا شك في أن تذمُّر بعضهم كان لأن ذلك مخالف لوصية الله إذ نهاهم عن معاهدة أمم كنعان وأمرهم بتحريمهم والقسوة عليهم انتقاماً منهم على معاصيهم وإصرارهم على آثامهم. وإن تذمُّر الآخرين وهم الأكثر كان لأن ذلك الحلف حرمهم غنائم الجبعونيين.

19 «فَقَالَ جَمِيعُ ٱلرُّؤَسَاءِ لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ: إِنَّنَا قَدْ حَلَفْنَا لَهُمْ بِٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. وَٱلآنَ لاَ نَتَمَكَّنُ مِنْ مَسِّهِمْ».

حَلَفْنَا لَهُمْ فعل الرؤساء فعل الرجل الكامل أنه «يَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ» (مزمور 15: 4). وأشبهوا يفتاح بأنه قتل ابنته وليس له ولد غيرها ولم يرجع عن نذره. وكان لهم أن يقولوا للجبعونيين أنتم خدعتمونا وكان حلفنا لكم بناء على أنكم من أرض بعيدة ولكنكم كذبتم فبطل ما بنينا عليه الحلف فبطل الحلف أيضاً لكنهم حلفوا بالرب فلم يرجعوا تعظيماً لما حلفوا به لأنهم لو نكثوا عهدهم أهان الأمم أعداء الله وجدفوا عليه واستهانوا به لأن شعبه حلف به وحنث ولعل هذا ما حمل يفتاح على قتل ابنته لئلا يبطل نذره ولا يفي به.

مَسِّهِمْ بضرر أو أذىً. وجاء المس في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس بمعنى الإضرار ومنها ما في (تكوين 26: 11 وراعوث 2: 9 وزكريا 2: 8) وعلى هذا جاء في الترجمة الكلدانية «لا يمكننا أن نوقع بهم ضرّاً».

20 «هٰذَا نَصْنَعُهُ لَهُمْ وَنَسْتَحْيِيهِمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْنَا سَخَطٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْحَلْفِ ٱلَّذِي حَلَفْنَا لَهُمْ».

2صموئيل 21: 1 و2 و6 وحزقيال 17: 13 و15 و18 و19 وزكريا 5: 3 و4 وملاخي 3: 5

فَلاَ يَكُونُ عَلَيْنَا سَخَطٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْحَلْفِ كما كان السخط على شاول لأنه قتل الجبعونيين (2صموئيل 21: 1 و2).

21 «وَقَالَ لَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ: يَحْيَوْنَ وَيَكُونُونَ مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ كَمَا كَلَّمَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ».

تثنية 29: 11 ع 15

مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ أي يكونوا عبيداً على وفق قولهم (ع 8) ووفق شريعة الله (تثنية 20: 11). وهذه الخدمة من أدنى الخدم (تثنية 29: 10 و11).

لِكُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ لا لكل فرد من الإسرائيليين فالخدمة عامة لا خاصة (ع 23).

كَمَا كَلَّمَهُمُ ٱلرُّؤَسَاءُ الكاف متعلقة بقولهم «يحيون» أي يحيون كما عاهدهم الرؤساء (ع 15).

22 «فَدَعَاهُمْ يَشُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا خَدَعْتُمُونَا قَائِلِينَ: نَحْنُ بَعِيدُونَ عَنْكُمْ جِدّاً، وَأَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي وَسَطِنَا؟».

ع 6 و9 ع 16

لِمَاذَا خَدَعْتُمُونَا أي لم يكن من داع لكم إلى الخداع فكان يمكنكم أن تؤمنوا بالله وتتوبوا فنستحييكم. قال أحد الأفاضل إن يشوع لم يصفهم بالدناءة ولم يفه بكلمة قاسية كأن يقول لهم أيها الأخساء الكاذبون والثعالب المحتالون كما كانوا يستحقون بل اقتصر على قوله «لماذا خدعتمونا» فعلينا بذلك الاعتصام بالحلم عند مهيجات الغضب فإن الحق لا يحتاج إلى حماية الغضب المؤدي إلى الهجر والسلاطة والشتائم.

23 «فَٱلآنَ مَلْعُونُونَ أَنْتُمْ. فَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْكُمُ ٱلْعَبِيدُ وَمُحْتَطِبُو ٱلْحَطَبِ وَمُسْتَقُو ٱلْمَاءِ لِبَيْتِ إِلٰهِي».

تكوين 9: 25 ع 21 و27

فَٱلآنَ مَلْعُونُونَ أَنْتُمْ أي لذلك أي لخداعكم وجبتم اللعنة على أنفسكم. فالكلام خبر لا دعاء عليهم. وكانت لعنتهم العبودية لأنفسهم ولأولادهم. وكأن هذه اللعنة كانت تصديقاً للعنة أبيهم كنعان لعنة العبودية وهي قول نوح «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ ٱلْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ» (تكوين 9: 25).

فَلاَ يَنْقَطِعُ مِنْكُمُ ٱلْعَبِيدُ وَمُحْتَطِبُو ٱلْحَطَبِ وَمُسْتَقُو ٱلْمَاءِ لِبَيْتِ إِلٰهِي هذه خدمة عامة (ع 21 و27). وبيت الله هنا خيمة الشهادة ثم صارت الهيكل. فكانت تلك اللعنة بما أتوه من الإيمان والطاعة والتسليم بركة لهم لأنها أدّت بهم إلى خدمة بيت الله وهي شرف. قال المرنم «ٱخْتَرْتُ ٱلْوُقُوفَ عَلَى ٱلْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلٰهِي عَلَى ٱلسَّكَنِ فِي خِيَامِ ٱلأَشْرَارِ» (مزمور 84: 10). ويُظن أنهم بقوا في خدمة الرب كل أيامهم على توالي الأنسال فخدموا بيت الله قبّة الشهادة وبيته الهيكل وسموا بعد ذلك النثينيم أي الموقوفين وكانت خدمتهم أدنى من خدمة اللاويين وكثرت الإشارة إليهم في سفر عزرا وسفر نحميا. وذُكروا مع الكهنة واللاويين والبوابين والمغنّين (1أيام 9: 2 وعزرا 7: 24) وسكنوا في الأكمة (نحميا 11: 21) ولم يؤخذ منهم جزية ولا خراج ولا خفارة (عزرا 7: 24). وكانوا مُستعبدين لسليمان وخداماً في بناء بيت الرب لأنهم من بقيّة الكنعانيين (1ملوك 9: 20 و21 و2أيام 8: 7 و8 وانظر أيضاً عزرا 2: 58).

24 «فَأَجَابُوا يَشُوعَ: أُخْبِرَ عَبِيدُكَ بِمَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مُوسَى عَبْدَهُ أَنْ يُعْطِيَكُمْ كُلَّ ٱلأَرْضِ، وَيُبِيدَ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ. فَخِفْنَا جِدّاً عَلَى أَنْفُسِنَا مِنْ قِبَلِكُمْ، فَفَعَلْنَا هٰذَا ٱلأَمْرَ».

خروج 23: 32 وتثنية 7: 1 و2 خروج 15: 14

فَأَجَابُوا الخ بالواقع ولم يبرروا نفوسهم.

25 «وَٱلآنَ نَحْنُ بِيَدِكَ، فَٱفْعَلْ بِنَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَحَقٌّ فِي عَيْنَيْكَ أَنْ تَعْمَلَ».

تكوين 16: 6

نَحْنُ بِيَدِكَ، فَٱفْعَلْ بِنَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَحَقٌّ فِي عَيْنَيْكَ أي نحن خاضعون للعقاب الذي نستحقه بحسب ما تراه نافعاً وحقاً. وهذا اعتراف ظاهر بأنهم أقروا بإثمهم أو بأنهم آثمون وإن ليس لهم ما يدفعون به عن نفوسهم.

26 «فَفَعَلَ بِهِمْ هٰكَذَا، وَأَنْقَذَهُمْ مِنْ يَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقْتُلُوهُم».

فَفَعَلَ بِهِمْ هٰكَذَا أي فعل بهم ما ينفعهم ويوافق العدل فوقفهم للخدمة.

27 «وَجَعَلَهُمْ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مُحْتَطِبِي حَطَبٍ وَمُسْتَقِي مَاءٍ لِلْجَمَاعَةِ وَلِمَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ».

ع 21 و23 و1أيام 9: 2 وعزرا 8: 20 تثنية 12: 5

فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ أي يختاره الرب لمذبحه أو بيته من الخيمة والهيكل.

فوائد

  1. خطيئة السهو أخفّ من خطيئة العمد وإن كانت تجلب جزاءها معها. وخفّتها أن مرتكبها يندم عليها سريعاً ويعجّل الله غفرانها بخلاف خطيئة العمد والله يميّز بين الخطيئتين. فسهو بني إسرائيل عن تحقيق كلام الجبعونيين أوجب عليهم الملام وكان تنبيهاً لكل مؤمن أن يحترس من الخطإ سهواً.

  2. إنه يجب علينا أن نستشير الرب في كل أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا فخطاء بني إسرائيل بمعاهدة الحويين نشأ عن أنهم لم يسألوا الرب وكانوا يسألون الله بالأوريم والتميم ونحن نسأله بالصلاة بقلب خاشع وروح متواضعة.

  3. إنه يجب علينا أن نقوم بما يجب علينا من الوفاء بالوعد وحفظ العهد ولو آل ذلك إلى ضرّنا كما قام بنو إسرائيل بوعدهم وعهدهم للحويين وإن كان ذلك أتوه عن انخداع. ولكن يجب علينا أن نتأمل في الوعد والعهد قبل أن نأتيهما.

  4. إنه يجب أن نفي بالعهد ما لم يكن الوفاء به خطيئة ونعلم أنه خطيئة فكل نذر ووعد وعهد يُبطل إن كان إثماً.

  5. قد يكون الخطاء خيراً للخاطئ إذا ارتكبه على غير قصد الشرّ كما كان للجبعونيين ولكن ذلك لا يجيزه فليس لنا أن نبرر الواسطة بالغاية أو أن نفعل السيئات لكي تأتي الخيرات. والله هو الذي ينشئ عن الشر خيراً لا الذي يفعل الشرّ.

  6. إن خطأ إسرائيل يبيّن لنا أن الإنسان عرضة للخداع وإنه قد يخدع بسهولة فيجب أن ننتبه كل الانتباه.

  7. إن الإنسان بالطبع يكره أن يُخدع ويغضب على من يخدعه فيجب أن نلجم الغضب بالحلم كما فعل يشوع في عتابه للجبعونيين.

  8. إن كان الوفاء بالعهد يضرنا وعدم والوفاء به يحمل الأعداء على تعيير إلهنا وجب أن نقوم به وإن كان مما نشأ عن مخدوعيتنا أو غفلتنا فالمرجّح أن شيوخ إسرائيل لم ينقضوا العهد للحويين وأن يفتاح لم يرجع عن الوفاء بنذره دفعاً لذلك التعبير.

  9. إنه يجب علينا بعد ارتكاب الإثم أن لا نيأس من رحمة الله وأن نتوب فيُحسن الله آخرتنا كما أحسن آخرة الجبعونيين.

  10. إنه يجب علينا أن نرضي المقام الذي يختاره الله لنا فإن الجبعونيين رضوا بأدنى الخدم والله أحسن إليهم. فمن لم يرض بمقامه الذي عيّنه الله له فهو مقاوم لله.

  11. إنه يجب علينا أن ننبئ الخطأة بعواقب الإثم فإن يشوع مع كل تلطفه مع الجبعونيين أنبأهم بوقوع لعنة العبودية عليهم ولكن يجب أن نكون لطفاء بالإنباء وإلا خُشي أن نزيد الأثيم إثماً.

  12. إن الكذب والخداع لا يُستران أبداً فقد صدق من قال حبل الكذب قصير فإن كذب الجبعونيين وخداعهم لم يَطُل خفاؤهما أكثر من ثلاثة أيام.

  13. إنه يجب علينا أن نثق بمواعيد الله ونعتبر أنه وفى بها قبل الوفاء فعلاً لأنّ الله لا يخلف الميعاد فإن بني إسرائيل كانوا يرون أرض كنعان قبل أن يستولوا عليها وتُقسم عليهم بالقرعة.

  14. إن الخلاص والنجاة من الله ولكن على الإنسان أن يبذل جهده في طلبهما ثم يترك الأمر لله فإن الجبعونيين أتوا من أرضهم وبذلوا جهدهم حتى أمكنهم الحصول على العهد الذي تكفل لهم بالنجاة أو الاستحياء وإلا كانوا أصبحوا طعاماً لسيوف الإسرائيليين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

الانتصار على أحلاف كنعان الجنوبيين

1 «فَلَمَّا سَمِعَ أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ أَنَّ يَشُوعَ قَدْ أَخَذَ عَايَ وَحَرَّمَهَا. كَمَا فَعَلَ بِأَرِيحَا وَمَلِكِهَا فَعَلَ بِعَايٍ وَمَلِكِهَا، وَأَنَّ سُكَّانَ جِبْعُونَ قَدْ صَالَحُوا إِسْرَائِيلَ وَكَانُوا فِي وَسَطِهِمْ».

ص 6: 21 ص 8: 22 و26 و28 ص 9: 15

أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ معنى «أدوني صادق» رب البرّ وقد مرّ ذكر ملكي صادق (أي ملك البرّ) في سفر التكوين (تكوين 14: 18) فلنا من الاسمين أن ساليم المذكورة في ذلك السفر هي أورشليم (انظر التفسير) وإن ملك البر كان لقباً لكل من ملوك أورشليم في تلك العصور. على أن لفظ أورشليم ومعناه «أساس السلام» مركّب من يرو (أي أساس) وشليم أو شاليم أو ساليم (اي سلام) فساليم على ذلك جزءُ أورشليم لفظاً. وهذا أول ذكر لأورشليم في الكتاب المقدس.

أَنَّ يَشُوعَ قَدْ أَخَذَ عَايَ وَحَرَّمَهَا الخ (انظر ص 6: 21 و8: 22 و26 و28 والتفسير).

2 «خَافَ جِدّاً، لأَنَّ جِبْعُونَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ كَإِحْدَى ٱلْمُدُنِ ٱلْمَلَكِيَّةِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ عَايٍ، وَكُلُّ رِجَالِهَا جَبَابِرَةٌ».

خروج 15: 14 و15 و16 وتثنية 11: 25

خَافَ أي خاف سكان أورشليم فاقتصر على ذكر الملك لأنه رأسهم وخوفه خوف شعبه لأن قوّته بالشعب.

لأَنَّ جِبْعُونَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ (انظر تفسير ص 9: 3 و16).

كَإِحْدَى ٱلْمُدُنِ ٱلْمَلَكِيَّةِ أي كإحدى عواصم الممالك وبذا تُرجمت في الكلدانية. إن جبعون صارت بعد هذا مدينة أول ملوك إسرائيل وهو شاول (1أيام 8: 29 و30 و33). ومن قدر على أخذ جبعون قدر على أخذ أورشليم. ولم يقل جبعون عاصمة مملكة لأنها على ما ذكرنا كانت واحدة من مدن أربع متحالفة كان حكمها جمهورياً وحكامها الشيوخ (انظر ص 9: 11) ولم نقف على شيء يدل على أنها كان لها ملك.

3 «فَأَرْسَلَ أَدُونِي صَادَقَ مَلِكُ أُورُشَلِيمَ إِلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ، وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ، وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ، وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ يَقُولُ».

فَأَرْسَلَ أَدُونِي لأنه كان عرضة للخطر إذ لم تكن أورشليم على غاية أكثر من ستة أميال من جبعون.

إِلَى هُوهَامَ مَلِكِ حَبْرُونَ معنى هوهام «من يدعوه يهوه» (قاموس الكتاب المقدس). وحبرون هي المعروفة اليوم بالخليل. وهذا يدّل على أن هذا الملك والمذكورين على أثره كانوا من أحلاف أدوني صادق.

وَفِرْآمَ مَلِكِ يَرْمُوتَ لعل معنى اسمه «سريع كالفرا». ويرموت مدينة في سهل يهوذا كانت عامرة بعد رجوع الإسرائيليين من السبي والمرجّح أنها يرموك على غاية 16 ميلاً من أورشليم غرباً.

وَيَافِيعَ مَلِكِ لَخِيشَ معنى يافيع «بهيج» ولخيش (ميخا 1: 13) معناها «منيع» مدينة في أرض يهوذا حصنها يربعام بعد هذا (2أيام 11: 9) وقُتل فيها أمصيا (2ملوك 14: 19) وحاصرها سنحاريب (2ملوك 18: 13 و14 وإشعياء 36: 1 و2) وكانت مدينة منيعة على قنة تلّ. ظن بعضهم أنها ما يُعرف اليوم بأمّ الكيس ورجّحت الاكتشافات الحديثة أنها كانت على تل الحصَى.

وَدَبِيرَ مَلِكِ عَجْلُونَ معنى دبير «مَقَدس» وعجلون مدينة في يهوذا تسمى اليوم عجلان وهي على أكمة في الشمال الشرقي من غزة وعلى غاية عشرة أميال منها.

4 «ٱصْعَدُوا إِلَيَّ وَأَعِينُونِي، فَنَضْرِبَ جِبْعُونَ لأَنَّهَا صَالَحَتْ يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 9: 15 وع 1

فَنَضْرِبَ جِبْعُونَ لأَنَّهَا صَالَحَتْ يَشُوعَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ معنى قوله «فنضرب جبعون» نقتل أهل جبعون بضربهم بالسيوف (على سنن المجاز الكثير في هذا السفر). والعلة التي ذكرها هنا مصالحة الجبعونيين للإسرائيليين فكانوا بذلك خانة للبلاد ولكن العاقل المتأمل يرى أنه كان غير هذه العلة معها فإن أدوني صادق وأحلافه الملوك المذكورون كانوا يبغضون الجبعونيين لأن حكمهم جمهوري دستوري فكانوا بذلك كآلة تحرّك رعايا أولئك الملوك على طلب الدستور والحكم الجمهوري فتتلاشى قوّتهم وسيادتهم. وإن جبعون وحلفاؤها من المدن كانت حصينة جداً فإذا استولوا عليها قدروا على مقاومة الإسرائيليين.

قال أحد المفسرين «مما يستحق النظر أنّا لم نقرأ في حرب من الحروب اليشوعية أن جيشاً كنعانياً زحف رأساً على يشوع وجيشه فالكنعانيون على ما ظهر اعتمدوا الحرب الدفاعية. وكان يشوع هو الزاحف على العدو أولاً أي قبل أن يتجاسروا على عزم الهجوم عليه. وهذا مؤيد للقول في أن الرهبة شملت سكان كنعان والجبن أذاب قلوبهم على أثر عبور الإسرائيليين الأردن. وكان أولئك الملوك في شديد الحاجة إلى ضرب جبعون لا لمجرد إنشاء مثال للسكان بل لشيء فوق ذلك وهي أن جبعون تكون حصناً حصيناً للإسرائيليين إذا فات الملوك الاستيلاء عليها. وإن مدن الحويين الأربع كانت لحصانتها تقدر ان تسود سائر بلاد كنعان. والواقع أن رجلاً من الجبعونيين اختير بعد ذلك حاكماً على إسرائيل وكانت جبعون مثل عاصمة المملكة في الجزء الأخير من ملك شاول».

5 «فَٱجْتَمَعَ مُلُوكُ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ: مَلِكُ أُورُشَلِيمَ وَمَلِكُ حَبْرُونَ وَمَلِكُ يَرْمُوتَ وَمَلِكُ لَخِيشَ وَمَلِكُ عَجْلُونَ، وَصَعِدُوا هُمْ وَكُلُّ جُيُوشِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعُونَ وَحَارَبُوهَا».

ص 9: 2

مُلُوكُ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلْخَمْسَةُ (انظر الكلام على الأموريين في ص 9: 1 والتفسير). إن الأموريين أطلقوا على سكان حبرون حثيّون (تكوين 23: 1 الخ) وسكان أورشليم يبوسيّون (ص 15: 63 الخ) وسكان جبعون حوّيون (ص 9: 7). وقيل في سفر صموئيل الثاني أنهم من بقايا الأموريين كانوا كثيرين وأمة قوية في بلاد موآب وأن كثيرين منهم هاجروا إلى تلك المدن.

6 «فَأَرْسَلَ أَهْلُ جِبْعُونَ إِلَى يَشُوعَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ يَقُولُونَ: لاَ تُرْخِ يَدَيْكَ عَنْ عَبِيدِكَ. ٱصْعَدْ إِلَيْنَا عَاجِلاً وَخَلِّصْنَا وَأَعِنَّا، لأَنَّهُ قَدِ ٱجْتَمَعَ عَلَيْنَا جَمِيعُ مُلُوكِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْجَبَلِ».

ص 5: 10 و9: 6

فَأَرْسَلَ أَهْلُ جِبْعُونَ إِلَى يَشُوعَ لثقتهم بشفقته وشرفه وإحسانه إن لم يكن لاعتمادهم على عهده وحلفه لهم. ولا ريب في أنهم كانوا شديدي الثقة بأنه يدفع عنهم ولو لم يكن بينه وبينهم محالفة لمجرد استغاثتهم به كما هو شأن أهل الحميّة والإباء. وبناء على ذلك حمل الإسرائيليون على أعدائهم.

ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْجَبَلِ أي الجبال أو الأرض الجبلية وهي الكورة الواقعة في الجنوب الغربي من أورشليم وتُسمى الجبال (لوقا 1: 39 و65) وفيها المدن الأربع المذكورة في (ع 3).

7 «فَصَعِدَ يَشُوعُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ هُوَ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ مَعَهُ وَكُلُّ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ».

ص 8: 1

جَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ... وَكُلُّ جَبَابِرَةِ ٱلْبَأْسِ المختارين لا لكل الأبطال في الإسرائيليين (وقد سبق لذلك نظائر) إذ لا بد من أن يبقى من الأبطال ومن فيها من النساء والأولاد والشيوخ.

8 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ، لأَنِّي بِيَدِكَ قَدْ أَسْلَمْتُهُمْ. لاَ يَقِفُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِوَجْهِكَ».

ص 11: 6 وقضاة 4: 14 ص 1: 5

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ لا ريب في أن يشوع سأل الرب قبل أن يصعد للحرب وإنه كان خائفاً من اتحاد أولئك الملوك على إسرائيل (ع 1 - 5) فكان في شديد الحاجة إلى التشجيع وإن كان قد علم أن الرب الذي وعده بالنصر لا يخلف الميعاد لأن يشوع لم يكن إلا بشراً وكل بشر ضعيف فقال له «لا تخفهم» أي لا تخف أولئك الملوك وجنودهم.

لأَنِّي بِيَدِكَ قَدْ أَسْلَمْتُهُمْ أي لأني أسلمهم إليك أي أذللهم لك وأكسرهم وأنصرك عليهم. وعبّر عن المستقبل بصورة الماضي لزيادة تحقيق الوقوع حتى كأن النصر قد وقع. وقد مرّ لهذا نظائر وأمثاله في الكتاب المقدس كثيرة. وهو مما كثر في اللغات الشرقية وألفته الأسماع وعُرف الغرض منه. وأكثر ما يكون ذلك في كلام النبوءة مثل «سقطت سقطت بابل».

9 «فَأَتَى إِلَيْهِمْ يَشُوعُ بَغْتَةً. صَعِدَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ».

صَعِدَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ مِنَ ٱلْجِلْجَالِ أي شغل الليل كله بقيادة الجيوش حتى يحمل على الأعداء بغتة (انظر صدر الآية) أو معنى الآية كلها فحمل يشوع على الأعداء بغتة إذ كان أمامهم على غير علم منهم لأنه شغل الليل كله بالصعود برجاله بدون أن يشعروا بذلك. وقال «صعد» لأنه كان في الجلجال والأرض بينه وبين الأعداء على ارتفاع متوالٍ. وكانت المسافة بين الجلجال وجبعون 26 ميلاً فكان لا بد من شغل الليل كله بقطعها على أنه لا يلزم من النصّ أنه لم يشغل مع الليل بعض اليوم السابق بذلك وبعض اليوم التالي ليستريحوا قليلاً في أثناء السفر ليقووا على الحرب على أثر الوصول إلى جبعون. على أن الأمر كله لا يخلو من عناية خاصة ومساعدة الله للإسرائيليين على السير وعلى الحرب فتأمل.

10 «فَأَزْعَجَهُمُ ٱلرَّبُّ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً فِي جِبْعُونَ، وَطَرَدَهُمْ فِي طَرِيقِ عَقَبَةِ بَيْتِ حُورُونَ، وَضَرَبَهُمْ إِلَى عَزِيقَةَ وَإِلَى مَقِّيدَةَ».

خروج 23: 27 وقضاة 4: 15 و1صموئيل 7: 10 و12 ومزمور 18: 14 وإشعياء 28: 21 ص 16: 3 و5 ص 15: 35

فَأَزْعَجَهُمُ ٱلرَّبُّ أي أقلق الرب الأعدء فاضطربوا وخافوا وتعربسوا. ونسبة إزعاجهم إلى الرب بيان لأن الفضل لله في الانتصار لا ليشوع ولا لجيش إسرائيل.

وَضَرَبَهُمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً أي ضربهم شعبه إسرائيل وأسند الفعل إلى الله لأنه هو الذي قدّر شعبه على ذلك. والضرب هنا القتل بالسيف وقد مرّ له أمثال.

فِي جِبْعُونَ أي أرض جبعون أو ضاحيتها.

عَقَبَةِ بَيْتِ حُورُونَ كان في حدود سهم أفرايم قريتان اسم إحداهما بيت حورون العليا واسم الأخرى بيت حورون السفلى إذ كان الواحدة منها في غور والأخرى على نجدٍ وهنالك اليوم قريتان يسمي العامة إحداهما بيت حور أو «بيت عور الفوقه» والأخرى بيت حور أو «بيت عور التحته». قال بعض المفسرين والمرجّح أن السفلى هي المرادة هنا (انظر ع 11) وهي في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية 12 ميلاً منها. والعقبة المرقى الصعب من الجبال فإن كانت بيت حورون هنا هي العليا فتكون العقبة هنا المرتقى إلى الجبل أو النجد منها.

عَزِيقَةَ كانت عزيقة مدينة في سهم سبط يهوذا غربي أورشليم وعلى أمد 12 ميلاً منها. وقد جاء في كلام أوسابيوس وجيروم أنه كان في عصرهما بلدة هناك تسمى عزيقة. قيل في قاموس الكتاب أنها مدينة في يهوذا قرب شوكوه ظنها بعضهم تل زكرية وغير دير السوشك وهي على غاية 8 أميال في شمالي شوكوه.

مَقِّيدَةَ مقِيده مدينة في غور من سهم يهوذا في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية 15 ميلاً منها. والمعنى أن الإسرائيليين أعملوا السيف في الكنعانين من جبعون إلى ما بعدها على التوالي.

11 «وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ، رَمَاهُمُ ٱلرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. وَٱلَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ ٱلْبَرَدِ هُمْ أَكْثَرُ مِنَ ٱلَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِٱلسَّيْفِ».

مزمور 18: 13 و14 و77: 17 وإشعياء 30: 3 ورؤيا 16: 21

مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ أي وهم هاربون على منحدر بيت حورون. والمنحدر المهبط وهو المكان ينحدر منه السائر أي يهبط أو ينزل وهذ يدل على أن المراد ببيت حورون في الآية بيت حورون السفلى.

رَمَاهُمُ ٱلرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أي برَد كبير كما يُفهم من سائر الآية. وقد وقع في عصرنا مثل هذا البرَد وقتل بعض الناس والبهائم في إحدى قرى لبنان. وفي الآية ما يفيد أنه كان صلباً كالحجارة. وقد فعل الله مثل هذا فعلاً ففي سفر الخروج «هَا أَنَا غَداً مِثْلَ ٱلآنَ أُمْطِرُ بَرَداً عَظِيماً جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ. فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ وَكُلَّ مَا لَكَ فِي ٱلْحَقْلِ. جَمِيعُ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي ٱلْحَقْلِ وَلاَ يُجْمَعُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ ٱلْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ... فَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي ٱلْحَقْلِ مِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ» (خروج 9: 18 - 26). وقد اعتاد الله أن يؤدب بالبرَد وينذر به فقال بفم حزقيال في جوج «أُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى ٱلشُّعُوبِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ مَطَراً جَارِفاً وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً» (حزقيال 38: 22). وقال لأيوب «أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ ٱلثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ ٱلْبَرَدِ ٱلَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ ٱلضُّرِّ، لِيَوْمِ ٱلْقِتَالِ وَٱلْحَرْبِ» (أيوب 38: 22 و23). وهذا البرَد وإن كان وقوعه طبيعياً فيمكن أن يكون هنا على سبيل المعجزة فيكون الله أوقعه حينئذ لقصد قتل الأعداء فلم يقتلهم اتفاقاً. ولعل كبره كان غير معتاد. ويدلّك على إمكان أنه معجزة كونه قتل الأعداء ولم يضرَ بأحد من بني إسرائيل وهم على أثرهم يعملون السيوف فيهم.

قال أحد المفسرين في القرن التاسع عشر وقد وقع مثل هذا في عصرنا. قال أحد أهل الوطن في كتاب أرسله من القسطنطينية في آب السنة 1831 «إنا رأينا وقد قطعنا من الطريق نحو ميل أو ميل ونصف ميل سحابة ترتفع في الغرب فتنبئ باقتراب وقوع المطر وفي بضع دقائق رأينا شيئاً يقع من السماء وله وجبة ولونه إلى البياض فلم أستطع أن أتصور ما هو لكن توهمت أنه طيور من زمج الماء يهوي على السمك ولكن بعد قليل رأيت أنه كُرات كبيرة من الجمد تقع ولها طقطقة كالحجارة وعلى أثر ذلك سمعت مثل هزيم الرعد أو وقع عشرة آلاف مركبة على البلاط وأزبد البوصفور وكانت السماء كأنها تطلق كرات مدافع على الأرض فخشينا الهلاك ونشرنا عالاتنا للوقاية فمزّقها البرَد. ولحسن الحظ كان في القارب جلد بقر فاختبأنا تحته وأنقذنا أنفسنا من الضرر الأعظم. وكان المجذفون في القارب ثلاثة كسر البرَد يد أحدهم ورضّ كتف آخر وبعضنا رُضّت ساقه ورضّت يدي اليمنى. وجرح البرَد خادمين لي كانا في قارب صغير ولم يزالا في الفراش يعالجان. وكان ذلك المشهد أهول ما شاهدت في حياتي. ووقعت على القارب كرات من البردَ تعدل الواحدة منها مضاعف جُمع يدي لو أصابت أحداً منا لقتلته أو كَسرت عظامه ووقعت واحدة منها على المجذاف فكسرته. لما انقطع وقوع البرَد رأيته على البرّ ركاماً ورأيت الأشجار عارية من الأوراق مكسرة الأغصان... وبعض الأبنية كُسرت سقوفها الخ».

12 «حِينَئِذٍ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّبَّ، يَوْمَ أَسْلَمَ ٱلرَّبُّ ٱلأَمُورِيِّينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَامَ عُيُونِ إِسْرَائِيلَ: يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ».

إشعياء 28: 21 وحبقوق 3: 1 قضاة 12: 12

حِينَئِذٍ قَالَ يَشُوعُ لِلرَّبَّ أي صلّى له واستشاره.

يَوْمَ بدل من حينئذ.

وقَالَ أي يشوع.

يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ وفي الأصل العبراني يا شمس بجبعون دومي أي أبقي مضيئة في جبعون لا غيرها كما يفيد تقديمها على الفعل.

لهذه الحادثة تفاسير كثيرة ولا واحد منها يحلّ جميع المشاكل تماماً فنذكر بعضها:

  1. إن الله أوقف الشمس والقمر حقيقة والاعتراض على هذا التفسير هو أن إيقاف الشمس لا يؤثر في مكان وجود الإسرائيليين فقط بل في كل المسكونة وفي كل الكون الفلكي أيضاً لأن جميع الأجرام السماوية متعلقة بعضها ببعض بقوة الجاذبية ومتفقة في سيرها فإذا وقف واحد وقف الكل. ونسلّم بأن الله قادر على كل شيء ولكنه لا يعمل معجزة بلا داع كاف وعظمة المعجزة بالنسبة إلى عظمة الفعل المطلوب (انظر المقدمة الفصل السادس والاعتراض السابع).

  2. إن الإشارة إلى يوم وليل طبيعيين لكونهما كانا كافيين لإتمام المقصود وهي كناية عن فوز الشعب على الأعداء الفوز التام إذ دوام النهار للقادرين الفائزين يستلزم تمام الفوز والكاتب الملهم بموجب هذا التفسير لا يثبت هنا قول ياشر الذي فيه مبالغة شعرية (انظر قاموس الكتاب المقدس المجلد الثاني وجه 115).

  3. إن الله أبقى ضوء الشمس على جبعون وأبقى نور القمر على وادي أيّلون ولم يوقف الجرمين والله قادر على أن يعكس ضوء كل من النيّرين إلى ما يشاء. على أن ذلك في طاقة الإنسان فإن أحد العلماء اخترع منظاراً تُرى به الشمس وهي تحت الأفق (انظر كتاب حكم الأنصاف في رجال التلغراف).

  4. إن الله رمى الكنعانيين بحجارة كبيرة من السماء أي حبّات البرَد (ع 11) ولعل يشوع رأى الغيوم الطالعة من المغرب وخاف من أنها تغطي وجه الشمس فيصير ظلام كالليل فلا يقدر أن يرى أعداءه ولا يستطيع أن يتبعهم ويهلكهم فطلب من الرب أن الشمس تدوم كما هي ولا تظلم من الغيوم والرب استجاب لصلاته ودام ضوء الشمس على الإسرائيليين ودام على أعدائهم الظلام وكرات البرَد نازلة.

وكل من هذه التفاسير يسلّم بوقوع معجزة لأن الرب حارب عن إسرائيل (ع 14) إما بوقوف الشمس حقيقة أو بدوام ضوئها حتى انتقم الشعب من أعدائه.

ومن المحتمل أن القمر يُرى بالنهار وفي الربع الأول يُرى بعد الظهر في الشرق وفي الربع الرابع يُرى قبل الظهر في الغرب وإذا كان يشوع قال هذا قبل الظهر تكون الشمس إذ ذاك بالشرق أي على جبعون وربما يكون القمر بالغرب أي على وادي أيّلون.

ومعنى وادي «أيلون» مكان الأيائل وهي مدينة صارت للاويين (ص 19: 42). وهي اليوم قرية غربي أورشليم وعلى غاية 14 ميلاً منها اسمها يالو. والوادي المذكور في المتن قريب منها ويُسمى اليوم «مرج ابن عُمير» وهو قريب من جبعون.

13 «فَدَامَتِ ٱلشَّمْسُ وَوَقَفَ ٱلْقَمَرُ حَتَّى ٱنْتَقَمَ ٱلشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ. أَلَيْسَ هٰذَا مَكْتُوباً فِي سِفْرِ يَاشَرَ؟ فَوَقَفَتِ ٱلشَّمْسُ فِي كَبِدِ ٱلسَّمَاءِ وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِلٍ».

2صموئيل 1: 18

فَدَامَتِ ٱلشَّمْسُ وَوَقَفَ ٱلْقَمَرُ ظاهر هذا يدل على أن الحادث معجزة.

أَلَيْسَ هٰذَا مَكْتُوباً فِي سِفْرِ يَاشَرَ وفي الأصل العبراني «سفر الياشر» أي البار أو المستقيم أو البرّ أو الاستقامة. وهو مجموع أشعار وأقوال في الأمور ذات الشأن في إسرائيل. قال بعضهم ومن هذا السفر أخذ داود نشيد القوس وهو ما رثي به شاول ويوناثان (2صموئيل 1: 18 - 27). وفي هذا السفر كُتب نشيد القوس لداود فالظاهر أن الياشر يُراد به الأتقياء أهل الاستقامة وإنهم كانوا يكتبون فيه أشعار الحوادث ذات الشأن أو أنباءها على توالي العصور فهو غير سفر ياشر المشهور في هذه الأيام فإنه محدث بالنسبة إلى ذلك وليس فيه نشيد القوس لأنه لم يتجاوز إلا تقرير الحوادث في التوراة وما بعدها قليلاً حسب النسخة التي طالعناها. وفيه مبالغة كبيرة في إنباء أبناء يعقوب في مصر وهو من الكتب غير القانونية وليس هو بمجموع أشعار أو عبارات شعرية والخلاصة أن هذا السفر المذكور في الآية مفقود. وبقي في ذلك كثير من الأقوال التي لا دليل على صحتها. وليس كل ما استشهد به الكتاب يُثبت السفر الذي أُخذت منه الشهادة فإن بولس استشهد أحد الشعراء اليونانين ولم يثبت أحد صحة كل أشعار ذلك الشاعر. وفي الكتاب عدة شهادات مثل هذه.

فَوَقَفَتِ ٱلشَّمْسُ فِي كَبِدِ ٱلسَّمَاءِ أي في أعلى ما تبلغه من السماء بحسب الحركة الظاهرة بالنظر إلى المشاهد فتكون على خط الهاجرة أو في الأفق لأنه خط قسمة السماء إلى نصفين. والكبد في العربية وسط السماء.

وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِلٍ أي نحو نهار كامل أي نحو 12 ساعة. قال أحد المفسرين المعنى أن الشمس بقيت في موضعها إلى أن صار أوان غروبها وهذا لا يمنع أنها بقيت موضعها بعد ذلك ولا نعرف كم بقيت كذلك إلا إنّا نعلم أنها بقيت إلى أن كمل النصر للإسرائيليين.

14 «وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ سَمِعَ فِيهِ ٱلرَّبُّ صَوْتَ إِنْسَانٍ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ».

إشعياء 38: 8 تثنية 1: 30 وع 42 وص 23: 3

وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أي يوم مثل ذلك اليوم الخ. قال العلامة وولبر «لا معنى لهذه الكلمات إن لم يكن قصد الكاتب تبليغ الأذهان أن الحادثة كانت معجزة عظيمة حقيقية». ولنا هنا أن نقابل بهذا النبوءة في (إشعياء 30: 26) وهي قوله «وَيَكُونُ نُورُ ٱلْقَمَرِ كَنُورِ ٱلشَّمْسِ، وَنُورُ ٱلشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ ٱلرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ».

سَمِعَ فِيهِ ٱلرَّبُّ صَوْتَ إِنْسَانٍ هذه الجملة نعت ثان ليوم المحذوف المكتفى بصفته عنه في قوله السابق «لكي يكن مثل ذلك اليوم» (ارجع إلى التفسير) والمعنى أنه لم يسبق يوم كذلك اليوم سمع فيه الرب صلاة إنسان فأراد «بالصوت» هنا الصلاة. وعلاقة المجاز ظاهرة. وليس المعنى أن الله لم يسمع صلاة إنسان قبل هذا اليوم فإن الله سمع صلوات ألوف وربوات كثيرة ومنه إيليا فإنه «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ ٱلآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى ٱلأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ الخ» (يعقوب 5: 17 و18). فالمعنى هنا أن الله سمع صلاة يشوع سمعاً كان تأثيره أعظم من تأثير كل ما سبقه وما سيكون بعده فإنه أوقف الشمس والقمر سُلطانَي النهار والليل والمرجّح أنهما كانا من آلهة الأموريين فرأوا إلهيهما مُسخَّرين لإسرائيل. ويحسن هنا أن نذكر أن للصلاة قوة وأن الله يسمع الداعين إليه إذا دعوا بإيمان وقلب سليم فالصلاة حصن قوّة من الله.

لأَنَّ ٱلرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ وفي الترجمة الكلدانية «لأن الرب حارب بكلمته» الخ فلعل المترجم زاد هذا كأنه يريد حارب بإجابته الصلاة. ومعنى الأصل إن سمع الرب لتلك الصلاة في ذلك اليوم ذلك السمع العجيب ميّزه عن سائر الأيام الماضية والمستقبلة بدليل أن الرب حارب عن إسرائيل بتقوية شعبه وصنع المعجزة التي لا نظير لها وخزيه للوثنيين بمعجزاته وبيّناته وكسره إياهم إتماماً لوعده.

15 «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي ٱلْجِلْجَالِ».

ع 43

ثُمَّ رَجَعَ... إِلَى ٱلْجِلْجَالِ أي بعد أن انتهى من حرب الأموريين وأخذه مدنهم وقتله ملوكهم فهو كلام مجمل فصّله في ما بعد. وكان رجوعه إلى الجلجال لأن مخيم الإسرائيليين هنالك فلم يبق موضع لارتباك المفسرين في هذه الآية ومثل هذا كثير في اللغات الشرقية وكلام مؤرخيها يجملون ثم يفصلون. وترك هذه الآية في بعض النسخ ليس بديل على زيادتها في أكثرها وأصحها (انظر ع 43).

16 «فَهَرَبَ أُولَئِكَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلْمُلُوكِ وَٱخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ».

فَهَرَبَ أُولَئِكَ ٱلْخَمْسَةُ ٱلْمُلُوكِ الفاء هنا تُعرف بالفصيحة وهي ما أفصحت عن جواب شرط مقدّر والتقدير هنا إن أردت أن تعرف تفصيل ما أجملته فهو أنه هرب الخ.

وَٱخْتَبَأُوا فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ (انظر ع 10 والتفسير) أي في جوار مقيدة لا في المدينة نفسها (انظر تفسير ع 10 عند ذكر جبعون وتفسير ص 5: 13 عن ذكر أريحا) فإن الحدود قد تُحسب من المحدود مجازاً للاتصال. قابل عبارة الأصل بما في عاموس 9: 2 - 4) تعرف علة خيبتهم في ذلك الاختباء.

17 «فَأُخْبِرَ يَشُوعُ: قَدْ وُجِدَ ٱلْمُلُوكُ ٱلْخَمْسَةُ مُخْتَبِئِينَ فِي مَغَارَةٍ فِي مَقِّيدَةَ».

فَأُخْبِرَ يَشُوعُ... وُجِدَ ٱلْمُلُوكُ ٱلْخَمْسَةُ إن الأشرار إن توراوا عن أعين الناس لا يقدروا أن يتواروا عن عيني الله ولا يستطيعون أن يهربوا منه (عاموس 9: 2 - 4).

18 «فَقَالَ يَشُوعُ: دَحْرِجُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ، وَأَقِيمُوا عَلَيْهَا رِجَالاً لأَجْلِ حِفْظِهِمْ».

دَحْرِجُوا حِجَارَةً عَظِيمَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ أي ضعوا على مدخل المغارة صخوراً كبيرة بالدحرجة لأنهم لا يقدرون أن يحملوها لكبرها ووفرة ثقلها وذلك لئلا يخرجوا منها على حين غفلة.

وَأَقِيمُوا عَلَيْهَا رِجَالاً لأَجْلِ حِفْظِهِمْ أي أقيموا عليها حراساً ليمنعوهم من مزاولة رفع تلك الحجارة إن كانوا ممن يقوون على دفع مثلها.

19 «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَقِفُوا، بَلِ ٱسْعُوا وَرَاءَ أَعْدَائِكُمْ وَٱضْرِبُوا مُؤَخَّرَهُمْ. لاَ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ قَدْ أَسْلَمَهُمْ بِيَدِكُمْ».

تثنية 25: 18

وَأَمَّا أَنْتُمْ الخطاب لرجال الحرب كما يدلّ عليه ما اتصل به من الكلام.

وَٱضْرِبُوا مُؤَخَّرَهُمْ وفي العبرانية واقطعوا أذنابهم والمعنى واحد إلا أن ما في الترجمة حقيقة وما في الأصل مجاز.

لاَ تَدَعُوهُمْ يَدْخُلُونَ مُدُنَهُمْ لئلا يجددوا قواهم ويستأنفوا الحرب. نعم إن بعضهم دخل المدن ولكن الإسرائيليين أدركوهم وقتلوهم (انظر ع 20).

20 «وَلَمَّا ٱنْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ضَرْبِهِمْ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدّاً حَتَّى فَنُوا، وَٱلشَّرَدُ ٱلَّذِينَ شَرَدُوا مِنْهُمْ دَخَلُوا ٱلْمُدُنَ ٱلْمُحَصَّنَةَ».

وَلَمَّا ٱنْتَهَى يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الخ أي ولما انتهى يشوع من ضرب الأعداء بواسطة جنوده الذين أرسلهم إليهم فإنه على ما يظهر من ع 21 لم يكن يشوع معهم بل كان ينتظرهم في مقّيدة فإسناد الفعل إلى يشوع من باب المجاز لأنه الآمر بذلك.

وَٱلشَّرَدُ أي الشاردون والمراد الهاربون أو المطرودون.

21 «رَجَعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى يَشُوعَ فِي مَقِّيدَةَ بِسَلاَمٍ. لَمْ يَسُنَّ أَحَدٌ لِسَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

خروج 11: 7

رَجَعَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى يَشُوعَ فِي مَقِّيدَةَ أراد بجميع الشعب هنا كل الجماعة التي أرسلها يشوع لتستولي على البلاد وتضرب باقي الأعداء. والمرجّح أن النزول في المحلة كان وقتاً قصيراً لإراحة الجيش وإصلاح شأنه بعد انتصاره وإعداد من يحتاج إليه منهم لقتل الملوك المسجونين في المغارة وما بعد ذلك من الوقائع.

بِسَلاَمٍ أي بسلامة وصحّة.

لَمْ يَسُنَّ أَحَدٌ لِسَانَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا مثل قديم يُضرب في عجز العدو عن إضرار معاديه والطامع عن نيل المطموع فيه ولم يزل لهذا المثَل أثر بين العامة وهو قولهم «سنّ فلان أسنانه لكذا» أي نوى على نيله وطمع فيه والمعنى أنه استعدّ لذلك وأعدّ آلته كمن يسن سيفه للضرب وسكينه للذبح. وهنا جاء منفياً فمعناه أنه لم يستطع أحد أن يخسر الإسرائيليين شيئاً (انظر تفسير خروج 11: 7). وجاء في هذا المثل في سفر الخروج «كلب» بدل «أحد» هنا. فجرى هذا المثل على وجهين وجاء مثله في العربية «الصيف ضيّعت اللبن» و«في الصيف ضيّعت اللبن» والمعنى واحد. وهو من المجاز المركب أو الاستعارة التمثيلية. ورأى بعضهم أن المعنى لم يُلم بأحد بني إسرائيل أو يعيبهم بشيء بناء على أن اللسان آلة الكلام وهو مقبول لكن الأول أولى بالمقام ومقتضى الحال. واللسان من أدوات الأكل كما أنه من أدوات اللفظ.

22 «فَقَالَ يَشُوعُ: ٱفْتَحُوا فَمَ ٱلْمَغَارَةِ وَأَخْرِجُوا إِلَيَّ هٰؤُلاَءِ ٱلْخَمْسَةَ ٱلْمُلُوكِ مِنَ ٱلْمَغَارَةِ».

فَقَالَ يَشُوعُ هل قال ذلك في يوم الانتصار عليه أو في غده. رأى بعضهم أنه قاله في الغد إذ حربهم الطويل في ذلك اليوم ورجوعهم إلى يشوع واستراحتهم وإعداد ما يحتاج إليه لا يكفيه يوم واحد. فالظاهر أن هذا القائل نسي أن طول ذلك اليوم كان من المعجزات ولهذا رجّح الكثيرون أنه قال ذلك في يوم الانتصار عينه.

ٱفْتَحُوا فَمَ ٱلْمَغَارَةِ أي باب المغارة.

وَأَخْرِجُوا... مِنَ ٱلْمَغَارَةِ كان الظاهر يقتضي أن يقول أخرجوا... منها فوضع الظاهر مكان المضمر لزيادة البيان ورفع كلفة النظر إلى مرجع الضمير.

23 «فَفَعَلُوا كَذٰلِكَ، وَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكَ ٱلْخَمْسَةَ مِنَ ٱلْمَغَارَةِ: مَلِكَ أُورُشَلِيمَ وَمَلِكَ حَبْرُونَ وَمَلِكَ يَرْمُوتَ وَمَلِكَ لَخِيشَ وَمَلِكَ عَجْلُونَ».

مَلِكَ أُورُشَلِيمَ الخ (انظر تفسير ع 3).

24 «وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجُوا أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكَ إِلَى يَشُوعَ أَنَّ يَشُوعَ دَعَا كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لِقُوَّادِ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ ٱلَّذِينَ سَارُوا مَعَهُ: تَقَدَّمُوا وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى أَعْنَاقِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ. فَتَقَدَّمُوا وَوَضَعُوا أَرْجُلَهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ».

مزمور 107: 40 و110: 15 و149: 8 و9 وإشعياء 26: 5 و6 وملاخي 4: 3

كُلَّ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ أي كل رجال الحرب المختارين من بني إسرائيل. وقد مرّ مثل ذلك مراراً (انظر تفسير ص 8: 1 و9: 6).

وَضَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَلَى أَعْنَاقِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ هذا من أشد أنواع الاحتقار للأعداء مع ما فيه من الإيلام وأظهر آيات الفوز والانتصار (قابل بهذا ما في 2صموئيل 22: 39). ولم يزل هذا من أعظم آيات احتقار العدوّ وأعظم انتصار محاربه فيقول الواحد لعدوه «سأدوس عنقك وأدعس رقبتك» وكان الوعد لإسرائيل بإذلال سائر الأعداء مثل هذا الإذلال عل ما صرّح في الآية الآتية.

25 «فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَعِبُوا. تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لأَنَّهُ هٰكَذَا يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ بِجَمِيعِ أَعْدَائِكُمُ ٱلَّذِينَ تُحَارِبُونَهُمْ».

تثنية 31: 6 و8 وس 1: 9 تثنية 3: 21 و7: 19

لاَ تَخَافُوا قال لهم يشوع مثلما قال الله له (ص 1: 9) تشجيعاً.

26 «وَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ بَعْدَ ذٰلِكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ، وَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَى ٱلْخَشَبِ حَتَّى ٱلْمَسَاءِ».

ص 8: 29

وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ أو شجرات وفي الترجمة الكلدانية «صلبان» (انظر تفسير ص 8: 29) وعلّقهم بعد أن قتلهم لزيادة الإهانة والتنكيل ليجعلهم عبرة وإنذاراً لسائر ملوك الأعداء حتى لا يقدموا على مقاومته فيكون نصيبهم نصيب هؤلاء.

27 «وَكَانَ عِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ أَنَّ يَشُوعَ أَمَرَ فَأَنْزَلُوهُمْ عَنِ ٱلْخَشَبِ وَطَرَحُوهُمْ فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي ٱخْتَبَأُوا فِيهَا، وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ حَتَّى إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ».

تثنية 21: 23 وص 8: 29

وَكَانَ عِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ تردّد المفسرون بين أن يكون هذا غروب اليوم الذي طال بالمعجزة وأن يكون غروب غده وذهب الأكثرون إلى أنه غروب الغد. ولكن إن كان طول ذلك اليوم من الأمور الخارقة العادة فلا يصعب التسليم بأن هذا الغروب غروبه.

طَرَحُوهُمْ فِي ٱلْمَغَارَةِ كانت هذه المغارة مخبأ لهم بغية النجاة ثم صارت لهم سجناً منيعاً ثم صارت لهم مدفناً. وهذا نصيب من يهرب من الله.

وَوَضَعُوا حِجَارَةً كَبِيرَةً عَلَى فَمِ ٱلْمَغَارَةِ فسجنوهم أحياء وأمواتاً. ونرجّح أنّه كان فوقها جُثوة حجارة عبرة وتذكاراً كما كان على قبر عخان (ص 7: 26).

حَتَّى إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ أي إلى اليوم الذي كان يشوع يكتب هذا النبأ وهذا لا يمنع من أن تلك الحجارة بقيت زماناً طويلاً بعد يشوع. قال ماسيوس إن الذين زاروا تلك الأرض قالوا إن تلك المغارة باقية إلى هذا اليوم في أكمة قرب مقّيدة وبابها مسدود بالحجارة كآثار التذكار.

نتعلم من حادثة الملوك الخمسة ما يأتي:

  1. خدع الخطيئة فإنهم دخلوا المغارة قصد أن يختبئوا فيها ولكن المغارة صارت أولاً سجنهم ثم قبرهم. وهكذا كل من يهرب من وجه الرب ويلتجئ إلى الأكاذيب.

  2. مجازاة الأشرار فإن هؤلاء الملوك كانوا تكبروا وترفهوا وظلموا المساكين فكان ذُلهم بمقدار ارتفاعهم السابق.

  3. مجازاة خدَمة الله فإنهم إذا ثبتوا ينتصرون والله سيسحق الشيطان تحت أرجلهم.

28 «وَأَخَذَ يَشُوعُ مَقِّيدَةَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَحَرَّمَ مَلِكَهَا هُوَ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً. وَفَعَلَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا».

ص 6: 21

أَخَذَ يَشُوعُ مَقِّيدَةَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الذي علّق الملوك فيه وهو على قول الأكثرين غد يوم الانتصار الطويل كما ذُكر في تفسير (ع 27) ورأى بعضهم أن ذلك كان قبل أن علّق الملوك بدليل ما في بقية الآية فالعطف بالواو ليس للترتيب بل لمجرّد المشاركة في الحدوث.

ضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ أي ضرب أهلها.

وَحَرَّمَ مَلِكَهَا هُوَ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا أي لعنهم وقتلهم رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً.

لَمْ يُبْقِ شَارِداً أي أمسك الهاربين وقتلهم كالباقين فلم ينج أحد من أهلها.

فَعَلَ بِمَلِكِ مَقِّيدَةَ كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا أي قتله وعلّقه تذليلاً للأعداء وتنكيلاً كما فعل بملك عاي والملوك الخمسة (انظر تفسير ص 6: 21 و8: 29).

29 «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ مِنْ مَقِّيدَةَ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى لِبْنَةَ، وَحَارَبَ لِبْنَةَ».

ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ هذه الغزوة كانت مقدمة لغزوات جديدة.

وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ أي كل رجال إسرائيل المختارين لهذه الغزوة وكانوا معه في محاربة مقيدة (ع 28).

إِلَى لِبْنَةَ معنى «لبنة» بياض وهي هنا مدينة في سهم يهوذا قرب تخمه الغربي ليست بعيدة عن مقيدة. وهي غربي أورشليم أو في الجنوب الغربي منها وتبعد اثني عشر ميلاً عنها صارت بعد ذلك مدينة للكهنة (ص 15: 42 و21: 13 و1أيام 6: 57) وهي اليوم خراب لا طلل لها ولا رسم. وظنها بعضهم عراق المنشيّ وبعضهم تلّ الصافية.

30 «فَدَفَعَهَا ٱلرَّبُّ هِيَ أَيْضاً بِيَدِ إِسْرَائِيلَ مَعَ مَلِكِهَا، فَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ بِهَا شَارِداً، وَفَعَلَ بِمَلِكِهَا كَمَا فَعَلَ بِمَلِكِ أَرِيحَا».

ضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ أي ضرب أهلها صغاراً وكباراً.

وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا العطف هنا عطف تفسير لقوله ضربها.

31 «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لِبْنَةَ إِلَى لَخِيشَ وَنَزَلَ عَلَيْهَا وَحَارَبَهَا».

وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ (انظر تفسير ع 29).

إِلَى لَخِيشَ على غاية بضعة أميال جنوبي لبنة قرب تخم يهوذا الغربي. والمرجّح أنها كانت حصينة لأن يشوع لم يستطع أن يأخذها إلا في اليوم الثاني. واضطر سنحاريب بعد ذلك أن يحاصرها (2ملوك 19: 8 وإشعياء 37: 8 و37) ورُسم نبأ هذا الحصار على حجارة اكتُشفت في قصر كوينجك فقرأها كيرد «سنحاريب الملك العظيم ملك أشور الجالس على عرش القضاء تجاه مدينة لخيش أنا آذن في قتلها». واختلفت الأقوال في موقعها فقيل إنه موقع أم كيس وقيل إنه تل الحصى قرب عجلون وقيل غير ذلك. ولم يُذكر ملك لخيش هنا لأنه من الملوك الخمسة الذين لعنهم يشوع وقتلهم وعلّقهم (انظر ع 22 - 27 والتفسير).

32 «فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ لَخِيشَ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي وَضَرَبَهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِلِبْنَةَ».

فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ لَخِيشَ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي أخذها في اليوم الثاني لأنها كانت حصينة ويؤيد ذلك أن سنحاريب ملك أشور لما «صَعِدَ... عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا» (2ملوك 18: 13) كان «عَلَى لَخِيشَ وَكُلُّ سَلْطَنَتِهِ مَعَهُ» (2أيام 32: 9) أي كان يحاصرها بكل قوته. ومع ذلك ترك الحصار (2ملوك 19: 8). وإن نبوخذ نصّر غزا مملكة يهوذا في ملك صدقيا فحارب «أورشليم مدن يهوذا» ولم يستطع أن يأخذ لجيش وعزيقة «لأَنَّ هَاتَيْنِ بَقِيَتَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا مَدِينَتَيْنِ حَصِينَتَيْنِ» (إرميا 34: 7).

33 «حِينَئِذٍ صَعِدَ هُورَامُ مَلِكُ جَازَرَ لإِعَانَةِ لَخِيشَ، وَضَرَبَهُ يَشُوعُ مَعَ شَعْبِهِ حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُ شَارِداً».

جَازَرَ كانت مدينة اسمها جازر في سبط أفرايم في الجنوب الغربي من أورشليم وعلى غاية عشرين ميلاً منها (ص 16: 3 و10 وقضاة 1: 29). وملكها هورام إما حليف لملك لخيش أو أنه ساعد ملك لخيش دفعاً للإسرائيليين عن بلاده. وكانت جازر هذه من أقدم مدن كنعان صارت بعد ذلك لبني قهات اللاويين (ص 21: 21 و1أيام 6: 67). واشتهرت في حروب داود (2صموئيل 5: 25 و1أيام 20: 4) وأخذها فرعون ملك مصر وأعطاها مهراً لابنته امرأة سليمان (1ملوك 9: 15 - 17). رأى بعضهم أنها هي المعروفة اليوم بتل الجزر وهي على غاية أربعة أميال من نيكوبوليس. وقد اكتُشفت هناك خُرب كثيرة تدل على أنها كانت مدينة ذات شأن وكتابات يونانية وعبرانية تدل على اسمها وحدودها.

34 «ثُمَّ ٱجْتَازَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ لَخِيشَ إِلَى عَجْلُونَ فَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَحَارَبُوهَا».

عَجْلُونَ قيل في قاموس الكتاب «عجلون مدينة أمورية في يهوذا تسمى الآن عجلان وهي على تلّ على بُعد 10 أميال إلى الشمال الشرقي من غزة».

35 «وَأَخَذُوهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَحَرَّمَ كُلَّ نَفْسٍ بِهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِلَخِيشَ».

وَأَخَذُوهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الذي نزلوا عليها فيه.

وَحَرَّمَ كُلَّ نَفْسٍ بِهَا أي قتل كل إنسان فيها من الرجال والنساء والأحداث.

36 «ثُمَّ صَعِدَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ مِنْ عَجْلُونَ إِلَى حَبْرُونَ وَحَارَبُوهَا».

ص 14: 13 و15: 13 وقضاة 1: 10

حَبْرُونَ مدينة من أقدم المدن اليهودية سُميّت باسم حبرون أحد أولاد كالب وكانت تُعرف بقرية أربع أو مدينة أربع وأربع اسم بطل أُضيفت إليه لأنها كانت وطنه. ومن أسمائها ممرا وموقعها نجدٌ في جنوبي أورشليم وعلى غاية عشرين ميلاً منها وتُعرف اليوم بالخليل.

37 «وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ مَعَ مَلِكِهَا وَكُلِّ مُدُنِهَا وَكُلِّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَ بِعَجْلُونَ، فَحَرَّمَهَا وَكُلَّ نَفْسٍ بِهَا».

مَلِكِهَا المرجّح أنه خليفة الملك الذي قُتل وعُلّق قبلاً (ع 23 و26).

مُدُنِهَا أي المدن التي هي عاصمتها أو المحالفة لها.

38 «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى دَبِيرَ وَحَارَبَهَا».

ص 15: 15 وقضاة 1: 11

رَجَعَ يَشُوعُ أي تحوّل إلى جهة أُخرى.

دَبِيرَ مدينة قرب حبرون كان اسمها قرية سِفر (قضاة 1: 11) وقرية سِفر أي مدينة الكتب (ص 15: 15) ومعنى دبير مقدس فيدل ذلك على أنها كانت مدينة العالم الديني عند الكنعانيين وإنه كان للكنعانيين إيمة دين وأسفار دينية يعلّمونها الأحداث والبالغين. وكانت هذه المدينة حصناً لبني عناق. وكانت من سهم يهوذا. ثم استولى عليها الكنعانيون ثم أخذها الإسرائيليون (ص 15: 15 - 17). ثم صارت للاويين (ص 21: 15). ظن بعضهم أنها «دويربان» المعروفة اليوم وهي على غاية أميال من حبرون في الجنوب الغربي منها. وظن فريق أنها ما يُعرف اليوم «بالدلبة» على غاية ستة أميال من حبرون في الجهة المذكورة. وفريق آخر أنها «الظهرية» وإنها موضع الينابيع العليا والينابيع السفلى (قضاة 1: 15) ورأى بعضهم أنها «دبين» على غاية عشرين ميلاً من جنوبي السلط وهي أقرب إلى دبير من غيرها لفظاً.

39 «وَأَخَذَهَا مَعَ مَلِكِهَا وَكُلِّ مُدُنِهَا، وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَحَرَّمُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً. كَمَا فَعَلَ بِحَبْرُونَ كَذٰلِكَ فَعَلَ بِدَبِيرَ وَمَلِكِهَا، وَكَمَا فَعَلَ بِلِبْنَةَ وَمَلِكِهَا».

وَأَخَذَهَا الخ فعل يشوع بأهل أريحا وما بعدها من المدن فعلاً واحداً من قتل جميع الأنفس والتنكيل.

40 «فَضَرَبَ يَشُوعُ كُلَّ أَرْضِ ٱلْجَبَلِ وَٱلْجَنُوبِ وَٱلسَّهْلِ وَٱلسُّفُوحِ وَكُلَّ مُلُوكِهَا. لَمْ يُبْقِ شَارِداً، بَلْ حَرَّمَ كُلَّ نَسَمَةٍ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».

تثنية 20: 16 و17

كُلَّ أَرْضِ ٱلْجَبَلِ أو الأرض الجبلية أي ذات الجبال وهي جبال يهوذا وأفرايم.

ٱلْجَنُوبِ أي القسم الجنوبي من أرض كنعان وذلك الجزء الجنوبي من سهم يهوذا وأدومية.

ٱلسَّهْلِ وهو الأرض المنخفضة الممتدة من يافا إلى حدود مصر (تثنية 1: 7 وقضاة 1: 9 وإرميا 17: 26).

ٱلسُّفُوحِ جمع سفح ومعناه هنا أسفل الجبل حيث يسفح فيه الماء. والكلمة في العبرانية تحتمل معنى السيول فتكون تلك المواضع من الترَب الخصبة.

كُلَّ نَسَمَةٍ أي كل إنسان لا كل حي من الناس والبهائم كما يسبق إلى الفهم لأنهم كانوا يأخذون البهائم غنيمة.

41 «فَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ مِنْ قَادِشِ بَرْنِيعَ إِلَى غَزَّةَ وَجَمِيعَ أَرْضِ جُوشِنَ إِلَى جِبْعُونَ».

تكوين 10: 19 ص 11: 16 و15: 51

قَادِشِ بَرْنِيعَ (انظر تفسير تثنية 1: 2) وهي على تخم كنعان الجنوبي على غاية إحدى عشرة مرحلة من حوريب وعلى تخم أدوم. ظن بعضهم موقعها عندما يُعرف اليوم بعين الوببة وأكثرهم على أنه عين قاس وهي في أرض تحيط بها التلال وتربتها حسنة.

غَزَّةَ مدينة لا يزال هذا اسمها وهي على غاية ثلاثة أميال من شاطئ البحر.

جُوشِنَ هي ليست بلاد جوش في مصر التي أقام بها العبرانيون بل هي قطيعة في سهم يهوذا في جنوبي حبرون أي الخليل وعلى غاية أربعة عشر ميلاً منها (ص 11: 16 و15: 51) وهي على ما في الآية بين غزة وجبعون.

42 «وَأَخَذَ يَشُوعُ جَمِيعَ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ وَأَرْضِهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ».

ع 14

دُفْعَةً وَاحِدَةً أي بغزوة واحدة من غزوات بني إسرائيل في أرض كنعان لا في واقعة واحدة إذ كانت الوقائع متعددة أو المعنى بمحاربة واحدة متصلة الوقائع.

لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ فالقوّة لله لا للإسرائيليين فإنه هو أعطاهم القوّة وشدد قلوبهم وأرشدهم. وهذا دليل واضح أن الله يحارب عن شعبه. وتمّ هذا كله تصديقاً لوعده ووفاء به (انظر ع 8 و14).

غُلب الكنعانيون لأن الرب حارب عن إسرائيل ونرى أيضاً أسباباً طبيعية لغلبهم منها إن أعماله القبيحة كانت أفسدت طباعهم ففقدوا الشجاعة والقوّة والفطنة وجميع صفات الرجولية. ومن أسباب كسرهم أيضاً أنهم غلطوا بسياستهم الحربية فإن مدنهم كانت حصينة فلو بقوا فيها كان الإسرائيليون اضطروا أن يحاصروها ويأخذوها واحدة فواحدة بعد خسارة عظيمة ومدة طويلة.

43 «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ».

ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ أي رجع القائد يشوع وجميع الجنود الذين اختارهم من إسرائيل لتلك الحرب. وقد تكرّر هذا المجاز في هذا السفر كثيراً.

إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ الجلجال بدل من المحلة بإعادة حرف الجر أو عطف بيان كذلك وهو الأرجح والمحلة مكان النزول. والجلجال مدينة تقدَّم الكلام عليها (انظر تفسير ص 4: 19) وكان علة الرجوع إلى الجلجال لافتقاد منزلة الإسرائيليين وإراحة الجنود وتدبير شؤون الشعب وجنود الحرب والاستعداد لما سيحدث بعد ذلك.

فوائد

  1. إن أورشليم كانت منذ الأزمنة البعيدة مقدس الرب وكان ملكها كاهنها كما نعلم من أمر ملكي صادق أي ملك البر كاهن الله العليّ أو بأدوني صادق أي رب البر أو سيد البر وملك ساليم أي ملك السلام كما كان يلقب ملك مصر بفرعون وملك جت بإبيمالك وملك دمشق ببنهدد. ولكن أهل تلك الأرض المقدسة ملوكها ورعاياهم تقهقروا وضلوا ضلالاً بعيداً فسلّط الله عليهم شعبه إسرائيل نقمة منهم وتطهيراً لأرضهم من أثار الغيّ وأدناس الوثنية إذ كان لم يبقَ من مجدها سوى الأسماء والألقاب والله ينزع نعمته ممن لا يرعونها. قال الشاعر وأجاد:

    Table 2. 

    إذا كنت في نعمة فارعهافإن المعاصي تزيـل النعم    
    وداوم عليها بتقوى الإلهفإن الإلـه شديـد النِّقـم    

  2. إن مجرد الاسم واللقب لا يتكفل ببقاء ما يشيران إليه فقد صار ملك البر والسلام وملك الإثم والهلاك. فلا ينفعنا مجرد أننا نسمى مسيحيين أو تلاميذ المسيح فإن أحد رسله المعروف بيهوذا الاسخريوطي ضلّ وهلك «من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (ع 1).

    وجذب الجبعونيون على نفوسهم مقاومة ملوك كنعان لما اتحدوا بالإسرائيليين. وكل من يتحد بشعب الله يصير عرضة لمقاومة العالم. ولكن الجبعونيين نالوا المساعدة من الإسرائيليين وصاروا شركاءهم في نصرتهم ومن يتألم مع شعب الله يتمجد معهم أيضاً. بواسطة مقاومة العالم يُمتحن الداخلون إلى الكنيسة (ع 4).

  3. إن عون الله لا يُعفي الإنسان من القيام بما عليه. إن الله ساعد يشوع وجنوده ولكن يشوع وجنوده بذلوا الجهد في العمل (ع 9) «صعد الليل كله من الجلجال». فلا يلزم أن نهتم كأن الله لا يعمل ويجب أن لا نتكاسل كأنه لا يُطلب عمل منا.

  4. إن الله مدير الكون وليس فقط خالقه والأرياح والأمطار والبرَد والرعود وكل ما يحدث بيده فلا نخف منها بل نؤمن بأنها مُرسلة من الله لإجراء مقاصده الصالحة. والله محبة (ع 11).

  5. إن الصلاة أقوى من العمل والفائدة العظمى من هذه المعجزة (ع 12 - 15) إن الله صنعها إجابة للصلاة.

  6. إن الله لا يمنع النور عن الذين يطلبونه منه بالصلاة. فإن الشمس يُمثل بها تعليم الكتب المقدسة والقمر يُمثل به تعليم الوعاظ لأن نوره انعكاس نور الشمس. فنطلب من الله أن شمس تعليمه لا تغيب عنّا وأن وُعاظ الكنيسة لا ينقطعون أبداً (ع 12 - 14).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

حرب يشوع في الشمال

1 «فَلَمَّا سَمِعَ يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ، أَرْسَلَ إِلَى يُوبَابَ مَلِكِ مَادُونَ وَإِلَى مَلِكِ شِمْرُونَ وَإِلَى مَلِكِ أَكْشَافَ».

ص 10: 3 ص 19: 15

يَابِينُ مَلِكُ حَاصُورَ المرجّح أن يابين كان اسماً لكل ملك من ملوك حاصور كما كان فرعون لكل ملك من ملوك مصر. وكان هذا الملك في شمالي كنعان كما كان أدوني صادق ملك أورشليم في جنوبيها فإن ملك أورشليم جمع الملوك المجاورين له في الجنوب ليحاربوا معه وملك حاصور جمع الملوك المجاورين له في الشمال لذلك. وحاصور مدينة عظيمة كما يظهر مما في (إرميا 49: 28 - 33). ولم يعرف موقعها على التحقيق لكن بعض العلماء ظنها تل خريبة وبعضهم ظنها الحضيرة وغيره ظنها الحزّارة قرب بيت جبرين ورأى بعض المفسرين أنها جبل الحضيرة قرب قادس في الجليل العليا.

مَادُونَ قال العلّامة جورج بوش «موقع هذه المدينة مجهول ولا ريب أنها كانت في جوار المدن المذكورة هنا». وقال العلّامة جورج بوست «يرجح أنها مادون قرب حطين». وقال العلّامة والر «لعلها مادِن غربي بحر الجليل».

شِمْرُونَ قال والر «هي اليوم سيمونية غربي الناصرة على غاية نحو خمسة أميال منها فهي في مرج ابن عامر». وقال بوش «وقعت هذه المدينة بعد ذلك في سهم زبولون وكانت على غاية أحد عشر ميلاً من الناصرة في الجنوب الشرقي منها». وقال جورج بوست «ربما هي قرية السميريّة على بُعد ساعة ونصف من عكا على طريق صور». قلنا وهو أقرب إلى لفظ شمرون إذ كثيراً ما تُلفظ الشين العبرانية سيناً في العربية.

أَكْشَافَ كانت في سبط أشير قرب حدّ زبولون ثم صارت قرية صغيرة اسمها خاسالوس في عصر جيروم في آخر القرن الرابع وهي اليوم خربة. ورأى بعضهم أنها حيفا وآخر أنها عين كساف أو خربة كساف وهذا أقرب إلى لفظها ولعله هو الحق.

2 «وَإِلَى ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ إِلَى ٱلشِّمَالِ فِي ٱلْجَبَلِ، وَفِي ٱلْعَرَبَةِ جَنُوبِيَّ كِنَّرُوتَ وَفِي ٱلسَّهْلِ وَفِي مُرْتَفَعَاتِ دُورَ غَرْباً».

عدد 34: 11 ص 17: 11 وقضاة 1: 27 و1ملوك 4: 11

إِلَى ٱلشِّمَالِ فِي ٱلْجَبَلِ أي إلى الأرض الجبلية في الشمال.

وَفِي ٱلْعَرَبَةِ جَنُوبِيَّ كِنَّرُوتَ العربة هنا السهل وكنّروت هي كنّارة (يشوع 19: 35). وسُمّيت في العهد الجديد «جنيسارت» وهي مدينة قديمة كانت في سهم نفتالي ويظن أنها هي طبرية الحديثة أو كانت في موقعها. وقيل أن موقعها على غاية ثلاثة أميال من طبرية وإلى الشمال الغربي منها. ومنها سُمي بحر طبرية بحر كنّروت وبحر جنيسارت.

ٱلسَّهْلِ أي بلاد السهل وهو الوادي هناك أو الأرض الغور أي المنخفضة.

مُرْتَفَعَاتِ دُورَ المرتفعات الأنجاد ورؤوس الجبال كان الوثنيون يعبدون عليها أصنامهم. وكانت تُفرز أحياناً لعبادة الله وأُضيفت إلى دور لأنها مجاورة لها. وفي أرض دور اليوم قرية صغيرة على شاطئ بحر الروم تُسمى طنطورة فقيل أنها هي دور فصارت كذا بعد أن كانت عاصمة مملكة. وهي على غاية تسعة أميال من قيصرية فلسطين وعلى مسافة قصيرة من جبل الكرمل وبيوتها بين الأربعين والخمسين. وقيل أن في جوار طنطورة أطلال تلك المدينة العظيمة ورسومها.

3 «ٱلْكَنْعَانِيِّينَ فِي ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ، وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ فِي ٱلْجَبَلِ، وَٱلْحِوِّيِّينَ تَحْتَ حَرْمُونَ فِي أَرْضِ ٱلْمِصْفَاةِ».

قضاة 3: 3 تثنية 3: 8 و9 وص 13: 11 تكوين 31: 49 وقضاة 11: 19

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ فِي ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ أي وأرسل إلى الكنعانيين. والكنعانيون كل قبائل أرض كنعان ولكنهم هنا القوم أو الأمة التي قسم منها في الشرق قرب الأردن والقسم الآخر في الغرب قرب البحر.

ٱلْحِوِّيِّينَ تَحْتَ حَرْمُونَ أي عند حضيض جبل حرمون وهو المعروف اليوم بجبل الشيخ. وقد تقدّم الكلام على الحويين وغيرهم من الأمم الكنعانية في تفسير (تكوين 10: 15 - 18 وتفسير يشوع 9: 1 فارجع إليهما).

فِي أَرْضِ ٱلْمِصْفَاةِ يُظن أن هذه الأرض البقاع بين لبنان والجبل الشرقي أي هي غربي حرمون.

4 «فَخَرَجُوا هُمْ وَكُلُّ جُيُوشِهِمْ مَعَهُمْ، شَعْباً غَفِيراً كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ، بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدّاً».

تكوين 22: 17 و32: 12 وقضاة 7: 12 و1صموئيل 13: 5

فَخَرَجُوا على الإسرائيليين أي برزوا لقتالهم. والخروج في العربية إذا كان معناه البروز للقتال تعدّى بعلى وقد تُحذَف هي ومجرورها لدلالة القرينة. وقد كثر استعماله لهذا المعنى في الكتاب المقدس ومن ذلك ما في (عدد 12: 23 و2صموئيل 11: 1 وأيوب 39: 21).

غَفِيراً أي كثيراً يحجب ما وراءه أو يغطي الأرض ويسترها فهو مأخوذ من الغفر وهو الستر أو التغطية.

كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ أي يتعذر عدهم وهو مبالغة مألوفة ومثله كثير في العبرانية والعربية. قال يوسيفوس ولم يسند قوله إلى دليل أنهم كانوا 300000 راجل و10000 فارس و20000 مركبة أي محارب على المركبات ذوات البكر (أو الدواليب وهي ما يُعرف اليوم بالعربات).

بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ أي بفوارس ومركبيّين. قال بعضهم «المرجّح أنهم جلبوا الخيل من مصر أو أرمينيا لأن أرض كنعان لم تكن مناسبة لتوفيرها» (تثنية 17: 16 و1ملوك 10: 28 و29). والمظنون أن مركبات الكنعانيين كانت مدرعة أي مغطاة بالحديد كالدروع (قضاة 4: 3) فكانت إذا جرت كان لها وقع هائل في قلوب المشاة كجنود إسرائيل خوفاً من أن تحصدهم كما تحصد المناجل الزرع ولكن يشوع والإسرائيليين لم يخافوا مثل هذا الخوف لأن الله شجعهم ووعدهم بالنصر. وهذه الجنود العظيمة للممالك الشمالية فقط ومن عناية الرب كان الكنعانيون انقسموا وحارب يشوع أولاً الممالك الجنوبية وكسرها ثم الشمالية فلم يكن فرصة لاتحاد الكنعانيين على إسرائيل.

5 «فَٱجْتَمَعَ جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ بِمِيعَادٍ وَجَاءُوا وَنَزَلُوا مَعاً عَلَى مِيَاهِ مَيْرُومَ لِيُحَارِبُوا إِسْرَائِيلَ».

فَٱجْتَمَعَ... ٱلْمُلُوكِ بِمِيعَادٍ أي بمقتضى اتفاق سابق على وقت معيّن ولهذا جاء في الترجمة الكلدانية «فاجتمع... في وقت متفق عليه».

مِيَاهِ مَيْرُومَ قال بعضهم هي أبعد البرَك الثلاث التي تنشأ في مجرى الأردن. ولذا ظن الأكثرون أنها بحيرة سماخونيتس أو سيماخون بين ينبوع الأردن وبحيرة جنيسارت وهي سمكة في العربية وإنها هي بحيرة الحولة أي بحيرة الوادي وهي على غاية 11 ميلاً من بحر طبرية شمالاً طولها ستة أميال ومعدّل عرضها ثلاثة أميال ونصف ميل وعمقها إحدى عشرة قدماً وهي تنخفض عن سطح البحر المتوسط 270 قدماً. والوادي الذي فيه هذه البحيرة بين شعبتين من جبل حرمون الذي هو جبل الشيخ يجف جانب كبير منها في الصيف ويغطيه الأنجم والأعشاب فيختبئ تحتها الوحوش المفترسة.

6 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: لاَ تَخَفْهُمْ لأَنِّي غَداً فِي مِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ أَدْفَعُهُمْ جَمِيعاً قَتْلَى أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، فَتُعَرْقِبُ خَيْلَهُمْ وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ بِٱلنَّارِ».

ص 10: 8 و2صموئيل 8: 4

فَتُعَرْقِبُ خَيْلَهُمْ وَتُحْرِقُ مَرْكَبَاتِهِمْ أي تقطع عراقيب خيلهم وهي في الدواب أعصاب غليظة في أرجلها بين الوظيف والساق والوظيف الجزء المستدق فوق الرجل واليد. ولعل الحكمة في ذلك بيان أن الاتكال على الخيل والمركبات باطل لأنها إذا كانت لا تقدر أن تقي أنفسها لا تستطيع أن تقي فرسانها فإن أولئك الوثنيين كانوا يتكلون على الخيل والمركبات كثيراً حتى كادوا ينزلون الخيل أو أنزلوها منزلة الآلهة فإنهم ما كانوا يحاربون على الخيل ولا على المركبات لأغراض لم نعلمها لبُعد عهدها. وربما كان منها بزيادة للنكاية في الأعداء وحرمانهم. وقد فعل داود مثل ذلك (2صموئيل 8: 4).

7 «فَجَاءَ يَشُوعُ وَجَمِيعُ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ مَعَهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مِيَاهِ مَيْرُومَ بَغْتَةً وَسَقَطُوا عَلَيْهِمْ».

بَغْتَةً كما فعلوا مع أهل جبعون فإن البغتة تعربس الأعداء وترهبهم قبل أن يستعدوا تمام الاستعداد. والسرعة التي أتوها حيّرت النازلين على مياه ميروم وصوّرت لهم نشاط الإسرائيليين وقدرتهم والظاهر أن الكنعانيين لم يقفوا مطلقاً أمام إسرائيل بل هربوا منهم قبل المقابلة.

سَقَطُوا عَلَيْهِمْ أي نزلوا إليهم مسرعين كأنهم حجارة ساقطة عليهم.

8 «فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ بِيَدِ إِسْرَائِيلَ، فَضَرَبُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ إِلَى صَيْدُونَ ٱلْعَظِيمَةِ وَإِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ وَإِلَى بُقْعَةِ مِصْفَاةَ شَرْقاً. فَضَرَبُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَارِدٌ».

ص 13: 6

صَيْدُونَ ٱلْعَظِيمَةِ هي المعروفة بصيداء اليوم وهي مدينة فينيقية قديمة، موقعها على شاطئ البحر المتوسط المجاور لبنان وهي على غاية نحو 25 ميلاً من بيروت ومثل ذلك عن صور أي هي جنوبي بيروت وشمالي صور على ما يقرب من منتصف البعد بينهما. ونُعتت «بالعظيمة» لأنها كانت حينئذ أمّ مدن فينيقية. ولم يأخذها الإسرائيليون وكان أهلها يظلمونهم (قضاة 10: 12) وهم مطمئنون لا يخافون أحداً (قضاة 18: 7 و27 و28).

وَإِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ أي محرقات الماء وهي اسم موضع في شمالي فلسطين لم تتحقق علة تسميتها بذلك فهل كانت ذات حمّات أي ينابيع ماء حار يومئذ ثم انقطعت. وهي قريبة من لفظة صرفة وهي المعروفة بصرفند اليوم قرب شاطئ البحر جنوبي صيداء على غاية ثلاثة أميال منها.

بُقْعَةِ مِصْفَاةَ شَرْقاً المظنون أنها البقاع.

لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَارِدٌ وصلت أيديهم إليه وإلا فقد هرب بعضهم إلى صور وبعضهم إلى صيداء وغيرهما لأنهم كانوا كثيرين جداً (ع 4).

9 «فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ. عَرْقَبَ خَيْلَهُمْ وَأَحْرَقَ مَرْكَبَاتِهِمْ بِٱلنَّار».

ع 6

فَفَعَلَ يَشُوعُ بِهِمْ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ الخ أي كل ما أتاه كان بمقتضى أمر الرب إيّاه فقتله إيّاهم لم يكن عن تعصُّب ديني ولا عن قسوة وحب انتقام.

10 «ثُمَّ رَجَعَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ وَأَخَذَ حَاصُورَ وَضَرَبَ مَلِكَهَا بِٱلسَّيْفِ، لأَنَّ حَاصُورَ كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ ٱلْمَمَالِكِ».

حَاصُورَ (انظر تفسير ع 1).

كَانَتْ قَبْلاً رَأْسَ جَمِيعِ تِلْكَ ٱلْمَمَالِكِ أي إن مدينة حاصور عاصمة مملكة يابين كانت سيدة الممالك المذكورة في (ع 1) وهي مادون وشمرون واكشاف ومدن الأرض الجبلية والعربة والسهل لا كل ممالك كنعان. وهذه المدينة استردها الكنعانيون بعد ذلك وعذّبت الإسرائيليين وأذلّتهم كثيراً (قضاة 4: 2).

11 «وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِٱلنَّار».

وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ أي لم يبقَ إنسان لأن البهائم لم يقتلوها بل غنموها (ع 14).

وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِٱلنَّارِ بأمر الله ولم يحرق الإسرائيليون غيرهما من المدن (ع 13).

12 «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ».

عدد 33: 52 وتثنية 7: 2 و20: 16 و17

حَرَّمَهُمْ لعنهم وقتلهم.

كَمَا أَمَرَ مُوسَى (انظر عدد 33: 52 وتثنية 7: 2 و20: 16 و17).

13 «غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُدُنَ ٱلْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ، مَا عَدَا حَاصُورَ وَحْدَهَا أَحْرَقَهَا يَشُوعُ».

إرميا 30: 18

غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُدُنَ ٱلْقَائِمَةَ عَلَى تِلاَلِهَا لَمْ يُحْرِقْهَا إِسْرَائِيلُ لأنها كانت كمعاقل حصينة فأُبقيت لينتفعوا بها ويقووا على من يحاصرهم.

14 «وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ ٱلْمُدُنِ وَٱلْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعاً بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً».

كُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ ٱلْمُدُنِ وَٱلْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ ما عدا ما تنّجس بالوثنية من مزينات الأصنام (تثنية 7: 25).

لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً أي إنساناً فإنهم لم يقتلوا البهائم إذ غنموها كما في صدر الآية.

15 «كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى عَبْدَهُ هٰكَذَا أَمَرَ مُوسَى يَشُوعَ، وَهٰكَذَا فَعَلَ يَشُوعُ. لَمْ يُهْمِلْ شَيْئاً مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

خروج 34: 11 و12 تثنية 7: 2 ص 1: 7

كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى الخ إن أمر الرب هو الذي حمل الإسرائيليين على قتل أولئك الوثنيين لا القساوة ولا حبّ الانتقام. والله ما جار في ذلك عن سنّة العدل.

16 «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ تِلْكَ ٱلأَرْضِ: ٱلْجَبَلَ وَكُلَّ ٱلْجَنُوبِ وَكُلَّ أَرْضِ جُوشِنَ وَٱلسَّهْلَ وَٱلْعَرَبَةَ وَجَبَلَ إِسْرَائِيلَ وَسَهْلَهُ».

ص 12: 8 ص 10: 41

كُلَّ تِلْكَ ٱلأَرْضِ أرض الكنعانيين.

ٱلْجَبَلَ الأرض الجبلية.

جُوشِنَ انظر الكلام على جوش في تفسير (ص 10: 41).

ٱلْعَرَبَةَ سهل الأردن وقد مرّ الكلام عليها (انظر تفسير تثنية 1: 1 وتفسير يشوع 3: 16).

جَبَلَ إِسْرَائِيلَ وَسَهْلَهُ أي جبال الأرض التي وُعد بها الإسرائيليون وسهولها.

17 «مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلأَقْرَعِ ٱلصَّاعِدِ إِلَى سَعِيرَ إِلَى بَعْلِ جَادَ فِي بُقْعَةِ لُبْنَانَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ. وَأَخَذَ جَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ وَقَتَلَهُمْ».

تكوين 14: 6 و32: 3 وتثنية 2: 4 الخ وص 12: 7 ص 13: 5 وقضاة 3: 3 و1أيام 5: 23 تثنية 7: 24 وص 12: 7

ٱلْجَبَلِ ٱلأَقْرَعِ الخ هذا الجبل حدّ فتوح يشوع الجنوبي ظنه بعضهم سلسلة التلال قرب بئر سبع على غاية عشرين ميلاً من جنوبي حبرون المعروفة اليوم بالخليل وسُمي بالجبل الأقرع لخلوه من الأشجار. ورآه آخر سلسلة التلال البيضاء جنوبي بحر لوط وعلى غاية ثمانية أميال منه. وهي التلال الفاصلة بين الغور والعربة. قال العلامة بوش «الظاهر أن قصد الكاتب أن يبيّن حدّي طول أرض الميعاد الشمالي والجنوبي. فالجنوبي الجبل الأقرع قرب بئر سبع والشمالي بعل جاد (وهي المعروفة اليوم على ما يرجّح بعضهم ببانياس أو قيصرية فيلبس على ما في متّى 16: 13) في حضيض حرمون المعروف بجبل الشيخ. وسعير الأرض بين بحر لوط وخليج العقبة حدّ الشرقي الصحراء العربية والغربي وادي العربة جبالها رملية أعلاها جبل هور المعروف في هذه الأيام بجبل النبي هارون» علوّه 4800 قدم فوق سطح البحر.

18 «فَعَمِلَ يَشُوعُ حَرْباً مَعَ أُولَئِكَ ٱلْمُلُوكِ أَيَّاماً كَثِيرَةً».

ع 23

فَعَمِلَ يَشُوعُ حَرْباً... أَيَّاماً كَثِيرَةً أي زماناً طويلاً وهو على ما يظهر من (ص 14: 7 - 10) نحو سبع سنين شُغلت سنة واحدة منه بالاستيلاء على الجزء الجنوبي من الأرض والست الباقية بالاستيلاء على الجزء الشمالي منها. وعلة طول هذه الحرب في قوله تعالى «ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ يَطْرُدُ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكَ قَلِيلاً قَلِيلاً. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفْنِيَهُمْ سَرِيعاً، لِئَلاَّ تَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ» (تثنية 7: 22). وامتحانه إيمان شعبه وصبرهم بتوالي الوقائع والمشقات الحربية. نعم إن الله ساعدهم في بعض المعارك بقوة خارقة العادة لكنه تركهم في أكثرها لبذل اجتهادهم وما لهم من القوة والوسائل.

19 «لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ صَالَحَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ ٱلْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ، بَلْ أَخَذُوا ٱلْجَمِيعَ بِٱلْحَرْب».

ص 9: 3 و7

لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ أي سكان مدينة.

صَالَحَتْ أي سلّم سكانها بلا حرب.

إِلاَّ ٱلْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ سكان جبعون بيان للحّويين لكنهم صالحوا بخداع ولولا ذلك لأفناهم السيف. وشفعت لهم التوبة ولو تاب سكان كنعان كلهم ما أُفنوا.

20 «لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا، فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ، بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

تثنية 2: 30 وقضاة 14: 4 و1صموئيل 2: 25 و1ملوك 12: 15 ورومية 9: 18 تثنية 20: 16 و17

مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ الخ إن الله أمهلهم زماناً طويلاً ليرجعوا إليه بما وهب لهم من العقول وبيّنات قدرته ورحمته وعنايته في عالم الطبيعة فلم يلتفتوا إليه تعالى وظلّوا في ظلمات الجهل والعبادة الوثنية واتكلوا على قوّتهم فقست قلوبهم ولم يبقَ من رجاء لإصلاحهم فتركهم الله في ذلك لتتمّ نقمته العادلة فكان أمرهم كما كان أمر فرعون إذ تركه الرب بعد البينات والوعظ والإنذار لقساوة قلبه فأهلكه عدلاً (انظر تفسير خروج 4: 21).

21 «وَجَاءَ يَشُوعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ وَقَرَضَ ٱلْعَنَاقِيِّينَ مِنَ ٱلْجَبَلِ، مِنْ حَبْرُونَ وَمِنْ دَبِيرَ وَمِنْ عَنَابَ وَمِنْ جَمِيعِ جَبَلِ يَهُوذَا وَمِنْ كُلِّ جَبَلِ إِسْرَائِيلَ. حَرَّمَهُمْ يَشُوعُ مَعَ مُدُنِهِمْ».

عدد 13: 22 و33 وتثنية 1: 28 وص 15: 13 و14

ٱلْعَنَاقِيِّينَ بني عناق أبي أربع الذي نُسبت إليه حبرون فسُميّت قرية أربع كان له ثلاثة بنين من الأبطال الأقوياء أخيمان وشيشاي وتلماي (عدد 13: 22) وكانوا من رؤساء العناقيين (قضاة 1: 10). وكان العناقيون جبابرة طوال القامة شديدي البأس خافهم جواسيس بني إسرائيل (عدد 13: 28).

من له يُعطى. كان ليشوع وكالب شجاعة وإيمان فإنهما لما خاف الشعب من بني عناق (عدد 13: 28) قالا لموسى «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا» (عدد 13: 30) والله أعطاهما حسب قولهما فصعدا وامتلكا الأرض ويشوع مذكور هنا وكالب مذكور في (ص 15: 14) وكلاهما حاربا وغلبا العناقيين.

حَبْرُونَ هي المدينة المعروفة اليوم بالخليل.

دَبِيرَ (انظر تفسير ص 10: 38).

عَنَابَ هي في الجنوب الغربي من حبرون وعلى غاية عشرة أميال منها واسمها اليوم عَنَب.

22 «فَلَمْ يَتَبَقَّ عَنَاقِيُّونَ فِي أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لٰكِنْ بَقُوا فِي غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ».

1صموئيل 17: 4 ص 15: 46

غَزَّةَ وَجَتَّ وَأَشْدُودَ غزة لا تزال تُعرف بهذا الاسم وهي على غاية ثلاثة أميال من بحر الروم. وجتّ هي المدينة التي وُلد فيها جليات الجبار وهي شرقي أشدود وعلى غاية 16 ميلاً منها. ظنّ بعضهم أن موقعها يُعرف اليوم «بتل الصافية» وشكّ بعضهم في وجود هذا الاسم. وأشدود بين غزة ويافا على غاية ثلاثة أميال من البحر المتوسط وهي اليوم قرية حقيرة اسمها أسدود في جوارها خِرَب كثيرة.

23 «فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ ٱلأَرْضِ حَسَبَ كُلِّ مَا كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى، وَأَعْطَاهَا يَشُوعُ مُلْكاً لإِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ وَأَسْبَاطِهِمْ. وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ».

عدد 34: 2 الخ عدد 26: 53 وص 14: 15 و16 و17 و18 و19 ص 14: 15 و21: 44 و23: 1

كُلَّ ٱلأَرْضِ ما عدا ما ذُكر في (ع 22). (انظر تثنية 7: 27) حيث قيل «إن الرب يطرد الشعود قليلاً قليلاً لئلا تكثر وحوش البرية». وانظر أيضاً ما قيل في (قضاة 3: 1 - 8) إن بعض الكنعانيين بقوا في الأرض. ومعنى ما قيل هنا هو أن الإسرائيليين في زمان يشوع تسلطوا على الأرض كلها ولم يبقَ من الكنعانيين من يقاومهم.

حَسَبَ كُلِّ مَا كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى من الاستيلاء على الأرض وحدودها وغير ذلك (انظر تثنية 34: 1 - 3).

أَعْطَاهَا يَشُوعُ مُلْكاً لإِسْرَائِيلَ هذا كلام إجمالي فُصِّل في ما يأتي فوُزّعت على الإسرائيليين على وفق ما ذُكر في (عدد 26: 53 - 56).

فِرَقِهِمْ وَأَسْبَاطِهِمْ الأسباط تفسير للفرق على ما يظهر ولو كان أراد بالفرَق العشائر لقال أسباطهم وفرَقهم.

وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ أي واستراح سكان أرض كنعان من مشقات الحروب بعد أن قاسوها سنين. وهذا إجمال أيضاً لم يُفصل في الكلام الآتي من بيان أحوال هذه الاستراحة وأسبابها. والمتأمل قليلاً يعرف أن الأسباب قتل الأعداء حتى لم يبقَ منهم يومئذ من يستطيع محاربة إسرائيل.

كان طول الحرب من أولها إلى آخرها نحو سبع سنين والكتاب يذكر أولها والمعجزات والأمور ذات الشأن فيها والأرجح أن الأمور غير المذكورة هي بعناية الرب العادية التي ليس فيها معجزات وإعلانات خصوصية.

إذا نظرنا إلى عظمة هذه الحرب وما فيها من الصعوبات والأخطار من كثرة الكنعانيين وأسوار مدنهم وطول قاماتهم نرى أن يد الرب كانت مع الإسرائيليين وإن النصرة منه.

إن المشقات الوهمية أعظم من الحقيقية. قابل ما حدث بما انتظره الشعب في الأول عند رجوع الجواسيس (عدد 13: 26 - 33).

نرى عدل الله بنقمته المخيفة من الكنعانيين الساكنين في الجليل في زمان يشوع ونرى رحمته نحو الجليليين في يسوع المرموز إليه بيشوع الذي طاف في كل الجليل يعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب (متّى 4: 23).

فوائد

  1. إن لنا هنا حرباً بين الشرّ والخير تحالف فيها ملوك الطلاح وجنودهم على قائد الصلاح وجنوده فكان النصر للخير والصلاح والانكسار للشرّ والطلاح واستئصالهما. إن الحق لا بدّ أن يغلب الباطل ولو بعد حين (ع 1 - 23).

  2. إن يشوع مع انتصاراته الماضية ظلّ محتاجاً إلى التشجيع فشجعه الرب.

  3. إن ملوك الأعداء تحالفوا على شعب الله وكذا أعداء الديانة المسيحية يتحالفون عليها في كل عصر والله ينصرها ويؤيد حُماتها.

  4. إن يشوع ما برح يحارب حتى استراحت الأرض. فعلى المسيحي أن لا ينفكّ يجاهد الجهاد الروحي إلى أن يصير العالم لربنا ومسيحه ويستريح من محاربة الشيطان.

  5. إن النجاح كله متوقف على أمرين شريعة الله وأمانة الإنسان وإن الأمانة مراعاة تلك الشريعة وحفظها.

  6. إن الله يقسّي قلب الشرير بالنظر إلى طبيعته الشريرة فإنه يرسل إليه وسائل الخير فتصير بحسب طبيعته وسائل الشر كضوء الشمس يُلين الشمع ويُقسّي الطين حتى يصير كالحجر.

  7. إن النقمة معدّة للأشرار في الدنيا والآخرة ما لم يتوبوا فلا ينجو مستمرّ على المعصية من عذاب الدنيا والآخرة.

  8. إن الله إله سِلم لا إله حرب فعلة الحرب فساد الإنسان وشر قلبه فلو اتّقى الكنعانيون الله ما حاربوا الإسرائيليين وما حاربهم الإسرائيليون وعلى الجملة فالخير من الله والشرّ من الناس.

  9. التمدّن بلا دين كتمدّن الكنعانيين شرّ عظيم من شرور هذا التمدّن الترفّه والتنعّم وفساد الأخلاق والتكبّر لأن هذا التمدّن يقوّي ما في الإنسان خيراً كان أم شراً.

القسم الثاني من سفر يشوع: تقسيم الأرض بين أسباط إسرائيل ص 12 إلى ص 22

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

مراجعة الانتصار على سبيل الاختصار ع 1 إلى 23

1 «وَهٰؤُلاَءِ هُمْ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ ضَرَبَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَٱمْتَلَكُوا أَرْضَهُمْ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ، مِنْ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ حَرْمُونَ وَكُلِّ ٱلْعَرَبَةِ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ».

عدد 21: 24 تثنية 3: 8 و9

مُلُوكُ ٱلأَرْضِ أي قسم أرض كنعان المذكور من هذه الآية إلى الآية السادسة.

لما قرب وقت تقسيم الأرض على الأسباط وانتهى الحرب أخذ الكاتب يذكر خلاصة النصر بالاختصار تسهيلاً للحفظ وتذكرة للإسرائيليين وابتدأ الحديث من بدء حروب موسى إلى نهاية حروبه هو. وكانت الأرض التي استولى الإسرائيليون عليها قسمين. الأول شرقي نهر الأردن وهذا استولوا عليه وموسى قائدهم (ع 6) وأعطاه سبطين ونصف سبط أي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى. وذكر ملوكه وبلادهم في الأعداد الستة الأولى. والثاني غربي الأردن وهذا استولوا عليه وقائدهم يشوع (ع 7) وقسمه على الأسباط التسعة ونصف سبط من سبط الآخر على أن الانتصار على كنعان عمل واحد ابتدأه موسى وكمله وختمه يشوع وهو عمل الله بواسطة هذين القائدين. وشق يشوع مياه نهر الأردن يشبه شق موسى مياه البحر الأحمر. وكل ذلك رمز إلى جهاد يسوع وشعبه ومصير العالم ملكاً لربنا يسوع المسيح.

مِنْ وَادِي أَرْنُونَ إِلَى جَبَلِ حَرْمُونَ أرنون نهر صغير لكنه أعظم الأنهار في شرقي بحر لوط. كان حداً لكل الأرض الجنوبية التي شغلها الإسرائيليون في عبر الأردن واسمه اليوم «الموجب» وكان جبل حرمون المعروف اليوم بجبل الشيخ حدّ الأرض الشمالية. وطول أرنون نحو خمسين ميلاً يجري من جبل جلعاد مسافة بعيدة. ثم يجري من الشمال إلى الجنوب ثم يجري إلى الشمال الغربي ويصب في بحر لوط غير بعيد عن مصب الأردن وهو يعظم في الشتاء ثم يقل شيئاً فشيئاً إلى أن يكاد يجف في الصيف (انظر تفسير تثنية 3: 8).

وَكُلِّ ٱلْعَرَبَةِ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ أي السهل شرقي الأردن ويُعرف أيضاً بعربات موآب أي سهول موآب (انظر تفسير عدد 22: 1 وتثنية 1: 1 و34: 1).

2 «سِيحُونُ مَلِكُ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنُ فِي حَشْبُونَ، ٱلْمُتَسَلِّطُ مِنْ عَرُوعِيرَ ٱلَّتِي عَلَى حَافَةِ وَادِي أَرْنُونَ وَوَسَطِ ٱلْوَادِي وَنِصْفِ جِلْعَادَ إِلَى وَادِي يَبُّوقَ تُخُومِ بَنِي عَمُّونَ».

عدد 21: 24 وتثنية 2: 33 و36 و3: 6 و16

سِيحُونُ مَلِكُ ٱلأَمُورِيِّينَ أهل البلاد هذا الملك وسبق ذكر بلاده في (تثنية 2: 36).

حَشْبُونَ هي المسماة أطلالها اليوم حسبان ولم تزل تلك الأطلال ماثلة وكانت في أول الأمر من مدن الموآبيين ثم استولى عليها سيحون ملك الأموريين واتخذها عاصمة لبلاده وهي واقعة على التخم بين رأوبين وجاد على غاية خمسة عشر ميلاً شرقي طرف بحر لوط الشمالي.

عَرُوعِيرَ مدينة في شمالي نهر أرنون (انظر تفسير ع 1). وهي خربة اليوم وأطلالها على شاهق يبعد اثني عشر ميلاً شرقي طرف بحر لوط الشمالي.

وَادِي أَرْنُونَ (انظر تفسير ع 1).

وَسَطِ ٱلْوَادِي أي النهر.

نِصْفِ جِلْعَادَ أي نصف جبل جلعاد أو الأرض من شرقي الأردن إلى بلاد العرب وهي تشتمل على ما يُعرف بالبلقاء اليوم.

وَادِي يَبُّوقَ نهر يُعرف اليوم بنهر الزرقاء منبعه قرب عمان يلتقي بالأردن في منتصف المسافة بين بحر لوط وبحر طبريا. فكانت حدود مملكة سيحون نهر أرنون جنوباً ونهر يبّوق شمالاً والأردن غرباً وجبال العربية شرقاً.

تُخُومِ بَنِي عَمُّونَ بيان لمتعدِّد من عروعير وما يعدها أي من تلك المتعددات التي هي تخوم بني عمون. وبنو عمون نسل بن عمّي بن لوط (تكوين 19: 38).

3 «وَٱلْعَرَبَةِ إِلَى بَحْرِ كِنَّرُوتَ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ، وَإِلَى بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ (بَحْرِ ٱلْمِلْحِ) نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ طَرِيقِ بَيْتِ يَشِيمُوتَ، وَمِنَ ٱلتَّيْمَنِ تَحْتَ سُفُوحِ ٱلْفِسْجَةِ.

تثنية 3: 17 ص 13: 20 تثنية 3: 17 و4: 49

ٱلْعَرَبَةِ (انظر تفسير ع 1).

بَحْرِ كِنَّرُوتَ أي بحر الجليل وهو بحر طبرية. وكنّروت هي المعروفة في العهد الجديد بجنيسارت وهي أرض غربي بحر الجليل. زعم بعضهم أنها السهل المعروف بالغوير وطولها على شاطئ البحر المذكور يقرب من أربعة أميال وعرضها نحو ميل.

بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ بَحْرِ ٱلْمِلْحِ بحر لوط وكان موضعه سهلاً ولهذا كانت المدن التي غمرها مدن السهل ومنها سدوم وعمورة.

بَيْتِ يَشِيمُوتَ أي بيت القفار مدينة على الشمال الغربي من بحر لوط وقال بعضهم أنها المعروفة اليوم بعين صويمة.

تَحْتَ سُفُوحِ ٱلْفِسْجَةِ أي على جوانب الفسجة وهي أحد تلال جبل نبو التي رأى موسى قبل موته أرض الميعاد منها (تثنية 3: 27 و34: 1) أو لعلها حضيض ذلك الجبل ويُعرف اليوم بجبل نبا (تثنية 3: 17).

4 «وَتُخُومُ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ مِنْ بَقِيَّةِ ٱلرَّفَائِيِّينَ ٱلسَّاكِنِ فِي عَشْتَارُوثَ وَفِي إِذْرَعِي».

عدد 21: 35 وتثنية 3: 4 و10 تثنية 3: 11 وص 13: 12 تثنية 1: 4

تُخُومُ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ (تثنية 3: 11) أي أهل تلك التخوم فهذا معطوف على سيحون باعتبار أن المراد أهل سيحون (انظر تفسير ع 2). ومعنى ما ذُكر من ع 1 إلى هنا أن بني إسرائيل ضربوا أهل البلاد التي ملوكها سيحون الخ. وباشان بلاد في أرض كنعان شرقي الأردن بين جبل حرمون وجبل جلعاد وهو حوران والجولان واللجاه.

مِنْ بَقِيَّةِ ٱلرَّفَائِيِّينَ أي الجبابرة وهم قبيلة قديمة شرقي الأردن (انظر تثنية 3: 11 والتفسير وتكوين 14: 5 والتفسير).

ٱلسَّاكِنِ فِي عَشْتَارُوثَ أي الساكن قومه أو الساكن هو وقومه أو رعيته في البلاد التي عاصمتها عشتاروث وتُسمى عشتاروت قرنايم أيضاً وكانت في حوران ولم يزل في حوران مكان يُسمى تل عشترة على أمد فرسخين من أذرعي. وقد تقدم الكلام بالتفصيل على عشتاروت (انظر تفسير تكوين 14: 5).

إِذْرَعِي أي كورة إذرعي التي مدينة إذرعي عاصمتها. وبعضهم أخذ الكلام على ظاهره ورأى المعنى أن عوج كان له عاصمتان عشتاروت وإذرعي فكان يقيم بالأولى وقتاً وبالأخرى آخر وفي هذا لا حاجة إلى المجاز. وإذرعي مدينة في حوران تُعرف اليوم بإذرع وهي على غاية 75 ميلاً من بصرى موقعها في وادٍ عميق يحيط به خرَب وأطلال محيطها نحو ميلين وفيها كثير من الكهوف والبرك الكبيرة وبئر ماء عذب وكانت في السهم الذي لنصف سبط منسى.

5 «وَٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَى جَبَلِ حَرْمُونَ وَسَلْخَةَ وَعَلَى كُلِّ بَاشَانَ إِلَى تُخُمِ ٱلْجَشُورِيِّينَ وَٱلْمَعْكِيِّينَ وَنِصْفِ جِلْعَادَ، تُخُومِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ».

تثنية 3: 8 تثنية 3: 10 وص 13: 11 تثنية 3: 14

وَٱلْمُتَسَلِّطِ معطوف على الساكن في (ع 4).

حَرْمُونَ جبل الشيخ.

سَلْخَةَ وتُعرف اليوم بسلخد وصلخد عند طرف جبل الدروز الجنوبي وقلعة سلخد أو صلخد على حدود الصحراء الشامية على تل يشرف على السهل يُرى من بعيد على هيئة مخروط مقطوع. وهذه القلعة بُنيت في عصر الرومانيين على بعض أعتابها صوَر نسور وكتابات عربية ويونانية منذ السنة 196 و246 للميلاد. وفيها قصر حوله نحو 800 بيت سقوفها من الحجارة لم يزل كثير منها محفوظاً ولكن السكان قليلون.

ٱلْجَشُورِيِّينَ سكان جشور وهي أرض شرقي الأردن وشمالي باشان (ربما كانت تعم شمالي الجولان واللجاه) وكانت في سهم منسى. كانت في زمن داود مستقلة فهرب أبشالوم إليها على أثر قتله أمنون (2صموئيل 13: 37). وفي تخمها جسر على الأردن يُعرف بجسر بنات يعقوب.

ٱلْمَعْكِيِّينَ أهل معكة وهي مملكة صغيرة على تخم فلسطين الشمالي الشرقي.

تُخُومِ سِيحُونَ بيان لمتعدد من تخم الجشوريين وما بعده.

حَشْبُونَ (انظر تفسير ع 2).

6 «مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ ضَرَبُوهَا. وَأَعْطَاهَا مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ مِيرَاثاً لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَٱلْجَادِيِّينَ وَلِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى».

عدد 21: 24 و33 عدد 32: 29 و33 وتثنية 3: 11 و12 وص 13: 8

ضَرَبُوهَا قتلوا أهلها بالسيف واستولوا عليها والضمير راجع إلى الأرض المذكورة من ع 1 - هنا. وهذه نهاية ما استولى عليه الإسرائيليون وقائدهم موسى عبد الرب.

7 «وَهٰؤُلاَءِ هُمْ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ ضَرَبَهُمْ يَشُوعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ غَرْباً، مِنْ بَعْلِ جَادَ فِي بُقْعَةِ لُبْنَانَ إِلَى ٱلْجَبَلِ ٱلأَقْرَعِ ٱلصَّاعِدِ إِلَى سَعِيرَ. وَأَعْطَاهَا يَشُوعُ لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِيرَاثاً حَسَبَ فِرَقِهِمْ».

ص 11: 17 تكوين 14: 6 و32: 3 وتثنية 2: 1 و4 وص 11: 17 ص 11: 23

مُلُوكُ ٱلأَرْضِ أي القسم الباقي من أرض كنعان الذي استولى عليه الإسرائيليون وقائدهم يشوع.

عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ غَرْباً راجع ما قيل في تفسير العدد الأول.

بَعْلِ جَادَ هذا مكرر ما في (ص 11: 17 فارجع إلى تفسيره).

8 «فِي ٱلْجَبَلِ وَٱلسَّهْلِ وَٱلْعَرَبَةِ وَٱلسُّفُوحِ وَٱلْبَرِّيَّةِ وَٱلْجَنُوبِ: ٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْفَرِزِّيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ».

ص 10: 4 و11: 16 خروج 3: 8 و23: 23 وص 9: 1

فِي ٱلْجَبَلِ وَٱلسَّهْلِ أي الأرض الجبلية والأرض السهلية.

ٱلْعَرَبَةِ سهل بعينه مرّ تفسيره في عدة آيات وهي هنا الوادي أو الغور شمالي بحر لوط.

ٱلسُّفُوحِ جوانب الجبال أو ما جاور أحضّتها.

ٱلْبَرِّيَّةِ مضارب الخيام والمراعي على ما يرجح.

ٱلْحِثِّيُّونَ الخ مبتدأ خبره متعلق المجرورات المذكورة من قوله «في الجبل والسهل» إلى قوله «الجنوب» وقد تقدّم الكلام على هؤلاء الأمم في عدة مواضع (انظر تفسير تكوين 10: 15 - 18). وهذه الآية على ما يظهر معترضة بين قوله «هؤلاء هم الملوك...» وقوله «ملك أريحا» الخ. ورأى بعضهم أن المعنى المتحصل أن الإسرائيليين ضربوا سكان الجبال والأودية الخ حتى الحثيين الخ.

9 «مَلِكُ أَرِيحَا وَاحِدٌ. مَلِكُ عَايَ ٱلَّتِي بِجَانِبِ بَيْتِ إِيلَ وَاحِدٌ».

ص 6: 2 ص 8: 29

من هذه الآية إلى آخر الأصحاح أي الآية الرابعة والعشرين بيان أسماء الملوك الأحد والثلاثين الذين ضربهم يشوع.

مَلِكُ أَرِيحَا (انظر تفسير ص 6: 2 الخ).

مَلِكُ عَايَ (انظر تفسير ص 8: 1 - 29).

10 - 12 «10 مَلِكُ أُورُشَلِيمَ وَاحِدٌ. مَلِكُ حَبْرُونَ وَاحِدٌ. 11 مَلِكُ يَرْمُوتَ وَاحِدٌ. مَلِكُ لَخِيشَ وَاحِدٌ. 12 مَلِكُ عَجْلُونَ وَاحِدٌ. مَلِكُ جَازَرَ وَاحِدٌ».

ص 1: 23 ص 10: 33

مَلِكُ أُورُشَلِيمَ (انظر تفسير ص 10: 1 - 23).

مَلِكُ حَبْرُونَ... مَلِكُ يَرْمُوتَ... مَلِكُ لَخِيشَ... مَلِكُ عَجْلُونَ (انظر تفسير ص 10: 3).

مَلِكُ جَازَرَ (انظر تفسير ص 10: 33).

13، 14 «13 مَلِكُ دَبِيرَ وَاحِدٌ. مَلِكُ جَادَرَ وَاحِدٌ. 14 مَلِكُ حُرْمَةَ وَاحِدٌ. مَلِكُ عِرَادَ وَاحِدٌ».

ص 10: 38

مَلِكُ دَبِيرَ... مَلِكُ جَادَرَ... مَلِكُ حُرْمَةَ... مَلِكُ عِرَادَ (انظر تفسير ص 10: 38). و«جادر» المرجّح أنها جدور وهي مدينة لبنيامين. و«حرمة» مدينة في جنوبي كنعان اسمها الأصلي صفاة. زعم بعضهم أنها في مضيق اسمه الصف على غاية 40 ميلاً من بئر سبع شرقاً. وظنّ بعضهم أن موقعها سُبيطة على أمد 20 ميلاً من عين قادس. و«عراد» مدينة في تخم اليهودية الجنوبي (عدد 21: 1 - 3).

15 «مَلِكُ لِبْنَةَ وَاحِدٌ. مَلِكُ عَدُلاَّمَ وَاحِدٌ».

ص 10: 29 ص 10: 34

لِبْنَةَ (انظر تفسير ص 10: 29).

عَدُلاَّمَ (انظر تفسير تكوين 38: 1 و«عدلام» في قاموس الكتاب المقدس).

16 «مَلِكُ مَقِّيدَةَ وَاحِدٌ. مَلِكُ بَيْتِ إِيلَ وَاحِدٌ».

ص 10: 28 ص 8: 17 وقضاة 1: 22

مَقِّيدَةَ (انظر تفسير ص 10: 10).

17 «مَلِكُ تَفُّوحَ وَاحِدٌ. مَلِكُ حَافَرَ وَاحِدٌ».

1ملوك 4: 10

تَفُّوحَ كان في أرض كنعان مدينتان بهذا الاسم إحداهما في سهم يهوذا (ص 15: 34) والأخرى في سهم أفرايم (ص 16: 8 و17: 8) والمرجّح أن المراد بها هنا الأخرى وكانت على تخم أفرايم ومنسى.

حَافَرَ كورة في فلسطين الأرجح أنها في سهم يهوذا وتُعرف اليوم بالمشهد.

18 «مَلِكُ أَفِيقَ وَاحِدٌ. مَلِكُ لَشَّارُونَ وَاحِدٌ».

إشعياء 33: 9

أَفِيقَ يُطلق هذا الاسم على ست مدن لا يُعرف أيها المذكورة هنا. والمرجّح أنها أفيقة قرب تفوح في جبال يهوذا قرب حبرون. وثلاث من هذه المدن في الأقاليم الشمالية.

لَشَّارُونَ وتُعرف اليوم بشارونة وهي قرب تابور.

19 «مَلِكُ مَادُونَ وَاحِدٌ. مَلِكُ حَاصُورَ وَاحِدٌ».

ص 11: 10

مَادُونَ... حَاصُورَ المرجّح أن الأولى هي مادون قرب حطّين. والثانية لم تُعرف بالتحقيق (انظر تفسير ص 11: 1).

20 «مَلِكُ شِمْرُونَ مَرَأُونَ وَاحِدٌ. مَلِكُ أَكْشَافَ وَاحِدٌ».

ص 11: 1 و19: 15

شِمْرُونَ مَرَأُونَ مرأون بيان لشمرون أو بدل منها وقد ذُكرت في (تفسير ص 11: 1 فارجع إليه).

أَكْشَافَ (انظر تفسير ص 11: 1).

21 «مَلِكُ تَعْنَكَ وَاحِدٌ. مَلِكُ مَجِدُّو وَاحِدٌ».

تَعْنَكَ... مَجِدُّو «تعنك» مدينة في سهم منسى صارت للاويين وهي قريبة من مجّدو. وهي على غاية أربعة أميال من لجّون و13 ميلاً من الناصرة و48 ميلاً من أورشليم. و«مجّدو» المرجّح أنها تلّ المتسلم وهي على غاية أربعة أميال من تعنك على الشمال الغربي في سهل يزرعيل أو مرج ابن عمير يمرّ فيه أكبر فروع المقطّع ووقع فيه حروب كثيرة. هناك انتصر باراق (قضاة 4: 6 - 17) ومات أخزيا (2ملوك 9: 27). ويوشيا (2ملوك 23: 29) وسُميت هرمجدون (رؤيا 16: 16).

22 «مَلِكُ قَادِشَ وَاحِدٌ. مَلِكُ يَقْنَعَامَ فِي كَرْمَلَ وَاحِدٌ».

ص 19: 37

قَادِشَ رأى الأكثرون أنها هي القرية المعروفة اليوم بقادس وهي على غاية عشرة أميال من صفد شمالاً وعلى أمد 4 أميال إلى الشمال الغربي من الحولة.

يَقْنَعَامَ مدينة لزبولون مُنحت هي ومزارعها للاويين ظنها بعضهم تل قيمون وبعضهم أنها عنده على غاية اثني عشر ميلاً من الناصرة من الجنوب الغربي.

23 «مَلِكُ دُوَرٍ فِي مُرْتَفَعَاتِ دُوَرٍ وَاحِدٌ. مَلِكُ جُويِيمَ فِي ٱلْجِلْجَالِ وَاحِدٌ».

ص 11: 2 تكوين 14: 1 و2 وإشعياء 9: 1

دُوَرٍ هي المعروفة اليوم بالطنطورة (انظر تفسير ص 11: 2).

جُويِيمَ معنى جوييم في العبرانية وتُلفظ الجيم مصرية «أمم» وفي حاشية الكتاب المقدس ذي الشواهد «أو الأمم» فيكون المعنى أمم أو قبائل تحت قيادة ملك الجلجال ولكن المترجم تركها على لفظها العبراني لاحتمال أن تكون علماً لمدينة فإن كانت مدينة فهي غير معلوم شيء من أمرها سوى أنها عاصمة مملكة في الجلجال. وقد جاءت محتملة اسم أرض ومعنى أمم في (تكوين 14: 1). ورُجّح أنها اسم أرض (انظر تفسير تكوين 14: 1) ولكن تلك الأرض بعيدة عن إمكان الآية هنا.

ٱلْجِلْجَالِ وهي اليوم قرية اسمها جلجليّة.

24 «مَلِكُ تِرْصَةَ وَاحِدٌ. جَمِيعُ ٱلْمُلُوكِ وَاحِدٌ وَثَلاَثُونَ».

تِرْصَةَ ظنها بعضهم تلّوزة على غاية ميلين في الشمال الشرقي من جبل عيبال وخمسة أميال في شرقي السامرة و30 ميلاً في شمالي أورشليم. ورأى آخرون أنها كانت عند تياسير على الطريق بين نابلس وبيسان على غاية 12 ميلاً في شرقي السامرة. وكانت ترصة مركزاً للمملكة الشمالية نحو خمسين سنة إلى أن بنى عمري السامرة وكانت جميلة للغاية.

جَمِيعُ ٱلْمُلُوكِ وَاحِدٌ وَثَلاَثُونَ أي جميع الملوك الذين ضربهم يشوع وبنو إسرائيل عددهم 31. وكل هذه الأرض المذكورة هنا جزء صغير من سورية ومن ذلك يتبين لك أن ممالك تلك الملوك لا تزيد كثيراً على المديريات في هذه الأيام. ولكن السكان في عصر يشوع كانوا أكثر من السكان في عصرنا وكان بنو إسرائيل ضعفاء بالنسبة إلى أولئك الأقوياء فلولا عون الله لهم لكان الكنعانيون ما أبقوا منهم بقية.

فوائد

  1. إن الله لا يدفع عنّا كل التجارب لكي نعرف ضعفنا فنلجأ إليه ولكي نبذل الجهد في دفع ما بقي. إن الله ولّى بني إسرائيل بواسطة عبديه موسى ويشوع أرض الميعاد لكن أبقى فيها بعض الأمم (ص 13: 1 - 6) لكي يجتهد الإسرائيليون في تأديبهم أو الإتيان بهم إليه تعالى وكان الأمران كلاهما في طاقتهما لو أرادا. ونحن الله ولّانا كنعان السماوية ولكنه أبقى الخطيئة والضعف البشري لكي نخضع لله ونحارب الإثم ونخلص نفوسنا وغيرنا من الأثمة بنعمته ونحن على ذلك قادرون.

  2. إن لكل مجاهد نصيباً من اثنين الانتصار والانكسار فإن جاهد الجهاد الحسن نُصر وإلا كُسر. إن الإسرائيليين غلبوا ملوكاً كثيرة من الأقوياء بسيرهم على السنن الذي أبانه الله لهم ولكنهم إذ كانوا ينحرفون عن ذلك السنن كانوا ينكسرون كما كان من أمرهم في محاربة أهل عاي الأولى.

  3. إن الكثرة والشجاعة لا تأتيان بالنصر إن لم يكن المحاربون تحت عَلَم الله. فأولئك الملوك لاتكالهم على قوتهم وعدم طلبهم مشورة الله كسرهم الإسرائيليون وأخذوا أرضهم مع كثرة عددهم وعظمة قوّتهم.

  4. إن الفاضل قد يأتي بأعظم مما يأتي به الأفضل. فإن موسى كان أفضل من يشوع ولكنه لم يغلب من الملوك إلا قليلين وأما يشوع فغلب واحداً وثلاثين ملكاً. فلا ييأس المؤمن الضعيف من أن يفعل في كرم الرب أكثر مما فعل مشاهير الرسل. الله هو الذي اختار أكابر رجاله وأعانهم وهو قادر أن يعين أصغر عبيده ويأتي بواسطته إصلاحاً لم يأته بواسطة أحد من أولئك الأكابر.

  5. يمكن كل إنسان الغلبة التامة على جميع أعدائه الروحيين لأن الله قادر على كل شيء ووعده بالنصرة فلا يقصر أحد إلا لكسله أو عدم الإيمان.

  6. كانت كنعان أرض متنوعة فيها جبال وسهول وسفوح وبريّة (ع 8) وكذلك مواهب الله الروحية لشعبه متنوعة منها ما يناسب كلاَّ من المؤمنين (1كورنثوس ص 12).

  7. كُتب في الكتاب المقدس أسماء الملوك المغلوبين تذكاراً أبدياً لنصرة الإسرائيليين وهكذا يكتب الله في سفره جميع انتصاراتنا على أعدائنا الروحية تنشيطاً لنا.

  8. الكتاب يذكر أسماء الملوك فقط ولكنهم مذكورون نيابة عن ألوف من الرجال والنساء والأولاد من الشعوب قتلوا وخربت أملاكهم لأن فساد الكنعانيين كان فساداً عمومياً وصلاح مملكة يقوم بصلاح رعيتها أفراداً وليس بصلاح الملك فقط.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

بيان تقسيم الأرض

1 «وَشَاخَ يَشُوعُ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ. فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ قَدْ شِخْتَ. تَقَدَّمْتَ فِي ٱلأَيَّامِ. وَقَدْ بَقِيَتْ أَرْضٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً لِلامْتِلاَكِ».

ص 14: 1 و23: 1 تثنية 31: 3

شَاخَ يَشُوعُ يرجّح كل الترجيح أنه كان في سن نحو المئة حين أخذ في الاستيلاء على أرض كنعان وشغل بفتحها نحو سبع سنين وشغل بقسمتها سنتين ومات في سن المئة والعاشرة (ص 24: 29).

تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ هذا بدل من قوله «شاخ» والمقصود منه التأكيد. وهذه الجملة عبارة عن طول العهد والكبر.

قَدْ بَقِيَتْ أَرْضٌ كَثِيرَةٌ جِدّاً لِلامْتِلاَكِ لم يذكر ذلك علّة لأن يستمر على الحرب بل ليكف عنها. على أن بني إسرائيل كانوا يتوقعون أن يستمر عليها لأنهم كانوا ينتصرون ويستولون على الأرض شيئاً فشيئاً بواسطته. ولكن كان عليه أن يقسم لهم الأرض وما بقي من عمره إلا القليل. ومن العجب أنه قسم لهم الأرض والكثير منها لم يزل ملك ساكنيها وليس للإسرائيليين شيء منه. وهذا لم ينتج إلا عن قوة الإيمان بالله والثقة بوعده أنه يوليهم ما بقي. وأتى يشوع ذلك طوعاً لأمر الله وأسرع إليه لئلا يأتيه الموت قبل إتمامه فكأن مبدأه في الأعمال قول الحكيم «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ وَلاَ ٱخْتِرَاعٍ وَلاَ مَعْرِفَةٍ وَلاَ حِكْمَةٍ فِي ٱلْهَاوِيَةِ ٱلَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا» (جامعة 9: 10).

2 «هٰذِهِ هِيَ ٱلأَرْضُ ٱلْبَاقِيَةُ: كُلُّ دَائِرَةِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَكُلُّ ٱلْجَشُورِيِّينَ».

قضاة 3: 1 يوئيل 3: 4 و1صموئيل 27: 8

هٰذِهِ هِيَ ٱلأَرْضُ ٱلْبَاقِيَةُ للامتلاك والأرض المشار إليها ما يأتي من الأماكن وهي بيان لها.

كُلُّ دَائِرَةِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ وهي الأرض التي في شاطئ البحر المتوسط الجنوبي. وما ذكرت أرض الفلسطينيين من جملة الأرض المعيّنة للامتلاك قبلاً لأن سكانها الكنعانوين هم العويون الذين طردهم الكفتوريون وسكنوا أرضهم (انظر تفسير تثنية 2: 23) فكان أهل فلسطين حينئذ كنعانيين فصارت من جملة الأرض التي وعد الله شعبه بها.

وَكُلُّ ٱلْجَشُورِيِّينَ يظهر من القرينة أنهم قبيلة في الجنوب الغربي على حدود الفلسطينيين وهم غير الجشوريين المذكورين في (ع 11) الذين كان مكانهم في سهم نصف سبط منسى شرقي الاردن (1صموئيل 27: 8).

3 «مِنَ ٱلشِّيحُورِ ٱلَّذِي هُوَ أَمَامَ مِصْرَ إِلَى تُخُمِ عَقْرُونَ شِمَالاً تُحْسَبُ (لِلْكَنْعَانِيِّينَ) أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ٱلْخَمْسَةِ: ٱلْغَزِّيِّ وَٱلأَشْدُودِيِّ وَٱلأَشْقَلُونِيِّ وَٱلْجَتِّيِّ وَٱلْعَقْرُونِيِّ وَٱلْعَوِيِّينَ».

إرميا 2: 18 قضاة 3: 3 و1صموئيل 6: 4 و16 وصفنيا 2: 5 تثنية 2: 23

ٱلشِّيحُورِ وفي حاشية الكتاب المقدس ذي الشواهد أو النيل ومعناه مكدّر أو أسود. يقول بعضهم أنه نهر النيل ومياهه مشهورة بأنها رَنقة لما يجرفه من التراب في مجراه فيكدّر ويسوّد. واليونان يسمون النيل بيلاس أي أسود. وآخرون يقولون إن «شيحور» هنا هو وادي العريش المسمى في عدد 34: 5 وادي مصر وهو التخم الفاصل بين مصر وأرض كنعان.

ٱلَّذِي هُوَ أَمَامَ مِصْرَ أي شرقي مصر (انظر تكوين 2: 14).

تُخُمِ عَقْرُونَ شِمَالاً عقرون من العواصم الخمس وهي غزّة أشدود وأشقلون وجتّ وعقرون عواصم الفلسطينيين. وكانت عقرون غربي أورشليم وعلى غاية 34 ميلاً والشمال الشرقي من أشدود وعلى غاية عشرة أميال منها وغربي جتّ بميل إلى الشمال وعلى غاية تسعة أميال منها وشرقي ساحل البحر المتوسط. وقد تمّ خرابها ولم يبقَ طلل منها فتمّ عليها قول النبي «عقرون تستأصل» (صفنيا 2: 4). وفي موقعها اليوم قرية حقيرة اسمها عاقر على تلّ في الجنوب الشرقي من يافا وعلى غاية 12 ميلاً منها.

تُحْسَبُ لِلْكَنْعَانِيِّينَ لأن سكانها الأصليين من نسل كنعان أصغر أبناء حام. والفلسطينيون من مصرايم وهو ابن حام الثاني.

أَقْطَابِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ٱلْخَمْسَةِ أي أمرائهم أو ملوكهم الذين عواصمهم المدن الخمسة. ووُصفت غزّة في تفسير (تثنية 2: 23). وأشدود بين غزّة ويافا. وأشقلون على بُعد 10 أميال من غزّة شمالاً. وجتّ في تفسير (ص 11: 22). وعقرون في تفسير أول هذه الآية.

ٱلْعَوِيِّينَ معطوف على الكنعانيين. والعويون أمة سكنت تلك الأرض قبل الكفتوريين (انظر تفسير تثنية 2: 23 وتفسير تكوين 10: 13 و14).

4 «مِنَ ٱلتَّيْمَنِ كُلُّ أَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَمَغَارَةُ ٱلَّتِي لِلصَّيدُونِيِّينَ إِلَى أَفِيقَ إِلَى تُخُمِ ٱلأَمُورِيِّينَ».

ص 10: 3 قضاة 1: 34

مِنَ ٱلتَّيْمَنِ أي الجنوب.

كُلُّ أَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ أي الأرض التي للكنعانيين أو التي يسكنها الكنعانيون.

وَمَغَارَةُ هي «مدينة للصيدونيين... أو كهف لا يُعلم موضعه» (قاموس الكتاب). وقال لي كلرك هي «القسم الجبلي من الجليل العليا التي تُدعى أحياناً ببلاد الصيدونيين الكهفية لكثرة ما فيها من الكهوف التي هي ملاجئ في أوقات الحرب ومخابئ للقتلة». وقال يوسيفوس «إن الكهوف كثيرة في الأرض المقدسة». وقال رهبان دير قنوبين للموسيو دي لاروس «إن بين الجبال الذي يجري بينها نهر قاديشا ما لا يقل عن ثماني مئة من الكهوف». ورأى بعضهم أن «مغارة» هنا هي كهف واحد كبير عند جزين في لبنان شرقي صيدا.

أَفِيقَ غير أفيق المذكورة في (ص 12: 18) التي كانت في جنوبي أرض كنعان فإن أفيق هذه مدينة تابعة لسبط أشير (يشوع 19: 30 وقضاة 1: 31) واقعة في لبنان على التخم الشمالي من كنعان ويظن أنها أفقا المشهورة بهيل الزهرة عند مصدر نهر إبراهيم. قاموس الكتاب «أفيق» (3).

ٱلأَمُورِيِّينَ (انظر تفسير ص 9: 1 وتفسير تكوين 10: 15 - 18).

5 «وَأَرْضُ ٱلْجِبْلِيِّينَ وَكُلُّ لُبْنَانَ نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ مِنْ بَعْلِ جَادَ تَحْتَ جَبَلِ حَرْمُونَ إِلَى مَدْخَلِ حَمَاةَ».

1ملوك 5: 18 ومزمور 83: 7 وحزقيال 27: 9 ص 12: 7

وَأَرْضُ ٱلْجِبْلِيِّينَ أهل جِبل وتُعرف اليوم بجُبيل وهي مدينة فينيقية شمالي بيروت وعلى غاية 20 ميلاً منها. والأرض المذكورة هنا الساحل المجاور لها. وهذه الأرض لم تُعط للإسرائيليين لأنها خارج حدود كنعان. ومن هؤلاء الجبليين استخدم سليمان عدة صنّاع في إقامة الهيكل (1ملوك 5: 18). وكانوا من المشهورين ببناء السفن (حزقيال 27: 9). وكان اليونانيون والرومانيون يسمون جبيل ببِلُس. وفيها اليوم خراب وأطلال تشهد بما كانت عليه من العظمة وفيها حجارة كثيرة تشبه الموجودة في أثار هيكل سليمان في أورشليم. وكانت جبيل مركز عبادة تموز القبيحة (حزقيال 8: 14) التي امتدت في كل لبنان ووصلت إلى دمشق.

مِنْ بَعْلِ جَادَ أي معسكر البعل والبعل الشمس كانوا يؤلهونها ويذكرونها ومعنى البعل الرب أو السيد. و«بعل جاد» هنا اسم مدينة المرجّح أنها بانياس أو قيصرية فيلبس ورأى بعضهم أنها بعلبك.

مَدْخَلِ حَمَاةَ (انظر قاموس الكتاب المقدس «حماة»). يراد «بمدخل حماة» الأرض حوالي مدينة حمص وهي سهل مفتوح إلى الشمال نحو حماة وإلى الشرق نحو برية سورية وإلى الجنوب نحو ربلة والبقاع وإلى الغرب نحو بلاد الحصن والبحر وهي بالحقيقة مدخل لكل هذه الجهات.

6 «جَمِيعُ سُكَّانِ ٱلْجَبَلِ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى مِسْرَفُوتَ مَايِمَ جَمِيعُ ٱلصَّيْدُونِيِّينَ. أَنَا أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِنَّمَا ٱقْسِمْهَا بِٱلْقُرْعَةِ لإِسْرَائِيلَ مُلْكاً كَمَا أَمَرْتُكَ».

ص 11: 8 ص 23: 13 وقضاة 2: 21 و23 ص 14: 1 و2

مِسْرَفُوتَ مَايِمَ (انظر تفسير ص 11: 8).

أَنَا أَطْرُدُهُمْ لا أنت ولا قومك يا يشوع لأني على كل شيء قدير وإني أمين وعدت فلا أخلف الميعاد وإني رب الجنود الذي يغلب ولا يُغلب. ولكن يجب أن نذكر أن كل مواعيد الله تتم بشرط إيمان الموعود وعمله الأعمال الموافقة لمشيئة الله فالإسرائيليون لو قاموا بالشرط لاستولوا على أرض كنعان وبقوا مستولين عليها إلى الأبد وما غلبهم أحد من الأعداء.

إِنَّمَا ٱقْسِمْهَا بِٱلْقُرْعَةِ عليّ أخذها وعليك قسمتها بالقرعة بإلقاء القرعة أي الإلقاء الذي يعين القرعة وهي السهم أو النصيب. وإلقاء القرعة لا يزال مستعملاً إلى اليوم وهو على أشكال مختلفة منها في مثل هذه الحال إن يُقسم الشيء وتؤخذ حصىً على عدد الأقسام كل منها لواحد أو فريق من المقتسمين وتُعطى تلك الحصى مَن لا يعرف أصحابها ويلقي كل حصاة على كل قسم فكل من المقتسمين يأخذ القسم الذي وقعت عليه حصاته. ولعلّ يشوع قسم الأرض فرضاً بأن سمّى أقسامها وعيّن الحصى وألقاها مَن لا يعرف أصحابها. ولا ريب في أن القرعة لم تكن هنا اتفاقية بل بقضاء الله المعيّن. وكان مثلها كثير في الكتاب المقدس (انظر ص 7: 16 وعدد 33: 54 ولاويين 16: 8 وأعمال 1: 26). والغاية بإلقاء القرعة هي المساواة دون محاباة. فلا يُعطى القسم الجيد للغني أو القوي أو الصديق بل لمن أخذه بالقرعة.

وهذا لا يحلل «اليانصيب» لأنه في اليانصيب ربح الواحد لا يكون إلا بخسارة ألوف فيكون نوع من السرقة.

7 «وَٱلآنَ ٱقْسِمْ هٰذِهِ ٱلأَرْضَ مُلْكاً لِلتِّسْعَةِ ٱلأَسْبَاطِ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى».

لِلتِّسْعَةِ ٱلأَسْبَاطِ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى لأن سبطين ونصف سبط منسى الآخر أخذوا نصيبهم في عبر الأردن الشرقي (عدد 32: 33).

8 «مَعَهُمْ أَخَذَ ٱلرَّأُوبَيْنِيُّونَ وَٱلْجَادِيُّونَ مُلْكَهُمْ ٱلَّذِي أَعْطَاهُمْ مُوسَى فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ، كَمَا أَعْطَاهُمْ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ».

عدد 32: 33 وتثنية 3: 12 و13 وص 22: 4

مَعَهُمْ الخ أي مع أناس نصف سبط منسى الآخر قال هذا للاختصار اعتماداً على القرينة. وهذه الآية استئنافية واقعة موقع التعليل فكأنه قال اقسمها للتسعة الخ لأن مع النصف الآخر الخ. ولعلّ هذا التعليل ليشوع وقول الله له «انتهى» في آخر الآية السابعة. ومعنى قوله «كما أعطاهم» أي على مقتضى بيانه نصيب كل فريق منهم.

9 «مِنْ عَرُوعِيرَ ٱلَّتِي عَلَى حَافَةِ وَادِي أَرْنُونَ وَٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ ٱلْوَادِي وَكُلُّ سَهْلِ مَيْدَبَا إِلَى دِيبُونَ».

عدد 21: 30 وع 16

مِنْ عَرُوعِيرَ مدينة في شمالي نهر أرنون في موآب كانت من نصيب رأوبين وأطلالها شرقي بحر لوط وعلى غاية 12 ميلاً منه وتسمى اليوم عراعير.

أَرْنُونَ نهر صغير يخرج من الجبال المجاورة ويصبّ في بحر لوط ويجري في البرية التي هي من حدود أرض الأموريين.

ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ ٱلْوَادِي الظاهر أنها أرنون التي أُضيف الوادي إليها وهي على جانب أرنون.

مَيْدَبَا مدينة في الجنوب الشرقي من حسبان وعلى غاية ثمانية أميال منها وفي شرقي بحر لوط وعلى غاية 14 ميلاً منه ولا تزال تسمى ميدبا إلى هذا اليوم.

دِيبُونَ مدينة شمالي أرنون وعلى غاية بضعة أميال منه وتسمى اليوم ديبان.

10 «وَجَمِيعَ مُدُنِ سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِي مَلَكَ فِي حَشْبُونَ إِلَى تُخُمِ بَنِي عَمُّونَ».

عدد 21: 24 و25

وَجَمِيعَ مُدُنِ سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ «من أرنون إلى يبّوق إلى بني عمون» (عدد 21: 24 و25).

فِي حَشْبُونَ إِلَى تُخُمِ بَنِي عَمُّونَ حشبون هي المعروفة اليوم بحسبان (انظر تفسير ص 12: 2). وبنو عمون ذرية بن عمّي بن لوط وكانت بلادهم جبال جلعاد بين نهري أرنون ويبّوق. ويعرف نهو أرنون اليوم بالموجب ويبّوق بالزرقاء.

11 «وَجِلْعَادَ وَتُخُومَ ٱلْجَشُورِيِّينَ وَٱلْمَعْكِيِّينَ وَكُلَّ جَبَلِ حَرْمُونَ وَكُلَّ بَاشَانَ إِلَى سَلْخَةَ».

ص 12: 5

جِلْعَادَ أرض جبلية شرقي الأردن وجنوبي يبّوق.

ٱلْجَشُورِيِّينَ وَٱلْمَعْكِيِّينَ أهل جشور ومعكة في سهم نصف سبط منسى شرقي الأردن وفي القسم الشمالي الغربي من أرض الميعاد. وبقي الجشوريون مستقلين زماناً طويلاً بعد دخول الإسرائيليين تلك الأرض وكانوا في عصر أبشالوم يملكهم ملوك منهم ومنهم تلماي بن عميهود (2صموئيل 13: 37) وهو ملك جشور الذي تزوج داود ابنته معكة (2صموئيل 3: 3).

بَاشَانَ إِلَى سَلْخَةَ (انظر تفسير ص 12: 4 و5).

12 «كُلَّ مَمْلَكَةِ عُوجَ فِي بَاشَانَ ٱلَّذِي مَلَكَ فِي عَشْتَارُوثَ وَفِي إِذْرَعِي. هُوَ بَقِيَ مِنْ بَقِيَّةِ ٱلرَّفَائِيِّينَ، وَضَرَبَهُمْ مُوسَى وَطَرَدَهُمْ».

تثنية 3: 11 وص 12: 4 عدد 21: 24 و35

بَاشَانَ... عَشْتَارُوثَ... إِذْرَعِي (انظر تفسير ص 12: 4).

ٱلرَّفَائِيِّينَ (انظر تفسير تكوين 14: 5 وتفسير تثنية 3: 11).

13 «وَلَمْ يَطْرُدْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلْجَشُورِيِّينَ وَٱلْمَعْكِيِّينَ فَسَكَنَ ٱلْجَشُورِيُّ وَٱلْمَعْكِيُّ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

ع 11

بَنُو إِسْرَائِيلَ بعد موسى وكان عليهم أن يطردوا الوثنيين فلم يفعلوا.

14 «لٰكِنْ لِسِبْطِ لاَوِي لَمْ يُعْطِ نَصِيباً. وَقَائِدُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ هِيَ نَصِيبُهُ كَمَا كَلَّمَهُ».

عدد 18: 20 و23 و24 وص 14: 3 و4 ع 33

لٰكِنْ لِسِبْطِ لاَوِي لَمْ يُعْطِ نَصِيباً فاعل «يعط» ضمير مستتر يعود إلى الرب معنىً لتعينه بالعهد وإلى موسى لفظاً لأن الرب بلّغ ذلك بلسانه (عدد 18: 20 - 24 ويشوع 14: 3 و4). والمقصود بذلك حسب الظاهر تفرّق اللاويين في الأرض كلها لأجل ممارسة مصلحتهم كخدمة الدين ومعلمي الشعب. والمدن المعطاة لهم (ص 21) متفرقة بين كل الأسباط.

15 «وَأَعْطَى مُوسَى سِبْطَ بَنِي رَأُوبَيْنَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

وَأَعْطَى مُوسَى سِبْطَ بَنِي رَأُوبَيْنَ (عدد 32: 33 - 42 وتثنية 3: 16 الخ) وهذه الآية وما بعدها تفصيل لما أجمل من ع 7 وابتدأ في نصيب السبطين ونصف السبط رأوبين وجاد ونصف سبط منسى. وقسم لهم الأرض بالقرعة رفعاً للتشكي والخلاف.

حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ (أُسَرهم) المختلفة. إن الإسرائيليين أخذوا الأرض المحدودة هنا ولكن في زمان الملكين الشريرين عمري وأخاب ضعفت قوة إسرائيل وبعد موت أخاب امتلك الموآبيون كثيراً مما كان لسيحون والمدن المذكورة هنا في ملك يوآب على ما في إشعياء (ص 15) وإرميا (ص 48) وحزقيال (25: 8 - 11).

16 «فَكَانَ تُخُمُهُمْ مِنْ عَرُوعِيرَ ٱلَّتِي عَلَى حَافَةِ وَادِي أَرْنُونَ وَٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ ٱلْوَادِي وَكُلَّ ٱلسَّهْلِ عِنْدَ مَيْدَبَا».

ص 12: 2 عدد 21: 28 عدد 21: 3 وع 9

مِنْ عَرُوعِيرَ الخ (انظر تفسير ص 12: 2).

17 «حَشْبُونَ وَجَمِيعَ مُدُنِهَا ٱلَّتِي فِي ٱلسَّهْلِ وَدِيبُونَ وَبَامُوتَ بَعْلٍ وَبَيْتَ بَعْلِ مَعُونَ».

عدد 32: 38

حَشْبُونَ (انظر تفسير ص 12: 2).

دِيبُونَ مدينة في موآب على بضعة أميال من أرنون شمالاً وتُسمى اليوم ديبان وجد القسيس كلَين فيها الحجر الموآبي في السنة 1868. انظر «ديبون» في قاموس الكتاب.

بَامُوتَ بَعْلٍ أي مرتفعات بعل والمظنون إنها ما يعرف اليوم بجبل عطاروس (أو أتاروس).

بَيْتَ بَعْلِ مَعُونَ مدينة تُسمى اليوم معين في الجنوب الغربي من حسبان وعلى غاية 9 أميال منها.

18 «وَيَهْصَةَ وَقَدِيمُوتَ وَمَيْفَعَةَ».

عدد 21: 23

يَهْصَةَ هي ياهص مدينة على أمد ميل من الزرقاء جنوباً و12 ميلاً من بحر لوط شرقاً قرب البادية (عدد 21: 23).

قَدِيمُوتَ (انظر تفسير تثنية 2: 26).

مَيْفَعَةَ من مدن اللاويين في سهم رأوبين كانت على ما أبان جروم مركزاً عسكرياً.

19 «وَقَرْيَتَايِمَ وَسَبْمَةَ وَصَارَثَ ٱلشَّحْرِ فِي جَبَلِ ٱلْوَادِي».

عدد 32: 37 عدد 32: 38

قَرْيَتَايِمَ أي القريتين وهي مدينة حصينة ظنها بعضهم القُريّة وهي أطلال بين عطاروس وأرنون على غاية 9 أميال من بحر لوط شرقاً وهذه الأطلال على تلّين.

سَبْمَةَ ظُنّ أنها الساميّة على غاية أربعة أميال من حسبان شرقاً مشهورة بالكروم (إشعياء 16: 8).

صَارَثَ ٱلشَّحْرِ أي طُرّة السّحَر مدينة على تلّ في وادٍ لعلها ما يُعرف اليوم بصارة أو صارا شرقي بحر لوط وعلى غاية ميل ونصف ميل منه.

فِي جَبَلِ ٱلْوَادِي أي على جبل أو تلّ في الوادي.

20 «وَبَيْتَ فَغُورَ وَسُفُوحَ ٱلْفِسْجَةِ وَبَيْتَ يَشِيمُوتَ».

تثنية 3: 17 وص 12: 3

بَيْتَ فَغُورَ مدينة مقابل الجواء حيث مكث الإسرائيليون وفغور رأس الجبل الذي أتى بالاق ببلعام إليه ليلعن إسرائيل وكان إسرائيل في عربات موآب. ظنها بعضهم في جوار عين المنية تحت فغور وشرقي الطرف الشمالي من بحر لوط.

سُفُوحَ ٱلْفِسْجَةِ (انظر تفسير تثنية 3: 17 ويشوع 12: 3).

بَيْتَ يَشِيمُوتَ (انظر تفسير ص 12: 3).

21 «وَكُلَّ مُدُنِ ٱلسَّهْلِ وَكُلَّ مَمْلَكَةِ سِيحُونَ مَلِكِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِي مَلَكَ فِي حَشْبُونَ، ٱلَّذِي ضَرَبَهُ مُوسَى مَعَ رُؤَسَاءِ مِدْيَانَ: أَوِي وَرَاقَمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابَعَ، أُمَرَاءِ سِيحُونَ سَاكِنِي ٱلأَرْضِ».

تثنية 3: 10 عدد 21: 24 عدد 31: 8

أُمَرَاءِ سِيحُونَ أي الملوك المحالفين له وهم رؤساء مديان وأرض مديان ما بين خليج العقبة وطور سيناء. ورأى بعضهم أنها كانت بين شبه جزيرة سيناء والفرات. وسكن موسى مدة في مديان وتُعرف عند العرب بمدَين. ودُعوا ملوك مديان في سفر العدد (انظر عدد 31: 8).

22 «وَبَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ ٱلْعَرَّافُ قَتَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِٱلسَّيْفِ مَعَ قَتْلاَهُمْ».

عدد 22: 5 و31: 8

وَبَلْعَامُ... قَتَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ جزاء على ما أتاه من الشرّ. وذُكر هذا في (عدد 31: 8) وكُرّر هنا بياناً لأن اللعنة التي قصدها عادت عليه لعنة كبيرة وصارت لبني إسرائيل بركة على رغمه وكان ذلك دليلاً على عدل الله وإحسانه معاً وإنه تمهّل على بلعام ليتوب ويرجع إليه فلا حجة لهالك يوم الدين. ومعلوم أن قتل بلعام كان عبرة وتكرار ذكر العِبر مفيد جداً.

23 «وَكَانَ تُخُمُ بَنِي رَأُوبَيْنَ ٱلأُرْدُنَّ وَتُخُومَهُ. هٰذَا نَصِيبُ بَنِي رَأُوبَيْنَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، ٱلْمُدُنُ وَضِيَاعُهَا».

هٰذَا نَصِيبُ بَنِي رَأُوبَيْنَ... ٱلْمُدُنُ وهي ما يأتي مما ذُكر ووُصف أكثرها في تفسير (ص 12 وص 13) وبعضها في سفر العدد مرتبة على حروف الهجاء.

آبل شطيم (عدد 25: 1 و33: 49) وآبل الكروم (قضاة 11: 33) قيل هي القرنين على غاية ستة أميال من عمان جنوباً وقيل أنها بيت الكرم شمالي الكرك وقيل غير ذلك. وألعالة (عدد 32: 3) وتُعرف اليوم بالعال شرقي مصب الأردن وعلى أمد 16 ميلاً منه. وباصر (ص 20: 8). وباموت (ع 17) وبعل معون (ع 17) وسُميت بيت بعل معون أيضاً. وبيت فغور (ع 20). وبيت يشيموت (ص 12: 3 و13: 20). وديبون (ع 9 و17). وسبمة (ع 19) وصارث الشحر (ع 19). وعروعير (ص 12: 2 و13: 9 و16). وقديموت (ع 18). وقرية حصوت (عدد 22: 39). وقريتايم (ع 19). ولاشع (تكوين 10: 19) وهي قرب تخم كنعان الجنوبي عند حمّامات سليمان في أرض موآب. وهي حمامات سماها اليونانيون كاييروي وسماها يوسيفوس كاليرهوي. ومنيّت (قضاة 11: 33 وحزقيال 27: 17) قيل هي مِنية جنوبي حسبان أو منجَة على غاية ستة أميال في الشمال الشرقي منها. وميدبا (ع 9 و16 وعدد 21: 30). وميفعة (ع 18). ونبو (عدد 32: 3 و38) هذه المدينة على غاية ثمانية أميال من جنوبي حشبون المعروفة اليوم بحسبان وظنها بعضهم ما تُعرف بالحالس اليوم. ويهصة أو ياهص (ع 18) فتلك إحدى وعشرين مدينة.

وَضِيَاعُهَا مزارعها وقراها الصغيرة في المزارع. فإن أرباب الأرض الزراعية كثيراً ما يبنون فيها بيوتاً للفلاحين الذين يحرثون تلك الأرض ويزرعونها وتسمى ضياعاً باسم المزارع ومزارع أيضاً.

24 «وَأَعْطَى مُوسَى لِسِبْطِ جَادَ، بَنِي جَادَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

وَأَعْطَى... لِسِبْطِ جَادَ، بَنِي جَادَ بني جاد بدل من سبط جاد أو بيان له.

25 «فَكَانَ تُخُمُهُمْ يَعْزِيرَ وَكُلَّ مُدُنِ جِلْعَادَ وَنِصْفَ أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ إِلَى عَرُوعِيرَ ٱلَّتِي هِيَ أَمَامَ رَبَّةَ».

عدد 32: 35 عدد 21: 26 و28 و29 وتثنية 2: 19 وقضاة 11: 13 و15 الخ تثنية 3: 11 و2صموئيل 11: 1 و12: 26

يَعْزِيرَ مدينة في جلعاد موقعها على غاية 15 ميلاً من شرقي حسبان وأرضها كثيرة الكلاء (انظر تفسير عدد 21: 32).

وَنِصْفَ أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ أي القسم الذي أخذه الأموريون من العمونيين ثم أخذه الإسرائيليون من الأموريين لأنه لم يسمح للإسرائيليين أن يأخذوا شيئاً من أرض العمونيين الباقية لهم (تثنية 2: 19).

عَرُوعِيرَ (انظر تفسير ع 9 وص 12: 2).

رَبَّةَ واسمها اليوم عمّان وهي قرب مخرج نهر يبّوق.

26 «وَمِنْ حَشْبُونَ إِلَى رَامَةِ ٱلْمِصْفَاةِ وَبُطُونِيمَ، وَمِنْ مَحَنَايِمَ إِلَى تُخُمِ دَبِيرَ».

حَشْبُونَ هي حسبان (انظر تفسير ص 12: 2).

رَامَةِ ٱلْمِصْفَاةِ قرية على تخم بني جاد. ذهب الدكتور مرِل إلى أنها قلعة الربض وهي طلل في جبل عجلون على بُعد عشرة أميال من شرقي الأردن بين بحر لوط وبحر طبرية ويظن البعض أنها راموت جلعاد.

بُطُونِيمَ واسمها اليوم بطنة في الجنوب الغربي من السلط على غاية سبعة أميال منها.

مَحَنَايِمَ ظُنّ أنها محنة وهي طلل في الجنوب الشرقي من بحر طبرية وعلى غاية 22 ميلاً منه ورأى الدكتور مرل أنها سلخة شمالي يبوق على أمد ستة أميال منها. وفي محنايم رأى يعقوب الملائكة (تكوين 32: 2) وهرب داود إليها من ابنه أبشالوم (2صموئيل 17: 24).

تُخُمِ دَبِيرَ أي حدّ دبير ودبير يُظن أنها دبيِّن جنوبي السلط وعلى أمد 20 ميلاً منها وظُنّ أنها غير ذلك (انظر تفسير ص 10: 38 و39).

27 «وَفِي ٱلْوَادِي بَيْتَ هَارَامَ وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَسُكُّوتَ وَصَافُونَ بَقِيَّةَ مَمْلَكَةِ سِيحُونَ مَلِكِ حَشْبُونَ، ٱلأُرْدُنَّ وَتُخُومَهُ إِلَى طَرَفِ بَحْرِ كِنَّرُوتَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ».

عدد 32: 36 تكوين 33: 17 و1ملوك 7: 46 عدد 34: 11

بَيْتَ هَارَامَ رأى مرل أنها تل الرامة في سهل شطّيم.

بَيْتَ نِمْرَةَ تسمى اليوم نمرين وهي قرية على نهر الأردن تجاه أريحا ظنها بعضهم بيت عبرة.

سُكُّوتَ سماها التلمود درالا وتُسمّى اليوم دارلا وهي على غاية ميل من نهر الزرقاء سكنها يعقوب (تكوين 33: 17) وعلّم جدعون شيوخها لأنهم لم يعطوه خبزاً (قضاة 8: 16).

صَافُونَ قال التلمود أنها أماثوس وتُسمى اليوم أماتة أو أماتا وهي طلل في الجنوب الشرقي من بحر الجليل.

بَحْرِ كِنَّرُوتَ بحر الجليل.

28 «هٰذَا نَصِيبُ بَنِي جَادَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ، ٱلْمُدُنُ وَضِيَاعُهَا».

هٰذَا نَصِيبُ بَنِي جَادَ... ٱلْمُدُنُ المشهور منها أربع وعشرين مدينة وهي على ترتيب حروف الهجاء.

أدام وبطونيم وبيت هارام وتشبه حشبون ودبير ورامة المصفاة وراموت جلعاد وربة وروجليم وسكوت وصافون وطبّاءة وعاي وعروعير وعطاروت وعطروت شوفان وفنوئيل وقامون وقرقر ومحنايم ويُجبهة ويعزير. ذُكر بعضها في (ع 24 - 27) ووُصف في التفسير. وبعضها لم يُذكر في هذه الآيات. ومما لم تُذكر.

أدام مدينة في وادي الأردن يُظن أنها الدامي (أو الدامية) في الشمال الشرقي من السلط وعلى غاية 16 ميلاً منها. وظن دريك أنها خربة الحمراء أو الخراب الأحمر على غاية ميل من جنوبي تل حارم. ومنها:

تشبة مدينة إيليا قيل أنها لستيب جنوبي بحر الجليل وعلى غاية 22 ميلاً منه وشرقي الأردن على غاية عشرة أميال منه. ومنها

روجليم مدينة في أرض جلعاد. ومنها

طباءة وتُعرف اليوم بطبخات الفحل شرقي الأردن. ومنها

عاي (انظر تفيس ص 7: 2) ومنها

عطاروت واسمها اليوم عطاروس في الشمال الغربي من ديبون وعلى غاية سبعة أميال منها. ومنها

عطروت شوفان في سهل موآب. ومنها

فنوئيل على نهر الزرقاء شرقي الأردن وعلى غاية أربعة أميال منه. قال الدكتور مرل أنها عند ما يعرف اليوم بطبول الذهب وسماها غيره تلول الذهب فيها صارع يعقوب الملاك (تكوين 32: 24 - 32) وبعد ذلك بنحو خمس مئة سنة وجد جدعون مدينة وبرجاً في هذا الموضع (قضاة 8: 8 و9 و17). ومنها

قامون لم نقف إلا على أنها في جلعاد. ومنها

قرقر ولم يُعرف موقعها. ومنها

يجُبهة قيل هي جيبة وهي طلل شمالي عمان وعلى غاية أربعة أميال منها.

29 «وَأَعْطَى مُوسَى لِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى، وَكَانَ لِنِصْفِ سِبْطِ بَنِي مَنَسَّى حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

وَكَانَ أي النصيب وأُرجع الضمير إليه ولم يذكره لتعينه بالقرينة.

30 - 33 «30 وَكَانَ تُخُمُهُمْ مِنْ مَحَنَايِمَ كُلَّ بَاشَانَ، كُلَّ مَمْلَكَةِ عُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ، وَكُلَّ حَوُّوثِ يَائِيرَ ٱلَّتِي فِي بَاشَانَ، سِتِّينَ مَدِينَةً. 31 وَنِصْفُ جِلْعَادَ وَعَشْتَارُوثَ وَإِذْرَعِي مُدُنُ مَمْلَكَةِ عُوجَ فِي بَاشَانَ لِبَنِي مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى، لِنِصْفِ بَنِي مَاكِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. 32 فَهٰذِهِ هِيَ ٱلَّتِي قَسَمَهَا مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ فِي عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ. 33 وَأَمَّا سِبْطُ لاَوِي فَلَمْ يُعْطِهِ مُوسَى نَصِيباً. ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ هُوَ نَصِيبُهُمْ كَمَا كَلَّمَهُمْ».

تكوين 32: 2 عدد 32: 41 و1أيام 2: 32 ص 12: 4 عدد 32: 39 و40 ع 14 وص 18: 7 عدد 18: 20 وتثنية 10: 9 و18: 1 و2

كل المدن والأماكن في هذه الآيات ذكرنا بعضها في الأصحاحات السابقة وتفسيرها فارجع إليها. والمعروف من المدن الستين قليل منها أذرعي وأفيق وجولان وحوّوت يائير وسلخة وعشتاروت وعشتاروث قرنايم وقناة ويابيش جلعاد (انظر تفسير ص 9: 10 و12: 4 و5 و8 و18).

وأما جولان فستُذكر في تفسير (ص 20). وأما حوّوث يائير عدة مزارع ليائير (عدد 32: 41). وقناة هي قنوات في حوران.

فوائد

  1. إنه لا بد لكل إنسان من وقت يفرّغ فيه مكانه لغيره. إن يشوع أخلى مكانه لقاض يدبر إسرائيل كما أخلى موسى مكانه ليشوع.

  2. إنه يجب أن نرتب أمور بيتنا قبل الذهاب عنه. إن يشوع علم أنه صار على وشك الوفاة ومع ذلك اعتنى بتدبير بيته شعب إسرائيل.

  3. إن الله عيّن لكل نفس نصيبها. إنه عيّن نصيباً لكل من أسباط إسرائيل من الأرض وكذا عيّن لكل إنسان مقاماً وعملاً على هذه الأرض.

  4. إنه على الشعب أن يقوم بحاجات خدَم الدين الذين لا نصيب لهم إلا من خدمتهم كما كان من أمر اللاويين (ع 33).

  5. إن الحياة تنتهي والعمل لا ينتهي. إن الأرض استراحت من الحرب (ص 11: 23) لكن النصر لم يتم فبقي على الإسرائيليين أن يحاربوا للاستيلاء على ما بقي من الأرض بعد يشوع.

  6. إن الإيمان يُري صاحبه الأمور الآتية كأنها قد وقعت ومضت. فيشوع قسم الأرض الموعود بها على إسرائيل مع أنهم لم يكونوا قد استولوا إلا على جزء منها (ع 1 - 7).

  7. إنه على عبد الرب أن يعمل ما استطاع العمل. فإن يشوع قد شاخ وتقدم في الأيام ولكنه لم يترك الخدمة.

  8. أخذ بنو رأوبين ما طلبوه (ع 15) وكان ذلك علة تأخرهم لأن أرضهم وإن كانت جيدة كانت بعيدة عن إخوتهم فصاروا عرضة لأخطار جسدية وأدبية فظهر منهم شيء من الجبانة (قضاة 5: 16). ولم يُفضّل رأوربين وإن كان البكر (تكوين 49: 4). فعلينا أن نقول في كل طلباتنا ليس كما نريد نحن بل كما يريد الرب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ

قسمة غربي الأردن على التسعة الأسباط ونصف السبط ص 14 إلى ص 19

1 «فَهٰذِهِ هِيَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، ٱلَّتِي مَلَّكَهُمْ إِيَّاهَا أَلِعَازَارُ ٱلْكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَرُؤَسَاءُ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

عدد 34: 17 و18

فَهٰذِهِ هِيَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ أي هذه الأرض التي امتلكها الخ والإشارة إلى ما يأتي من البلاد.

ٱلَّتِي مَلَّكَهُمْ إِيَّاهَا أَلِعَازَارُ ٱلْكَاهِنُ وَيَشُوعُ قدّم العازار الكاهن على يشوع وربما كان القارئ ينتظر أن يُقال «ملكهم إياها يشوع والعازار الكاهن». وعلة ذلك قضاء الرب الذي أعلنه الرب لموسى. وهذا نصّ أمره تعالى لذلك النبي العظيم «خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ... وَأَوْقِفْهُ قُدَّامَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَقُدَّامَ كُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ، وَأَوْصِهِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. وَٱجْعَلْ مِنْ هَيْبَتِكَ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ لَهُ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَقِفَ أَمَامَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ فَيَسْأَلُ لَهُ بِقَضَاءِ ٱلأُورِيمِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. حَسَبَ قَوْلِهِ يَخْرُجُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِهِ يَدْخُلُونَ» الخ (عدد 27: 18 - 23). فكان الكاهن الآمر من قبل الرب ويشوع القائم بما يأمر به.

والعازار الكاهن هو ثالث أبناء هارون (خروج 6: 23) وكان أبناء هارون أربعة ناداب وأبيهو والعازار وإيثامار.

رُؤَسَاءُ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وهم عشرة من كل سبط واحد كالب بن يفنّة ومشوئيل بن عميهود وأليداد بن كسلون وبقي بن يجلي وحنيئل بن إيفود وقموئيل بن شفطان وأليصافان بن فرناخ وفلطيئيل بن عزّان وأخيهود بن شلومي وفدهئيل بن عميهود ولم يذكر رئيساً لسبط رأوبين وآخر لسبط جاد لأن ذينك السبطين أخذا نصيبهما شرقي الأردن وخروج سبط لاوي من الميراث لم يجعل الأسباط الباقين أحد عشر سبط يوسف قُسم إلى سبطين منسى وأفرايم فبقي العدد اثني عشر.

2 «نَصِيبُهُمْ بِٱلْقُرْعَةِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى لِلتِّسْعَةِ ٱلأَسْبَاطِ وَنِصْفِ ٱلسِّبْطِ».

عدد 26: 55 و33: 54 و34: 13

نَصِيبُهُمْ بِٱلْقُرْعَةِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ قُمست الأرض على الأسباط بالقرعة وكانت تلك القرعة من عمل الله لا كالقرعة المعروفة فكانت أسماء الأسباط مكتوبة على رقوق أو على حصى وأسماء أقسام الأرض على أخرى فكانوا يضعون أسماء الأسباط متفرقة في إناء وأسماء أقسام الأرض في آخر ثم يأخذون اسم سبط وبعده اسم قسم من الأرض فما كان فهو نصيب ذلك السبط (عدد 26: 52 - 56 ويشوع 18: 10 و11).

لِلتِّسْعَةِ ٱلأَسْبَاطِ الخ متعلق «بأمر».

3، 4 «3 لأَنَّ مُوسَى أَعْطَى نَصِيبَ ٱلسِّبْطَيْنِ وَنِصْفِ ٱلسِّبْطِ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ. وَأَمَّا ٱللاَّوِيُّونَ فَلَمْ يُعْطِهِمْ نَصِيباً فِي وَسَطِهِمْ. 4 لأَنَّ بَنِي يُوسُفَ كَانُوا سِبْطَيْنِ، مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. وَلَمْ يُعْطُوا ٱللاَّوِيِّينَ قِسْماً فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مُدُناً لِلسَّكَنِ، وَمَرَاعِيَهَا لِمَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ».

ص 13: 8 و32 و33 تكوين 48: 5 و1أيام 5: 1 و2

لأَنَّ مُوسَى أَعْطَى نَصِيبَ ٱلسِّبْطَيْنِ وَنِصْفِ ٱلسِّبْطِ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ أي أن الأرض غربي الأردن قُسمت على تسعة أسباط ونصف سبط من بني إسرائيل لا على الاثني عشر لأن السبطين ونصف السبط أخذوا نصيبهم شرقي الأردن (ص 13: 8 و32: 33).

وَأَمَّا ٱللاَّوِيُّونَ فَلَمْ يُعْطِهِمْ نَصِيباً فِي وَسَطِهِمْ. لأَنَّ بَنِي يُوسُفَ كَانُوا سِبْطَيْنِ أي كون بني يوسف سبطين علّة حرمان واللاويين من ميراث الأرض ليبقى عدد الأسباط اثني عشر ولتتم نبوءة يعقوب أو وصيته في قوله «أَفْرَايِمُ وَمَنَسَّى كَرَأُوبَيْنَ وَشَمْعُونَ يَكُونَانِ لِي» (تكوين 48: 5) أي يحسبان ابنين ليعقوب كرأوبين وشمعون كلا رئيس سبطٍ (انظر تفسير تكوين 48: 5). ولكن اللاويين لم يحرموا كل الحرمان فكان لهم مدن للسكن ومسارح للمواشي وكان نصيبهم فوق ذلك الله وهو خير الأنصبة (تثنية 10: 9).

5 «كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى هٰكَذَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَسَمُوا ٱلأَرْضَ».

عدد 35: 2 وص 21: 2

كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى الخ هذه الآية تأكيد للآية الثانية.

6 «فَتَقَدَّمَ بَنُو يَهُوذَا إِلَى يَشُوعَ فِي ٱلْجِلْجَالِ. وَقَالَ لَهُ كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ ٱلْقَنِزِّيُّ: أَنْتَ تَعْلَمُ ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى رَجُلَ ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِي وَمِنْ جِهَتِكَ فِي قَادِشِ بَرْنِيعَ».

عدد 32: 12 وص 15: 17 عدد 14: 24 و30 وتثنية 1: 36 و38 عدد 13: 26

فَتَقَدَّمَ بَنُو يَهُوذَا (من هذه الآية إلى ص 15: 63) بيان نصيب يهوذا.

كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ كان كالب نائباً عن سبط يهوذا في قسمة الأرض (عدد 34: 19).

ٱلْقَنِزِّيُّ إن القنزيين من الكنعانيين. فالمرجّح أن كالب من الذي هادوا والتصقوا بسبط يهوذا (انظر تفسير عدد 13: 6).

أَنْتَ تَعْلَمُ ٱلْكَلاَمَ أول شيء طلبه نائب يهوذا أي كالب ما يتعلق بنفسه وهذا لم يكن عن إيثار نفسه على غيره بل عما كان يقتضيه الترتيب قبل القسمة وإنجاز ما وعد له الرب به بفم موسى.

مِنْ جِهَتِي وَمِنْ جِهَتِكَ فِي قَادِشِ بَرْنِيعَ إن كالب كان رفيق يشوع في التجسس (عدد 13: 1 - 8) وفي دخول أرض الميعاد. و«قادش برنيع» تقدّم الكلام عليها منها ما في (عدد 13: 26) فانظر التفسير هناك. ففي هذه المدينة كلم الرب موسى من جهة وجهة يشوع «وَأَمَّا عَبْدِي كَالِبُ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ ٱتَّبَعَنِي تَمَاماً، أُدْخِلُهُ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا، وَزَرْعُهُ يَرِثُهَا» (عدد 14: 24). ونصّ قوله من جهة كالب ويشوع «لَنْ يَرَى إِنْسَانٌ مِنْ هٰؤُلاَءِ ٱلنَّاسِ مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلأَرْضَ ٱلْجَيِّدَةَ ٱلَّتِي أَقْسَمْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لِآبَائِكُمْ، مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ. هُوَ يَرَاهَا، وَلَهُ أُعْطِي ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي وَطِئَهَا، وَلِبَنِيهِ، لأَنَّهُ قَدِ ٱتَّبَعَ ٱلرَّبَّ تَمَاماً... يَشُوعُ بْنُ نُونَ ٱلْوَاقِفُ أَمَامَكَ هُوَ يَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَ. شَدِّدْهُ لأَنَّهُ هُوَ يَقْسِمُهَا لإِسْرَائِيلَ» (تثنية 1: 35 - 38) و«الأرض» في قوله من جهة كالب «وله أعطي الأرض التي وطئها» يراد بها أرض معيّنة وهي حبرون وهذا ما فهمه يشوع وغيره يومئذ (انظر عدد 13: 22).

7 «كُنْتُ ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ أَرْسَلَنِي مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ مِنْ قَادِشِ بَرْنِيعَ لأَتَجَسَّسَ ٱلأَرْضَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ بِكَلاَمٍ عَمَّا فِي قَلْبِي».

عدد 13: 6 و14: 6

كُنْتُ ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فيكون عمره عند هذا القول نحو 85 سنة (انظر ع 10). وكان إرسال موسى الجواسيس من قادش برنيع في السنة الثانية من الخروج قبل قطع الأردن بنحو 38 سنة ونصف سنة. و40 و38=78 فتكون مدة حرب يشوع شرقي الأردن نحو سبع سنين أي الفاضل بين 85 و78. وبلغ كالب ذلك السن ولم يزل قوياً (ع 11).

فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ بِكَلاَمٍ عَمَّا فِي قَلْبِي أي بخبر منقول عمّا كان في نفسي بلا زيادة ولا نقصان ولا تغيير أي أنبأته بالحق والإخلاص حسب اعتقادي جارياً على حكم ضميري. وكالب لم يذكر أن يشوع كان رفيقه وكلاهما اتّبعا تماماً الرب وليس كالب وحده ولعلّ علة ذلك أنه لم يرَ ما يستدعي ذكر أمر معلوم عند الجميع.

8 «وَأَمَّا إِخْوَتِيَ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا مَعِي فَأَذَابُوا قَلْبَ ٱلشَّعْبِ. وَأَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ تَمَاماً ٱلرَّبَّ إِلٰهِي».

عدد 13: 31 و32 وتثنية 1: 28 عدد 14: 24 وتثنية 1: 36

إِخْوَتِيَ أي رفقائي في التجسُّس.

فَأَذَابُوا قَلْبَ ٱلشَّعْبِ أي أخافوهم حتى لم يبقوا موضعاً للشجاعة فيهم.

أَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ تَمَاماً ٱلرَّبَّ إِلٰهِي أي جريت على سنن وصاياه ولم أحد عنه يميناً ولا شمالاً كأنه يجري أمامي وأنا أجري على أثره بلا أدنى ميلٍ إلى أحد الجانبين. وفي سفر العدد «أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى» (عدد 14: 24) أي صفات وأميال غير صفات سائر الجواسيس وأميالهم كالإيمان والقداسة والاستقامة مع أنه دخيل في الديانة اليهودية.

9 «فَحَلَفَ مُوسَى فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: إِنَّ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي وَطِئَتْهَا رِجْلُكَ لَكَ تَكُونُ نَصِيباً وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، لأَنَّكَ ٱتَّبَعْتَ ٱلرَّبَّ إِلٰهِي تَمَاماً».

عدد 14: 23 و24 وتثنية 1: 36 وص 1: 3 عدد 13: 22

فَحَلَفَ مُوسَى فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي أقسم الله بلسان موسى والمعنى أنه أكّد وعده وقرّره.

ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي وَطِئَتْهَا رِجْلُكَ لَكَ تَكُونُ نَصِيباً إن لم تكن هذه الأرض حبرون وجوارها أو الأرض التي ملكها كالب خصوصاً لم يبق لها معنىً إلا أنها أرض كنعان ومن البديهي أن أرض كنعان كانت لكل الإسرائيليين لا لكالب وحده. فإنه لما تجسّس أرض الجنوب مع الجواسيس وطئت قدماه حبرون.

إِلَى ٱلأَبَدِ أي زماناً طويلاً أو إلى نهاية العالمين إذا بقي الإسرائيليون حافظين شريعة الرب كما يجب بناء على أن كل وعد في الكتاب بشرط.

10 «وَٱلآنَ فَهَا قَدِ ٱسْتَحْيَانِيَ ٱلرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ هٰذِهِ ٱلْخَمْسَ وَٱلأَرْبَعِينَ سَنَةً، مِنْ حِينَ كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ حِينَ سَارَ إِسْرَائِيلُ فِي ٱلْقَفْرِ. وَٱلآنَ فَهَا أَنَا ٱلْيَوْمَ ٱبْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً».

عدد 14: 30

ٱسْتَحْيَانِيَ ٱلرَّبُّ اي أبقاني حيّاً وهذا لا يخلو من الإشارة إلى أنه كان بمقتضى الطبع وما قاسى من الأهوال والأتعاب في البرية أن يموت ولا يبقى إلى هذا اليوم. فهو يعترف بإحسان الله إليه بالاستبقاء كل تلك المدة ليوفي له بوعده وهو أن يملك الأرض التي وطئها.

كَمَا تَكَلَّمَ أي كما يستلزم وعده بأن يعطيني الأرض التي وطئتها.

هٰذِهِ ٱلْخَمْسَ وَٱلأَرْبَعِينَ سَنَةً هذا متعلق بقوله «استحياني» وهذه المدة من وقت إرسال الجواسيس إلى زمن هذا الكلام وكان عمره وقتئذ أربعين سنة كما ذُكر آنفاً. وتقضى عليه نحو 38 سنة من هذه المدة في البرية وسبع سنين في أرض كنعان.

سَارَ إِسْرَائِيلُ فِي ٱلْقَفْرِ جزاء على معصيتهم وعدم إيمانهم.

ٱبْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً أي صاحب خمس وثمانين سنة استعاروا الابن للصاحب لأنه يصحب والده وشبّه الإنسان بصاحب لزمانه لأنه يحيا معه.

11 «فَلَمْ أَزَلِ ٱلْيَوْمَ مُتَشَدِّداً كَمَا فِي يَوْمَ أَرْسَلَنِي مُوسَى. كَمَا كَانَتْ قُوَّتِي حِينَئِذٍ هٰكَذَا قُوَّتِي ٱلآنَ لِلْحَرْبِ وَلِلْخُرُوجِ وَلِلدُّخُولِ».

تثنية 34: 7 تثنية 31: 2

فَلَمْ أَزَلِ ٱلْيَوْمَ مُتَشَدِّداً الخ إن التقوى تطيل الحياة وتحفظ الصحة وإن لم يعش بعض الأتقياء طويلاً فلعوارض أو خطإ أو عناية إلهية خاصة.

12 «فَٱلآنَ أَعْطِنِي هٰذَا ٱلْجَبَلَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ ٱلرَّبُّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. لأَنَّكَ أَنْتَ سَمِعْتَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلْعَنَاقِيِّينَ هُنَاكَ، وَٱلْمُدُنُ عَظِيمَةٌ مُحَصَّنَةٌ. لَعَلَّ ٱلرَّبَّ مَعِي فَأَطْرُدَهُمْ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ.

عدد 13: 28 و33 مزمور 18: 32 و34 و60: 12 ورومية 8: 3 ص 15: 14 وقضاة 1: 20

فَٱلآنَ أَعْطِنِي هٰذَا ٱلْجَبَلَ أي الأرض الجبلية ذات الكهوف والحصون التي لجأ إليها العناقيون ومنها مدينة حبرون. إن مدينة حبرون صارت بعد ذلك للاويين (ص 21: 13) فأعطاها كالب للكهنة خدم الرب عن رضىً واكتفى بما حولها.

إِنَّ ٱلْعَنَاقِيِّينَ هُنَاكَ، وَٱلْمُدُنُ عَظِيمَةٌ مُحَصَّنَةٌ الخ فاختار كالب ما يجب أن يبذل جهده في الحرب وملاقاة الأهوال للحصول عليه ولم يختر الغنيمة الباردة فتأمل واعرف صلاح ذلك الرجل وإيثار غيره على نفسه ووفرة إيمانه وشجاعته وقوة رجائه. وقد أعانه الله وأعطاه متمناه (انظر ص 15: 14 وقضاة 1: 20). والعناقيون ذريّة عناق أبي أربع الذي سُميت حبرون قرية أربع بالإضافة إليه. وكان العناقيون جبابرة طوال القامات شديدي البأس (انظر تفسير تثنية 9: 2).

13 «فَبَارَكَهُ يَشُوعُ، وَأَعْطَى حَبْرُونَ لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ مُلْكاً».

ص 22: 6 ص 10: 37 و15: 13 و21: 11 و12 وقضاة 1: 20 و1أيام 6: 55 و56

فَبَارَكَهُ يَشُوعُ أي مدحه على شجاعته ومروءته وسأل الله أن يباركه على حسن قصده وعمله علاوة على إعطائه إياه مبتغاه.

14 «لِذٰلِكَ صَارَتْ حَبْرُونُ لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ ٱلْقَنِزِّيِّ مُلْكاً إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، لأَنَّهُ ٱتَّبَعَ تَمَاماً ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ».

ص 21: 12 ع 8 و9

لأَنَّهُ ٱتَّبَعَ تَمَاماً ٱلرَّبَّ اتّباع الرب هو علّة ما كان لكالب فمن أراد نيل الخير فليتبع الله فإن لم يملّكه مدينة على الأرض يوله خير منزل في السماء.

15 «وَٱسْمُ حَبْرُونَ قَبْلاً قَرْيَةُ أَرْبَعَ، ٱلرَّجُلِ ٱلأَعْظَمِ فِي ٱلْعَنَاقِيِّينَ. وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ».

تكوين 23: 2 وص 15: 13 ص 11: 23

وَٱسْمُ حَبْرُونَ قَبْلاً قَرْيَةُ أَرْبَعَ الخ (انظر تفسير ع 12) وسُميت حبرون باسم أحد أولاد كالب أو أحفاده على قول بعضهم واسمها اليوم الخليل (انظر تفسير تكوين 23: 2).

يظهر مما قيل في هذا الأصحاح أن حبرون أُعطيت لكالب قبلما أعطتها القرعة لسبط يهوذا ولما أخذ سبط يهوذا نصيبهم ثُبتت حبرون لكالب (ص 15: 13). وكالب طرد من هناك بني عناق شيشاي وأخيمان وتلماي.

وفي قضاة 1: 10 نسب طردهم إلى سبط يهوذا لأن كالب من ذلك السبط. ويظهر أيضاً إن طرد العناقيين لم يكن دفعة واحدة بل بالتدريج.

وَٱسْتَرَاحَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلْحَرْبِ إذ لم يكن حينئذ من يجسر على محاربة إسرائيل من الأمم.

فوائد

  1. إن للأمانة جزاء حسناً (ع 6 - 15).

  2. إن الشجاع يُعتبر ويُحترم ويُبارك (ع 13).

  3. إنه يحب الصدق دائماً (ع 7).

  4. إن البار لا يُحرم من الثواب ولو طال الزمان (ع 9 و13).

  5. إن للصالحين ثواباً على الأرض وثواباً في السماء (ع 12 وص 15: 13 و14).

  6. إن الشجاعة والإيمان والرجاء والاجتهاد أركان النجاح (ع 6 - 14).

  7. إن العناية الإلهية هي التي تعيّن مساكن الناس وحدودها وكل أحوال حياتهم (ع 2).

  8. إن مقاصد الإنسان الموافقة للعناية الإلهية لا بدّ من أن تُنال (ع 12 قابل بذلك ص 15: 14).

  9. إن الصالحين تطول أعمارهم وتُحفظ قواهم (ع 10 و11).

  10. إن الله يورث المؤمنين به من الأمم كما يورث شعبه (ع 14).

  11. إنه يجب على خادم الرب أن يتخذ الله نصيبه (ع 3).

  12. إن الله لا يترك خدمه معوزين لأنه هو حظهم وهو القاسم الحظوظ على العباد (ع 4).

  13. إن الله تعالى لا بدّ من أن يتم نبوءة كل من أنبيائه (ع 3 وتكوين 48: 5).

  14. إن شعب الله يكون مع الله إذا فعل كما أمره الله (ع 5).

  15. إن المؤمن الحقيقي لا يأنف من سيادة من هو مثله عليه إذا كانت سيادته شريعة أو بمقتضى تعيين الله (ع 6 - 15).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

تنبيه: إنّا تركنا وصف بعض المدن والقرى هنا لذكرها في ما مر من هذا السفر خوفاً من الإطالة أو لأنه مجهول الموقع على إنّا ذكرنا بعض ما جُهل موقعه مثالاً لذلك.

1 «وَكَانَتِ ٱلْقُرْعَةُ لِسِبْطِ بَنِي يَهُوذَا حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ إِلَى تُخُمِ أَدُومَ بَرِّيَّةَ صِينَ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ أَقْصَى ٱلتَّيْمَنِ».

عدد 34: 3 عدد 33: 36

وَكَانَتِ ٱلْقُرْعَةُ أي النصيب.

إِلَى تُخُمِ أَدُومَ أي من بحر الملح أو بحر لوط إلى جبل سعير بين بريّة صين وبلاد العرب وأدوم أو جبل سعير سُمي أدوم باسم عيسو لأن نسله استوطن هناك.

بَرِّيَّةَ صِينَ بدل من تخم أدوم وهي تيه بني إسرائيل وتُعرف ببرية جعفر أيضاً وهي غربي بلاد أدوم على أن صين هي زاوية التيه الشرقية.

نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ أَقْصَى ٱلتَّيْمَنِ أي أقصى الجنوب أو الصحراء الجنوبية.

2 «وَكَانَ تُخُمُهُمُ ٱلْجَنُوبِيُّ أَقْصَى بَحْرِ ٱلْمِلْحِ مِنَ ٱللِّسَانِ ٱلْمُتَوَجِّهِ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ».

وَكَانَ تُخُمُهُمُ ٱلْجَنُوبِيُّ أَقْصَى بَحْرِ ٱلْمِلْحِ مِنَ ٱللِّسَانِ الخ «اللسان» هنا الخليج. الخلاصة أن نصيب يهوذا يحدّه من الجنوب بريّة صين والشاطئ الجنوبي من بحر الملح أو بحر لوط. ومن الشرق ذلك البحر إلى مصب نهر الأردن فيه. ومن الشمال خط يكاد يوازي أورشليم يمر بالطرف الشمالي من بحر لوط إلى تخم فلسطين الجنوبي والبحر المتوسط وهذا البحر إلى نهر مصر التخم الغربي.

وبيّن يشوع تخوم نصيب يهوذا بالتفصيل لأنه السبط الذي منه يولد المسيح وإنه أول الأسباط في المقام وأهمها ومنه ملوك يهوذا. وهو الذي حفظ الديانة والشريعة. وهذا القسم نحو نصف الجزء الجنوبي من كنعان.

3 «وَخَرَجَ إِلَى جَنُوبِ عَقَبَةِ عَقْرِبِّيمَ وَعَبَرَ إِلَى صِينَ، وَصَعِدَ مِنْ جَنُوبِ قَادِشِ بَرْنِيعَ وَعَبَرَ إِلَى حَصْرُونَ، وَصَعِدَ إِلَى أَدَّارَ إِلَى ٱلْقَرْقَعِ».

عدد 34: 4

عَقَبَةِ عَقْرِبِّيمَ جرف من الجبل يفصل غور البحر الميت من العربة الجنوبية (قاموس الكتاب) والمظنون أنها رتَبٌ من الصخور البيضاء التي تقطع العربة بانحراف على أمد ثمانية أميال من البحر الميت.

أَدَّارَ وتسمّى أدّار أيضاً (عدد 34: 4) ظُنّ أنها القديران في وادي مرّة جنوبي بئر سبع أو اللصان جنوبي القديرات.

ٱلْقَرْقَعِ يُظن أنه وادي القُريّة إلى الجنوب الغربي من خليج العقبة.

4 «وَعَبَرَ إِلَى عَصْمُونَ وَخَرَجَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَكَانَتْ مَخَارِجُ ٱلتُّخُمِ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. هٰذَا يَكُونُ تُخُمُكُمُ ٱلْجَنُوبِيُّ».

عدد 34: 5

عَصْمُونَ (انظر تفسير عدد 34: 4) يظن أنه موضع كان عند ما يُعرف اليوم بقصيحة.

وَادِي مِصْرَ وادي العريش على حدود مصر وفلسطين.

عِنْدَ ٱلْبَحْرِ بحر الروم.

5، 6 «5 وَتُخُمُ ٱلشَّرْقِ بَحْرُ ٱلْمِلْحِ إِلَى طَرَفِ ٱلأُرْدُنِّ. وَتُخُمُ جَانِبِ ٱلشِّمَالِ مِنْ لِسَانِ ٱلْبَحْرِ أَقْصَى ٱلأُرْدُنِّ. 6 وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ إِلَى بَيْتِ حُجْلَةَ وَعَبَرَ مِنْ شِمَالِ بَيْتِ ٱلْعَرَبَةِ، وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ إِلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبَيْنَ».

ص 18: 19 ص 18: 17

بَيْتِ حُجْلَةَ مدينة تسمى اليوم عين حجلة بين أريحا والأردن وهي في سبط بنيامين.

حَجَرِ بُوهَنَ مكان بين يهوذا وبنيامين.

7 «وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ إِلَى دَبِيرَ مِنْ وَادِي عَخُورَ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ ٱلشِّمَالِ إِلَى ٱلْجِلْجَالِ ٱلَّتِي مُقَابِلَ عَقَبَةِ أَدُمِّيمَ ٱلَّتِي مِنْ جَنُوبِيِّ ٱلْوَادِي. وَعَبَرَ ٱلتُّخُمُ إِلَى مِيَاهِ عَيْنِ شَمْسٍ، وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ إِلَى عَيْنِ رُوجَلَ».

ص 7: 26 2صموئيل 17: 17 و1ملوك 1: 9

دَبِيرَ غير المذكورة في (ص 10: 38) وموضعها مجهول.

وَادِي عَخُورَ (انظر تفسير ص 7: 26).

عَقَبَةِ أَدُمِّيمَ مرتفع عد مدخل بريّة أريحا.

عَيْنِ شَمْسٍ عين ماء بين يهوذا وبنيامين يرجّح أنها المعروفة بعين الرسول اليوم على أمد ميل ونصف ميل شرقي العازرية على طريق أورشليم وأريحا.

عَيْنِ رُوجَلَ عين ماء قرب أورشليم ظنها بعضهم بئر أيوب في وادي قدرون وبعضهم أنها عين مريم «ويقولون عين ستي مريم» (2صموئيل 17: 17).

8 «وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ فِي وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ إِلَى جَانِبِ ٱلْيَبُوسِيِّ مِنَ ٱلْجَنُوبِ. (هِيَ أُورُشَلِيمُ) وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ إِلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي قُبَالَةَ وَادِي هِنُّومَ غَرْباً ٱلَّذِي هُوَ فِي طَرَفِ وَادِي ٱلرَّفَائِيِّينَ شِمَالاً».

ص 18: 16 و2ملوك 23: 10 وإرميا 19: 2 و6 ص 18: 28 وقضاة 1: 21 و19: 10 تكوين 14: 5 و15: 20 وتثنية 2: 11 و20 وص 18: 16

وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ ووادي هنوم ووادي بني هنوم هو واد في جوار أورشليم جنوبي جبل صهيون ويُعرف اليوم بوادي ربابة ينحدر من باب الخليل إلى بئر أيوب.

هِيَ أُورُشَلِيمُ الضمير راجع إلى لفظ يبوس المفهوم من اليبوسي وهو اسم أورشليم عند الكنعانيين وربما كان اليبوسي اسمها أيضاً.

9 «وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ مِنْ رَأْسِ ٱلْجَبَلِ إِلَى مَنْبَعِ مِيَاهِ نَفْتُوحَ، وَخَرَجَ إِلَى مُدُنِ جَبَلِ عِفْرُونَ وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ إِلَى بَعَلَةَ. (هِيَ قَرْيَةُ يَعَارِيمَ)».

ص 18: 15 و1أيام 13: 6 قضاة 18: 12

مَنْبَعِ مِيَاهِ نَفْتُوحَ وتسمّى مياه نفتوح (ص 18: 15) عينٌ على التخم بين بنيامين ويهوذا ظنها بعضهم عين لِفتاء إلى الشمال الغربي من أورشليم. ورأى كوندر أنها عين عطان إلى الجنوب الغربي من بيت لحم التي تأتي منها قناة الماء إلى الحرَم في القدس.

جَبَلِ عِفْرُونَ على تخم يهوذا الشمالي ولعله سلسلة القنن غربي الوادي المعروف بوادي بيت حنينة.

بَعَلَةَ اسم آخر لقرية يعاريم (ص 9: 17).

10 «وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ مِنْ بَعَلَةَ غَرْباً إِلَى جَبَلِ سَعِيرَ، وَعَبَرَ إِلَى جَانِبِ جَبَلِ يَعَارِيمَ مِنَ ٱلشِّمَالِ. (هِيَ كَسَالُونُ) وَنَزَلَ إِلَى بَيْتِ شَمْسٍ وَعَبَرَ إِلَى تِمْنَةَ».

تكوين 38: 13 وقضاة 14: 1

هِيَ كَسَالُونُ الضمير يرجع إلى «جانب جبل يعاريم الخ» وهذا نعت للمدينة أو قرية كسالون. وكسالون في الشمال الغربي من يهوذا رُجّح أنها كسلة على غاية ثمانية أميال من غربي أورشليم.

بَيْتِ شَمْسٍ كانت لبني هارون (ص 21: 16). واشتهرت برجوع تابوت العهد إليها بعد ما طالت إقامته عدّة أشهر بين الفلسطينيين (1صموئيل 6: 9 - 20).

تِمْنَةَ (انظر تفسير تكوين 38: 13) وهي قرية على تخم يهوذا الشمالي وهي الآن خربة تُعرف بتبنة غربي بيت شمس وعلى غاية ميلين منها.

11 «وَخَرَجَ ٱلتُّخُمُ إِلَى جَانِبِ عَقْرُونَ نَحْوَ ٱلشِّمَالِ وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ إِلَى شَكْرُونَ وَعَبَرَ جَبَلَ ٱلْبَعَلَةِ وَخَرَجَ إِلَى يَبْنِئِيلَ. وَكَانَ مَخَارِجُ ٱلتُّخُمِ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ».

ص 19: 43

شَكْرُونَ تخم يهوذا بين عقرون ويبنئيل (انظر تفسير ص 13: 3).

يَبْنِئِيلَ مدينة أخذها عزّيا من الفلسطينيين وهدم حصونها وتُسمى اليوم يبنة وهي قرية كبيرة جنوبي يافا وعلى غاية اثني عشر ميلاً منها وثلاثة أميال من البحر.

12 «وَٱلتُّخُمُ ٱلْغَرْبِيُّ ٱلْبَحْرُ ٱلْكَبِيرُ وَتُخُومُهُ. هٰذَا تُخُمُ بَنِي يَهُوذَا مُسْتَدِيراً حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

عدد 34: 6 و7 وع 47

ٱلْبَحْرُ ٱلْكَبِيرُ وَتُخُومُهُ (عدد 34: 6).

13 «وَأَعْطَى كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ قِسْماً فِي وَسَطِ بَنِي يَهُوذَا حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ لِيَشُوعَ: قَرْيَةَ أَرْبَعَ (أَبِي عَنَاقَ) هِيَ حَبْرُونُ».

ص 14: 13 ص 14: 15

وَأَعْطَى كَالِبَ بذل الكاتب جهده في ذكر كالب وميراثه لأنه كان مع الرب.

قِسْماً فِي وَسَطِ بَنِي يَهُوذَا لم يقل قسماً في وسط سبطه وذلك لا يخلو من الإشارة إلى أن كالب كان دخيلاً في هذا السبط.

14 «وَطَرَدَ كَالِبُ مِنْ هُنَاكَ بَنِي عَنَاقَ ٱلثَّلاَثَةَ: شِيشَايَ وَأَخِيمَانَ وَتَلْمَايَ، أَوْلاَدَ عَنَاقَ».

قضاة 1: 10 و20 عدد 13: 22

وَطَرَدَ كَالِبُ الخ (انظر تفسير عدد 13: 22).

15 «وَصَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى سُكَّانِ دَبِيرَ. (وَكَانَ ٱسْمُ دَبِيرَ قَبْلاً قَرْيَةَ سِفْرٍ)».

ص 20: 38 قضاة 1: 11 قضاة 1: 12

دَبِيرَ (انظر تفسير ص 10: 38).

وهذه الحادثة (ع 15 - 19) مذكورة حرفياً في (قضاة 1: 11 - 15) وقيل أنها حدثت بعد موت يشوع. فالظاهر أن يشوع وإن كتب أكثر هذا السفر لم يكتبه كله وكتب نبأ هذه الحادثة كاتب مجهول وذكرها هنا بعلاقتها بما ذُكر في كالب وقسمه.

16 «وَقَالَ كَالِبُ: مَنْ يَضْرِبُ قَرْيَةَ سِفْرٍ وَيَأْخُذُهَا أُعْطِيهِ عَكْسَةَ ٱبْنَتِي ٱمْرَأَةً».

قَالَ كَالِبُ مَنْ يَضْرِبُ الخ الذي علمناه من أمر كالب أنه كان شجاعاً نشيطاً والكلام هنا يوهم أنه جبان كسلان. والواقع ليس كذلك. فبقي أن كالب قال هذا ليعوّد بعض إخوته الشبان الشجاعة والإقدام وأن يختار لابنته رجلاً يستحقها. فإن قيل كيف وعد كالب هذا الوعد دون أن ينظر في العاقبة فلعل ابنته عكسة لم ترض الغالب أو القائم بذلك الشرط زوجاً قلنا إن الآباء في ذلك العصر كانوا يجبرون بناتهم على تزوج من يختارونهم لهنّ. نعم إن ذلك لم يكن حسناً ولكنه لم ينفرد به كالب والتمدن لم يبلغ ما بلغه الآن إلا بعد أن توالت قرون وجاهد الحكماء والأتقياء في سبيله كثيراً ورفع علم الحرية والإخاء والمساواة المسيح له المجد فرفع شأن المرأة وبيّن أنها ليست عند الله دون الرجل فأسعد النساء المسيحيات السالكات هنّ وأزواجهنّ على سنن المسيح رب التمدّن ونور العالمين.

17 «فَأَخَذَهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخُو كَالِبَ. فَأَعْطَاهُ عَكْسَةَ ٱبْنَتَهُ ٱمْرَأَةً».

قضاة 1: 13 و3: 9 عدد 32: 12 وص 14: 6

عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخُو كَالِبَ على أن الأصل العبراني يحتمل أن يُقال «فأخذها عثنيئيل بن قناز أخي كالب».

18 «وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ بِطَلَبِ حَقْلٍ مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ ٱلْحِمَارِ فَقَالَ لَهَا كَالِبُ: مَا لَكِ؟».

قضاة 1: 14 تكوين 24: 64 و1صموئيل 25: 3

غَرَّتْهُ الخ أي أغرته والظاهر أنه لم يقبل أن يسأل أباها ذلك أنفة واحتراماً لعمه أو أخيه الأكبر وترك الأمر إليها فطلبت هي ذلك. وكان نزولها عن الحمار احتراماً لأبيها وتنزيهاً له عن أن تخاطبه وهي راكبة كما يخاطب الأمير المأمور على العادة الجارية إلى اليوم في الشرق (انظر تفسير تكوين 24: 64). وقيل هذا الطلب غريزي في البنات متى تركن بيوت الوالدين لأن بيت أبيها لا يبقى بعد الزواج بيتها ولأن عطية الوالدين للابنة ترفع شأنها في عيني زوجها.

19 «فَقَالَتْ: أَعْطِنِي بَرَكَةً. لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ ٱلْجَنُوبِ فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ. فَأَعْطَاهَا ٱلْيَنَابِيعَ ٱلْعُلْيَا وَٱلْيَنَابِيعَ ٱلسُّفْلَى».

تكوين 33: 11

أَعْطِنِي بَرَكَةً كانت الهداية أو الهبة تُسمى «بركة» (انظر تكوين 33: 11) لأنها تزيد مَن أُهديت له مسرّة واعتباراً.

أَرْضَ ٱلْجَنُوبِ وهي عرضة لأشعة الشمس المحرقة ولا ماء فيها.

فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ أي أعطني أرضاً ذات عيون.

فَأَعْطَاهَا ٱلْيَنَابِيعَ ٱلْعُلْيَا وَٱلْيَنَابِيعَ ٱلسُّفْلَى مع الأرض التي هي فيها. وهذه الينابيع أو العيون في موضعين قرب دبير.

20 «هٰذَا نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي يَهُوذَا حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

هٰذَا أي الأماكن المذكورة من ع 1 إلى هنا.

21 «وَكَانَتِ ٱلْمُدُنُ ٱلْقُصْوَى ٱلَّتِي لِسِبْطِ بَنِي يَهُوذَا إِلَى تُخُمِ أَدُومَ جَنُوباً: قَبْصِئِيلَ وَعِيدَرَ وَيَاجُورَ».

قَبْصِئِيلَ وتُسمى قبصيئيل ويقبصئيل (نحميا 11: 25) وهي مدينة على تخم يهوذا الجنوبي وُلد فيها بنايا أو بناياهو بن يهوياداع (2صموئيل 23: 20 و1أيام 11: 22).

عِيدَرَ مدينة قرب أدوم اسمها اليوم عدار.

يَاجُورَ مجهولة الموقع وهي في التخم الجنوبي من أرض يهوذا كما أبان هنا.

22 «وَقَيْنَةَ وَدِيمُونَةَ وَعَدْعَدَةَ».

قَيْنَةَ مجهولة الموقع وهي كسابقتها في التخم.

دِيمُونَةَ يُظن أنها ديبون (انظر تفسير ص 13: 17).

عَدْعَدَةَ يُظن أنها المسماة اليوم الفوقة أو عدادة.

23 «وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَيِثْنَانَ».

قَادِشَ ليست قادش برنيع ولا قادش نفتالي وموضعها مجهول.

يِثْنَانَ مجهولة الموقع سوى أنها في تخم يهوذا بجانب البريّة.

24 «وَزِيفَ وَطَالَمَ وَبَعَلُوتَ».

وَزِيفَ وَطَالَمَ وَبَعَلُوتَ «زيف» مجهولة الموقع و«طالم» ظنّ أنها المسماة اليوم طلائم ورأى بعضهم أنها ظُلّام وهي كورة في الجنوب الشرقي من بئر سبع قرب «مولادة» وهي الملح. و«بعلوت» المرجّح أنها بعلة بئر (انظر ص 19: 8) وتسمى اليوم خرنوب.

25 «وَحَاصُورَ وَحَدَتَّةَ وَقَرْيُوتَ وَحَصْرُونَ. (هِيَ حَاصُورُ)».

حَاصُورَ الخ في هذه الآية حاصوران والحاصورات أربع ذُكرت الأولى في (ص 11: 1 و10 و11 انظر التفسير). والثانية مجهولة الموقع (ذُكرت في ع 23). والثالثة ظنّ بعضهم أنها الحضيرة. والرابعة ظُنت أنها خشوم شمالي بئر سبع. وربما كانت المدن الثلاث الأخيرة مدينة واحدة.

وَحَدَتَّةَ رأى بعضهم إنها الأطلال المسماة بقصر الحدادة.

قَرْيُوتَ قرية يهوذا الاسخريوطي على ما يُظن. رأى بعضهم أنها المعروفة اليوم بالقريتين أو أم خشراب قرب بئر سبع.

26 «وَأَمَامَ وَشَمَاعَ وَمُولاَدَةَ».

أَمَامَ مجهولة.

شَمَاعَ يرجّح أنها شبع يُظن أنها كانت على التلّ المسمى اليوم بالسبع وهي شرقي بئر سبع وعلى غاية ميلين منها.

مُولاَدَةَ المرجّح أنها المعروفة اليوم بالملح شرقي بئر سبع وعلى غاية عشرة أميال منها.

27 «وَحَصَرَ جَدَّةَ وَحَشْمُونَ وَبَيْتَ فَالَطَ».

حَصَرَ جَدَّةَ رأى بعضهم أنها أمبغك على بحر لوط وآخر أنها الغرّة على غاية تسعة أميال شرقي بئر سبع وغيره أنها جديدة هي اسم عين قرب حبرون.

حَشْمُونَ رأى كوندر أنها المعروفة اليوم بالمشاش.

بَيْتَ فَالَطَ قيل هي «الكسيفة» قرب مولادة أو «الحورة».

28 «وَحَصَرَ شُوعَالَ وَبِئْرَ سَبْعٍ وَبِزْيُوتِيَةَ».

حَصَرَ شُوعَالَ رأى ولتون أنها ما يُعرف اليوم ببني شيل قرب غزّة وفند افلدا وكوندر أنها ساوه بين بئر سبع ومولادة.

بِئْرَ سَبْعٍ (انظر تفسير تكوين 21: 31 و26: 33).

بِزْيُوتِيَةَ المظنون أنها ما يُعرف اليوم ببعلة أو دير بلاه.

29 «وَبَعَلَةَ وَعَيِّيمَ وَعَاصَمَ».

بَعَلَةَ ظُنّ أن موقعها دير البلح قرب غزّة.

عَيِّيمَ ظُنّ ولصون أنها العوجاء قرب وادي العين في الجنوب الغربي من بئر سبع وعلى غاية 22 ميلاً منها.

عَاصَمَ مجهولة الموقع.

30 «وَأَلْتُولَدَ وَكِسِيلَ وَحُرْمَة».

أَلْتُولَدَ رأى ولتون وغروف أنها جنوبي بئر سبع وعلى غاية 12 ميلاً في ما يُعرف اليوم بوادي الثولة.

كِسِيلَ يُظن أنها بيت أولاً في الشمال الغربي من حبرون أي الخليل وعلى غاية سبعة أميال منها.

حُرْمَةَ اسمها الأصلي صفاة وتحوّل الاسم إلى حرمة أي محرمة بعد ما ضربها يهوذا وأخوه شمعون (قضاة 1: 17). ظنّ بعضهم أنها في مضيق يسمى الصفا شرقي بئر سبع وعلى غاية أربعين ميلاً منها. وظنّ آخرون أنها سُبيطة على غاية عشرين ميلاً من عين قادس.

31 «َوَصِقْلَغَ وَمَدْمَنَّةَ وَسَنْسَنَّة».

1صموئيل 27: 6

صِقْلَغَ ظنّ ولصون أنها عسلوج جنوبي بئر سبع وعلى غاية 12 ميلاً منها. وظنّ كوندر أنها زحليقة في الجنوب الشرقي من غزة وعلى غاية 11 ميلاً منها وسكن داود فيها لما كان في بلاد الفلسطينيين هارباً من شاول (1صموئيل 27: 6 و10: 1 - 31).

مَدْمَنَّةَ ظنّ ولتون أنها منياي على بُعد 15 ميلاً من غزّة وغيره أنها أم دمنة في الشمال الغربي من بئر سبع وعلى أمد 12 ميلاً منها.

سَنْسَنَّةَ هي حصر سوسة وحصر سوسيم ظنها بعضهم وادي السنة وآخرون بيت سوسين على غاية 15 ميلاً من شمالي أورشليم.

32 «وَلَبَاوُتَ وَشِلْحِيمَ وَعَيْنَ وَرِمُّونَ. كُلُّ ٱلْمُدُنِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مَعَ ضِيَاعِهَا».

لَبَاوُتَ يُظن أنها البيرة اليوم.

شِلْحِيمَ ظنها ولصون «السرام» وكوند شلخة (أو شلحة).

عَيْنَ وَرِمُّونَ مدينتان متجاورتان أو عين ينبوع بعينه في رمّون أو قريب منها. ورمّون هي المعروفة اليوم بأم الرمامين وهو معنى اسمها أي الرمّان وهي في الجنوب الغربي من حبرون أو الخليل وعلى غاية 13 ميلاً منها.

كُلُّ ٱلْمُدُنِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مَعَ ضِيَاعِهَا إذا راجع القارئ الأسماء المذكورة من (ع 21 - ع 32) وجدها 38 لاويين 29 ولكن يدفع هذه الصعوبة قوله على الأثر «مع ضياعها» أي قراها ذات الشأن لا كل الضياع والمزارع. ففي هذه الأماكن الثمانية والثلاثين تسع قرى تستحق الذكر. وطول الزمان على ذلك وما حدث من التقلبات في الأرض يمنعنا في بعض المذكورات من التمييز بين المدينة والضيعة أو القرية.

33 - 36 «33 فِي ٱلسَّهْلِ أَشْتَأُولُ وَصَرْعَةُ وَأَشْنَةُ 34 وَزَانُوحُ وَعَيْنُ جَنِّيمَ وَتَفُّوحُ وَعَيْنَامُ 35 وَيَرْمُوتُ وَعَدُلاَّمُ وَسُوكُوهُ وَعَزِيقَةُ 36 وَشَعَرَايِمُ وَعَدِيتَايِمُ وَٱلْجُدَيْرَةُ وَجُدَيْرُوتَايِمُ. أَرْبَعَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا».

عدد 13: 23

أَشْتَأُولُ في الجنوب الشرقي من أشقلون (انظر تفسير ص 13: 3).

صَرْعَةُ واسمها اليوم سورة وهي غربي أورشليم وعلى غاية 13 ميلاً منها وهي مولد شمشون (قضاة 13: 2 و24 و25).

أَشْنَةُ في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية 16 ميلاً منها وهي غير أشنة المذكورة في (ع 43).

زَانُوحُ لعلها زانوع وهي على الجنوب بميل إلى الغرب من أورشليم وعلى غاية 14 ميلاً منها.

يَرْمُوتُ (ص 10: 30) يرجح أنها يرموك على بُعد 16 ميلاً غربي القدس.

عَدُلاَّمُ (تكوين 38: 1 و2 ويشوع 12: 15) مدينة عظيمة للكنعانيين حصّنها رحبعام ويُظن أنها في وادي السنط على بُعد ميلين إلى جنوبي شوكوه وتسمى اليوم عيد الماء.

سُوكُوهُ اسمها اليوم شويكة وهي مذكورة في قصة جليات (1صموئيل 17: 1).

ٱلْجُدَيْرَةُ قرية في الشمال الغربي من أشتأول وصرعة.

37 - 44 «37 صَنَانُ وَحَدَاشَةُ وَمَجْدَلُ جَادٍ 38 وَدِلْعَانُ وَٱلْمِصْفَاةُ وَيَقْتِئِيلُ 39 وَلَخِيشُ وَبَصْقَةُ وَعَجْلُونُ 40 وَكَبُّونُ وَلَحْمَامُ وَكِتْلِيشُ 41 وَجُدَيْرُوتُ بَيْتِ دَاجُونَ وَنَعَمَةُ وَمَقِّيدَةُ. سِتَّ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 42 لِبْنَةُ وَعَاتَرُ وَعَاشَانُ 43 وَيَفْتَاحُ وَأَشْنَةُ وَنَصِيبُ 44 وَقَعِيلَةُ وَأَكْزِيبُ وَمَرِيشَةُ. تِسْعُ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا».

2ملوك 14: 7 تكوين 38: 5

صَنَانُ ظنها بعضهم «جموع» وهي قرية في الجنوب الشرقي من أشقلون وغيره أنها زنابرة على غاية ميلين ونصف ميل من ماريشة وآخر أنها خربة السنات شمالي بيت جبرين.

حَدَاشَةُ هي المعروفة اليوم بإبداس.

مَجْدَلُ جَادٍ (برج جاد) لم تزل تسمى مجدل وهي تبعد ميلين شرقي أشقلون.

دِلْعَانُ ظنها بعضهم قرية التينة جنوبي عقرون وآخر أنها بعايين.

ٱلْمِصْفَاةُ تل الصافية وهي تبعد سبعة أميال ونصف عن بيت جبرين إلى جهة أورشليم وليست المذكورة في (ص 13: 26) ولا المذكورة في (قضاة 11: 3).

بَصْقَةُ رأى بعضهم أنها بشيت وهي مولد يديدة أم الملك يوشيا (1ملوك 22: 1).

عَجْلُونُ (ص 10: 3 - 23 و12: 12) وهي عجلان اليوم تبعد 16 ميلاً عن غزة إلى جهة الشمال الغربي.

كَبُّونُ ظنها بعضهم الكُفير في الجنوب الشرقي من أشقلون وعلى مدة 10 أميال منها وبعضهم الكبيبة قرب بيت جبرين وآخر أنها أبو كبوس.

لَحْمَامُ واسمها اليوم اللحم وهي جنوبي بيت جبرين على غاية ميلين ونصف ميل منها.

جُدَيْرُوتُ واسمها اليوم كترة وهي قرية في وادي سورق على غاية 3 أميال من عفير والجنوب الغربي منها.

عَاتَرُ وَعَاشَانُ ظنّ بعضهم الأولى تل آثار وغيره عتارة وآخر عطر. وظنّ بعضهم الثانية عسيلة قرب رمون.

يَفْتَاحُ وَأَشْنَةُ وَنَصِيبُ الأولى مجهولة الموقع. والثانية في الجنوب الغربي من أورشليم وعلى غاية 16 ميلاً منها وهي غير المذكورة في (ع 33). والثالثة تُعرف اليوم ببيت نصيب قرب حبرون.

قَعِيلَةُ مذكورة في تاريخ داود (1صموئيل 23: 1 - 13). واسمها اليوم كيلا على بُعد سبعة أميال شرقي بيت جبرين.

أَكْزِيبُ يُظن أنها عين كذبة.

مَرِيشَةُ حصّنها رحبعام (2أيام 11: 8) وبقربها تقاتل زارح الكوشي وآسا (2أيام 14: 9 - 15) وذُكرت في تاريخ المكابيين وموقعها عند خربة المواشي بقرب بيت جبرين.

45 - 47 «45 عَقْرُونُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا. 46 مِنْ عَقْرُونَ غَرْباً كُلُّ مَا بِقُرْبِ أَشْدُودَ وَضِيَاعِهَا. 47 أَشْدُودُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا وَغَزَّةُ وَقُرَاهَا وَضِيَاعُهَا إِلَى وَادِي مِصْرَ وَٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ وَتُخُومِهِ».

ع 4 عدد 34: 6

كل المدن والأماكن هنا ذُكرت في بعض ما مرّ من تفسير هذا السفر.

48 - 60 «48 وَفِي ٱلْجَبَلِ شَامِيرُ وَيَتِّيرُ وَسُوكُوهُ 49 وَدَنَّةُ وَقَرْيَةُ سَنَّةَ. (هِيَ دَبِيرُ) 50 وَعَنَابُ وَأَشْتِمُوهُ وَعَانِيمُ 51 وَجُوشَنُ وَحُولُونُ وَجِيلُوهُ. إِحْدَى عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 52 أَرَابُ وَدُومَةُ وَأَشْعَانُ 53 وَيَنُومُ وَبَيْتُ تَفُّوحَ وَأَفِيقَةُ 54 وَحُمْطَةُ وَقَرْيَةُ أَرْبَعَ. (هِيَ حَبْرُونُ) وَصِيعُورُ. تِسْعُ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا. 55 مَعُونُ وَكَرْمَلُ وَزِيفُ وَيُوطَةُ 56 وَيَزْرَعِيلُ وَيَقْدَعَامُ وَزَانُوحُ 57 وَٱلْقَايِنُ وَجِبْعَةُ وَتِمْنَةُ. عَشَرُ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا. 58 حَلْحُولُ وَبَيْتُ صُورٍ وَجَدُورُ 59 وَمَعَارَةُ وَبَيْتُ عَنُوتَ وَأَلْتَقُونُ. سِتَّ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا. 60 قَرْيَةُ بَعْلٍ. (هِيَ قَرْيَةُ يَعَارِيمَ) وَٱلرَّبَّةُ. مَدِينَتَانِ مَعَ ضِيَاعِهِمَا».

ص 10: 41 و11: 16 ص 14: 15 وع 13 ص 18: 14

شَامِيرُ يرجّح أنها صومرة غربي دبير.

يَتِّيرُ وتُعرف اليوم بعتير في الغرب الجنوبي من الخليل وعلى غاية 11 ميلاً منها.

سُوكُوهُ وتُسمى اليوم الشويكة وهي في الجنوب الغربي من الخليل وعلى غاية ما يقرب من 11 ميلاً منها.

دَنَّةُ وهي أدنة اليوم في الشمال الغربي من حبرون أي الخليل وعلى غاية 8 أميال منها.

قَرْيَةُ سَنَّةَ وهِيَ دَبِيرُ (ص 15: 15 وقضاة 1: 1) واسمها اليوم الظهرية.

عَنَابُ واسمها اليوم عنب (انظر تفسير ص 11: 12).

أَشْتِمُوهُ وتسمى أيضاً اشتموع (ص 21: 14 و1أيام 6: 57) وتسمى اليوم سموعة في جنوبي الخليل وعلى غاية 7 أميال منها.

عَانِيمُ وهي اليوم جنين على جانب مرج ابن عمير.

جُوشَنُ تُعرف بسكيّة اليوم.

حُولُونُ وتُسمى حيلين اليوم.

جِيلُوهُ مدينة أخيتوفل (2صموئيل 15: 12).

أَرَابُ لعلها خربة عرابيّة.

دُومَةُ وهي اليوم قرية دومة في الجنوب الغربي من الخليل وعلى غاية 6 أميال منها وفيها عدة أطلال.

أَشْعَانُ يُظن أنها أطلال خرسا أو شامع أو السيميا.

يَنُومُ عند بيت نعيم قرب حبرون (أي الخليل).

بَيْتُ تَفُّوحَ وتُسمى اليوم تفّوح وهي غربي الخليل وعلى غاية خمسة أميال منها.

أَفِيقَةُ وهي اليوم بملد الفوقة قرب سوكوه في الشمال الغربي من أورشليم.

حُمْطَةُ في جوار الخليل.

قَرْيَةُ أَرْبَعَ هي الخليل.

صِيعُورُ وتُعرف اليوم بالصغير على أمد خمسة أميال من الخليل.

مَعُونُ لعلها معين جنوبي حبرون وعلى غاية 8 أميال منها.

كَرْمَلُ ولا تزال تُسمى كذلك وهي على غاية عشرة أميال من الجنوب الشرقي من الخليل.

زِيفُ تُعرف اليوم بتلّ الزيف على غاية أربعة أميال من حبرون وهي غير زيف المذكورة في (ع 24).

كانت «معون» مدينة نابال الغني الأحمق (1صموئيل ص 25). وكانت «كرمل» مولد إبيجايل امرأة نابال التي أخذها داود بعد وفاة رجلها. ومولد حصراي أيضاً أحد أبطال داود.

وأقام داود في «برية زيف» لما هرب من شاول.

يُوطَةُ واسمها اليوم يُطة على تلّ جنوبي الخليل وعلى غاية خمسة أميال منها.

يَزْرَعِيلُ هي قرية قرب الكرمل ومدينة أخينوعم إحدى نساء داود (1صموئيل 25: 43).

يَقْدَعَامُ هي جنوبي حبرون.

زَانُوحُ لعلها زعنوطة على غاية 10 أميال من الخليل وهي غير زانوح في (ع 24).

ٱلْقَايِنُ مجهولة الموقع.

جِبْعَةُ وتُعرف اليوم بجبع شمالي الخليل وعلى غاية عشرة أميال منها.

تِمْنَةُ المرجّح أنها المعروفة اليوم بتبنة على الجنوب الغربي من بيت لحم وعلى غاية تسعة أميال منها وهي غير المذكورة في (ع 10).

حَلْحُولُ هي اليوم أطلال لا تزال تُعرف بهذا الاسم شمالي الخليل وعلى غاية أربعة أميال منها وتُعتبر عند العامة كمولد جاد.

بَيْتُ صُورٍ لا تزال تُدعى كذلك وهي شمالي حبرون وعلى غاية 4 أميال منها حصنها رحبعام وهي مذكورة في حروب المكابيين.

جَدُورُ قرية بين بيت لحم والخليل وهي غير جادر أو جدور المذكورة في (ص 12: 13 و1أيام 4: 39).

مَعَارَةُ لعلها بيت أمار شمالي حبرون وعلى غاية 7 أميال منها.

بَيْتُ عَنُوتَ لعلها عينون في الشمال الشرقي من الخليل وعلى غاية 3 أميال منها.

أَلْتَقُونُ شمالي الخليل وعلى أمد نحو 3 أميال منها.

قَرْيَةُ بَعْلٍ (انظر تفسير ص 9: 17).

ٱلرَّبَّةُ هي ربة بيت جبرين.

61، 62 «61 فِي ٱلْبَرِّيَّةِ بَيْتُ ٱلْعَرَبَةِ وَمِدِّينُ وَسَكَاكَةُ 62 وَٱلنِّبْشَانُ وَمَدِينَةُ ٱلْمِلْحِ وَعَيْنُ جَدْيٍ. سِتُّ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا».

بَيْتُ ٱلْعَرَبَةِ في وادي الأردن قرب بحر لوط.

مِدِّينُ على شاطئ بحر لوط الغربي.

سَكَاكَةُ ظُنّ أنها سكة شرقي اللعازرية.

ٱلنِّبْشَانُ قرب عين جدي.

مَدِينَةُ ٱلْمِلْحِ هي تلّ الملح على قول كوندر شرقي بيت سبع وعلى غاية 15 ميلاً منها.

عَيْنُ جَدْيٍ على غاية ميل من بحر لوط تجاه منتصف شاطئه الغربي. كان اسمها في الأول حصون تامار (تكوين 14: 7) وهي من الأماكن التي كان داود يختفي فيها من وجه شاول (1صموئيل 23: 29 و24: 1 و4) مشهورة بكرومها (نشيد الأناشيد 1: 14) ولها عينان مياههما حارّة وحولها أشجار كثيرة ومناظر جميلة.

63 «وَأَمَّا ٱلْيَبُوسِيُّونَ ٱلسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو يَهُوذَا عَلَى طَرْدِهِمْ، فَسَكَنَ ٱلْيَبُوسِيُّونَ مَعَ بَنِي يَهُوذَا فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

قضاة 1: 8 و21 و2صموئيل 5: 6 قضاة 1: 21

فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو يَهُوذَا عَلَى طَرْدِهِمْ لقلّة إيمانهم وإلا فإنهم لو آمنوا وشجعوا لما أبقوهم وما ذكر يشوع ذلك إلا لهذا الأمر تحريضاً على الإيمان وتشجيعاً لهم والظاهر أن اليبوسيين كانوا في مكان حصين هناك وإن الإسرائيليين أحبوا الترفّه والرخاء شأن كثيرين حين يحصلون على السعة بعد الضيق والأمن بعد الخوف.

فوائد

  1. إن الله أكمل وعده ليهوذا (تكوين 49: 8 - 12).

  2. إن وعد الله بشرط أبداً ولا سيما شرط الإيمان فقلة إيمان يهوذا أبقت اليبوسيين معهم في أورشليم.

  3. إن الطمع مغروس في نفس الإنسان فيجب أن يقاومه بتحويل أشواقه إلى المطالب السماوية. فكما طلبت عكسة بركة فوق بركة أي ينابيع ماء بعد ما كانت أخذت أرض الجنوب هكذا يجب علينا أن نطلب بركات عليا أي روحية ولا نكتفي بالجسديات. والطمع في البركات الروحية من الفضائل وليس كالطمع في المال.

  4. كان ميراث أرض كنعان أمراً عظيماً عند الإسرائيليين لأنه ميراث الرب فكانوا يحصرون عليه حرصاً عظيماً كما رأيت من تحديد الأنصبة في هذا الأصحاح والله وعدنا بإرث السعادة الأبدية في صهيون العلوية فيجب أن نحرص عليه كل الحرص.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

ميراث يوسف أي سبطي أفرايم ومنسى ص 16 إلى ص 18

1 «وَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ لِبَنِي يُوسُفَ مِنْ أُرْدُنِّ أَرِيحَا إِلَى مَاءِ أَرِيحَا نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلصَّاعِدَةِ مِنْ أَرِيحَا فِي جَبَلِ بَيْتِ إِيلَ».

وَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ (انظر تفسير ص 14: 2).

لِبَنِي يُوسُفَ أي ذرية يوسف من ابنيه أفرايم ومنسى.

وكان يذكر في ترتيب الأسباط يهوذا أولاً وبنو يوسف ثانياً «لأَنَّ يَهُوذَا ٱعْتَزَّ عَلَى إِخْوَتِهِ وَمِنْهُ ٱلرَّئِيسُ، وَأَمَّا ٱلْبَكُورِيَّةُ فَلِيُوسُفَ» (1أيام 5: 2). وكان تقسيم الأرض على بني إسرائيل كما يأتي الأول إن معاقل جنوبي فلسطين لسبط يهوذا. والثاني إن أواسط الأرض لأفرايم ومنسى. والثالث أن ما بقي كان لسائر الأسباط التسعة ونصف السبط.

وبين نصيب أفرايم ومنسى ونصيب يهوذا فرقان الأول أنه ذُكرت حدود البلاد أو أرض ميراثهما ولم يُذكر جدول المدن كما ذُكر جدول مدن يهوذا في (ص 15). والثاني أنه وقع اختلاط في نصيب بني يوسف فكان بعض ميراث أفرايم في ميراث منسى وبعض ميراث منسى في ميراث أفرايم وفي ميراثي يساكر وأشير (ع 6 وص 17: 11).

وخرجت القرعة لأفرايم ومنسى معاً ليكون الواحد بجانب الآخر لأنهما أخوان ولكن بعد ذلك كل منهما أخذ نصيباً خاصاً. وبما أن منسى بكر يوسف أخذ نصيبين أحدهما شرقي الأردن وثانيهما غربيه (تثنية 21: 17). غير أن سبط أفرايم نما وتقوّى أكثر من سبط منسى وكان نصيبه أفضل مكان في أرض كنعان فيه سهول وأودية مخصبة وجبال توافق لبناء مدن محصّنة. ومن أشهر مدنه السامرة ويزرعيل وشكيم وترصة. ولكن بمقابلة هذه الامتيازات كان صعوبات لأن كثيرين من الكنعانيين بقوا في الأرض.

ويجب أن نذكر هنا أن منسى في هذه القرعة ليس كل سبط منسى بل نصفه لأن نصفه الآخر ورث أرضاً في شرقي الأردن. وكان نصيب سبط أفرايم ونصف سبط منسى من الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً.

أُرْدُنِّ أَرِيحَا أي جزء الأردن المجاور لأريحا.

مَاءِ أَرِيحَا عين في جوار أريحا أبرأ ماءها أليشع (2ملوك 2: 19 - 22).

جَبَلِ بَيْتِ إِيلَ أي جبل قرب بيت إيل لا جبل اسمه بيت إيل.

2 «وَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ إِيلَ إِلَى لُوزَ وَعَبَرَتْ إِلَى تُخُمِ ٱلأَرَكِيِّينَ إِلَى عَطَارُوتَ».

تكوين 35: 6 وص 18: 13 وقضاة 1: 26

مِنْ بَيْتِ إِيلَ إِلَى لُوزَ أو من جبل بيت إيل إلى لوز.

يصعب التمييز بين الاسمين لوز وبيت إيل فإنه يظهر من (تكوين 28: 19 ويشوع 16: 2 و18: 13) إن بيت إيل اسم مكان ولوز اسم مكان آخر. ولكن الظاهر من (تكوين 35: 6 وقضاة 1: 23) إن الاسمين هما لمكان واحد فقط. والأرجح أنه قبل فتح أرض كنعان كانت لوز اسم مدينة بيت إيل اسم مكان مذبح يعقوب وهو قريب من المدينة. وبعد فتح الأرض سقطت مدينة لوز وبُنيت في موقعها مدينة بيت إيل. وبيت إيل شرقي منتصف خط بين نابلس والقدس تُعرف اليوم ببيتين.

تُخُمِ ٱلأَرَكِيِّينَ تخم أفرايم الجنوبي نُسب إلى الأركيين لأنهم كانو يسكنون هناك وهم قوم حوشاي الأركي صديق داود (2صموئيل 16: 16).

عَطَارُوتَ ولعلها عطارة في الشمال الغربي من بيت إيل وعلى بُعد 6 أميال منها.

3 «وَنَزَلَتْ غَرْباً إِلَى تُخُمِ ٱلْيَفْلَطِيِّينَ إِلَى تُخُمِ بَيْتِ حُورُونَ ٱلسُّفْلَى وَإِلَى جَازَرَ، وَكَانَتْ مَخَارِجُهَا عِنْدَ ٱلْبَحْرِ».

ص 18: 13 و2أيام 8: 5 و1ملوك 9: 15 و1أيام 7: 28

تُخُمِ ٱلْيَفْلَطِيِّينَ لا يُعرفون.

بَيْتِ حُورُونَ ٱلسُّفْلَى (انظر تفسير ص 10: 10 و11).

جَازَرَ (انظر تفسير ص 10: 33 و12: 12).

عِنْدَ ٱلْبَحْرِ قُرئ في بعض النسخ عند بحر الملح أي بحر لوط.

4 «فَمَلَكَ ٱبْنَا يُوسُفَ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ».

ص 17: 14

مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ أي نصف سبط منسى وكل سبط أفرايم (انظر تفسير ع 1). وكان ملكهم نحو 70 ميلاً طولاً و55 ميلاً عرضاً.

5 «وَكَانَ تُخُمُ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ تُخُمُ نَصِيبِهِمْ شَرْقاً: عَطَارُوتَ أَدَّارَ إِلَى بَيْتِ حُورُونَ ٱلْعُلْيَا».

ص 18: 13 و2أيام 8: 5

وَكَانَ خبر «كان» محذوف تقديره ما أتى بعد قوله «وكان تخم نصيبهم الخ».

عَطَارُوتَ أَدَّارَ (انظر تفسير ع 2).

بَيْتِ حُورُونَ ٱلْعُلْيَا (انظر تفسير ص 10: 10).

6 «وَخَرَجَ ٱلتُّخُمُ نَحْوَ ٱلْبَحْرِ إِلَى ٱلْمَكْمَتَةِ شِمَالاً، وَدَارَ ٱلتُّخُمُ شَرْقاً إِلَى تَآنَةِ شِيلُوهَ وَعَبَرَهَا شَرْقِيَّ يَنُوحَةَ».

ص 17: 7

ٱلْمَكْمَتَةِ ظنها بعضهم مخنة شرقي نابلس.

تَآنَةِ شِيلُوهَ أي تآنة التي هي شيلوه أو مدخل شيلوه على قول بعضهم. ورأى بعضهم أنها خربة تعلة شرقي نابلس وعلى غاية نحو 11 ميلاً منها.

يَنُوحَةَ المرجّح أنها بنون في الجنوب الشرقي من نابلس وعلى غاية 8 أميال منها.

7 «وَنَزَلَ مِنْ يَنُوحَةَ إِلَى عَطَارُوتَ وَنَعَرَاتَ وَوَصَلَ إِلَى أَرِيحَا وَخَرَجَ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ».

1أيام 7: 28

نَعَرَاتَ قرية تبعد خمسة أميال عن أريحا على قول أوسيبيوس ورأى كوندر أنها عند العوجا قرب أريحا.

8 «وَجَازَ ٱلتُّخُمُ مِنْ تَفُّوحَ غَرْباً إِلَى وَادِي قَانَةَ، وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ».

ص 17: 9

تَفُّوحَ قرية في منسى غربي شكيم (انظر ص 17: 8) حيث قيل أن تفوح لبني أفرايم مع أنها في أرض منسى.

وَادِي قَانَةَ ويُسمّى الآن أيضاً وادي قانا رأسه على بُعد 6 أميال إلى الجنوب الشرقي من نابلس وهو ينحدر إلى البحر شمالي يافا.

9 «هٰذَا هُوَ نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ مَعَ ٱلْمُدُنِ ٱلْمُفْرَزَةِ لِبَنِي أَفْرَايِمَ فِي وَسَطِ نَصِيبِ بَنِي مَنَسَّى. جَمِيعُ ٱلْمُدُنِ وَضِيَاعِهَا».

ص 17: 9

انظر أخر تفسير (ع 1). والمظنون أن أرض أفرايم وُجدت ضيقة على أهلها فأُعطوا مدناً في منسى.

10 «فَلَمْ يَطْرُدُوا ٱلْكَنْعَانِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيداً تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ».

قضاة 1: 29 و1ملوك 9: 16

فَلَمْ يَطْرُدُوا الخ كان الواجب أن يطردوهم لكنهم طمعوا في الجزية والتسخير ولهوا بلذّاتهم وراحتهم ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة.

كان ذكر الأماكن بالتفصيل وكتابتها في كتاب الله أمراً مهماً للإسرائيليين لأنه حفظهم من الاختلاف فيما بينهم من جهة التخوم. وهذه الأصحاحات تشهد في كل القرون لجودة الرب وأمانته فإنه أعطى شعبه كل ما وعدهم به إذ أدخلهم أرض كنعان وأعطاهم مقاماً فيها ولولا كسلهم وعدم إيمانهم لكان أعطاهم الأرض تماماً.

فوائد

  1. إن الله يُتبع بالخطاء عاقبته وينصبه أمام عيني الخاطئ تأديباً له وعبرة لغيره. فإن الكنعانيين بقوا أمام عيون الإسرائيليين تأديباً لهم وشهادة على عجزهم عن إتمام إرادة الله وحجّة عليهم وموعظة لغيرهم ليخشوا مخالفة إرادته تعالى (ع 10).

  2. إن التواني والتوغل في الرفاهية علة العجز والخيبة.

  3. إن الخُلق القبيح مرض معدٍ يفسد الأخلاف الصالحة. فقد فسدت أخلاق الإسرائيليين من مخالطة الكنعانيين.

  4. إن بقاء الكنعانيين بين الإسرائيليين كالزوان بين الحنطة وبقية الشهوات في قلوب المسيحيين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

1 «وَكَانَتِ ٱلْقُرْعَةُ لِسِبْطِ مَنَسَّى، لأَنَّهُ هُوَ بِكْرُ يُوسُفَ. لِمَاكِيرَ بِكْرِ مَنَسَّى أَبِي جِلْعَادَ، لأَنَّهُ كَانَ رَجُلَ حَرْبٍ، وَكَانَتْ جِلْعَادُ وَبَاشَانُ لَهُ».

تكوين 41: 51 و46: 20 و48: 18 تكوين 50: 23 وعدد 26: 29 و32: 39 و40 و1أيام 7: 14 تثنية 3: 15

لِسِبْطِ مَنَسَّى أي لنصف هذا السبط لأن نصفه الآخر أخذ نصيبه شرقي الأردن.

لأَنَّهُ هُوَ بِكْرُ يُوسُفَ هذا تعليل لتقديمه في القسمة على أفرايم. ولعل الداعي إلى هذا التعليل ما كان من تفضيل يعقوب أفرايم على منسى (تكوين 48: 19 و20) فكان ينتظر الشعب أن يقدّم أفرايم على منسى في القسمة. على أن بركة يعقوب لأفرايم بوضع يمينه عليه لا تستلزم نقل البكورية من منسى لأفرايم كما استلزمت زيادة البركة لأفرايم فبقي له أن يتقدم في الإرث.

لِمَاكِيرَ بِكْرِ مَنَسَّى ماكير بيان لسبط منسى فإن منسى لم يكن له ابن سوى ماكير فكان سبط منسى منه. والمراد بماكير هنا نسل ماكير وله نظائر في الكتاب وهو كثير في اللغتين العبرانية والعربية وخصوصاً في أسماء الشعوب والقبائل. والبكر في الكتاب المقدس مَن وُلد وما ولدت أمه أحداً قبله سواء أولدت بعده أم لم تلد. وذُكر (تكوين 50: 23) أن أولاد ماكير وُلدوا على ركبتي يوسف أي أن يوسف كان لم يزل حياً لما وُلدوا فاختضنهم وكانت أم ماكير سرّية أرامية (1أيام 7: 14).

أَبِي جِلْعَادَ بدل من ماكير لا منسى. ومعنى «أبي جلعاد» هنا صاحب بلاد جلعاد وإن كان لماكير ابن اسمه جلعاد لأن جلعاد معرّف في العبرانية ولا يُستعمل معرّفاً إلا إذا أُريد به الأرض المسماة جلعاد. وعلّة استيلائه على جلعاد قوله.

لأَنَّهُ كَانَ رَجُلَ حَرْبٍ الخ أي بطلاً شجاعاً متدرباً في الحروب. غير أن فتح أرض جلعاد وأرض باشان كان لابنيه يائير ونوبح فإن يائير أخذ كل كورة أرجوب (تثنية 3: 14) وأخذ مزارع جلعاد (عدد 32: 41) ودعاها حوُّوث يائير. وأخذ نوبح قناة وقراها ودعاها نوبح باسمه. وجلعاد شرقي الأردن وامتدت من عرض طرف بحر الجليل الجنوبي إلى عرض طرف بحر لوط الشمالي أي نحو 60 ميلاً طولاً ونحو 12 ميلاً عرضاً. ويجب التمييز بين جلعاد وهي اسم بلاد شرقي الأردن وجلعاد بن ماكير. وكان جلعاديون أهل بلاد جلعاد وجلعاديون غيرهم وهم بنو جلعاد وكان نصيبهم في غربي الأردن.

2 «وَكَانَتْ لِبَنِي مَنَسَّى ٱلْبَاقِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. لِبَنِي أَبِيعَزَرَ وَلِبَنِي حَالَقَ وَلِبَنِي أَسْرِيئِيلَ وَلِبَنِي شَكَمَ وَلِبَنِي حَافَرَ وَلِبَنِي شَمِيدَاعَ، هٰؤُلاَءِ هُمْ بَنُو مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ، ٱلذُّكُورُ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

عدد 26: 29 إلى 32 عدد 26: 30 و1أيام 7: 18 عدد 26: 31 عدد 26: 32

لِبَنِي مَنَسَّى ٱلْبَاقِينَ (انظر عدد 26: 29 - 32).

3 - 6 «3 وَأَمَّا صَلُفْحَادُ بْنُ حَافَرَ بْنِ جِلْعَادَ بْنِ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ. وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. 4 فَتَقَدَّمْنَ أَمَامَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَأَمَامَ يَشُوعَ بْنِ نُونَ وَأَمَامَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَقُلْنَ: ٱلرَّبُّ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يُعْطِيَنَا نَصِيباً بَيْنَ إِخْوَتِنَا. فَأَعْطَاهُنَّ حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ نَصِيباً بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهِنَّ. 5 فَأَصَابَ مَنَسَّى عَشَرُ حِصَصٍ، مَا عَدَا أَرْضَ جِلْعَادَ وَبَاشَانَ ٱلَّتِي فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ. 6 لأَنَّ بَنَاتِ مَنَسَّى أَخَذْنَ نَصِيباً بَيْنَ بَنِيهِ، وَكَانَتْ أَرْضُ جِلْعَادَ لِبَنِي مَنَسَّى ٱلْبَاقِينَ».

عدد 26: 33 و27: 1 و36: 2 ص 14: 1 عدد 27: 6 و7

وَأَمَّا صَلُفْحَادُة الخ (انظر تفسير عدد 26: 33 و27: 1 - 9).

فَأَصَابَ مَنَسَّى عَشَرُ حِصَصٍ ذُكر في (عدد 26: 30 - 32) أن «لجلعاد ستة بنين لكل منهم حصة ما عدا حافر وَأَمَّا صَلُفْحَادُ بْنُ حَافَرَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ لكل منهم حصة» فصار عدد الحصص عشراً.

7 «وَكَانَ تُخُمُ مَنَسَّى مِنْ أَشِيرَ إِلَى ٱلْمَكْمَتَةِ ٱلَّتِي مُقَابِلَ شَكِيمَ، وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ نَحْوَ ٱلْيَمِينِ إِلَى سُكَّانِ عَيْنِ تَفُّوحَ».

ص 16: 6

أَشِيرَ ليست «أشير» هنا اسم سبط أشير بل اسم مدينة شرقي شكيم.

ٱلْمَكْمَتَةِ (انظر تفسيير ص 16: 6).

8 - 10 «8 كَانَ لِمَنَسَّى أَرْضُ تَفُّوحَ. وَأَمَّا تَفُّوحُ إِلَى تُخُمِ مَنَسَّى هِيَ لِبَنِي أَفْرَايِمَ. 9 وَنَزَلَ ٱلتُّخُمُ إِلَى وَادِي قَانَةَ جَنُوبِيَّ ٱلْوَادِي. هٰذِهِ مُدُنُ أَفْرَايِمَ بَيْنَ مُدُنِ مَنَسَّى. وَتُخُمُ مَنَسَّى شِمَالِيُّ ٱلْوَادِي، وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. 10 مِنَ ٱلْجَنُوبِ لأَفْرَايِمَ، وَمِنَ ٱلشِّمَالِ لِمَنَسَّى. وَكَانَ ٱلْبَحْرُ تُخُمَهُ. وَوَصَلَ إِلَى أَشِيرَ شِمَالاً وَإِلَى يَسَّاكَرَ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ».

ص 16: 8 ص 16: 9 ع 7

(انظر تفسير ص 16: 8).

11 «وَكَانَ لِمَنَسَّى فِي يَسَّاكَرَ وَفِي أَشِيرَ بَيْتُ شَانَ وَقُرَاهَا، وَيَبْلَعَامُ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ دُوَرٍ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ عَيْنِ دُوَرٍ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ تَعْنَكَ وَقُرَاهَا، وَسُكَّانُ مَجِدُّو وَقُرَاهَا ٱلْمُرْتَفَعَاتُ ٱلثَّلاَثُ».

1أيام 7: 29 و1صموئيل 31: 10 و1ملوك 4: 12

بَيْتُ شَانَ وهي على غاية 12 ميلاً من بحر طبريا إلى الجهة الجنوبية و4 أميال من نهر الأردن إلى الجهة الغربية. وهي حصن طبيعي فإنها مبنية على تل علوه نحو 200 قدم وصخوره قائمة كحائط بيت. وعلى قمة التلّ سور وعلى هذا السور تسمّرت أجساد شاول وأبنائه فأخذها أهل يابيش جلعاد (1صموئيل 31: 8 - 13). وبعد السبي صارت رئيسة المدن العشر ودُعيت باسم سكيثوبولس وأما الآن فتُدعى بيسان وفيها من الآثار ما يدلّ على عظمتها الأصلية.

وَسُكَّانُ دُوَرٍ هذا يدل على أن السكان كانوا عبيداً لمنسى. و«عين دور» بلد ساحرة صموئيل. ولا تزال تُسمى بذلك وهي على غاية ستة أميال من سهل يزرعيل.

تَعْنَكَ... مَجِدُّو (انظر تفسير ص 12: 21).

ٱلْمُرْتَفَعَاتُ كانت معابد على رؤوس التلال والجبال أو التلال الثلاثة المبنية عليها المدن الثلاث التي سبق ذكرها وهي دور وتعنك ومجدّو.

12، 13 «12 وَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو مَنَسَّى أَنْ يَمْلِكُوا هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ، فَعَزَمَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ عَلَى ٱلسَّكَنِ فِي تِلْكَ ٱلأَرْضِ. 13 وَكَانَ لَمَّا تَشَدَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ٱلْكَنْعَانِيِّينَ تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ، وَلَمْ يَطْرُدُوهُمْ طَرْداً».

قضاة 1: 27 و28 ص 16: 10

لَمْ يَقْدِرْ بَنُو مَنَسَّى أَنْ يَمْلِكُوا هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ لأنهم لم يعملوا مع الله لا لأن الله لم يساعدهم. فعدم قدرتهم في هذا كعدم قدرة إخوة يوسف على مسالمتهم ليوسف أخيهم (تكوين 37: 4). ومن أسباب عجزهم حب التواني والكسل والترفّه وحب أخذ الجزية أو التسخير.

14 «وَقَالَ بَنُو يُوسُفَ لِيَشُوعَ: لِمَاذَا أَعْطَيْتَنِي قُرْعَةً وَاحِدَةً وَحِصَّةً وَاحِدَةً نَصِيباً وَأَنَا شَعْبٌ عَظِيمٌ، لأَنَّهُ إِلَى ٱلآنَ قَدْ بَارَكَنِيَ ٱلرَّبُّ؟».

ص 16: 4 تكوين 48: 22 تكوين 48: 19 وعدد 26: 34 و37

بَنُو يُوسُفَ رجال أفرايم ومنسى. كلمه بعضهم بالنيابة عن الكل.

حِصَّةً وَاحِدَةً أي ما أعطيتنا قليل كحصة واحدة. ونحن كثيرون فكان الحق أن يكون لنا كثير (عدد 26: 54).

بَارَكَنِيَ أي أكثرني وزادني عدداً. أنزلوا أنفسهم منزلة شخص واحد باعتبار أن المجموع شعب واحد. وكان عدد بني منسى 52700 وبني أفرايم 32500 (عدد 26: 34 و37). انظر بركة يعقوب تكوين 48: 20) «بِكَ يُبَارِكُ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَجْعَلُكَ ٱللّٰهُ كَأَفْرَايِمَ وَكَمَنَسَّى» و (تكوين 49: 25 و26 وتثنية 33: 13 - 17).

15 «فَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: إِنْ كُنْتَ شَعْباً عَظِيماً، فَٱصْعَدْ إِلَى ٱلْوَعْرِ وَٱقْطَعْ لِنَفْسِكَ هُنَاكَ فِي أَرْضِ ٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلرَّفَائِيِّينَ، إِذَا ضَاقَ عَلَيْكَ جَبَلُ أَفْرَايِمَ».

تكوين 14: 5 و15: 20

إِنْ كُنْتَ الخ أي بما أنك شعب عظيم فأنت قوي فاغزُ الفرزيين والرفائيين (انظر تفسير تكوين 13: 7 و14: 5) وخُذ الأرض منهم فاحتجّ عليهم يشوع من كلامهم.

فَٱصْعَدْ إِلَى ٱلْوَعْرِ أي وعر جبل أفرايم الذي امتدّ إلى الجهة الجنوبية إلى رامة وبيت إيل. وفي القطيعة المشار إليها تلال بينها أودية وسهول متسعة ومجاري مياه ومزروعات. وكان الإسرائيليون من الأسباط الأخرى يلتجئون إلى جبل أفرايم كاهود البنياميني (قضاة 3: 27) ودبورة (قضاة 4: 5) وتولع (قضاة 10: 1) وصموئيل (1صموئيل 1: 1). والكاتب سمى هذا القطيعة جبل أفرايم ليس لأنها دُعيت بهذا الاسم في زمان الحوادث المذكورة بل لأنها معروفة باسم جبل أفرايم في يومه.

16 «فَقَالَ بَنُو يُوسُفَ: لاَ يَكْفِينَا ٱلْجَبَلُ. وَلِجَمِيعِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ ٱلْوَادِي مَرْكَبَاتُ حَدِيدٍ. لِلَّذِينَ فِي بَيْتِ شَانٍ وَقُرَاهَا وَلِلَّذِينَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ».

قضاة 1: 19 و4: 3 ص 19: 18 و1ملوك 4: 12

لاَ يَكْفِينَا ٱلْجَبَلُ وَلِجَمِيعِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ... مَرْكَبَاتُ الخ دفعوا قول يشوع بأمرين الأول إن الجبل غير كافٍ لهم والثاني إن أهله أبطال أقوياء مركباتهم مدرعة بالحديد فلا يقوون عليهم.

فِي أَرْضِ ٱلْوَادِي تشير أولاً إلى وادي الأردن بقرب بيت شان وثانياً إلى سهل يزرعيل المتسع. ولم تصلح مركبات الحديد إلا في هذا السهل وفي أرض الحولة (يشوع 11: 4 و5 و2ملوك 9: 21 و10: 5).

17، 18 «17 فَقَالَ يَشُوعُ لِبَيْتِ يُوسُفَ، أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى: أَنْتَ شَعْبٌ عَظِيمٌ وَلَكَ قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ. لاَ تَكُونُ لَكَ قُرْعَةٌ وَاحِدَةٌ. 18 بَلْ يَكُونُ لَكَ ٱلْجَبَلُ لأَنَّهُ وَعْرٌ، فَتَقْطَعُهُ وَتَكُونُ لَكَ مَخَارِجُهُ. فَتَطْرُدُ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ لأَنَّ لَهُمْ مَرْكَبَاتِ حَدِيدٍ لأَنَّهُمْ أَشِدَّاءُ».

تثنية 20: 1

لَكَ ٱلْجَبَلُ لأَنَّهُ وَعْرٌ فلا تجري فيه المركبات ويكون لكم حصن من أولئك الأعداء الأقوياء فدفع يشوع بهذا حجتهم. ولا ريب في أن الحق عليهم وعلى سائر من أبقوا بينهم الأمم الكنعانية رغبة في الراحة والتنعم أو الجزية. فإن الله وعدهم بالنصر فكان عليهم أن يثقوا بالله ويقوموا بما يجب عليهم. وكان الله في بعض مواعيده يرد على بني يوسف ويدفع اعتراضهم هنا قبل أن فاهوا به. فقد جاء في سفر التثنية «إِذَا خَرَجْتَ لِلْحَرْبِ عَلَى عَدُوِّكَ وَرَأَيْتَ خَيْلاً وَمَرَاكِبَ، قَوْماً أَكْثَرَ مِنْكَ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، لأَنَّ مَعَكَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ ٱلَّذِي أَصْعَدَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (تثنية 20: 1).

وَتَكُونُ لَكَ مَخَارِجُهُ امتدت الجبال من البحر عند كرمل إلى أواسط فلسطين وكانت كسور بين إسرائيل والكنعانيين الساكنين في الشمال. ومشورة يشوع لبني أفرايم هي أن يصعدوا إلى الجبل ويقطعوا الأشجار التي كانت ملجأ للكنعانيين ويطردوهم منها فيكون لبني أفرايم مخارج الجبل أي الأماكن التي وراءها.

فوائد

  1. إنه لا وفاء للوعد مع المعصية (ع 12). فإن الإسرائيليين وُعدوا أن يستولوا على فلسطين بشرط أن يستأصلوا سكانها ولكنهم لم يستأصلوهم اكتفاء بالجزية وحباً للراحة.

  2. إن من يمس الزفت يتلوث به. إن إبقاء الإسرائيليين على الأمم أدى بهم إلى التنجُّس بآثامهم فكانوا ينحطُّون بذلك إلى أن صاروا إلى أسفل السافلين وسُبوا إلى بابل.

  3. إنه يجب على الإنسان انتهاز كل ما له من الفرَص (ع 14 - 18). إن أفرايم شكا ضيق نصيبه من الأرض بدل من أن يقطع الوعر ويقوى على الكنعانيين ولا يكترث بما لهم من مركبات الحديد. وشأن كثيرين من المسيحيين شأن أفرايم يشتكون من قلة النجاح مع تركهم نصف ما لهم من الفرَص التي انتهازها يؤدي إلى النجاح العظيم.

  4. إنه لا يجوز أن نعتذر بالصعوبات على إهمال الواجبات. إن أفرايم اعتذر بالصعوبة ولم يجتهد في تذليلها بما كان له من الوسائل.

  5. إن بركات الله لا تُمنح للذين لا يراعون شروط نيلها. فأفرايم حُرم كثيراً من البركات لأنه لم يراع شروط الحصول عليها. وكثيرون من المسيحيين يتوقعون الخلاص دون أن يتموه بخوف ورعدة ويسعوا له كما شُرط عليهم. إن السماء منحة للمؤمنين المجاهدين فمن لم يسع لا يُمنح فلينتبه الغافلون وليتأمل العاقلون.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

1 «وَٱجْتَمَعَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ وَنَصَبُوا هُنَاكَ خَيْمَةَ ٱلاجْتِمَاعِ. وَأُخْضِعَتِ ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُمْ».

ص 19: 51 و21: 2 و22: 9 وإرميا 7: 12 قضاة 18: 31 و1صموئيل 1: 3 و24 و4: 3 و4

وَٱجْتَمَعَ أخذ بنو يهوذا نصيبهم في الجنوب وأخذ بنو يوسف نصيبهم في الشمال. وذُكر (ص 17: 14 - 17) تذمُّر بني يوسف وذلك مما أشار إلى الانشقاق المزمع أن يحدث بينهما. وكان ظهر من بني يوسف روح الحسد والافتخار مع رفض العمل المعيّن لهم من الله فكان من الضرورة أن الشعب كلهم يتحدون في طلب بركة الله.

كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ معنى الكلمة الأصلية المدعوون لأجل الوقوف أمام الرب والشهادة له ولشريعته وحفظ الرجاء بالفداء والسلوك بالبرّ والتقوى والقدوة لغيرهم من شعوب الأرض. فكانت جماعة إسرائيل في العهد القديم كالكنيسة في العهد الجديد.

شِيلُوهَ مدينة جنوبي نابلس وعلى غاية عشرة أميال منها وبينها وبين بيت إيل المعروفة اليوم ببيتين وتُسمى اليوم سيلون ولعلهم اختاروها لينصبوا فيها خيمة الاجتماع أولاً لأنها في وسط البلاد وثانياً لأنها أقل من غيرها عرضة لتعديات الكنعانيين. وكانت بيت إيل حينئذ بيد الكنعانيين (قضاة 1: 23 - 27).

وَنَصَبُوا هُنَاكَ خَيْمَةَ ٱلاجْتِمَاعِ وتسمت الخيمة «خيمة الاجتماع» لأن فيها اجتمع الله مع شعبه (خروج 29: 42 و43) «وَأَجْتَمِعُ هُنَاكَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيُقَدَّسُ بِمَجْدِي». وبقيت هذه الخيمة في شيلوه ثلاث مئة سنة ثم أخذ تابوتها الفلسطينيون (1صموئيل ص 3 و4) ولم يُعد إليها إذ أصعده داود إلى أورشليم ثم نُقلت الخيمة إليها (2أيام 1: 3 و4). وهذا يستلزم أن الإسرائيليين انتقلوا من جلعاد إلى شيلوه.

أُخْضِعَتِ ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُمْ إذ لم يبق للكنعانيين الباقين من قدرة على مقاومتهم. ويظهر أنهم قصدوا نصب الخيمة أول ما يمكن بعد دخولهم إلى أرض كنعان ولكن كان من الضرورة أنهم أولاً يخضعون الأرض ويُعطى السبط الذي تكون الخيمة فيه نصيبه ولا شك أنهم احتفوا احتفاء مقدساً عظيماً بنصب الخيمة وجددوا خدمتها بعد انقطاعها مدة الحروب.

2 «وَبَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّنْ لَمْ يَقْسِمُوا نَصِيبَهُمْ، سَبْعَةُ أَسْبَاطٍ».

وَبَقِيَ... مِمَّنْ لَمْ يَقْسِمُوا نَصِيبَهُمْ أو لم يأخذوا أنصبتهم وسبب هذا التأخر مجهول والمرجّح أنه الخلاف بين سبط يهوذا وسبطي يوسف فإن يهوذا أخذ الكافي من الميراث وأما سبطا يوسف فكان نصيبهما غير كاف وتعب الإسرائيليين من الحرب على أثر ما كان لهم من الراحة واللذة بها وحب التراخي.

سَبْعَةُ أَسْبَاطٍ وهم شمعون ويسّاكر وزبولون وأشير وبنيامين ودان ونفتالي.

3 «فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ مُتَرَاخُونَ عَنِ ٱلدُّخُولِ لامْتِلاَكِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ إِيَّاهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِكُمْ؟».

قضاة 18: 9

فَقَالَ يَشُوعُ قال ما يأتي وهو لم يأخذ نصيبه حتى حصل كل الأسباط على أنصبتهم فآثر غيره على نفسه ولم يؤثر نفسه على غيره كأكثر أهل الأرض. الإسرائيليون استراحوا وتراخوا وهو لم يسترح حتى أتم ما كان عليه من العمل حسب أمر الرب لموسى.

حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ مُتَرَاخُونَ أي متقاعدون. والاستفهام هنا إنكاري يراد به الاستبطاء والتوبيخ فكأنه قال لهم لقد أبطأتم عن إتمام ما يجب عليكم وأوجبتم على أنفسكم الملامة. فكأن الإسرائيليين حسبوا أن الله يعطيهم الأرض بلا حرب ولا أقل تعب لأنه وعدهم بذلك وهو أمين لا يخلف الميعاد ونسوا شروط ذلك الوعد وإن كل مواعيد الله بشروط لا تتم بدونها فهم كمن يريد السعادة السماوية بدون أن يهتم بها.

إِلٰهُ آبَائِكُمْ إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

4 «هَاتُوا ثَلاَثَةَ رِجَالٍ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ فَأُرْسِلَهُمْ فَيَقُومُوا وَيَسِيرُوا فِي ٱلأَرْضِ وَيَكْتُبُوهَا بِحَسَبِ أَنْصِبَتِهِمْ، ثُمَّ يَأْتُوا إِلَيَّ».

هَاتُوا وفي العبراني «هبو لكم» أي هبوا لأنفسكم أي عيّنوا لأنفسكم أو اختاروا وقدّموا.

ثَلاَثَةَ رِجَالٍ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ من الأسباط السبعة فيكون الرجال المختارون واحداً وعشرين.

وَيَسِيرُوا فِي ٱلأَرْضِ الباقية والظاهر من هذا أن الكنعانيين لم يكونوا حينئذ يقاومون أحداً من الإسرائيليين وإلا استحال على واحد وعشرين رجلاً أن يسيروا في تلك الأرض ويقسموها أو أن هؤلاء ساروا مع جيش يحرسهم.

وَيَكْتُبُوهَا بِحَسَبِ أَنْصِبَتِهِمْ ذُكرت الكتابة بحسب الأنصبة في (ع 9).

5 «وَلْيَقْسِمُوهَا إِلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ، فَيُقِيمُ يَهُوذَا عَلَى تُخُمِهِ مِنَ ٱلْجَنُوبِ، وَيُقِيمُ بَيْتُ يُوسُفَ عَلَى تُخُمِهِمْ مِنَ ٱلشِّمَالِ».

ص 15: 1 ص 16: 1 و4

إِلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ ما كان لكل سبط أن يختار نصيبه ففي سفر العدد ما نصه «لِهٰؤُلاَءِ تُقْسَمُ ٱلأَرْضُ نَصِيباً عَلَى عَدَدِ ٱلأَسْمَاءِ. اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُ لَهُ نَصِيبَهُ، وَٱلْقَلِيلُ تُقَلِّلُ لَهُ نَصِيبَهُ... إِنَّمَا بِٱلْقُرْعَةِ تُقْسَمُ ٱلأَرْضُ» (عدد 26: 53 - 55). وهذا يستلزم أن الأنصبة لم تكن متساوية فالأقسام السبعة مختلفة الأقدار فلا تكون القرعة بعد القسمة فهي قبلها والغاية منها بيان جهة نصيب كل سبط ووضع نصيبه ثم تكون القسمة على نسبة العدد ولعل قسمة الأرض شرقي الأردن بين السبطين ونصف السبط كانت على هذه الصورة.

6 «وَأَنْتُمْ تَكْتُبُونَ ٱلأَرْضَ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ، ثُمَّ تَأْتُونَ إِلَيَّ هُنَا فَأُلْقِي لَكُمْ قُرْعَةً هٰهُنَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص 14: 2 وع 10

تَكْتُبُونَ ٱلأَرْضَ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ معيّنة الجهات دون المقدار وإلا فما كانت من حاجة إلى القرعة بعد ذلك كما يأتي.

فَأُلْقِي لَكُمْ قُرْعَةً تعيّن لكل شخص جهات نصيبه.

أَمَامَ ٱلرَّبِّ أي أمام مسكن الرب وهو التابوت الذي كان في قدس الأقداس من خيمة الشهادة ليكون الرب شاهداً على القاسم وليحفظ القاسم نفسه من الجور في إلقاء القرعة. وأعظم غايات يشوع من ذلك أن يبين لبني إسرائيل أن تعيين أنصبتهم من الرب لا منه فلا يتذمرون عليه ولا يختلفون.

7، 8 «7 لأَنَّهُ لَيْسَ لِلاَّوِيِّينَ قِسْمٌ فِي وَسَطِكُمْ، لأَنَّ كَهَنُوتَ ٱلرَّبِّ هُوَ نَصِيبُهُمْ. وَجَادُ وَرَأُوبَيْنُ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى قَدْ أَخَذُوا نَصِيبَهُمْ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ، ٱلَّذِي أَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ. 8 فَقَامَ ٱلرِّجَالُ وَذَهَبُوا. وَأَوْصَى يَشُوعُ ٱلذَّاهِبِينَ لِكِتَابَةِ ٱلأَرْضِ: اِذْهَبُوا وَسِيرُوا فِي ٱلأَرْضِ وَٱكْتُبُوهَا، ثُمَّ ٱرْجِعُوا إِلَيَّ فَأُلْقِي لَكُمْ هُنَا قُرْعَةً أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي شِيلُوهَ».

ص 13: 23 ص 13: 8

لأَنَّهُ لَيْسَ لِلاَّوِيِّينَ قِسْمٌ الخ هذا تعليل لكتابة الأرض سبعة أقسام لا إلى أحد عشر قسماً لكنها قُسمت إلى سبعة أقسام لأن سبط منسى لا نصيب له فيها كسائر إخوته وكان لا بد من ذلك كهنوت الرب ولأن جاد ورأوبين ونصف سبط منسى أخذوا نصيبهم في عبر الأردن الخ وشيلوه ذُكر بيانها في تفسير (ع 1).

9 «فَسَارَ ٱلرِّجَالُ وَعَبَرُوا فِي ٱلأَرْضِ وَكَتَبُوهَا حَسَبَ ٱلْمُدُنِ سَبْعَةَ أَقْسَامٍ فِي سِفْرٍ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى يَشُوعَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ فِي شِيلُوهَ».

كَتَبُوهَا سَبْعَةَ أَقْسَامٍ فِي سِفْرٍ أي أبانوا الجهات والأقسام وأسماء المدن والقرى وصفات الأرض كالخصب والمحل وأنواعها كالتلال والسهول وهل هي أرض محروثة أو سبخة وهل فيها ماء أو لا وما أشبه ذلك وكتبوا كل شيء في كتاب مخصوص ولا نعرف كم من الزمان تقضّى بهذا العمل.

عرف المصريون القدماء علم الهندسة وتخطيط الأرض ولا شك أن الإسرائيليين تعلموا ذلك منهم.

حَسَبَ ٱلْمُدُنِ أي قسموا الأرض اعتباراً للمدن فتكون مدن في كل قسم.

10 «فَأَلْقَى لَهُمْ يَشُوعُ قُرْعَةً فِي شِيلُوهَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَهُنَاكَ قَسَمَ يَشُوعُ ٱلأَرْضَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ».

فَأَلْقَى الخ قام بما تكفل به ووفى بما وعد وفي قسمة الأرض بالقرعة بالعدل. فإن الأرض لا تُقسم حسب إرادة يشوع ولا غيره ولا بحسب القوة فيكون القسم الأفضل للسبط الأقوى بالقرعة فكان جميع الأسباط متساوين.

والظاهر أن الرجال المرسلين وجدوا أن يهوذا وأفرايم كانا أخذا أكثر مما لهم بالنسبة إلى أنصبة الأسباط الباقين فجعلوا النصيب الذي وقع لشمعون من أرض يهوذا الجنوبية وجعلوا في النصيب الذي وقع لدان مدناً من يهوذا ومن أفرايم.

11 «وَطَلَعَتْ قُرْعَةُ سِبْطِ بَنِي بِنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَخَرَجَ تُخُمُ قُرْعَتِهِمْ بَيْنَ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي يُوسُفَ».

بَيْنَ بَنِي يَهُوذَا وَبَنِي يُوسُفَ كان من أحسن ما تقتضيه الحكمة أن يكون سبط بنيامين حلقة الاتحاد الإسرائيلي بين ذينك السبطين القويين المتباريين. وكان على ما في قصة يوسف في سفر التكوين أن يهوذا ويوسف عطفا على بنيامين لأنه أصغر أبناء أبيهم وأحبهم إليه.

12 «وَكَانَ تُخُمُهُمْ مِنْ جِهَةِ ٱلشِّمَالِ مِنَ ٱلأُرْدُنِّ. وَصَعِدَ ٱلتُّخُمُ إِلَى جَانِبِ أَرِيحَا مِنَ ٱلشِّمَالِ وَصَعِدَ فِي ٱلْجَبَلِ غَرْباً، وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ بَرِّيَّةِ بَيْتِ آوِنَ».

ص 16: 1

أَرِيحَا... بَرِّيَّةِ بَيْتِ آوِنَ (انظر تفسير ص 2: 1 وتفسير ص 7: 2).

13 «وَعَبَرَ ٱلتُّخُمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى لُوزَ إِلَى جَانِبِ لُوزَ ٱلْجَنُوبِيِّ. (هِيَ بَيْتُ إِيلَ) وَنَزَلَ ٱلتُّخُمُ إِلَى عَطَارُوتِ أَدَّارَ عَلَى ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي إِلَى جَنُوبِ بَيْتِ حُورُونَ ٱلسُّفْلَى».

تكوين 28: 19 وقضاة 1: 23 ص 16: 3

لُوزَ (انظر تفسير ص 16: 1 و2).

هِيَ بَيْتُ إِيلَ أي لوز هي بيت إيل (انظر تفسير ص 16: 1 وتكوين 28: 19).

عَطَارُوتِ أَدَّارَ (انظر تفسير ص 16: 2 و5).

بَيْتِ حُورُونَ (انظر تفسير ص 10: 10).

14 «وَٱمْتَدَّ ٱلتُّخُمُ وَدَارَ إِلَى جِهَةِ ٱلْغَرْبِ جَنُوباً مِنَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي مُقَابِلَ بَيْتِ حُورُونَ جَنُوباً. وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ قَرْيَةِ بَعْلٍ. (هِيَ قَرْيَةُ يَعَارِيمَ) مَدِينَةٌ لِبَنِي يَهُوذَا. هٰذِهِ هِيَ جِهَةُ ٱلْغَرْبِ».

ص 15: 9

قَرْيَةِ بَعْلٍ وتُسمى بعلة (انظر تفسير ص 15: 9).

15 «وَجِهَةُ ٱلْجَنُوبِ هِيَ أَقْصَى قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. وَخَرَجَ ٱلتُّخُمُ غَرْباً وَخَرَجَ إِلَى مَنْبَعِ مِيَاهِ نَفْتُوحَ».

ص 15: 9

مِيَاهِ نَفْتُوحَ (انظر تفسير ص 15: 19).

16 - 20 «16 وَنَزَلَ ٱلتُّخُمُ إِلَى طَرَفِ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي مُقَابِلَ وَادِي ٱبْنِ هِنُّومَ ٱلَّذِي فِي وَادِي ٱلرَّفَائِيِّينَ شِمَالاً، وَنَزَلَ إِلَى وَادِي هِنُّومَ إِلَى جَانِبِ ٱلْيَبُوسِيِّينَ مِنَ ٱلْجَنُوبِ، وَنَزَلَ إِلَى عَيْنِ رُوجَلَ. 17 وَٱمْتَدَّ مِنَ ٱلشِّمَالِ وَخَرَجَ إِلَى عَيْنِ شَمْسٍ، وَخَرَجَ إِلَى جَلِيلُوتَ ٱلَّتِي مُقَابِلَ عَقَبَةِ أَدُمِّيمَ، وَنَزَلَ إِلَى حَجَرِ بُوهَنَ بْنِ رَأُوبَيْنَ، 18 وَعَبَرَ إِلَى ٱلْكَتِفِ مُقَابِلَ ٱلْعَرَبَةِ شِمَالاً، وَنَزَلَ إِلَى ٱلْعَرَبَةِ. 19 وَعَبَرَ ٱلتُّخُمُ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ حُجْلَةَ شِمَالاً. وَكَانَتْ مَخَارِجُ ٱلتُّخُمِ عِنْدَ لِسَانِ بَحْرِ ٱلْمِلْحِ شِمَالاً إِلَى طَرَفِ ٱلأُرْدُنِّ جَنُوباً. هٰذَا هُوَ تُخُمُ ٱلْجَنُوبِ. 20 وَٱلأُرْدُنُّ يَتْخُمُهُ مِنْ جِهَةِ ٱلشَّرْقِ. فَهٰذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي بِنْيَامِينَ مَعَ تُخُومِهِ مُسْتَدِيراً حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

ص 15: 7 ص 15: 6

(انظر تفسير ص 15: 5 - 9).

جَلِيلُوتَ هي الجلجال (ص 15: 7).

21 - 28 «21 وَكَانَتْ مُدُنُ سِبْطِ بَنِي بِنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: أَرِيحَا وَبَيْتَ حُجْلَةَ وَوَادِي قَصِيصَ 22 وَبَيْتَ ٱلْعَرَبَةِ وَصَمَارَايِمَ وَبَيْتَ إِيلَ 23 وَٱلْعَوِّيمَ وَٱلْفَارَةَ وَعَفْرَةَ 24 وَكَفْرَ ٱلْعَمُّونِيِّ وَٱلْعُفْنِي وَجَبَعَ، سِتَّ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 25 جِبْعُونَ وَٱلرَّامَةَ وَبَئِيرُوتَ 26 وَٱلْمِصْفَاةَ وَٱلْكَفِيرَةَ وَٱلْمُوصَةَ 27 وَرَاقَمَ وَيَرَفْئِيلَ وَتَرَالَةَ 28 وَصَيْلَعَ وَآلَفَ وَٱلْيَبُوسِيَّ. (هِيَ أُورُشَلِيمُ) وَجِبْعَةَ وَقِرْيَةَ. أَرْبَعَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. هٰذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي بِنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

2صموئيل 21: 14 ص 15: 8

ذُكر في هذه الآيات عدد المدن ذات الشأن واقتصر على ذكر أسماء بعضها (انظر تفسير ص 15: 26). وقد وُصفت المدن المذكورة في ما مرّ من تفسير هذا السفر فارجع إليه.

وكان نصيب بنيامين صغيراً بالنسبة إلى غيره ولكن فيه منافع تعوّضه من ذلك الصغر منها أنه مرتفع عن سطح بحر الروم نحو 2000 قدم وعن وادي الأردن 3000 قدم وحوله تلال كثيرة كجبعة ورامة ومصفاة جميعها ملائمة للتحصين وقابلة للمدافعة. ولا دخول إلى أرض بنيامين من السواحل إلا بأودية ضيقة وشقوق في الجبال. فاشتهر البنيامينيون في الحروب ولا سيما استعمال المقلاع (2صموئيل 1: 22 وقضاة 3: 15 و20: 16) وحاربوا وحدهم الباقين من بني إسرائيل (قضاة ص 20 و21) وكان الملك الأول منهم.

فوائد

إن الأسباط اجتمعوا في شيلوه للصلاة في خيمة الشهادة وبعد الصلاة حثّهم يشوع على العمل بالنشاط وعرض عليهم قسمة الأرض ولنا من ذلك ما يأتي من الفوائد:

  1. إنه يجب قبل الشروع في المطلوب أن نصلي لله ونطلب إرشاده ومعونته.

  2. إن شعب الله يشتركون في عبادة الله كما يشتركون في نعمه ومواهبه.

  3. إن يشوع كان رمزاً إلى يسوع فكما قسم لهم يشوع الأرض يقسم لنا يسوع السماء ويهب لنا الميراث الأبدي.

  4. إن اجتماع الأسباط كلهم في بيت الله للعبادة يذكرنا بالمزمور الذي أوله «هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ ٱلْإِخْوَةُ مَعاً» (مزمور 133: 1).

  5. إن في ذلك إشارة إلى الراحة بالله أو مع الله. إن معنى «شيلوه» موضع الراحة أو السلام. ولا شيء يجلب الراحة والسلام مثل القرب من الله.

  6. إنه يجب أن نسير من الصلاة إلى العمل فالصلاة بلا عمل عبادة ناقصة أو باطلة وإلا لكفى أن نصلي ونلهو ونعرض عن كل عمل وذلك شرٌّ عُرف بالاختبار. إن يشوع خاطب الإسرائيليين في أمر ميراثهم على أثر خروجهم من المعبد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

نصيب شمعون ع 1 إلى 9

1 «وَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلثَّانِيَةُ لِشَمْعُونَ، لِسِبْطِ بَنِي شَمْعُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ نَصِيبُهُمْ دَاخِلَ نَصِيبِ بَنِي يَهُوذَا».

ع 9

نَصِيبُهُمْ دَاخِلَ نَصِيبِ بَنِي يَهُوذَا وهو الجزء الجنوبي من نصيب يهوذا (قضاة 1: 3 و17). إنه بعد أن حُدِّدت أرض يهوذا وُجدت أكثر مما يجب بالنظر إلى الكثرة والقلة المفروضة القسمة بحسبها ووُجد نصيب شمعون أقل مما يجب فأُضيف جزء من نصيب يهوذا إلى نصيب شمعون فيكون في العبارة مجاز مرسل وحقيقته أن بعض نصيب شمعون داخل نصيب يهوذا. والمجاز المرسل وغيره من أنواع المجاز كثير في هذا السفر ويؤيد ذلك (ع 9).

2 - 9 «2 فَكَانَ لَهُمْ فِي نَصِيبِهِمْ بِئْرُ سَبْعٍ (وَشَبَعُ) وَمُولاَدَةُ. 3 وَحَصَرُ شُوعَالَ وَبَالَةُ وَعَاصَمُ 4 وَأَلْتُولَدُ وَبَتُولُ وَحُرْمَةُ 5 وَصِقْلَغُ وَبَيْتُ ٱلْمَرْكَبُوتِ وَحَصَرُ سُوسَةَ 6 وَبَيْتُ لَبَاوُتَ وَشَارُوحَيْنِ. ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 7 عَيْنُ وَرِمُّونُ وَعَاتَرُ وَعَاشَانُ. أَرْبَعُ مُدُنٍ مَعَ ضِيَاعِهَا. 8 وَجَمِيعُ ٱلضِّيَاعِ ٱلَّتِي حَوَالَيْ هٰذِهِ ٱلْمُدُنِ إِلَى بَعْلَةِ بَئْرِ رَامَةِ ٱلْجَنُوبِ. هٰذَا هُوَ نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي شَمْعُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. 9 وَمِنْ قِسْمِ بَنِي يَهُوذَا كَانَ نَصِيبُ بَنِي شَمْعُونَ. لأَنَّ قِسْمَ بَنِي يَهُوذَا كَانَ كَثِيراً عَلَيْهِمْ، فَمَلَكَ بَنُو شَمْعُونَ دَاخِلَ نَصِيبِهِمْ».

ع 9 و1أيام 4: 28 ص 15: 26 ص 15: 28 و30 ع 1

قال إن المدن هنا 13 وإذا عددتها وجدتها 14 فالظاهر أن قوله «وشبع» عطف تفسير لقوله «بئر سبع» فكأنه قال بئر سبع أي شبع ومثله كثير في العبرانية والعربية. على أن قوله «وشبع» لا وجود له في أقدم النسخ وأصحها.

بَالَةُ أي بعلة. انظر وصف سائر المدن في ما مرّ من تفسير هذا السفر ولا سيما (تفسير ص 15).

نصيب زبولون ع 10 إلى 16

10 «وَطَلَعَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلثَّالِثَةُ لِبَنِي زَبُولُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. وَكَانَ تُخُمُ نَصِيبِهِمْ إِلَى سَارِيدَ».

سَارِيدَ وفي الترجمة السريانية «أشدود» وفي الترجمة السبعينية «سدول» رأى كندر أنها المعروفة اليوم بتل شدود شمالي سهل يزرعيل إلى الجنوب الغربي من الناصرة.

11 «وَصَعِدَ تُخُمُهُمْ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ وَمَرْعَلَةَ وَوَصَلَ إِلَى دَبَّاشَةَ وَوَصَلَ إِلَى ٱلْوَادِي ٱلَّذِي مُقَابِلَ يَقْنَعَامَ».

تكوين 49: 13 ص 12: 22

مَرْعَلَةَ ظُن أنها معلول في الجنوب الغربي من الناصرة وعلى غاية أميال منها. وفيها أطلال هيكل.

دَبَّاشَةَ مجهولة الموقع.

يَقْنَعَامَ مدينة عند تل قيمون قرب طرف الكرمل الشرقي في الجنوب الغربي من الناصرة وعلى غاية 12 ميلاً منها.

12 «وَدَارَ مِنْ سَارِيدَ شَرْقاً نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ عَلَى تُخُمِ كِسْلُوتِ تَابُورَ، وَخَرَجَ إِلَى ٱلدَّبْرَةِ وَصَعِدَ إِلَى يَافِيعَ».

كِسْلُوتِ تَابُورَ واسمها اليوم اكسل غربي جبل الطور وعلى غاية ثلاثة أميال منه.

ٱلدَّبْرَةِ... يَافِيعَ موقع «الدبرة» في سهل يزرعيل عند سفح جبل تابور وهي ما تسمى دبورية اليوم على الأرجح. و«يافيع» المظنون أنها عند يافا قرب الناصرة في الغرب الجنوبي منها.

13 «وَمِنْ هُنَاكَ عَبَرَ شَرْقاً نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ إِلَى جَتَّ حَافَرَ إِلَى عِتَّ قَاصِينَ وَخَرَجَ إِلَى رِمُّونَ وَٱمْتَدَّ إِلَى نَيْعَةَ».

2ملوك 14: 25

جَتَّ حَافَرَ ظُنّ أنها مزرعة المشهد الشرقي في سفورية وعلى غاية ميلين منها وهي مولد النبي يونان.

عِتَّ قَاصِينَ لم نعلم سوى أنها تخم من تخوم زبولون.

رِمُّونَ... نَيْعَةَ ظُنّ أن «رمّون» الرمانة على غاية ستة أميال من شمالي الناصرة. «ونيعة» هي عين على ما ظنّ بعضهم وهي في الشمال الغربي من الناصرة وعلى غاية ثلاثة أميال منها.

14 «وَدَارَ بِهَا ٱلتُّخُمُ شِمَالاً إِلَى حَنَّاتُونَ، وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ وَادِي يَفْتَحْئِيلَ».

حَنَّاتُونَ وهي كفر حنّان أو كفر حنانيا.

يَفْتَحْئِيلَ ظنه بعضهم وادياً وآخر أنه حصن يوتابانا الذي دافع فيه يوسيفوس ثم أُسر فيه وإنه عند «جفات» وهي قرية جبلية على غاية 15 ميلاً من غربي بحر الجليل أي بحر طبرية.

15، 16 «15 وَقَطَّةَ وَنَهْلاَلَ وَشِمْرُونَ وَيَدَالَةَ وَبَيْتِ لَحْمٍ. ٱثْنَتَا عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 16 هٰذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي زَبُولُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. هٰذِهِ ٱلْمُدُنُ مَعَ ضِيَاعِهَا».

قضاة 12: 8

قَطَّةَ وَنَهْلاَلَ وَشِمْرُونَ الأولى مجهولة الموقع. والثانية ظُن أنها «محلول» أو «عين ماحل» في الشمال الشرقي من الناصرة وعلى غاية أربعة أميال منها. والثالثة «السميرية» (أنظر تفسير ص 11: 1).

وَيَدَالَةَ وَبَيْتِ لَحْمٍ الأولى «الدالية» في الكرمل على ما يُظن. والثانية غير بيت لحم التي وُلد فيها المسيح بل قرية أخرى في غربي الناصرة وعلى غاية ستة أميال منها ولا تزال تسمى بيت لحم.

ٱثْنَتَا عَشَرَةَ مَدِينَةً أي المدن المشهورة يومئذ في نصيب زبولون لا الأماكن المذكورة بأسمائها.

امتد نصيب زبولون من بحر طبريا إلى قرب بحر الروم وضمنه أراض مخصبة جداً. ولكن لم يُذكر سبط زبولون كثيراً في الكتاب (قضاة 5: 18 و1أيام 12: 33) لأن الراحة الجسدية تُميل الإنسان إلى الكسل الروحي.

نصيب يساكر ع 17 إلى 23

17 «وَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلرَّابِعَةُ لِيَسَّاكَرَ. لِبَنِي يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

يَسَّاكَرَ. لِبَنِي يَسَّاكَرَ الثانية بيان للأولى بإعادة حرف الجرّ. فالمراد بيساكر الأول نسله أو قبيلته كما نقول في العربية ربيعة وقضاعة وعبس والمراد القبائل أو البنون.

18 «وَكَانَ تُخُمُهُمْ إِلَى يَزْرَعِيلَ وَٱلْكِسْلُوتِ وَشُونَمَ».

ع 12

يَزْرَعِيلَ سهل مثلث في وسط فلسطين سماه يوسيفوس السهل الكبير. يمتد من البحر المتوسط إلى الأردن ومن الكرمل وجبال السامرة إلى جبال الجليل طوله من الغرب إلى الشرق 25 ميلاً وعرضه من الجنوب إلى الشمال 12 ميلاً. يتصل من الغرب بساحل عكاء وقاعدة شكله المثلث ضلعه الغربي. وهو مشهور بخصبه وفيه بعض القرى. وكان ساحة لوقائع كثيرة منها انتصار باراق وجدعون وكسر شاول ويوشيا. وكان في سهل يزرعيل مدينة يزرعيل اختارها أخاب مقراً له وهي الآن مدينة حقيرة تُعرف بزرين.

ٱلْكِسْلُوتِ أي كسلوت (انظر تفسير ع 12).

شُونَمَ وتُعرف اليوم بسولم وهي قرية على جانب جبل الدوحي في جنوبيه الغربي وعلى غاية ثلاثة أميال ونصف ميل من يزرعيل. وهي مدينة أبيشج (1ملوك 1: 3) ومدينة المرأة التي أضافت أليشع (2ملوك 4: 8).

19 «وَحَفَارَايِمَ وَشِيئُونَ وَأَنَاحَرَةَ».

حَفَارَايِمَ يُظن أنها «الفولة» ورأى كوندر أنها «الفريّة» وهي على التحقيق على غاية ميلين من شونم أي سولم (ع 18).

شِيئُونَ رُجّح أنها «شاعين» شمالي جبل الطور وعلى غاية ثلاثة أميال منه.

أَنَاحَرَةَ ظنها بعضهم «الناعورة» شرقي حرمون الصغير المعروف اليوم بجبل الدوحي.

20 «وَرَبِّيتَ وَقِشْيُونَ وَآبَصَ».

ص 21: 8

رَبِّيتَ رأى دريك أنها الرابة وكوندر أنها ربا جنوبي جلبوع.

قِشْيُونَ مجهولة الموقع.

آبَصَ ظنّ كوندر أنها خربة البيضاء شمالي مرج ابن عامر وغيره أنها توباص.

21 «وَرَمَةَ وَعَيْنِ جَنِّيمَ وَعَيْنِ حَدَّةَ وَبَيْتِ فَصَّيْصَ».

رَمَةَ ظنها بعضهم الرامة على الشمال الغربي من السامرة وعلى غاية خمسة أميال منها.

عَيْنِ جَنِّيمَ أي عين الجنّات أو الجنان أي البساتين. رُجّح أنها بيت البستان (2ملوك 9: 27) وإنها جنين المعروفة في مرج ابن عامر.

عَيْنِ حَدَّةَ ظنها بعضهم عين حرمود. ورأى ستنلي أنها عين جالود على غاية ميلين من يزرعيل من جنبيه الشرقي. وذهب كوندر أنها عين جمعين وهي عين غزيرة الماء غربي بيسان وعلى غاية ثلاثة أميال منها.

بَيْتِ فَصَّيْصَ غربي بحر طبرية وتسمى اليوم بيت جنّو.

22، 23 «22 وَوَصَلَ ٱلتُّخُمُ إِلَى تَابُورَ وَشَحْصِيمَةَ وَبَيْتِ شَمْسٍ وَكَانَتْ مَخَارِجُ تُخُمِهِمْ عِنْدَ ٱلأُرْدُنِّ. سِتَّ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 23 هٰذَا هُوَ نَصِيبُ بَنِي يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ. ٱلْمُدُنُ مَعَ ضِيَاعِهَا».

قضاة 1: 33

تَابُورَ هو جبل الطور.

شَحْصِيمَةَ قيل هي تل القاسم في وادي الأردن.

بَيْتِ شَمْسٍ لعلها ما ظنها كوندر عين الشمسية بين نفتالي ويساكر وهي غير بيت شمس في يهوذا المذكورة في (ص 15: 10).

وأرض يساكر كأرض زبولون مخصبة جداً ولكنها عرضة لغزوات الكنعانيين (قضاة 4: 3 و7) والمديانيين (قضاة 6: 3 و4) والفلسطينين 1صموئيل 29: 1). (انظر نبوءة يعقوب تكوين 49: 15) «فَرَأَى ٱلْمَحَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَٱلأَرْضَ أَنَّهَا نَزِهَةٌ، فَأَحْنَى كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْداً».

نصيب بني أشير ع 24 إلى 30

24 «وَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلْخَامِسَةُ لِسِبْطِ بَنِي أَشِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ».

سِبْطِ بَنِي أَشِيرَ الإضافة بيانيّة أي السبط الذي هو بنو أشير.

25 «وَكَانَ تُخُمُهُمْ حَلْقَةَ وَحَلِي وَبَاطَنَ وَأَكْشَافَ».

ص 12: 20

تُخُمُهُمْ كان تخم أشير غرباً البحر المتوسط وشرقاً أرض نفتالي لكن أكثر المدن المذكورة في تحديد نصيب أشير كان من مدن أشير والتخم الشمالي صيداء وجوارها والجنوبي جبل الكرمل.

حَلْقَةَ وَحَلِي وَبَاطَنَ وَأَكْشَافَ يُظن أن الأولى «يرقة» على غاية سبعة أميال من عكاء وفي شماليها الشرقي. والثانية تسمى اليوم «عليا». والثالثة شرقي عكاء. والرابعة وُصفت في تفسير (ص 11: 1).

26 «وَأَلَّمَّلَكَ وَعَمْعَادَ وَمِشْآلَ وَوَصَلَ إِلَى كَرْمَلَ غَرْباً وَإِلَى شِيحُورِ لِبْنَةَ».

ص 21: 30

أَلَّمَّلَكَ مدينة قرب جبل الكرمل في وادٍ يُعرف اليوم بوادي ملّك.

عَمْعَادَ المظنون أنها شفاعمر وذهب دريك إلى أنها «العمود».

مِشْآلَ مجهولة الموقع.

كَرْمَلَ هو جبل الكرمل المشهور.

شِيحُورِ لِبْنَةَ المرجّح أنه نهر الزرقاء.

27 «وَرَجَعَ نَحْوَ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ إِلَى بَيْتِ دَاجُونَ، وَوَصَلَ إِلَى زَبُولُونَ وَإِلَى وَادِي يَفْتَحْئِيلَ شِمَالِيَّ بَيْتِ ٱلْعَامِقِ وَنَعِيئِيلَ وَخَرَجَ إِلَى كَابُولَ عَنِ ٱلْيَسَارِ».

ع 14

بَيْتِ دَاجُونَ ظُنّ أنها القرية المعروفة اليوم بديجون ورأى كوندر أنها تلّ دعوك.

يَفْتَحْئِيلَ (انظر تفسير ع 14) وهي غير بيت داجون المذكورة في (ص 15: 41) التي ليهوذا.

بَيْتِ ٱلْعَامِقِ ظُنّ أنها «عمقة» في الشمال الشرقي من عكاء وعلى غاية 8 أميال منها.

نَعِيئِيلَ ظُنّ أنها «ميعار» وهي قرية بين يفتحئيل وكابول. ورأى كوندر أنها «يعانين» على غاية 16 ميلاً من شرقي قيصرية.

كَابُولَ ولا تزال تسمى كابول وهي على الجنوب الشرقي من عكاء وعلى غاية 10 أميال منها.

عَنِ ٱلْيَسَارِ أي إلى جهة الشمال.

28 «وَعَبْرُونَ وَرَحُوبَ وَحَمُّونَ وَقَانَةَ إِلَى صَيْدُونَ ٱلْعَظِيمَةِ».

ص 11: 8 وقضاة 1: 31

عَبْرُونَ وهي عبدون (ص 21: 30) ظُنّ أنها عبدة وهي طلل في الشمال الشرقي من عكاء وعلى غاية 10 أميال منها.

رَحُوبَ وَحَمُّونَ وَقَانَةَ الأولى قرية قرب صيداء على الأرجح. والثانية عين حامول جنوبي صور وعلى غاية عشرة أميال منها. والثالثة قانا وهي في الجنوب الشرقي من صور وعلى غاية ستة أميال منها.

صَيْدُونَ صيداء.

29 «وَرَجَعَ ٱلتُّخُمُ إِلَى ٱلرَّامَةِ وَإِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُحَصَّنَةِ صُورٍ، ثُمَّ رَجَعَ ٱلتُّخُمُ إِلَى حُوصَةَ وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ فِي كُورَةِ أَكْزِيبَ».

حُوصَةَ الأرجح أنها العزيّة.

أَكْزِيبَ (انظر تفسير تكوين 38: 5) تُعرف الآن بالزيب موقعها عند شاطئ البحر على بُعد 10 أو 11 ميلاً إلى شمالي عكاء.

30، 31 «30 وَعُمَّةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ. ٱثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 31 هٰذَا هُوَ نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي أَشِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. هٰذِهِ ٱلْمُدُنُ مَعَ ضِيَاعِهَا».

عُمَّةَ وَأَفِيقَ وَرَحُوبَ الأولى رأى طمسن أنها علماء شمالي أكزيب على غاية خمسة أميال من الشاطئ. والثانية وُصفت في تفسير (ص 12: 18). والثالثة غير رحوب المذكورة في (ع 28).

وفي أرض أشير المخصبة زيتون (تثنية 33: 24 «ويغمس في الزيت رجله») وقمح (تكوين 49: 20 «خبزه سمين وهو يعطي لذّات الملوك») وحديد في جنوبي لبنان ونحاس في فينيقية (تثنية 33: 25 «حديد ونحاس مزاليجك»). ولم يشتهر أحد من سبط أشير إلا حنة (لوقا 2: 36) ودبورة (قضاة 5: 17). وأشير أقام على ساحل البحر إشارة إلى الجبانة والكسل فإنهم لم يأتوا إلى الحرب.

نصيب نفتالي ع 32 إلى 39

كان الأردن التخم الشرقي لكل من يهوذا ونفتالي (ع 34 وص 15: 5) فكانوا مشركين في ذلك التخم وبينهم عدة أسباط. وكان السبطان يختلطان بواسطة الأردن وهذا بيان لنبوءة موسى المتعلقة بنفتالي وهي قوله «يَا نَفْتَالِي ٱشْبَعْ رِضىً، وَٱمْتَلِئْ بَرَكَةً مِنَ ٱلرَّبِّ، وَٱمْلِكِ ٱلْغَرْبَ وَٱلْجَنُوبَ» (تثنية 33: 23) فالمعنى أن نفتالي يتقدم في التجارة وينتشر في الجنوب بواسطة الأردن أي بالسفر فيه على القواري. وكان تخمهم الأردني شرقاً يشتمل على مياه ميروم وبحر الجليل. وكان جنوبيهم سبط يساكر وغربيهم سبط زبولون وسبط أشير وشماليهم عدة مدن سيأتي ذكر بعضها.

32، 33 «32 لِبَنِي نَفْتَالِي خَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلسَّادِسَةُ. لِبَنِي نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. 33 وَكَانَ تُخُمُهُمْ مِنْ حَالَفَ مِنَ ٱلْبَلُّوطَةِ عِنْدَ صَعَنَنِّيمَ وَأَدَامِي ٱلنَّاقِبِ وَيَبْنِئِيلَ إِلَى لَقُّومَ. وَكَانَتْ مَخَارِجُهُ عِنْدَ ٱلأُرْدُنِّ».

قضاة 4: 11

حَالَفَ ظنّ بعضهم أنها بيت ليف وظن آخر أنها الرأس الأبيض جنوبي صور.

ٱلْبَلُّوطَةِ عِنْدَ صَعَنَنِّيمَ أي أجمة البلوط عند المدينة أو القرية المذكورة. قال بعضهم أنها في السهل على غاية ميلين أو ثلاثة أميال غربي بحيرة الحولة عرضها ميل تحيط بها تلال مكتسية بشجر البلوط. وفي منتصف الجهة الغربية من هذا السهل قادش نفتالي أو قادش. قال كوندر أن قادش نفتالي على غاية ثلاثين ميلاً من جبل تابور أي الطور.

أَدَامِي ٱلنَّاقِبِ أي مدينة أدامي المجاورة الناقب «فأدامي» تسمى اليوم خربة أدمة و«الناقب» خربة سيادة جنوبي طبرية وعلى غاية أربعة أميال منها.

يَبْنِئِيلَ... لَقُّومَ تطلق يبنئيل اليوم على يبنة وهي قرية كبيرة جنوبي يافا وعلى أمد 12 ميلاً منها وشرقي البحر على غاية ثلاثة أميال منه وهي ليست المرادة هنا وعلى ما سماها التلمود «كفرياما» وظن كوندر أنها «يمة» في الجنوب الغربي من بحيرة طبرية وعلى بعد أربعة أميال منها وهي المقصودة هنا. ولقوم بين يبنئيل والأردن.

34 «وَرَجَعَ ٱلتُّخُمُ غَرْباً إِلَى أَزْنُوتِ تَابُورَ، وَخَرَجَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى حُقُّوقَ وَوَصَلَ إِلَى زَبُولُونَ جَنُوباً، وَوَصَلَ إِلَى أَشِيرَ غَرْباً، وَإِلَى يَهُوذَا ٱلأُرْدُنِّ نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ».

تثنية 33: 23

أَزْنُوتِ تَابُورَ وهو منحدر جبل الطور الشرقي.

حُقُّوقَ مدينة غربي بحر الجليل وعلى غاية سبعة أميال من صفد تُسمى اليوم ياقوق.

إِلَى يَهُوذَا ٱلأُرْدُنِّ مدينة في نفتالي لا في يهوذا وإن تسمّت هكذا ولا يُعلم سبب هذه التسمية وربما هي ليد يهوذا بقرب بانياس. وجد طمسن في وادي الرحبة عند بانياس مزاراً اسمه «سيدي يهوذا» وربما هو موقعها.

نَحْوَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ أي قسم الأردن الشرقي.

35 «وَمُدُنٌ مُحَصَّنَةٌ ٱلصِّدِّيمُ وَصَيْرُ وَحَمَّةُ وَرَقَّةُ وَكِنَّارَةُ»

عدد 34: 1 وتثنية 3: 17 وص 11: 2 و12: 3

مُدُنٌ مُحَصَّنَةٌ لاحظ ذكر هذه المدن وكثرتها فكان من الحكمة إقامة مدن محصنّة بالكثرة على التخم الشمالي كما على التخم الجنوبي (2أيام 11: 5 - 12).

ٱلصِّدِّيمُ وَصَيْرُ وَحَمَّةُ وَرَقَّةُ وَكِنَّارَةُ وهي كفر خطين غربي طبرية وعلى غاية خمسة أميال منها وموضع عند بحر طبرية والحمام أو الينابيع الحارة جنوبي طبرية وعلى أمد ميل منها ومكان لا أثر له. زعم علماء اليهود أنها كانت في موقع طبرية ومدينة على بحر الجليل سُميّت بعد ذلك جنيسارت على غاية ثلاثة أميال من شمال طبرية الغربي. وتسمى كنَّروت أيضاً (انظر ص 11: 2 والتفسير).

36 «وَأَدَامَةُ وَٱلرَّامَةُ وَحَاصُورُ».

أَدَامَةُ وَٱلرَّامَةُ وَحَاصُورُ الأولى دامية غربي بحر الجليل. والثانية هنا مجهولة الموقع والرامات في الكتاب كثيرة. والثالثة حاصور (انظر ص 11: 1 و10 و11 وص 15: 23 و25 والتفاسير).

37 «وَقَادِشُ وَإِذْرَعِي وَعَيْنُ حَاصُورَ».

وَقَادِشُ وَإِذْرَعِي وَعَيْنُ حَاصُورَ الأولى قادس على شمالي صفد وعلى أمد 10 أميال منها تشرف على جنوبي مرج عيون والحولة أُعطيت للاويين وصارت مدينة ملجإ وكانت مسكن باراق وفيها جمعت دبورة سبطي زبولون ونفتالي وأخذها تغلث فلاسر في ملك فقح. والثانية طلل على جنوبي قادس وعلى أمد ميلين منها. والثالثة خربة تسمى حظيرة قرب دبل.

38، 39 «38 وَيِرْأُونُ وَمَجْدَلُ إِيلَ وَحُورِيمُ وَبَيْتُ عَنَاةَ وَبَيْتُ شَمْسٍ تِسْعَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ ضِيَاعِهَا. 39 هٰذَا هُوَ نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ. اَلْمُدُنُ مَعَ ضِيَاعِهَا».

يِرْأُونُ وَمَجْدَلُ إِيلَ وَحُورِيمُ وَبَيْتُ عَنَاةَ وَبَيْتُ شَمْسٍ فالأولى تسمى اليوم يارون على غاية 10 أميال من صفد في الشمال الغربي. والثانية يُظن أنا مجيدل على غاية 12 ميلاً من شمالي قادش الغربي. والثالثة موقعها مجهول. والرابعة ظُنّ أنها حنين قرب دبلاتايم أو عين آتة. والخامسة موقعها مجهول.

نصيب دان ع 40 إلى 48

40، 41 «40 لِسِبْطِ بَنِي دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ خَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ ٱلسَّابِعَةُ. 41 وَكَانَ تُخُمُ نَصِيبِهِمْ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ وَعِيرَشَمْسٍ».

ص 15: 33

صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ وَعِيرَشَمْسٍ الأولى سورة غربي أورشليم وعلى غاية 15 ميلاً منها. والثانية اسمها اليوم أشوع شرقي صرعة وعلى أمد ميلين منها وغربي أورشليم على غاية 12 ميلاً منها. والثالثة عين شمس.

42 «وَشَعَلَبَّيْنِ وَأَيَّلُونَ وَيِتْلَةَ».

شَعَلَبَّيْنِ وَأَيَّلُونَ وَيِتْلَةَ الأولى موقعها مجهول وكانت مسكن أحد جبابرة داود (1ملوك 4: 9). والثانية يالو على غاية 12 ميلاً من القدس. والثالثة موقعها مجهول.

43 «وَإِيلُونَ وَتِمْنَةَ وَعَقْرُونَ».

إِيلُونَ وَتِمْنَةَ وَعَقْرُونَ الأولى مجهولة الموقع. والثانية تمنة على تخم يهوذا الشمالي بين يهوذا ودان. والثالثة تسمى اليوم عاقر وهي قرية حقيرة على تلّ يبعد اثني عشر ميلاً عن يافا.

44 «وَإِلْتَقَيْهَ وَجِبَّثُونَ وَبَعْلَةَ».

إِلْتَقَيْهَ وَجِبَّثُونَ وَبَعْلَةَ مجهولة المواقع.

45 «وَيَهُودَ وَبَنِي بَرَقَ وَجَتَّ رِمُّونَ».

يَهُودَ وَبَنِي بَرَقَ وَجَتَّ رِمُّونَ الأولى قرية اليهودية شرقي يافا وعلى أمد ثمانية أميال منها. والثانية أبرق على غاية 5 أميال من يافا شرقاً. والثالثة مجهولة الموقع.

46 «وَمِيَاهَ ٱلْيَرْقُونَ وَٱلرَّقُّونَ مَعَ ٱلتُّخُومِ ٱلَّتِي مُقَابِلَ يَافَا».

أعمال 9: 36

مِيَاهَ ٱلْيَرْقُونَ وَٱلرَّقُّونَ اليرقون مدينة ومياهها نهر أو جدول في جوارها يظن أنها ما يُعرف اليوم بنهر العوجاء. «والرقون» تسمى اليوم تلّ الركّة شمالي يافا وعلى أمد 5 أميال منها.

47، 48 «47 وَخَرَجَ تُخُمُ بَنِي دَانَ مِنْهُمْ وَصَعِدَ بَنُو دَانَ وَحَارَبُوا لَشَمَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ وَمَلَكُوهَا وَسَكَنُوهَا، وَدَعَوْا لَشَمَ دَانَ كَٱسْمِ دَانَ أَبِيهِمْ. 48 هٰذَا هُوَ نَصِيبُ سِبْطِ بَنِي دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. هٰذِهِ ٱلْمُدُنُ مَعَ ضِيَاعِهَا».

قضاة 18 قضاة 18: 29

خَرَجَ تُخُمُ بَنِي دان منهم أي خسروه إذ قوي عليهم الأموريون وجلوهم عنه فاضطروا إلى الإقامة بغيره. والظاهر أنه ذكر التخم وأراد نصيبهم من الأرض على سنن المجاز الوافر في هذا السفر فتحولوا إلى لشَم.

وَحَارَبُوا لَشَمَ وَأَخَذُوهَا.. وَدَعَوْا لَشَمَ دَانَ الخ كان نصيب الدانيين بين أملاك يهوذا وأفرايم من الجهة الواحدة و بين تخم بنيامين وشاطئ البحر من الجهة الأخرى ولم يكن لهم راحة ولا سلام في أرضهم (قابل بما قيل هنا ما في قضاة 1: 34 و35 و18: 1). كان دان أكبر الأسباط عدداً ما عدا يهوذا (عدد 26: 43) فاحتاجوا إلى مكان يستعمرونه فأرسلوا خمسة رجال منهم من ذوي البأس روّاداً فوجدوا المطلوب في التخم الشمالي واسم هذا المكان متعدد لايش ولشم ودان كما سموه وقد ذُكر استيلاؤهم عليه بالإيجاز في القضاة. وموقع لشم في شمالي أرض الإسرائيليين في نصيب نفتالي في سفح حرمون أي جبل الشيخ عند تل القاضي حيث أحد مخارج الأردن.

49 «وَلَمَّا ٱنْتَهَوْا مِنْ قِسْمَةِ ٱلأَرْضِ حَسَبَ تُخُومِهَا أَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ يَشُوعَ بْنَ نُونَ نَصِيباً فِي وَسَطِهِمْ».

أَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ يَشُوعَ لا ريب في أن بني إسرائيل عرفوا إحسان يشوع إليهم وأعطوه الذي أعطوه مسرورين. ولكن الفضل لله لا لهم لأنه أوصى بذلك ليشوع (ع 50). على أن يشوع كان يجب أن يستولي على كل كنعان إلا أنه آثر شعب الله على نفسه ولم يأخذ إلا ذلك القسم الصغير بعد أن انتهى من قسمة الأرض على الشعب.

50، 51 «50 حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ أَعْطَوْهُ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي طَلَبَ: تِمْنَةَ سَارَحَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَبَنَى ٱلْمَدِينَةَ وَسَكَنَ بِهَا. 51 هٰذِهِ هِيَ ٱلأَنْصِبَةُ ٱلَّتِي قَسَمَهَا أَلِعَازَارُ ٱلْكَاهِنُ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَرُؤَسَاءُ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِٱلْقُرْعَةِ فِي شِيلُوهَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلاجْتِمَاعِ، وَٱنْتَهَوْا مِنْ قِسْمَةِ ٱلأَرْضِ».

ص 24: 30 قضاة 2: 9 عدد 34: 17 وص 14: 1 ص 18: 1 و10

حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ أشار إلى هذا القول كالب بقوله ليشوع «أَنْتَ تَعْلَمُ ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى رَجُلَ ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِي وَمِنْ جِهَتِكَ فِي قَادِشِ بَرْنِيعَ» (ص 14: 6).

تِمْنَةَ سَارَحَ وسُميت أيضاً «تمنة حارس» بتغيير ترتيب الأحرف (قضاة 2: 9). وللعلماء في هذه المدينة رأيان الأول أنها «تبنة» على الطريق الرومانية بين أورشليم وانتيباتريس على غاية 14 ميلاً ونصف ميل من أورشليم قال جيروم وهذا الموضع على التخم بين دان ويهوذا والثاني أنها المعروفة اليوم «بكفر حارس» جنوبي نابلس وعلى غاية 9 أميال منها. ويقول اليهود أن يشوع وكالب مدفونان فيها. وقد أجمع اليهود والسامريون على أن يشوع مدفون هناك.

شِيلُوهَ (انظر تفسير ص 18: 1).

فوائد

  1. إنه يجب أن تكون الاحكام والأعمال على وفق شريعة الله. فإن يشوع ومن معه جروا بالقسمة على حسب أمر الله لموسى.

  2. إنه يجب أن يكون أولو الأمر ممن لا يُشك في صحة أحكامهم وأعمالهم. فإن الذين قسموا الأرض على الأسباط العازار الكاهن ويشوع ورؤساء الأسباط. وكانت القسمة أمام الرب فلم يبق وجهٌ لتشكي أحد من المقسوم عليهم (ع 51).

  3. إنه لا فرق بين أفراد الشعب في الحقوق الدينية والمدنية. فالقانون المساواة في الحقوق.

  4. إنه يجب اعتزال إيثار النفس في النفع المشترك. وهذا بيّن من أمرين الأول سلوك يهوذا والثاني سلوك يشوع. فإن يهوذا لما رأى نصيبه كبيراً أعطى شمعون قسماً منه (ع 9). ويشوع لم يستول على شيء من الأرض حتى أتم القسمة لبني إسرائيل (ع 49). وهذا هو سنن الحق المخالف لقوانين أهل العالم على ما تثبت المشاهدة فإن كل أمة تسعى في توسيع أملاكها بإضافة ملك غيرها إلى ملكها. وقانون الغنيمة أن الغالب الأعظم له الغنيمة العظمى أولاً.

  5. إن لنا من هذا رمزاً وذكرى نافعة جداً وهي ذكرى ما أتاه يسوع من إنكار النفس الذي لم يأته أحد قبل تأنسه ولا بعده أنه وهو الغني افتقر لكي يغنينا. وإنه وهو البار صار خطيئة لكي نصير نحن بر الله فيه. وإنه وهو الحي إلى أبد الآبدين مات باعتبار أنه إنسان ليحيينا. فمن لم يكتف أن يقتدي بيهوذا ويشوع فليقتد بالرب يسوع وهو خير من يقتدي به المقتدون.

  6. كان يشوع متقدماً في الأيام فلم يهتم باتساع أملاكه بل بتركه الذكر الطيّب. والطمع خطيئة قبيحة ولا سيما طمع الشيوخ المشرفين على ترك هذا العالم.

  7. قبل الراحة العمل وقبل السلام الحروب فلا لذّة في راحة بلا عمل ولا سلام حقيقي ما دام أعداء الحق قائمين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

نصيب لاوي

(1) ست مدن الملجإ (ص 20 وعدد 35: 6).

(2) اثنتان وأربعون مدينة أخرى (ص 21 وعدد 35: 6).

مدن الملجإ ع 1 إلى 9

1 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ».

قَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ كان الرب يخاطب يشوع وكان معه في قيادته لشعبه (تثنية 31: 23).

2 «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ٱجْعَلُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنَ ٱلْمَلْجَإِ كَمَا كَلَّمْتُكُمْ عَلَى يَدِ مُوسَى».

خروج 21: 13 وعدد 35: 6 و11 و14 وتثنية 19: 2 و9

ٱجْعَلُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنَ ٱلْمَلْجَإِ كانت هذه المدن ستاً (عدد 35: 9) وقد ذُكرت الشريعة المتعلقة بها في (عدد ص 35 وتثنية ص 19 انظر التفسير المتعلق بها في ذينك الأصحاحين).

إن يشوع كان يقصد تعيين تلك المدن وقد عزم عليه لكن الله نبهه على أن ذلك الوقت هو المناسب لتعيينها.

عَلَى يَدِ مُوسَى أي بواسطة موسى. وعبّر عن موسى «باليد» لأنها آلة العمل.

3 «لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا ٱلْقَاتِلُ ضَارِبُ نَفْسٍ سَهْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَتَكُونَ لَكُمْ مَلْجَأً مِنْ وَلِيِّ ٱلدَّم».

ضَارِبُ نَفْسٍ سَهْواً كانت مدن الملجأ رحمة للقاتل سهواً وأما القاتل عمداً فليس له رحمة. وبهذه الشريعة ظهرت قيمة الإنسان فإن القاتل عمداً يُقتل والقاتل سهواً يُعاقب لسهوه.

وَلِيِّ ٱلدَّمِ ولي الدم حسب شريعة قديمة غير مكتوبة فبهذا الأمر أخذ الرب الموجود والمقبول عند الناس وأصلحه إصلاحاً وقتياً (انظر متّى 19: 7 و8).

قيل إن في إرلندا اختلف اثنان من جهة حصان فقال أحدهما إنه ابن ثلاث سنين وقال الآخر إنه ابن أربع فقتل أحدهما الآخر. ثم قام أهل المقتول وقتلوا القاتل وهكذا داموا يقتلون بعضهم بعضاً على مدة مئة سنة فصارت حرب أهلية وتسمى الحزب الواحد حزب الثلاث والآخر حزب الأربع تذكاراً للشر الأصلي الزهيد. وشريعة موسى لطّفت وخففت شريعة الولّي المعروف عند أهل عصره. والمسيح ألغاها (متّى 5: 28 - 48) إذ علّم وجوب المحبة للأعداء. والانتقام للرب ليس للناس. قتل القاتل للحكام بعد الفحص والحكم الشرعي. وليس وليّ الدم اليوم.

4، 5 «4 فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمُدُنِ، وَيَقِفُ فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ وَيَتَكَلَّمُ بِدَعْوَاهُ فِي آذَانِ شُيُوخِ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، فَيَضُمُّونَهُ إِلَيْهِمْ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَيُعْطُونَهُ مَكَاناً فَيَسْكُنُ مَعَهُمْ. 5 وَإِذَا تَبِعَهُ وَلِيُّ ٱلدَّمِ فَلاَ يُسَلِّمُوا ٱلْقَاتِلَ بِيَدِهِ لأَنَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ضَرَبَ قَرِيبَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْغِضٍ لَهُ مِنْ قَبْلُ».

راعوث 4: 1 و2 عدد 35: 12

فَيَهْرُبُ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمُدُنِ كانت المدن متفرقة فمنها ثلاث شرقي الأردن واحدة في الشمال وواحدة في الوسط وواحدة في الجنوب. ومنها ثلاث غربي الأردن بنفس الترتيب فلا تلزم القاتل أكثر من سفر ثلاثين ميلاً حتى يصل إلى إحدى تلك المدن. وكانت الطُرق التي تؤدي إلى تلك المدن مهيئة وعلى كل نهر معبر وعند كل مفرق علامة تدل على الطريق إلى مدينة الملجإ.

فِي آذَانِ شُيُوخِ الخ كانت هذه المدن للاويين وكانوا أكثر الناس استعداداً واقتداراً على الحكم في مثل هذه المسائل. وأما حكمهم فكان إلى حين فقط وأما الحكم النهائي فيكون من الجماعة أي جماعة شيوخ مدينة القاتل أو المدينة التي فيها أو بقربها جرى القتل.

فَيَضُمُّونَهُ إِلَيْهِمْ إذا وجدوا بعد الفحص إنه قاتل سهواً وإلا يسلمونه لوليّ الدم ليُقتل فلا يأخذون فدية أي دراهم على سبيل مكافأة.

فَيَسْكُنُ مَعَهُمْ يكون كأحد سكان المدينة من جهة المسكن والعمل والحرية إلا أنه لا يقدر أن يخرج من حدود المدينة.

6 «وَيَسْكُنُ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ حَتَّى يَقِفُ أَمَامَ ٱلْجَمَاعَةِ لِلْقَضَاءِ، إِلَى أَنْ يَمُوتَ ٱلْكَاهِنُ ٱلْعَظِيمُ ٱلَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. حِينَئِذٍ يَرْجِعُ ٱلْقَاتِلُ وَيَأْتِي إِلَى مَدِينَتِهِ وَبَيْتِهِ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي هَرَبَ مِنْهَا».

عدد 35: 12 و25

إِلَى أَنْ يَمُوتَ ٱلْكَاهِنُ ٱلْعَظِيمُ (انظر لاويين 25: 10) حيث قيل «أنه في سنة اليوبيل يرجعون كل إلى ملكه» فكان لكل دَين ولكل رهن نهاية. وهنا الرب جعل نهاية لمدة سكنى القاتل في مدينة الملجإ ومدة تعرّضه للخطر من وليّ الدم. وموت رئيس الكهنة موافق ليكون الحادثة التي جعلت هذه النهاية لأن به انتهى دور سياسي وديني وابتدأ دور جديد وهي حادثة معروفة معتبرة عند جميع الناس.

7 - 9 «7 فَقَدَّسُوا قَادِشَ فِي ٱلْجَلِيلِ فِي جَبَلِ نَفْتَالِي، وَشَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَرْيَةَ أَرْبَعَ (هِيَ حَبْرُونُ) فِي جَبَلِ يَهُوذَا. 8 وَفِي عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ جَعَلُوا بَاصَرَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي ٱلسَّهْلِ مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ مِنْ سِبْطِ جَادَ، وَجُولاَنَ فِي بَاشَانَ مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى. 9 هٰذِهِ هِيَ مُدُنُ ٱلْمَلْجَإِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ ٱلنَّازِلِ فِي وَسَطِهِمْ لِيَهْرُبَ إِلَيْهَا كُلُّ ضَارِبِ نَفْسٍ سَهْواً، فَلاَ يَمُوتَ بِيَدِ وَلِيِّ ٱلدَّمِ حَتَّى يَقِفَ أَمَامَ ٱلْجَمَاعَةِ».

ص 21: 32 و1أيام 6: 76 ص 21: 21 و2أيام 10: 1 ص 14: 15 و21: 11 و13 لوقا 1: 39 تثنية 4: 43 وص 21: 36 و1أيام 6: 78 ص 21: 38 و1ملوك 22: 3 ص 27: 31 عدد 35: 15 ع 6

فَقَدَّسُوا كان تعيين هذه المدن أمر مقدس لأن به حُفظت الأرض والشعب من التدنيس من سفك الدماء.

ٱلْجَلِيلِ في زمان يشوع أُطلق هذا الاسم على الدائرة التي مركزها قادش وفيها المدن المذكورة في (1ملوك 9: 11) فكانت أقل من المعروفة في زمان المسيح.

لِلْغَرِيبِ الغرباء هم:

  1. اللفيف الذي صعد مع الإسرائيليين لما خرجوا من مصر (خروج 12: 38).

  2. الباقون من الكنعانيين.

  3. الأسرى.

  4. المطرودون والعبيد والتجار الأجانب وقيل في (2أيام 2: 17) إن عددهم في زمان سليمان كان 153600.

لقد وصفت المدن المذكورة في هذه الآيات في الكلام على أنصبة الأسباط فارجع إلى وصف كل منها في موضعه (راجع ص 12 و 13 و15 و18 والتفسير وتفسير ص 21: 1 - 42).

فوائد

  1. إن حياة الإنسان ثمينة.

  2. إن الإنتقام يجب أن يكون بمقتضى الشريعة.

  3. إن الخطاء سهواً يُعاقب عليه ولكن لا يُعاقب عليه كالإثم المقصود.

  4. إن شريعة موسى لم تفرض فدية القتل كالبهائم والنقود مع أن موسى كان يعلم ذلك ولكن لم يستنسبه بل فرض النفس بالنفس وذلك يدل على أن الحياة لا تُفدى بفضة ولا ذهب بل بالدم ولذلك اشترانا المسيح بدمه.

  5. إن العدل يقتضي النقمة. فالله العادل الذي لا يفعل أمراً ينافي كلامه لا بد من أن يعاقب الأثيم والرحمة تطلب مفعولها فلا بد لخلاص الخاطئ من شيء يوفق بين عدل الله ورحمته لم يكن تخليص المؤمن التائب. وهذا أمر عجز عنه أساطين الحكماء ولكن الحكمة الإلهية لا يعجزها شيء فالله أحب العالم ولكي يوفي الحكمة الإلهية لا يعجزها شيء فالله أحب العالم ولكي يوفي عدله حقه ويُظهر وفرة رحمته (بذل ابنه الحبيب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

  6. يجب أن نحترز من تكثير الرموز إن البعض يرون في مدن الملجإ رمز إلى المسيح لأن القاتل إذا هرب إليها يخلص من ولي الدم. والطرق التي تؤدي إليها سهلة الخ. وأما هذا التشبيه فناقص لأن الملجأ كان للقاتل سهواً فقط وأما المسيح فيخلص كل من يلتجئ إليه. وإقامة القاتل في مدينة الملجإ وقتي وأما اتحاد المؤمن بالمسيح فأبدي. والبعض وجدوا رمزاً إلى المسيح في موت رئيس الكهنة لأن المسيح هو رئيس الكهنة وهو مات لأجلنا. ولكن في هذا التشبيه أيضاً نقص لأن القاتل عند موت رئيس الكهنة كان يخرج من مدينة الملجإ ويرجع إلى مكانه الأصلي وأما الخاطئ فبواسطة موت المسيح يخرج من حال الخطيئة والشقاوة ويدخل إلى مكان الملجإ الأبدي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

بقية مدن اللاويين ع 1 إلى 42

انقسمت الأرض على الأسباط الأحد عشر ولم يُعط قسم لسبط لاوي بل مدن متفرقة في أقسام الأسباط الأُخر. تنبأ يعقوب (تكوين 49: 5 - 7) وقال في شمعون ولاوي «أقسمهما في يعقوب وأفرقهما في إسرائيل». وهذا القول الذي كان ظاهره لعنة تحوّل إلى بركة (تثنية 33: 8 - 11) لأن اللاويين أخذوا منصباً مقدساً وتفرقوا في إسرائيل لأجل التعليم والإنذار والشهادة للدين الحق وحفظ العبادة الطاهرة وتوحيد الشعب ليكون له إله واحد وعبادة واحدة. وأُعطيت هذه المصلحة الشريفة للاويين لأنهم ظاهروا موسى وأجروا أوامره لما صنع الشعب العجل في البرية وسجدوا له (خروج 32: 25 - 29). في زمان داود كان اللاويون مُعينين للكهنة وكتبة وقضاة وحراساً ومرنمين. فعيّن لهم مدن الملجإ الست المذكورة و42 مدينة والمجموع 48 مدينة. والظاهر إن هذه المدن تعينت أولاً لسبط لاوي ثم انقمست بين عشائر اللاويين الثلاث واللاويين الكهنة بالقرعة. والظاهر أنه كان للاويين مساكن فيها ومسارح لبهائمهم غير أن أهل تلك المدن لم يكونوا جميعهم لاويين.

نلاحظ أن نسل موسى لم يمتازوا في قسمة الأرض ونيل المناصب بخلاف ما ينتظر لنسل الملوك والعظماء. وهكذا نسل يشوع لأنهما لم يطلبا ما لنفوسهما ولأولادهما بل اعتبرا نفوسهما عبيد الله وخدمة الشعب. ونلاحظ أيضاً أن مدن الكهنة وقع منها في سبط يهوذا ثماني مدن وفي سبط بنيامين أربع مدن وفي سبط شمعون مدينة فان أكثر الكهنة في المملكة الجنوبية لما انقسمت المملكة في زمان رحبعام. فلا شك أن هذا الأمر كان من الرب الذي يعرف الأمور المستقبلة وله الحكم في القرعة (أمثال 16: 33).

1 «ثُمَّ تَقَدَّمَ رُؤَسَاءُ آبَاءِ ٱللاَّوِيِّينَ إِلَى أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَإِلَى يَشُوعَ بْنَ نُونَ وَإِلَى رُؤَسَاءِ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 14: 1 و17: 4

رُؤَسَاءُ آبَاءِ ٱللاَّوِيِّينَ أي أعظم آباء سبط لاوي وأكثرهم امتيازاً وهم نواب ثلاث فرق سبط لاوي وهم القهاتيون والجرشونيون والمراريون. وأتوا ذلك في الوقت الملائم وهو وقت إتمام قسمة الأرض على الأسباط.

إِلَى أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَإِلَى يَشُوعَ بْنَ نُونَ وَإِلَى رُؤَسَاءِ آبَاءِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الظاهر أنهم ذهبوا إلى العازار الكاهن أولاً ثم إلى يشوع ثم إلى الرؤساء وقدموا الكاهن لأنه هو الذي يسأل الله ويسأل عن مشيئته ويشوع لأنه القائد العام وأعظم رؤساء الأسباط لأنهم نوّاب كل الشعب فيكون الطلب موقوفاً على إرادة الله وإنفاذ يشوع الحكم وتصديق النواب فحكومتهم كانت إلهية وشورية معاً.

2 «وَقَالُوا لَهُمْ فِي شِيلُوهَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ: قَدْ أَمَرَ ٱلرَّبُّ عَلَى يَدِ مُوسَى أَنْ نُعْطَى مُدُناً لِلسَّكَنِ مَعَ مَرَاعِيَهَا لِبَهَائِمِنَا».

ص 18: 1 عدد 35: 2

فِي شِيلُوهَ (انظر تفسير ص 18: 1).

قَدْ أَمَرَ ٱلرَّبُّ عَلَى يَدِ مُوسَى أي أمر الرب موسى أن يبلغ الشعب ما أمره به. وعبر عن «يد موسى» لأنه آلة العمل والإشارة في الخطاب.

مَرَاعِيَهَا الأماكن التي تسرح فيها البهائم أي ترعى.

3 «فَأَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱللاَّوِيِّينَ مِنْ نَصِيبِهِمْ، حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ، هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ مَعَ مَرَاعِيَهَا».

فَأَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ الخ بلا توقف ولا أدنى تذمُّر لأنهم وجدوا أن ذلك أمر الله وإنه على وفق الحق والطبع. وهل يُترك خدم الرب بلا مساكن ولا وسائل للحياة فأعطى كل فريق شيئاً من ذلك. وكانت تلك المدن في كل الأسباط ليكون في كل سبط خَدَم لله وليشترك الجميع في العطاء.

هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ الإشارة إلى المدن الآتية.

4 - 8 «4 فَخَرَجَتِ ٱلْقُرْعَةُ لِعَشَائِرِ ٱلْقَهَاتِيِّينَ. فَكَانَ لِبَنِي هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ مِنَ ٱللاَّوِيِّينَ بِٱلْقُرْعَةِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا وَمِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ وَمِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ. 5 وَلِبَنِي قَهَاتَ ٱلْبَاقِينَ عَشَرُ مُدُنٍ بِٱلْقُرْعَةِ مِنْ عَشَائِرِ سِبْطِ أَفْرَايِمَ وَمِنْ سِبْطِ دَانَ وَمِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى. 6 وَلِبَنِي جَرْشُونَ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً بِٱلْقُرْعَةِ مِنْ عَشَائِرِ سِبْطِ يَسَّاكَرَ وَمِنْ سِبْطِ أَشِيرَ وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي وَمِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى فِي بَاشَانَ. 7 وَلِبَنِي مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ ٱثْنَتَا عَشَرَةَ مَدِينَةً مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ وَمِنْ سِبْطِ جَادَ وَمِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ. 8 فَأَعْطَى بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱللاَّوِيِّينَ هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ وَمَرَاعِيَهَا بِٱلْقُرْعَةِ، كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ عَلَى يَدِ مُوسَى».

ع 8 و19 ص 24: 33 ع 20 الخ ع 27 الخ ع 34 الخ ع 3 عدد 35: 2

رُتب المقسوم عليهم على ما يأتي: (1) الكهنة (2) القهاتيون (3) الجرشونيون (4) المراريون. وقد جاء ترتيبهم هنا موافقاً لترتيبهم في سفر الخروج فإنه كان يحيط بالخيمة في محلة الإسرائيليين ساحتان أو مربعان أحدهما ضمن الآخر ففي المربع الداخل الكهنة واللاويون فكان الكهنة وموسى وهارون على الضلع الشرقي والقهاتيون على الضلع الجنوبي والجرشونيون على الضلع الغربي والمراريون على الضلع الشمالي. وكانوا عند السير يتقدم الكهنة منهم كأنهم قواد الجيش ويليهم القهاتيون حاملين الآنية المقدسة ويليهم الجرشونيون يحملون السجوف وغيرها من منسوجات الخيمة ويليهم المراريون يحملون العصي والألواح.

لِبَنِي هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ (ع 4) أي الكهنة كما تدل القرينة وكان نصيبهم المدن المختارة من أنصبة يهوذا وشمعون وبنيامين والباقون من القهاتيين الذين ليسوا سوى لاويين أي ليسوا بكهنة كان نصيبهم (ع 5) من أنصبة أفرايم ودان ونصف سبط منسى.

ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً هذا كان كثيراً على الكهنة يومئذ لكن نظر فيه إلى كثرتهم في المستقبل وكان لهم أن يبيعوها إذا اقتضت الحاجة لكن كان يُرد إليه ما باعوه منها في سنة اليوبيل (انظر تفسير لاويين 25: 32 و33).

عَشَرُ مُدُنٍ (ع 5) لأن أنصبة هذه الأسباط كانت صغيرة بالنسبة إلى غيرهم (عدد 35: 8). وبيان أحوال هذه المدن بالتفصيل في (عدد 35: 1 - 8 فارجع إليه وإلى التفسير).

عَلَى يَدِ مُوسَى (ع 8) (انظر تفسير ع 2).

9 - 11 «9 وَأَعْطُوا مِنْ سِبْطِ بَنِي يَهُوذَا وَمِنْ سِبْطِ بَنِي شَمْعُونَ هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ ٱلْمُسَمَّاةَ بِأَسْمَائِهَا، 10 فَكَانَتْ لِبَنِي هَارُونَ مِنْ عَشَائِرِ ٱلْقَهَاتِيِّينَ مِنْ بَنِي لاَوِي، لأَنَّ ٱلْقُرْعَةَ ٱلأُولَى كَانَتْ لَهُمْ. 11 وَأَعْطُوهُمْ قَرْيَةَ أَرْبَعَ (أَبِي عَنَاقٍ) هِيَ حَبْرُونَ. فِي جَبَلِ يَهُوذَا مَعَ مَسْرَحِهَا حَوَالَيْهَا. 12 وَأَمَّا حَقْلُ ٱلْمَدِينَةِ وَضِيَاعُهَا فَأَعْطَوْهَا لِكَالِبَ بْنِ يَفُنَّةَ مُلْكاً لَهُ».

ع 4 تكوين 23: 2 و1أيام 6: 55 ص 15: 13 و14 ص 20: 7 ولوقا 1: 39 ص 14: 4 و1أيام 6: 56

هٰذِهِ ٱلْمُدُنَ الآتية.

ٱلْقُرْعَةَ ٱلأُولَ (انظر تفسير ع 4 - 8).

قَرْيَةَ أَرْبَعَ (ع 11) (انظر ص 15: 13 و14 والتفسير وتكوين 23: 2).

وهذه المدينة كانت مما قُسم لكالب وبعد ذلك صارت مدينة ملجإ وبقي كالب مستولياً على حقل المدينة وضياعها. فلا منافاة بين كونها لكالب ومصيرها لبني هارون مدينة ملجإ.

13 - 19 «13 وَأَعْطُوا لِبَنِي هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ (مَدِينَةَ مَلْجَإِ ٱلْقَاتِلِ) حَبْرُونَ مَعَ مَرَاعِيَهَا، وَلِبْنَةَ وَمَرَاعِيَهَا، 14 وَيَتِّيرَ وَمَرَاعِيَهَا، وَأَشْتَمُوعَ وَمَرَاعِيَهَا 15 وَحُولُونَ وَمَرَاعِيَهَا، وَدَبِيرَ وَمَرَاعِيَهَا، 16 وَعَيْنَ وَمَرَاعِيَهَا، وَيُطَّةَ وَمَرَاعِيَهَا، وَبَيْتَ شَمْسٍ وَمَرَاعِيَهَا. تِسْعَ مُدُنٍ مِنْ هٰذَيْنِ ٱلسِّبْطَيْنِ 17 وَمِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ جِبْعُونَ وَمَرَاعِيَهَا وَجِبْعَ وَمَرَاعِيَهَا 18 عَنَاثُوثَ وَمَرَاعِيَهَا وَعَلْمُونَ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعَ مُدُنٍ. 19 جَمِيعُ مُدُنِ بَنِي هَارُونَ ٱلْكَهَنَةِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيَهَا».

1أيام 6: 57 الخ ص 15: 54 و20: 7 ص 15: 42 ص 15: 48 ص 15: 5 ص 15: 51 و1أيام 6: 58 ص 15: 49 ص 15: 32 و1أيام 6: 59 ص 15: 55 ص 15: 10 ص 18: 25 ص 18: 24 و1أيام 6: 60

ذكر حبرون هنا من مدن الكهنة مع أنه ذكرها في ع 11 لأنه ذكرها هناك بالتخصيص وأما هنا فذكرها مع سائر مدن لاوي الثلاث عشر على التوالي:

حَبْرُونَ هي الخليل.

لِبْنَةَ (ص 10: 29 - 31 و12: 15).

يَتِّيرَ عتّير على غاية 11 ميلاً من الجنوب الغربي من الخليل.

أَشْتَمُوعَ سمعوة جنوبي الخليل وعلى غاية سبعة أميال منها.

حُولُونَ مدينة في جبل يهوذا زعم كوندر أنها بيت علَم.

دَبِيرَ قرب حبرون أي الخليل سُميت أولاً قرية سفر (انظر تفسير ص 15: 49).

عَيْنَ وقُرئت عاشان (انظر ص 15: 42 والتفسير) قيل هي المعروفة عين في رمون.

يُطَّةَ أو بوطة وهي يُطّة المعروفة اليوم جنوبي الخليل وعلى غاية خمسة أميال منها.

بَيْتَ شَمْسٍ (انظر تفسير ص 15: 7).

جِبْعُونَ (ص 9: 3 و18: 25).

جِبْعَ هي جبع المعروفة اليوم على تل شمالي مخماس في وادي سوينيت.

عَنَاثُوثَ تُسمى اليوم عناتا في الشمال الشرقي من أورشليم وعلى غاية أربعة أميال منها.

عَلْمُونَ هي علمث وتُسمى اليوم علميث في شمال أورشليم الشرقي وعلى غاية ميل من علميث.

20 - 26 «20 وَأَمَّا عَشَائِرُ بَنِي قَهَاتَ، ٱللاَّوِيِّينَ ٱلْبَاقِينَ مِنْ بَنِي قَهَاتَ، فَكَانَتْ مُدُنُ قُرْعَتِهِمْ مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمَ. 21 وَأَعْطُوهُمْ شَكِيمَ وَمَرَاعِيَهَا فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ (مَدِينَةَ مَلْجَإِ ٱلْقَاتِلِ) وَجَازَرَ وَمَرَاعِيَهَا 22 وَقِبْصَايِمَ وَمَرَاعِيَهَا وَبَيْتَ حُورُونَ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعَ مُدُنٍ. 23 وَمِنْ سِبْطِ دَانَ إِلْتَقَى وَمَرَاعِيَهَا وَجِبَّثُونَ وَمَرَاعِيَهَا 24 وَأَيَّلُونَ وَمَرَاعِيَهَا وَجَتَّ رِمُّونَ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعَ مُدُنٍ. 25 وَمِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى تَعْنَكَ وَمَرَاعِيَهَا وَجَتَّ رِمُّونَ وَمَرَاعِيَهَا. مَدِينَتَيْنِ ٱثْنَتَيْنِ. 26 كُلُّ ٱلْمُدُنِ عَشَرٌ مَعَ مَرَاعِيَهَا لِعَشَائِرِ بَنِي قَهَاتَ ٱلْبَاقِينَ».

ع 5 و1أيام 6: 66 ص 20: 7

شَكِيمَ هي اليوم نابلس شمالي أورشليم مدينة القدس وعلى غاية 34 ميلاً منها.

جَازَرَ تُعرف اليوم بتل الجزر على غاية 4 أميال من نيقوبوليس.

قِبْصَايِمَ يظن أنها بقمعام (1أيام 6: 68).

بَيْتَ حُورُونَ وُصفت في (تفسير ص 10: 10).

إِلْتَقَى وتُسمى النقية في (تفسير ص 19: 44).

جِبَّثُونَ (انظر تفسير ص 19: 44).

أَيَّلُونَ (انظر تفسي ص 19: 43).

جَتَّ رِمُّونَ مجهولة الموقع.

تَعْنَكَ جنوبي الناصرة وعلى غاية 14 ميلاً منها.

جَتَّ رِمُّونَ هذه غير التي في سبط دان.

27 - 33 «27 وَلِبَنِي جَرْشُونَ مِنْ عَشَائِرِ ٱللاَّوِيِّينَ (مَدِينَةُ مَلْجَإِ ٱلْقَاتِلِ) مِنْ نِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى جُولاَنُ فِي بَاشَانَ وَمَرَاعِيَهَا وَبَعَشْتَرَةُ وَمَرَاعِيَهَا مَدِينَتَانِ ٱثْنَتَانِ. 28 وَمِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ قِشْيُونُ وَمَرَاعِيَهَا وَدَبْرَةُ وَمَرَاعِيَهَا 29 وَيَرْمُوتُ وَمَرَاعِيَهَا وَعَيْنُ جَنِّيمَ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعُ مُدُنٍ. 30 وَمِنْ سِبْطِ أَشِيرَ مِشْآلُ وَمَرَاعِيَهَا وَعَبْدُونُ وَمَرَاعِيَهَا 31 وَحَلْقَةُ وَمَرَاعِيَهَا وَرَحُوبُ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعُ مُدُنٍ. 32 وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي (مَدِينَةُ مَلْجَإِ ٱلْقَاتِلِ) قَادِشُ فِي ٱلْجَلِيلِ وَمَرَاعِيَهَا وَحَمُّوتُ دُورٍ وَمَرَاعِيَهَا وَقَرْتَانُ وَمَرَاعِيَهَا. ثَلاَثُ مُدُنٍ. 33 جَمِيعُ مُدُنِ ٱلْجَرْشُونِيِّينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ ثَلاَثَ عَشَرَةَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيَهَا».

ع 6 و1أيام 6: 17 ص 20: 8 ص 20: 7

جُولاَنُ هي اليوم الجولان شرقي الشاطئ الشمالي من بحيرة طبريا وعلى غاية خمسة أميال منها.

بَعَشْتَرَةُ أو بيت عشتاروت وهي تل عشترة شرقي بحر الجليل أو بحيرة طبرية وعلى غاية 18 ميلاً منها.

قِشْيُونُ مجهولة الموقع.

دَبْرَةُ هي اليوم دبوريّة شرقي الناصرة وعلى غاية ثلاثة أميال منها.

يَرْمُوتُ قيل هي الجلمة على غاية 4 أميال من جنين وقيل هي الرامة في الجنوب الغربي من جنين وعلى غاية 18 ميلاً منها.

عَيْنُ جَنِّيمَ وهي جنين بين الناصرة ونابلس.

مِشْآلُ مجهولة الموقع.

عَبْدُونُ هي عبدة شمالي عكاء وعلى غاية عشرة أميال منها.

حَلْقَةُ وتُسمى حقوق قيل هي يركا في الشمال الشرقي من عكا وعلى أمد سبعة أميال منها.

رَحُوبُ مجهولة الموقع والأرجح أنها قرب صيداء.

قَادِشُ قَدَس شمالي صفد وعلى غاية 14 ميلاً منها.

حَمُّوتُ حمّات وهي الينابيع الحارّات و«دور» مساكن وهي على الأرجح حمام طبرية على غاية ميل من طبرية.

قَرْتَانُ مجهولة الموقع.

34 - 42 «34 وَلِعَشَائِرِ بَنِي مَرَارِي ٱللاَّوِيِّينَ ٱلْبَاقِينَ مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ يَقْنَعَامُ وَمَرَاعِيَهَا وَقَرْتَةُ وَمَرَاعِيَهَا 35 وَدِمْنَةُ وَمَرَاعِيَهَا وَنَحْلاَلُ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعُ مُدُنٍ. 36 وَمِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ بَاصَرُ وَمَرَاعِيَهَا وَيَهْصَةُ وَمَرَاعِيَهَا 37 وَقَدِيمُوتُ وَمَرَاعِيَهَا وَمَيْفَعَةُ وَمَرَاعِيَهَا. أَرْبَعُ مُدُنٍ. 38 وَمِنْ سِبْطِ جَادَ (مَدِينَةُ مَلْجَإِ ٱلْقَاتِلِ) رَامُوتُ فِي جِلْعَادَ وَمَرَاعِيَهَا وَمَحَنَايِمُ وَمَرَاعِيَهَا 39 حَشْبُونُ وَمَرَاعِيَهَا وَيَعْزِيرُ وَمَرَاعِيَهَا. كُلُّ ٱلْمُدُنِ أَرْبَعٌ. 40 فَجَمِيعُ ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي لِبَنِي مَرَارِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمِ ٱلْبَاقِينَ مِنْ عَشَائِرِ ٱللاَّوِيِّينَ، وَكَانَتْ قُرْعَتُهُمُ ٱثْنَتَا عَشَرَةَ مَدِينَةً. 41 جَمِيعُ مُدُنِ ٱللاَّوِيِّينَ فِي وَسَطِ مُلْكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيَهَا. 42 كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمُدُنُ مَدِينَةً مَدِينَةً مَعَ مَرَاعِيَهَا حَوَالَيْهَا. هٰكَذَا لِكُلِّ هٰذِهِ ٱلْمُدُنِ».

ع 7 و1أيام 6: 77 ص 20: 8 عدد 35: 7

يَقْنَعَامُ تُسمى اليوم القيمون أو تلّ قيمون في الجنوب الغربي من الناصرة وعلى غاية 12 ميلاً منها.

قَرْتَةُ مجهولة الموقع وقيل هي قطة في نصيب زبولون (انظر ص 19: 15).

دِمْنَةُ يظن أنها رمونو (1أيام 6: 77) وهي تُدعى الآن رمانة في الشمال الشرقي من الناصرة وعلى غاية ست أميال منها.

نَحْلاَلُ خطأٌ في الطبع والصواب نهلال كما في الأصل العبراني ورسمها فيه نهلل والمظنون أنها محلول أو عين ماحل في الشمال الشرقي من الناصرة وعلى غاية أربعة أميال منها.

بَاصَرُ يُظن أنها برازين في الشمال الشرقي من حشبون أي حسبان وعلى غاية 12 ميلاً منها.

يَهْصَةُ وتُسمى ياهص أيضاً (عدد 21: 23 وتثنية 2: 32) وُصفت في تفسير (ص 13: 18).

قَدِيمُوتُ شرقي بحر لوط لم يُعين موقعها.

مَيْفَعَةُ مجهولة الموقع.

رَامُوتُ وتُسمى الرامة أيضاً يُظن أنها السلط أو مكان قريب منها وهي شرقي الأردن وعلى غاية 25 ميلاً منه وجنوبي يبوق أو نهر الزرقاء وعلى غاية 13 ميلاً منه.

مَحَنَايِمُ ظنّ الدكتور مرل أنها قرب السليخات شمالي نهر الزرقاء وعلى غاية ستة أميال منه. وظنّ آخر أنها محنة في الجنوب الشرقي من بحر الجليل أو بحيرة طبرية وعلى غاية 22 ميلاً منه.

حَشْبُونُ اسمها اليوم حسبان شرقي شاطئ بحر لوط الشمالي وعلى أمد 15 ميلاً منه.

يَعْزِيرُ قيل إنها صير شمالي حسبان وعلى غاية 12 ميلاً منها. وقيل إنها بيت زرعا شمالي حسبان وتبعد عنها أربعة أميال.

43 - 45 «43 فَأَعْطَى ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَقْسَمَ أَنْ يُعْطِيَهَا لِآبَائِهِمْ فَٱمْتَلَكُوهَا وَسَكَنُوا بِهَا. 44 فَأَرَاحَهُمُ ٱلرَّبُّ حَوَالَيْهِمْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَقْسَمَ لِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يَقِفْ قُدَّامَهُمْ رَجُلٌ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ، بَلْ دَفَعَ ٱلرَّبُّ جَمِيعَ أَعْدَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ. 45 لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ مِنْ جَمِيعِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ ٱلَّذِي كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلِ ٱلْكُلُّ صَارَ».

تكوين 13: 15 و15: 18 و26: 3 و28: 4 و13 تثنية 12: 9 و10 وص 11: 23 و22: 4 تثنية 7: 24 ص 23: 14

فَأَعْطَى ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ ٱلأَرْضِ إن الله لا يخلف الميعاد. نعم إن الإسرائيليين لم يكونوا حينئذ قد استولوا على كل الأرض ولكن كان لهم أن يستولوا عليها فالتقصير منهم لا من أخلاف الله تعالى بوعده لأنه الصادق الأمين وقد وعدهم بأنه ينصرهم ويساعدهم.

فَٱمْتَلَكُوهَا أي امتلكوا كثيراً منها كان كافياً لهم.

دَفَعَ ٱلرَّبُّ جَمِيعَ أَعْدَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ أي أخضعهم لهم حتى صاروا كأنهم في أيديهم.

ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ أي النافع للإسرائيليين.

فوائد

  1. إن على خدَم الدين المسيحي مثال ما كان على كهنة الشريعة الموسوية ومن ذلك ما يأتي:

    • الأول: أن ينبئوا الشعب بأوامر الله ونواهيه وما لهم وما عليهم.

    • الثاني: أن يصلوا من أجل الرعيّة أفراداً وإجمالاً ويسألوا الله أن يباركها ويغفر لها ويطهرها.

    • الثالث: أن يقدّموا قرابين الشكر عنها ويأمروها بتقديم تلك القرابين.

    • الرابع: أن يحضوها على بذل المال في سبيل الله ونشر كلمته المقدسة التي هي نور العقول وحياة الأرواح.

    • الخامس: أن يكون لأولئك الخدم كل ما يحتاجون إليه من أسباب المعاش كالمساكن والقوت والكسوة.

    • السادس: أن يحكموا للشعب بمؤازرة الشيوخ في كل ما يُعرض عليهم من الأمور المدنية ليصلحوا بينهم ويخلصوهم من مشقات ونفقات كثيرة لا حاجة إليها في المحاكمة الخارجية.

    • السابع: أن يستشيروا الرب في كل ما يفكرون فيه ويقولونه ويفعلونه.

  2. لم تسقط كلمة الخ (ع 45).

    ظن الإسرائيليون أن الرب لا يقدر أن يفي بمواعيده فلا يقدر أن يخلّصهم من عبودية مصر ولا يعبّرهم البحر والنهر ولا يطعمهم ويسقيهم في البرية ولا ينصرهم على الكنعانيين وهذه الأعمال كلها مستحيل فعلها على القوة البشرية.

    ولكن كل مؤمن حقيقي يعرف أن الرب لا يقدر أن يحنث بوعده فلا بد من وفاء كل وعد وإقامة كل كلمة وذلك:

  1. لأن الله لا يتغير.

  2. إنه قادر كل شيء فلا يحدث شيء لم يعرفه سابقاً.

  3. إنه يعرف كل شيء فلا يحدث شيء وعنده كل شيء مستطاع.

  4. إنه يحب شعبه محبة فائقة أبدية فلا يمكن أنه ينساهم أو يتركهم.

وكما كان أميناً في كل القرون الماضية هكذا يكون في القرون القادمة وإلى الأبد. فلنتكل عليه اليوم مهما كان من التجارب حولنا والصعوبات أمامنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

صرف السبطين ونصف السبط إلى أرضهم شرقي الأردن

1 «حِينَئِذٍ دَعَا يَشُوعُ ٱلرَّأُوبَيْنِيِّينَ وَٱلْجَادِيِّينَ وَنِصْفَ سِبْطِ مَنَسَّى».

حِينَئِذٍ أي حين تمت قسمة الأرض غربي الأردن وتعيين مدن اللاويين الثماني والأربعين.

2، 3 «2 وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ كُلَّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ، وَسَمِعْتُمْ صَوْتِي فِي كُلِّ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، 3 وَلَمْ تَتْرُكُوا إِخْوَتَكُمْ هٰذِهِ ٱلأَيَّامَ، ٱلْكَثِيرَةَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، وَحَفِظْتُمْ مَا يُحْفَظُ وَصِيَّةُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ».

عدد 32: 20 وتثنية 3: 18 ص 1: 16 و17

هاتين الآيتين بيان إتمام ما قيل في (ص 1: 12 - 15) وقيام الرأوبينيين والجاديين ونصف سبط منسى بوعدهم في (ص 1: 16 - 18 وعدد 32: 25 - 27).

حَفِظْتُمْ كُلَّ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ وهو قوله «إِنْ فَعَلْتُمْ هٰذَا ٱلأَمْرَ، إِنْ تَجَرَّدْتُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحَرْبِ وَعَبَرَ ٱلأُرْدُنَّ كُلُّ مُتَجَرِّدٍ مِنْكُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ حَتَّى طَرَدَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَمَامِهِ، وَأُخْضِعَتِ ٱلأَرْضُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ رَجَعْتُمْ، فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ مِنْ نَحْوِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ نَحْوِ إِسْرَائِيلَ، وَتَكُونُ هٰذِهِ ٱلأَرْضُ مُلْكاً لَكُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ» (عدد 32: 20 - 22). وقوله «مُتَجَرِّدِينَ تَعْبُرُونَ أَمَامَ إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كُلُّ ذَوِي بَأْسٍ... حَتَّى يُرِيحَ ٱلرَّبُّ إِخْوَتَكُمْ مِثْلَكُمْ» (تثنية 3: 18 - 20).

سَمِعْتُمْ صَوْتِي الخ أي أطعتم كل أوامري حسب وعدكم (ص 1: 16 و17).

لَمْ تَتْرُكُوا إِخْوَتَكُمْ هٰذِهِ ٱلأَيَّامَ، ٱلْكَثِيرَةَ (ع 3) وذلك نحو سبع سنين قضاها الإسرائيليون بإخضاع الكنعانيين والاستيلاء على الأرض. ولكن من المحتمل أنهم كانوا أحياناً يزورون عيالهم شرقي الأردن وقتاً قصيراً لهدنة أو لمانع من موانع الحرب. وكان رجال السبطين ونصف السبط نحو 40000 مستعدين لكل ما يُدعون إليه. ولا ريب في أنهم كانوا يبذلون الجهد في الجهاد والاستيلاء ليرجعوا إلى بيوتهم ويشاهدوا الأهل والأولاد ويعتنوا بأرضهم. ومع طول المدة كانوا صابرين على الفراق يجاهدون بأمانة إطاعة لله وقياماً بوفاء العهد فرجعوا إلى أوطانهم يباركون ويمدحون (ع 6).

وَحَفِظْتُمْ مَا يُحْفَظُ وَصِيَّةُ ٱلرَّبِّ «وصية الرب» بيان لقوله «ما يُحفظ» والمعنى أنكم حفظتم ما يستحق أن يُحفظ وهو وصية الرب أي أطعتم أمر الرب ووفيتم بوعدكم وذلك من الأمور المستحقة أن تقوموا بها حق القيام. وفي هذا مدح لهم وتعظيم أوامر الله وحث على إطاعتها.

4 «وَٱلآنَ قَدْ أَرَاحَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ إِخْوَتَكُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ. فَٱنْصَرِفُوا ٱلآنَ وَٱذْهَبُوا إِلَى خِيَامِكُمْ فِي أَرْضِ مُلْكِكُمُ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ، فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ».

عدد 32: 33 وتثنية 29: 8 وص 13: 8

ٱذْهَبُوا إِلَى خِيَامِكُمْ ربما تعجب بعض القرّاء من ذكر الخيام هنا مع أن الأرض التي استولوا عليها شرقي الأردن كانت كثيرة المدن والقرى وكانوا قد أصلحوا أو رمموا ما تهدّم منها كديبون وعطاروت وعروعير وعطروت شوفان ويعزيز ويجبهة وبيت نمرة وبيت هاران من المدن المحصنة (عدد 32: 34 - 38 انظر التفسير أيضاً). ولكن يرتفع العجب إذا عُرف أن الإسرائيليين تقضّى عليهم أربعون سنة يسكنون فيها الخيام في البرية ولما استولوا على أرض كنعان ضربوا تلك الخيام في الساحات وعلى السطوح وكانوا في فصل الصيف يخرجون من المدن وينصبون الخيام في الحقول والبساتين. وكانت هذه العادة منذ عصر أيوب وما زال كذا حتى غلب اسم الخيمة كل أسماء المنازل فأُطلقت على البيوت الحجرية وغيرها بناء على أن كل أبنية هذا العالم زائلة كالخيمة. وربما أراد يشوع هذا المعنى هنا على أن لا حاجة هنا إلى المجاز وإن كثر في هذا السفر (انظر 2صموئيل 18: 17 و20: 1 و1ملوك 12: 16 وأيوب 29: 4 و31: 31 ومزمور 78: 67 و132: 3 وإرميا 10: 20 وأعمال 15: 16).

5 «وَإِنَّمَا ٱحْرِصُوا جِدّاً أَنْ تَعْمَلُوا ٱلْوَصِيَّةَ وَٱلشَّرِيعَةَ ٱلَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا مُوسَى عَبْدُ ٱلرَّبِّ أَنْ تُحِبُّوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ وَتَسِيرُوا فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَتَحْفَظُوا وَصَايَاهُ وَتَلْصَقُوا بِهِ وَتَعْبُدُوهُ بِكُلِّ قَلْبِكُمْ وَبِكُلِّ نَفْسِكُمْ».

تثنية 6: 6 و17 و11: 22 تثنية 10: 12

إِنَّمَا ٱحْرِصُوا جِدّاً أَنْ تَعْمَلُوا ٱلْوَصِيَّةَ وَٱلشَّرِيعَةَ الخ أي أنكم أطعتم الرب ووفيتم بوعدكم ولكن يجب أن تبقوا على إطاعة أوامر الله في الشريعة فقيامكم بالواجب اليوم لا يغنيكم عن القيام بالواجب غداً. وأمر يشوع إياهم ذلك يدل على حبه لهم وغيرته لله وتزويده إياهم أحسن الزاد.

6 «ثُمَّ بَارَكَهُمْ يَشُوعُ وَصَرَفَهُمْ، فَذَهَبُوا إِلَى خِيَامِهِمْ».

تكوين 47: 7 وخروج 39: 43 وص 14: 13 و2صموئيل 6: 18 ولوقا 24: 50

بَارَكَهُمْ دعا لهم بالبركات والمواهب الروحية والجسدية والحفظ والوقاية وسائر ما يسرّ الله ويسرّهم وأن يصلوا إلى أرضهم بسلام ويسرّون بالأهل والأولاد ويسرّ أولئك بهم إلى غير ذلك من أمثاله. قد أكملوا الحرب ورجعوا إلى الوطن وطن الراحة والسلام. والمسيحي متى أكمل جهاده على هذه الأرض يدخل الوطن السماوي وطن المسرّة والسعادة الأبدية.

7 «وَلِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى أَعْطَى مُوسَى فِي بَاشَانَ، وَأَمَّا نِصْفُهُ ٱلآخَرُ فَأَعْطَاهُمْ يَشُوعُ مَعَ إِخْوَتِهِمْ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ غَرْباً. وَعِنْدَمَا صَرَفَهُمْ يَشُوعُ أَيْضاً إِلَى خِيَامِهِمْ بَارَكَهُمْ».

ص 17: 5

وَلِنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى أَعْطَى مُوسَى فِي بَاشَانَ هذه الآية كلام معترض جاء به بياناً لعلة أن نصف منسى أخذ نصيبه غربي الأردن دون النصف الآخر. و«باشان» كورة من أرض كنعان بين جبل حرمون وهو جبل الشيخ وجبل جلعاد.

8، 9 «8 وَقَالَ لَهُمْ: بِمَالٍ كَثِيرٍ ٱرْجِعُوا إِلَى خِيَامِكُمْ، وَبِمَوَاشٍ كَثِيرَةٍ جِدّاً بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَمَلاَبِسَ كَثِيرَةٍ جِدّاً. اِقْسِمُوا غَنِيمَةَ أَعْدَائِكُمْ مَعَ إِخْوَتِكُمْ. 9 فَرَجَعَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى، وَذَهَبُوا مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ شِيلُوهَ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ لِيَسِيرُوا إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، أَرْضِ مُلْكِهِمِ ٱلَّتِي تَمَلَّكُوا بِهَا حَسَبَ قَوْلِ ٱلرَّبِّ عَلَى يَدِ مُوسَى».

عدد 31: 27 و1صموئيل 30: 24 عدد 32: 1 و26 و29

بِمَالٍ كَثِيرٍ ٱرْجِعُوا إِلَى خِيَامِكُمْ لعله ظهر لهم في أول الأمر أنه أحسن لهم أن يبقوا مع أهلهم ومواشيهم في أنصبتهم شرقي الأردن ولا يتعبوا أو يسخروا أو يخاطروا بنفوسهم باشتراكهم في حروب إخوتهم غربي الأردن. ولعلهم قالوا في قلوبهم لماذا نحارب معهم ما دام نفع الحرب كله لهم. ولكنهم حفظوا شرفهم ووفوا بوعدهم فلم يخسروا بل ربحوا أولاً رضى الله ثم رضى إخوتهم وتوطيد المملكة كلها شرقاً وغرباً وفوق ذلك مالاً كثيراً. وكل من يطلب أولاً ملكوت الله أي القيام بواجباته لله يُزاد له من خيرات هذا العالم.

اِقْسِمُوا غَنِيمَةَ أَعْدَائِكُمْ مَعَ إِخْوَتِكُمْ أي الذين بقوا منهم شرقي الأردن يحرسون العيال والأملاك وهذا الأمر لا يستلزم أن حصص المجاهدين والباقين من الغنيمة متساوية. والذي يظهر للعقل ويؤيده الكتاب أن الذين خرجوا للحرب كانوا الأبطال المجرّبين وهؤلاء أقل من الباقين فكان النصف لهم والنصف للباقين (انظر عدد 31: 27).

ويجب على القوي أن يحمل الضعفاء وعلى المقتدرين على تحصيل المال أن ينفقوا على نسائهم وأولادهم ووالديهم العواجز والمرضى والفقراء. والعواجز هم القسم الأكبر في العالم.

10 «وَجَاءُوا إِلَى دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَبَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى هُنَاكَ مَذْبَحاً عَلَى ٱلأُرْدُنِّ، مَذْبَحاً عَظِيمَ ٱلْمَنْظَرِ».

تكوين 13: 10 و11 و12 و19: 17 و25

دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ وتُسمى اليوم الغور (انظر تفسير تكوين 13: 10). والظاهر أنها سُميت «بالدائرة» لأن الأرض بين منحنىً كبير من الأردن صارت به الأرض كشبه جزيرة على هيئة الدائرة.

وَبَنَى... مَذْبَحاً عَظِيمَ ٱلْمَنْظَرِ كان هذا المذبح من الحجارة عالياً يُنظر من أمد بعيد وأقاموه آية على أنهم من بني إسرائيل وإنهم عبدة إله إسرائيل الإله الحق الحي الأزلي الأبدي وجعلوه على هيئة مذبح المحرقة في خيمة الشهادة ليكون شاهداً لهم بأن الإسرائيليين الذين غربي الأردن هم منهم وارثوا أرض كنعان معهم (انظر ع 21 و29). والمرجّح أن ذلك المذبح كان على شاطئ الأردن الغربي. ظنّ كوندر أنه عند قرون سرطانه على بُعد 11 ميلاً إلى الشمال الشرقي من سيلون أي شيوله و20 ميلاً شمالي أريحا وقرب الطريق الممتدة من شيلوه إلى جلعاد. وعلوّ هذا الجبل عن السهل نحو 2000 قدم إلا من جهة الغرب فعلوه 270 قدماً فيُرى من بعيد من كل الجهات. وعلى قمة الجبل بناء قديم علوه 11 قدماً من حجارة كبيرة منحوتة على شكل قاعدة مذبح. واسم الوادي من الجهة الشمالية طلعة أبو عيد.

11، 12 «11 فَسَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْلاً: هُوَذَا قَدْ بَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى مَذْبَحاً فِي وَجْهِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي دَائِرَةِ ٱلأُرْدُنِّ مُقَابِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 12 وَلَمَّا سَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شِيلُوهَ لِيَصْعَدُوا إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ».

تثنية 13: 12 الخ وقضاة 20: 12 قضاة 20: 1

لِيَصْعَدُوا إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ لأنهم ظنوهم أنهم أقاموا ذلك المذبح ليستقلوا عن الجماعة ويعبدوا الرب بتقديم الذبائح والمحرقات في غير الموضع الذي عيّنه الرب أو أنهم بنوه لإله آخر.

13، 14 «13 فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، فِينَحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنَ 14 وَعَشَرَةَ رُؤَسَاءَ مَعَهُ، رَئِيساً وَاحِداً مِنْ كُلِّ بَيْتِ أَبٍ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسُ بَيْتِ آبَائِهِمْ فِي أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ».

تثنية 13: 14 وقضاة 20: 12 خروج 6: 25 وعدد 25: 7 عدد 1: 4

فَأَرْسَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الذين غربي الأردن وهم التسعة الأسباط ونصف السبط.

فِينَحَاسَ بْنَ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنَ لأن المسئلة دينية وذات شأن (انظر عدد 25: 7 والتفسير).

كان فينحاس بن العازار بن هارون وامتاز لغيرته للرب عندما اخطأ بنو إسرائيل في بعل فغور وابتدأ الوباء بينهم (عدد 25: 7) فمدحه الرب ووعده ونسله بكهنوت أبدي (عدد 25: 10 - 13). فارتقى وكان مدبراً ومشيراً في أزمنة خطرة كحرب مديان (عدد 31: 6) وهنا وفي حرب بنيامين (قضاة 20: 28). وذُكر في مزمور 106: 30 و31). وذُكر بنو فينحاس بين الكهنة الذين رجعوا من السبي (عزرا 8: 2). واسم فينحاس اسم مصري وقيل إن قبره عند أوسته على بعد 4 أميال من نابلس.

وَعَشَرَةَ رُؤَسَاءَ هم نواب الأسباط التسعة ونصف السبط لينظروا مع الكاهن في أمر ذلك المذبح ويخطبوا البانين له في أمره.

15، 16 «15 فَجَاءُوا إِلَى بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى إِلَى أَرْضِ جِلْعَادَ، وَقَالَ لَهُمْ: 16 هٰكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ: مَا هٰذِهِ ٱلْخِيَانَةُ ٱلَّتِي خُنْتُمْ بِهَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ، بِٱلرُّجُوعِ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ، بِبُنْيَانِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً لِتَتَمَرَّدُوا ٱلْيَوْمَ عَلَى ٱلرَّبِّ؟».

لاويين 17: 8 و9 وتثنية 12: 13 و14

هٰكَذَا قَالَتْ كُلُّ جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ أي كل بني إسرائيل الذين غربي الأردن. وقال «كل جماعة الرب» ولم يقل كل الإسرائيليين ليبين لهم الحق في الانتصار للرب لأنهم جماعته.

مَا هٰذِهِ ٱلْخِيَانَةُ الخ كان بناء المذبح هنا أو في مكان آخر غير الذي عيّنه الرب خيانة بناء على ما جاء في سفر اللاويين (انظر لاويين 17: 8 و9 والتفسير) وما جاء في سفر التثنية (انظر تثنية 12: 13 و14 والتفسير) ويدلك أن هذا هو المعنى جواب بناء المذبح لهم (انظر ع 21 - 29).

«والخيانة» ضد الأمانة ونقض العهد وعدم الإخلاص. «والتمرد» هنا العصيان مع الكبرياء والعتوّ. وسخط الرب على كل إسرائيل لخطاء بعضهم يتمّ بسكوت غير المرتكبين الخطاء عن الذين ارتكبوه. وهذه من جملة حجتهم على بناء ذلك المذبح. «والسخط» الغضب أو هو غضب الأعلى على الأدنى أو غضب العاقل على من هو دونه.

17، 18 «17 أَقَلِيلٌ لَنَا إِثْمُ فَغُورَ ٱلَّذِي لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ، وَكَانَ ٱلْوَبَأُ فِي جَمَاعَةِ ٱلرَّبِّ، 18 حَتَّى تَرْجِعُوا أَنْتُمُ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ؟ فَيَكُونُ أَنَّكُمُ ٱلْيَوْمَ تَتَمَرَّدُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ، وَهُوَ غَداً يَسْخَطُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ».

عدد 25: 3 و4 وتثنية 4: 3 عدد 16: 22

أَقَلِيلٌ لَنَا إِثْمُ فَغُورَ أي عبادة البعل التي كانت عبادته تُقام في مدينة فغور (عدد 25: 1 - 3 انظر التفسير) فإن بعض الإسرائيليين مالوا إلى النساء الموآبيات فدعونهم إلى عبادة البعل فأكلوا طعام ولائم الذبح لذلك الإله الباطل وسجدوا له فضرب الله كل الشعب بالوباء فأهلك أربعة وعشرين ألفاً لأن الشعب لم ينتبه لذلك ويسعى في كف الزناة ومعاقبتهم. والاستفهام هنا إنكاري فمعنى العبارة أن الإثم الذي هو السجود لبعل فغور ليس بقليل أي هو إثم فظيع جداً.

ٱلَّذِي لَمْ نَتَطَهَّرْ مِنْهُ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي ما زلنا نتألم من تذكاره ولا يزال عاره علينا فلم نخلص من العقاب عليه. إن تذكار الإثم وعاره من عقابه الدائم. ولعل هذا القول وغيره من أقوال الأتقياء في العهد القديم يشير إلى أنه لا تُرفع الخطايا إلا بدم المسيح (عبرانيين 10: 4). ولعل فينحاس ظن أن الغاية في بناء المذبح عبادة وثنية قبيحة كعبادة البعل في بيت فغور.

ومفاد هاتين الآيتين أن بناء مذبح لغير الرب أو تقديم الذبائح والمحرقات له على غير المذبح الذي عيّنه رجوع عن الرب فيضرب كل الشعب لإثم الذين بنوه كما ضربه لإثم الذين سجدوا لبعل فغور وما كان ذلك الإثم بقليل حتى تزيدوا عليه ولم نتخلص من عقابه إلى الآن حتى تجلبوا علينا عقاباً جديداً بارتكابكم هذا الإثم وهو بناء هذا المذبح لما ذُكر.

عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ (انظر ع 20).

19 «وَلٰكِنْ إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً أَرْضُ مُلْكِكُمْ فَٱعْبُرُوا إِلَى أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا مَسْكَنُ ٱلرَّبِّ وَتَمَلَّكُوا بَيْنَنَا، وَعَلَى ٱلرَّبِّ لاَ تَتَمَرَّدُوا، وَعَلَيْنَا لاَ تَتَمَرَّدُوا بِبِنَائِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَذْبَحاً غَيْرَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص 18: 1

وَلٰكِنْ إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً أَرْضُ مُلْكِكُمْ هذا فرض ثالث لإقامتهم ذلك المذبح فإن نوّاب العشرة الأسباط فرضوا في الآيتين السابقتين فرضين الأول أن السبطين ونصف السبط بنوا ذلك المذبح لغير الرب. والثاني أنهم بنوه للرب وهو ممنوع كما ذُكر أنفاً (انظر تفسير ع 15 و16). والثالث أنهم رأوا أرضهم نجسة لخلوها من مذبح تُقدّم عليه الذبائح والمحرقات للرب فأرادوا تطهيرها بإقامة ذلك المذبح. والفروض الثلاثة ليست بصحيحة كما سيأتي.

فَٱعْبُرُوا إِلَى أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ الخ أي إنهم يعطونهم أنصبة من أنصبتهم غربي الأردن وإن ذلك أيسر عليهم من أن يتمردوا على الرب وعليهم.

أَرْضُ مُلْكِكُمْ... أَرْضِ مُلْكِ ٱلرَّبِّ إشارة إلى أن أرض مُلكهم هي أرض اختاروها لنفوسهم وليست أرض الرب أرض مقدسة وأما أرض إخوتهم فهي الأرض الموعود بها والمعيّنة لهم من الرب. والظاهر أن حكمه في هذا الأمر حكم بلا معرفة كافية لأن سكناهم شرقي الأرض بإذن الرب (ص 1: 13) وبعد اشتراكهم في حروب إخوتهم. ومع ذلك لنا فائدة روحية وهي أن من يختار لنفسه يكون عرضة للخطر والتعب والخسارة فالأولى إن الرب يختار لنا فنقبل بالشكر مهما يعطينا.

20 «أَمَا خَانَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ خِيَانَةً فِي ٱلْحَرَامِ، فَكَانَ ٱلسَّخَطُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ رَجُلٌ لَمْ يَهْلِكْ وَحْدَهُ بِإِثْمِهِ».

ص 7: 1 و5

أَمَا خَانَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ هذا دليل ثانٍ على أن الرب يضرب كل الشعب لإثم بعضه إذا غفل الشعب عنه ولم يعاقبه عليه. والدليل الأول إثم السجود للبعل على ما ذُكر في الآيات السابقة. وخيانة عخان ذُكرت في (ص 7) وفُصلّت في التفسير فارجع إليه.

لَمْ يَهْلِكْ وَحْدَهُ بِإِثْمِهِ أي مع أنه شخص واحد ضرب الشعب كله بإثمه فكيف تكون ضربة الشعب بإثم سبطين ونصف سبط من اثني عشر أو إثم خمسة من أربعة وعشرين. فإنه هلك كل أهل بيت عخان بإثمه وستة وثلاثون من أبطال الحرب وانكسرت جنود إسرائيل.

21 - 29 «21 فَأَجَابَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَنِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى رُؤَسَاءَ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ: 22 إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ، إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ هُوَ يَعْلَمُ، وَإِسْرَائِيلُ سَيَعْلَمُ. إِنْ كَانَ بِتَمَرُّدٍ وَإِنْ كَانَ بِخِيَانَةٍ عَلَى ٱلرَّبِّ، لاَ تُخَلِّصْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ. 23 بُنْيَانُنَا لأَنْفُسِنَا مَذْبَحاً لِلرُّجُوعِ عَنِ ٱلرَّبِّ، أَوْ لإِصْعَادِ مُحْرَقَةٍ عَلَيْهِ أَوْ تَقْدِمَةٍ أَوْ لِعَمَلِ ذَبَائِحِ سَلاَمَةٍ عَلَيْهِ، فَٱلرَّبُّ هُوَ يُطَالِبُ. 24 وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ خَوْفاً وَعَنْ سَبَبٍ قَائِلِينَ: غَداً يَقُولُ بَنُوكُمْ لِبَنِينَا: مَا لَكُمْ وَلِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ! 25 قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ تُخُماً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ. ٱلأُرْدُنُّ. لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ. فَيَرُدُّ بَنُوكُمْ بَنِينَا حَتَّى لاَ يَخَافُوا ٱلرَّبَّ. 26 فَقُلْنَا نَصْنَعُ نَحْنُ لأَنْفُسِنَا. نَبْنِي مَذْبَحاً، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، 27 بَلْ لِيَكُونَ هُوَ شَاهِداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَجْيَالِنَا بَعْدَنَا، لِنَخْدِمَ خِدْمَةَ ٱلرَّبِّ أَمَامَهُ بِمُحْرَقَاتِنَا وَذَبَائِحِنَا وَذَبَائِحِ سَلاَمَتِنَا، وَلاَ يَقُولُ بَنُوكُمْ غَداً لِبَنِينَا: لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ. 28 وَقُلْنَا: يَكُونُ مَتَى قَالُوا كَذَا لَنَا وَلأَجْيَالِنَا غَداً، أَنَّنَا نَقُولُ: اُنْظُرُوا شِبْهَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَ آبَاؤُنَا، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ، بَلْ هُوَ شَاهِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. 29 حَاشَا لَنَا مِنْهُ أَنْ نَتَمَرَّدَ عَلَى ٱلرَّبِّ وَنَرْجِعَ ٱلْيَوْمَ عَنِ ٱلرَّبِّ لِبِنَاءِ مَذْبَحٍ لِلْمُحْرَقَةِ أَوِ ٱلتَّقْدِمَةِ أَوِ ٱلذَّبِيحَةِ، عَدَا مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ مَسْكَنِهِ».

تكوين 33: 20 وتثنية 10: 17 و1ملوك 8: 39 وأيوب 10: 7 و23: 10 ومزمور 44: 21 و139: 1 و2 وإرميا 12: 3 و2كورنثوس 11: 11 و31 تثنية 18: 19 و1صموئيل 20: 16 تكوين 31: 48 وع 34 وص 24: 27 تثنية 12: 5 و6 و11 و12 و17 و18 و26 و27 تثنية 12: 13 و14

إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ (ع 22) لفظوا بالعبرانية ثلاثة أسماء للجلالة وهي إيل وإيلوهيم ويهوه وهذه الأسماء الثلاثة هي التي لها احترام خصوصي لفظوها مرة ثانية إشارة إلى إخلاصهم وشدة عواطفهم القلبية.

لاَ تُخَلِّصْنَا هٰذَا ٱلْيَوْمَ (ع 22) أي ليهلكنا الله أي إن كنا نقصد ببنياننا خيانة فليهلكنا الرب.

بُنْيَانُنَا (ع 23) الكلام هنا محذوف منه وتقدير المحذوف «إن كان».

فَٱلرَّبُّ هُوَ يُطَالِبُ أي ينتقم أو يعاقب.

وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ الخ (ع 24) جواب الشرط محذوف تقديره فالرب يطالب كما يدل عليه ما قبله. والمراد أنهم أقاموا ذلك المذبح خوفاً من أن يُدعى أنهم ليسوا من إسرائيل أو من سبب آخر يفصلهم عن شعب الله.

قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ تُخُماً بَيْن... ٱلأُرْدُنُّ (ع 25). عمق وادي الأردن عن الجبال التي على جانبيه من 3000 قدم إلى 4000 والنزول إلى الوادي والطلوع منه متعبان جداً ولا سيما في أيام الحر الشديد. فكان صعوبات عظيمة في سبيل المعاشرات والاتحاد بين القسمين أي شرقي الأردن وغربيه. وقولهم أنه يظن أنه من الرب أي تخم طبيعي لا يتجاوز.

لَيْسَ لَكُمْ قِسْمٌ فِي ٱلرَّبِّ (ع 25 و27) أي لا علاقة لكم بالرب فهو لنا وليس لكم منه شيء من البركات والامتيازات التي منحنا إياها. وحينئذ يخشى أن تلتظى الحرب بين الفريقين ويُقتل كثيرون كما كان من أمر أفرايم والجلعاديين (انظر قضاة 12: 4 - 6).

اُنْظُرُوا شِبْهَ مَذْبَحِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَ آبَاؤُنَا، لاَ لِلْمُحْرَقَةِ وَلاَ لِلذَّبِيحَةِ (ع 28) تكلم الآباء هنا بلسان الأبناء الذين لم يكونوا قد خلقوا. ومعنى القصد ظاهر وهو كونهم من شعب الله ودفع الانقسام في الزمن الآتي. وكان المذبح الذي عملوه شبه مذبح الرب وليس شبه مذابح الوثنيين (خروج 20: 24 - 26) وكان ذلك برهاناً على أنهم لم يقصدوا ترك عبادة الرب.

بقي أن جواب السبطين ونصف السبط كان لطيفاً يشف عن المحبة وحسن النية وحفظ وحدة الشعب شعب الله فلم يبق شيئاً من الغيظ في نفوس وكلاء الأسباط الذين في غربي الأردن. فالجواب الليّن يصرف الغضب.

30 «فَسَمِعَ فِينَحَاسُ ٱلْكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ وَرُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ وَبَنُو مَنَسَّى، فَحَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ».

فِينَحَاسُ ٱلْكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْجَمَاعَةِ وَرُؤُوسُ أُلُوفِ إِسْرَائِيلَ ظاهر العبارة أنهم كانوا أكثر من أحد عشر والذي عُرف آنفاً أنهم أحد عشر فينحاس وعشرة رؤساء من كل سبط واحد (ع 13 و14). والحقيقة أنهم ليسوا أكثر من أحد عشر فينحاس ورؤساء الجماعة العشرة «ورؤوس ألوف إسرائيل» عطف تفسير «لرؤساء الجماعة» كما يُفهم من قوله في الآية الرابعة عشرة «كل واحد رئيس بيت آبائهم في ألوف إسرائيل». والمراد بيان أن هؤلاء الأحد عشر كانوا بمنزلة كل الأسباط الذين في غربي الأردن لأنهم رؤساء الشعب ونوابه فالذي يحكمون به يحكم كل الشعب به.

حَسُنَ فِي أَعْيُنِهِمْ لأنهم رأوا ما حسبوه علّة للانشقاق علّة لبقاء الاتحاد.

31 «فَقَالَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ لِبَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ وَبَنِي مَنَسَّى: ٱلْيَوْمَ عَلِمْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ بَيْنَنَا لأَنَّكُمْ لَمْ تَخُونُوا ٱلرَّبَّ بِهٰذِهِ ٱلْخِيَانَةِ. فَٱلآنَ قَدْ أَنْقَذْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ».

لاويين 26: 11 و12 و2أيام 15: 2

عَلِمْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ بَيْنَنَا أي لم يتركنا ولم يسخط علينا كما كنا نخاف كما سخط علينا لسجود بعضنا لبعل فغور وخيانة عخان (انظر ع 17 و18 و20 والتفسير).

إن آية الرب مع الناس قداستهم ومشابهتهم لله أي كونهم على صورته ومثاله لأنه «إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ» (1يوحنا 1: 6 و7).

32 - 34 «32 ثُمَّ رَجَعَ فِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ ٱلْكَاهِنِ وَٱلرُّؤَسَاءُ مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ مِنْ أَرْضِ جِلْعَادَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ خَبَراً. 33 فَحَسُنَ ٱلأَمْرُ فِي أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَارَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱللّٰهَ، وَلَمْ يَفْتَكِرُوا بِٱلصُّعُودِ إِلَيْهِمْ لِلْحَرْبِ وَتَخْرِيبِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي كَانَ بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ سَاكِنِينَ بِهَا. 34 وَسَمَّى بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ ٱلْمَذْبَحَ «عِيداً» لأَنَّهُ شَاهِدٌ بَيْنَنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللّٰهُ».

1أيام 29: 20 ونحميا 8: 6 ودانيال 2: 19 ولوقا 2: 28 تكوين 31: 47 وص 24: 27

رَجَعَ... مِنْ عِنْدِ بَنِي رَأُوبَيْنَ وَبَنِي جَادَ (ع 32) أي وبني منسى ولم يذكرهم هنا اعتماداً على القرينة وطلباً للاختصار ولأن العمدة الاثنان المذكوران لأنهما سبطان كاملان بخلاف منسى فإنه نصف سبط.

رَدُّوا عَلَيْهِمْ خَبَراً أي أنباؤهم بما كان بعد الفحص والتحقيق.

عِيداً أي شهادة والاسم عبراني (ص 24: 27 وتكوين 31: 47).

أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللّٰهُ أي أن الأزلي الواجب الوجود هو المعبود بحق ولا إله غيره.

يظهر لك من الآية الثالثة عشرة إلى آخر هذا الأصحاح أن اتحاد المؤمنين أمر جوهري ذو شأن لأنه شهادة قوية بصحة الدين عند الأمم الخارجة. ومن هنا يتبين لك أن انقسام المسيحيين ضربة شر من ضربات بني إسرائيل فهو عثرة لسائر الملل والنحَل فإنهم يتوهمون حالاً أن الخلاف في الدين برهان على عدم صحته مع أن كثيرين اختلفوا في الحق الواحد وبقي الحق حقاً. ولكن ليس كل الناس فلاسفة حتى يدركوا هذا الإدراك.

فوائد

  1. إن الله يجزي على العمل الصالح خيراً وإن كان من واجبات الإنسان (ع 1 - 7) وهذا على وفق قول المسيح «مَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ... لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متّى 10: 41).

  2. إن جزاء المحسن يكون في الدنيا وفي الآخرة (ع 8) وهذا على وفق قول المسيح (مرقس 10: 28 و29).

  3. إنه يجب علينا أن نجتهد في حفظ الوحدة المسيحية ونأتي في الحاضر ما يضمنها لنا في المستقبل (ع 10 قابله بما في ع 21 - 29) وهذا على وفق العهد الجديد (انظر يوحنا 11: 52 و17: 11 وغلاطية 3: 28 و1بطرس 3: 8).

  4. إنه يجب علينا أن نحرص على طهارة الدين و نقاوته ولا نتساهل بشيء من البدع (ع 12).

  5. إنه يجب علينا أن ننظر في الأمر قبل المقاومة لأجله لئلا نسيء ونحن نقصد الإحسان (ع 13 - 20).

  6. إنه يجب علينا أن ندفع الإشكال ونزيل الغضب بالجواب الليّن وإن أظهر المعترض الغضب (ع 21 - 29).

  7. معاملة المخالفين في الاعتقاد (1) يجب التمييز بين العرضي والجوهري. فإن الجوهري هو الإيمان بالرب يسوع المسيح (1يوحنا 4: 1 - 3 و7 و8 و15) والأمور الباقية عرضية. (2) يجب أن نحترز من الظنون والأقوال والأخبار غير المثبتة. (3) يجب أن نستعمل وسائط حبيّة وأدبية فقط لهدائهم وأن لا نجبر الناس على الاعتراف بما نظنه الاعتقاد الحق. (4) إذا تُحقق أنهم أنكروا المسيح بالإيمان وبالسلوك يجب قطعهم من عضوية الكنيسة والاشتراك في العشاء الربيّ لأن الحق ألزم من الاتحاد وطهارة الكنيسة أهمّ من كثرة أعضائها. (5) يجب التواضع والمحبة والصبر والصلاة من أجل الجميع.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلعِشْرُونَ

وصية يشوع للشيوخ والرؤساء

1 «وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، بَعْدَمَا أَرَاحَ ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ حَوَالَيْهِمْ، أَنَّ يَشُوعَ شَاخَ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ».

ص 31: 44 و22: 4 ص 13: 1

كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ غبّ الأمر عاقبته أو ما بعده. ويُظن أن ذلك كان في آخر سنة من حياة يشوع.

شَاخَ. تَقَدَّمَ فِي ٱلأَيَّامِ قوله «تقدمّ في الأيام» بيان لقوله «شاخ» ومثل هذا البيان كثير في هذا السفر. وهذه العبارة تكررت فيه (ص 13: 1).

2 «فَدَعَا يَشُوعُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ وَشُيُوخَهُ وَرُؤَسَاءَهُ وَقُضَاتَهُ وَعُرَفَاءَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا قَدْ شِخْتُ. تَقَدَّمْتُ فِي ٱلأَيَّامِ».

تثنية 31: 28 وص 24: 1 و1أيام 28: 1

فَدَعَا يَشُوعُ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ أي دعا كل نواب شعب إسرائيل الذين يقومون مقام كل الشعب وعلى ذلك يكون العطف وهو قوله «وشيوخه الخ» عطف تفسير ويؤيد ذلك أن الواو العاطفة ليست في الأصل العبراني ففي ذلك الأصل «فدعا يشوع جميع إسرائيل شيوخه ورؤساءه الخ» فيكون قوله «شيوخه الخ» بيان مفصل لقوله «جميع إسرائيل» والبيان تفسير.

عُرَفَاءَهُ وفي الأصل العبراني «مسيطروه». و«العرفاء» جمع عريف ومن معاني العريف في العربية مما يناسب المقام هنا ثاني الرئيس والمسيطر فيها الرقيب الحافظ والمتسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتب عمله. وهذا مناسب للمقام كل المناسبة.

ولعلّ هذا الاجتماع كان في تمنة سارح مسكن يشوع (ص 19: 50) وأما الاجتماع الآخر المذكور في (ص 24: 1) فكان في شكيم.

وأظهر يشوع محبته المخلصة لشعب إسرائيل فاهتمّ بهم ليس فقط بالحال في حياته بل أيضاً بما سيكونون فيه بعد موته. فيشبه والداً حنوناً لا يكتفي بأن يعول أولاده ويربيهم في حياته بل يجمع لهم من المال لينتفعوا منه بعد موته ويقدم لهم نصائح يحفظونها في ذاكرتهم لأجل السنين القادمة. وهكذا موسى في آخر آيامه (تثنية ص 31 - 33). ولكلام يشوع هذا تأثير عظيم لكونه كلامه الأخير وخاتمة حياته الطويلة وخلاصه اختباره. فكان حكمه في الأمور العالمية كحكم من أشرف على السماء فعرف حق المعرفة نسبة الزمنيات إلى الأبدية.

3 «وَأَنْتُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ كُلَّ مَا عَمِلَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بِجَمِيعِ أُولَئِكَ ٱلشُّعُوبِ مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ».

خروج 14: 14 وص 10: 14 و42

أَنْتُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ كُلَّ مَا عَمِلَ ٱلرَّبُّ في هذه العبارة أمران يجب الانتباه لهما الأول أن يشوع استشهد نظرهم ومشاهدتهم بإحسان الله وهذا يوجب عليهم الذكرى والإنباء به لنسلهم وزيادة المسؤولية عليهم لأن ذنب غيرهم بالتقصير في الحمد لله أخفّ من ذنبهم لأن غيرهم عرف ما عمله الله بالسمع وهم عرفوه بالمشاهدة. والثاني أن يشوع داس الافتخار بنفسه والكبرياء وأراد ترفيع الرب وتمجيده فلم يقل أنتم رأيتم كل ما فعلته لكم بل كل ما عمل الرب. فكان لسان حاله يردد قول المرنم «لَيْسَ لَنَا يَا رَبُّ لَيْسَ لَنَا، لٰكِنْ لاسْمِكَ أَعْطِ مَجْداً» (مزمور 115: 1).

لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ بعد أن نفى المحد عن نفسه نفى الفضل عنهم وأثبت الأمرين لله. إن الله لو لم يحارب عن الإسرائيليين ما استولى على موطئ قدم من أرض كنعان فإنهم ما كانوا إلا بمنزلة آلة في يده تعالى.

4 «اُنْظُرُوا. قَدْ قَسَمْتُ لَكُمْ بِٱلْقُرْعَةِ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ ٱلْبَاقِينَ مُلْكاً حَسَبَ أَسْبَاطِكُمْ، مِنَ ٱلأُرْدُنِّ وَجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّتِي قَرَضْتُهَا، وَٱلْبَحْرِ ٱلْعَظِيمِ نَحْوَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ».

ص 13: 2 و6 و18: 10

اُنْظُرُوا. قَدْ قَسَمْتُ لَكُمْ بِٱلْقُرْعَةِ لكي لا تختلفوا بعد ولكي تتعاونوا على الاستيلاء على أنصبتكم فإن الله لا يساعدكم ويوليكم على ذلك ما لم تسعوا وتعملوا حسب ما اقتضته حكمته وعنايته الأزليتان.

هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبَ ٱلْبَاقِينَ غير مسلمين لكم الأرض فأنا على يقين من أنكم تخضعونهم وتستولون على أرضهم إن قمتم بما يجب عليكم من محاربتهم بالتوكل على الله الذي لا قوة لكم بدونه وقد علمتكم ودربتكم وأرشدتكم إلى طريق الاستيلاء.

5 «وَٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ هُوَ يَنْفِيهِمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَيَطْرُدُهُمْ مِنْ قُدَّامِكُمْ، فَتَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ كَمَا كَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

خروج 23: 30 و33: 2 و24: 11 وتثنية 11: 22 وص 13: 6 عدد 33: 53

وَٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ هُوَ يَنْفِيهِمْ... فَتَمْلِكُونَ على الله نفيهم ولكم الملك وهذا من أعظم النعم.

كَمَا كَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ بلسان موسى (انظر عدد 33: 50 - 53) فالله وعدكم بملك هذه الأرض وهو لا يخلف الميعاد لأنه على كل شيء قدير. قال يشوع هذا ترغيباً وتشجيعاً لهم.

6 «فَتَشَدَّدُوا جِدّاً لِتَحْفَظُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ ٱلْمَكْتُوبِ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى حَتَّى لاَ تَحِيدُوا عَنْهَا يَمِيناً أَوْ شِمَالاً».

ص 1: 7 تثنية 5: 32 و28: 14

فَتَشَدَّدُوا جِدّاً أي لذلك أي لأن الله وعدكم تشجعوا وتقوّوا ما استطعتم.

لِتَحْفَظُوا وَتَعْمَلُوا الحفظ لا يُغني عن العمل والعمل لا يكون صحيحاً إلا على وفق المحفوظ فوجب الحفظ والعمل معاً.

كُلَّ ٱلْمَكْتُوبِ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى من وجوب الاستيلاء على أرض أعدائه وحفظ توحيده. وكانت هذه الوصية ضرورية لأنهم داخلون إلى أرض وثنية فيها فخاخ الشرك والفجور والرذائل (انظر ع 7 وص 1: 1 - 9).

إن يشوع لما كان خادم الشريعة بعد موسى أراد أن يكون خلفاؤه خدامها أيضاً وأن يراعوا كل ما هو مكتوب فيها.

7 «حَتَّى لاَ تَدْخُلُوا إِلَى هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ أُولَئِكَ ٱلْبَاقِينَ مَعَكُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَتِهِمْ وَلاَ تَحْلِفُوا بِهَا وَلاَ تَعْبُدُوهَا وَلاَ تَسْجُدُوا لَهَا».

خروج 22: 33 وتثنية 7: 2 و3 وأمثال 4: 14 وأفسس 5: 11 خروج 23: 13 وعدد 32: 38 ومزمور 16: 4 وإرميا 5: 7 وصفنيا 1: 5

لاَ تَدْخُلُوا إِلَى هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ أي لا تخالطوهم ولا تشهدوا ولائمهم وتعتادوا عباراتهم الوثنية وعاداتهم المحظورة ولا تتشبهوا بهم وتلتصقوا بقرابةٍ (انظر ع 12) «فإن المعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيدة» «لا تدخل في سبيل الأشرار ولا تسر في طريق الأثمة» «ولا تشتركوا في أعمال الظلمة».

لاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَتِهِمْ لئلا تألفها مسامعكم فيضعف كرهكم إياها واقشعراركم منها فلا تتلفظوا بأسمائها إلا عند التحذير منها والنهي عنها (انظر تفسير خروج 23: 13) وبذلك تميتون ذكرها. وهذا على وفق قول داود «لاَ أَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ بِشَفَتَيَّ» وقوله تعالى «وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ ٱلْبَعْلِيمِ مِنْ فَمِهَا فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضاً بِأَسْمَائِهَا» (مزمور 16: 4 وهوشع 2: 17).

وَلاَ تَحْلِفُوا بِهَا لأنه لا يُحلف إلا بالعظيم والقادر على الانتقام فالحلف بالآلهة الباطلة اعتراف بعظمتها وقدرتها وهي أحقر الأشياء وأضعف من كل ضعيف (انظر تفسير تثنية 6: 13).

8 «وَلٰكِنِ ٱلْصَقُوا بِٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تثنية 10: 20 و11: 22 و13: 4 وص 22: 5

ٱلْصَقُوا بِٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ أي لوذوا به والجأوا إليه واقتربوا منه كل الاقتراب وقفوا أنفسكم له ولتمجيده واستمروا على ذلك بكل أمانة وإخلاص. وهذه العبارة من أبلغ الإيجاز وأجمله.

كَمَا فَعَلْتُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ أي كما اجتهدتم أن تفعلوا وكما فعلتم على قدر إمكانكم باعتبار أنكم بشر ضعفاء فإن الإسرائيليين لم يكونوا معصومين ولكنهم كانوا مؤمنين مجتهدين في كل المدة التي قادهم يشوع فيها. وعبارة «هذا اليوم» كثيرة في هذا السفر.

9 «قَدْ طَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِكُمْ شُعُوباً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ قُدَّامَكُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

تثنية 11: 23 ص 1: 5

طَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِكُمْ شُعُوباً عَظِيمَةً وَقَوِيَّةً وسيطرد أمثالهم أمامكم (انظر تفسير تثنية 11: 23). وربما كان المراد أنه سيطرد وعبّر عن المستقبل بالماضي للتحقيق أو التحقق.

فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ قُدَّامَكُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ فلا يقف أحد أمامكم بعده إذا بقيتم ملتصقين بالرب.

10 «رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُ أَلْفاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱلْمُحَارِبُ عَنْكُمْ كَمَا كَلَّمَكُمْ».

لاويين 26: 8 وتثنية 32: 30 وقضاة 3: 31 و15: 15 و2صموئيل 23: 8 خروج 14: 14 و23: 27 وتثنية 3: 22

رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُ أَلْفاً الخ هذا القول جرى يومئذ مجرى المثل على طرق مختلفة لتأكيد القوة والنصر على أن الله قادر أن يطرد ألفاً بإنسان واحد إذا كان هو المحارب عنه (انظر لاويين 26: 8 وتثنية 32: 30 وقضاة 3: 31 و15: 15 وإشعياء 30: 17).

11 «فَٱحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ أَنْ تُحِبُّوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ».

ص 22: 5

فَٱحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ الخ أي انتبهوا واحفظوا لأنفسكم كل الحفظ محبة الرب فإن هذا هو شرط النجاح.

12 «وَلٰكِنْ إِذَا رَجَعْتُمْ وَلَصِقْتُمْ بِبَقِيَّةِ هٰؤُلاَءِ ٱلشُّعُوبِ، أُولَئِكَ ٱلْبَاقِينَ مَعَكُمْ، وَصَاهَرْتُمُوهُمْ وَدَخَلْتُمْ إِلَيْهِمْ وَهُمْ إِلَيْكُمْ».

عبرانيين 10: 38 و39 و2بطرس 2: 20 و21 تثنية 7: 3

وَصَاهَرْتُمُوهُمْ وجعلتم قرابة بينكم وبينهم بالزيجة. إن اقتران الموحدين بالمشركات يفسد أذهان النسل لأن الأولاد يأخذون أول المبادئ عن الأمهات ومبادئ الوثنيات فاسدة مفسدة تتمكن في الولد إذ تغرس في ذهنه منذ أول إدراكه. وقد نهاهم موسى عن مصاهرتهم وفسر المصاهرة بقوله «لاَ تُعْطِ لابْنِهِ وَٱبْنَتَهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ» وبيّن علة هذا النهي بقوله «لأَنَّهُ يَرُدُّ ٱبْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى» (تثنية 7: 3 و4).

وَدَخَلْتُمْ إِلَيْهِمْ وَهُمْ إِلَيْكُمْ أي تخالطتم وتعاشرتم.

13 «فَٱعْلَمُوا يَقِيناً أَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ لاَ يَعُودُ يَطْرُدُ أُولَئِكَ ٱلشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيَكُونُوا لَكُمْ فَخّاً وَشَرَكاً وَسَوْطاً عَلَى جَوَانِبِكُمْ وَشَوْكاً فِي أَعْيُنِكُمْ، حَتَّى تَبِيدُوا عَنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ إِيَّاهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ».

قضاة 2: 3 خروج 23: 33 وعدد 33: 55 وتثنية 7: 16 و1ملوك 11: 4

فَٱعْلَمُوا يَقِيناً أي اعلموا علم اليقين. قال هذا توكيداً للنعمة وتقريراً للتحذير في أذهانهم.

لَا يَعُودُ يَطْرُدُ أي لا يعود إلى أن يطرد أو يعود ولا يطرد. فترى من هنا أن مواعيد الله مقيّدة بالشروط فإذا لم تراعَ الشروط ولم يُنل الموعود ما توقعه ولم يكن ذلك إخلاف وعدٍ بل قياماً بالوعيد. فالله وعد بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية بشرط الإيمان فمن لم يؤمن يحرم منهما وهذا ليس بإخلاف الوعد بل ذلك إتمام الوعيد وهو «ومن لم يؤمن يدان».

فَخّاً وَشَرَكاً الخ فيصيدونكم لإرادتهم ويذيقونكم عذاب الهون ويطرحونكم يوم الدين حيث يُطرحون. ويقوون عليكم في هذه الأرض ويُبيدونكم فترجع البلاد إلى العبادة الوثنية بعد أن دخلتها العبادة الحقة بمشقات وتجارب وأرزاء كثيرة وتذهبون طعاماً للشيطان ويكون عذابكم يوم الدين وما بعده أضعاف عذاب الوثنيين لأنكم شاهدتم ما لم يشاهدوا وعرفتم ما لم يعرفوا من حقوق الله وآلائه وسمعتم صوت الله بفم أنبيائه الذي صنعوا المعجزات أمام عيونكم وأدركتم معاني الشريعة الإلهية واختبرتم عاقبة المعصية والخيانة وعرفتم أن الرب إله غيور مع أنه محب رحيم.

14 - 16 «14 وَهَا أَنَا ٱلْيَوْمَ ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا. وَتَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَنْكُمُ. ٱلْكُلُّ صَارَ لَكُمْ. لَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. 15 وَيَكُونُ كَمَا أَنَّهُ أَتَى عَلَيْكُمْ كُلُّ ٱلْكَلاَمِ ٱلصَّالِحِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ عَنْكُمْ، كَذٰلِكَ يَجْلِبُ عَلَيْكُمُ ٱلرَّبُّ كُلَّ ٱلْكَلاَمِ ٱلرَّدِيءِ حَتَّى يُبِيدَكُمْ عَنْ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ. 16 حِينَمَا تَتَعَدَّوْنَ عَهْدَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمُ ٱلَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَسِيرُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا، يَحْمَى غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ فَتَبِيدُونَ سَرِيعاً عَنِ ٱلأَرْضِ ٱلصَّالِحَةِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمْ».

1ملوك 2: 2 وعبرانيين 9: 27 ص 21: 45 ولوقا 21: 33 تثنية 28: 63 لاويين 26: 16 وتثنية 28: 15 و16 الخ

ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا أي ذاهب في الطريق التي يذهب فيها كل الأحياء على الأرض وهي طريق الموت أو الطريق إلى القبر والهاوية. وهذه العبارة جرت عندهم مجرى المثل في عموم الموت (انظر 1ملوك 2: 2). فالموت سفر الجسد إلى التراب والنفس إلى المقام الأبدي في دار السعادة أو دار الشقاء. وأنبأهم يشوع بقرب وفاته ليحرصوا على كلماته الأخيرة كل الحرص إذ بعد قليل يسكت ذلك الفم الذي اعتادته مسامعهم فتتأصل كلماته في أفئدتهم التي يكاد ذلك النبأ يذيبها. ولا يخفى على العاقل ما لكلام المشرف على الوفاء من التأثير وانطباع النفوس على حب سمع آخر كلمات الحبيب المحب الباذل نفسه في سبيل أحبائه.

وَتَعْلَمُونَ وإذ علمتم ذلك وجب أن تثقوا بأن الله لا يرجع عن وعده ولا وعيده فإن قمتم بشرط الوعد وفى لكم به وإلا قام بما اقتضاه الوعيد فغضب عليكم وأبادكم من الأرض الطيبة وشتتكم في البلاد وضرب عليكم الذلّ وصبّ عليكم الأرزاء وجعلكم عبرة للعالمين.

فوائد

  1. إنه يجب أن يزيد الإنسان على توالي تقدمه في السن علماً واختباراً وحكمة وتقوى كما كان من تقدم يشوع في سنه. فإنه وهو في سن العاشرة والمئة كان يغار للرب ويحبه ويحب شعبه ويسعى في خيرهم.

  2. إنه يجب أن تكون خاتمة حياتنا سارّة لله ولأنفسنا ولأهلنا ومعارفنا وأمتنا وسائر الناس كما كانت خاتمة حياة يشوع.

  3. إنه يجب تنبيه الصديق عند حصوله على الراحة لئلا ينسى واهبها له (ع 1 - 16).

  4. إنه يجب إطاعة كل الشريعة فلا يجوز لنا أن نطيع بعضها ونتعدى سائرها (ع 7).

  5. إنه يجب أن نعيش في العالم كأننا لسنا في العالم (ع 7).

  6. إنه يجب أن لا نذكر الأشرار ولا الأمور القبيحة ولا نفتكر بها إلا ما يقتضي لإنذار غيرنا (ع 7).

  7. إن القيام بالواجبات ضمانة للانتصار على التجارب (ع 6 - 8).

  8. إن فوزنا بقوة الله لا بقوتنا وإن كان بذلها في سبيل الله واجباً (ع 9 و10) فسرّ النجاح عون الله.

  9. إن الرجل الواحد الذي هو مع الله والله معه هو جيش كبير (ع 10).

  10. إنه يجب علينا أن نحب الله (ع 11) ولا شيء يحرّضنا على الخدمة ويثبتنا فيها إلا المحبة.

  11. إٰن تأثير محبتنا لله في نفوسنا شدة الرغبة في أن نفعل ما يرضيه (ع 11 ورومية 13: 10) ورغبتنا في إرضائه دليل على محبتنا له.

    إن معاشرة الرذلاء خسران عظيم فإن قرين السوء يعدي قرينه. ويستدل على صفات المرء من صفات عشيره وخليطه (ع 13 و14) قال الشاعر:

  12. Table 3. 

    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينهفكل قرين بالمقارن يقتدي    

  13. إن الموت عام لكل حي على الأرض (ع 14) فيجب أن نستعد للموت كل يوم ونعيش للأبدية لا لهذا العالم الزائل.

  14. إن الله الذي لا يخلف الميعاد لا يخلف الوعيد (ع 15).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

وصية يشوع للشعب وهي الوصية الأخيرة

1 «وَجَمَعَ يَشُوعُ جَمِيعَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى شَكِيمَ. وَدَعَا شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءَهُمْ وَقُضَاتَهُمْ وَعُرَفَاءَهُمْ فَمَثَلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

تكوين 35: 4 ص 23: 2 و1صموئيل 10: 19

وَجَمَعَ يَشُوعُ جَمِيعَ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى شَكِيمَ (انظر تفسير ص 23: 2) والظاهر أنه خاطب الرؤساء وهم خاطبوا الشعب على الأثر. كان يشوع من الذين قطعوا العهد عند جبل سيناء (خروج 19: 5) والعهد الآخر في أرض موآب في نهاية الأربعين سنة (تثنية 29: 1) وفي آخر حياته حرّض الشعب على تجديد هذ العهد. والمرجّح أن يشوع رأى أنه عاش أكثر مما كان ينتظر فقصد أن لا يذهب ما بقي من حياته عبثاً فأخذ يعظ الأسباط ويرشدهم ويستفرع المجهود في جذبهم إلى الرب فلسان حاله ينطق بمثل قول بطرس للمؤمنين في شيخوخته «لِذٰلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِماً بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي ٱلْحَقِّ ٱلْحَاضِرِ. وَلٰكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقّاً مَا دُمْتُ فِي هٰذَا ٱلْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِٱلتَّذْكِرَةِ، عَالِماً أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيب» (2بطرس 1: 12 - 14). و«شكيم» سماها اليونان نيابوليس وحرّفها العرب فقالوا نابلس والمراد هنا كورة نابلس أو ناحيتها وهي المدينة وما يلحق بها من القرى ولا ريب في أن جمع الأسباط كان في ضاحيتها.

فَمَثَلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ كانت شكيم مكان مقدس بعض التقديس لأن فيها وعد الرب إبراهيم أول وعد وفيها بنى إبراهيم له أولاً مذبحاً (تكوين 12: 6 و7). وفي شكيم نزل يعقوب بعد رجوعه من فدان أرام وطهّر بيته بطمره الآلهة الغريبة تحت البلوطة (تكوين 33: 18 - 20 و35: 2 و4). وفي شكيم دُفنت عظام يوسف (ع 32). وفي شكيم قُرئت البركات واللعنات من جرزيم وعيبال (ص 8: 30 - 35).

2 «وَقَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نَاحُورَ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى».

تكوين 11: 26 و31 تكوين 31: 53

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ (ع 23 وخروج 3: 15) في أول كلامه وفي آخره ذكرهم أنهم شعب الله الخاص الذين اختارهم لنفسه من جميع شعوب الأرض فعليهم أن يختاروه ليكون إلههم ويثبتوا في خدمته.

وإثباتاً لهذا التعليم ذكر خمس حوادث تاريخية:

(1) دعوة إبراهيم. (2) الخروج من مصر. (3) كسرة الأموريين. (4) عبور الأردن. (5) كسرة جميع الكنعانيين.

آبَاؤُكُمْ سَكَنُوا فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ المراد بالنهر هنا نهر الفرات لا نهر الأردن.

وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى أي تارح وإبراهيم وناحور وبعضهم نفى ذلك عن إبراهيم ولعله مصيب (انظر تكوين 31: 19). قال هذا تحذيراً لهم وحضاً على أن يعبدوا الرب ولا يعبدوا سواه على وفق قوله تعالى في الوصية الأولى من وصاياه العشر «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي».

3 «فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَاقَ».

تكوين 12: 1 وأعمال 7: 2 و3 تكوين 21: 2 و3 ومزمور 127: 2

فَأَخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ أَبَاكُمْ مِنْ عَبْرِ ٱلنَّهْرِ أي أمرته الذهاب من أرضه وعشيرته ومن بيت أبيه إلى أرض كنعان وحملته على الإجابة (تكوين 12: 1) فكأني أخذته من تلك إلى هذه.

وَسِرْتُ بِهِ فِي كُلِّ أَرْضِ كَنْعَانَ أي رافقه في جولانه في تلك الأرض وأرشده في كل طرقه وحفظه واعتنى به.

وَأَكْثَرْتُ نَسْلَهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِسْحَاقَ على سبيل المعجزة (انظر تكوين 21: 2 و3) وان إسحاق وحيداً وبنسل إسحاق ونسل نسله كثر الإسرائيليون. والآدوميون نسل عيسو كما في (ع 4).

4 «وَأَعْطَيْتُ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ، وَأَعْطَيْتُ عِيسُوَ جَبَلَ سَعِيرَ لِيَمْلِكَهُ. وَأَمَّا يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ فَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ».

تكوين 25: 24 و25 و26 تكوين 36: 8 وتثنية 2: 5 تكوين 46: 1 و6 وأعمال 7: 15

وَأَعْطَيْتُ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ فالأولاد عطية الله (انظر أيضاً إشعياء 8: 18) فمن استهان بأولاده استهان بعطية الله.

وَأَعْطَيْتُ عِيسُوَ جَبَلَ سَعِيرَ لِيَمْلِكَهُ كان حق ميراث أرض كنعان لعيسو لأنه بكر إسحاق ولكن عيسو باع بكوريته فصارت كنعان ليعقوب وهو إسرائيل (تكوين 32: 28). ومع ذلك أحسن الله إلى عيسو ولم يحرمه كل بركة فأعطاه جبل سعير وسبق الكلام على هذا الجبل في تفسير سفر التكوين (انظر تفسير تكوين 36: 8).

وَأَمَّا يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ فَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ وفي بعض التراجم الأوربية «لكن» بدل «أما» وهي المناسبة هنا لأنه استدرك هنا دفع ما يخطر على بال القارئ أن الإسرائيليين لم يكونوا قد بلغوا الأرض إلا بعد إقامة طويلة في مصر قاسوا فيها العذاب الشديد والاضطهاد. ولم يذكر الكاتب أسباب سفرهم إلى مصر اعتماداً على معرفة المخاطبين على أنه يفيد القارئ أن يرجع إلى نبإ سفرهم في سفر التكوين ونبإ رجوعهم في سفر الخروج. وفي الأصل العبراني «ويعقوب وبنوه الخ» لا «أمّا» ولا «لكن».

ولماذا عوقب بنو إسرائيل بالعبودية في مصر واستراح بنو عيسو بائع البكورية في سعير. والجواب أن ذلك لمقاصد كثيرة بعضها من أسرار الله وبعضها ظاهر كل الظهور وهو تأديب بني إسرائيل على بيعهم أخاهم عبداً ظلماً وعلى خطايا أخرى وحفظتم من التشتت زمان تكاثرهم واستعدادهم للخروج لأن الاضطهاد والمشقات جعلتهم شعباً واحداً كما يطرق الحداد قطعتين من الحديد بعد ما يحميهما بالنار ليصيرا قطعة واحدة. وعيسو قد دين على استهانته بالبكورية بحرمانه الميراث وغير ذلك من المشقات كما يظهر للمتأمل الخبير. ومن غاية ذكر نزول الإسرائيليين إلى مصر هنا بيان إحسان الله إليهم بتحريره إياهم من عبودية المصريين بواسطة موسى وهارون (ع 5). وجعل يوسف مثالاً حسناً للمتقين إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

5 «وَأَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ وَضَرَبْتُ مِصْرَ حَسَبَ مَا فَعَلْتُ فِي وَسَطِهَا، ثُمَّ أَخْرَجْتُكُمْ».

خروج 3: 10 خروج 7 و8 و9 و10 و12

أَرْسَلْتُ مُوسَى وَهَارُونَ أرسل موسى من مديان وهارون من مصر إلى فرعون (انظر خروج 4: 27 - 31).

وَضَرَبْتُ مِصْرَ الخ (انظر خروج ص 7 - 10 وص 12).

6 «فَأَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَدَخَلْتُمُ ٱلْبَحْرَ وَتَبِعَ ٱلْمِصْرِيُّونَ آبَاءَكُمْ بِمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ إِلَى بَحْرِ سُوفٍ».

خروج 12: 37 و51 خروج 14: 2 خروج 14: 9

فَأَخْرَجْتُ آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ (خروج 12: 37 و51).

دَخَلْتُمُ ٱلْبَحْرَ الخ (خروج ص 14) والبحر هنا هو البحر الأحمر.

7 «فَصَرَخُوا إِلَى ٱلرَّبِّ، فَجَعَلَ ظَلاَماً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَجَلَبَ عَلَيْهِمِ ٱلْبَحْرَ فَغَطَّاهُمْ. وَرَأَتْ أَعْيُنُكُمْ مَا فَعَلْتُ فِي مِصْرَ، وَأَقَمْتُمْ فِي ٱلْقَفْرِ أَيَّاماً كَثِيرَةً».

خروج 14: 10 خروج 14: 20 و27 و28 تثنية 4: 34 و29: 2 ص 5: 6

جَلَبَ عَلَيْهِمِ ٱلْبَحْرَ... وَأَقَمْتُمْ فِي ٱلْقَفْرِ أَيَّاماً كَثِيرَةً (خروج ص 14 وتثنية 4: 34 و29: 2) لما تذللتم قدام الله أحسن إليكم وأهلك أعدائكم ولما أخطأتم وعصيتم عاقبكم بالتيه في البرية أربعين سنة فالتصقوا بالله وأطيعوه وإلا أحاط بكم البلاء. فاذكروا جزاء كل من الطاعة والمعصية واتعظوا.

8 «ثُمَّ أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ فَحَارَبُوكُمْ، وَدَفَعْتُهُمْ بِيَدِكُمْ فَمَلَكْتُمْ أَرْضَهُمْ وَأَهْلَكْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ».

عدد 21: 21 و33 وتثنية 2: 32 و3: 1

أَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ ٱلأَمُورِيِّينَ الخ (انظر ص 12: 1 - 6 وعدد 21: 21 - 35 و تثنية 2: 32 - 36 و3: 1 - 17).

9 «وَقَامَ بَالاَقُ بْنُ صِفُّورَ مَلِكُ مُوآبَ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْسَلَ وَدَعَا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ لِيَلْعَنَكُمْ».

قضاة 11: 25 عدد 22: 5 وتثنية 23: 4

وَقَامَ بَالاَقُ... وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ إن بالاق قصد محاربة إسرائيل واستعد لمحاربتهم وطلب بلعام ليلعنهم فيقوى عليهم فهو كالمحارب فعلاً وإن كان الله لم ييسر له محاربة إسرائيل. إن الشهوة بمقام العمل على ما في الشريعة الإلهية الطاهرة وكذا النيّة أو القصد. وقد أثبت هذا الحكم أو القانون الرب يسوع المسيح (انظر متّى 5: 28) وقُتل بلعام مع ملوك مديان (عدد 31: 8).

10 «وَلَمْ أَشَأْ أَنْ أَسْمَعَ لِبَلْعَامَ، فَبَارَكَكُمْ بَرَكَةً وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِهِ».

تثنية 23: 5 عدد 23: 11 و20 و24: 10

لَمْ أَشَأْ أَنْ أَسْمَعَ لِبَلْعَامَ الخ أي لم أوافقه على إرادة أن يلعنكم بل منعته من ذلك وأجبرته على أن يبارككم على خلاف قصده أن يلعنكم.

11 «ثُمَّ عَبَرْتُمُ ٱلأُرْدُنَّ وَأَتَيْتُمْ إِلَى أَرِيحَا. فَحَارَبَكُمْ أَصْحَابُ أَرِيحَا: ٱلأَمُورِيُّونَ وَٱلْفِرِزِّيُّونَ وَٱلْكَنْعَانِيُّونَ وَٱلْحِثِّيُّونَ وَٱلْجِرْجَاشِيُّونَ وَٱلْحِوِّيُّونَ وَٱلْيَبُوسِيُّونَ، فَدَفَعْتُهُمْ بِيَدِكُمْ».

ص 3: 14 و17 و4: 10 و11 و12 ص 6: 1 و10: 1 و11: 1

ٱلأَمُورِيُّونَ الخ (انظر ص 10: 1 - 5 و11: 1 - 5 وخروج 23: 23 والتفسير).

12 «وَأَرْسَلْتُ قُدَّامَكُمُ ٱلزَّنَابِيرَ وَطَرَدْتُ مِنْ أَمَامِكُمْ مَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ، لاَ بِسَيْفِكَ وَلاَ بِقَوْسِكَ».

خروج 23: 28 وتثنية 7: 20 مزمور 44: 3 و6

وَأَرْسَلْتُ قُدَّامَكُمُ ٱلزَّنَابِيرَ (انظر تفسير خروج 23: 28). ولا مانع من أن تكون الزنابير هنا الهوام اللاسعة المعروفة.

مَلِكَيِ ٱلأَمُورِيِّينَ ومحالفيهما أو وجنودهما لا سيحون وعوجاً على الخصوص فالمقصود الكنعانيون على جانبي نهر الأردن. وقوله «ملكي الأموريين» تفسير للضمير المفعول به في قوله «طردتهم» فكأنه قال طردت أمامكم ملوك الكنعانيين على جانبي الأردن الذين أعظمهم سيحون وعوج فتأمل. ويصح المعنى أنه طرد أمامهم جيوش ذينك الملكين.

لاَ بِسَيْفِكَ وَلاَ بِقَوْسِكَ يعني أنه تعالى هو الذي غلب الأعداء ولم تكن سيوف إسرائيل وقسيه سوى آلات اتخذها هو ولولا ذلك لأبادوا إسرائيل من الأرض. وقد ذكر هذا أمام المغنين في قصيدته بقوله «أَنْتَ بِيَدِكَ ٱسْتَأْصَلْتَ ٱلأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ. حَطَّمْتَ شُعُوباً وَمَدَدْتَهُمْ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمِ ٱمْتَلَكُوا ٱلأَرْضَ، وَلاَ ذِرَاعُهُمْ خَلَّصَتْهُمْ، لٰكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ وَنُورُ وَجْهِكَ لأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ» (مزمور 44: 2 و3).

13 «وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضاً لَمْ تَتْعَبُوا عَلَيْهَا وَمُدُناً لَمْ تَبْنُوهَا وَتَسْكُنُونَ بِهَا، وَمِنْ كُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا تَأْكُلُونَ».

تثنية 6: 10 و11 وص 11: 13

مُدُناً لَمْ تَبْنُوهَا... كُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسُوهَا وهذا لا ينفي أنهم بنوا مدناً في تلك الأرض غير تلك المدن وغرسوا كروماً وزيوتاً فيها غير ما استولوا عليه من الكروم والزيتون.

14 «فَٱلآنَ ٱخْشَوْا ٱلرَّبَّ وَٱعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ، وَٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ وَفِي مِصْرَ، وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ».

تثنية 10: 12 و1صموئيل 12: 24 وتكوين 17: 1 و20: 5 وتثنية 18: 13 ومزمور 119: 1 و2كورنثوس 1: 12 وأفسس 6: 24 لاويين 17: 7 وع 2 و23 وحزقيال 20: 18 حزقيال 20: 7 و8 و23: 3

ٱخْشَوْا ٱلرَّبَّ أي اتقوا الإله الواجب الوجود الأزلي الذي لا إله حق سواه.

وَٱعْبُدُوهُ بِكَمَالٍ وَأَمَانَةٍ أي اعبدوه حق العبادة بإخلاص لا بمجرد علامات العبادة الظاهرة.

وَٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ أي اطرحوا صور الآلهة الباطلة وتماثيلها. فالظاهر أنه كان عند بعض الإسرائيليين شيء من الصور والتماثيل التي حملوها من مصر. ورأى بعضهم أن المعنى اعتزلوا قصور تلك الآلهة.

ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ كبعل ونسروخ ومولك وغيرهم (ع 2 و23 ولاويين 17: 7 وحزقيال 20: 18).

عَبْرِ ٱلنَّهْرِ نهر الفرات.

مِصْرَ إن الإسرائيليين بمخالطتهم للمصريين قلّ نفور بعضهم مما آلفه من أوثانهم فكانوا كأنهم من عبدتها. وآلهة المصريين كثيرة (انظر كتاب سواء السبيل في سكان أرض النيل وما نشر في أسبوعية سنة 1909 من المقالات في العاديات المصرية).

وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لا يكفي أن نعتزل الآلهة الباطلة بل يجب مع ذلك أن نعبد الإله الحق.

15 «وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ، فَٱخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ: إِنْ كَانَ ٱلآلِهَةَ ٱلَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ آلِهَةَ ٱلأَمُورِيِّينَ ٱلَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ».

راعوث 1: 15 و1ملوك 18: 21 وحزقيال 20: 39 ويوحنا 6: 67 ع 14 خروج 23: 24 و32 و33 و34: 15 وتثنية 13: 7 و29: 18 وقضاة 6: 10 تكوين 18: 19

وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لم يحسن عبادة غيره فيها فهل يحسن أن تعبدوا المخلوق دون الخالق أو معه.

فَٱخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ أي كنتم ممن يعبدون فلا بد من أن تعبدوا الرب أو تعبدوا الآلهة الباطلة فكأن الوجه الثالث وهو عبادة الرب والآلهة الباطلة كالوجه الثاني لكنه شركاً والله إله غيور يأبى الشريك. ويستحيل أن يشرك العاقل الآلهة الباطلة بالله.

آلِهَةَ ٱلأَمُورِيِّينَ أراد بالأموريين كل سكان كنعان الوثنيين على وجه التغليب لأنهم أشهر الكنعانيين (انظر تفسير ص 5: 1 وتفسير ص 10: 5).

أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ لما كان يشوع قائدهم ومدبرهم وخليفة موسى النبي العظيم كان أولى من يُقتدى به يومئذ فأبان لهم من يعبد لكي يقتدوا به ويختاروا عبادة الرب وحده ويحملوا أهل بيوتهم على توحيد ذلك الإله الحق وعبادته دون سواه. وما أحسن أن يكون شعار كل إنسان وجوب توحيد الله وعبادته وحده. وما أطيب لسمع المؤمن القول «أما أنا وبيتي فنعبد الرب».

16 - 18 «16 فَأَجَابَ ٱلشَّعْبُ: حَاشَا لَنَا أَنْ نَتْرُكَ ٱلرَّبَّ لِنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى، 17 لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَنَا هُوَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا وَآبَاءَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ، وَٱلَّذِي عَمِلَ أَمَامَ أَعْيُنِنَا تِلْكَ ٱلآيَاتِ ٱلْعَظِيمَةَ، وَحَفِظَنَا فِي كُلِّ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي سِرْنَا فِيهَا وَفِي جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَبَرْنَا فِي وَسَطِهِمْ. 18 وَطَرَدَ ٱلرَّبُّ مِنْ أَمَامِنَا جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ، وَٱلأَمُورِيِّينَ ٱلسَّاكِنِينَ ٱلأَرْضَ. فَنَحْنُ أَيْضاً نَعْبُدُ ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ هُوَ إِلٰهُنَا».

حَاشَا لَنَا الخ أي ننزه أنفسنا عن ترك الرب وهذا يُقال دفعاً للأمر المكروه جداً. فدلّ على أن بني إسرائيل يومئذ تمزّقت قلوبهم من تصوّر تركهم الرب الذي لم يتركهم مع كل زلّاتهم وذنوبهم والتصق بهم ووقاهم ونصرهم ومنحهم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. والخلاصة أن الإسرائيليين أبانوا هنا أنهم عبدة الله وحده لأسباب توجب عليهم عبادته بإخلاص فأثبتوا دعواهم بالأدلة القاطعة وأعلنوا إنهم اختاروا ما اختاره يشوع وهو أنهم هم وبيوتهم يعبدون الرب.

19 «فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ إِلٰهٌ قُدُّوسٌ وَإِلٰهٌ غَيُورٌ هُوَ. لاَ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُم».

متّى 6: 24 لاويين 19: 2 و1صموئيل 6: 20 ومزمور 99: 5 و9 وإشعياء 5: 16 خروج 20: 5 خروج 23: 21

لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ العبادة الواجبة الخالصة وأنتم تشركون به (متّى 6: 24) فإنه لا يرضى إلا بأن تعبدوه وحده.

لأَنَّهُ إِلٰهٌ قُدُّوسٌ فتأبى قداسته أن تكون الآلهة النجسة الباطلة شركاءه.

وَإِلٰهٌ غَيُورٌ يكره كل الكره ويأبى كل الإباءة أن يتخذ شعبه شريكاً أو شركاء له كما يأبى الرجل الشريف أن تتخذ امرأته شريكاً أو شركاء له في حقه بها. وهذه الغيرة شريفة لأنها من صفات الكمال.

لاَ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ إن الله لا يغفر للمشركين ما لم يرجعوا عن شركهم ويعبدوا الله وحده حق عبادته. وهذا ما يقتضيه عدله وتبعد عنه رحمته. ولكن كل من يرجع إلى الرب بتوبة حقيقية ونية مخلصة يقدر أن يعبده والله يغفر الخطايا وإن كانت كالقرمز وهو يعطي نعمة كافية لكل ضعيف.

20 «وَإِذَا تَرَكْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً يَرْجِعُ فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ وَيُفْنِيكُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ».

1أيام 28: 9 و2أيام 15: 2 وعزرا 8: 22 وإشعياء 1: 28 و65: 11 و12 وإرميا 17: 13 ص 23: 15 وإشعياء 63: 10 وأعمال 7: 42

وَإِذَا تَرَكْتُمُ ٱلرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً كان ذلك شراً من الشرك لأن في الشرك بعض العبادة لله وترك الله لا شيء فيه من العبادة له فالشرك مهلك وترك الرب كذلك لكن عقاب تاركي الله أشد من عقاب المشركين به.

يَرْجِعُ إلى تذليلكم ومعاقبتكم.

فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ بدلاً من إحسانه.

وَيُفْنِيكُمْ يشتتكم ويذهب بكل مجدكم حتى كأنكم لم تكونوا.

21 «فَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِيَشُوعَ: لاَ. بَلِ ٱلرَّبَّ نَعْبُدُ».

لاَ. بَلِ ٱلرَّبَّ نَعْبُدُ أي لا نشرك بالله ولا نتركه بل نستمر على عبادته وحده.

22 «فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ قَدِ ٱخْتَرْتُمْ لأَنْفُسِكُمُ ٱلرَّبَّ لِتَعْبُدُوهُ. فَقَالُوا: نَحْنُ شُهُودٌ».

مزمور 119: 173

أَنْتُمْ شُهُودٌ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أي إنكم إذا أخلفتم بهذا الوعد فأنتم شهود على أنفسكم بأنك آثمون ومستحقون العقاب. وهذا نتيجة لازمة لا ريب فيها.

فَقَالُوا: نَحْنُ شُهُودٌ أي سلّموا بأنهم شهود على أنفسهم.

23، 24 «23 فَٱلآنَ ٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي فِي وَسَطِكُمْ وَأَمِيلُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. 24 فَقَالَ ٱلشَّعْبُ لِيَشُوعَ: ٱلرَّبَّ إِلٰهَنَا نَعْبُدُ وَلِصَوْتِهِ نَسْمَعُ».

تكوين 35: 2 وع 14 وقضاة 10: 16 و1صموئيل 7: 3

فَٱلآنَ ٱنْزِعُوا ٱلآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي فِي وَسَطِكُمْ أي فقال يشوع فانزعوا الخ. والفاء في قوله فانزعوا تفيد التعليل أي لذلك انزعوا الخ. ومما يثبت أنهم سجدوا للأصنام مدة إقامتهم في القفر ما ورد في (لاويين 17: 7 وعاموس 25 و26 وحزقيال 20: 6 - 8). لكن لم يتبين لنا أنهم نزعوا ما حملوه معهم من مصر من تلك الآلهة النجسة فإنهم لم يطمروا صورة ولا تمثالاً كما كان في أيام يعقوب (تكوين 35: 4) ولا نزعوا شيئاً من ذلك كما نزع داود ورجاله (2صموئيل 5: 21). فقولهم «الرب إلهنا نعبد ولصوته نسمع» مجرد وعد باللسان وعزم على الإخلاف في الجنان كما كان منهم بعد يشوع والشيوخ بعده. نعم إن كبارهم كانوا قد ماتوا ولكن أولادهم تركوا الرب (قضاة 2: 10) فإنهم أخذوا الزيغ عن الكلام.

25 «وَقَطَعَ يَشُوعُ عَهْداً لِلشَّعْبِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَجَعَلَ لَهُمْ فَرِيضَةً وَحُكْماً فِي شَكِيمَ».

خروج 15: 25 و2ملوك 11: 17 ع 26

قَطَعَ يَشُوعُ عَهْداً لِلشَّعْبِ أي حملهم أن يصدقوا أن الله يأبى الشريك ويغضب من أن يُترك وإنهم لا يشركون به ولا يتركونه وأن يعدوا بذلك وعداً شرعياً وأن يفوا بوعدهم بنزع كل الآلهة الغريبة. واستعمل «القطع» للمعاهدة لتقطيع الذبيحة التي تقدم عند التفوه بالعهد. وذُكر مثل هذا مراراً في الكتاب (انظر 2أيام 23: 16 و34: 31).

وَجَعَلَ لَهُمْ فَرِيضَةً وَحُكْماً الفريضة ما أوجب من الأحكام والحكم هنا القضاء أو العدل المشتمل على القضاء أو هو القاعدة أو الأصل أو المبدأ أو القانون فالقول الله واحد حكم وإيجاب الإيمان بأن الله واحد فريضة. فإن يشوع حكم بأنه لا يعبد إلا الله وأوجب ذلك على الإسرائيليين وقد وعدوا بأن يقوموا بذلك ووعدهم هذا هو العهد.

فِي شَكِيمَ وفي موضعها اليوم نابلس وقُرئ في الترجمة السبعينية «شيلوه» بدلاً من «شكيم» وهي مدينة في منتصف الطريق بين بيت إيل المعروفة اليوم ببيتين ونابلس وتُسمى اليوم سيلون والمعتدّ هنا الأصل العبراني. وسبق ذهن المترجم من مترجمي السبعينية إلى شيلوه من ابتداء كل منهما بالشين ومن كون تابوت العهد كان في شيلوه نحو ثلاث مئة سنة ولهذا زيد في السبعينية «أمام مسكن إله إسرائيل».

26 «وَكَتَبَ يَشُوعُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ. وَأَخَذَ حَجَراً كَبِيراً وَنَصَبَهُ هُنَاكَ تَحْتَ ٱلْبَلُّوطَةِ ٱلَّتِي عِنْدَ مَقْدِسِ ٱلرَّبِّ»

تثنية 31: 24 قضاة 9: 6 تكوين 28: 18 وص 4: 3 تكوين 35: 4

وَكَتَبَ يَشُوعُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ اختلفت الأقوال في تفسير هذه العبارة فمنهم من قال أن يشوع كتب هذا العهد في كتاب أضافه إلى الأسفار الخمسة. ومنهم من قال أن المراد «بسفر شريعة الله» التوراة وكل ما اتصل بها من مكتوبات الوحي. والذي ظهر لنا أن الكلام المشار إليه كُتب في هذا السفر أي سفر يشوع عينه وهذا السفر ضمه يشوع إلى شريعة الله التي هي التوراة بدليل واو العطف في أوله (انظر ص 1: 1) وهذا برهان قاطع على أن يشوع كاتب هذا السفر إلا القليل منه ويرجّح كل الترجيح أنّه كاتب خاتمة سفر التثنية فتأمل.

وَأَخَذَ حَجَراً تذكاراً للعهد الذي قطعه لهم وحجة عليهم. ونصب الحجارة للتذكار تعدد في الكتاب المقدس (تكوين 28: 18 و31: 45 - 52 وتثنية 27: 1 و2 ويشوع 4: 3 - 9 والآية هنا).

تَحْتَ ٱلْبَلُّوطَةِ في شكيم التي يشغل مكانها اليوم.

مَقْدِسِ ٱلرَّبِّ (انظر تفسير ع 1).

27 «ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: إِنَّ هٰذَا ٱلْحَجَرَ يَكُونُ شَاهِداً عَلَيْنَا، لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ كُلَّ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي كَلَّمَنَا بِهِ، فَيَكُونُ شَاهِداً عَلَيْكُمْ لِئَلاَّ تَجْحَدُوا إِلٰهَكُمْ. 28 ثُمَّ صَرَفَ يَشُوعُ ٱلشَّعْبَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ».

تكوين 31: 48 و52 وتثنية 31: 19 و21 و26 وص 22: 27 و28 و34 تثنية 30: 1 قضاة 2: 6

إِنَّ هٰذَا ٱلْحَجَرَ يَكُونُ شَاهِداً عَلَيْنَا بتذكيره إيانا عهدنا الذي نصبناه لتذكاره.

لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ كُلَّ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ لأنه كان حيث يُسمع الكلام. وفي قوله إن «الحجر قد سمع كلام الرب» تعريض شديد بكون قلوبهم أقسى من الحجارة وبكونهم صرفوا مسامعهم عن كلام الرب فصمّوا كأنهم صخور (تكوين 31: 48).

كان يشوع من أعظم الجنود والقواد ولكن في كلامه هذا الأخير لم يذكر مَن كان عمله من أعمال البأس بل ذكر ما عمله الرب ولم يحرّض الشعب على الشجاعة والنشاط والاستعداد في الحروب بل على عبادة الرب وحفظ وصاياه فإن هذه هي أعظم أعمال الإنسان وأفضلها.

29 - 33 «29 وَكَانَ بَعْدَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ أَنَّهُ مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ ٱلرَّبِّ ٱبْنَ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ. 30 فَدَفَنُوهُ فِي تُخُمِ مُلْكِهِ فِي تِمْنَةَ سَارَحَ ٱلَّتِي فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ. 31 وَعَبَدَ إِسْرَائِيلُ ٱلرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ وَٱلَّذِينَ عَرَفُوا كُلَّ عَمَلِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي عَمِلَهُ لإِسْرَائِيلَ. 32 وَعِظَامُ يُوسُفَ ٱلَّتِي أَصْعَدَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ دَفَنُوهَا فِي شَكِيمَ فِي قِطْعَةِ ٱلْحَقْلِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا يَعْقُوبُ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِمِئَةِ قَسِيطَةٍ، فَصَارَتْ لِبَنِي يُوسُفَ مُلْكاً. 33 وَمَاتَ أَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ فَدَفَنُوهُ فِي جِبْعَةِ فِينَحَاسَ ٱبْنِهِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ».

قضاة 2: 8 ص 19: 50 وقضاة 2: 9 قضاة 2: 7 تثنية 11: 2 و31: 13 تكوين 50: 25 وخروج 13: 19 تكوين 33: 19 خروج 6: 25 وقضاة 20: 28

هذه الآيات كتبها أحد الملهمين بدليل قبول شعب الله إياها إلى هذا اليوم والمرجّح أنه كاتب سفر القضاة بدليل حرف العطف في أول سفر القضاة وهو قوله «وكان عند موت يشوع الخ» (قضاة 1: 1) فجرى كاتب سفر القضاة مجرى يشوع فإن يشوع ابتدأ كلامه في آخر سفر التثنية واتبعه الكلام في سفره وكاتب سفر القضاة ابتدأ كلامه في آخر سفر يشوع واتبعه الكلام في كتابه. وكان عمر يشوع عند وفاته كعمر يوسف (تكوين 5: 26).

تِمْنَةَ سَارَحَ (انظر ص 19: 50) قيل إنها تبنة في الشمال الغربي من أورشليم وعلى غاية 14 ميلاً ونصف ميل منها.

جَاعَشَ جبل قرب تمنة سارح.

كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ ٱلشُّيُوخِ (ع 31) ثم تركوا الرب (قضاة 2: 10).

عِظَامُ يُوسُفَ مات يوسف في مصر قبل يشوع بنحو مئتي سنة وكان قد أوصى بني إسرائيل بنقل عظامه من مصر إلى أرض كنعان (تكوين 50: 25) فلما خرجوا من مصر حملوا عظامه أربعين سنة في البرية ولم يدفنوها في مكان حتى دخلوا أرض كنعان فدفنوها في شكيم. ولعلهم عملوا ذلك حين قراءة اللعنات والبركات وبناء المذبح (ص 8: 30 - 35).

وَمَاتَ أَلِعَازَارُ خدَم أولاً مع أخيه إيثامار في مدة حياة أبيهما وتقلّد منصب أبيه (عدد 20: 28) وعدّ كل الجماعة (عدد 26: 1 - 3) وملّك بني إسرائيل أنصبتهم مع يشوع (ص 14: 1).

مِئَةِ قَسِيطَةٍ (انظر تفسير تكوين 33: 19).

جِبْعَةِ فِينَحَاسَ أكمة فينحاس من الأماكن التي أُعطيتها الكهنة في جبل أفرايم لا تبعد كثيراً عن مقام خيمة الشهادة. وكانت وفاة ألعازار قرب وفاة يشوع وبعد نحو خمس وعشرين سنة لوفاة موسى. وهنا نهاية ما كان من أمر يشوع وخدمته بأمانة لإسرائيل. وكان رمزاً عظيماً إلى يسوع المسيح الذي فتح كنعان السماوية لكل من يؤمن به.

فوائد

  1. يجب كلما نجتمع في بيت الله أي الكنيسة وغيرها من أماكن العبادة أن نشعر بأننا أمام الرب (ع 1) فندنو منه بكل احترام مقدس. وعندما نقرأ الكتاب أو نسمعه يجب أن نشعر بأن الله يكلمنا وعندما نصلي نشعر بأننا نكلمه. وكلما نجتمع يجب أن نخصص نفوسنا لخدمة الله ونجدد تخصيصنا هذا مرات كثيرة على الدوام.

  2. في هذا الخطاب كله ظهر جلياً أن الله هو العامل. هو أخذ إبراهيم وسار به إلى أرض كنعان وأكثر نسله وهو أعطى نصيباً لعيسو وأرسل موسى وضرب مصر وأخرج شعبه وردّ على المصريين البحر فغطاهم وأهلك الأموريين. ولم تحدث هذه الأمور اتفاقاً ليس بحكمتهم وقدرتهم ولا بتدبير موسى ويشوع بل حدثت كلها بتدبير الله. واليوم أيضاً يجب أن نرى يد الله في كل ما يحدث في العالم فنتكل عليه ونسلم أنفسنا له بالإيمان والطاعة.

  3. اختاروا لأنفسكم (ع 15) أعطى الله الإنسان قوة الاختيار وهذه القوة من أفضل المواهب فلم يعامل الإنسان كالبهائم التي جعلها تحت سلطان الإنسان ولم يعامله كعبد يجبره على حفظ وصاياه بل عامله كإنسان حرّ يحفظ وصاياه ويخدمه بإرادته خدمة عقلية مرضيّة.

  4. خيّر يسوع الشعب بين خدمة الله وخدمة غيره (ع 15) فعلى كل من يرفض خدمة الله أن يتأمل في نتيجة رفضه فينظر إلى الوثنيين والكفار ومحبي المال والمسرفين والسكارى والزناة والقتلة والمجدفين فيسأل نفسه قائلاً هل أفضّل الاتحاد بهؤلاء على الاتحاد بالله. ولا بد من خدمة إما خدمة الله وإما خدمة العالم والشهوات والشيطان. انظر ما عمل إيليا (1ملوك 18: 21).

  5. يجب على كل رب بيت أن يكون قدوة لأهل بيته فإن النساء غالباً يتبعن رجالهن والأولاد والديهم والضعيف يتبع القوي.

  6. من فضائل يشوع ثبوته في إيمانه وطاعته للرب وتواضعه في زمان الغلبة والنجاح خلافاً لبعض الأتقياء الذين عبدوا الرب في أول الأمر وتركوه بعد ما ثبتوا ونجحوا. تأمل في خطايا داود وسليمان وآسا ويهوشافاط وحزقيا في زمان ارتفاعهم.

  7. أكثر الناس يكتفون بإتمام واجباتهم لأبناء عصرهم. أما يشوع فشعر بمسؤولية للعصور القادمة.

  8. كان يشوع رمزاً إلى يسوع بما يأتي:

  • أولاً: بالاسم فإن لفظة يشوع ولفظة يسوع تفيدان معنىً واحداً أي مخلص.

  • ثانياً: بالغلبة (يوحنا 17: 33) وهو قول يسوع «أنا قد غلبت العالم». و(1يوحنا 3: 8) «أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ» و(رؤيا 19: 11 و12).

  • ثالثاً: بالقسمة فإنه قسم أرض كنعان لبني إسرائيل وهكذا يسوع يعطي شعبه ميراثاً في السماء.

 
Call of Hope  
P.O.Box 10 08 27  
D-70007 
Stuttgart 
Germany