العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر الخروج

شرح سفر الخروج

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس . وليم مارش


Table of Contents

Bibliography
مقدمة
المقدمة: وفيها سبعة فصول
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ
ملحق أول لسفر الخروج
ملحق ثانٍ بسفر الخروج

List of Tables

1.
2.
3.
4.
5.
6.
7.
8.

Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر الخروج. للقس . وليم مارش . Copyright © 2009 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call - of - hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة: وفيها سبعة فصول

الفصل الأول: في اسم هذا السفر

الأسفار الخمسة في العبرانية يُسمى كل منها بكلمة أو ما يزيد على كلمة من الكلمات التي في أول السفر كتسمية سفر التكوين «براشيت» (أي في البدء) فإن هاتين الكلمتين أول كلامه. وسفر الخروج «وإله شموت» (أي وهذه أسماء) وهذه الكلمات أوله. وسفر اللاويين «ويقرأ» (أي ودعا) وهكذا. ولكن لما كانت هذه الأسماء مجهولة عند اليونانيين اختار مترجمو التوراة إلى اليونانية بدل هذه الأسماء أسماء يفهمها اليونانيون فسموا السفر بالموضوع ذي الشأن فيه. ولما كان السفر الثاني تتعلق حوادثه بخروج بني إسرائيل من مصر سموه بسفر الخروج وجرينا في ترجمتنا العربية على سننهم.

الفصل الثاني: في مشتملات هذا السفر ومقصده العام

إن موضوع هذا السفر خروج بني إسرائيل من مصر لكن ذلك ليس كل مشتملاته ولا المقصد العام فيه. فإن من أعظم غايات الكاتب فيه تاريخ الإسرائيليين ومن أعظم الغايات العظمى بيان أول درجات إتمام وعد الله للآباء مع بيان نمو الإسرائيليين وطريق نشوئهم من بيت إلى قبيلة ومن قبيلة إلى أمة. فإن سفر التكوين ترك لنا الإسرائيليين بيتاً (تكوين 1: 22) والخروج تركهم لنا أمة تزيد على ألفي ألف نفس تحت رؤساء قانونيين (خروج 18: 21 - 24) وأهل نظام عبادة مقرر وكهنوت وشريعة وقضاء. فإنك تجدهم في (ص 1: 106) بيتاً وتراهم في (ص 33: 13) شعب الله. وبدخول مجد الرب خيمة الاجتماع (ص 40: 34) ثم كونهم مملكة الله ملكها وهو يسكن بين شعبه متسلطاً ومرشداً وقائداً. وإن تلك الأمة قبلته رأسها وصارت مملكة له (ص 19: 6). نعم إنها ظلت إلى ذلك الحين من أهل البادية لكنها كانت أمة مربوطة بشريعة وقوانين.

ثم إن كاتب هذا السفر ما فتئ يتتبع تاريخ تلك الأمة من (تكوين ص 46) إلى موت يوسف في (خروج 1: 1 - 6). وذكر خلاصة أحوال نسل يعقوب في المدة التي بين موت يوسف وولادة موسى ونمو بني إسرائيل (ص 1: 7 و12 و20). وذكر على غير قصد ما أصاب الإسرائيليين من المصريين بمقتضى أنباء الله لإبراهيم. واستمر يتكلم على ولادة موسى وتعيين الله إياه منقذاً والأمور التي حملته على الهرب إلى أرض مديان والرجوع من مديان إلى مصر ورضا حميه يثرون بذهابه (ص 4: 18). وختان ابن موسى (ص 4: 24 - 26) والتقاء موسى بهارون (ع 27 و28). وقبول بني إسرائيل موسى قائداً (ع 29 - 31). وطلب موسى الأول من فرعون الإفراج وعدم سمع فرعون وإعلانه إرادة التثقيل على إسرائيل وزيادته (ص 5 - ص 16: 1 - 13). وجهاد موسى مع فرعون (ص 5 - ص 11). وما في ذلك من الضربات ونهاية الشدة والاستعداد للفصح (ص 12: 1 - 28). وضربة الأبكار وكانت نتيجتها إطلاق بني إسرائيل بسرعة لا الإذن بخروجهم إلى البرية فقط (ص 12: 33). وخروجهم بالغنائم (ص 12: 35 و36). وثم نبأ الخروج والسفر من رعمسيس في طريق سكوت وإيثام إلى فم الحيروث على شاطئ البحر الأحمر الغربي (ص 12: 37 - ص 14: 4). ونبأ اتباع جيش فرعون إياهم ومعجزة اجتياز البحر الأحمر وإغراق مياهه مركبات المصريين وخيلهم (ص 14: 5 - 31). وختام هذا النبأ بأغنية مريم (ص 15: 1 - 20).

ولما صار بنو إسرائيل حينئذ في الأمن من فرعون وجنوده أخذ الكاتب يقص نبأ سفرهم وطريقه في برية شور إلى مارة (ص 15: 22 - 26). ومن مارة إلى إيليم (ع 27). ثم من برية سين إلى رفيديم (ص 17: 1). ومن رفيديم إلى سيناء (ص 10: 1) وتذمر الشعب في مارة ومعجزة تصيير الماء عذباً (ص 15: 23 - 25) وإنزال المن والسلوى (ص 16: 4 - 36). والحرب العظيمة بين الإسرائيليين والعمالقة في رفيديم (ص 17: 8 - 13). وزيارة يثرون لموسى ونصحه له وتنظيم الشعب (ص 18: 1 - 27). ووصف الكاتب في (ص 19) إعداد الشعب لقبول الشريعة الأساسية التي بُنيت في (ص 20 - ص 23) وخلاصتها الوصايا العشر (ص 20: 1 - 17) وكتاب العهد (ص 20: 22 - ص 23). وتكلم في (ص 24) على قبول الإسرائيليين العهد (ع 3 إلى 8). وصعود موسى على الجبل الصعود الأول (ع 9 - 18). وما أعطاه الله موسى من الإرشاد في سبيل العبادة والبيت الذي يبنيه له وشغل بذلك سبعة أصحاحات (ص 25 - ص 31). وتكلم في الأصحاح الثاني والثلاثين على عناد الإسرائيليين ومعاقبتهم. وفي الأصحاح الثالث والثلاثين على تجديد العهد مع الله. وفي الأصحاح الرابع والثلاثين على أنباء أمور موسى في صعوده ثانية إلى الجبل وتركيب أجزاء الخيمة وثياب الكهنة وشغل بذلك خمسة أصحاحات (ص 35 إلى ص 39) وبقاء ذلك العمل إلى (ص 40 ) وإقامة الخيمة وظهور مجد الله فيها.

الفصل الثالث: في قسمي هذا السفر

هذا السفر يقسم إلى قسمين الأول تاريخ ما حدث لإسرائيل من موت يوسف إلى صيرورتهم أمة ووصولهم إلى سيناء (ص 1 - ص19). والثاني الشريعة وما يتعلق بها (ص 20 - ص 40).

القسم الأول يقسم إلى الأقسام الآتية

Table 1. 

(1) التضييق على الإسرائيليين في مصرص 1    
(2) ولادة موسى ونجاته وأول محاولته إنقاذ شعب اللهص 2    
(3) دعوة موسى ورجوعه إلى مصرص 3 و4    
(4) أول الخطاب بين موسى وفرعون ونتيجة ذلك وزيادة أثقال الشعب ويأسه وقنوط موسىص 5 و6    
(5) نسب موسى وهارونص 6: 14 - 27    
(6) اجتهاد موسى بعناية الله في أن يغلب فرعون المعاند وتسع ضربات من ضربات مصر العشرص 7: 10    
(7) إجراء الفصحص 12: 1 - 28    
(8) الضربة العاشرةص 12: 29 - 36    
(9) خروج بني إسرائيل من مصر وبلوغهم فم الحيروثص 12: 37 - 14: 4    
(10) اتباع جيش فرعون الإسرائيليين وعبور البحر الأحمر وهلاك المصريينص 14: 5 - 31    
(11) ترنم موسى ومريم بأغنية النصرص 15: 1 - 21    
(12) سفر الإسرائيليين من البحر الأحمر إلى رفيديم وانتصارهم على العمالقةص 15: 22 - ص 17    
(13) زيارة يثرون لموسىص 18    
(14) وصول الإسرائيليين إلى أمام سيناء واستعدادهم لقبول الشريعةص 19    

القسم الثاني وأقسامه ما يأتي

Table 2. 

(1) ألقاء الوصايا العشرص 20: 1 - 21    
(2) كلمات كتاب العهدص 20: 22 و23    
(3) قبول العهد وصعود موسى إلى الجبلص 24    
(4) تعليم موسى بناء الخيمة وتقديس الكهنةص 25 - 31    
(5) إفساد العهد بعبادة العجل وتجديد الشريعةص 32: 34    
(6) إعداد الخمية وأدواتها وثياب الأقداسص 35 - 39    
(7) نصب الخيمة وظهور مجد الله فيهاص 40    

الفصل الرابع: في زمن كتابة هذا السفر

قِدَم كتابة سفر الخروج بيّن من بساطة تركيب عباراته وقصّ أنبائه وما فيه من الأمور القديمة التي شاهدها الكاتب نفسه. فإن أكثر حوادثه مما رآها الكاتب بعينه وسمعها بأذنه ولمسها بيده وقصها بكل تدقيق حتى ذكر ما لا ضرورة إليه البيان مقصده فذكر وقوع البَرد على حاصلات أرض مصر وتأثير ذلك فيها بالتفصيل (خروج 9: 23 - 32). وهيئة المن وصفاته (ص 16: 14 - 31). ونزول الله على جبل سيناء (ص 19: 16 - 19 و20: 18) وإنه رأى ذلك بعينه. وإلا فمن غير المشاهد ينبئ بعدد عيون إيليم وعدد النخل النابت حولها (ص 15: 27). وبأن اللوحين الأولين اللذين كتب عليهما الوصايا العشر كان كل منهما مكتوباً على الوجهين (ص 32: 15). وأحوال موسى ويشوع عند سمعهما صوت الهتاف من الاحتفال الوثني بالعجل الذهبي قبل أن يصلوا إلى المحلة وينظروه (ص 32: 17 - 19). وأيّ الإسرائيليين في الأزمنة الحديثة يستطيع أن يعيّن اليوم الذي انطلقوا فيه من إيليم وهو إنه «ٱلْيَوْمِ ٱلْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (ص 16: 1). أو أن يخبر بأن مريم ونساء إسرائيل أخذت تغني معاً بدفوف ورقص (ص 15: 20). أو يعين بأن «فَمِ ٱلْحِيرُوثِ بَيْنَ مَجْدَلَ وَٱلْبَحْرِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ» (ص 14: 2). ومن غير المشاهد يقدر أن يعرف أن الجراد حملته ريح غربية شديدة وطرحته إلى بحر سوف أو يتجاسر أن يقول «لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ» (ص 10: 19). ومن ذلك قوله «فَأَخَذَتْ صَفُّورَةُ صَوَّانَةً وَقَطَعَتْ غُرْلَةَ ٱبْنِهَا وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ» (ص 4: 25). وإن هارون ذهب والتقى موسى في جبل الله وقبله (ص 4: 27). وإن مدبري إسرائيل «صَادَفُوا مُوسَى وَهَارُونَ وَاقِفَيْنِ لِلِقَائِهِمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ» (ص 5: 20). وإنه «مَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ مِنَ ٱلْبُيُوتِ وَٱلدُّورِ وَٱلْحُقُولِ. وَجَمَعُوهَا كُوَماً كَثِيرَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ ٱلأَرْضُ» (ص 8: 13 و14). وإنه «أَعْطَى ٱلرَّبُّ رُعُوداً وَبَرَداً، وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَمْطَرَ ٱلرَّبُّ بَرَداً عَلَى أَرْضِ مِصْرَ» (ص 9: 23). وإن الجراد «غَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ» (ص 10: 15). وإنه صار «ظَلاَمٌ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلاَمُ» (ص 10: 21). وإنه «قَامَ فِرْعَوْنُ لَيْلاً هُوَ وَكُلُّ عَبِيدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ» (ص 12: 30). «فَحَمَلَ ٱلشَّعْبُ عَجِينَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ، وَمَعَاجِنُهُمْ مَصْرُورَةٌ فِي ثِيَابِهِمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ» (ص 12: 34). وإنه «أَجْرَى ٱلرَّبُّ ٱلْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ٱللَّيْلِ» (ص 14: 21). «فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتاً عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ» (ص 14: 30). وإن المصريين «تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي ٱلأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ... غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ» (ص 15: 5 - 10). وإنه «كَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّ ٱلسَّلْوَى صَعِدَتْ وَغَطَّتِ ٱلْمَحَلَّةَ. وَفِي ٱلصَّبَاحِ كَانَ سَقِيطُ ٱلنَّدَى حَوَالَيِ ٱلْمَحَلَّةِ» (ص 16: 13). وإنهم «كَالُوا المن بِٱلْعُمِرِ» (ص 16: 18). «وَإِذَا حَمِيَتِ ٱلشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ» (ص 16: 21). وإنه «خَرَجَ مُوسَى لٱسْتِقْبَالِ حَمِيهِ وَسَجَدَ وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ عَنْ سَلاَمَتِهِ» (ص 18: 7). وإنه «ِكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ... وَٱرْتَجَفَ كُلُّ ٱلْجَبَل» (ص 19: 18). وإنه «أَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: كُلُّ ٱلأَقْوَالِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ» (ص 24: 3).

ولا حاجة إلى الزيادة على ما ذُكر لإثبات قِدَم كتابة هذا السفر. فإن أسلوبه ونفس الكاتب يدل على أن كاتبه كان قد ترك مصر حديثاً على أثر ما كان فيها من الحوادث المذكورة فيه. والمرجح أنه أُكمل تأليفه في السنة العشرين أو السنة الثلاثين بعد الدخول إلى أرض كنعان.

الفصل الخامس: في كاتب هذا السفر

إذا سلمنا بأن كاتب سفر التكوين كتب ما شاهده بنفسه أو أنه كان إسرائيلياً كتب ما شاهده في عصره من الحوادث كان تعيين ذلك الكاتب مسئلة علمية ويثبت أن تلك الحوادث صحيحة إذا ثبت أن كاتبها ممن شاهدوها كما قال ستروس. والعقل يثبت لنا من تلاوة ذلك السفر أن كاتبه لم يكن من عامة الإسرائيليين ولا المرؤوسين ولا غير العلماء بل من خاصة الإسرائيليين ورؤسائهم وأعظم علمائهم وقوادهم. ولا تقل الثقة بأنبائه شيئاً لو ثبت أن كاتبه غير موسى كهارون أو حور أو يشوع أو كالب لكن لا ريب في أنه يزيد الرغبة فيه ثبوت أن كاتبه موسى نفسه.

وما الدليل على أن كاتبه موسى. إن البراهين على ذلك كثيرة نذكر منها ما يأتي:

الأول: إن يشوع نسب «كتاب الشريعة» إلى موسى (يشوع 8: 31). ونسبه إليه كاتب سفري الملوك وسفري الأيام (2ملوك 14: 6 و2أيام 25: 4) وعزرا (عزرا 6: 18) ونحميا (نحميا 13: 1) وملاخي (ملاخي 4: 4) وربنا المبارك (يوحنا 7: 19 الخ) والقديس يوحنا المعمدان (يوحنا 1: 17) وفيلبس الرسول (يوحنا 1: 45) وبطرس الرسول (أعمال 4: 22) وبولس الرسول مراراً وعلماء اليهود ومفسروهم وكل الآباء المسيحيين. ولا بينة على إثبات كاتب كتاب من الكُتّاب كالبينة على أن موسى كاتب التوراة أي الأسفار الخمسة المعروفة.

الثاني: إن لنا كثيراً من البينات الداخلية يُثبت أن موسى هو كاتب سفر الخروج وليس إنه كان في مصر وألف المصريين وخالطهم فقط بل إنه أحكم أيضاً اللغة المصرية وعرف شريعة المصريين وفنونهم وآدابهم وحكمتهم. وعدد الكلمات المصرية والعبارات المصرية كثيرة في هذا السفر. وما وضعه الكاتب من الشرائع يشبه شرائع المصريين كثيراً. وكذلك ما زان به خيمة الشهادة وأنشأه من السجوف والثياب مثل سجوف المصريين وثيابهم فدل ذلك على أن الكاتب اعتاد كل عادات المصريين ما سوى ما يخالف إرادة الله الحي. وكان قد أحكم فنون البلاغة والشعر والإنشاء كما يظهر من «ترنيمة موسى» وهذا ما لم يكن أدركه أحد من الإسرائيليين في ذلك العصر سوى موسى فلا يبقى لنا أن نظن غيره من بني إسرائيل كتب هذا السفر. لأن موسى وحده هو الذي تعلم العلوم والفنون المصرية في البلاد الملكي «فَتَهَذَّبَ... بِكُلِّ حِكْمَةِ ٱلْمِصْرِيِّينَ» (أعمال 7: 22). وصحب علماء مصر وشعراءها وجلس في صروح فرعون الفاخرة ودخل هياكل مصر العظيمة فكان الآية الكبرى في كل ما ذُكر فكتب بعد أن رأى كل شيء بعينيه. ومن غير موسى يقدر قبل أن يقتل المصري أن يعرف أنه كان يلتفت إلى هنا وهناك (ص 2: 12). ومن يقدر غيره أن يذكر أنه «طمره في الرمل» (ص 2: 12). ومن استطاع غيره أن يعرف أنه «مال لينظر ذلك ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ ٱلْعُلَّيْقَةُ» (ص 3: 3). أو إنه هرب من أمام الحية التي تحولت إليها عصاه (ص 4: 3) وإنه حين ترك مديان أخذ امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير (ص 4: 20). وإن صفورة أخذت صوانه وقطعت غرلة ابنها (ص 4: 25). وإنها حين قطعتها مست رجلي موسى (ص 4: 25). ومن يقدر أن يقول سواه أنه يوم مارة «صَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ. فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي ٱلْمَاءِ فَصَارَ ٱلْمَاءُ عَذْباً» (ص 15: 25). وإن يديه ثقلتا عند رفيديم (ص 17: 12). وعلة تسمية ابنيه (ص 18: 3 و4). وإنه لما نزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده «لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ» (ص 34: 29). وإنه لما رأى مجد الله أسرع وخرّ إلى الأرض وسجد (ص 34: 8). وليس عمل موسى وحده يبين أنه هو الكاتب بل كلامه وأفكاره أيضاً بالنظر إلى الله (ص 32: 31 و32 و33: 12 - 16 الخ).

الثالث: إن قوي البرهان على أن موسى كاتب هذا السفر يُستنتج من أسلوب الكلام فإن الكاتب لم ينسب إلى نفسه شيئاً من العظمة ولو كان الكاتب غيره لرفعه إلى فوق الكواكب. والذي ذُكر في هذا السفر إن موسى كان ألثغ قليل المواهب الطبيعية ذا نقائص كثيرة قاسياً غير حليم افتتح حياته بإثم القتل (ص 2: 12). وإنه كان جباناً (ص 2: 14 و15) وهرب خوفاً وإن الله لما دعاه إلى الإرسالية استعفى حتى هاج غضب الله عليه (ص 4: 1 - 14). وإنه لما لم ينجح في طلبته الأولى من فرعون لام الله ومال إلى عدم الاحترام (ص 5: 22 و23). ولما دُعي ثانية إلى أن يدخل إلى فرعون ويبلغه قول الرب جبن وذكر ضعفه وعيبه ونقص قواه الطبيعة (ص 6: 12). ولما عزم على المجاهرة مع فرعون إلى النهاية أظهر شجاعة وثقة بالله لكنه لم يشكر نفسه ولم ينطق بكلمة تدل على أنه صلحت سجيته الأدبية لكنه قيل مرة «مُوسَى كَانَ عَظِيماً جِدّاً فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي عُيُونِ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وَعُيُونِ ٱلشَّعْبِ» (ص 11: 3). و لعله هو لم يتكلم بتلك الكلمات وإن أحد الأنبياء زاد هذه العبارة بياناً للواقع. على أنها مع ذلك لا تدل على أنه قصد مدح نفسه بها لكنها دلت على الواقع وكان بيان هذا الواقع ضرورياً للنبإ لأنه كان بياناً لكثرة هدايا المصريين للإسرائيليين في إخراجهم من مصر. وفي الجزء الآخر من الخروج لم يذكر أدنى كلمة تدل على أقل مدح له بل اقتصر على ذكر نقائصه حتى إنه لم يثن على ذاته يوم سأل الله أن يمحو اسمه من كتابه لأجل شعبه وكأن هذا الذي أتاه من زهيد الأمور (ص 32: 32). ولم يشر أدنى إشارة إلى شجاعته وإيمانه وحكمته في سبيل إتمامه للرسالة منذ وقوفه الثاني أمام فرعون (ص 7: 10) على خلاف ما قاله فيه كاتب الرسالة إلى العبرانيين (عبرانيين 11: 24 - 28) مع أن أهل عصره الذين اعتبروه منقذاً لهم ورأوا فوق كل نبي بدليل واحد منهم «وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى ٱلَّذِي عَرَفَهُ ٱلرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ، فِي جَمِيعِ ٱلآيَاتِ وَٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي أَرْسَلَهُ ٱلرَّبُّ لِيَعْمَلَهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ» (تثنية 34: 10 و11).

الفصل السادس: في صدق هذا السفر

قال ستروس ما معناه لا ريب في صدق تاريخ التوراة إذا ثبت أن كاتبه قد شاهد بعينه ما كتب أنباءه. وقال «لما كان موسى قائد الإسرائيليين في خروجهم من مصر كان تاريخه مما لا ريب فيه ما لم يكن قد قصد الخداع» (وذلك لم يقل به أحد). واعتمد هذا السفر كل المؤرخين واستدلوا على صحته بأحسن الأدلة. من ذلك أن كاتبه أبان بالتدقيق نبأ المصريين وجغرافية مصر وحواصلها وخواص إقليمها وعادات أهلها ولا يقدم على مثل هذا إلا الذي عرف الحقيقة واختبرها. وقد أيد أقواله المؤرخون القدماء والمحدثون وجعلوا سفره من أهم دروسهم وصدقت أقواله المكتشفات المصرية. ومما قاله أقدم المؤرخين المصريين وهو منئو الكاهن المصري الذي كتب تاريخ مصر في عصر بطلميوس الأول (من سنة 323 - 284 ق. م) أبان أنه كان في أيام ملك أمنوفس بن رعمسيس وجدّ سيتوس رجل اسمه موسى قاد من مصر إلى سورية جماعة من النجسين. وقال هكاتوس الأبديري الذي كان في نحو ذلك العصر مثل ذلك وزاد على ذلك أن تلك الجماعة كانت مؤلفة من الغرباء وأقامت باليهودية. وقال ما يقرب من ذلك ارتابانس وشيريمون وأوبوليمس وليسياخوس وتاشتوس وغيرهم من قدماء المؤرخين. وقبل هذا السفر تاريخاً صادقاً في العصور الخالية والعالم القديم. وكان قوم موسى لا يعرفون باليهود وبالإسرائيليين وإنهم كانوا في وقت من الأوقات في مصر وإنهم تركوها لعداوة بينهم وبين المصريين. وإنهم سافروا في البرية إلى فلسطين واتفق أكثر الكتبة على أن قائدهم كان رجلاً اسمه موسى. وذكر بعضهم أنه قادهم اثنان اسم أحدهما موسى واسم الآخر هاروس أي هارون. وسلم المصريون أنفسهم بأن الإسرائيليين اجتازوا في البحر الأحمر لكنهم اختلفوا في كونه معجزة أو غير معجزة. وقال كهنة ممفيس ان موسى توقع بالحساب وقت الجزر واجتاز في البر في وقت الجزر. وانظر هل يكون الجزر ممكناً من الاجتياز في قرار البحر على الأقدام. على أن بعض مؤرخيهم قال ما هو على وفق نبإ السفر وهو ان ملك مصر قاد جيشه وراء الإسرائيليين لأنهم خرجوا بغنى مصر الذي استعاروه من المصريين فصوت الله أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه ويقسمه ولما ضربه بعصاه انقسم ومشى قومه على اليبس.

واعترض أعداء الكتاب اليوم على صحة سفر الخروج بأمرين الأول إن قسماً كبيراً منه معجزات. والثاني زيادة عدد الإسرائيليين. فإن بعضهم ينكر إمكان المعجزات وأكثرهم يقول قول هيوم إن الذي يشهد بالمعجزات بالمشاهدة مخدوع لاستحالة وقوع المعجزات حقيقة. ويضيق المحل في هذه المقدمة بدفع ذلك بالتفصيل فنكتفي بدفعه بالإجمال والاختصار ومن أراد إبطاله بالتفصيل فعليه بمطالعة كتاب الأدلة السنية لحضرة العالم الفاضل اللاهوتي المدقق الدكتور جمس أنس. فنقول كل مسيحي ومؤمن بإيمان الرسل لا بد من أن يسلم بالمعجزات لأنه يسلم بقيامة المسيح وصعوده ومن سلم بذلك هان عليه أن يسلم بغيره من المعجزات لأنها أقل منه.

ولنا في المعجزات هنا ثلاثة أقوال:

الأول: إن المعجزات كانت مفتقراً إليها أو ضرورية.

الثاني: إنها كانت من مقتضيات الأحوال.

الثالث: إنها كانت مما لا يخدع بها مشاهدها ولا يمكن أن يُخدع. فإن موسى الذي أثبتنا أنه كاتب هذا السفر ما كان ممن يخدعون بالمعجزات لأنه كان من أعلم علماء عصره ولا يمكنه أن يخدع نفسه فإنه هو الذي صنعها بقدرة الله. وعلى فرض أن كاتب هذا السفر أحد رفقائه ككالب أو يشوع لم يصح عقلاً إنه خُدع لسهولة أن يحكم كل أحد بضربة الوباء وعدمها وانقسام البحر الأحمر وعدم انقسامه وبحركة عمود نار وسحابة أمامه فأدنى عامة الناس يقدر أن يعرف وقوع ذلك حقيقة أو عدم وقوعه. ولنا في العدد ما يأتي وهو إن العدد كان عرضة للتغيير في ما كتبه القدماء لأنهم ما كانوا يدلون عليه بالأرقام كما ندل عليه اليوم فيمكن أن يكون العدد في سفر الخروج أكثر من الواقع ولكن الإمكان غير الوقوع فإن الإسرائيليين لو لم يكثروا تلك الكثرة لم يخف المصريون منهم. وما كثرة الإسرائيليين بالنسبة إلى سائر سكان مصر يومئذ فإن المرجح كان سكانها نحو ثمانية ملايين فلو حسبنا الإسرائيليين مع من هاجر إليهم من الساميين واختلطوا بهم وصاروا منهم مليوناً لم يكن ذلك وراء التصديق. وكيف أمكن الإسرائيليين أن يستولوا على أرض كنعان مع كثرة سكانها لو لم يكونوا كثيرين على أن بعضهم قال أن الإسرائيليين كانوا يومئذ نحو ألفي ألف.

الفصل السابع: في أحوال سفر الخروج

أحوال هذا السفر على غاية ما يرام من الجودة فليس فيه من القراءات المختلفة إلا ما قل وليس فيه آية من الآيات تحتاج إلى الإصلاح وما وُجد من الزيادة لبعض الكلمات في الترجمة السامرية والترجمة السبعينية كما في (ص 1: 11) فإنه زيد لفظة «أُون» في السبعينية. و(ص 12: 40) فإنه زيد فيها «وأرض كنعان» ليس هو ما سقط من الأصل العبراني بل هو من الحواشي التي كتبها المترجمون في الترجمتين وأُدخلت سهواً في متنيهما وقد اتفق جمهور المفسرين على ذلك. وعلى الجملة نقول إن سفر الخروج وصل إلينا في الحال التي كان عليها لما فرغ موسى من كتابته. إلا أن فيه عبارة أو عبارتين تبين لبعضهم إن موسى ليس بكاتبهما وذلك بعض ما في (ص 6: 14 - 27 وص 11: 3) والمظنون أن كاتبهما يشوع وإنه كتبهما بإلهام الله.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

زيادة الإسرائيليين في مصر وظلم الملك الجديد لهم

1 «وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ. مَعَ يَعْقُوبَ جَاءَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَبَيْتُهُ».

تكوين 46: 8 وص 6: 14

وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ انتهى سفر التكوين بتواريخ الأشخاص الذين هم أصول الإسرائيليين وابتدأ سفر الخروج بالإسرائيليين أي إن سفر التكوين كان نبأ الأفراد الأصول وسفر الخروج نبأ الشعب الذي هو نتاجهم. وبداءة تاريخ الأمة الإسرائيلية الآية السابعة. والآية الأولى وما بعدها إلى نهاية الآية السادسة الحلقة الرابطة بين الأصول والنتاج الذي هو الأمة وبين سفر التكوين. (قابل الآية الأولى وما بعدها إلى نهاية الآية الخامسة هنا بما في تكوين 46: 8 - 27 والآية السادسة هنا بما في تكوين 5: 26).

كُلُّ إِنْسَانٍ وَبَيْتُهُ يراد بالبيت كل من فيه من الأولاد والحفدة والخدم المولودين فيه (تكوين 14: 14).

2 - 4 «2 رَأُوبَيْنُ، وَشَمْعُونُ، وَلاَوِي، وَيَهُوذَا، 3 وَيَسَّاكَرُ، وَزَبُولُونُ، وَبِنْيَامِينُ، 4 وَدَانُ، وَنَفْتَالِي، وَجَادُ، وَأَشِيرُ».

رَأُوبَيْنُ ذكر أبناء الزوجتين الشرعيتين أولاً وأبناء الجاريتين ثانياً. وأبناء ليئة قبل أبناء راحيل ومن ولدت بلهة قبل من ولدت زلفة فذكر الأبناء على الترتيب باعتبار الأمهات.

5، 6 «5 وَكَانَتْ جَمِيعُ نُفُوسِ ٱلْخَارِجِينَ مِنْ صُلْبِ يَعْقُوبَ سَبْعِينَ نَفْساً. (وَلٰكِنْ يُوسُفُ كَانَ فِي مِصْرَ). 6 وَمَاتَ يُوسُفُ وَكُلُّ إِخْوَتِهِ وَجَمِيعُ ذٰلِكَ ٱلْجِيلِ».

تكوين 46: 27 وتثنية 10: 22 تكوين 50: 26 وأعمال 7: 15

جَمِيعُ نُفُوسِ... سَبْعِينَ قابل بما في (تكوين 46: 8 - 27) وبيان ذلك يعقوب نفسه 1 وأبناؤه 12 وبنته دينة 1 وحفدته 51 وحفيدته سارح 1 وأبناء حفدته 4 فالجميع سبعون. وبناته ما عدا دينة وأبناء بناته ما عدا سارح ذُكروا في (تكوين 46: 7) ولم يدخلوا في الحساب هنا. وإذا كان من وُلد له من الإناث ومن ولدته الإناث كثيرات كالذكور يوم دخل مصر لكان الذين خرجوا من صلبه 132. وإذا أردنا ضبط عدد الذين دخلوا معه مصر وجب أن نحسب زوجات أبناءه وحفدته وأزواج بناته وحفيداته ولو جمع ذلك لكان من دخلوا معه مصر كثيرين جداً ولم نعجب من قول كرتز إن الذين دخلوا مصر مع يعقوب كانوا ألوفاً.

7 «وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَثْمَرُوا وَتَوَالَدُوا وَنَمَوْا وَكَثُرُوا كَثِيراً جِدّاً، وَٱمْتَلأَتِ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ».

تكوين 46: 3 وتثنية 26: 5 ومزمور 105: 24 وأعمال 7: 17

وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَثْمَرُوا أي كثروا بالتوالد. كانت الأرض التي نزلوها في مصر موافقة للصحة فكثر بها نسل الناس والبهائم. وكانت التربة مخصبة كثيرة الغلال. وكان ملوك مصر ينظرون بالإكرام إلى نمو العبرانيين لأنهم كانوا قوة لهم في التخم الشرقي لأنه كان قبلهم باباً لغزو الغزاة لمصر. وكانت بركة الله وافرة على الشعب الذي وعد بأن يجعله «كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ» (تكوين 22: 17). وقد بينت كثرة بني إسرائيل في تفسير (ص 12: 37 - 41).

ٱلأَرْضُ جاسان حيث سكنوا (تكوين 47: 4 - 6) والظاهر أنها الجزء الشرقي من الجزيرة المعروفة عند اليونانيين بالذلتا.

8 «ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ».

أعمال 7: 18

ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ الظاهر أنه ملك من دولة جديدة ظنه بعضهم آحمس الأول مؤسس دولة منيثو الثامنة عشرة وظنه آخر رعمسيس الثاني أعظم ملوك الدولة التاسعة عشرة. ومال بعض المحدثين إلى أنه سيتي الأول أبو رعمسيس الثاني وابن رعمسيس الأول. وسيتي هذا وإن لم يكن مؤسس الدولة التاسعة عشرة كان منشئ عظمتها.

لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ يظهر من هذا أن المصريين بعد زمان من وفاة يوسف نسوا وفرة نفعه لمصر ووقاية أهلها من الموت جوعاً. والمرجح أن الملك الجديد المذكور هنا لم يعرف شيئاً من أمر يوسف ولا اسمه إنما نظر إلى كثرة الإسرائيليين وخشي من خطرهم في المستقبل.

9 «فَقَالَ لِشَعْبِهِ: هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا».

مزمور 105: 24

ِفَقَالَ لِشَعْبِه أي لنواب الشعب وهم كبراؤه وعظماء بلاطه.

أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا وفي العبرانية كثيرون أقوياء بالنظر إلينا. وعلى الوجهين قول فرعون كذب لأن سكان مصر كانوا يومئذ نحو ثمانية آلاف ألف وبني إسرائيل لا يكادونه يبلغون ألفي ألف فإن رجالهم يوم خرجوا من مصر لم يكونوا إلا ست مئة ألف (ص 12: 37) ولكن فرعون أتى هذه المبالغة بل هذا الكذب ليهيج بغض المصريين وعداوتهم للإسرائيليين كدأب كل شرير عند غايته وأغراضه.

10 «هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، فَيَكُونَ إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ ٱلأَرْضِ».

أيوب 5: 13 ومزمور 105: 25 وأمثال 21: 30 وأعمال 7: 19 تكوين 46: 4 و50: 24

هَلُمَّ نَحْتَالُ رأى الحيلة من الحكمة فيوقفهم عن النمو بأسهل طريق وقد أبان تلك الحيلة في (ع 11).

إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ (هذا دليل على جهله ولو كان حكيماً لأحسن إليهم وجعلهم أصدقاءه فكانوا أعظم عون له على الأعداء). كان المصريون يومئذ معتدين وهولاً لجيرانهم يغزون وينهبون وقلما غُزوا أو نُهبوا لكنهم صاروا في بداءة الدولة التاسعة عشرة إلى غير ذلك. وكانت في ذلك الوقت أمة عظيمة تكثر كثيراً وراء التخم الشمالي الشرقي وتقوى وتنذر المصريين في أسيا الغربية وكانوا يتوقعون هجوم المحاربين من ذلك الصقع.

يَنْضَمُّونَ والحق أن الإسرائيليين لم يكونوا مائلين أدنى ميل إلى الغزاة الذين يغزون المصريين سواء أكانوا عرباً أم فلسطينيين أم أشوريين أم حثيين. بل كانوا يدفعون الغزاة وقاية لحريتهم ولكن المصريين حسبوا أن الإسرائيليين سينضمون إلى الغزاة ليربحوا ويستقلوا ويذهبوا ولعلهم ظنوا أن للإسرائيليين محالفة مع بعض الأمم الشرقية.

وَيَصْعَدُونَ مِنَ ٱلأَرْضِ أي يتركون مصر ويذهبون إلى المشرق. وكان فراعنة الدولة التاسعة عشرة كثيري الحرص على بقاء رعاياهم في أرضهم. فبذلوا كل ما في وسعهم في أن يضعفوا الأقوياء ليمنعوهم من المهاجرة.

11 «فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ، فَبَنُوا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ، وَرَعَمْسِيسَ».

تكوين 15: 13 وص 3: 7 وتثنية 26: 6 ص 2: 11 و5: 4 و5 تكوين 47: 11

رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ كان رؤساء التسخير أي الإجبار على الأعمال بلا أجرة الذي بلغ حينئذ الإسرائيليين صنفين صنفاً أدنى وهم النظار الذين يراقبون المسخرين ويجبرونهم على الجد في العمل وصنفاً أعلى وهم الذين يوزعون الأعمال ويأمرون بإجرائها. ورؤساء التسخير في هذه الآية هم الصنف الأعلى.

لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ هذا هو الغاية من كل ما تقدم فإن الإذلال والضرب للإجبار على القيام بالأعمال الشاقة من أنسب الوسائل إلى تقليل النسل ومنع الكثرة وهذه الحيلة كانت على مقتضى الحكم البشري من مخترعات الحكمة (ولكنها بمقتضى حكم العقل المستنير من مواليد الجهل والحماقة).

فَبَنُوا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ المقصود بالمخازن هنا مخازن الأسلحة المعدة لدفع المهاجمين والغزاة (1ملوك 9: 19 و2أيام 8: 4) وكان فراعنة الدولة التاسعة عشرة شديدي الاعتناء بحراسة التخم الشمالي الشرقي.

فِيثُومَ وسُميت في تاريخ هيرودوتس باتومس وذُكر أنها في مصر السفلى على القرب من بوبستيس المعروفة بتل بسطة. وسُميت فيثوم في عاديات رسوم الدولة التاسعة عشرة بيتوم وأُطلق هذا الاسم على مدينة الشمس التي هي بعض آلهة المصريين. والمرجح أنها لم تكن بعيدة كثيراً من هيلوبوليس مركز عبادتها.

رَعَمْسِيسَ وهي بيرعميسو أي مدينة رعمسيس. وكانت عاصمة المملكة في أول استيلاء الدولة التاسعة عشرة والظاهر أن ذلك اسم جديد لمدينة تَنِس. وادعى رعمسيس الثاني أنه بنى معظمها. والمرجح أن أباه سيتي بنى الجزء الأول منها وبذل عنايته في حماية الثغر الشمالي الشرقي ولم تزل آثار هذه المدينة إلى اليوم.

12 «وَلٰكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هٰكَذَا نَمَوْا وَٱمْتَدُّوا. فَٱخْتَشَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هٰكَذَا نَمَوْا فالنتيجة على غير ما تقتضيه العادة فلزم أنها كانت بعناية الله فهو الذي يجعل شر الإنسان يمجده لأن العادة أن المظلومين يضعفون ويقلون.

13 «فَٱسْتَعْبَدَ ٱلْمِصْرِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ».

بِعُنْفٍ فإن العمل الذي سُخر به الإسرائيليون كان شاقاً وكانوا مكلفين أن يعملوا من الصباح إلى الليل تحت عصا المسخر فكان الإسرائيلي إذا أراح رجله دقيقة ضربه المسخر بالعصا على فخذيه. وكان حر الشمس هنالك شديداً. وكان ما يحمله الفاعل ثقيلاً جداً حتى كاد بعض الفعلة يموت وربما مات كثيرون بذلك. وقد جاء في أنباء هيرودوتس أن نيخو أحد الملوك المصريين قتل بمثل ذلك 120000 من رعيته.

14 «وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي ٱلطِّينِ وَٱللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَلٍ فِي ٱلْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ ٱلَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفاً».

ص 2: 23 و6: 9 وعدد 20: 15 وأعمال 7: 19 و34

فِي ٱلطِّينِ وَٱللِّبْنِ سُئل هل كان المصريون يستعملون اللِبن في البناء فأُجيب بأنه لا ريب في أن مواد الصروح والهياكل والأهرام كانت من الحجارة لكن كثيراً من الأسوار والبيوت والحصون كان مبنياً من اللِبن وأكثر ذلك كان في الجزيرة المعروفة بالذلتا. وشُوهد بعض الأهرام اللِبنية هنالك. وان الذين يصنعون اللِبن الغرباء ومُثلوا في الرسوم عبيداً.

وَفِي كُلِّ عَمَلٍ فِي ٱلْحَقْلِ من حراثة وزراعة وحصاد وما أشبه ذلك. وقال يوسيفوس إنهم كُلفوا بحفر القنوات. وقد أُشير إلى بعض ما كانوا يكُلفون به في سفر تثنية الاشتراع (تثنية 11: 10). ومثل هذه الأعمال تحت أشعة الشمس المحرقة من شر مقصرات الأعمار.

15 «وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قَابِلَتَيِ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ ٱللَّتَيْنِ ٱسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَٱسْمُ ٱلأُخْرَى فُوعَةُ».

قَابِلَتَيِ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ الخ رأى بعضهم أن تينك القابلتين كانتا مصريتين بناء على أن مثل فرعون لا يثق أن تساعده امرأتان إسرائيليتان على إهلاك أولاد الإسرائيليين. ورأى بعضهم إنهما إسرائيليتان واستدل على ذلك بأمرين الأول إن اسميهما شفرة وفوعة عبرانيان معنى الأول جميلة أو حسناء ومعنى الثاني (فوهة) أو صارخة. والثاني إن من المعهود أن كل ملة تختار القوابل منها.

16 «وَقَالَ: حِينَمَا تُوَلِّدَانِ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى ٱلْكَرَاسِيِّ إِنْ كَانَ ٱبْناً فَٱقْتُلاَهُ، وَإِنْ كَانَ بِنْتاً فَتَحْيَا».

عَلَى ٱلْكَرَاسِيِّ أي كراسي الولادة وفي العبرانية «الابنيم» أي الحجرين أو الأبناء ولكن لم يقم دليل على أن نساء العبرانيين أو نساء مصر كنّ يجلسن على الحجرين عند الولادة (فلعل المقصود بذلك الكرسي كما في المتن وأصله من الجلوس على الحجارة البرية). أو المقصود الأبناء والمعنى متى رأيتما المولودين أبناء الخ.

17 «وَلٰكِنَّ ٱلْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا ٱللّٰهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ، بَلِ ٱسْتَحْيَتَا ٱلأَوْلاَدَ».

أمثال 16: 6 دانيال 3: 16 و6: 13 وأعمال 5: 29

وَلٰكِنَّ ٱلْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا ٱللّٰهَ كانت القابلتان تؤمنان بالله بقطع النظر عن كونهما مصريتين أو عبرانيتين وعرفتا أن الله يعاقب على الأعمال الشريرة ولذلك لم تطيعا أمر فرعون.

18 «فَدَعَا مَلِكُ مِصْرَ ٱلْقَابِلَتَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هٰذَا ٱلأَمْرَ وَٱسْتَحْيَيْتُمَا ٱلأَوْلاَدَ؟».

لِمَاذَا الخ (كيف عرف فرعون ذلك. لا بد من أنه كان له من يشاهد أطفال الإسرائيليين ويخبره).

19 «فَقَالَتِ ٱلْقَابِلَتَانِ لِفِرْعَوْنَ: إِنَّ ٱلنِّسَاءَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَٱلْمِصْرِيَّاتِ، فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُنَّ ٱلْقَابِلَةُ».

إِنَّ ٱلنِّسَاءَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَٱلْمِصْرِيَّاتِ الخ المرجّح أنهما صدقتا بذلك ولكنهما لم تجيباه بسوى ما استطاعتا أن تتكلما به صدقاً.

20 «فَأَحْسَنَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلْقَابِلَتَيْنِ، وَنَمَا ٱلشَّعْبُ وَكَثُرَ جِدّاً».

أمثال 11: 18 وجامعة 8: 12 وإشعياء 3: 10 وعبرانيين 6: 10

فَأَحْسَنَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلْقَابِلَتَيْنِ على خوفهما إياه وعصيانهما أمر فرعون. وذكر ما أحسن به إليهما في (ع 21).

21 «وَكَانَ إِذْ خَافَتِ ٱلْقَابِلَتَانِ ٱللّٰهَ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتاً».

راعوث 4: 11 و1صموئيل 2: 35 و2صموئيل 7: 11 و27 و29 و1ملوك 2: 24 و11: 38

صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتاً أي جعلهما زوجين كلا لمن تحب ورزقهما بنين.

22 «ثُمَّ أَمَرَ فِرْعَوْنُ جَمِيعَ شَعْبِهِ قَائِلاً: كُلُّ ٱبْنٍ يُولَدُ تَطْرَحُونَهُ فِي ٱلنَّهْرِ، لٰكِنَّ كُلَّ بِنْتٍ تَسْتَحْيُونَهَا».

أعمال 7: 19

كُلُّ ٱبْنٍ يُولَدُ أي كل ابن يولد للعبرانيين كما تفيد القرينة.

تَطْرَحُونَهُ فِي ٱلنَّهْرِ أي النيل والظاهر أنه أتى ذلك على سبيل العبادة والإكرام لذلك النهر لأن المصريين كانوا يعتبرونه مقدساً ويسبحونه ويعبدونه وتقديم الأطفال للآلهة كان كثيراً بين الوثنيين. فكانوا يقتلون كثيراً منهم إرضاء للآلهة الباطلة. ولعل فرعون كان يقدم أبناء العبرانيين للتماسيح لأنها كانت رمزاً إلى إله للمصريين على صورة التمساح. ولم ينتن النيل من جثث أولئك الأبناء لأن التماسيح كانت تبلعها سريعاً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

ولادة موسى وتهذيبه وأول سنيه

1 «وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي».

ص 6: 20 وعدد 26: 59 و1أيام 23: 14

ذَهَبَ أي سعى في الزواج (قابل هذا بما في تكوين 35: 22 وهوشع 1: 3) أو شرع في مقصوده. وهو مجرد اصطلاح لغوي.

رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي ذكر موسى هنا نبأ ولادته بلا أدنى إشارة إلى الرفعة والسمو على خلاف عادة الشرقيين في الكلام على نشوء من اعتقدوا أنهم مؤسسو دينهم وآدابهم ككلامهم في ثوت أو توت وزورستير وأرفوس حتى أنه عدل عن ذكر اسمه. فلا سبيل إلى ظن أن الذين عدل عن ذكر ذلك الاسم سوى موسى. والمقصود بكونه من بيت لاوي أنه سبط لاوي أحد أبناء إسرائيل الذين هم آباء الأسباط ورؤساؤهم.

بِنْتَ لاَوِي أي امرأة من ذلك السبط الذي هو منه.

2 «فَحَبِلَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ٱبْناً. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ، خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ».

أعمال 7: 20 وعبرانيين 11: 23

لَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ قال القديس استفانوس فيه إنه «كان جميلاً جداً» (أعمال 7: 20). ووصفه ترغوس بمبيوس بجمال المنظر الذاتي. وظاهر العبارة أن جماله حمل أمه على حفظ حياته وهذا لا ينفي أنها حفظته لغير ذلك من الدواعي (ككونه ابنها وكون الوالدة تحرص على حياة مولودها طبعاً).

خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وذلك قدر ما استطاعت فإن المصريين كانوا مختلطين بالإسرائيليين في أرص جاسان فكان كل بيت من بيوت الإسرائيليين عرضة للجواسيس المصريين منذ أمر فرعون القابلتين.

3 «وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطاً مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِٱلْحُمَرِ وَٱلزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ ٱلْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ ٱلنَّهْرِ».

إشعياء 18: 2 تكوين 11: 3

سَفَطاً مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ وعاء شبيه بالقفة ويُطلق على التابوت وهو هنا شبيه صندوق ولعله هو المقصود فإنه في العبرانية «تبت» و «تبه» وفي الكلدانية «تيبيتاً» وفي المصرية القديمة «تيب» أو «تيبا» أو «تيبات» ومعناها تابوت وصندوق. والبردي (قال الأنطاكي هو نبات يطول فوق ذراع وساقه رهيفة هشة تُرض وتشظى وعليها زهر أبيض جممٌ (أي كثير) يخلف بزراً دون الحلبة هش مرٌ ومنه ما يُفتل حبالاً (ومنه) الحصر المعروفة في مصر بالأكياب. وفي العبرانية «غام» وفي المصرية القديمة «كام» كما هو في القبطية الحديثة ولعل العبرانيين أخذوا الاسمين التابوت والبردي عن المصريين. وكان المصريون يصنعون منه القوارب والأوعية حتى الكبيرة منها) واتخذوا قديماً ورق الكتابة منه.

وَطَلَتْهُ بِٱلْحُمَرِ وَٱلزِّفْتِ (انظر تفسير تكوين 11: 3 و6: 14). الحُمَر هو القار المعدني المعروف عند العامة بالحُمّر. والزفت هو القار والمقصود به هنا الزفت النباتي المعروف بالتجارة (ومن النباتات التي يخرج منها الينبوت والدِّقران). وكان الزفت المعدني متوفراً في مصر وإن لم يكن من حاصلاتها فإنه كان يؤتى به إليها من أرض ما بين النهرين وكانوا يستعملونه كثيراً في التحنيط.

بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ «الحلفاء نبات مائي كثير الوجود يقوم مقام البردي في عمل الحصر والحبال». وهو يكثر على شواطئ النيل. ووضعت يوكابد ولدها بين الحلفاء لكي لا تحمله مياه النهر فتبعده عن نظرها. والحلفاء في العبرانية «سوف» وهو من المصرية ولفظه فيها «توفي».

4 «وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ».

ص 15: 20 وعدد 26: 59

أُخْتُهُ المظنون أنها مريم لأنه لم يذكر أن له أختاً غيرها (ص 15: 20 و21 وعدد 26: 59) وكانت على ما يظهر من الحديث ابنة أربع عشرة سنة أو خمس عشرة وإنها كانت لبيبة نبيهة (انظر تفسير ع 8).

5 «فَنَزَلَتِ ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى ٱلنَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ، وَكَانَتْ جَوَارِيهَا مَاشِيَاتٍ عَلَى جَانِبِ ٱلنَّهْرِ. فَرَأَتِ ٱلسَّفَطَ بَيْنَ ٱلْحَلْفَاءِ فَأَرْسَلَتْ أَمَتَهَا وَأَخَذَتْهُ».

فَنَزَلَتِ ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى ٱلنَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ هذا على وفق ما يتصوره الإنسان من أمور مصر حينئذ فإن النساء في مصر كانت تفعل ما تختار إلى حد بعيد وتُطوّف حيث شاءت وكانت تعتبر النظافة وتلازمها. وكان الاعتقاد أن مياه النيل نافعة نفعاً عاماً ولا ريب في أنه كان للنساء جزء من النهر مختص بها ولا ريب في أن الأميرات كانت تقصد ذلك الجزء. والمرجّح أن يوكابد كانت تعرف أين تستحم ابنة فرعون.

جَوَارِيهَا الخ لا بد من أن يكون إماء أو خادمات لأميرات فكان لابنة فرعون عدة منهن. والظاهر أنه كان مثل ذلك لنساء الأعيان غير الملوك من المصريين فكان يتبع كلا منهن أربع جوار أو خمس إلى المستحم. ولا بد من أنه كانت واحدة من جواري الأميرة أقربهن إليها فكانت تخاطبها خاصة.

6 «وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ ٱلْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: هٰذَا مِنْ أَوْلاَدِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ».

وَلَمَّا فَتَحَتْهُ فتحت الأميرة نفسها السفط ولعلها توقعت أن ترى شيئاً غريباً فيه يحمل على العجب.

وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي من الجوع أو البرد أو عدم الراحة لأن سفط البردي لم يكن سريراً مناسباً له.

فَرَقَّتْ لَهُ أي شفقت عليه فإن دموعه حركت حنوها عليه وحملتها على إنقاذه ولا بد من أن ظهرت عليها أو منها إمارت ذلك كأن أخذته من السفط وضمته فرأت مريم ذلك فشجعها على سؤالها إياه (انظر الآية التالية).

هٰذَا مِنْ أَوْلاَدِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ قال بعضهم إن الأحوال أعلنت لها أنه من أولاد العبرانيين لأن لا والدة تترك مثل هذا الولد الجميل (ع 2) لمثل هذا الموت المحزن إلا وهي مجبرة على ذلك. (ولعل ابنة فرعون عرفت أنه عبراني من هيئته لأن هيئة اليهود تختلف عن هيئة المصريين أو من أحوال تختص بأولاد العبرانيين أو نحو ذلك).

7 «فَقَالَتْ أُخْتُهُ لٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ: هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ ٱمْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ ٱلْوَلَدَ؟».

فَقَالَتْ أُخْتُهُ كانت مريم قد شغلت وقتها بمراقبة أخيها متوارية عن نظر ابنة فرعون حيث تسمع ما تتكلم وترى حركاتها فلما حكمت بأن الولد من أولاد العبرانيين وأظهرت شفقتها عليه دنت منها وخاطبتها بما يأتي.

هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ ٱمْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ ٱلْعِبْرَانِيَّاتِ قالت هذا بناء على أن المرضعة العبرانية أوفق للطفل العبراني.

لِتُرْضِعَ لَكِ ٱلْوَلَدَ عرفت مريم قصد الأميرة ظناً أو يقيناً فاجتهدت في أن تثبت قصدها فتقي الولد فيسلم.

8 «فَقَالَتْ لَهَا ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ: ٱذْهَبِي. فَذَهَبَتِ ٱلْفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ ٱلْوَلَدِ».

فَذَهَبَتِ ٱلْفَتَاةُ (هذا يدل على أن مريم كانت في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة).

وَدَعَتْ أُمَّ ٱلْوَلَدِ لا بد من أن يوكابد كانت واقفة هنالك على القرب ترقب ماذا يكون بشديد الرغبة ولعلها حين كانت متوارية عن النظر شاهدت ما عرفت به النتيجة فاستعدت أن تُقبل إلى ابنة فرعون في حال ما تُدعى إليها. وكانت مريم عارفة أين أمها فأتت بها إلى الأميرة سريعاً (ولا يخفى ما في كلام مريم وفعلها من النباهة والحكمة).

9 «فَقَالَتْ لَهَا ٱبْنَةُ فِرْعَوْنَ: ٱذْهَبِي بِهٰذَا ٱلْوَلَدِ وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ. فَأَخَذَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ».

أَرْضِعِيهِ لِي استصوبت الأميرة كلام مريم. وقولها «ارضعيه لي» دليل على أنها تبنته ويؤيد ذلك أنها تكفلت بأجرة رضاعته.

10 «وَلَمَّا كَبِرَ ٱلْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ٱبْناً، وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: إِنِّي ٱنْتَشَلْتُهُ مِنَ ٱلْمَاءِ».

أعمال 7: 21 و22

كَبِرَ ٱلْوَلَدُ رأى يوسيفوس معنى هذه العبارة أنه نما وقوي نمواً وقوة غير عادية ولكن لا شيء في الكلام يدل على أن في ذلك ما هو خارق العادة. فالمعنى أنه بلغ سن الفطام المعهود عند المصريين. ولا نستطيع تعيين ذلك السن ولعله نهاية السنة الثانية أو السنة الثالثة (2مكا 7: 27) والمرجح أنه بدء السنة الثالثة.

جَاءَتْ بِهِ إِلَى ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ قامت يوكابد برضاعة الولد إلى نهاية الوقت المعين ووفت بوعدها للأميرة بأن أتت به إليها في الوقت الذي اتفقا عليه.

فَصَارَ لَهَا ٱبْناً يمكن أنها تبنته بصورة التبني المعهود ولكن لا دليل على أن التبني كان من العادات المصرية ولعل الكاتب أراد بذلك أن ابنة فرعون اتخذت موسى بمنزلة ابن لها بأن هذبته وعلمته واعتنت به اعتناء الأم بابنها. والكلام على تهذيب موسى في الذيل الثاني في آخر هذا السفر.

وَدَعَتِ ٱسْمَهُ مُوسَى والمرجّح أن ميسو في آثار الدولة الثانية عشرة الذي يغلب أن يكون الجزء الثاني من الإعلام كرعميسو وأحميسو وأمنميسو معناه مولود أو ابن وهو مشتق من أصل مصري معناه حاص أو نتيجة فيكون على ذلك تعليل ابنة فرعون أنها سمته ميسو لأنها حصّلته من الماء. ومعنى موسى في العبرانية منشول من الماء فاستعمل الكاتب الاتفاق وحسن التعليل.

11 «وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيّاً مِنْ إِخْوَتِهِ».

أعمال 7: 23 و24 وعبرانيين 11: 24 إلى 26 ص 1: 11

فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ قد يُراد بالأيام في مصطلح الكتاب مدة طويلة (قابل هذا بما في تكوين ص 38: و2ملوك 20: 1). وكان موسى على ما نقله استفانوس عن التقليد اليهودي يومئذ ابن أربعين سنة (أعمال 7: 23). فالنبأ هنا فجائي وكان المنتظر أن يتقدم إلى هذه الغاية تدريجاً لكن موسى لم ينبئنا بشيء من أمور صبوته وأوائل شبيبته.

خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ المرجح أن ابنة فرعون لم تكتم عن موسى أنه من أبناء الشعب المضيق عليه لا ابنها ولعلها سمحت له أن يخالط أهله وكيف كان الأمر فإن خروجه إلى إخوته أي زيارته إياهم هنا ليست الزيارة الأولى فإنه بهذه ترك صرح فرعون وما كان له من السمو في بلاطه فإنه «بِٱلإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ٱبْنَ ٱبْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِٱلأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ ٱللّٰهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِٱلْخَطِيَّةِ» (عبرانيين 11: 24 و25). وما أتاه موسى هنا أول علامات مؤاساته لشعبه وشفقته عليهم وقد أعلن ذلك أحسن إعلان يوم رفع صوته إلى الله قائلاً «إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ» (ص 32: 32).

لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ ليبحث عن أحوالهم ويرى معاملة المصريين لهم ويعرف ذلك بالاختبار.

فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيّاً يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيّاً المرجّح أن الضارب كان أحد المسخرين أو رؤساء التسخير وإنه ضرب الإسرائيلي بدعوى أنه متوان في العمل و قد أبان استفانوس أن العبراني كان مظلوماً وإن المصري كان ظالماً (أعمال 7: 24). ولا شك في أن ذلك هاج غيظ موسى حتى قتل المصري وإلا لم يقتله بل لم يغضب إلى هذا الحد. نعم إن المصريين لم يكونوا يومئذ من خشان الأمم ولكن من شأن قائد العبيد أحياناً أن يعلن سيادته وسلطته بالقسوة على العبد والإساءة إليه.

12 «فَٱلْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ ٱلْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي ٱلرَّمْلِ».

أعمال 7: 24

فَٱلْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ ليرى هل من أحد يراقبه أو لا.

فَقَتَلَ ٱلْمِصْرِيَّ مدح مفسرو اليهود موسى على هذا وجعلوا عمله من عمل المحاماة ومقتضيات الشجاعة. والحق أنه عمل عجلة مما لا يُحمد فإن ذنب المصري ليس من الذنوب التي جزاؤها القتل وموسى لم يكن قاضياً حينئذ ولا نبياً ولم يأمره الله بذلك ليكون له حجة تبرره. وكانت نتيجة هذا الخطإ إن موسى حُرم أن يخفف أثقال شعبه ويلطف مصابهم مدة أربعين سنة (بدليل أنه كان يومئذ ابن أربعين سنة على ما قال استفانوس وكان مع بني إسرائيل أربعين سنة في البرية ومات وهو ابن مئة وعشرين سنة من أيام هربه إلى أيام الخروج من مصر أربعين سنة).

وَطَمَرَهُ فِي ٱلرَّمْلِ على شرقي البحيرة المعروفة بالذلتا ركام من الرمل وبعض ركامه في الذلتا نفسها. وهذا دليل على أن موسى كتب هذا السفر ولو كان الكاتب غيره لقال على الترجيح «وطمره في الأرض».

13 «ثُمَّ خَرَجَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟».

أعمال 7: 26

ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي أي الذي يلي يوم قتله للمصري.

لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ أخذ استفانوس هذا بالمعنى فقال «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَنْتُمْ إِخْوَةٌ. لِمَاذَا تَظْلِمُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؟» (أعمال 7: 26). فكأنه قال أيها الرجال المشاهدون للخصمين أنتم إخوة فلماذا يظلم أحدكم الآخر أي أحد الخصمين خصمه. وعلى كل من العبارتين لم يكن في كلام موسى ادعاء الرئاسة أو القاضوية كما يستفاد من قول المذنب الآتي. فما حمله على أن يقول ذلك سوى الغيظ.

14 « فَقَالَ: مَنْ جَعَلَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ ٱلْمِصْرِيَّ؟ فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: حَقّاً قَدْ عُرِفَ ٱلأَمْرُ!».

أعمال 7: 27 و28

مَنْ جَعَلَكَ رَئِيساً وَقَاضِياً عَلَيْنَا كان موسى بمنزلة ابن أميرة فكان بمنزلة أمير لا محالة لكن لم يوكل إليه القضاء على العبرانيين. والحق أنه لم يتعرض لهما بدعوى أنه رئيس أو قاضٍ بل أتى ذلك كما يأتيه كل أحد من الوجهاء والمهذبين دفعاً للخصام وسوقاً إلى السلام.

أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي أي أعازم أنت أن تقتلني. يتبين من هنا أن اتهام موسى بادعاء الرئاسة والقضاء مبني على ضربه بالأمس لا على توسطه في السلم اليوم فغلط موسى في الأمس جعل هذا المذنب يحمل عليه ويبطل أنه تعرّض له رغبة في السلام وإنه إنسان سلام ولولا خطأه ما اتُهم وعجز عن الإصلاح والمصالحة.

حَقّاً قَدْ عُرِفَ ٱلأَمْرُ لا نعلم كيف عُرف الأمر ولكن يظن أن الذي انتقم له موسى قص النبأ على بعض إخوانه فشاع بين الإسرائيليين (ولا يبعد أن يكون الذي أعلن الأمر هنا هو الذي موسى أنقذه).

15 «فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هٰذَا ٱلأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ، وَجَلَسَ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ».

أعمال 7: 29 وعبرانيين 11: 27 تكوين 24: 11 و29: 2

فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هٰذَا ٱلأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى هذا نتيجة ضرورية وكان إجراء العدل في مثل هذا من متعلقات الملك. وكان جزاء الذنب الذي ارتكبه موسى القتل وما كان من شيء يثبت أن موسى قتله غيظاً لا عن ضغينة سابقة. ولم يكن التضييق على الإسرائيليين عذراً لموسى عند فرعون لأن فرعون هو الذي أمر به.

فَهَرَبَ مُوسَى لا ريب في أنه هرب عند إعلان الأمر (أعمال 7: 29) ولما طلبه فرعون كان قد هرب.

سَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ الظاهر أن مديان في هذا السفر هي الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة سيناء لا التخم العربي المقابل حيث كانت مساكن الأمة (ومديان في الكتب العربية القديمة مدين بلا ألف).

جَلَسَ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ لا شك في أنه كانت هنالك بئر غزيرة الماء يستقي منها عامة تلك الأرض وان موسى أقام بالقرب منها.

16 «وَكَانَ لِكَاهِنِ مِدْيَانَ سَبْعُ بَنَاتٍ، فَأَتَيْنَ وَٱسْتَقَيْنَ وَمَلَأْنَ ٱلأَجْرَانَ لِيَسْقِينَ غَنَمَ أَبِيهِنَّ».

ص 3: 1 تكوين 25: 2 تكوين 24: 11 و1صموئيل 9: 11

لِكَاهِنِ مِدْيَانَ المرجّح أنه كان كاهناً وأميراً معاً كملكي صادق (تكوين 14: 8). ولا نعجب من أنه كان كاهناً كما ذُكر هنا ومن أنه قام بأعمال الكاهن كما ذُكر في (ص 18: 12) لأن المديانيين أولاد إبراهيم من قطورة كانوا يعبدون الإله الحق وكانوا إلى ذلك الوقت على دين أبيهم. وسمي في الآية الثامنة عشرة رعوئيل ومعناه «أليف الله» أو «راعي الله» (أي حافظ عهوده) وقدم الذبائح لله. وأكل هارون والشيوخ الخبز معه «أمام الله».

فَأَتَيْنَ وَٱسْتَقَيْنَ (قابل هذا بما في تكوين 29: 9). لا يقال هنا كيف يكون الرجل كاهناً وأميراً وبناته تأتي إلى البئر للاستقاء فإن ذلك لم يكن عند الشرقيين يومئذ مما يحط بالشأن.

17 «فَأَتَى ٱلرُّعَاةُ وَطَرَدُوهُنَّ. فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ وَسَقَى غَنَمَهُنَّ».

تكوين 29: 10

فَأَتَى ٱلرُّعَاةُ هؤلاء الرعاة كانوا جيراناً لأبي البنات وآله وكان القانون أن السابق إلى البئر يستقي أولاً لكن هؤلاء الرعاة الخشان لم يتربصوا إلى أن تأتي نوبتهم. وكانوا يعيقون البنات دائماً كما يُفهم من قول رعوئيل لهن «مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي ٱلْمَجِيءِ ٱلْيَوْمَ» (ع 18).

فَنَهَضَ مُوسَى وَأَنْجَدَهُنَّ أي أعانهن. كان من عادة موسى أن ينتصر للمظلوم لكن الماضي علمه حكمة فلم يسرع هنا إلى البطش كما فعل يوم انتصر للإسرائيلي فإمارات وجهه مما حدث من الرعاة حملتهم على أن يتركوا البنات يستقين أولاً.

18، 19 «18 فَلَمَّا أَتَيْنَ إِلَى رَعُوئِيلَ أَبِيهِنَّ قَالَ: مَا بَالُكُنَّ أَسْرَعْتُنَّ فِي ٱلْمَجِيءِ ٱلْيَوْمَ؟ 19 فَقُلْنَ: رَجُلٌ مِصْرِيٌّ أَنْقَذَنَا مِنْ أَيْدِي ٱلرُّعَاةِ، وَإِنَّهُ ٱسْتَقَى لَنَا أَيْضاً وَسَقَى ٱلْغَنَمَ».

عدد 10: 29

مِصْرِيٌّ عرفن ذلك من ثيابه ومنظره وربما عرفن ذلك من كلامه أيضاً.

وَإِنَّهُ ٱسْتَقَى لَنَا أَيْضاً كان الرعاة قد أخذوا الماء الذي نشلته البنات فرأى موسى أن يستقي لهن دفعاً لزيادة التعب.

20 «فَقَالَ لِبَنَاتِهِ: وَأَيْنَ هُوَ؟ لِمَاذَا تَرَكْتُنَّ ٱلرَّجُلَ؟ ٱدْعُونَهُ لِيَأْكُلَ طَعَاماً».

تكوين 31: 54 و43: 25

لِيَأْكُلَ طَعَاماً كان عند العرب أنه من العار أن يُترك الغريب خارج البيوت ولا يُدعى إلى الطعام ولم تزل هذه العادة عند محدثي أهل البادية منهم.

21 «فَٱرْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ ٱلرَّجُلِ، فَأَعْطَى مُوسَى صَفُّورَةَ ٱبْنَتَهُ».

ص 4: 25 و18: 2

فَٱرْتَضَى مُوسَى أَنْ يَسْكُنَ مَعَ ٱلرَّجُلِ لا بد من أن رعوئيل سرّ بمرأى موسى وسجاياه وبما فعل فدعاه إلى خدمته وللسكن في خيمته فرضي موسى ذلك ثم تزوج صفورة إحدى بنات رعوئيل. كان الزواج عند المديانيين شرعياً ولعل رعوئيل زوّج موسى ابنته على سنة إبراهيم ولكن لم يذكر هنا رسم هذا الزواج القديم.

22 «فَوَلَدَتِ ٱبْناً فَدَعَا ٱسْمَهُ جَرْشُومَ، لأَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ».

ص 4: 20 و25 وأعمال 7: 29 ص 18: 3 أعمال 7: 29 وعبرانيين 11: 13 و14

جَرْشُومَ المرجّح كل الترجيح أن الاسم مركب أصلاً من «جير» أي غريب و «شام» أي هناك. وسماه يوسيفوس جرشام وكُتب في ترجمة السبعين جرسام.

23 «وَحَدَثَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ ٱلْكَثِيرَةِ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ مَاتَ. وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْعُبُودِيَّةِ».

ص 7: 7 وأعمال 7: 30 عدد 20: 16 وتثنية 26: 7 ص 22: 23 وتثنية 24: 15 ويعقوب 5: 4

تِلْكَ ٱلأَيَّامِ ٱلْكَثِيرَةِ أي التي مضت على موسى منذ أتى مديان إلى تلك الساعة لأن موسى كان قد بلغ سن الثمانين (ص 7: 7). وكان في سن الأربعين يوم ترك مصر فلزم من ذلك أن فرعون الذي هو هرب منه ملك أكثر من أربعين سنة. وعاش بين بداءة الدولة الثامنة عشرة ونهاية التاسعة عشرة مدة طويلة في الملك اثنان ثُثمِس الثالث ورعمسيس الثاني ففرعون موسى أحدهما.

تَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الخ لعل بني إسرائيل توقعوا أن الملك الجديد يفرج عنهم أو يخفف أثقالهم فإذا هو كسلفه فقنطوا وتنفسوا الصعداء وصعدت تنهداتهم إلى السماء إذ لم يتوقعوا فرجاً من سوى رب السموات والأرض.

24، 25 «24 فَسَمِعَ ٱللّٰهُ أَنِينَهُمْ، فَتَذَكَّرَ ٱللّٰهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. 25 وَنَظَرَ ٱللّٰهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ ٱللّٰهُ».

ص 6: 5 مزمور 105: 8 و42 تكوين 12: 7 و13: 15 و15: 14 و18 و46: 4 ص 4: 31 و1صموئيل 1: 11 و2صموئيل 16: 12 ولوقا 1: 25 ص 3: 7 ومزمور 1: 6

فَسَمِعَ ٱللّٰهُ (لأنهم سألوه من قلوبهم وتيقنوا إنهم مفتقرون إليه. وهذا دليل قاطع على أن الله يستجيب دعاء من دعا إليه بقلب سليم وتواضع عظيم).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

1 «وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ ٱلْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ ٱللّٰهِ حُورِيبَ».

ص 2: 16 ص 4: 27 و28: 5 و1ملوك 19: 8

وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ حَمِيهِ لم يكن له غير هذه الخدمة عند المديانيين لأنهم من أهل البادية. والحمو أبو المرأة ومن كان من قبله كأخيها أو عمها وقد يطلق في العبرانية على غيرهم. فجعله هنا أبا المرأة يستلزم أن رعوئيل ويثرون شخص واحد وهذا مما يشك فيه فالمرجح أنه أخوها ابن رعوئيل فإن حماه أباها كان قد مات وخلفه ابنه يثرون في الكاهنية والأميرية.

إِلَى وَرَاءِ ٱلْبَرِّيَّةِ أي إلى الأرض الخصبة وراء الرمال الممتدة من سلسلة جبال سيناء إلى خليج إيلة (أو خليج العقبة).

جَبَلِ ٱللّٰهِ أي سيناء (انظر ص 18: 5 و19: 2 - 23).

حُورِيبَ الظاهر أن حوريب اسم لكل البلاد الجبلية وهي الأرض المعروفة اليوم بجبل موسى.

2 «وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ، فَنَظَرَ وَإِذَا ٱلْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِٱلنَّارِ، وَٱلْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ!».

ص 14: 19 وإشعياء 63: 9 تثنية 33: 16 وأعمال 7: 3

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ في العبرانية ملاك يهوه ودُعي في الآية الرابعة يهوه وإلوهيم فيلزم من ذلك ضرورة أن الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس ظهر لموسى في هيئة ملاك.

مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ وفي العبرانية من وسط السنه. (وترجمه بعض علماء اللغة بالسنا وهو نبت ربيعي كأنه الحناء زهره أبيض يضرب إلى الزرقة. وترجمه بعضهم بالسَّلَم وهو نبت شائك يحمل حب القرظ الذي تُستخرج منه الأقاقيا المعروفة عند العامة بالأقاسيا. وترجمه بعضهم بالقرظ وفسره بعضهم بشجر عظيم له شوك غليظ وزهر أبيض وثمر كالترمس وهذا الذي اعتمده العلامة رولنسون وقال إنه يكثر في أرض سيناء. والعليقة واحدة العليق وهو النبت الشائك المعروف الذي يثمر ثمراً كثمر التوت وهو من جملة معاني السنه في العبرانية وهذا هو المقصود).

3 «فَقَالَ مُوسَى: أَمِيلُ ٱلآنَ لأَنْظُرَ هٰذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ ٱلْعُلَّيْقَةُ؟».

مزمور 111: 2 وأعمال 7: 31

أَمِيلُ ٱلآنَ في هذا دليل دقيق على أن موسى هو كاتب هذا السفر فإنه ذُكر أن العليق لا ينبت في الأرض التي كان يمشي عليها فلزم أنه يميل ليرى ما أمر تلك العليقة.

هٰذَا ٱلْمَنْظَرَ ٱلْعَظِيمَ لأن الالتهاب دون احتراق من العجائب ومما يستحق أن يُبحث عن علته.

4 «فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ ٱللّٰهُ مِنْ وَسَطِ ٱلْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: مُوسَى مُوسَى. فَقَالَ: هَئَنَذَا».

تثنية 33: 16

فَلَمَّا رَأَى ٱلرَّبُّ... نَادَاهُ ٱللّٰهُ وفي العبرانية «لما رأى يهوه ناداه إلوهيم» (أي الرب الذي سيظهر في الجسد).

مُوسَى مُوسَى التكرار يدل على رغبة المتكلم في تنبيه السامع وبيان أنه يريد الإلحاح (1صموئيل 3: 10 وأعمال 9: 4).

5 «فَقَالَ: لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى هٰهُنَا. ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».

يشوع 5: 15 وأعمال 7: 33

ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ أو نعليك. شك بعضهم في أن النعال كانت معروفة في تلك الأيام القديمة. وقال رولنسون لا شك في أن المديانيين لم يكونوا يلبسون نعالاً. والمعلوم اليوم أن المصريين قبل عصر موسى وكل قدماء الشرقيين كانوا يخلعون نعالهم (ولا يزال أكثرهم كذلك إلى الآن) عند دخولهم إلى مكان محترم كالمسجد والهيكل وبيوت العظماء. ومما يستحق الملاحظة أن الله نفسه أمر موسى بآية الاحترام هذه. وكانوا يحترمون الأماكن المقدسة منذ القدم (انظر تفسير تكوين 28: 16 و17).

6 « ثُمَّ قَالَ: أَنَا إِلٰهُ أَبِيكَ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ. فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ٱللّٰهِ».

تكوين 28: 12 وص 4: 5 ومتّى 22: 32 وأعمال 7: 32 قضاة 13: 22 و1ملوك 19: 13 وإشعياء 6: 5

إِلٰهُ أَبِيكَ أي إله كل من أسلافك (تكوين 31: 42) وهذا ما فهمه استفانوس إذ أنبأ بأن الرب قال لموسى «أنا إله آبائك» (أعمال 7: 32).

إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ أي الإله الذي كان هؤلاء يعبدونه. ويلزم من صورة هذه الآية أن هؤلاء لم يتلاشوا أي أرواحهم باقية فإن الله إله موجودات لا إله اعدام (متّى 22: 32).

فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لشعوره بما شعر به يعقوب يوم قال «ما أرهب هذا المكان» (تكوين 28: 17) مع أنه لم ير سوى النار تتوقد ولا تحرق فمعرفته الله جعل منظر تلك النار رهيباً.

7 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ».

ص 2: 23 إلى 25 ونحميا 9: 9 ومزمور 106: 44 وأعمال 7: 34 ص 1: 11 تكوين 18: 21 وص 2: 25

فَقَالَ ٱلرَّبُّ في العبرانية «فقال يهوه» فالله في الآية السادسة هو الرب في هذه الآية وهو أيضاً «الله» في الآية الحادية عشرة (انظر تفسير ع 4).

إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ في العبرانية «رأياً رأيت» (أو نظراً نظرت). (وهو في قوة قوله إني قد رأيت لأن في كل من العبارتين توكيد الرأي أو النظر).

مَذَلَّةَ ما تُرجم بالمذلة هنا تُرجم بالتسخير في (ص 1: 11) وقد تأتي بمعنى الظلم فلها معان مختلفة.

8 «فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».

تكوين 11: 5 و7 و18: 21 ص 6: 6 و8 و12: 51 تثنية 1: 25 و8: 7 إلى 10 ص 13: 5 و33: 3 وعدد 13: 27 وتثنية 26: 9 و15 وإرميا 11: 5 و32: 22 وحزقيال 20: 6 تكوين 15: 19 إلى 21

فَنَزَلْتُ (أي شرعت في إظهار عنايتي بشعبي على الأرض) فالله يخاطب الناس على قدر فهمهم القاصر فإنهم لا يدركون الأمور إلا باقترانها بالزمان والمكان فخاطب الله موسى كأنه مسكنه السماء أو «سماء السموات» وإنه ينزل أحياناً منها إلى الأرض ليُظهر نفسه للناس. وهذا لم يأخذه الناس على سبيل الحقيقة حتى اليهود أنفسهم بدليل كثير من الآيات (انظر 1ملوك 8: 27 ومزمور 139: 7 - 16 وأمثال 15: 2 الخ).

أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ الأرض التي وعد إبراهيم بها (تكوين 15: 18) تستحق هذا الوصف وهي ما عدا فلسطين التي على جانبي الأردن تعم كل سورية من الجليل جنوباً إلى الفرات شمالاً وشمالاً شرقياً. وكطول هذه الأرض 450 ميلاً وعرضها مختلف بين ستين ميلاً ومئة وعشرين ميلاً. ومساحتها لا تقل عن 50000 ميل مربع وغير الخصب منها قليل جداً وعلى الجملة تصلح أن تكون مملكة قوية معتبرة.

إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً قال بعضهم المرجّح أن هذه العبارة مثل يُضرب في وفرة الخصب والغنى. (نقول وهي أيضاً كناية عن كثرة المرعى والأزهار فكثرة المواشي والألبان والنحل والعسل). (انظر عدد 13: 27).

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ الخ (انظر تفسير تكوين 10: 15 - 17 و13: 7).

9، 10 «9 وَٱلآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضاً ٱلضِّيقَةَ ٱلَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا ٱلْمِصْرِيُّونَ، 10 فَٱلآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ».

ص 2: 23 ص 1: 11 و13 و14 مزمور 105: 26 وميخا 6: 4

رَأَيْتُ ٱلضِّيقَةَ (أي نظرت إلى ضيقهم نظر المنقذ لأنهم تذللوا وطلبوني بقلوبهم مع أفواههم).

11 «فَقَالَ مُوسَى لِلّٰهِ: مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟».

ص 6: 12 و1صموئيل 18: 18

مَنْ أَنَا حَتَّى الناس الذين هم أهل للأمور العظيمة يرون أنهم ليسوا أهلاً لها (لأنهم يعرفون شأنها وما تستلزمه من العناية) فإن إرميا لما دعاه الله إلى النبوءة قال «آهِ يَا سَيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ» (إرميا 1: 6). والقديس أمبروسيوس بذل جهده في أن يخلص من أسقفية ميلان. والقديس أوغسطينوس أبى أن يذهب رسولاً إلى انكلترا. وانسلم كاد لا يقبل أن يرأس الكنيسة في عصر روفس الشرير. فأول ما يقوله الذي هو أهل للأمر ذي الشأن «من أنا». وكان موسى أهلاً لما أمره الله به لوجوه الأول تربيته المصرية. والثاني علمهم. والثالث الفته لأهل البلاط. والرابع اختباره للأمة. والخامس إحكامه لغتها. لكن هناك بعض الصعوبة وهو أن سكناه أربعين سنة في مديان وتخلقه بأخلاق أهلها وعيشه عيش الرعاة جعلته يرى أنه لا يناسب لمخالطة أهل البلاط المصري وإنه سيكون غريباً في عيني إخوته وإن عدم فصاحته أو لكنته من أعظم الموانع له من ذلك الأمر الخطير. ومن تلك الموانع تقدمه في السن فإنه كان حيئنذ ابن ثمانين سنة.

12 «فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهٰذِهِ تَكُونُ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ ٱلشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ ٱللّٰهَ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ».

تكوين 31: 3 وتثنية 31: 23 ويشوع 1: 5 ورومية 8: 31 ص 19: 2

إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ رأى موسى نقصه فوعده الله بالكمال لأن «قوته في الضعف تكمل».

وَهٰذِهِ تَكُونُ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ إن الله بحسن عنايته كان يعطي الناس علامات تظهر في المستقبل امتحاناً للإيمان قبل إعلانها وتقوية له بعد الإعلان (قابل ما هنا بما في 1صموئيل 2: 34 و2ملوك 19: 27).

13 «فَقَالَ مُوسَى لِلّٰهِ: هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلٰهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا ٱسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟».

مَا ٱسْمُهُ كان عند المصريين وسائر المشركين اسم لكل إله من آلهتهم ولم يكن لله عند الإسرائيليين سوى الألقاب مثل «إل وإلوهيم» أي العلي «وشداي» أي الشديد أو القدير «ويهوه» أي الكائن. ولم يكن شيء من هذه الألقاب قد بلغ درجة العلمية المعهودة. وكان موسى يتصور أن الإسرائيليين مالوا ميل المصريين إلى اسم خاص لإلههم فتوقع أنهم يسألونه عن اسمه تعالى وهو لا يعرف سوى صفاته فسأله ما سأله.

14 «فَقَالَ ٱللّٰهُ لِمُوسَى: أَهْيَهِ ٱلَّذِي أَهْيَهْ. وَقَالَ: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».

يوحنا 8: 58 وعبرانيين 13: 8 ورؤيا 1: 4

أي أكون الذي أكون. رأى الأكثرون إن هذا اسم الله العلم والحق إنه ليس سوى صفة من صفاته تُعلن سراً عظيماً وهو أن حقيقة الله لا يمكن الإنسان إدراكها فيكفي أن يعرف الله بصفاته التي يستلزمها أنه هو «أكون الذي أكون» أي الكائن الواجب الوجود غير المتغير أو الأزلي الأبدي وهذا كافٍ لأن يميزه عن سائر الكائنات.

أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ أي «أكون» أرسلني إليكم. يُفهم من هذا أربعة أمور:

  • الأول: إن وجود الله يختلف عن وجود كل ما سواه على حد قوله «أنا وليس آخر» (إشعياء 45: 6).

  • الثاني: إن وجوده لم يقترن بزمن أي لا بداءة له ولا نهاية فهو كائن أبداً كما كان أزلاً ولا يعبر عن هذا المعنى بالإيجاز إلا بمثل الكائن أو «أكون» أو «أنا كائن» (يوحنا 8: 58).

  • الثالث: إن وجوده حق في الذات بخلاف وجود غيره فإن وجود سائر الموجودات متوقف على وجوده كتوقف الظل على الجسم.

  • الرابع: إن وجوده مستقل بلا شرط ووجود كل ما سواه مستفاد من وجوده وغير مستقل عنه.

15 «وَقَالَ ٱللّٰهُ أَيْضاً لِمُوسَى: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلٰهُ آبَائِكُمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هٰذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلأَبَدِ وَهٰذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ».

ص 6: 3 مزمور 135: 13 وهوشع 12: 5

يَهْوَهْ إِلٰهُ آبَائِكُمْ أي «يكون» فهو مثل أهيه أي «أكون».

هٰذَا ٱسْمِي إِلَى ٱلأَبَدِ إن يهوه اسم الله الأعظم في سائر العهد القديم وقد ذُكر معناه بالتفصيل في تفسير (تكوين 2: 4) فارجع إليه. وهو في الترجمة اليونانية «كيريوس» أي الرب والمظنون أنه كان يُكتب في كل نسخ الأصل القديمة بالأحرف الكبيرة وحل محله «الرب» في العهد الجديد. وجاء ما هو بمعناه في رؤيا يوحنا وهو قوله «ٱلْكَائِنِ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 4 و8 و4: 8 و9: 17 و16: 5). أي الواجب الوجود الكائن بالذات المستقل الأزلي الأبدي الذي لا يتغير.

16 «اِذْهَبْ وَٱجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِكُمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي قَائِلاً: إِنِّي قَدِ ٱفْتَقَدْتُكُمْ وَمَا صُنِعَ بِكُمْ فِي مِصْرَ».

ص 4: 29 تكوين 50: 24 وص 2: 25 و4: 31 ولوقا 1: 68

شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ ليس المقصود بالشيوخ هنا الطاعنين بالسن بل الرؤساء على أنه ربما كان أكثرهم من الشيوخ سناً بناء على كونهم أكثر اختباراً. وهذا ما استنتج منه روزنمولر إن العبرانيين كان لهم في كل وقت حتى وقت التضييق عليهم في مصر نظام داخلي وحكومة وطنية.

قَدِ ٱفْتَقَدْتُكُمْ في العبرانية مفتقداً إياكم (والافتقاد في اللغة طلب الشيء عند غيبته والمقصود به هنا زيارته للنظر إلى ما يحتاج إليه وإعداده له). (انظر تفسير تكوين 50: 24).

17 «فَقُلْتُ أُصْعِدُكُمْ مِنْ مَذَلَّةِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً».

تكوين 15: 14 و16 وع 8

فَقُلْتُ انظر ع 8 ولعل في هذا إيماء إلى الوعد لإبراهيم (تكوين 15: 14).

مَذَلَّةِ مِصْرَ (قابل هذا بما في تكوين 15: 13 وخروج 1: 11 و12 و3: 7).

18 «فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ، تَدْخُلُ أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ وَتَقُولُونَ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٱلْتَقَانَا، فَٱلآنَ نَمْضِي سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص 14: 31 ص 5: 1 و3 عدد 23: 3 و4 و 15 و16

فَإِذَا سَمِعُوا لِقَوْلِكَ الضمير هنا للشيوخ المذكورين في (ع 16). وتم ذلك في (ص 4: 29 - 31) فالظاهر ان الشيوخ أطاعوا في الحال.

أَنْتَ وَشُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لم يُذكر في (ص 5) إن الشيوخ امتثلوا في حضرة فرعون ولكن ذلك لا ينفي أنهم امتثلوا كذلك أو ان موسى وهارون نابوا عنهم.

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ في الأصل العبراني «يهوه إله العبرانيين». كان فرعون يفهم هذا الكلام لاعتقاده أن للعبرانيين إلهاً مختصاً لأنهم أمة غريبة وإن إلههم يُعلن لهم إرادته من وقت إلى وقت وكان المصريون يعتقدون أن الآلهة كانت تفعل كذلك للملوك المصريين.

سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ كان ذلك ضرورياً ليبعدوا عن المصريين لئلا يروهم يذبحون الحيوانات التي هم يعبدونها كالبقر ولا سيما البيضاء فإنها كانت مقدسة عند المصريين وإن قتلها إثم لا يُغفر. وكانت الغنم مقدسة عند سكان بعض الأقسام المصرية والمعزى مقدسة عند سكان قسم آخر على ما قال هيرودوتس المؤرخ فإذا لم يكن للإسرائيليين أن يأتوا مكاناً خالياً إلا وهم عرضة للضرب والقتل (انظر ص 8: 26).

ٱلْبَرِّيَّةِ كانت برية الساكنين في جاسان أرضاً واسعة ذات رمال وصخور تمر بين مصر وفلسطين تُعرف اليوم بالتيه وهي على غاية ثلاث مراحل من جاسان على ما قال هيرودوتس. أو هي هضبة كلسية الحجارة متعادية أي غير مستوية بارزة على هيئة لسان في شبه جزيرة سيناء كما يبرز في البحر الأحمر على ما قال أحد علماء الجغرافيا المحدثين.

وَنَذْبَحُ فرعون لم يسمح لهم والله علم أنه لا يسمح فلا حاجة إلى البحث في أنه لو سمح فرعون للإسرائيليين لم نعلم أكانوا يرجعون إلى مصر أم لا.

19 «وَلٰكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ لاَ يَدَعُكُمْ تَمْضُونَ وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ».

ص 5: 2 و7: 4

وَلٰكِنِّي أَعْلَمُ الله هو الذي تكلم وهو يعلم أمور المستقبل مطلقاً كما يعلم أمور الحال والماضي.

وَلاَ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ فإن فرعون لم يطلق الإسرائيليين اختياراً يوم أدّبه الرب بيد قوية (انظر ص 14: 5 - 23).

20 «فَأَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُ مِصْرَ بِكُلِّ عَجَائِبِي ٱلَّتِي أَصْنَعُ فِيهَا. وَبَعْدَ ذٰلِكَ يُطْلِقُكُمْ».

ص 6: 6 و7: 5 و9: 15 ص 7: 3 و11: 9 وتثنية 6: 22 ونحميا 9: 10 ومزمور 105: 27 و135: 9 وإرميا 32: 20 وأعمال 7: 36 ص 12: 31

فَأَمُدُّ يَدِي مد اليد كناية عن المساعدة والإنقاذ والله وعدهم هنا بأكثر مما وعدهم به قبلاً (ع 12) وأظهر كيف يكون مع موسى بالمساعدة العجيبة والمعجزات وضرب المصريين.

21 «وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهٰذَا ٱلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ».

ص 11: 3 و12: 36 وأمثال 16: 7

لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ (لو كان ذلك محظوراً على المطرودين لقلنا هذا قضاء الله ملك العالمين فإنه له كل ما كان للمصريين فأخذ بعض ما له منهم وأعطاه شعبه ولولا ذلك لم يجز للمصريين أن يأخذوه على أنه حكم عادل. ولو فُرض أنه أتاه أحد ملوك الأرض لم يظلم لأن المصريين ظلموا الإسرائيليين كثيراً فكانوا مستحقين ذلك الجزاء بل أكثر منه. هذا والواقع أن المطرودين كان لهم بمقتضى عادات تلك الأيام أن يطلبوا من الطاردين أشياء يستعينون بها على السفر فكان أمر الله للإسرائيليين أن يطلبوا ما ذُكر فلا يكون الأمر من المحظورات).

22 «بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ ٱمْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً، وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

تكوين 15: 14 وص 11: 2 و12: 35 و36 أيوب 27: 17 وأمثال 13: 22 وحزقيال 39: 10

تَطْلُبُ كُلُّ ٱمْرَأَةٍ ظن بعضهم أن تطلبه على سبيل العارية والأمر ليس كذلك (انظر تفسير ع 21) والدليل على هذا إنهن لم يطلبن الحلي إلا ساعة الانطلاق (ص 12: 33 - 36).

مِنْ جَارَتِهَا كان المصريون مختلطين بالإسرائيليين كما ذُكر في تفسير (ص 2: 3).

وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أي زائرتها من المصريات أو الساكنة معها إلى حين (قابل هذا بما في أيوب 19: 15).

عَلَى بَنِيكُمْ كان الرجال المصريون في ذلك العصر يلبسون الحلي كالنساء.

فَتَسْلِبُونَ ٱلْمِصْرِيِّينَ فتكونون كأنكم غلبتموهم في الحرب وسلبتموهم (قابل هذا بوعد الله لإبراهيم في تكوين 15: 14 وانظر تمام ذلك في ص 12: 35 و36).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

1 «فَأَجَابَ مُوسَى: وَلٰكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ ٱلرَّبُّ».

هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي فسّره بعضهم «بلعلهم» الخ والصواب أن موسى كان يقول ذلك عن اعتقاد جازم لضعف إيمانه في أول الأمر (ولمعرفته أن الإسرائيليين لا يصدقون بلا دليل على ذلك).

يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ ٱلرَّبُّ كان من أقرب الممكنات أن يقول له الشعب ذلك فكان في حاجة إلى ما يحملهم على الثقة به فإن الرب لم يكن قد ظهر لأحد منهم نحو أربع مئة سنة. وذلك من شأنه أن يجعلهم يعتقدون ان عصر المعجزات قد تقضى. وكان الله بمقتضى حكمته يأتي بالمعجزات في بعض الشدائد ويتركها بين شدة وأخرى في سياسته للناس فقد مرّ نحو خمس مئة سنة بين عصر دانيال وظهور الملاك لزكريا.

2 «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: مَا هٰذِهِ فِي يَدِكَ؟ فَقَالَ: عَصاً».

ع 17 و20

عَصاً رأى أكثر المفسرين أن هذه العصا كانت عصا الرعاية وهذا ليس بعيداً ولكن اشتقاقها في العبرانية يفيد مطلق العصا سواء كانت عصا الراعي أم صولجان الملك أو عطاء الشيخ أم غيرها. وكان كبراء المصريين يحملون العصي إشارة إلى سمو مقامهم فالمرجّح أن عصا موسى في مصر كانت مثل إحدى عصيهم لأنه كان بمنزلة ابن لابنة فرعون ولكن لا نرى أنه كان يحملها وهو يرعى الغنم فالأولى أنها العصا التي كان يهش بها على الغنم وهو يرعى غنم حميه ويتوكأ عليها لأنه كان ابن ثمانين سنة.

3 «فَقَالَ: ٱطْرَحْهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا».

ص 7: 10

حَيَّةً في العبرانية «نحش» وهي تفيد الحية مطلقاً فلا تعين النوع (ولعلها الحنش في العربية) وهو على ما قاله الفيروزبادي «الحية... وحشرات الأرض أو ما أشبه رأسه رأس الحيات». وعلى ما قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى الحية ويُقال الأفعى... وقيل الأحناش جميع دواب الأرض كالضب والقنفذ واليربوع وغيرها ثم خُصت به الحية. قال ذو الرمة:

Table 3. 

وكم حنش ذعف اللعاب كأنهعلى الشرف العادي نصف عصام    

... وقيل الحنش حية بيضاء غليظة مثل الثعبان أو أعظم. وقيل إنه أسود الحيات. ومعنى ذعف اللعاب سريع القتل وجاءت في (ص 7: 10) ثعباناً ثم جاءت في (ع 15 من ص 7) حنشاً. (وفي العبرانية جاءت في الموضع الأول تنيناً وجاءت في الموضع الثاني نحشاً). والثعبان في العبرانية كالنحش اسم جنس عام (ولفظه في العبرانية تنين والتنين في العربية الحية العظيمة).

فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا كان من الطبع أن يذكر موسى خوفه من هذه الحية فهل لكاتب آخر أن يذكر هذه الأمور الجزئية (فهذا من مؤيدات القول بأن موسى هو كاتب هذا السفر). انظر الفصل الخامس من المقدمة.

4 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا (فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصاً فِي يَدِهِ)».

وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا الذين يجسرون على أن يمسكوا الحيّة السامة من محدثي المصريين وسكان شطوط البربر إنما يمسكونها بعنقها فلا تتمكن من لدغهم. ولكن الله أمر موسى أن يمسك تلك الحية بذنبها امتحاناً لإيمانه.

فَمَدَّ يَدَهُ غلب إيمان موسى غريزته. فإنه هرب في أول الأمر من الحية بمقضتى الغريزة لكنه هنا جسر وأمسك بذنبها ورفعها.

فَصَارَتْ عَصاً عادت إلى حقيقتها الأولى.

5 «لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِهِمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ».

ص 19: 9 ص 3: 15

لِكَيْ يُصَدِّقُوا هذا متعلق بقول الرب مد يدك في أول الآية الرابعة وما بينهما من فعل موسى كلام معترض. ويُفهم من هذه الآية ان المعجزات كانت بينة على أن الذي يأتيها مُرسل من الله فيصدق ذلك المشاهدون فلولا ما أجراه الله على يد موسى من المعجزات لم يصدقه الإسرائيليون ولولا المعجزات التي فعلها على أيدي الرسل لم يستطيعوا أن يهدوا العالم إلى المسيح.

6 «ثُمَّ قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ أَيْضاً: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ ٱلثَّلْجِ».

عدد 12: 10 و2ملوك 5: 27

وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ ٱلثَّلْجِ كان اليونانيون يسمون شر أنواع البرص بالمرض الأبيض فإنه متى تمكن من الجسم جعله أبيض لامعاً وجعل كل شعرة منه «يبضاء كالصوف». قيل هذا النوع لا يُشفى. والمرجّح أنه من هذه الحادثة سمى المصريون الإسرائيليين بالبُرص كما نقل مانثو المؤرخ وغيره.

7 «ثُمَّ قَالَ لَهُ: رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ (فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ)».

2ملوك 5: 14

عَادَتْ (رجعت إلى ما كانت عليه كما رجعت الحية إلى حقيقتها ع 4).

8 «فَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلآيَةِ ٱلأُولَى، أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ صَوْتَ ٱلآيَةِ ٱلأَخِيرَةِ».

مزمور 105: 27

لِصَوْتِ ٱلآيَةِ ٱلأُولَى (قال أحد المفسرين إن المعنى) صوت موسى الذي شهد بالحق بواسطة الآية الأولى (ويصح أن يقال إن في الكلام استعارة مكنيّة وهي أن الكاتب استعار في نفسه للآية خطيباً يرفع صوته بإعلان الحق بالبرهان وأثبت للآية الصوت الذي هو من لوازم المستعار منه المضمر في النفس دلالة عليه. والمقصود إن لم يؤمنوا بكلامك الذي أثبتته الآية كما يثبت الخطيب الفصيح الدعوى بالدليل فهم يصدقون الخ).

(فائدة. سمي العمل الخارق العادة في الكتاب المقدس بأربعة أسماء معجزة وعجيبة وقوة وآية. فسمي معجزة لأنه يعجز البشر عن الإتيان بمثله. وعجيبة لأنه ينشئ في نفس المشاهد العجب لكونه خارقاً للعادة. وقوة لأنه لا يمكن إلا بقوة الله. وآية لأنه يُؤتى به علامة لصحة دعوى صانعه ودليلاً عليها. وهنا سمي آية لأن الله أجراه على يد موسى علامة لصحة دعواه إن الله أرسله ودليلاً عليها).

يُصَدِّقُونَ أي يصدق أكثرهم لأن بعضهم نسب المعجزة إلى عمل السحر وهو مجرد احتيال (انظر ص 7: 11). وربما اعتاد الإسرائيليون مشاهدة مثله من السحرة المصريين ولهذا كان من المحتمل أن كثيرين منهم لا يصدقونه بمجرد المعجزة الأولى بخلاف الثانية فإنها مما لم يألفوه ولا بد من أن يبقى في ريب ولذلك أعطاه الله ما بقي من المعجزات.

فإن قيل إذا كان الأمر كذلك لماذا أجرى الله على يد موسى معجزة تحويل العصا وغيرها مما يبقى معه شك قلنا ليرى سحرة مصر أن ما يأتونه احتيالاً يأتي به حقيقة كما سيرد عليك فيشهدون بأن موسى أتى ما أتاه بقوة الله (انظر ص 7: 12 وص 8: 19).

9 «وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ ٱلآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ ٱلنَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ ٱلنَّهْرِ دَماً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ».

ص 7: 19

فَيَصِيرُ ٱلْمَاءُ... دَماً هذا يدل على أن معجزات موسى كان بعضها للإنقاذ وبعضها للقصاص (إن الله تمهل على فرعون والمصريين كثيراً وأعلن لهم الحق بواسطة ما أتاه على يد موسى فكان لهم أن يخلصوا من ضلالهم وإثمهم لكنهم أبوا الهدى ولم يطلبوا الحق فلم ينتفعوا من أناة الله فضربهم. إن الله حليم لكنه شديد العقاب).

10 «فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: ٱسْتَمِعْ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ ٱلْفَمِ وَٱللِّسَانِ».

ص 6: 12 و30 وإرميا 1: 6

لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ أي لست من الفصحاء لأكون أهلاً للخطاب الذي تقتضيه الرسولية. ما زال موسى إلى ذلك الحين يرى أنه ليس أهلاً لأن يكون رسول الله وكان يورد الأعذار على التوالي فلم يكن ينظر إلى سوى نقائصه. ومن ذلك أنه لم يكن سريع الخاطر في الكلام ولا فصيح اللسان. وجاء في تقاليد اليهود إنه كان يعجز عن تبيين الأحرف الشفوية كالباء والفاء والميم ولكن الذي يظهر من آخر الآية هو ما ذكرناه.

مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ هذه العبارة في مصطلح اللغة العبرانية يراد بها كل الزمان الماضي (انظر ص 5: 7 و8 و14 وقابل ذلك بما في تكوين 31: 2 و5 و2صموئيل 3: 17).

وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ يقول إن خطابك أياي لم يُزل لكنتي وعدم سرعة خاطري وثقل لساني فأنا باق على ما كنت عليه قبل أن خاطبتني.

(مجمل معنى هذه الآية على ما ظهر لي أن بطوء خاطري وثقل لساني منذ الفطرة لا من الأمور العارضة التي يتوقع الإنسان زوالها طبعاً إنما تزول بقوة إلهية ولكنك أنت يا رب لم تزلها عندما خاطبت عبدك. فيرجّح إن في كلام موسى براعة طلب أي تلويح أنه يريد من الله أن يحل عقدة لسانه ويهب له سرعة الخاطر فتأمل).

11 «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَماً، أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيراً أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا ٱلرَّبُّ؟».

مزمور 94: 9

معنى هذه الآية إن الله قادر على أن يطلق لسانه وإنه هو مطلق اللسان ومبكمه وإنه يستطيع أن يفعل كل شيء بمقتضى قدرته وحكمته.

12 «فَٱلآنَ ٱذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».

إشعياء 50: 4 وإرميا 1: 9 ومتّى 10: 19 ولوقا 12: 11 و12 و21: 14 و15

أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ أي أرشدك وأساعدك على التكلم (انظر إرميا 1: 6 و7 - 9).

13 «فَقَالَ: ٱسْتَمِعْ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلْ».

أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلْ العبارة اصطلاحية معناها إني أذهب إن أجبرتني على الذهاب ولكن أفضل أن ترسل غيري. وفي الكلام ما لا يخفى من عدم الصبر وقلة الاحترام ولذلك حمي غضب الرب عليه (ع 14).

14 «فَحَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى مُوسَى وَقَالَ: أَلَيْسَ هَارُونُ ٱللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضاً هَا هُوَ خَارِجٌ لٱسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ».

ع 27 و1صموئيل 10: 2 و3 و5

ٱللاَّوِيُّ قال ابن عزرا وروزنمولر ان هذا كان لقب هارون أخي موسى تمييزاً له عن كل هارون سواه بين الإسرائيليين. ولكن قوله هنا «أخاك» مانع من اللبس فالمرجّح أنه لقب بذلك للرفعة وإيماء إلى ما كان لسبط لاوي من الكهنوت.

أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ أي إنه سريع الخاطر واللسان (ولعل في قوله «أنا أعلم إلخ» دفعاً لموسى عن أن يقول ربما كان هارون مثلي أو ما شابه ذلك من الأعذار).

وَأَيْضاً أي وفوق أنه قادر على التكلم عنك يعضدك ويوافقك فتستطيعان معاً أن تدبرا العمل كما يجب.

15 «فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ».

ص 7: 1 و2 عدد 22: 38 و23: 5 و12 و16 وتثنية 18: 18 وإشعياء 51: 16 وإرميا 1: 9 تثنية 5: 31

تَضَعُ ٱلْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ أي تقول له ماذا يتكلم به أي تنبئه بالمقصود وهو يسكبه في عبارات فصيحة.

وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ أي أنبهك لما أريد وأُفهمك إياه حتى تبلغه هارون.

وَمَعَ فَمِهِ أي أمكنه من سبك المعنى في العبارات المناسبة.

16 «وَهُوَ يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَماً، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً».

ص 7: 1 و18: 19

يُكَلِّمُ ٱلشَّعْبَ عَنْكَ أي ينوب عنك في مخاطبة الشعب.

يَكُونُ لَكَ فَماً أي يتكلم بما تريد أن تتكلم.

وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلٰهاً أي تنوب عن الله بأمرك إياه بالكلام فإني أنا أُبلغك ما أُريد وأنت تأمره بالتكلم بما أُنبئك به فتكون أنت نائباً عني ويكون هو نائباً عنك. وبهذا يبقى موسى أعلى من هارون.

17 «وَتَأْخُذُ فِي يَدِكَ هٰذِهِ ٱلْعَصَا ٱلَّتِي تَصْنَعُ بِهَا ٱلآيَاتِ».

ع 2

هٰذِهِ ٱلْعَصَا التي تحوّلت حية.

ٱلآيَاتِ أي العجائب التي ذُكرت في (ص 3: 20).

18 «فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ حَمِيهِ وَقَالَ لَهُ: أَنَا أَذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى إِخْوَتِي ٱلَّذِينَ فِي مِصْرَ لأَرَى هَلْ هُمْ بَعْدُ أَحْيَاءٌ. فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: ٱذْهَبْ بِسَلاَمٍ».

فَمَضَى مُوسَى وَرَجَعَ إِلَى يَثْرُونَ (ذُكر يثرون في أول الأصحاح الثالث في العبرانية «يترو» وفي هذه الآية «يتر» بترك الواو فالظاهر أن العبرانيين كانوا يرخّمون الإعلام في النداء وعلى توالي المدة على المرخم في النداء كانوا يرخمونه في غير النداء أيضاً). وعلى رجوع موسى إلى يثرون أنه كان قد تزوج صفيرة فنُسب على ما يرجح إلى قبيلة رعوئيل التي كان أميراً عليها يثرون بعده. وكانت القبيلة شديدة الارتباط بأميرها فكان على موسى أن يستأذن الأمير في الذهاب ولو إلى حين. ولو فرضنا أن ذلك ليس بضروري بقي أنه كان على موسى أن يرجع إلى يثرون لأمر آخر وهو تسليم المواشي التي كان يرعاها له (انظر ص 3: 1).

إِخْوَتِي أي أقربائي لأنه لم يكن له سوى أخٍ واحد.

فَقَالَ يَثْرُونُ لِمُوسَى: ٱذْهَبْ بِسَلاَمٍ أي مصحوباً بالسلامة وهذا يدل على حب يثرون ولطفه. وكلامه بركة لموسى فهو إن كان عين رعوئيل أو ابنه كاهن وملك كملكي صادق يعبد الإله الحق كما يثبت مما ذُكر في (ص 18: 9 - 12). وقد سمح لموسى أن يأخذ امرأته معه ولما رجعا قبلهما وحماهما (ص 18: 2).

19 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى فِي مِدْيَانَ: ٱذْهَبِ ٱرْجِعْ إِلَى مِصْرَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ جَمِيعُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ».

ص 2: 15 و23 ومتّى 2: 20

فِي مِدْيَانَ الظاهر أن موسى لم يذهب إلى مصر على أثر استئذانه يثرون بل أبطأ ولذلك قال له الله «اذهب ارجع» مكرر الأمر.

جَمِيعُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ (أي يطلبون قصاصك) وهم فرعون وأهل المقتول والشرط المأمورون بالقبض عليه. وهذا مما كان يتوقع بعد أربعين سنة من قتل المصري.

20 «فَأَخَذَ مُوسَى ٱمْرَأَتَهُ وَبَنِيهِ وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى ٱلْحَمِيرِ وَرَجَعَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. وَأَخَذَ مُوسَى عَصَا ٱللّٰهِ فِي يَدِهِ».

ص 17: 9 وعدد 20: 8 و9

بَنِيهِ لم يذكر سوى واحد منهم في ما مرّ وهو جرشون (ص 2: 22) لكن زيد في الفلغاتا لكن غيره وُلد له حديثاً.

وَأَرْكَبَهُمْ عَلَى ٱلْحَمِيرِ وفي العبرانية على الحمار وهذا يحتمل أنه أركبهم على حماره المعهود أو على الحمير استعمالاً لاسم الجنس للجمع وهذا يصح في العبرانية كما يصح في العربية (انظر تكوين 15: 10).

عَصَا ٱللّٰهِ أي العصا التي جعلها الله آية لموسى وجعل موسى يصنع بها المعجزات (والإضافة في العبرانية تصح لأدنى ملابسة كما في العربية) (ص 7: 20 و8: 6 و17 و9: 23 و10: 13 و14: 16 و17: 5 وعدد 20: 9 الخ).

21 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجِعَ إِلَى مِصْرَ ٱنْظُرْ جَمِيعَ ٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَٱصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلٰكِنِّي أُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ».

ص 3: 20 ص 9: 12 و10: 20 و27 و11: 10 و14: 8 وتثنية 2: 30 ويشوع 11: 20 وإشعياء 63: 17 ويوحنا 12: 40 ورومية 9: 18

جَمِيعَ ٱلْعَجَائِبِ ليس المقصود بذلك الآيات الثلاث المذكورة في ما مرّ (ص 3: 3 - 9) بل القوات أو العجائب التي كان على عزم أن يصنعها أمام فرعون وأُشير إليها في (ص 3: 20).

أُشَدِّدُ قَلْبَهُ أي أقسيه وأُصلّبه. تقسية الرب لقلب فرعون كانت موضوع مناظرات كثيرة. ونُسبت هذه التقسية إلى الله هنا وفي (ص 7: 3 و9: 12 و10: 1 و20 و27 و14: 4 و8). وإلى فرعون في (ص 8: 15 و32 و9: 34). وإلى قلب فرعون نفسه في (ص 7: 13 و22 و9: 7 و35). ويمكن أن المقصود بالعبارات الثلاث واحد فأدى المعنى الواحد بثلاث طرق مختلفة. والمعنى ان الله لما جعل كل الوسائل لجذب فرعون إلى اللين وهو قسى قلبه أي لم يعدل عن قساوة قلبه جزاءه على ذلك بأن تركه في عماه الروحي. (وقال بعضهم إن ما فعله الله كان من وسائط تليين القلب لكن طبيعة فرعون كانت مما يقسو قلب صاحبها بتلك الوسائل فذلك كالشمس تلين الشمع وتقسي الطين. ورجّح فريق الأول بدليل ما جاء في (رومية 1: 22 - 24). واعتمد بعضهم في ذلك قول بولس الرسول في رومية 9: 15 - 18 ولا شيء في ذلك مما ينافي باقي تعاليم الكتاب ولا كمال الله فتأمل).

22 «فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ».

هوشع 11: 1 ورومية 9: 4 و2كورنثوس 6: 18 إرميا 31: 9 ويعقوب 1: 18

إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ قابل هذا بما في هوشع 11: 1 وهذه النسبة المحبية التي أول ما أُعلنت هنا ليست مجرد استعارة كأن معناها ان إسرائيل عزيز عندي كابني بل فيها ان إسرائيل الله يتمتع بالنبوة لله باعتبار أنه متحد بابنه الحق حتى كأنهما ابن واحد (رومية 8: 14 - 17). وقوله البكر يدل على أن الله اختار إسرائيل ابناً بالمسيح قبل سائر أمم الأرض.

23 «فَقُلْتُ لَكَ: أَطْلِقِ ٱبْنِي لِيَعْبُدَنِي، فَأَبَيْتَ أَنْ تُطْلِقَهُ. هَا أَنَا أَقْتُلُ ٱبْنَكَ ٱلْبِكْرَ».

ص 11: 5 و12: 29

أَقْتُلُ ٱبْنَكَ ٱلْبِكْرَ لم يأت الله بهذه الضربة حالاً بل جعلها الضربة العاشرة (ص 11: 5). ولم يبين موسى ان هذا الكلام هنا إشارة إلى تلك الضربة قصد الاختصار والاعتماد على فهم السامع.

24 «وَحَدَثَ فِي ٱلطَّرِيقِ فِي ٱلْمَنْزِلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ».

تكوين 32: 1 وعدد 22: 22 تكوين 17: 14

ٱلْمَنْزِلِ مكان النزول للراحة لا الخان أو الفندق إذ ليس هنالك شيء منهما.

أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْتَقَاهُ وفي السبعينية «إن ملاك الرب التقاه» وكذا في ترجوم انكيلوس وبعض الترجمات العربية لكن ما في المتن في الترجمة الإنجيلية البيروتية هو على وفق ما في العبرانية. والمعنى ان الرب دنا من موسى دنو من يريد أن يقتله ورأى هو وامرأته ان الرب يريد عقابه لأنه أهمل ختان ابنه البكر.

25 «فَأَخَذَتْ صَفُّورَةُ صَوَّانَةً وَقَطَعَتْ غُرْلَةَ ٱبْنِهَا وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ. فَقَالَتْ: إِنَّكَ عَرِيسُ دَمٍ لِي».

يشوع 5: 2 و3

صَوَّانَةً أي قطعة من حجر الصوان محددة كالسكين. وكان المصريون يستعملون السكاكين الصوانية على ما أفاد هيرودوتس المؤرخ. وكانت تعد أطهر من السكاكين المعدنية. وكان الختن بها عاماً عند قدماء الإسرائيليين.

وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ أي رجلي موسى وكان ذلك علامة الغيظ والتوبيخ فإن صفورة حسبت الختان في دين زوجها سفك دم ناشئاً عن القسوة والخشونة وإنه يشابه الأعمال الوثنية فطرحت الغلفة عند قدميه كأنه مولوك أو مُولك يطلب التقدمات الدموية.

عَرِيسُ دَمٍ أي زوج هو علة لسفك دم أولاده عبثاً على خلاف ما يقتضيه العقل.

26 «فَٱنْفَكَّ عَنْهُ. حِينَئِذٍ قَالَتْ: عَرِيسُ دَمٍ مِنْ أَجْلِ ٱلْخِتَانِ».

فَٱنْفَكَّ عَنْهُ أي فرجع الرب عن البطش به فاعتبر عمل صفورة فداء لزوجها فعفا عنه.

حِينَئِذٍ قَالَتْ أي لما نجا موسى وعاد إلى انتباهه لصفورة أبانت له لماذا دعته «عريس دم» أي إنها قالت ذلك في شأن الختان أي ختان جرشوم في مديان قبلاً وختان أليعازر هنا. وفي (ص 18: 32) ان موسى أرسل صفورة وابنيها إلى يثرون ولعله أرسلهما في هذا الوقت لأن موسى كان مسرعاً ولم يستطع الولدان احتمال ذلك السفر زمناً كثيراً.

27 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لٱسْتِقْبَالِ مُوسَى. فَذَهَبَ وَٱلْتَقَاهُ فِي جَبَلِ ٱللّٰهِ وَقَبَّلَهُ».

ع 14 ص 3: 1

ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ أما إن الرب حدد له البرية التي أمره بالذهاب إليها وأما إنه هداه إليها بالإلهام ولولا ذلك ربما ذهب إلى مديان لا إلى سيناء.

جَبَلِ ٱللّٰهِ أي سيناء.

قَبَّلَهُ لا يزال الرجال في الشرق يقبّل بعضهم بعضاً كما كان في أيام موسى وأيام هيرودوتس (تكوين 33: 4 و45: 14 و15).

28 «فَأَخْبَرَ مُوسَى هَارُونَ بِجَمِيعِ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ، وَبِكُلِّ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي أَوْصَاهُ بِهَا».

ع 15 ع 3 و8 و9

ٱلآيَاتِ أي المعجزات الثلاث (ع 3 - 9).

29 «ثُمَّ مَضَى مُوسَى وَهَارُونُ وَجَمَعَا جَمِيعَ شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 3: 16

شُيُوخِ (انظر تفسير ص 3: 16).

30، 31 «30 فَتَكَلَّمَ هَارُونُ بِجَمِيعِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى بِهِ، وَصَنَعَ ٱلآيَاتِ أَمَامَ عُيُونِ ٱلشَّعْبِ. 31 فَآمَنَ ٱلشَّعْبُ. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ ٱفْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا».

ع 16 ص 3: 18 وع 8 و9 ص 3: 16 ص 2: 25 و3: 7 تكوين 24: 26 وص 12: 27 و1أيام 29: 20

أي آمن الإسرائيليون موسى بشهادة المعجزات وعبدوا الرب اعترافاً بالجميل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

دخول موسى الأول إلى فرعون وزيادته التثقيل على الإسرائيليين

1 «وَبَعْدَ ذٰلِكَ دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَالاَ لِفِرْعَوْنَ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».

ص 10: 9 و1كورنثوس 5: 8

دَخَلَ إلى بلاط فرعون وكان في صوعن (أي تنيس) وكان مقام رعمسيس الثاني وابنه منفتاح (مزمور 78: 12 و43).

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ وفي العبرانية يهوه إله إسرائيل. كان الفراعنة يعبدون آلهة مختلفة ويعتقدون أنها تخاطبهم ولكنهم لم ينفوا إمكان أن يكون لغيرهم آلهة خاصة تدبرهم كذلك. ومنفتاح نفسه المرجّح أنه فرعون الخروج اعترف في السنة الخمسين من ملكه أن فتاح حذّره على ما أفاد برغش في تاريخ مصر.

لِيُعَيِّدُوا لِي إن الله لم يُعلن كل قصده لفرعون دفعة. فسأله في أول الأمر شيئاً معتدلاً امتحاناً له فأظهر برفضه إياه إنه خشن قاس فجرب الله فثقل عليه.

فِي ٱلْبَرِّيَّةِ أي في موضع وراء حدود مصر أو بعيد عن مساكن المصريين لكي لا يروا الإسرائيليين يذبحون البهائم فيثوروا عليهم لأنهم كانوا يعتقدون قداستها ويحرمون ذبحها (انظر ص 8: 26 والتفسير).

2 «فَقَالَ فِرْعَوْنُ: مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لاَ أَعْرِفُ ٱلرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لاَ أُطْلِقُهُ».

2ملوك 18: 35 وأيوب 21: 15 ومزمور 12: 4 و1صموئيل 2: 12 ص 3: 19

مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ وفي العبرانية «من يهوه» كان اسم يهوه قد تُرك مدة ثم تجدد استعماله حين رأى موسى العليقة تتوقد ولا تحترق وعلى ذلك يرجّح أن فرعون لم يسمع ذلك الاسم قبلاً.

حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ يريد فرعون أنه لا يعرف من يهوه وأن لا سلطان له عليه لأنه ليس من آلهته. فإن المصريين اعتادوا اعتقاد آلهة محلية وان لكل أمة إلهاً أو آلهة خاصة وإن ليس لإله أن يحكم على أمة إله غيره.

3 «فَقَالاَ: إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ قَدِ ٱلْتَقَانَا، فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، لِئَلاَّ يُصِيبَنَا بِٱلْوَبَإِ أَوْ بِٱلسَّيْفِ».

ص 3: 18 ص 9: 15 ولاويين 26: 25

إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ لم يجب موسى فرعون ببيان إن ليهوه سلطاناً على المصريين أيضاً فاكتفى بأن يبين له أن يهوه إلههم يغضب ويضربهم إذا لم يخضعوا له وأراد من فرعون أن يأذن له في ما طلبه لينقذهم من غضب يهوه.

بِٱلسَّيْفِ كانت مصر عرضة للغزاة في الثغور الشرقية وكان العبرانيون عرضة للغزو في جاسان. وكان المصريون في عصر الدولة التاسعة عشرة يخافون غزو الحثيين.

4 «فَقَالَ لَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ: لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ تُبَطِّلاَنِ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَعْمَالِهِ؟ اِذْهَبَا إِلَى أَثْقَالِكُمَا».

ص 1: 11

(يظهر من قول فرعون هذا أنه ظن أن موسى يريد بذلك أن يريح الإسرائيليين وقتاً من تعب العمل الذي كلفهم فرعون إياه).

5 «وَقَالَ فِرْعَوْنُ: هُوَذَا ٱلآنَ شَعْبُ ٱلأَرْضِ كَثِيرٌ وَأَنْتُمَا تُرِيحَانِهِمْ مِنْ أَثْقَالِهِمْ».

ص 1: 7 و9

(هذا إيضاح للآية الرابعة وتأكيد لها وفيه أن الخسارة كثيرة بتركهم العمل لكثرتهم. والذي يُفهم من بعض التراجم القديمة أنهم كثروا مع تكليفهم بهذا العمل فكيف لو استراحوا).

ولما خرج موسى وهارون من حضرة فرعون وبخ فرعون المسخرين على تركهم العبرانيين يكسلون لأنه كان لهم وقت يجتمعون فيه على ما يُستنتج من (ص 4: 30 و31).

6 «فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ مُسَخِّرِي ٱلشَّعْبِ وَمُدَبِّرِيهِ قَائِلاً».

ص 1: 11

مُسَخِّرِي ٱلشَّعْبِ وَمُدَبِّرِيهِ كان الذين وُكل إليهم تسخير الإسرائيليين ثلاث طبقات الأولى رؤساء التسخير (ص 1: 11). والثانية المسخرون (ع 6 و10 و13 و14). والثالثة المدبرون (ع 6 و11 - 21). رؤساء التسخير كانوا جماعة قليلة على ما يرجح وكان عملهم إدارة الباقين وتعيين العمل للإسرائيليين. ولا ريب في أنهم كانوا من المصريين الأصليين. وكان المسخرون هم الذين يجرون على الإسرائيليين ما يأمر الرؤساء به وكانوا مصريين مثل أولئك الرؤساء. وكانوا بالنسبة إلى الرؤساء كثيرين وكانوا يجرون أوامرهم بواسطة المدبرين. وكان المدبرون من الإسرائيليين وكانوا يهتمون الاهتمام الأكثر بعمل اللبن وعدد المصنوع منه.

7 «لاَ تَعُودُوا تُعْطُونَ ٱلشَّعْبَ تِبْناً لِصُنْعِ ٱللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْناً لأَنْفُسِهِمْ».

تِبْناً لِصُنْعِ ٱللِّبْنِ كان المصريون يستعملون اللِبن كثيراً إذ كانوا يبنون منه بيوت السكن والقبور والأبنية العادية وأسوار المدن والحصون وأسوار الهياكل المقدسة وكل ما لا يضطر في بنائه إلى الحجارة. والذي عُرف إنهم قصروا الحجارة تقريباً على الهياكل وأرصفة المرافئ والحياض. وكانوا يصنعون ذلك اللِبن من طين النيل مخلوطاً بالتبن.

لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْناً قيل إن هذا العمل كان به تعب الإسرائيليين أكثر من ضعفي ما كان قبله. فإنه كان عليهم أن يذهبوا إلى الحقول البعيدة عن معمل اللِبن ويقلعوا سوق الزرع من التربة ويكسروها بعد جمعها ويوعوها ويحملوها إلى المعمل ثم يأخذوا في عمل اللِبن إلى أن يبلغوا العدد المطلوب منهم قبلاً.

8 «وَمِقْدَارَ ٱللِّبْنِ ٱلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ أَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ تَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ. لاَ تَنْقُصُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ مُتَكَاسِلُونَ، لِذٰلِكَ يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَذْبَحُ لإِلٰهِنَا».

(اعتقد فرعون أن موسى والإٍسرائيليين اتخذوا أمر العبادة حيلة لترك العمل وقتاً وان الذي حملهم على ذلك كسلهم راجع تفسير ع 4 و5).

9 «لِيُثَقَّلِ ٱلْعَمَلُ عَلَى ٱلْقَوْمِ حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِهِ وَلاَ يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلاَمِ ٱلْكَذِبِ».

لاَ يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلاَمِ ٱلْكَذِبِ أراد بكلام الكذب وعد موسى وهارون الشعب بالإنقاذ وثقة الشعب بذلك (ص 4: 30) فإن فرعون حسب ذلك كذباً فكان ما أتاه هنا كالذي أتاه سنحاريب مع حزقيا (2ملوك 18: 20). (هذا ما قاله مشاهير المفسرين. ويحتمل أنه أراد بكلام الكذب قولهم أنهم يذهبون ويذبحون لإلههم أي إن ذلك كذب يتوسلون به إلى البطالة).

10، 11 «10 فَخَرَجَ مُسَخِّرُو ٱلشَّعْبِ وَمُدَبِّرُوهُ وَقَالُوا لِلشَّعْبِ: هٰكَذَا يَقُولُ فِرْعَوْنُ: لَسْتُ أُعْطِيكُمْ تِبْناً. 11 ٱذْهَبُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ تِبْناً مِنْ حَيْثُ تَجِدُونَ. إِنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ عَمَلِكُمْ شَيْءٌ».

يَقُولُ فِرْعَوْنُ (بلغوهم قول فرعون لزيادة الترهيب كأنهم أرادوا أن لنا أن نأمركم بأعمالكم وعليكم أن تطيعوا وفوق ذلك إن الأمر أمر فرعون الملك لا أمرنا نحن).

لاَ يُنْقَصُ مِنْ عَمَلِكُمْ (المعهود فجلب التبن زيادة للتأديب).

12 «فَتَفَرَّقَ ٱلشَّعْبُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لِيَجْمَعُوا قَشّاً عِوَضاً عَنِ ٱلتِّبْنِ».

لِيَجْمَعُوا قَشّاً عِوَضاً عَنِ ٱلتِّبْنِ (وفي العبرانية «لقشّ قش لتبن» أي لجمع جذامة عن التبن أي بدلاً منه أو عوضاً عنه. والجذامة من الزرع ما بقي بعد الحصد. والقش في العربية الجمع كما في العبرانية والعامة تريد به ما تفتت من يابس النبات كالهشيم والقش بتخفيف الشين في العبرانية الجذامة).

كان حصدة المصريين يقصون السنابل فيبقون جزءاً من سوقها مع الأصل في الأرض. وكان أرباب الحقول لا يكترثون بالجذامة فكان لكل إنسان أن يجمعها. فكان الإسرائيليون المظلومون يقلعونها ويكسرونها لتصلح أن تقوم مقام التبن.

13 «وَكَانَ ٱلْمُسَخِّرُونَ يُعَجِّلُونَهُمْ قَائِلِينَ: كَمِّلُوا أَعْمَالَكُمْ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، كَمَا كَانَ حِينَمَا كَانَ ٱلتِّبْنُ».

وَكَانَ ٱلْمُسَخِّرُونَ يُعَجِّلُونَهُمْ شوهد في رسوم المصريين القديمة صور مسخرين في أيديهم العصي يستعجلون العملة كلما تركوا العمل ريثما يستريحون وهم ممثلون قائلين للعملة على الدوام (اعملوا بلا إعياء).

كَمَا كَانَ حِينَمَا كَانَ ٱلتِّبْنُ أي اعملوا العمل المفروض عليكم في صنع اللِبن قبل أن تكلفوا بجمع التبن.

14 «فَضُرِبَ مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ أَقَامَهُمْ عَلَيْهِمْ مُسَخِّرُو فِرْعَوْنَ، وَقِيلَ لَهُمْ: لِمَاذَا لَمْ تُكَمِّلُوا فَرِيضَتَكُمْ مِنْ صُنْعِ ٱللِّبْنِ أَمْسِ وَٱلْيَوْمَ كَٱلأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ؟».

فَضُرِبَ مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ لأنهم وُكل إليهم إنجاز المفروض فكانوا هم المسؤولين.

15 «فَأَتَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا إِلَى فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: لِمَاذَا تَفْعَلُ هٰكَذَا بِعَبِيدِكَ؟».

فَأَتَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَرَخُوا إِلَى فِرْعَوْنَ كان يهون على كل إنسان في مصر أن يواجه الملك ويشكو إليه لأن الفراعنة فرضوا على أنفسهم أن يسمعوا الشكاية بأنفسهم في ساعة معينة في الصباح. ومعنى قوله «صرخوا إليه» استغاثوا وسألوه الحماية والإنصاف.

16 «اَلتِّبْنُ لَيْسَ يُعْطَى لِعَبِيدِكَ، وَٱللِّبْنُ يَقُولُونَ لَنَا ٱصْنَعُوهُ، وَهُوَذَا عَبِيدُكَ مَضْرُوبُونَ، وَقَدْ أَخْطَأَ شَعْبُكَ».

قَدْ أَخْطَأَ شَعْبُكَ أي أذنب المصريون بضربهم العبرانيين لأنهم حمّلوهم فوق طاقتهم.

17 «فَقَالَ: مُتَكَاسِلُونَ أَنْتُمْ مُتَكَاسِلُونَ. لِذٰلِكَ تَقُولُونَ: نَذْهَبُ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ».

فَقَالَ مُتَكَاسِلُونَ أَنْتُمْ مُتَكَاسِلُونَ كان الكسل عند المصريين من أفظع الآثام وكان الكسلى في اعتقادهم يحاكمون محاكمة خاصة أمام إلههم أُوسيرس على ما عُرف من تاريخ مصر.

18، 19 «18 فَٱلآنَ ٱذْهَبُوا ٱعْمَلُوا. وَتِبْنٌ لاَ يُعْطَى لَكُمْ وَمِقْدَارَ ٱللِّبْنِ تُقَدِّمُونَهُ. 19 فَرَأَى مُدَبِّرُو بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ فِي بَلِيَّةٍ إِذْ قِيلَ لَهُمْ لاَ تُنَقِّصُوا مِنْ لِبْنِكُمْ أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ».

لم يكن فرعون أرحم من المسخرين بل ما أتاه المسخرون إنما أتوه بأمره فكان لسان حال المدبرين يقول:

Table 4. 

المستجير بعمر عند كربتهكالمستجير من الرمضاء بالنار    

20 «وَصَادَفُوا مُوسَى وَهَارُونَ وَاقِفَيْنِ لِلِقَائِهِمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».

وَاقِفَيْنِ لِلِقَائِهِمْ ليعرفوا ماذا كان من شكواهم إلى فرعون.

21 «فَقَالُوا لَهُمَا: يَنْظُرُ ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي، لأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ حَتَّى تُعْطِيَا سَيْفاً فِي أَيْدِيهِمْ لِيَقْتُلُونَا».

ص 6: 9 و2أيام 24: 22 و1صموئيل 13: 4 و27: 12 و2صموئيل 10: 6 و1أيام 19: 6

يَنْظُرُ ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي (أي يعاقبكما على ما أوصلتمانا إليه من العذاب بتدبيركما).

أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا أي جعلتمانا مكروهين جداً (تكوين 34: 30 و1صموئيل 13: 4 و2صموئيل 10: 6 الخ).

فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ أي جعلتماهم يروننا جيفاً منتنة.

حَتَّى تُعْطِيَا سَيْفاً فِي أَيْدِيهِمْ لِيَقْتُلُونَا أي أغظتماهم علينا فكنتما بذلك كأنكما أعطيتماهم سيفاً وسألتماهم أن يقتلونا.

22، 23 «22 فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ 23 فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِٱسْمِكَ أَسَاءَ إِلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ».

عدد 11: 11 و1ملوك 17: 20

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ لأنه لم يجد ماذا يقول للمدبرين وقد رأى أنه خاب كما خابوا فلم يبق له إلا أن يرفع الأمر إلى الله بجراءة غريبة ولكن الله عذره لأنه حمله على ذلك حبه لشعبه. وشدة ما أثر فيه زيادة شقاء الإسرائيليين وظلم فرعون فإن ألمه من ذلك بلغ مبلغاً لم يستطع احتماله فصرخ من الألم لا من الغيظ.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

تجديد الله عهوده لموسى وتوسيعها

1 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱلآنَ تَنْظُرُ مَا أَنَا أَفْعَلُ بِفِرْعَوْنَ. فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ وَبِيَدٍ قَوِيَّةٍ يَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ».

ص 3: 19 ص 11: 1 و12: 31 و33 و39

ٱلآنَ تَنْظُرُ كان مضمون شكوى موسى ان الله أبطأ عن القيام بما وعد واستنتج من ذلك إمكان أن لا يفرج عن شعبه وما حمله على ذلك إلى شدة ألمه وضعف الطبيعة البشرية فقال له «الآن تنظر» أي آخذ في التفريج عن شعبي في الحال بلا تأخر فترى وتخلص من الشك.

بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ أي يطلقهم بقوة يدي عليه أي أجبره على إطلاقهم بقدرتي.

يَطْرُدُهُمْ قابل هذا بما في (ص 12: 31 - 33).

2 «ثُمَّ قَالَ ٱللّٰهُ لِمُوسَى: أَنَا ٱلرَّبُّ».

أَنَا ٱلرَّبُّ (أي أن المتكلم معك يا موسى هو يهوه إله العهد الذي لا يكذب بوعده ويقدر على وفاء كل ما يعد به).

3 «وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِٱسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ».

تكوين 17: 1 و35: 11 و48: 3 ص 3: 14 ومزمور 68: 4 و83: 18

ظَهَرْتُ... بِأَنِّي ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أي أعلن نفسه باسم «إل شداي» أي الله القدير. وأول ما أعلن نفسه بأنه الإله القدير إعلانه إياها لإبراهيم (تكوين 17: 1) ثم إعلانه إياها ليعقوب (تكوين 35: 11). وكان من أول الأمور الضرورية أن يعرف الباري تعالى بأنه على كل شيء قدير (انظر تفسير تكوين 17: 1). ومعنى «يهوه» الكائن بلا شرط الأزلي الأبدي المستقل بصفاته. والاسمان قديمان جداً وعُرفا بين قبائل سام واشتهرا كثيراً لكن في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة وكان لإعلان كل منهما قوة خاصة في مكانه وزمانه. فأعلن الله نفسه للآباء الأولين باسم «إل شداي» أي الله القدير لأنه أراد أن يقرر في أذهانهم قدرته على الوفاء بعهوده التي عهدها إليهم. وأعلن نفسه لموسى ولسائر الإسرائيليين في الخروج باسمه يهوه غالباً لأنهم مخالطين للمشركين أي القائلين بغير إله واحد ولأنهم كانوا يقعون في هاوية الشرك أحياناً (يشوع 24: 14) مع إعلان ذلك الاسم الذي يفيد التوحيد لأن جوهر معناه الواحد الواجب الوجود لذات بدليل قوله «إِنَّ ٱلرَّبَّ (وفي العبرانية يهوه) هُوَ ٱلإِلٰهُ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ» (تثنية 4: 39).

وَأَمَّا بِٱسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ أي لم أعلن لهم نفسي بهذا الاسم فلم يفهموا معناه تمام الفهم. وإن كان الآباء عرفوا لفظه لقدمه فلم يعرفوا سوى بعض معناه. وبيّنات قدم هذا الاسم كثيرة نذكر ثلاثاً منها:

  • الأول: اشتقاقه من فعل ممات وهو «هوه» وصار في أيام موسى «هيه».

  • الثاني: وجوده في أقدم المكتوبات (تكوين 2: 4 و3: 1 و4: 1 - 9).

  • الثالث: استعمال إبراهيم إياه (تكوين 22: 14).

4 «وَأَيْضاً أَقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي: أَنْ أُعْطِيَهُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ أَرْضَ غُرْبَتِهِمِ ٱلَّتِي تَغَرَّبُوا فِيهَا».

تكوين 15: 18 و17: 4 و7 تكوين 17: 8 و28: 4

عَهْدِي (انظر تكوين 15: 18 - 21 و17: 7 و8 و26: 3 و4 و35: 12 الخ).

أَرْضَ كَنْعَانَ أي البلاد التي بين صيدون ( أي صيداء) وغزة (تكوين 10: 19). وكانت هذه الأرض للإسرائيليين في عصر داود وسليمان (1ملوك 4: 12 - 23).

أَرْضَ غُرْبَتِهِمِ ٱلَّتِي تَغَرَّبُوا فِيهَا (قابل هذا بما في تكوين 17: 8 و23: 4 و28: 4). لم يسكن إبراهيم وإسحاق ويعقوب في أرض كنعان إلا بأن سمح لهم أربابها وسمحوا لهم بأن يسكنوها لأن نصفها حينئذ لم يكن مشغولاً بالسكان وكان أربابها من الأمم الكنعانية كالحثيين وغيرهم (تكوين 20: 15 و23: 3 - 20 الخ).

5 «وَأَنَا أَيْضاً قَدْ سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ يَسْتَعْبِدُهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ، وَتَذَكَّرْتُ عَهْدِي».

ص 2: 24

سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (أي علمت أنهم يتألمون وشفقت عليهم واستجبت دعاءهم إليّ).

6 «لِذٰلِكَ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَا ٱلرَّبُّ. وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَأُنْقِذُكُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ وَأُخَلِّصُكُمْ بِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ وَبِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ».

ع 2 و8 و29 وص 3: 17 و7: 4 وتثنية 26: 8 ومزمور 136: 11 و12 ص 15: 13 وتثنية 7: 8 و1أيام 17: 21 ونحميا 1: 10

وَأُخَلِّصُكُمْ كان تخليص الله للإسرائيليين من فرعون وعبودية المصريين رمزاً إلى تخليص المسيح المؤمنين من الشيطان وعبودية الخطية. وخلص الله الإسرائيليين بطريقين عجيبين جداً (1) المعجزات المتوالية والضربات العشر و(2) أن قادهم وأجازهم في البحر الأحمر سالمين (ص 15: 13 - 16).

بِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ (انظر تفسير ص 3: 20).

بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ أي بمعجزات هي أحكام عليهم أي دينونة بطريق عجيب. ذكرها هنا تصريحاً واكتفى في (ص 3: 20 و4: 23) بالإشارة إليها. وسبق فقال في سفر التكوين «ٱلأُمَّةُ ٱلَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا» فصرّح بالدينونة ولم يبين أنها تكون بالعجائب والمعجزات (تكوين 15: 14).

7 «وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْباً وَأَكُونُ لَكُمْ إِلٰهاً. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمُ ٱلَّذِي يُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

تثنية 4: 20 و7: 6 و14: 2 و26: 18 و2صموئيل 7: 24 تكوين 17: 7 و8 وص 29: 45 و36 وتثنية 29: 13 ورؤيا 21: 7 ص 5: 4 و5 ومزمور 81: 6

وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْباً قابل هذا بما في (ص 19: 5 و6 وتثنية 7: 6). لم يستلزم اختيار إسرائيل شعباً خاصاً ترك سائر الأمم بدليل ما عُرف من أمر بلعام وراعوث وأيوب ونبوخذنصر وداريوس المادي وقورش وغيرهم. فالله ما فتئ يهدي أمم الأرض (مزمور 67: 4). وإنه «فِي كُلِّ أُمَّةٍ ٱلَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ» (أعمال 10: 35). وعلى هذا المبدإ جرى المسيح والرسل في زمن الإنجيل (متّى 8: 5 - 13 وأعمال 10: 1 - 33).

وَأَكُونُ لَكُمْ إِلٰهاً (انظر تكوين 7: 8).

8 «وَأُدْخِلُكُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي رَفَعْتُ يَدِي أَنْ أُعْطِيَهَا لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأُعْطِيَكُمْ إِيَّاهَا مِيرَاثاً. أَنَا ٱلرَّبُّ».

تكوين 14: 22 وعدد 14: 30 وتثنية 32: 40 ونحميا 9: 15 وحزقيال 20: 5 و6 تكوين 15: 18 و26: 3 و28: 13 و35: 12

وَأُعْطِيَكُمْ إِيَّاهَا مِيرَاثاً أَنَا ٱلرَّبُّ أي لأني أنا الرب (وفي العبرانية يهوه) إله العهد الوثيق الأزلي الأبدي الذي لا يتغير والقدير الذي لا يعجزه شيء احفظ عهدي وأفي به فأعطكيم الأرض التي وعدت بها ميراثاً.

9 «فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هٰكَذَا، وَلٰكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ ٱلنَّفْسِ، وَمِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ ٱلْقَاسِيَةِ».

ص 5: 21

لَمْ يَسْمَعُوا أي لم يصدقوا موسى ولم يلتفتوا إلى كلامه فتغيروا عما كانوا عليه في أول الأمر بدليل قوله قبلاً «فَآمَنَ ٱلشَّعْبُ... خَرُّوا وَسَجَدُوا» (ص 4: 31). ولم يكن ذلك من الأمور العجيبة لظهور سببه (وإذا ظهر السبب بطل العجب) وذلك «صغر النفس والعبودية القاسية» فإنهم توقعوا الفرج فزادوا ضيقاً.

صِغَرِ ٱلنَّفْسِ (صغر النفس كناية عن وهنها وقلّة صبرها وعجزها عن الاحتمال لأن الصغير لا يصبر ولا يقوى على الشدائد).

الرسالة الثانية إلى فرعون

10، 11 «10 ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 11 اُدْخُلْ قُلْ لِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ أَنْ يُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ».

قُلْ لِفِرْعَوْنَ كانت الرسالة الثانية مقرونة بالقيام بما هو أشد مما اقترنت به الرسالة الأولى فإن في الرسالة الأولى مجرد طلب الخروج إلى البرية التي كان معظمها داخل الحدود المصرية وإن في الثانية الأمر بذلك الطلب وبيان وجوب الخروج إلى البرية. وهذا هو المعهود من طريق عناية الله فإنا إذا أبينا حمل صليب خفيف حُكم علينا بحمل صليب أثقل منه.

12 «فَتَكَلَّمَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ قَائِلاً: هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَسْمَعُوا لِي، فَكَيْفَ يَسْمَعُنِي فِرْعَوْنُ وَأَنَا أَغْلَفُ ٱلشَّفَتَيْنِ؟».

ع 9 ص 4: 10 وع 30 وإرميا 1: 6

فَكَيْفَ يَسْمَعُنِي فِرْعَوْنُ قال موسى هذا لأمرين رفض فرعون كلامه وعدم اكتراث الشعب به. فرأى إنه إذا كان الشعب الذي هو عرّض نفسه للأخطار لكي ينقذه لم يلتفت إلى كلامه فمن الضرورة أن عدوه فرعون وعدو كل الإسرائيليين لا يلتفت إليه. ولا شك في أن ما سبق له مع فرعون وآل إسرائيل حمله على الجبن واليأس (ص 15: 1 - 4 وص 6: 9). (ولا ريب في أن ذلك من نتائج ضعف الإيمان الذي هو من شأن الطبيعة البشرية الضعيفة).

أَغْلَفُ ٱلشَّفَتَيْنِ كان الإسرائيليون يريدون بالأغلف الناقص عما يقتضيه الأمر. فمعناه هنا مثل معناه في قوله «أعقد اللسان» و «بطيء الكلام». فاللسان الأغلف هو اللسان العاجز عن البيان ومثله أغلف الشفتين. وجاء في نبوءة إرميا الأذن الغلفاء أريد بها العاجزة عن السمع (إرميا 6: 15). وفي سفر اللاويين القلوب الغلف وأُريد بها القلوب التي لا تستطيع الفهم (لاويين 26: 41 وأعمال 7: 51).

13 «فَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ، وَأَوْصَى مَعَهُمَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ فِي إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

وَأَوْصَى مَعَهُمَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فكان على موسى وهارون أن يبلغا بني إسرائيل وصايا الرب (وهذا معنى قوله «أوصى» الخ أي أنهى بما أوصاهما الوصية إلى بني إسرائيل) وتفصيل ذلك في (ص 7: 1 - 9). والمرجّح أن الآية الأولى من ص 7 متعلقة بالآية الثانية عشرة من هذا الأصحاح فإنه قصد تقرير الكلام فختم هذا الأصحاح بمكرّر الآية الثانية عشرة ليفيد تعلقها بالآية الأولى من الأصحاح السابع.

عشيرة موسى

14، 15 «14 هٰؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ بُيُوتِ آبَائِهِمْ: بَنُو رَأُوبَيْنَ بِكْرِ إِسْرَائِيلَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي. هٰذِهِ عَشَائِرُ رَأُوبَيْنَ. 15 وَبَنُو شَمْعُونَ: يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَأُولُ ٱبْنُ ٱلْكَنْعَانِيَّةِ. هٰذِهِ عَشَائِرُ شَمْعُونَ».

تكوين 46: 9 و1أيام 5: 3 تكوين 46: 10 و1أيام 4: 24

هٰؤُلاَءِ رُؤَسَاءُ بُيُوتِ آبَائِهِمْ أي مقدمو عشائرهم (انظر عدد 1: 2 و18). كان النسل السامي يلذ ببيان الأنساب ولا يزال إلى اليوم كذلك كما يظهر من التواريخ العبرانية والعربية. وكان النسب المتصل مما يزيد الرؤساء اعتباراً في عيون المرؤوسين.

رَأُوبَيْنَ... شَمْعُونَ أراد الكاتب بيان أن سبط لاوي من آل يعقوب فابتدأ الكلام بذكر ابني يعقوب الأكبرين ولم يذكر نسليهما لأن غرضه هنا بيان نسب اللاويين خاصة.

16 «وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي لاَوِي بِحَسَبِ مَوَالِيدِهِمْ: جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَكَانَتْ سِنُو حَيَاةِ لاَوِي مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً».

تكوين 46: 11 وعدد 3: 17 و1أيام 6: 1 و16

جَرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي وُلد هؤلاء قبل أن ذهب لاوي إلى مصر (تكوين 56: 8 و11 و27) وكان حينئذ في سن الأربعين أو الخمسين ولا يرجح أن الثلاثة هنا كانوا حينئذ كباراً. «عاش لاوي مئة وسبعاً وثلاثين سنة» فالمرجّح أنه شاهد أولاد الجيل الخامس من أولاده. وتبين من هذا النسب أن موسى ابن حفيد لاوي. وفي سفر الأيام أن يهوشع (أو يوشع) بينه وبين يعقوب نحو عشرة أجيال (1أيام 7: 23 - 27) فلا ريب في أنه ترك في هذا النسب بعض الأشخاص. وهذا كان من عادة العبرانيين فإنهم كثيراً ما كانوا يقتصرون على ذكر المشاهير لأمرين الاختصار وكون المذكور وافياً بالغرض كما يظهر من مقابلة النسب في سفر عزرا وإنجيل متّى (عزرا 7: 1 - 5 ومتّى 1: 8). فالمرجّح أنه تُرك في النسب اللاوي في هذا الأصحاح أربعة أشخاص أو خمسة أو ستة بين عمرام بن قهات وعمرام أبي موسى كما يظهر من الجدول الآتي لنسب يشوع أو يهوشع ونسب موسى.

يعقوب

Table 5. 

لاوييوسف    
قهاتأفرايم    
عمرامبريعة    
. . .رفح    
. . .تلح    
. . .تاحن    
. . .لعدان    
. . .عميهود    
. . .أليشمع    
عمرامنون    
موسىيشوع أو يهوشع    

17 - 19 «17 اِبْنَا جَرْشُونَ: لِبْنِي وَشَمْعِي بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمَا. 18 وَبَنُو قَهَاتَ: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. وَكَانَتْ سِنُو حَيَاةِ قَهَاتَ مِئَةً وَثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 19 وَٱبْنَا مَرَارِي: مَحْلِي وَمُوشِي. هٰذِهِ عَشَائِرُ ٱللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ مَوَالِيدِهِمْ».

1أيام 6: 17 و23: 7 عدد 26: 57 و1أيام 6: 2 و18 و1أيام 6: 19 و23: 21

اِبْنَا جَرْشُونَ الخ من هنا إلى أخر هذا السفر لم يجئ بيان هذا النسب ثانية لكن الركن في هذا النسب ما في سفر العدد (عدد 3: 18 - 33) وسفر الأيام الأول (1أيام 6: 17 - 19). ومما يجب الالتفات إليه أنه لم يكن لجرشون سوى ابنين وقهات لم يكن له سوى أربعة ومراري لم يكن له سوى اثنين مع أن عدد اللاويين الذكور كان في السنة التي بعد الخروج 22300 (عدد 3: 22 و28 و34) وهذه الزيادة لا تكون إلا في نهاية الجيل العاشر أو الحادي عشر.

20 - 22 «20 وَأَخَذَ عَمْرَامُ يُوكَابَدَ عَمَّتَهُ زَوْجَةً لَهُ. فَوَلَدَتْ لَهُ هَارُونَ وَمُوسَى. وَكَانَتْ سِنُو حَيَاةِ عَمْرَامَ مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 21 وَبَنُو يِصْهَارَ: قُورَحُ وَنَافَجُ وَذِكْرِي. 22 وَبَنُو عُزِّيئِيلَ: مِيشَائِيلُ وَأَلْصَافَانُ وَسِتْرِي».

ص 2: 1 و2 وعدد 26: 59 عدد 16: 1 و1أيام 6: 37 و 38 لاويين 10: 4 وعدد 3: 30

أَخَذَ عَمْرَامُ يُوكَابَدَ عَمَّتَهُ زَوْجَةً لَهُ كان الاقتران بالعمّات وبنات الأخ جائزاً قبل إعطاء الشريعة. وكان ذلك شائعاً في الشرق وغيره على ما أبان هيرودوتس المؤرخ.

سِنُو حَيَاةِ عَمْرَامَ لم يُقصد من ذكر طول حياة لاوي وقهات وعمرام سوى بيان أن الله بارك بيت لاوي بركة خاصة حتى أن تلك البركة كانت قبل أن صار سبطاً كهنوتياً. فإن سني الحياة في مصر لم تكن تزيد على المئة والعشرين لكن لاوي عاش 137 سنة وقهات 133 سنة وعمرام 137 سنة ومن المحتمل أن عمرام أبا موسى عاش كذلك.

23 «وَأَخَذَ هَارُونُ أَلِيشَابَعَ بِنْتَ عَمِّينَادَابَ أُخْتَ نَحْشُونَ زَوْجَةً لَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ نَادَابَ وَأَبِيهُوَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ».

راعوث 4: 19 و20 و1أيام 2: 10 ومتّى 1: 4 لاويين 10: 1 وعدد 3: 2 و26: 60 و1أيام 6: 3 و24: 1

أَلِيشَابَعَ بِنْتَ عَمِّينَادَابَ أُخْتَ نَحْشُونَ كان عميناداب ونحشون من أسلاف داود (راعوث 4: 19 و 20 و1أيام 2: 10 - 15) وأسماهما في نسب ربنا يسوع المسيح لأنه من نسل داود من جهة الجسد (متّى 1: 4 ولوقا 3: 32 و33). وكان نحشون «أمير يهوذا» في زمن الخروج (عدد 1: 7 و16).

24 «وَبَنُو قُورَحَ أَسِّيرُ وَأَلْقَانَةُ وَأَبِيَاسَافُ. هٰذِهِ عَشَائِرُ ٱلْقُورَحِيِّينَ».

عدد 16: 1 و26: 9 إلى 11

وَبَنُو قُورَحَ هؤلاء البنون لم يشاركوا قورح في إثمه ولذلك لم يُقتلوا بل صاروا رؤساء عشائر ذوات شأن.

25 « وَأَلِعَازَارُ بْنُ هَارُونَ أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ بَنَاتِ فُوطِيئِيلَ زَوْجَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ فِينَحَاسَ. هٰؤُلاَءِ هُمْ رُؤَسَاءُ آبَاءِ ٱللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ».

عدد 25: 7 و11 ويشوع 24: 33

بِحَسَبِ عَشَائِرِهِمْ انتهت هنا النسبة الخاصة ولكن الكاتب أنفق فيها كل الجهد على أن موسى وهارون المذكورين فيها (ع 20 و23) هما أنفسهما اللذان عيّنهما الله ليخرجا الإسرائيليين من مصر ويقوداهم وأنهما اللذان أرسلهما الله إلى فرعون (ع 26 و27).

26 «هٰذَانِ هُمَا هَارُونُ وَمُوسَى ٱللَّذَانِ قَالَ ٱلرَّبُّ لَهُمَا: أَخْرِجَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِحَسَبِ أَجْنَادِهِمْ».

ع 13 ص 7: 4 و12: 17 و51 وعدد 33: 1

أَجْنَادِهِمْ سماهم أجناداً لأنهم كانوا بمنزلة العسكر تحت قيادة موسى وترتيبه في محاربته العجيبة لفرعون. وهذه أول مرار تسمية الإسرائيليين بالأجناد فإنهم صعدوا من مصر بعدة الحرب (ص 13: 18). ودُعوا أجناداً أيضاً في (ص 7: 4 و12: 17 و51).

27 «هُمَا ٱللَّذَانِ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ فِي إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. هٰذَانِ هُمَا مُوسَى وَهَارُونُ».

ع 13 وص 32: 7 و33: 1 ومزمور 77: 20

هذه الأية تأكيد للتي قبلها مع زيادة بيان.

الرسالة الثانية إلى فرعون

28 - 30 «28 وَكَانَ يَوْمَ كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى فِي أَرْضِ مِصْرَ 29 أَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لَهُ: أَنَا ٱلرَّبُّ. كَلِّمْ فِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ بِكُلِّ مَا أَنَا أُكَلِّمُكَ بِهِ. 30 فَقَالَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ: هَا أَنَا أَغْلَفُ ٱلشَّفَتَيْنِ. فَكَيْفَ يَسْمَعُ لِي فِرْعَوْنُ?».

ع 2 ع 11 وص 7: 2 ص 4: 10 وع 12

هذه الآيات متعلقة كل التعلق بالأصحاح السابع وهما تكرار وتقرير لبعض ما سبق من الأصحاح السادس فكانت الآيات من الرابعة عشرة إلى السابعة والعشرين كلاماً معترضاً. وذُكرت هذه الآيات لبيان ارتباط الأصحاح السابع بالخبر السابق وليس فيها نبأ جديد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

1 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلٰهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ».

ص 4: 16 وإرميا 1: 10 ص 4: 16

ٱنْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلٰهاً لِفِرْعَوْنَ هذا جواب الله لموسى على قوله أنه «أغلف الشفتين» (ص 6: 12) ولعله كان على الأثر (وذُكر هنا لوصل الحديث) فيكون المعنى «إني ما دعوتك للكلام بل للعمل فتكون بمنزلة إله لفرعون في القوة والمعجزات وإنك لا تقاوم وهارون يخاطبه عنك وهو فصيح» (ص 4: 14).

نَبِيَّكَ أي مبلغ كلامك لفرعون وموضح له قصدك وهذا معنى النبي في الأصل.

2 «أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ».

ص 4: 15

(هذه الآية بسط وإيضاح للآية الأولى).

3 «وَلٰكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْر».

ص 4: 21 ورومية 9: 18 ص 11: 9 ص 4: 8 و9

أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ (انظر تفسير ص 4: 21).

آيَاتِي وَعَجَائِبِي سُمي الفعل الخارق العادة آية لأنه علامة صحة المدعى وعجيبة لإنشائه العجب في نفس المشاهد. وكثر ورود العجيبة في الكتاب المقدس للمعجزة المصنوعة للعقاب.

4 « وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ».

ص 10: 1 و11: 9 ص 6: 26 و12: 41 ص 6: 6

وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي وفي العبرانية «ولا يسمع لكما فرعون فأضع يدي».

أَجْنَادِي (انظر تفسير ص 6: 26).

شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ «شعبي» بيان لقوله «أجنادي» ( «وبني إسرائيل» بيان لقوله «شعبي»).

بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ (انظر تفسير ع 3 وص 6: 6).

5 «فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَمَا أَمُدُّ يَدِي عَلَى مِصْرَ وَأُخْرِجُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْنِهِمْ».

ع 17 وص 8: 22 و14: 4 و18 ومزمور 9: 16 ص 3: 20

فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ وفي العبرانية «إني أنا يهوه» أي إني على حسب اسمي أو كما أُسمى يريد سبحانه وتعالى أنه هو الإله الحق الواجب الوجود وإن ما يسميهم المصريون آلهة ليسوا بشيء. ولا ريب في أن ذلك هو المقصود الأعظم من كل عجائب الله في مصر أيام الخروج. فإن مصر كانت أعظم ممالك العالم وكانت زمن الخروج في أوج مجدها وعظمتها. وكانت مشركة أي تتخذ كثيراً من الآلهة وكانت آلهتها أشهر من كل آلهة غيرها من أهل الشرك. وكانت هي وما جاورها من البلاد تعتقد أن تلك الآلهة قادرة على كل شيء فكان من خير وسائل الهدى بيان عجز تلك الآلهة وبطلانها ورفع اسم الله على كل ما يسمونه إلهاً سواه. إثبات أن يهوه فوق كل آلهة الأمم (قابل هذا بما في ص 14: 11 - 19).

6 «فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَهُمَا ٱلرَّبُّ. هٰكَذَا فَعَلاَ».

ع 2

فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ كَمَا أَمَرَهُمَا ٱلرَّبُّ من هنا عدل موسى عن الإحجام والمقاومة وسلم كل إرادته لله وربح المدح بكونه أميناً على كل بيته (عبرانيين 3: 5). وظل هارون مطيعاً إلى أن بلغ الإسرائيليون سينا وهنالك عصى لعناد الشعب وهياجه (ص 32: 1 - 6).

7 «وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَهَارُونُ ٱبْنَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً حِينَ كَلَّمَا فِرْعَوْنَ».

تثنية 29: 5 و31: 2 و34: 7 وأعمال 7: 23 و30

وَكَانَ مُوسَى ٱبْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً (قابل هذا بما في تثنية 34: 7 وأعمال 7: 23 و30). كان هواء مصر موافقاً للصحة ممكناً من طول الحياة والمرجّح أن ذلك لا يزال في بَرّها وآثارها تدل على أن قوادها ظلوا في أعمالهم بعد أن جاوزوا سن المئة.

8، 9 «8 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: 9 إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً تَقُولُ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَٱطْرَحْهَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ فَتَصِيرَ ثُعْبَاناً».

إشعياء 7: 11 ويوحنا 2: 18 و6: 30 ص 4: 2 و17

إِذَا كَلَّمَكُمَا فِرْعَوْنُ قَائِلاً: هَاتِيَا عَجِيبَةً الظاهر أن فرعون سمع نبأ ما صنعه هارون من المعجزات أمام بني إسرائيل (ص 4: 30) فرغب شديد الرغبة في أن يشاهد واحدة منها كما كان هيرودس أنتيباس (لوقا 23: 8). أو لعله ظن أنه إذا صنع موسى وهارون معجزة قدر سحرته على أن يصنعوا أعظم منها واستطاع حينئذ إثبات أن موسى وهارون خادعان فتبطل ثقة الإسرائيليين بهما. والحق أنه لم يقصد أن يتخذ المعجزة دليلاً على أن الله أرسلهما.

عَصَاكَ نُسبت العصا هنا إلى هارون لأنه كان نائباً عن موسى ومأموراً منه (انظر ع 19 وص 8: 15 - 17).

ثُعْبَاناً أي حية والكلمة المترجمة «بالحية» في (ص 4: 3) غير الكلمة المترجمة «بالثعبان» هنا فالظاهر أنهما مترادفتان (انظر تفسير ص 4: 3).

10، 11 «10 فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هٰكَذَا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ ثُعْبَاناً. 11 فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضاً ٱلْحُكَمَاءَ وَٱلسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضاً بِسِحْرِهِمْ كَذٰلِكَ».

ع 9 ص 4: 3 تكوين 41: 8 متّى 24: 24 و2تيموثاوس 3: 8 وص 8: 7 و18

عَرَّافُو مِصْرَ وفي العبرانية «حرطي مصر» ومعنى «حرطي» كتبة السحر. وكان اتخاذ السحر فاشياً في أرض مصر وكانوا يصدقون أن له تأثيراً عظيماً في الناس والبهائم. وأكثر ما في «كتاب الأموات» من رسوم دفن الموتى عندهم قائم بتلقين الكلمات السحرية للميت ليتكلم بها في دار الأموات لتقدر النفس على أن تمر بالعفاريت المختلفة التي تلاقيها في طريقها. وكانوا يعتقدون أيضاً أن للسحر علاقة عظيمة بهذه الحياة وأنه يدفع الأمراض ويقي من الوحوش المفترسة. وكان عمل بعض المصريين جمع الصفات السحرية الشافية للأمراض بالقول أو بالعمل أو بهما. وفي تقاليد اليهود ما سلم به بولس الرسول وهو أنه كان من مقاومي موسى ساحران اسم أحدهما ينيس والآخر يمبريس (2تيموثاوس 3: 8) وكان ينيس مشهوراً بالسحر على ما أبان بليني وأبوليوس في بعض ما كتباه. ورأى بعضهم أن السحر كان حقاً وكان يُصنع بقوة خارقة العادة تستمد من الأرواح الشريرة بمشاركتها. والمرجح أنه كان يُفعل بأمور طبيعية يعرفها السحرة ويسرّونها ويجهلها غيرهم فيعجبون ولو عرفوها ما عجبوا لأنه إذا عُرف السبب بطل العجب. وكثير من الأعمال السحرية من نتاج الحيلة وخفة اليد.

فَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ أَيْضاً بِسِحْرِهِمْ كَذٰلِكَ كان السحرة قد دخلوا مجلس فرعون وعصيّهم في أيديهم كعادة المصريين فألقوها على الأرض فشوهدت حيات وكان ذلك بحيل يعرفونها دون غيرهم وتُعرف عند المصريين بالحيات السحرية على ما عُرف من التواريخ فكانت من مواد تُجعل على هيئة العصي فإذا طُرحت نثنت وتمعّجت كالحيّات. وربما كانت ذوات مفاصل خفية بحركونها بمادة خفية كالشعر وما شاكله من الخيوط الدقيقة.

12 «طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ ٱلْعِصِيُّ ثَعَابِينَ. وَلٰكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ».

وَلٰكِنْ عَصَا هَارُونَ ٱبْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ (وهذا كافٍ لخيبة فرعون من إذلال موسى وهارون).

13 «فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».

ص 4: 21 وع 4

فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ أي قسا وغلظ فالإثم إثمه والحق عليه لا على الله سبحانه وتعالى. ونسبة تقسية قلبه إلى الله مجاز أو عقاب لأنه لم يطع بعد النصح والإنذار أو المقصود بها أن الله تركه.

فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ (انظر ص 3: 19 و7: 4).

الضربة الأولى ع 14 إلى 21

الضربة الأولة تحويل الماء دماً. وكان موسى قد حول الماء دماً (ص 4: 9) لكن معجزته هنا أعظم من وجوه.

  1. إنها أوسع فإنه قبلاً أخذ قليلاً من ماء النيل وصبّه على اليابسة فصار دماً ولكنه هنا حوّل كل مياه النيل كذلك.

  2. إنه حوّل القليل من الماء قبلاً أمام الإسرائيليين فقط (ص 4: 30) وهنا حوّل النهر كله أمام كل المصريين.

  3. إن عمله الأول كان آية وهنا كان معجزة للانتقام فحوّل كل مياه النيل في النهر والترَع والقنوات والحياض (ع 9) فكانت الضربة شديدة جداً ومجموع ضربات. فإنهم كانوا يؤلهون النيل ويعبدونه فأفسده موسى. وما قيمة إله يفسد وما حال عبدته إذا رأوه كذلك. وإنهم كانوا في أشد حاجة إلى النيل لحياتهم وحياة بهائمهم وزروعهم وسائر نباتاتهم وإن النهر الذي اتخذوه وسيلة إهلاك لأبناء الإسرائيليين صار وسيلة إهلاك لهم فكان الجزاء من جنس العمل. وإنهم كانوا يغتذون بسمكه ففسد السمك وأنتن. وكانوا يترنمون له بالأناشيد فأصبحوا ينوحون عليه (وكان لهم قصائد نظمها شعراؤهم في الحمد والتسبيح للنيل تُرجم بعضها في كتاب «سواء السبيل في سكان النيل» فارجع إليه).

14 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قَلْبُ فِرْعَوْنَ غَلِيظٌ. قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ».

ص 8: 15 و10: 1 و20 و 27

قَدْ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ (علة ذلك غلاظة قلبه على ما في صدر هذه الآية).

15 «اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ فِي ٱلصَّبَاحِ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ، وَقِفْ لِلِقَائِهِ عَلَى حَافَةِ ٱلنَّهْرِ. وَٱلْعَصَا ٱلَّتِي تَحَوَّلَتْ حَيَّةً تَأْخُذُهَا فِي يَدِكَ».

ص 8: 20 ص 4: 2 و3 وع 10

إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ المرجّح أنه كان يخرج ليستحم كما كانت تفعل الأميرة التي أنقذت موسى (ص 2: 5) أو للاحتفال ببعض الأعياد التي كانوا يحتفلون بها إكراماً للنيل.

حَافَةِ ٱلنَّهْرِ وفي العبرانية «شفة النهر» والمقصود بها الحافة على المجاز.

16 «وَتَقُولُ لَهُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَائِلاً: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. وَهُوَذَا حَتَّى ٱلآنَ لَمْ تَسْمَعْ».

ص 3: 18 ص 3: 12 و18 و5: 1 و3

ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ وفي العبرانية «يهوه إله العبرانيين». قال فرعون أول ما ذكره له موسى وهارون إنه لا يعرفه (ص 5: 2) فلكي لا يبقى له سبيلاً لقوله «من هو الرب أو يهوه» كما قال قبلاً أبان له أن الرب أو يهوه هو إله العبرانيين.

أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ (أي أنا مأمور أن آتي إليك ولا أستطيع أن لا آتي لأن الذي أمرني الرب إله العبرانيين الذي لا أعصيه. وإثم عظيم أن لا أطيع أمره وهو إله العالمين فيجب عليك أنت أيضاً أن تطيعه).

أَطْلِقْ شَعْبِي في هذا إشارة إلى طلبه الأول وتوكيد له (انظر ص 5: 1).

وَهُوَذَا حَتَّى ٱلآنَ لَمْ تَسْمَعْ أي لقد آن أن تسمع والمقصود بالسمع هنا الطاعة (وهنا إشارة واضحة إلى عناده وسبق الطلب منه).

17 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: بِهٰذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ: هَا أَنَا أَضْرِبُ بِٱلْعَصَا ٱلَّتِي فِي يَدِي عَلَى ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ فَيَتَحَوَّلُ دَماً».

ص 5: 2 وع 5 وحزقيال 32: 15 ص 4: 9 رؤيا 16: 4

بِهٰذَا تَعْرِفُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ (هذا جواب لقول فرعون «مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ» (ص 5: 2) ومعنى العبارة تقدَّم في تفسير (ع 5) فارجع إليه.

بِٱلْعَصَا ٱلَّتِي فِي يَدِي أي في يد عبدي ونسبها إليه لأنه هو الذي استخدمها والإضافة لأدنى ملابسة. وفي هذا بيان إن عمل هارون في الظاهر هو عمل الله في الحقيقة (ع 20).

18 «وَيَمُوتُ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَيَنْتِنُ ٱلنَّهْرُ. فَيَعَافُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ».

ع 24

يَمُوتُ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ تلوُّن الماء بالجراثيم النباتية أو النقاعيات أو التراب يميت السمك ويجعل الماء غير صالح للاستعمال. ومن خواص النيل أنه يكثر فيه السمك على اختلاف أجناسه وكانوا يصيدون كثيراً منه ولا يزالون كذلك. وكان قدماء المصريين يُعاقبون إذا خلت بيوتهم من سمك النيل لأن ذلك من مقتضيات دينهم وكان بعض أنواع سمكه مقدساً عندهم على ما عُرف من تاريخ هيرودوتس.

وَيَنْتِنُ ٱلنَّهْرُ بما يموت فيه من السمك الكثير.

19 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: خُذْ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى مِيَاهِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى أَنْهَارِهِمْ وَعَلَى سَوَاقِيهِمْ، وَعَلَى آجَامِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ مُجْتَمَعَاتِ مِيَاهِهِمْ لِتَصِيرَ دَماً. فَيَكُونَ دَمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ فِي ٱلأَخْشَابِ وَفِي ٱلأَحْجَارِ».

ص 8: 5 و6 و16 و9: 22 و10: 12 و14: 21 و26

مِيَاهِ ٱلْمِصْرِيِّينَ كانت كل مياه المصريين من مياه الترع والقنوات والحياض والبحيرات والجداول والسواقي من النيل إذ ليس من نهر سواه هناك ومياه الآبار فيها لا تصلح للشرب لما فيها من النطرون لأنه وافر في كل تربتها وهذا ولا ريب يدل دلالة قاطعة على أن كاتب سفر الخروج كان مختبراً التربة المصرية وكل أحوال مياهها.

فِي ٱلأَخْشَابِ وَفِي ٱلأَحْجَارِ كان المصريون يضعون مياه النيل في آنية من الخشب والحجارة في مساكنهم لتصفو فيها وكان في كثير من بيوتهم حياض منهما.

20 «فَفَعَلَ مُوسَى وَهَارُونُ هٰكَذَا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ. رَفَعَ ٱلْعَصَا وَضَرَبَ ٱلْمَاءَ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ، فَتَحَوَّلَ كُلُّ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ دَماً».

ص 17: 5 مزمور 78: 44 و105: 29

رَفَعَ ٱلْعَصَا الذي رفعها هو هارون (ع 19).

أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عُيُونِ عَبِيدِهِ إن كان ذلك اليوم الذي خرج فيه فرعون إلى النيل يوم احتفال ببعض الأعياد النيلية فلا بد من أن يكون قد خرج إليه بأعيان بلاطه وبجمهور الكهنة وكثيرين من الشعب. وإن كان خرج لمجرد الاستحمام فلا بد من أنه كان معه كثير من الأتباع والخدم. وعلى الاحتمالين صُنعت المعجزة على مرأى كثيرين فلم تصنع «في زاوية».

21 «وَمَاتَ ٱلسَّمَكُ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّهْرِ وَأَنْتَنَ ٱلنَّهْرُ، فَلَمْ يَقْدِرِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ ٱلنَّهْرِ. وَكَانَ ٱلدَّمُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».

ع 18

فَلَمْ يَقْدِرِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا قال قبلاً «يعافون أن يشربوا» (ع 18) وهنا لم يقدر فدل ذلك على زيادة النتن.

22 «وَفَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذٰلِكَ بِسِحْرِهِمْ. فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».

ع 11 ص 8: 19 و9: 35 ع 3

فَعَلَ عَرَّافُو مِصْرَ كَذٰلِكَ بِسِحْرِهِمْ (كانت كل مياه مصر قد تحولت دماً فلم يبق للسحرة المصريين إلا تحصيل الحاصل فالظاهر أنهم أتوا بقليل من ماء جرة أو إبريق وصبغوه بمادة بطريق خفة اليد أو بطريق كيمية لأن بعض أمور الكيمياء كانت معروفة عندهم). وقال بعضهم ربما أتوا ذلك في قليل من الماء مما أشير إليه في (ع 20) وكان ذلك كافياً لأن يقسي قلب فرعون ويحمله على رفض ما طلبه الأخوان.

23 «ثُمَّ ٱنْصَرَفَ فِرْعَوْنُ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هٰذَا أَيْضاً».

لَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى هٰذَا أَيْضاً أي لم يفقه ولم يعتبر فاستخف بذلك الخطب كأنه مما لا يعبأ به واكتفى بماء الآبار المالحة.

24 «وَحَفَرَ جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ ٱلنَّهْرِ لأَجْلِ مَاءٍ لِيَشْرَبُوا، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ ٱلنَّهْرِ».

حَفَرَ جَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ ٱلنَّهْرِ يمكن في كل موضع من غريل الأنهار الذي على شواطئها حفر آبار ووجدان ماء فيها بقطع النظر عن كون الماء مالحاً أو عذباً لكن لكثرة النطورن في التربة المصرية كان لا بد من أن يكون ماء الآبار مالحاً إلى حد يمكن عنده أن يشرب وإن لم يلذ للشارب وذلك الماء مستمد من النهر فهو من الماء الذي امتصته الأرض قبل ضربة النهر فلم يكن منتناً.

25 «وَلَمَّا كَمَلَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ مَا ضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلنَّهْرَ».

هذه الآية مضمومة في الترجمة العربية الإنجيلة إلى الأصحاح الثامن لكنها باقية على عددها فوضعناها هنا.

وَلَمَّا كَمَلَتْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ أي لما مرّ سبعة أيام من زمن الضربة وهذه مدة طويلة صبر عليها فرعون ولم يسأل موسى وهارون الإنقاذ منها إذا اكتفى بما حصل عليه من ماء الآبار وظن الضربة تزول سريعاً (راجع تفسير ع 23).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

الضربة الثانية ع 1 إلى 4

أجمع المفسرون القدماء وجمهور المحدثين على أن الضربة الثانية هي الضفادع واتفقت على ذلك التراجم القديمة لكن بعض المحدثين رأى أنها التماسيح وهو رأي باطل لاستحالة صدق صفاتها ومعناها على التماسيح كما سترى. والمستفاد من الذي عليه أقدم التراجم وجمهور المفسرين مطلقاً أن ألوفاً وربوات لا تحصى من الضفادع ملأت المدن والبيوت ومخادع الفرش والأسرة والتنانير والمعاجن وازدحمت في البلاط الملكي كما ازدحمت في أكواخ الفلاحين والفقراء ودخلت المضاجع وأخذت تقفز على الفرش والوسائد وأفسدت الطعام والشراب فكانت هذه الضربة مجموع ضربات كثيرة. وزد على ما ذُكر أن صور الضفادع قبيحة يكرهها النظر وأصواتها مُنكرة يأباها السمع.

1 «قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».

ص 3: 12 و18

أَطْلِقْ شَعْبِي يستلزم تكرار هذا الطلب الوعيد وإنه لا بد من أن يطلق الشعب إجباراً (انظر ص 5: 1 و7: 16 و8: 20 و9: 1 - 13 و10: 3).

2 «وَإِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَهُمْ فَهَا أَنَا أَضْرِبُ جَمِيعَ تُخُومِكَ بِٱلضَّفَادِعِ».

ص 7: 14 و9: 2 رؤيا 16: 13

(هذه الآية تصريح بالوعيد الذي استلزمته الآية الأولى).

بِٱلضَّفَادِعِ (وفي العبرانية «صفر دعيم» وهو جمع «صفردع» كذلك والكلمة منحوتة من «صفر ردع» ومعنى «صفر» ظفر ومعنى «ردع» رداع أي ردغة وهي واحدة الرداغ للأرضين ذوات الطين والماء فيكون معنى «صفردع» طافرات الرجع أو الرداغ أي القافزات علواً في الأرضين ذوات الطين والماء. وهذا لا يصدق على غير الضفادع بالنظر إلى باقي الصفات التي ذُكرت في هذه الأصحاح). وهذه الضفادع من كبار أنواع الضفدع التي تدب أكثر من أن تقفز ولا تنفك تنقّ.

3، 4 «3 فَيَفِيضُ ٱلنَّهْرُ ضَفَادِعَ. فَتَصْعَدُ وَتَدْخُلُ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى مِخْدَعِ فِرَاشِكَ وَعَلَى سَرِيرِكَ وَإِلَى بُيُوتِ عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَإِلَى تَنَانِيرِكَ وَإِلَى مَعَاجِنِكَ. 4 عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَبِيدِكَ تَصْعَدُ ٱلضَّفَادِعُ».

تكوين 1: 20 و21 مزمور 105: 30

فَيَفِيضُ ٱلنَّهْرُ ضَفَادِعَ من المستنقعات والحياض (انظر ع 5 وتفسيره).

مِخْدَعِ فِرَاشِكَ الخ لا أمة من الأمم القديمة اعتنت بالنظافة كالأمة المصرية في العصور الخالية فكان على كهنتهم أن لا يلبسوا سوى الكتان النقي وأن يستحموا كل يوم صباحاً ومساءً بالماء البارد على ما قال هيرودوتس المؤرخ. وكان على الجميع أن يكونوا نظافاً وأن لا يمسوا ما ليس نقياً. فلا نستطيع بسهولة أن نتصور بلاء أشد على المصريين من ازدحام الضفادع في مضاجعهم وسائر ما ذُكر.

5 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ يَدَكَ بِعَصَاكَ عَلَى ٱلأَنْهَارِ وَٱلسَّوَاقِي وَٱلآجَامِ، وَأَصْعِدِ ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ».

ص 7: 19

ٱلآجَامِ (وفي العبرانية كذلك لكن معناها المستنقعات على ما هو في كتب اللغة العبرانية وعلى ما في غير الترجمة العربية من التراجم المشهورة).

6 «فَمَدَّ هَارُونُ يَدَهُ عَلَى مِيَاهِ مِصْرَ، فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ وَغَطَّتْ أَرْضَ مِصْرَ».

مزمور 78: 45 و105: 30

فَصَعِدَتِ ٱلضَّفَادِعُ في العبرانية «صعد الضفدع» لكن المقصود الجنس فالمعنى الضفادع كما في الترجمة.

7 «وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ وَأَصْعَدُوا ٱلضَّفَادِعَ عَلَى أَرْضِ مِصْر».

ص 7: 11

فَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ هذا لم يستلزم أن العرافين قدروا على خلق الضفادع فالمعنى أنهم أظهروا لفرعون أنهم فعلوا ذلك حقيقة وهم لم يأتوه إلا احتيالاً.

8 «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ لِيَرْفَعَ ٱلضَّفَادِعَ عَنِّي وَعَنْ شَعْبِي فَأُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحُوا لِلرَّبِّ».

ص 9: 28 و10: 17 وعدد 21: 7 و1ملوك 13: 6 وأعمال 8: 24

فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى هذا أول علامات التسليم التي أظهرها فرعون. احتمل فرعون ضربة تحويل الماء إلى دم والمرجح أن احتماله ذلك كان لما ذُخر عنده من مياه الآبار فلم يشعر بكل ثقل الضربة (انظر تفسير ص 7: 23) لكنه لم يحتمل ضربة الضفادع كغيرها راجع ع 3 و4). وكان من عواقب ذلك ما يأتي:

  1. أنه عرف قوة يهوه.

  2. عرف أن طلبة البار تقتدر كثيراً.

  3. إنه وعد بإطلاق الشعب وعداً لم يف به.

9 «فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي لأَجْلِكَ وَلأَجْلِ عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ لِقَطْعِ ٱلضَّفَادِعِ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ. وَلٰكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ».

فَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ عَيِّنْ لِي مَتَى أُصَلِّي (وفي العبرانية الفخر لي (أو المجد علي) فكأنه يقول له افتخر بأن أقوم بأمرك أو أتمجد بذلك فمتى تشاء أن أدعو لك إلى الله. وكأن العبارة مصرية كانت تُقال للملوك احتراماً فإنها لم ترد في مثل هذا المقام إلا هنا.

10 «فَقَالَ: غَداً. فَقَالَ: كَقَوْلِكَ. لِكَيْ تَعْرِفَ أَنْ لَيْسَ مِثْلُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ص 9: 14 وتثنية 33: 26 و2صموئيل 7: 22 و1أيام 17: 20 ومزمور 86: 8 وإشعياء 46: 9 وإرميا 10: 6 و7

فَقَالَ غَداً من العجب أن فرعون لم يطلب رفع الضربة في يومه فكأنه ظن أن إله العبرانيين لا يقدر أن يرفعها دفعة.

لِكَيْ تَعْرِفَ الخ (قابل هذا بما في ص 7: 5 و17). لم يكتف موسى بأن يقتصر فرعون على معرفة يهوه معرفة بسيطة كما عرف سابقاً (ع 8) بل أراد أن يقتنع بأن ليس ليهوه كفوءٌ.

11 - 14 «11 فَتَرْتَفِعُ ٱلضَّفَادِعُ عَنْكَ وَعَنْ بُيُوتِكَ وَعَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ. وَلٰكِنَّهَا تَبْقَى فِي ٱلنَّهْرِ. 12 ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى وَهَارُونُ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ، وَصَرَخَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ ٱلضَّفَادِعِ ٱلَّتِي جَعَلَهَا عَلَى فِرْعَوْنَ، 13 فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى. فَمَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ مِنَ ٱلْبُيُوتِ وَٱلدُّورِ وَٱلْحُقُولِ. 14 وَجَمَعُوهَا كُوَماً كَثِيرَةً حَتَّى أَنْتَنَتِ ٱلأَرْضُ».

ع 30 وص 9: 33 و10: 18 و32: 11 ويعقوب 5: 16 إلى 18

فَمَاتَتِ ٱلضَّفَادِعُ إن الله مع علمه كل ما يتعلق بقلب فرعون وإنه لا يفي بوعده رفع ضربة الضفادع فأماتها في مواضعها فكانت ألوفاً وربوات كثيرة وجُمعت فكانت تلالاً «وكوماً كثيرة حتى أنتنت الأرض». وذكر هذه الضربة أثناسيوس فقال إن الناس اضطروا من نتن الضفادع أن يتركوا مساكنهم ويذهبوا بعيداً.

15 «فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ٱلْفَرَجُ أَغْلَظَ قَلْبَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».

جامعة 8: 11 ص 7: 14 وع 32 و9: 34 و10: 1

فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ ٱلْفَرَجُ وفي العبرانية «فسحة للتنفس».

أَغْلَظَ قَلْبَهُ لم تتغير طبيعة فرعون من الخشونة والغلاظة وقساوة القلب إنما تغيّر وعده وتبين أنه لم يعرف الرب إله العبرانيين إلا في الشدة وجهد البلاء وهذا كان ذنبه العظيم (انظر تفسير ص 14: 21).

16، 17 «16 ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: قُلْ لِهَارُونَ: مُدَّ عَصَاكَ وَٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلأَرْضِ لِيَصِيرَ بَعُوضاً فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ. 17 فَفَعَلاَ كَذٰلِكَ. مَدَّ هَارُونُ يَدَهُ بِعَصَاهُ وَضَرَبَ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، فَصَارَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ. كُلُّ تُرَابِ ٱلأَرْضِ صَارَ بَعُوضاً فِي جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ».

مزمور 105: 31

ٱضْرِبْ تُرَابَ ٱلأَرْضِ تراب أرض مصر كثير فيكثر فيها الغبار. قال بعضهم فيما كنا نسافر إلى أخميم ارتفع الغبار وانتشر فملأ الآفاق حتى ظننا أنه ضباب.

كُلُّ تُرَابِ ٱلأَرْضِ صَارَ بَعُوضاً أي كان البعوض كالغبار مقداراً (ع 17).

18 «وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ بِسِحْرِهِمْ لِيُخْرِجُوا ٱلْبَعُوضَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا. وَكَانَ ٱلْبَعُوضُ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ».

ص 7: 11 مزمور 86: 8 وإرميا 14: 22 و2تيموثاوس 3: 8 و9

وَفَعَلَ كَذٰلِكَ ٱلْعَرَّافُونَ الخ أي احتالوا فما نفعت حيلتهم.

19 «فَقَالَ ٱلْعَرَّافُونَ لِفِرْعَوْنَ: هٰذَا إِصْبِعُ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنِ ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا، كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ».

مزمور 8: 3 ولوقا 11: 20 ص 7: 13 و22 و9: 35

هٰذَا إِصْبِعُ ٱللّٰهِ أو إصبع إله أي هذا فعل إله قدير لا فعل إنسان وهو فوق قدرة البشر وخارق العادة فلا بد من أن إلهاً قديراً يساعد موسى وهارون فإنهم لم يكونوا موحدين فينسبوا المعجزات إلى الله الواحد الأزلي.

ٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ أي قسا كثيراً فضربة البعوض لم تؤثر فيه كما أثرت ضربة الضفادع (ع 8 - 15) فبقي قلبه غليظاً فلم يبق من حاجة إلى أن يقسيه باختياره. ولعله وقى نفسه من البعوض بالكلّة (أي الناموسية) أو في مكان عال لا يبلغه البعوض فإن البعوض هنالك له حد من الارتفاع كما أبان هيرودوتس.

الضربة الرابعة ع 20 و21

اختلف العلماء في هذه الضربة لاختلافهم في ترجمة لفظة «عرب» في العبرانية فترجمها بعضهم «بذباب الكلب» وبعضهن بأنواع الهوام والمرجّح أنها الذباب مطلقاً وهو صنوف كثيرة كالذبان المعروف في البيوت وذباب الخيل وذباب الكلاب وغير ذلك من الأنواع الضارة.

20 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ وَقِفْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. إِنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ. وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».

ص 7: 15 ع 1

بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ لأن فرعون يذهب صباحاً إلى النيل كل يوم (ص 7: 15) وكانت هذه عادة الملوك المصريين على ما أفاد هيرودوتس.

يخْرُجُ إِلَى ٱلْمَاءِ للاستحمام أو للاحتفال بالزرع بعد فيضان النيل ورجوعه أو لغير ذلك من أمور العبادة المصرية.

21 «فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ لاَ تُطْلِقُ شَعْبِي، هَا أَنَا أُرْسِلُ عَلَيْكَ وَعَلَى عَبِيدِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بُيُوتِكَ ٱلذُّبَّانَ، فَتَمْتَلِئُ بُيُوتُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ذُبَّاناً. وَأَيْضاً ٱلأَرْضُ ٱلَّتِي هُمْ عَلَيْهَا».

ٱلذُّبَّانَ راجع مقدمة الضربة الرابعة.

22، 23 «22 وَلٰكِنْ أُمَيِّزُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ شَعْبِي مُقِيمٌ حَتَّى لاَ يَكُونُ هُنَاكَ ذُبَّانٌ. لِتَعْلَمَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ فِي ٱلأَرْضِ. 23 وَأَجْعَلُ فَرْقاً بَيْنَ شَعْبِي وَشَعْبِكَ. غَداً تَكُونُ هٰذِهِ ٱلآيَةُ».

ص 9: 4 و6 و26 و10: 23 و11: 6 و7 و12: 13

أُمَيِّزُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ هذا أسلوب جديد من أساليب الضربات والغرض منه زيادة الألم في الملك الظالم وقومه. وكانت أرض جاسان جزء الدلتا الشرقي. وهي لا تختلف عن سائر أرض مصر في كونها غوراً وسهلاً كثيرة المياه والخصب فالطبيعة لم تميزها عن سواها من تلك الأرض فكان تمييزها بخلوها من تلك الضربة آية على كونها معجزة.

24 «فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ هٰكَذَا. فَدَخَلَتْ ذُبَّانٌ كَثِيرَةٌ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَبُيُوتِ عَبِيدِهِ. وَفِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ خَرِبَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ».

مزمور 78: 45 و105: 31

خَرِبَتِ ٱلأَرْضُ مِنَ ٱلذُّبَّانِ هذا يدل على أن بعض ذلك الذبان كان نوعاً من الهوام المهلكة الزروع الضارة بالإنسان والبهائم فكان شراً من البعوض.

25 «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ: ٱذْهَبُوا ٱذْبَحُوا لإِلٰهِكُمْ فِي هٰذِهِ ٱلأَرْضِ».

فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى تألم فرعون كثيراً من الذباب كما تألم شعبه بل تألم أكثر منه إذ كانت الضربة عليه أثقل مما هي عليهم (ع 21) ولذلك أسرع إلى دعوة موسى لأنه لم يستطع احتمال الذباب ولا الوقاية منه كالبعوض ولم يقدر أن يصبر إلى أن يدعو السحرة.

هٰذِهِ ٱلأَرْضِ سمح فرعون لموسى ببعض الطلب لأن طلبه كان أن يذهب عن تلك الأرض مسافة ثلاثة أيام (ص 5: 3) فما كان لموسى أن يقبل بأقل من ذلك.

26 «فَقَالَ مُوسَى: لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَفْعَلَ هٰكَذَا، لأَنَّنَا إِنَّمَا نَذْبَحُ رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا. إِنْ ذَبَحْنَا رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمَامَ عُيُونِهِمْ أَفَلاَ يَرْجُمُونَنَا؟».

تكوين 43: 32 و46: 34 وتثنية 7: 25 و26

لاَ يَصْلُحُ أَنْ نَفْعَلَ هٰكَذَا أخذ موسى يوضح لفرعون علة طلبه أن يذبح الإسرائيليون بعيداً.

نَذْبَحُ رِجْسَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أي نذبح البهائم التي يعتقد المصريون أن ذبحها رجس وإذا فعلنا ذلك أمام عيونهم هاجوا وربما التظت نار الحرب بين الفريقين. فإن المصريين كانوا يعبدون البهائم وذلك أمر أثبته قدماء المؤرخين كهيرودوتس وديودوروس وغيرهما. وكانت ذبائح اليهود الغنم والمعزى والبقر وكلها من معبودات المصريين كلهم أو بعضهم. فأهل طيبة (أو ثيبت) لا يحتملون أن يشاهدوا أحداً يذبح غنمة وأهل مندس لا يستطيعون أن يصبروا على من يذبح ماعزاً على ما قال هيرودوتس. وكان البقر الأبيض والعجول وقفاً مقدساً لإلههم إسس وكانوا يعبدون عجلاً يسمونه إبيس وهذا كانت الكهنة تختاره من العجول على ما أبان هيرودوتس. وهياج المصريين وغيظهم على من ذبح أحد تلك البهائم في حضرتهم من أشهر حوادث التاريخ. وقد ذكر ديودورس أن سفير الرومان قتل هراً خطأً فقطّعه المصريون الأوباش. وقال بلوترك إن السينيبولينيين حاربوا الإكسيرنخينيين لأنهم أكلوا سمكاً يعده الأولون مقدساً. فكانت حجة موسى صحيحة.

أَفَلاَ يَرْجُمُونَنَا هذا أول ذكر للرجم في الكتاب المقدس. ولعله لم يكن عقاباً مصرياً بل كانوا يأتونه عادة في أول الغيظ والقتال انتقاماً. وذكره المؤرخ أسخيلس والمؤرخ هيرودوتس. وكان معروفاً عند قدماء الفرس.

27 «نَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا كَمَا يَقُولُ لَنَا».

ص 3: 18 ص 3: 12

كَمَا يَقُولُ لَنَا قابل بما في (ص 10: 26).

28 «فَقَالَ فِرْعَوْنُ: أَنَا أُطْلِقُكُمْ لِتَذْبَحُوا لِلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. وَلٰكِنْ لاَ تَذْهَبُوا بَعِيداً. صَلِّيَا لأَجْلِي».

ع 8 وص 9: 28 و1ملوك 13: 6

«لاَ تَذْهَبُوا بَعِيداً» كره فرعون سفر الإسرائيليين ثلاثة أيام عن مصر (ولعله خشي من أن لا يعودوا أو يبطل العمل طويلاً. ولعل موسى فهم من ذلك أن لا يبعدوا عن المسافة المطلوبة).

صَلِّيَا لأَجْلِي (لكي يرفع عنه الذبان لا لغاية غير ذلك).

29، 30 «29 فَقَالَ مُوسَى: هَا أَنَا أَخْرُجُ مِنْ لَدُنْكَ وَأُصَلِّي إِلَى ٱلرَّبِّ، فَتَرْتَفِعُ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ غَداً. وَلٰكِنْ لاَ يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ ٱلشَّعْبَ لِيَذْبَحَ لِلرَّبِّ. 30 فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ».

ع 15 ع 12

فَقَالَ مُوسَى هَا أَنَا... أُصَلِّي قبل موسى وعد فرعون ووعده بالصلاة من أجله.

لاَ يَعُدْ فِرْعَوْنُ يُخَاتِلُ أي يعد ولا يفي. وهذا يدلنا على أن خادم الله يجب أن يوبخ متعدي الشريعة الأدبية وفعلة الشر ولو ملوكاً (2صموئيل 12: 7 - 12 و1ملوك 21: 20 - 22 ومتّى 14: 4 الخ) فإن فرعون وعد أن يطلق الشعب زمن ضربة الضفادع وأخلف بوعده فحق له أن يوبخه.

31 «فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ كَقَوْلِ مُوسَى، فَٱرْتَفَعَ ٱلذُّبَّانُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ وَشَعْبِهِ. لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ!».

لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ ارتفاع الضربة في حال طلب موسى دليل قاطع على أنها كانت معجزة ولذلك كان يؤكد الأمر قبل وقوعه (انظر ص 10: 19).

32 «وَلٰكِنْ أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضاً فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ».

ع 15

أَغْلَظَ فِرْعَوْنُ قَلْبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضاً (انظر ع 15). لما تألم ولم يستطع الاحتمال لان شيئاً ولما رُفعت الضربة قسا (فكان فعل الضربة فيه مادياً لا روحياً فأشبه الجماد المرن المضغوط يرجع إلى ما كان عليه عند رفع الضغط عنه. وهذه حال من خلا من روح الله).

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

الضربة الخامسة ع 1 إلى 3

1 - 3 «1 ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. 2 فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَهُمْ وَكُنْتَ تُمْسِكُهُمْ بَعْدُ، 3 فَهَا يَدُ ٱلرَّبِّ تَكُونُ عَلَى مَوَاشِيكَ ٱلَّتِي فِي ٱلْحَقْلِ، عَلَى ٱلْخَيْلِ وَٱلْحَمِيرِ وَٱلْجِمَالِ وَٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ، وَبَأً ثَقِيلاً جِدّاً».

ص 8: 1 ص 8: 2 ص 7: 4

الكلام على هذه الضربة واضح المعاني فلا يحتاج إلى تفسير فهي إهلاك المواشي من خيل وحمير وجمال وبقر وغنم ولهذا كانت الضربة ثقيلة (ع 3). وكانت الخيل ثمينة عند المصريين. والظاهر أنها لم تكن معروفة في مصر قبل الدولة السابعة عشرة أي دولة الرعاة. وكانوا في أول الأمر لا يستخدمونها في سوى الحرب ثم أخذ الأغنياء يستخدمونها في زمن السلم فكانت تجر مركباتهم وبعد ذلك استخدموها في الزراعة وكانوا يستخدمونها فيها في عصر موسى. وكانت الحمير عندهم بهائم الحَمل العادية وكانت كثيرة في مصر منذ قديم عهدها. وظهر من الآثار المصرية أنه كان لبعضهم كثير منها فكان للواحد ثماني مئة حمار. ولم تُشاهد صورة الجِمال في الرسوم المصرية القديمة لكنها ذُكرت في الكتابة العادية. وكانوا أكثر ما يستخدمونها في التجارة بين مصر وسينا. وكانت البقر والغنم كثيرة وسبب غنى كثيرين منهم. وكانت الضربة على هذه البهائم أيام كانت تخرج إلى المراعي والحقول. وكانت ملوك مصر تُكثر من المواشي (تكوين 47: 6 و17). وقلما اكترث فرعون بهذه الضربة فإنها لم تؤثر فيه تأثير التي قبلها (أي الضربة الرابعة) فلم يُظهر شيئاً من إمارات الخضوع.

4 «وَيُمَيِّزُ ٱلرَّبُّ بَيْنَ مَوَاشِي إِسْرَائِيلَ وَمَوَاشِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَلاَ يَمُوتُ مِنْ كُلِّ مَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْءٌ».

ص 8: 22

يُمَيِّزُ ٱلرَّبُّ قابل بما في (ص 8: 22). الظاهر أن الإسرائيليين ضويقوا بعض الضيق في الضربات الأولى والثانية والثالثة ولكنهم لم يخسروا شيئاً ولكنهم استُثنوا من الضربة الرابعة وما بعدها فلم يُضايقوا شيئاً وإن لم يصرّح بالاستنثاء في كل منها.

5، 6 «5 وَعَيَّنَ ٱلرَّبُّ وَقْتاً قَائِلاً: غَداً يَفْعَلُ ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱلأَمْرَ فِي ٱلأَرْضِ. 6 فَفَعَلَ ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱلأَمْرَ فِي ٱلْغَدِ. فَمَاتَتْ جَمِيعُ مَوَاشِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَمَّا مَوَاشِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَاحِدٌ».

مزمور 78: 50

عَيَّنَ ٱلرَّبُّ وَقْتاً كان وبأ المواشي يقع عادة في أرض مصر فعيّن الله وقت وقوعه ليبين أنه وقع معجزة لا أمراً عادياً. وزاد بيان ذلك بأنه يقع على مواشي المصريين دون مواشي الإسرائيليين (وهذا ليس من الحوادث العادية) وبأنه يقتل كل مواشي المصريين التي في المراعي والحقول فتعيّن إن الضربة معجزة بالأمور الثلاثة.

غَداً ضرب لذلك موعداً حتى يؤمن من أراد من المصريين بكلام موسى فينحّي مواشيه بإيوائها في البيوت.

7 «وَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَإِذَا مَوَاشِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَلاَ وَاحِدٌ. وَلٰكِنْ غَلُظَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقِ ٱلشَّعْبَ».

ص 7: 14 و8: 32

أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لم يصدق فرعون أن الضربة لم تنزل بمواشي الإسرائيليين فأرسل من يبحث عن ذلك.

غَلُظَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ بقي قلبه مع كل هذه البيّنات على غلاظته فلم يلن فإن ما خسره بموت مواشيه كان مطمئناً بأنه يأخذه من شعبه.

الضربة السادسة ع 8 إلى 10

هذه الضربة لا تحتاج إلى بيان فإن البثور والدمامل أوضح من أن تبين ولكن الخلاف في نوع هذه البثور وهذه الدمامل أو في حقيقة المرض الناشئة عنه. (والظاهر أنها الدمامل مطلقاً). ورأى بعضهم أنها كقروح أيوب (أيوب 2: 17). ولم يكن للمصريين مهرب منها ولا واقٍ وكانت شديدة الإيلام. ويتبين إيلامها من أن العرافين لم يستطيعوا أن يقفوا أمام موسى من أجلها (ع 11). ولم تُقصر على الناس بل أصابت البهائم أيضاً (ع 10). وهذه البهائم هي التي وُقيت من الضربة السابقة بعدم خروجها إلى الحقول والمراعي. ومن البيّن أن تلك الدمامل لم تكن مميتة فلم تغيّر قلب فرعون شيئاً. وقيل في هذا النبإ إن الرب شدد قلبه أي تركه على قساوته (ع 12) كما أعلن لموسى (ص 4: 21 و7: 3).

8 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: خُذَا مِلْءَ أَيْدِيكُمَا مِنْ رَمَادِ ٱلأَتُونِ، وَلْيُذَرِّهِ مُوسَى نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ أَمَامَ عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ».

رَمَادِ ٱلأَتُونِ أتون الكلس أو القرميد والمرجّح الثاني فإنهم كانوا يصنعون القرميد في جاسان وكانوا يكثرون منه (ص 1: 14 و5: 7 - 13) على أنهم كانوا يجففون أكثره في الشمس ويشوون بعضه في الأتون فكانت ضربة المصريين من رماد ما كلفوا الإسرائيليين العمل الشاق بلبنه فضربهم الله بما ضربوا به عبيده.

9، 10 «9 لِيَصِيرَ غُبَاراً عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. فَيَصِيرَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ دَمَامِلَ طَالِعَةً بِبُثُورٍ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. 10 فَأَخَذَا رَمَادَ ٱلأَتُونِ وَوَقَفَا أَمَامَ فِرْعَوْنَ، وَذَرَّاهُ مُوسَى نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، فَصَارَ دَمَامِلَ بُثُورٍ طَالِعَةً فِي ٱلنَّاسِ وَفِي ٱلْبَهَائِمِ».

رؤيا 16: 2 لاويين 13: 18 وتثنية 28: 27 و35 و2ملوك 20: 7 وأيوب 2: 7 وإشعياء 38: 21

دَمَامِلَ طَالِعَةً بِبُثُورٍ كان الجلد يلتهب وتطلع فيه الدمامل وكثيراً ما يحدث هذا المرض في مصر (تثنية 28: 27) لكنه ليس بشديد الإيلام كالضربة هنا ولا يعتري البهائم. فظهر أن الضربة كانت معجزة بأربعة أمور:

  1. الإنباء بها قبل وقوعها.

  2. إنها كانت شديدة الإيلام.

  3. إنها كانت عامة.

  4. إنها أصابت البهائم كما أصابت الناس.

11 «وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلْعَرَّافُونَ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ مُوسَى مِنْ أَجْلِ ٱلدَّمَامِلِ، لأَنَّ ٱلدَّمَامِلَ كَانَتْ فِي ٱلْعَرَّافِينَ وَفِي كُلِّ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

ص 8: 18 و19 و2تيموثاوس 3: 8 و9

وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلْعَرَّافُونَ أَنْ يَقِفُوا أَمَامَ مُوسَى هل كان العرافون هنالك اتفاقاً أو جاءوا لمقاومة موسى (2تيموثاوس 3: 8) ذلك لم يُعلم. ويُظن أنهم جاءوا ليقاوموه فقاومهم الله بالضربة.

12 «وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمَا كَمَا كَلَّمَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 4: 21

شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ أخذ الله من هنا يترك فرعون لقساوة قلبه كما فعل بالأمم الوثنية فإنهم «كَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ» (رومية 1: 28). فإن فرعون قسّى قلبه مرتين وقاوم ميله إلى التسليم ولم يكترث بما عراه من الانفعال ونزل به من المؤثرات (ص 8: 15 و23) فتركه الله في قساوته يخبط في ظلام جهله وضلاله (انظر تفسير ص 4: 21).

الضربة السابعة ع 3 إلى 19

هذه الضربة واقعة على ثلاثة وهي أول الضربات المثلثة ولها عدة صفات غريبة:

  1. إنها عُرفت بكلام طويل بخلاف سائر الضربات (ع 13 - 19) وأُنذر بها فرعون إنذاراً هائلاً إذ قيل أن الله يرسل كل الضربات إلى قلب فرعون وإنه يُظهر فيه قوته.

  2. إنها أول ضربة مميتة للناس وإنها عامة تهلك كل من يتعرض لها (ع 19).

  3. إنها مهلكة أكثر من كل ما سواها من الضربات فإنها لم تكن مجرد قتل البهائم كضربة وبإ البهائم بل تهلك الحيوان والنبات (ع 25) وتتلف نصف الغلال (ع 31).

  4. إنها كانت لامتحان إيمان المصريين بما أُعلن لهم من طريق النجاة من الضربة (ع 20).

  5. إنها وُصفت بالعظمة المتناهية إذ قال «أرسل جميع ضرباتي» و «أمطر برَداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن». ولا ريب في أن ذلك البرَد كان كبيراً والضربات ليست مرتبة من الأدنى إلى الأعلى كسلسلة صاعدة لكن فيها ما يشبه ذلك في بعض الاعتبارات فإن الضربات الأولى كانت مؤلمة أكثر من كونها ضارة والتي تلتها كان منها خسارة الأملاك. وما بعدها كانت فيها يد الله على الناس للإضرار لا للإهلاك. والأخيرة كان بها فقدان الحياة. وكانت الضربة السابعة هائلة للمصريين عجيبة غريية لأن وقوع المطر والبرَد نادر في تلك الأرض. وكان ذلك البرَد مما لم يُعهد له نظير في مقدار حجمه فكان كافياً لأن يقتل الناس والبهائم. وكان مصحوباً برعد ونار (ع 24). وكانت النار على الأرض (ع 23 - 25) فدل ذلك على نشوء سيّال كهربائي غير معتاد. فلا عجب من أن هذه الضربة كانت سهماً نافذاً من كبرياء فرعون ومجبرة له على الاعتراف بإثمه وببر الله والتسليم بإطلاق الإسرائيليين (ع 27 و28).

13 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ وَقِفْ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي».

ص 8: 20

بَكِّرْ فِي ٱلصَّبَاحِ (انظر ص 7: 15 و8: 20).

14 «لأَنِّي هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أُرْسِلُ جَمِيعَ ضَرَبَاتِي إِلَى قَلْبِكَ وَعَلَى عَبِيدِكَ وَشَعْبِكَ، لِتَعْرِفَ أَنْ لَيْسَ مِثْلِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ».

ص 8: 10

أُرْسِلُ جَمِيعَ ضَرَبَاتِي إِلَى قَلْبِكَ كان قلب فرعون قاسياً جداً منذ الفطرة وكان يزيده غلاظة بإرادته واختياره (ص 8: 15 و32). فاقتضت حاله أن يليّن بتوالي الضربات فيطيع الله ويتواضع أمامه ويخشى يده القادرة ويطلق كل شعبه بقطعانهم وصغارهم.

15 «فَإِنَّهُ ٱلآنَ لَوْ كُنْتُ أَمُدُّ يَدِي وَأَضْرِبُكَ وَشَعْبَكَ بِٱلْوَبَإِ لَكُنْتَ تُبَادُ مِنَ ٱلأَرْضِ».

ص 3: 20

ترجم بعضهم هذه الآية بما معناه «إني قادر الآن أن أمد يدي الخ» أي أنك فرعون لست بمعجز الله فإنه لو أراد إهلاكك أهلكك في الحال أو إنه قادر أن يميتك أنت وكل شعبك متى شاء.

16 «وَلٰكِنْ لأَجْلِ هٰذَا أَقَمْتُكَ، لأُرِيَكَ قُوَّتِي، وَلِيُخْبَرَ بِٱسْمِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ».

رومية 9: 17 ص 14: 17 وأمثال 126: 4 و1بطرس 2: 9

لأَجْلِ هٰذَا أَقَمْتُكَ أي ما أبقيتك حياً لأنك تستحق الحياة ولا لأجل تقواك بل لمجرد أن «أريك قوتي». إنك طالما أغظتني حتى أُوجب أن تُقطع من أرض الأحياء. ولكن لما كان مجدي يظهر ببقائك وبخضوعك بضرباتي وعقابي إياك تركتك تحيا.

وَلِيُخْبَرَ بِٱسْمِي فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ قابل هذا بما في (ص 14: 17 و15: 14 - 16 الخ).

17 «أَنْتَ مُعَانِدٌ بَعْدُ لِشَعْبِي حَتَّى لاَ تُطْلِقَهُ».

أَنْتَ مُعَانِدٌ بَعْدُ فقد آن لك أن ترفض كبرياءك وتعرف بضعفك وعجزك عن محاربة الرب. أفلم يرهبك بأسي أو لم تهُن من مقاومتي أفتبقى في ظلام جهلك إلى النهاية.

18 «هَا أَنَا غَداً مِثْلَ ٱلآنَ أُمْطِرُ بَرَداً عَظِيماً جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ».

لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي مِصْرَ مُنْذُ يَوْمِ تَأْسِيسِهَا إِلَى ٱلآنَ نعم إن المطر والبرَد عُهدا في مصر السفلى لكنهما نادران والرعود هنالك تكاد لا تنشأ وكل ذلك يكون إن حدث زهيداً لا يُكترث به. فالذي كان من أحوال تلك الضربة لم يُعهد في مصر قط.

19 «فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ وَكُلَّ مَا لَكَ فِي ٱلْحَقْلِ. جَمِيعُ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي ٱلْحَقْلِ وَلاَ يُجْمَعُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ ٱلْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ».

فَٱلآنَ أَرْسِلِ ٱحْمِ مَوَاشِيَكَ الخ أي اجمعها إلى الحظائر والزرائب لئلا تهلك ولا تخرج أنت ولا رجالك إلى الحقول لئلا تهلكوا. فإنهم كانوا يجمعون مواشيهم كل سنة على أثر فيضان النيل إلى المآوي. وكانوا يقيمون تلك المآوي في ضواحي القرى والمدن فكان يسهل عليهم جمع البهائم إليها. ولا ريب في أن كثيراً منها وُقي بذلك من الموت في ضربة إهلاك البهائم كما مر.

20، 21 «20 فَٱلَّذِي خَافَ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ مِنْ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ هَرَبَ بِعَبِيدِهِ وَمَوَاشِيهِ إِلَى ٱلْبُيُوتِ. 21 وَأَمَّا ٱلَّذِي لَمْ يُوَجِّهْ قَلْبَهُ إِلَى كَلِمَةِ ٱلرَّبِّ فَتَرَكَ عَبِيدَهُ وَمَوَاشِيَهُ فِي ٱلْحَقْلِ».

ص 7: 23

فَٱلَّذِي خَافَ كان مثل هذا في الضربات السابقة فإنها قُرنت بالتحذير فحذّر بعضهم فربح ولم يحذّر بعضهم فخسر. وكذا كان الأمر في عصور الإنجيل «فَٱقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قِيلَ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا» (أعمال 28: 24). فكانت العاقبة أن هلكت المواشي ورعاتها (ع 19). (قابل هذا بما في يشوع 10: 11).

22 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ بَرَدٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، عَلَى ٱلنَّاسِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي أَرْضِ مِصْرَ».

عَلَى كُلِّ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ إن إتلاف البرَد للزروع من أشهر الحوادث الطبيعية. وكانت هذه الضربة على ما عرف من صفاتها مما يتلف كل البقول النامية ويضر بالأنجم والأشجار ذوات الأثمار (انظر ع 25 و31).

23 «فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، فَأَعْطَى ٱلرَّبُّ رُعُوداً وَبَرَداً، وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَمْطَرَ ٱلرَّبُّ بَرَداً عَلَى أَرْضِ مِصْرَ».

يشوع 10: 11 ومزمور 18: 13 و78: 47 و48 و105: 32 و33 و148: 8 وإشعياء 30: 30 وحزقيال 38: 22 ورؤيا 8: 7 و16: 21

جَرَتْ نَارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ فهم كاليش وكنوبل من هذا أنه حدث برق لكن ابن عزرا والقانون كوك وغيرهما أنه جرت نار على الأرض كما في الآية. ولا ريب في أن الكهربائية قد تتشكل بصورة كرات من نار تجري في الهواء وعلى الأرض وقد تهلك هذه الكرات الناس والبهائم وتهدم بعض الأبنية وتكسر الأجسام الجمادية. ويؤيد هذا ما قيل في الآية التالية.

24 «فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ ٱلْبَرَدِ. شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مُنْذُ صَارَتْ أُمَّةً!».

فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ ٱلْبَرَدِ (انظر حزقيال 1: 4 وتفسير ع 23).

25 «فَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي ٱلْحَقْلِ مِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ. وَضَرَبَ ٱلْبَرَدُ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلْحَقْلِ وَكَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ».

مزمور 105: 33

كَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ جاء في ما كتبه العلماء في أمر البرّد أن بعضه كسّر فروع الأشجار العظيمة وأتلف الأثمار.

26 «إِلاَّ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بَرَدٌ».

ص 8: 22 و9: 4 و6 و10: 23 و11: 7 و12: 13 وإشعياء 32: 18 و19

(هذه الآية دليل على أن الضربة كانت معجزة وأن الله إله إسرائيل وإن إسرائيل شعبه كما بلغ فرعون).

27، 28 «27 فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ وَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالَ لَهُمَا: أَخْطَأْتُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ. ٱلرَّبُّ هُوَ ٱلْبَارُّ وَأَنَا وَشَعْبِي ٱلأَشْرَارُ. 28 صَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ، وَكَفَى حُدُوثُ رُعُودِ ٱللّٰهِ وَٱلْبَرَدُ، فَأُطْلِقَكُمْ وَلاَ تَعُودُوا تَلْبَثُونَ».

ص 10: 16 و2أيام 12: 6 ومزمور 129: 4 و145: 17 ومراثي إرميا 1: 18 ودانيال 9: 14 ص 8: 8 و28 و10: 17 وأعمال 8: 24 مزمور 18: 13 و29: 3 و4

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ يظهر من هذا ومما بعده أن فرعون تأثر من هذه الضربة أكثر مما تأثر بسواها من الضربات السابقة. وعلة ذلك أنها كانت هائلة ومهلكة. ولا شك أن الضربة لم تزل تقع وظهر لفرعون أنها لا تنتهي (ع 29 و33).

أَخْطَأْتُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أي عرفت الآن إني أثمت بمقاومة الرب (يهوه) وإني جُرت عن سنن الخير والحق.

ٱلرَّبُّ هُوَ ٱلْبَارُّ أي لا باراً إلا الرب (يهوه).

ٱلأَشْرَارُ في العبرانية «رشعيم» وتحتمل معنيين. الأول ضد الأخيار. والثاني المجرمون الذين وجب عليهم العقاب. كان فرعون ينسب الجور إلى الإسرائيليين بدعوى أنهم كسالى (ص 5: 8 و17) أما هنا فرأى أنه هو وقومه الجائرون. وهذا الاعتراف بعضه حق وهو أن فرعون هو الظالم وبعضه باطل وهو نسبة مصاب الإسرائيليين إلى شعبه مع أن الشعب لم يظلمهم إلا بأمره.

29 «فَقَالَ لَهُ مُوسَى: عِنْدَ خُرُوجِي مِنَ ٱلْمَدِينَةِ أَبْسُطُ يَدَيَّ إِلَى ٱلرَّبِّ، فَتَنْقَطِعُ ٱلرُّعُودُ وَلاَ يَكُونُ ٱلْبَرَدُ أَيْضاً، لِتَعْرِفَ أَنَّ لِلرَّبِّ ٱلأَرْضَ».

1ملوك 8: 22 و38 ومزمور 143: 6 وإشعياء 1: 15 و1تيموثاوس 2: 8 مزمور 24: 1 و1كورنثوس 10: 26 و28

إِنَّ لِلرَّبِّ ٱلأَرْضَ أي إن أرض مصر وسائر الأرضين للرب يهوه الإله الواحد الحق الذي لا إله حق غيره (ع 15) فإن المصريين كانوا يعتقدون أن لكل أرض إلهاً معيناً أو آلهة كذلك. وفرعون سلّم هنا بقوة يهوه لكنه كان يعتقد أنه إله العبرانيين فقط (ص 8: 28) فأراد الله أن يبين له أنه إله كل الأرض.

30 «وَأَمَّا أَنْتَ وَعَبِيدُكَ فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَمْ تَخْشَوْا بَعْدُ مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ».

إشعياء 26: 10

(هذه الآية توبيخ يستلزم الدعوة إلى الإيمان بالإله الحق والجري في سنن الصلاح).

31 «فَٱلْكَتَّانُ وَٱلشَّعِيرُ ضُرِبَا. لأَنَّ ٱلشَّعِيرَ كَانَ مُسْبِلاً وَٱلْكَتَّانُ مُبْزِراً».

أمثال 7: 16 وإشعياء 19: 9 وحزقيال 27: 7 راعوث 1: 22 و2: 23

فَٱلْكَتَّانُ وَٱلشَّعِيرُ ضُرِبَا كان نبات الكتان كثيراً في مصر لأنهم كانوا يلبسون الثياب الكتانية جميعاً وكانت ثياب الكهنة الضرورية على ما قال هيرودوتس. وكانوا يلفوّن المحنطات بتلك الثياب على ما قال أيضاً. وكان الشعير طعام الخيل ومادة المزر (أي البيرا). وكان كثيرون منهم يصنعون الخبز من دقيقه. والكتان يبزر هناك أي ينشأ فيه البزر في أواخر كانون الثاني أو أوائل شباط وتظهر سنابل الشعير في نحو ذلك الزمن.

32 «وَأَمَّا ٱلْحِنْطَةُ وَٱلْقَطَانِيُّ فَلَمْ تُضْرَبْ لأَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً».

أَمَّا ٱلْحِنْطَةُ وَٱلْقَطَانِيُّ (القطاني في العربية حبوب الأرض ما سوى الحنطة والشعير كالذرة والفول وأشكالهما. وقال بعض العلماء «هي العدس والخُلّر (أي الفول أو الجلبة المعروفة عند العامة بالجليبينة أو الماش ولعله أراد ما سوى الفول) والفول والدّجر (أي اللوبياء) والحمص» والمقصود ما أبنّاه). الحنطة تتأخر في مصر عن الشعير وأما الذرة فتنمو في كل حين إلا حين الفيضان ولو زُرعت مع الحنطة لنضجت معها.

33 «فَخَرَجَ مُوسَى مِنَ ٱلْمَدِينَةِ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَبَسَطَ يَدَيْهِ إِلَى ٱلرَّبِّ، فَٱنْقَطَعَتِ ٱلرُّعُودُ وَٱلْبَرَدُ وَلَمْ يَنْصَبَّ ٱلْمَطَرُ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ص 8: 12 وع 29

فَخَرَجَ مُوسَى مِنَ ٱلْمَدِينَةِ... وَبَسَطَ يَدَيْهِ لم يخش موسى من البرَد مع أنه كان لم يزل يقع فخرج وكان عرضة له وبسط يديه إلى الله فانقطع الرعد والمطر والبرَد في الحال. وصار هدوء عظيم. قال بعض المفسرين أن موسى لم يخف في وسط المهلكات لشدة إيمانه واعتقاده أن شعور رأسه محصاة ولا تهلك واحدة منها.

34، 35 «34 وَلٰكِنْ فِرْعَوْنُ لَمَّا رَأَى أَنَّ ٱلْمَطَرَ وَٱلْبَرَدَ وَٱلرُّعُودَ ٱنْقَطَعَتْ، عَادَ يُخْطِئُ وَأَغْلَظَ قَلْبَهُ هُوَ وَعَبِيدُهُ. 35 فَٱشْتَدَّ قَلْبُ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى».

ص 4: 21 ص 4: 13

عَادَ يُخْطِئُ وَأَغْلَظَ قَلْبَهُ هذا شأن من لم يخف الله إلا وقت الشدة. ومن العجيب أن الله لم ينفك ينبهه ويرحمه (ص 10: 3 - 6).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

الضربة الثامنة ع 1 إلى 4

هذه الضربة كالضربة الثالثة والرابعة في أن الهوام خدمت فيها الرب وعاقبت أعداءه وأدبتهم. ولم يقع خلاف في حقيقة هذه الضربة فهي ضربة الجراد. والجراد قد يأتي مصر وإن لم يكن لم يتولد فيها. فيأتيها من الخارج ويفسد نباتها وأثمارها. قال المستر ستورت بول «ظهر الجراد في مصر بغتة في هذه الأيام وازدحم في الأرض المزروعة. وأتاها من البرية جيشاً متصلاً طويلاً عريضاً وانتشر في سماء البلاد المصرية فحجب نور الشمس وأظلمت الأرجاء وانقضت عليه الغربان والصقور والعقبان والحدَأ وصدت الآفاق بأصواتها فكانت كزفير النار أو صلصلة الأسلحة أو دندنة الدواليب وأنين النواعير. ولما وقع على الأرض أكل كل بقل وعشب ولحاء الأشجار وأوراقها». وقال نيبهر أنه شاهد الجراد هنالك سنة 1800. وشاهده تيشندورف هنالك حديثاً. وهو يدخل مصر إما من الجنوب وإما من الشرق. وبعضه تأتي به إليها الرياح لأنه لا يبلغها مع طول المسافة ما لم تحمله الرياح إليها. والمرجّح أنه يأتي إليها أنواع مختلفة منه في أزمنة مختلفة لكن كلها متلف. فالمصريون بعد أن خسروا مواشيهم على اختلاف أنواعها بضربة موت البهائم وكتّانهم وشعيرهم بالبرَد لم يبق لإتمام خرابهم إلا الجراد فأتى. وأكل من جملة ما أكله القطاني ولا سيما الذرة.

1 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱدْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لأَصْنَعَ آيَاتِي هٰذِهِ بَيْنَهُمْ».

ص 7: 14 و9: 34 ص 7: 4

أَغْلَظْتُ... وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ هذا بعد أن أغلظوا هم قلوبهم (ص 9: 34) فأغلظها الله عقاباً لهم. وكان عليهم جزء من المسؤولية التي كانت على فرعون فلو أثرت فيهم المعجزات باختيارهم لكانوا أقنعوا فرعون بأن لا فائدة من المقاومة.

لأَصْنَعَ آيَاتِي إن تقسية الله للقلوب انتقاماً ممن قسوّها باختيارهم ولم يطيعوا الله بعد كل الوسائل لا ينقص شيئاً من كمال الطبيعة الإلهية بل يزيد مجده بذلك وتكون عاقبته حسنة لأجيال شعبه الآتية. فإن إنزال الضربات المتوالية على فرعون وقومه كان من خير الوسائل لإعلان قدرة الله العظمى لإسرائيل والأمم المجاورة لهم ومما لا يقوم مقامه شيء لذلك الإعلان.

2 «وَلِتُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ٱبْنِكَ وَٱبْنِ ٱبْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي ٱلَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ».

تثنية 4: 9 ومزمور 44: 1 و71: 18 و78: 5 و6 ويوئيل 1: 3

وَلِتُخْبِرَ إن الذين يختبرون مراحم الله مكلفون بحفظ الذكرى لنسلهم الآتي على توالي مواليده. والذكر يحث على ذلك طبعاً. وكان الإسرائيليون يؤمرون دائماً بتلك الذكرى وتبليغها أولادهم لئلا يهملوا هذا الفرض الواجب.

3، 4 «3 فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَالاَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، إِلَى مَتَى تَأْبَى أَنْ تَخْضَعَ لِي؟ أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي. 4 فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتَ تَأْبَى أَنْ تُطْلِقَ شَعْبِي هَا أَنَا أَجِيءُ غَداً بِجَرَادٍ عَلَى تُخُومِكَ».

1ملوك 21: 29 و2أيام 7: 14 و34: 27 وإرميا 13: 18 ويعقوب 4: 10 و1بطرس 5: 6 أمثال 30: 27 ورؤيا 9: 3

أَجِيءُ غَداً بِجَرَادٍ عَلَى تُخُومِكَ تقدم أن الجراد ليس بوطني في مصر لكنه يأتي إليها أحياناً من البلاد الأجنبية كالنوبة والحبش وسورية وبلاد العرب. والموضع الذي أتى منه الجراد المذكور هنا بُيّن في تفسير (ع 13).

5 «فَيُغَطِّي وَجْهَ ٱلأَرْضِ حَتَّى لاَ يُسْتَطَاعَ نَظَرُ ٱلأَرْضِ. وَيَأْكُلُ ٱلْفَضْلَةَ ٱلسَّالِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ لَكُمْ مِنَ ٱلْبَرَدِ. وَيَأْكُلُ جَمِيعَ ٱلشَّجَرِ ٱلنَّابِتِ لَكُمْ مِنَ ٱلْحَقْلِ».

ص 9: 32 ويوئيل 1: 4

فَيُغَطِّي وَجْهَ ٱلأَرْضِ حَتَّى لاَ يُسْتَطَاعَ نَظَرُ ٱلأَرْضِ هذا مما يقع كثيراً من الجراد. قال دينون في كلامه على مصر «إن الجراد غطى السهول مسافة فراسخ كثيرة» وقال فلني «إن الجراد شغل هنالك 1600 ميل مربع أو 1800 ميل مربع». وقال بارو «يمكن أن الجراد غطى كل وجه الأرض هناك حقيقة». قلنا ومعنى اسم الجراد في العبرانية «كثير» وهو موافق لما ذُكر.

يَأْكُلُ ٱلْفَضْلَةَ ٱلسَّالِمَةَ... وَيَأْكُلُ جَمِيعَ ٱلشَّجَرِ قابل هذا بما قيل في (ص 9: 32) فلا عجب من وصف يوئيل إياه بقوله «قُدَّامَهُ نَارٌ تَأْكُلُ وَخَلْفَهُ لَهِيبٌ يُحْرِقُ. ٱلأَرْضُ قُدَّامَهُ كَجَنَّةِ عَدَنٍ وَخَلْفَهُ قَفْرٌ خَرِبٌ، وَلاَ تَكُونُ مِنْهُ نَجَاةٌ» (يوئيل 2: 3). وقال فلني «ولما ظهرت الأرجال «أي جماعات الجراد) اختفى كل أخضر من الحقول في الحال كأنه شقة طويت وصارت الأشجار والأنجم والأعشاب بلا ورق ولم تُشاهد سوى الغصون والفروع المجردة من الأوراق». وهذا موافق لقول يوئيل أيضاً في رجل الجراد (أي جماعته) «جَعَلَتْ كَرْمَتِي خَرِبَةً وَتِينَتِي مُتَهَشِّمَةً. قَدْ قَشَرَتْهَا وَطَرَحَتْهَا فَٱبْيَضَّتْ قُضْبَانُهَا» (يوئيل 1: 7). فلا يقتصر الجراد على إتلاف الأعشاب والأنجم بل يفسد الأشجار أيضاً. قال بركهرت أنه يضر بأشجار النحل ويأكل كل ورقة وكل أخضر من النبات ويُبقي الأشجار عارية الغصون» (إذ لا يبقي عليها شيئاً من الأوراق).

6 «وَيَمْلأُ بُيُوتَكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ عَبِيدِكَ وَبُيُوتَ جَمِيعِ ٱلْمِصْرِيِّينَ، ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَلاَ آبَاءُ آبَائِكَ مُنْذُ يَوْمَ وُجِدُوا عَلَى ٱلأَرْضِ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. ثُمَّ تَحَوَّلَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».

ص 8: 3 و21

وَيَمْلأُ بُيُوتَكَ قال يوئيل النبي (في الجراد ممثلاً إياه برجال الجيش) «يَتَرَاكَضُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. يَجْرُونَ عَلَى ٱلسُّورِ. يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْبُيُوتِ. يَدْخُلُونَ مِنَ ٱلْكُوَى كَٱللِّصِّ» (يوئيل 2: 9). وما قاله رجال الترحال في أمره يشهد بصحة ما ذكره الكتاب. قال بركهرت «إن الجراد يزدحم في نجد ويفسد إلى حد أن يهلك النبت ويتلف الغلال ويدخل ألوف منه المساكن ويأكل كل ما يجده فيها حتى قِرب الماء». وقال مريار «أنه يدخل المخادع ويجتمع في كل زاوية ويلصق بالثياب ويفسد الأطعمة». وقال كاليش «يدخل أحياناً البيوت ويلج أفواه السكان ويقع على الأطعمة ويقرض الجلود والخشب أيضاً».

ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ آبَاؤُكَ وَلاَ آبَاءُ آبَائِكَ لم يُذكر في تواريخ المصريين الأصلية سوى نبإ حادثة واحدة من حوادث الجراد.

ثُمَّ تَحَوَّلَ وَخَرَجَ المعنى أنه لم يتربص ليسمع جواب فرعون كما كان يفعل قبلاً لأنه علم أن فرعون لم يخش الرب (ص 9: 30).

7 «فَقَالَ عَبِيدُ فِرْعَوْنَ لَهُ: إِلَى مَتَى يَكُونُ هٰذَا لَنَا فَخّاً؟ أَطْلِقِ ٱلرِّجَالَ لِيَعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمْ. أَلَمْ تَعْلَمْ بَعْدُ أَنَّ مِصْرَ قَدْ خَرِبَتْ؟».

ص 13: 33 ويشوع 23: 13 و1صموئيل 18: 21 وجامعة 7: 26 و1كورنثوس 7: 35

أَطْلِقِ ٱلرِّجَالَ كان للضربة تأثير في أذهان المصريين وإن يكن فرعون لم يزل متشدداً قاسي القلب. وكان العرافون أول من تأثروا فقالوا «هذا إصبع الله» (ص 8: 19). ثم بعض المصريين الباقين فإنهم «خافوا كلمة الرب وهربوا بعبيدهم ومواشيهم إلى البيوت» (ص 9: 20). ثم تأثر هنا رجال البلاط المخالطون للملك وتيقنوا أن نبأ موسى حق وأشاروا على الملك أن يسمع له ويطلق الرجال. وظن بعضهم أنهم سألوه إطلاق الرجال دون غيرهم على أن الكلمة العبرانية تُطلق على الرجال والأولاد. ولعل أولئك الكبراء لم يحملهم على ذلك إلا خوفهم على غلالهم لأنهم كانوا من ملاّك المزارع الكثيرة.

8 «فَرُدَّ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ لَهُمَا: ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ. وَلٰكِنْ مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ؟».

2ملوك 9: 32

فَرُدَّ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ بلّغ موسى وهارون فرعون الإنذار وانصرفا سريعاً وظن رؤساء البلاد أن فرعون لا بد من أن يجيب طلب الأخوين. والحق أنه كان مستعداً أن يجيب بعضه ورأى أنه يقنع موسى بما عزم عليه هو ولهذا افتتح الكلام بالمسئلة الآتية.

مَنْ وَمَنْ هُمُ ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ لم يسأل فرعون هذا السؤال لأنه يجهل المقصود لأنه عرف أن المطلوب إطلاق كل العبرانيين وان موسى لم يعلم أنه علم ذلك لكن سأله على أسلوب أبان فيه أن في الطلب التباساً يريد دفعه. فأجابه موسى على ذلك في الآية التاسعة بما لا يليق معه أدنى التباس.

9 «فَقَالَ مُوسَى: نَذْهَبُ بِفِتْيَانِنَا وَشُيُوخِنَا. نَذْهَبُ بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا، بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا. لأَنَّ لَنَا عِيداً لِلرَّبِّ».

ص 5: 1

بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا كان من عادة المصريين أن يحتفل الأحداث مع الكبار بالأعياد والولائم على ما قال هيرودوتس.

بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا جاء آل يعقوب بغنم وبقر كثير إلى مصر (تكوين 47: 1). وكانت بهائمهم قد كثرت في مصر ولم يكن تكليفهم الأعمال ينقصها فكانت في زمن الخروج وافرة جداً. وكان قيامهم بفريضة الفصح وهي ذبح كل بيت خروفاً يقتضي أن يذبحوا في يوم واحد نحو 200000 خروف (ص 12: 3 - 5 و37). وقد صرّح الكاتب بأنه يوم خرجوا صعدوا «مع غنم وبقر ومواشٍ وافرة جداً» (ص 12: 38).

10 «فَقَالَ لَهُمَا: يَكُونُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ هٰكَذَا كَمَا أُطْلِقُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمُ. ٱنْظُرُوا، إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرّاً».

إِنَّ قُدَّامَ وُجُوهِكُمْ شَرّاً أي تقصدون أن تضروني بتخسيري عمل فعلة كثيرين.

11 «لَيْسَ هٰكَذَا. اِذْهَبُوا أَنْتُمُ ٱلرِّجَالَ وَٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. لأَنَّكُمْ لِهٰذَا طَالِبُونَ. فَطُرِدَا مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ».

ع 7

أَنْتُمُ ٱلرِّجَالَ وفي العبرانية «جبريم» ومعناه الجبابرة والأقوياء وأُطلقت على الرجال لقوتهم بالنظر إلى الأولاد والنساء فالمقصود بهم هنا البالغون.

لأَنَّكُمْ لِهٰذَا طَالِبُونَ هذا التعليل كذب لأن موسى وهارون طلبا إطلاق كل الشعب والشعب مؤلف من الرجال والنساء والأولاد.

12، 13 «12 ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ لأَجْلِ ٱلْجَرَادِ، لِيَصْعَدَ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ وَيَأْكُلَ كُلَّ عُشْبِ ٱلأَرْضِ، كُلَّ مَا تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ. 13 فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَجَلَبَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ رِيحاً شَرْقِيَّةً كُلَّ ذٰلِكَ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ. وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ حَمَلَتِ ٱلرِّيحُ ٱلشَّرْقِيَّةُ ٱلْجَرَادَ».

ص 7: 19 ع 5

رِيحاً شَرْقِيَّةً وفي الترجمة السبعينية «ريحاً جنوبية» لأنه يغلب أن يأتي الجراد إلى مصر من الجنوب لأنه يتولد في النوبة والحبش. والصواب ما في الترجمة العربية فإن ما في الأصل العبراني «روح قديم» وما معناه إلا «ريح شرقية». وقد أنبأنا المسافرون المحدثون إن الجراد قد يدخل مصر من شمالي بلاد العرب.

14 «فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، وَحَلَّ فِي جَمِيعِ تُخُومِ مِصْرَ. شَيْءٌ ثَقِيلٌ جِدّاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ جَرَادٌ هٰكَذَا مِثْلَهُ وَلاَ يَكُونُ بَعْدَهُ كَذٰلِكَ»

مزمور 78: 46 و105: 34 يوئيل 2: 2

فَصَعِدَ ٱلْجَرَادُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ أي على كل ما عُيّن ضربه بالجراد من أرض مصر بقرينة أن ما بين شمالي مصر وجنوبها مسافة أكثر من خمس مئة ميل وعرض الذلتا 150 ميلاً. ولم يُعهد في التاريخ أن جراداً شغل مثل تلك المساحة. والمرجّح أن الجراد ملأ الذلتا وضواحي ممفيس وعلى ذلك يكون قد شغل سبعة آلاف ميل مربع (على أن الضربة معجزة فلا تتوقف على الحوادث العادية).

15 «وَغَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ. وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ أَخْضَرُ فِي ٱلشَّجَرِ وَلاَ فِي عُشْبِ ٱلْحَقْلِ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».

ع 5 مزمور 105: 35

غَطَّى وَجْهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ حَتَّى أَظْلَمَتِ ٱلأَرْضُ (أي الأرض المذكورة فاللام فيها للعهد الذكري) فكان الجراد حجاباً حياً لمحيا الطبيعة.

وَأَكَلَ جَمِيعَ عُشْبِ ٱلأَرْضِ قال كلارك «متى جاء الجراد أرجالاً (أي جماعات) زالت الخضرة النباتية كلها من أوراق الآجام في الوعر إلى أوراق البقول في السهل». وقال أحد السيّاح «إذا حل الجراد في أرض نصف ساعة أتلف كل نامٍ من الأعناب والزيتون والذرة فتنظر إلى حيث حلّ فلا ترى من الأعشاب والبقول إلا جذورها».

وَجَمِيعَ ثَمَرِ ٱلشَّجَرِ كانت مصر كثيرة الأثمار من التين والزيتون والعنب والتوت والرمان والتمر والخوخ والكمثري والتفاح والإجاص والنبق واشتهرت بذلك كثيراً. وقد ذُكر إتلاف الجراد للنبات في الآية الخامسة فارجع إلى تفسيرها واذكر فوق ذلك أنه إذا لم يكن ثمر الكرم وأرواقه مشبعاً له أكل اللحاء أي قشر الخشب والبراعم حتى ترى القضبان بيضاء.

ٱلَّذِي تَرَكَهُ ٱلْبَرَدُ (انظر تفسير ص 9: 25) وقابله بقول المرنم «جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَداً وَنَاراً مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ. ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ» (مزمور 105: 32 و33).

16 «فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ مُسْرِعاً وَقَالَ: أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمَا وَإِلَيْكُمَا».

ص 9: 27

فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَهَارُونَ مُسْرِعاً كانت ضربة الجراد أشد من كل ما سبقها لأنها أتلفت كل ما بقي من غلال الحبوب والأثمار ولا شك في أنه حصل من جرائها الجوع الهائل ولم يكن لهم ما يخزن في الأهراء (تكوين 41: 35 و48 الخ) فلم يستطع فرعون على ذلك البلاء صبراً.

أَخْطَأْتُ الخ أخطأ إلى الله لأنه لم يحترم الرب وإلى موسى وهارون لأنه كذبهما واعتقد أنهما محتالان). وكلام فرعون هنا ككلامه في (ص 9: 27) لكن اعترافه هنا أحسن من اعترافه هناك من وجهين (1) إنه كان بإثمين الإخطاء إلى الرب والإخطاء إلى الأخوين. (2) إنه لم يلم سوى نفسه. والمرجّح أنه كان مخلصاً الاعتراف حينئذ لكن ما شعر به لم يكن إلا إلى حين (كعادته وعادة كل من لم يجدده الروح القدس).

17 «وَٱلآنَ ٱصْفَحَا عَنْ خَطِيَّتِي هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ فَقَطْ، وَصَلِّيَا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمَا لِيَرْفَعَ عَنِّي هٰذَا ٱلْمَوْتَ فَقَطْ».

ص 9: 28 و1ملوك 13: 6

هٰذَا ٱلْمَوْتَ (أي الضربة التي هي سبب للموت فالكلام هنا مجاز مُرسل من تسمية السبب باسم المسبب) فإن الجراد لما أتلف الغلال لم يبقَ لهم ما يأكلون وعاقبة ذلك الموت جوعاً.

18، 19 «18 فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى ٱلرَّبِّ. 19 فَرَدَّ ٱلرَّبُّ رِيحاً غَرْبِيَّةً شَدِيدَةً جِدّاً، فَحَمَلَتِ ٱلْجَرَادَ وَطَرَحَتْهُ إِلَى بَحْرِ سُوفَ. لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ تُخُومِ مِصْرَ».

ص 8: 30 يوئيل 2: 20

بَحْرِ سُوفَ كذا اسمه في العبرانية ومعنى «سوف» فيها القضيب والأعشاب أو الحلفاء وهو البحر المعروف بالبحر الأحمر. ولعل العبرانيين سموه بحر الحلفاء الخ من عهد موسى لكثرة ما ذكر على سواحله (انظر ص 2: 3 وقابل ما فيه بما هنا فإن الحلفاء هناك ترجمة سوف بالعبرانية).

لَمْ تَبْقَ جَرَادَةٌ قال نبهور في كلامه على بلاد العرب «العادة أن يبقى كثير من الجراد بعد رحيله عموماً» لكن قد ينقطع أحياناً. قال موري «إن الريح الجنوبية الغربية التي أتت بالجراد هي التي حملته عن الأرض التي أتتها به. ولم تُبق منه بعد ساعتين بقية».

20 «وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 4: 21 و11: 10

شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ (قابل هذا بما في ص 9: 12).

الضربة التاسعة ع 21 إلى 23

حدثت الضربة التاسعة كالثالثة والسادسة في كونهما بلا تحذير سابق وهي «ظلام دامس» ولعلها نشأت عن رياح الصحراء (المعروفة عند عامة المصريين اليوم بالخماسين) وهي تهب في نحو الاعتدال الربيعي وتحمل كثيراً من دقيق الرمال فيكون كالسحاب يحجب الشمس ويترك المسافرين في مثل حالك ظلام الليل. وربما كانت تلك الضربة بضباب كثيف جداً دام وقتاً طويلاً فإنهم على ما فُهم من النص لم يستطع أن يرى بعضهم بعضاً نحو ثلاثة أيام (ع 23). وإن الظلام كثف جداً حتى كان يُلمس (ع 21). ولا ريب ان مثل هذا الظلام مما يسكن الرعب القلوب. وكان ذلك أشد إيلاماً وهولاً للمصريين لأنه أعجز معبودهم «را» وهو الشمس وأكثرهم عبادة له مصريّو الذلتا وكانت هيلوبوليس وفيثوم وقفاً له. ورأوا أنه انتصر خالق الظلام سيت مبدأ الشر عندهم ومهلك اوسيريس وأبوفيس التنين العظيم ضابط النفوس في العالم السفلي. فظهر للمصريين بتلك الضربة إن را قد مات وإن سيت هو أخاه وأن أبوفيس أحاط به الظلام وصار إلى ليل دائم ولهذا أسرع فرعون إلى أن دعا موسى وهارون وأذن للعبرانيين في الانطلاق بعيالهم (ع 24) واستثنى الغنم والبقر (ع 24).

21، 22 «21 ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ لِيَكُونَ ظَلاَمٌ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلاَمُ. 22 فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ فَكَانَ ظَلاَمٌ دَامِسٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ».

ص 9: 22 مزمور 105: 28

حَتَّى يُلْمَسُ ٱلظَّلاَمُ أي حتى كاد يمس والكلام على سبيل المبالغة والتخيّل.

23 «لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ، وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَلٰكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ!».

ص 8: 22

لَمْ يُبْصِرْ أَحَدٌ أَخَاهُ (وهذا ممكن في الواقع وكثيراً ما اشتد الظلام حتى منع من رؤيا الأشباح في مصر وسورية وغيرهما).

وَلاَ قَامَ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ (قابل هذا بما في (ص 16: 29) أي لم يخرج أحد من بيته. رأى بعضهم (وهو المستر ميلنغتون) ان كل إنسان لزم مجلسه فلم يتحرك من موضعه وذلك غير ضروري فإنهم يمكنهم أن يستضيئوا بأضواء المصابيح ويذهبوا من موضع إلى آخر في البيوت فالظاهر إنهم لم يخرجوا من بيوتهم لوقوف الأعمال في الخارج. أو ان من كان منهم في البيوت حين حدوث الظلمة بقوا فيها.

جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ لَهُمْ نُورٌ فِي مَسَاكِنِهِمْ لأن الظلمة لم تصل أرضهم (قابل هذا بما في ص 8: 22 - 24 و9: 4 - 7 و26).

24، 25 «24 فَدَعَا فِرْعَوْنُ مُوسَى وَقَالَ: ٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ. غَيْرَ أَنَّ غَنَمَكُمْ وَبَقَرَكُمْ تَبْقَى. أَوْلاَدُكُمْ أَيْضاً تَذْهَبُ مَعَكُمْ. 25 فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ تُعْطِي أَيْضاً فِي أَيْدِينَا ذَبَائِحَ وَمُحْرَقَاتٍ لِنُقَرِّبُهَا لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا».

ع 8 ع 10

أَوْلاَدُكُمْ أَيْضاً تَذْهَبُ مَعَكُمْ الخ وفي العبراني «طفكم يذهب معكم» ومعنى «الطف» الأولاد صغاراً وكباراً أي من الأطفال إلى الشبان. (وقد تأتي بمعنى العيال وهو المعنى المرجح هنا). سمح فرعون بأكثر مما سمح به قبلاً لكنه لم يسمح بكل الطلب فأراد أن يمسك البهائم فينتفع بها بدلاً من عطلتهم ويجعلهم يضطرون إلى أن يرجعوا من أجلها.

26 «فَتَذْهَبُ مَوَاشِينَا أَيْضاً مَعَنَا. لاَ يَبْقَى ظِلْفٌ. لأَنَّنَا مِنْهَا نَأْخُذُ لِعِبَادَةِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا. وَنَحْنُ لاَ نَعْرِفُ بِمَاذَا نَعْبُدُ ٱلرَّبَّ حَتَّى نَأْتِيَ إِلَى هُنَاكَ».

فَتَذْهَبُ مَوَاشِينَا أَيْضاً مَعَنَا. لاَ يَبْقَى ظِلْفٌ تكلم موسى هنا بسلطان قوي وكان له الحق أن يتكلم كذلك لأن المواشي مواشي الإسرائيليين فليس لفرعون أن يمنعهم منها ولأن كلها لله يهوه العبرانيين ورب العالمين. والاحتفال بعيد للرب في البرية لم يكن مما عهده العبرانيون فكانوا لا يعرفون كيف يخدمون الرب حتى بلغوا سينا (ص 3: 12).

27، 28 «27 وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِقَهُمْ. 28 وَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: ٱذْهَبْ عَنِّي. اِحْتَرِزْ. لاَ تَرَ وَجْهِي أَيْضاً. إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ».

ص 4: 21 وع 20 و14: 4 و8

ٱذْهَبْ عَنِّي هذا كلام خشن. إن ملكاً من ملوك الدولة التاسعة عشرة (أو الثامنة عشرة) لا يتكلم بمثل هذا الكلام ما لم يكن قد احترق غيظاً فإن ملوك مصر في ذلك العصر كانوا أهل رزانة ووقار فكان كمندارين الصين في ذلك. فلنا أن نظن أن فرعون كان يعتقد أنه قادر على أن يرضي موسى بما يرضاه هو فيئس حينئذ من ذلك فتوقد غضبه فأحرق وقاره وحمله على فظ الكلام.

إِنَّكَ يَوْمَ تَرَى وَجْهِي تَمُوتُ كان لملك مصر سلطان على أن يقتل من شاء من رعيته ولهذا كان كبراء بلاطه يعترفون بأن طول حياتهم متوقف على إحسانه على ما أفاد برغش في تاريخ مصر.

29 «فَقَالَ مُوسَى: نِعِمَّا قُلْتَ! أَنَا لاَ أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضاً».

عبرانيين 11: 27

لم يحسن مقسم الأصحاحات بقسمة الأصحاح العاشر والحادي عشر فإنه كان من المناسب أن تكون نهاية العاشر نهاية الآية الثامنة من الحادي عشر. والآية الأولى إلى نهاية الثالثة منه كلام معترض.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

إعلان بالضربة العاشرة

1 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَيْضاً أَجْلِبُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى مِصْرَ. بَعْدَ ذٰلِكَ يُطْلِقُكُمْ مِنْ هُنَا. وَعِنْدَمَا يُطْلِقُكُمْ يَطْرُدُكُمْ طَرْداً مِنْ هُنَا بِٱلتَّمَامِ».

ص 12: 31 و33 و39

ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ الكلام من (ع 1 - 3) معترض يبين إعلان الرب لموسى قبل أن واجه فرعون حينئذ. وكان ذلك ضرورياً ليكون موسى على ثقة من أمره بالنظر إلى الضربة العاشرة التي هي آخر الضربات (ع 5) وإنها تؤثر أشد التأثير في المصريين (ع 8).

2 «تَكَلَّمْ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَكُلُّ ٱمْرَأَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ».

ص 3: 22 و12: 35

أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُلٍ الخ (انظر تفسير ص 3: 22) كان الله قد أباح ذلك للنساء فأباحه هنا لهن وللرجال أيضاً.

3 «وَأَعْطَى ٱلرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَيْضاً مُوسَى كَانَ عَظِيماً جِدّاً فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي عُيُونِ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وَعُيُونِ ٱلشَّعْبِ».

ص 3: 21 و12: 36 ومزمور 106: 46 أستير 9: 4

وَأَعْطَى ٱلرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ أي لما جاء الوقت المعيّن أعطى الخ (انظر ص 12: 36).

الرجل مُوسَى يتوهم قارئ هذه العبارة في بادي الرأي أن موسى ليس بكاتب هذا السفر إذ لم يقل «أنا» بل «الرجل موسى» والحق أن ذلك من الأدلة على أنه هو الكاتب لأن غيره من الكتبة لا يشير إليه بأقل الصفات التي تُطلق على كل ذكر من البشر دنيئاً وضيعاً وشريفاً رفيعاً. وقوله «الرجل» فيه من التواضع ما ليس في قوله أنا ولم يذكره أحد من الكتبة بمثل ذلك إنما دعوه «بالنبي» (تثنية 34: 10 ولوقا 24: 27 وأعمال 3: 22 و7: 37). و «برجل الله» (تثنية 33: 1 ويشوع 14: 6 وفي عنوان مزمور 90 وعزرا 3: 2). و «بعبد الرب» (يشوع 1: 1 وعبرانيين 3: 5).

عَظِيماً جِدّاً ذكر موسى هذا لا ينافي اتضاعه لأنه لم يقصد به سوى بيان الواقع ولأن ذكره كان ضرورياً لذلك البيان ولإتمام النبإ (ومعناه أن الله أنعم على الشعب وإنه رفع الرجل موسى أي أنا الوضيع في عيون الظالمين). وكان عند المصريين إن من يواجه الملك عظيم جداً لأنهم كانوا يرون أن فرعون إله على الأرض فكان موسى بتكرار مواجهته لفرعون في غاية العظمة عند كبراء البلاط وسائر المصريين فمالوا إلى مساعدة الإسرائيليين إكراماً لموسى.

4 «وَقَالَ مُوسَى: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ أَخْرُجُ فِي وَسَطِ مِصْرَ».

ص 12: 12 و23 و29 و عاموس 5: 17

قَالَ مُوسَى زاد موسى جرأة على فرعون لتكرار مخاطبته إياه وجهاً لوجه حتى فاه له بآخر إنذاراته وكان شديداً جداً (ص 10: 29). ونهاه فرعون عن أن يرى وجهه بعد ذلك (ص 10: 28). فقال له «نِعِمَّا قُلْتَ! أَنَا لاَ أَعُودُ أَرَى وَجْهَكَ أَيْضاً» (ص 10: 29). (ولا يخفى ما في ذلك من شديد التهديد. وكان هذا آخر عهده ببلاطه. ومع أن فرعون كان قد قسّى قلبه وهب الله له زماناً للتوبة فأنذره بلسان موسى بقتل الأبكار ليرجع إلى الله قبل فوات الفرصة. وأبان هول ما أنذره به بقوله «يكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضاً». ولو رجع فرعون إلى الرب واتقاه حينئذ لصرف عنه وعن شعبه ذلك الرزء الجسيم ونجا جيشه من الهلاك غرقاً في البحر الأحمر لكنه قسّى قلبه بعد كل ذلك وبقي على غلاظة طبعه وقسوة فوءاده فلم يطلق بني إسرائيل (ع 10).

نَحْوَ نِصْفِ ٱللَّيْلِ فيقع المصاب الأعظم في أهول ساعة من الأربع والعشرين.

5 «فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ ٱلْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ ٱلْجَارِيَةِ ٱلَّتِي خَلْفَ ٱلرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ».

ص 12: 12 و29 وعاموس 4: 10

فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ الكلمة في الأصل العبراني مختصة بأبكار الذكور فكان معنى العبارة كل ابن هو الأكبر في البيت يموت. وكان الابن الأكبر عند المصريين كمثل ما هو عند كثيرين من أهل البلاد المختلفة عماد بيته ورجاءه ورفيق أبيه وبهجة أمه ومُعتبر إخوته وأخواته. وكان لقب بكر فرعون الأمير الوارث التاج وخليفة أبيه ما لم يمت. وكان هو الوارث عند غير الملك من الكبراء فلم يكن من مصاب مثل قتل الأبكار من كل المصائب التي نزلت بالمصريين.

بِكْرِ ٱلْجَارِيَةِ ٱلَّتِي خَلْفَ ٱلرَّحَى أي بكر أحط النساء فإنه كما يصاب فرعون أعلى الرجال تُصاب تلك الجارية أدنى النساء بتلك الضربة التي لم يعهدوا مثلها هولاً وإضراراً (ص 12: 30).

كُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ لم تُقصر الضربة على الناس فكانت على البهائم أيضاً ولا ريب في أنها وقعت أولاً على أبكار ما عبدوه من البهائم إن لم تقع على غيرها من الحيوان الأعجم. وكان في كل حين أربع بهائم في مصر يحسبون أنها آلهة متجسدة يعبدونها ومن ذلك العجل الأبيض فكان قتل هذا وأمثاله من معظمات هول تلك الضربة.

6 «وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضاً».

ص 12: 30 وعاموس 5: 17 ص 10: 14

صُرَاخٌ عَظِيمٌ عويل شديد وولوال رفيع ولم تزل عادة المصريين وكثير من أهل المشرق وإنهم يرفعون أصواتهم بذلك في المصاب الشديد. قال ستُرت بول أنه سمع عويل النساء في القاهرة أيام تفشي الهيضة الوبائية المعروفة بالهواء الأصفر سنة 1848 من أمد ميلين. وقال هيرودوتس في وصفه عويل الجند الفارسي في مأتم ماسستويس «صدت أرجاء كل بوتيا بعويلهم». وفي رسوم مصر العادية صورت النائحات تنتف شعورها وتعفّر رؤوسها في التراب أو تذره عليها.

7 «وَلٰكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ إِلَيْهِمْ، لاَ إِلَى ٱلنَّاسِ وَلاَ إِلَى ٱلْبَهَائِمِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ يُمَيِّزُ بَيْنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ».

يشوع 10: 21 ص 8: 22

يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ أي لم يخسروا شيئاً والعبارة مثل في العبرانية. (قابل هذا بما في يشوع 10: 21).

8 «فَيَنْزِلُ إِلَيَّ جَمِيعُ عَبِيدِكَ هٰؤُلاَءِ، وَيَسْجُدُونَ لِي قَائِلِينَ: ٱخْرُجْ أَنْتَ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ فِي أَثَرِكَ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ أَخْرُجُ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ فِي حُمُوِّ ٱلْغَضَبِ».

ص 12: 33 قضاة 4: 10 و8: 5 و1ملوك 20: 10 و2ملوك 3: 9

جَمِيعُ عَبِيدِكَ أي كبراء البلاط الذين يقفون حول فرعون. وهؤلاء الأعيان كان معداً لهم أن يأتوا إلى موسى بعد وقوع الضربة ويضرعون إليه كأنه ملكهم ويسألوه أن ينطلق بأمته كلها. والأمر مفصل هنا أكثر مما يأتي (ص 12: 31).

فِي حُمُوِّ ٱلْغَضَبِ أي الغيظ الشديد ولم يُظهر موسى غيظه بالكلام لأنه كان حليماً جداً فأخبر بما شعر به وتوقّد غضباً مع أنه كان عرضة للقتل (ص 10: 28) وكان يحق له أن يغضب.

9، 10 «9 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: لاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ لِتَكْثُرَ عَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. 10 وَكَانَ مُوسَى وَهَارُونُ يَفْعَلاَنِ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْعَجَائِبِ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَلٰكِنْ شَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ».

ص 3: 19 و7: 4 و10: 1 ص 7: 3 ص 10: 20 و27

قَالَ ٱلرَّبُّ ذُيّلت العجائب التسع التي صنعها الله بيدي موسى ويدي هارون بهذه الكلمات الوجيزة:

  1. إن الرب قال إن تلك العجائب تقصر عن تليين قلب فرعون (ص 4: 21).

  2. إن ذلك على إكثار المعجزات (ص 3: 7).

  3. إن المعجزات قد صُنعت.

  4. إن فرعون لم يتغير بها ولم يلن قلبه.

  5. إن الله قسّى قلب فرعون عقاباً له على أنه هو قسّى قلبه أولاً. وكان كل ذلك مما زاد به الإسرائيليون ثقة بالله ووقايته لهم ولكي يرى المصريون والأمم المجاورة لهم آيات قوة الرب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

تعيين الفصح وترتيب أموره

1 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ فِي أَرْضِ مِصْر».

أَرْضِ مِصْرَ الكلام من الآية الأولى إلى الثامنة والعشرين كُتب مستقلاً وكان موضوعه أمراً سابقاً ولعله كان قديماً وهو أجدر أن يكون من الشريعة من أن يكون من التاريخ. وموضوعه الفصح. ويقتضي أنه أُعلن في أوقات مختلفة (قابل بهذا ع 3 و12 و17). فأُعلن بعضه قبل العاشر من شهر أبيب وبعضه في أمس يوم خرجوا أي في اليوم الذي قبل خروجهم من مصر وبعضه في غد ذلك اليوم. والآية العشرون شرعية وتوافق سفر اللاويين كما توافق سفر الخروج وما بعد ذلك تاريخي لأنه يتعلق بما صنعه موسى.

2 «هٰذَا ٱلشَّهْرُ يَكُونُ لَكُمْ رَأْسَ ٱلشُّهُورِ. هُوَ لَكُمْ أَوَّلُ شُهُورِ ٱلسَّنَةِ».

ص 13: 4 وتثنية 16: 1

رَأْسَ ٱلشُّهُورِ كان أول سنة العبرانيين شهر تشرين (أي تشرين الأول) قرب الاعتدال الخريفي (انظر ص 23: 16) فخالفوا بذلك البابليين والمصريين فإن أول شهور سنة البابليين نيسانو (أي نيسان) عند الاعتدال الربيعي. وأول شهور سنة المصريين حزيران أول زيادة النيل. وأول شهور السنة العبرانية شهر أبيب وهو نيسان نفسه. فخالفوا الكلدانيين أيضاً في اسم الشهر وكان ذلك بأمر الرب (ص 13: 4). ومعناه «الخضرة» (فهو كالأب في العربية). فكان بذلك للعبرانيين سنتان سنة مدنية وسنة مقدسة على ما قال يوسيفوس المؤرخ. فأول السنة المدنية تشرين الأول في الاعتدال الخريفي وأول السنة المقدسة أبيب ثم دعوه نيسان بعد ذلك فكان أول شهور السنة المدنية سابع شهور السنة المقدسة.

3 «كَلِّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ، فِي ٱلْعَاشِرِ مِنْ هٰذَا ٱلشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ ٱلآبَاءِ. شَاةً لِلْبَيْتِ».

ص 6: 14 وعدد 1: 2 و2: 2 و1أيام 7: 40

فِي ٱلْعَاشِرِ أي اليوم العاشر. وهذا يستلزم استلزاماً بيناً أنه أوصى بذلك قبل اليوم العاشر. والمرجّح أن هذه الوصية قبله ببضعة أيام. فإن موضوعها كان يقتضي زمناً طويلاً للنظر في أمر البهائم واختيار الخالي من العيب منها. وما كانت الحيوانات المختارة تُذبح إلا بعد أربعة أيام (انظر ع 6).

شَاةً تُطلق الشاة في العبرانية على واحد الغنم والمعزى في أي سن كان ثم عُيّن الجنس والسن (ع 5). (والشاة في العربية يغلب أن تكون للذكر والأنثى من الغنم وتُطلق على الضان والمعزى والظباء والبقر وربما أُطلقت على النعام وحمير الوحش).

بِحَسَبِ بُيُوتِ ٱلآبَاءِ أي حسب عدد أهل البيت.

4 «وَإِنْ كَانَ ٱلْبَيْتُ صَغِيراً عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْواً لِشَاةٍ، يَأْخُذُ هُوَ وَجَارُهُ ٱلْقَرِيبُ مِنْ بَيْتِهِ بِحَسَبِ عَدَدِ ٱلنُّفُوسِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ تَحْسُبُونَ لِلشَّاةِ».

وَإِنْ كَانَ ٱلْبَيْتُ صَغِيراً عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْواً لِشَاةٍ ربما كان أهل البيت قليلين فلا يستطعيون أكل الشاة كلها في جلسة واحدة فكان لهم أن يشاركوا غيرهم من أهل البيوت كأهل بيت قليليين مثلهم أو بعض أهل بيت كثيرين. والذي قاله يوسيفوس المؤرخ في هذا الشأن إن أقل عدد للشاة الواحدة العشرة وإن العشرين ليسوا بكثيرين.

كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ تَحْسُبُونَ لِلشَّاةِ هذا يفيد اعتبار المقدار الذي يستطيع كل من أهل البيت أكله فالأمر غير مقصور على عدد الأنفس.

5 «تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَراً ٱبْنَ سَنَةٍ، تَأْخُذُونَهُ مِنَ ٱلْخِرْفَانِ أَوْ مِنَ ٱلْمَوَاعِزِ».

لاويين 22: 19 إلى 21 وملاخي 1: 8 و14 وعبرانيين 9: 14 و1بطرس 1: 19 لاويين 23: 12

صَحِيحَةً أي بلا مرض ولا عيب في الخلق. التقوى الطبيعية تنهانا عن أن نقرّب الأعمى والسقيم ذبيحة (ملاخي 1: 8). فيجب أن نقدم لله أحسن ما لنا. وشريعة الوحي تؤكد وجوب ذلك. فإن الشريعة في أول الأمر أمرت بأن تكون هذه الذبيحة بلا عيب ثم أطلقت ذلك على كل ما يقدم لله (لاويين 22: 19 - 25). وكان الحمل الذي بلا عيب رمزاً إلى حمل الله الذي بلا خطيئة الحمل الوديع المقدس البريء من كل عيب.

ًذَكَرا كان الذكر يُحسب أفضل من الأنثى وكان أنسب لكونه فداء عن البكر في كل بيت.

ٱبْنَ سَنَةٍ لا أكثر لأن الولد في السنة الأولى يُحسب باراً فكذا يجب أن يكون حيوان الذبيحة.

6 «وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ ٱلْحِفْظِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هٰذَا ٱلشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْعَشِيَّةِ».

لاويين 23: 5 وعدد 9: 3 و28: 16 تثنية 16: 1 و6

تَحْتَ ٱلْحِفْظِ أي يجب أن تعزلوه عن القطيع وتحفظوه في البيت أو قربه أربعة أيام وتعتنوا به وتنظروا في أمره حسناً في كل تلك المدة (قابل هذا بالآية الثالثة).

يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ أي كل رئيس بيت من بيوت إسرائيل يذبح واحداً وذلك ضروري للترتيب ولذبح الخروف في اليوم الرابع عشر يوم يكون القمر بدراً.

ٱلْعَشِيَّةِ هذه اللفظة ملتبسة فإنه كان عند العبرانيين عشاءان العشاء الأول والعشاء الثاني فذهب انكيلوس وابن عزرا إلى أن العشية هنا العشاء الأول. وهو عند غروب الشمس. والثاني عند غياب الشفق وهو بعد الغروب بما يزيد على الساعة في هذه البلاد. والأول هو الذي يؤيده الكتاب. ففي سفر التثنية ما نصه «تَذْبَحُ ٱلْفِصْحَ مَسَاءً نَحْوَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ» (تثنية 16: 6). وقال يوسيفوس «إن وقت الذبح كان من الساعة التاسعة إلى الساعة الحادية عشرة» أي من الساعة الثالثة إفرنجية إلى الساعة الخامسة كذلك. ولعله أُطيل الزمان في عصر يوسيفوس ليكون ما بقي من النهار كافياً لذبح الخروف وضوء النهار باق أو يكون معنى العشاء الأول العصر أو بعده قليلاً عندما تقرب الشمس من الغروب. وهذا موافق لما في سفر التثنية إذ قيل فيه «تذبح نحو الغروب» أي قربه. وقال بعضهم إن المقصود بالعشاء الأول وقت ميل الشمس عن الهاجرة إلى أفق المغرب. وإن العشاء الثاني وقت غروب الشمس.

7 «وَيَأْخُذُونَ مِنَ ٱلدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى ٱلْقَائِمَتَيْنِ وَٱلْعَتَبَةِ ٱلْعُلْيَا فِي ٱلْبُيُوتِ ٱلَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا».

وَيَجْعَلُونَهُ أي يضعونه بباقة زوفا (ع 22).

عَلَى ٱلْقَائِمَتَيْنِ وَٱلْعَتَبَةِ ٱلْعُلْيَا وهي في العبرانية «المشقوف» (وفي العربية «الساكف» واختار المترجم العتبة العليا لأن أكثر الناس أو كلهم يفهم معناها دون الساكف). وهي مشتقة من «شقف» في العبرانية أي نظر أو التفت لينظر. فإن المهلك كان يدخل الباب فإذا نظر الدم كفّ. وهذا الدم كان رمزاً إلى دم حمل الله المنقذ من الهلاك الأبدي.

8 «وَيَأْكُلُونَ ٱللَّحْمَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ مَشْوِيّاً بِٱلنَّارِ مَعَ فَطِيرٍ. عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَه».

ص 34: 25 وعدد 9: 11 وتثنية 16: 3 و1كورنثوس 5: 8

مَشْوِيّاً بِٱلنَّارِ لأن الشي من أسهل طرق إعداد الطعام وأخصرها ولا يحتاج إلى إناء كبير يسع الخروف. وهذا يختلف عن سائر الذبايح التقدمية لأنه غلب أن تُقطع وتُسلق (1صموئيل 2: 14 و15).

مَعَ فَطِيرٍ عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ لما كانت التغذية بالخروف رمزاً إلى التغذية بالمسيح كان اعتزال الخمير إشارة إلى وجوب اعتزال من يريد الاغتذاء بالمسيح كل نجاسة وفساد (1كورنثوس 5: 8). أما الأعشاب المرّة فالمرجح أنها تشير إلى إنكار الذات أو التوبة والندم. وذلك يناسب الوليمة المقدسة اي الطعام الذي هو حمل الله وإن ذلك الطعام ليس هو لإشباع الشهوة البشرية (1كورنثوس 11: 20 - 22).

9 «لاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ نَيْئاً أَوْ طَبِيخاً مَطْبُوخاً بِٱلْمَاءِ، بَلْ مَشْوِيّاً بِٱلنَّارِ. رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ وَجَوْفِهِ».

تثنية 16: 7

رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ كان من الواجب أن يشوى كله وأن لا يُكسر عظم منه (ع 46) قال يوستنيوس الشهيد «كان يُشوى بواسطة سفودين من خشب أحدهما عمودي على الأفق والآخر عمودي على هذا موازياً للأفق فيكون كهيئة الصليب فيصير الخروف مناسباً لأن يكون رمزاً إلى المصلوب». (والسفود ما يُشوى عليه اللحم من عود أو حديدة ويُعرف عند بعض العامة بالسيخ وعند بعضهم بالشيش).

وَجَوْفِهِ أي إمعائه. كانت تؤخذ الإمعاء وتُغسل حتى تنظف من الفضلات وتُرد إلى حيث كانت وتُشوى مع الخروف.

10 «وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ. وَٱلْبَاقِي مِنْهُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ تُحْرِقُونَهُ بِٱلنَّار».

ص 23: 18 و34: 25

لاَ تُبْقُوا مِنْهُ لئلا يدنس أو يُستعمل استعمالاً خرافياً (قابل هذا بعقيدة كنيسة انكلترا في مادتي العشاء الرباني).

وَٱلْبَاقِي مِنْهُ من العظام وما عليها من أثر اللحم.

تُحْرِقُونَهُ بِٱلنَّارِ فيوقى بذلك من التدنيس.

11 «وَهٰكَذَا تَأْكُلُونَهُ: أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ، وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ، وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ. هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ».

هٰكَذَا تَأْكُلُونَهُ ما يتبع هذه العبارة لم يُذكر في الشريعة ولم يراع في كل فصح. واتفق الجميع على أن ذلك كان ضرورياً يومئذ لأنهم كانوا على وشك السفر. (فإن اليهود أخذوا يأكلون الفصح بعد ذلك وهم متكئون على الموائد (متّى 26: 17 - 30) ولم يشر في موضع إنهم كانوا يأكلونه كما أكله آباؤهم في مصر).

هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ هذا أول استعمال لفظة الفصح في الكتاب المقدس. وذهب بعضهم إلى أن أصل الكلمة مصري معناها نشر الجناح للوقاية والصحيح أنها عبرانية أصلية (ومعناها عبور أو اجتياز ويؤدي ذلك التعليل الآتي).

12 «فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَاماً بِكُلِّ آلِهَةِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. أَنَا ٱلرَّبُّ».

ص 11: 4 وعاموس 5: 17 عدد 33: 4 و1صموئيل 5: 3 و4 ص 6: 2

فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي (هذا يدل على أن الكلمة عبرانية الأصل ومعناها اجتياز) ولكن قال بعضهم الأجدر أن تترجم العبارة «اذهب في» لأن لا علاقة للفعل بالفصح. (وهذا ما مكّن بعضهم من أن يقول أصل الكلمة مصري على أن عدم تعلقها بالفصح لا يلزم منه ذلك. والعبارة في العبرانية «وعبرتي في أرض مصريم» أي فاعبر أو إني أعبر في أرض مصر. والواو في العبرانية تأتي للسببية كالفاء في العربية).

وَأَصْنَعُ أَحْكَاماً بِكُلِّ آلِهَةِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فإن ضربة الأبكار كانت شر الضربات فحسبها المصريون قضاء على آلهتهم. فإن بعض البهائم كانت آلهة متجسدة في زعمهم وهلاك واحد منها يؤذن بهلاك غيرها من آلهتهم. وكانت البقر والغنم والمعزة والهرر والكلاب وبنات آوى والتماسيح وفرس البحر والقرود والكراكي مقدسة في كل مصر أو في بعضها فوقوع الضربة على البهائم وقوع على آلهتهم.

أَنَا ٱلرَّبُّ وفي العبرانية «أنا يهوه». وقال بعضهم «أنا يهوه أصنع أحكاماً الخ» (والذي يظهر أن في الكلام بياناً للصانع تلك الأحكام وتعريضاً بقول فرعون «من يهوه» وتبييناً أنه هو الذي أنزل الضربات عليه وعلى قومه فتأمل).

13 «وَيَكُونُ لَكُمُ ٱلدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى ٱلْبُيُوتِ ٱلَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى ٱلدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ».

وَيَكُونُ لَكُمُ ٱلدَّمُ عَلاَمَةً أي علامة لي تدل على أنكم أطعتم أمري وآمنتم بواسطة تنجيتي لكم (انظر تفسير ع 7 وقابل الكلام بما في ع 23).

14 «وَيَكُونُ لَكُمْ هٰذَا ٱلْيَوْمُ تِذْكَاراً فَتُعَيِّدُونَهُ عِيداً لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً».

ص 13: 8 لاويين 23: 4 و5 ع 24 و43 وص 13: 10 و2ملوك 23: 21

تُعَيِّدُونَهُ عِيداً أَبَدِيّاً وهو يُعتبر أنه أبدي عند المسيحيين بالعشاء الرباني لأنه بدل منه وهو يبقى إلى نهاية العالم (1كورنثوس 5: 7 و8).

15 «سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيراً. ٱلْيَوْمَ ٱلأَوَّلَ تَعْزِلُونَ ٱلْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ خَمِيراً مِنَ ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ تُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ إِسْرَائِيلَ».

ص 13: 6 و7 و23: 15 و34: 18 ولاويين 23: 6 وعدد 28: 17 وتثنية 16: 3 و8 و1كورنثوس 5: 7 تكوين 17: 14 وعدد 9: 13

سَبْعَةَ أَيَّامٍ كل من له إلمام بتاريخ المصريين يعلم أن قسمة الأيام إلى أسابيع لم تكن معروفة عند الأقدمين منهم والمظنون أنها كانت معروفة عند الكلدانيين منذ ألفي سنة قبل ميلاد المسيح وإنها أو لمن عرفها آل إبراهيم على ما يظهر من (تكوين 29: 27). ورأى بعضهم أن تلك القسمة عرفها أبوانا الأولان بدعوى إن الله أمرهما بتقديس اليوم السابع (تكوين 2: 3) لكن اعترض على ذلك كثيرون وقالوا إن ما في (تكوين 2: 3) ذُكر قبل وقته. كذا قال أحد المفسرين (والظاهر أنه تعليل لتقديس اليوم السابع عند كتابة السفر وأن السفر كُتب بعد إعطاء تلك الشريعة). وظنوا أن شريعة السبت لم تقرر إلا بعد إعطاء المن (خروج 16: 23). وكيفما كان الأمر فإن تقديس السبت لم يُعرف إلا بعد الخروج وإن الإسرائيليين لم يقدسوه في مصر. (والذي يظهر لكل متأمل أن السبت كان من أول ما حفظه الإنسان منذ أول عهده على أن ما في (تكوين 2: 3) تعليل للتقديس لا أمر به ولكنه يستلزم أنه أُمر به فتأمل. وإعطاء الشريعة على جبل سيناء لا يقتضي أنها لم تكن معروفة أو معمولاً بها وإلا لزم أن آدم ومن بعده إلى أن وصل موسى ببني إسرائيل إلى مصر كان يجوز لهم أن يتخذوا آلهة أخرى أمام الله وأن يسجدوا للصور والتماثيل وأن نسل آدم كله إلى ذلك الحين كان له أن لا يكرم والديه وأن يسرق ويزني الخ وذلك باطل. فالشريعة التي أُعطيت على سيناء تقرير وتوكيد لما أوصى به الآباء قبل موسى على توالي عصورهم فتذكر).

تَعْزِلُونَ ٱلْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ كان الخمير إشارة إلى الفساد فوجب أن يُعتزل دلالة على وجوب اعتزال الخطيئة المفسدة الروح والجسد.

تُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ إِسْرَائِيلَ (انظر تفسير تكوين 7: 14).

16 «وَيَكُونُ لَكُمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. لاَ يُعْمَلُ فِيهِمَا عَمَلٌ مَا إِلاَّ مَا تَأْكُلُهُ كُلُّ نَفْسٍ فَذٰلِكَ وَحْدَهُ يُعْمَلُ مِنْكُمْ».

لاويين 23: 7 و8 وعدد 28: 18 و25

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ كان ابتداء حفظ الفصح مساء اليوم الرابع عشر من أبيب وكانت الأيام السبعة التي تليه أيام الفطير وكانوا في أول تلك الأيام وهو اليوم الخامس عشر من أبيب يحتفلون «احتفالاً مقدساً» (لاويين 23: 6). ومعنى الاحتفال هنا أن يجتمع الشعب أمام باب القدس للذبيحة والعبادة وربما كان فيه تعليم أيضاً (قابل هذا بما في نحميا 7: 1). وكان الشعب يُدعى إلى ذلك بالنفخ في أبواق من الفضة (عدد 10: 2). وفي اليوم السابع من الأيام السبعة وهو الحادي والعشرون من أبيب كان لهم احتفال كالأول وما كان يجوز لهم أن يعملوا عملاً في ذينك اليومين (لاويين 23: 7 و8).

17 «وَتَحْفَظُونَ ٱلْفَطِيرَ لأَنِّي فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ أَخْرَجْتُ أَجْنَادَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فَتَحْفَظُونَ هٰذَا ٱلْيَوْمَ فِي أَجْيَالِكُمْ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً».

ص 13: 3

فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ أَخْرَجْتُ أَجْنَادَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ جاء استعمال الأجناد لبني إسرائيل في (ص 6: 26). وقوله «اخرجت» دليل على أن هذا كله قيل لهم بعد الخروج لكنه كتبه موسى هنا كلاماً معترضاً. (هذا الذي عليه الجمهور ويصح أن المعنى أنه يخرجهم في ذلك اليوم وعبّر عن المستقبل بالماضي الوقوع وله نظائر في الكتاب المقدس ومن ذلك ما في (إشعياء 15: 1 و21: 5 و22: 3 و23: 1).

18 «فِي ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ، مَسَاءً، تَأْكُلُونَ فَطِيراً إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ مِنَ ٱلشَّهْرِ مَسَاءً».

لاويين 23: 5 وعدد 28: 16

مَسَاءً أي مساء اليوم الرابع عشر وبداءة اليوم الخامس عشر (انظر لاويين 23: 5 و6).

19 «سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ. فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ مُخْتَمِراً تُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ، ٱلْغَرِيبُ مَعَ مَوْلُودِ ٱلأَرْضِ».

ص 23: 15 و34: 18 وتثنية 16: 3 و1كورنثوس 5: 7 و8 عدد 9: 13

ٱلْغَرِيبُ أي الدخيل في إسرائيل أعنى الهائد من الأمم المختتن بمقتضى الشريعة. فإن بلوغ بني إسرائيل ست مئة ألف (ع 37) يقتضي ان كثيرين من الأمم آمنوا بدين اليهود واختتنوا مدة غربة الإسرائيليين في مصر وحبسوا من الإسرائيليين ويؤيد ذلك ما جاء في (تكوين 17: 13) فانظر تفسيره. فإنه قد اعترض بعضهم على كثرة بني إسرائيل غير ملتفت إلى الأسباب. وكان مما يوجبه العدل والإنصاف على المعترض أن يذكر أنه كان لكل من لم يكن من الدم العبراني أن يؤمن إيمان العبرانيين ويحسب منهم بشرط أن يختتن على أثر إيمانه. وعلى هذا السنن حُسب كثيرون من الكنعانيين والجبعونيين من آل إسرائيل.

مَوْلُودِ ٱلأَرْضِ أي أرض كنعان لأن أرض كنعان كانت تعد أرض إبراهيم ونسله من يوم الموعد (تكوين 12: 7). (والمعنى بمولود أرض كنعان الذي نُسل منه أي أولاد الذين وُلدوا في كنعان أو الكلام متعلق في المستقبل).

20 «لاَ تَأْكُلُوا شَيْئاً مُخْتَمِراً. فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ تَأْكُلُونَ فَطِيراً».

هذه الأية تقرير لما قبلها.

الفصح الأول

21 «فَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمُ: ٱسْحَبُوا وَخُذُوا لَكُمْ غَنَماً بِحَسَبِ عَشَائِرِكُمْ وَٱذْبَحُوا ٱلْفِصْحَ».

عدد 9: 4 ويشوع 5: 10 و2ملوك 23: 21 وعزرا 6: 20 ومتّى 26: 18 و19

فَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ لأنه أُمر أن يخاطب الجميع (ع 3) بذلك وفهم أن يدعو الشيوخ رأساً.

ٱسْحَبُوا فهم بعضهم الكلمة العبرانية «اذهبوا وخذوا» وترجمها بعضهم بقوله «اسحبوا أو خذوا خروفاً من القطيع».

بِحَسَبِ عَشَائِرِكُمْ أي على مقدار عدد النفوس في البيت فليس من الضروري أن يذبح كل بيت خروفاً (انظر ع 4).

22 «وَخُذُوا بَاقَةَ زُوفَا وَٱغْمِسُوهَا فِي ٱلدَّمِ ٱلَّذِي فِي ٱلطَّسْتِ وَمُسُّوا ٱلْعَتَبَةَ ٱلْعُلْيَا وَٱلْقَائِمَتَيْنِ بِٱلدَّمِ ٱلَّذِي فِي ٱلطَّسْتِ. وَأَنْتُمْ لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ حَتَّى ٱلصَّبَاحِ».

لاويين 14: 6 و7 ومزمور 51: 7 عبرانيين 11: 28 ع 7

بَاقَةَ زُوفَا (الزوفا على ما في تذكرة داود الأنطاكي الطبيب نوعان «زوفا يابس» (وهو) نبت دون ذراع بجبال المقدس والشام أوراقه كالصعتر البستاني وقضبانه قصيبة عقدة في رأس كل منها زهرة صفراء... وزوفا رطب وهو المعروف بمصر باللامي وهو أوساخ تجتمع على الضأن والمعز بأعمال أرمينية وأصله طل يقع على الأشجار أوائل الشتاء فتمر المواشي بينها فتدبق بها والمقصود هنا النوع الأول. وقال أحد المفسرين الأوربيين ما معناه). المرجّح أن زوفا العهد القديم الكَبَر المعروف اليوم عند العرب بالأصَف وهو يكثر في أرض سيناء على ما قال ستنلي وهو مناسب للمقصد المذكور هنا فإنه يعد من النباتات المقدسة أي الطاهرة (لاويين 14: 4 و49 - 52 وعدد 19: 6 ومزمور 51: 7) ولذلك كان موافقاً لرش دم الفصح. (قلنا والكَبَر والأصَف اسمان عربيان للنبت المعروف عند العامة بالقبّار).

ٱلطَّسْتِ الكلمة العبرانية المترجمة بالطست لها معنى آخر وهو عتبة أو أسكفة وهذا المعنى هو الذي اختاره مترجمو السبعينية وجيروم. ويصعب تعيين المقصود منها إذ لم يسبق الكلمة ذكر العتبة ولا ذكر الطست والمرجح أن المقصود الطست لأن لا بد للدم من إناء يعيه فتُغمس الزوفا به والظاهر أن الطست كان مما ألفه العبرانيون.

لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْكُمْ الظاهر أن هذا النهي من كلام موسى لا من كلام الله فإنه علم إن دم الكفارة يقي من الملَك المهلك وإنه لا أمن خارج الباب المرشوش بذلك الدم.

23 «فَإِنَّ ٱلرَّبَّ يَجْتَازُ لِيَضْرِبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ. فَحِينَ يَرَى ٱلدَّمَ عَلَى ٱلْعَتَبَةِ ٱلْعُلْيَا وَٱلْقَائِمَتَيْنِ يَعْبُرُ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلْبَابِ وَلاَ يَدَعُ ٱلْمُهْلِكَ يَدْخُلُ بُيُوتَكُمْ لِيَضْرِبَ».

ص 3: 8 و17

ٱلْمُهْلِكَ ما سمي في (ع 13) ضربة سُمي هنا المهلك وكذا سمي في الرسالة إلى العبرانيين (عبرانين 12: 28). والظاهر إن يهوه استخدم لذلك ملاكاً أو ملائكة (مزمور 78: 49) فقتلوا أبكارهم. (قابل هذا بما في 2صموئيل 24: 26 و1أيام 21: 115 و2ملوك 19: 35). ولا منافاة بين أن يهوه أهلكهم أو ملاكه أو ملائكته لأنهم ليسوا سوى خدمه (عبرانيين 1: 14) فيأمرهم أن يقتلوا أبكار أحد البيوت ويتركوا الآخر.

24، 25 «24 فَتَحْفَظُونَ هٰذَا ٱلأَمْرَ فَرِيضَةً لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ. 25 وَيَكُونُ حِينَ تَدْخُلُونَ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي يُعْطِيكُمُ ٱلرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ، أَنَّكُمْ تَحْفَظُونَ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةَ».

ص 3: 8 و17

هٰذَا ٱلأَمْرَ أي ذبح الخروف (ع 21) لا رش الدم لأنه لم يكرر.

26 - 28 «26 وَيَكُونُ حِينَ يَسْأَلُكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ 27 تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ ٱلَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا. فَخَرَّ ٱلشَّعْبُ وَسَجَدُوا. 28 وَمَضَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفَعَلُوا كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ. هٰكَذَا فَعَلُوا».

ص 13: 8 و14 وتثنية 32: 7 ويشوع 4: 6 ومزمور 78: 6 ع 11 ص 4: 31 عبرانيين 11: 28

هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ والكلمة ذات الشأن في هذه العبارة «الفصح» وكان عليهم أن يوضحوا معناها لأولادهم. وإيضاحها ذكر كل ما صنعه الرب لإسرائيل في أرض العبودية فيحرك ذلك عواطف قلوبهم ومحبتهم للرب ويوجب عليهم وقف أنفسهم له تعالى.

الضربة العاشرة ع 29 و30

لم يقع خلاف في حقيقة هذه الضربة إنما وقع الخلاف في الواسطة المستخدمة لها فكان الابن البكر في كل بيت من قتلى المهلك بكر فرعون ولي عهده وأبكار الشرفاء والكهنة والتجار والصناع والفلاحين والصيادين. قال بعضهم أو حسب قول الكتاب على سبيل المبالغة «لم يكن بيت ليس فيه ميت» (ولا حاجة إلى دعوة لمبالغة هنا إذ المقصود أنه لم يبق بيت من بيوت المصريين فيه بكر إلا مات ذلك البكر الذي فيه). وكان ذلك في نصف الليل وتلك ساعة من أشد ساعات الليل هولاً فإنها ساعة أشد الظلام وسكن الحركات. وقد أنبأ الرب قبلاً بأن هذه الضربة تكون في نصف الليل (ص 11: 4) لكنه لم يعيّن ذلك فمر أيام على المصريين ولم يصبهم شيء فآمنوا وحسبوا الإنذار فارغاً فأتاهم الهلاك بغتة فكان الصراح عظيماً. ونُسب الإهلاك إلى الله نفسه (ص 4: 23 و11: 4 و12: 12 و27 و29) ولكنه نُسب في الآية الثالثة والعشرين إلى «المهلك» وقد ذكرنا إن الله أجرى ذلك بأمره ملاكاً أو ملائكة أن يُهلكوا (فأسند إليه الفعل من باب المجاز العقلي لأنه كان يأمره). ففي (2صموئيل 24: 16) ان الملاك قتل سبعين ألفاً وكان إهلاكه إياهم بالوبإ (2صموئيل 24: 15). وكثيراً ما قتل الوبأ في مصر أيام الربيع ألوفاً في وقت وجيز والله يستخدم القوى الطبيعية وغيرها من مخلوقاته لإنفاذ مقاصده على أن الضربة كانت من المعجزات لأمور:

  1. شدّتها غير المعتادة.

  2. إتيانها في أشد الساعات هولاً أي ساعة نصف الليل.

  3. قصرها على البنين الأبكار وشمولها كلهم.

  4. نجاة الإسرائيليين منها.

  5. امتدادها إلى أبكار البهائم.

29 «فَحَدَثَ فِي نِصْفِ ٱللَّيْلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ ٱلْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ ٱلأَسِيرِ ٱلَّذِي فِي ٱلسِّجْنِ، وَكُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ».

ص 11: 4 عدد 8: 17 و33: 4 ومزمور 78: 51 و105: 36 و135: 8 و136: 10 ص 4: 23 و11: 5

كُلَّ بِكْرٍ كلمة «بكر» في العبرانية مقصورة على البنين دون البنات.

بِكْرِ فِرْعَوْنَ كانت الشريعة البكرية في مصر كما هي في غيرها من البلاد وهي أن الابن الأكبر يكون ولي العهد. وكان البكر كثيراً ما يملك مع أبيه كما كان من أمر رعمسيس الثاني. ولعله هو فرعون الذي هرب موسى منه (ص 2: 15). وكيف كان الأمر فإنه كان لأكبر أبناء الملك مقام عال وشأن عظيم ويُعد موته مصاباً للأمة.

بِكْرِ ٱلأَسِيرِ العبارة كلها في هذه الآية تختلف عن العبارة في الآية 5 من ص 11 لفظاً ولكنها توافقها معنىً إذ معنى كل من الآيتين إن الضربة تكون على الأعلى إلى الأدنى.

كُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ (ص 11: 5) وعلة وقوع الضربة على البهائم أيضاً ذُكرت في تفسير (ص 11: 5).

30 «فَقَامَ فِرْعَوْنُ لَيْلاً هُوَ وَكُلُّ عَبِيدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيِّتٌ».

ص 11: 6 وأمثال 2: 13 وعاموس 5: 17 ويعقوب 2: 13

صُرَاخٌ عَظِيمٌ (انظر تفسير ص 11: 6 ومقدمة الضربة العاشرة) فإن المصاب حلّ ببنيهم ودينه فكان الويل عظيماً فعظم الصراخ.

لَم يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيِّتٌ قال بعضهم «لا بد من حمل الكلام على المبالغة الشرقية هنا لأنه لا يكون بكر في كل بيت وربما كان كثيرون من الأبكار غائبين فالمعنى أن كثيراً من البيوت كان في كل منها ميت» (قلنا لا حاجة إلى المبالغة إذ القرينة تدل على أن المقصود لم يبق بكر في بيت من بيوت المصريين إلا أصبح ميتاً).

إطلاق الإسرائيليين

31 «فَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ لَيْلاً وَقَالَ: قُومُوا ٱخْرُجُوا مِنْ بَيْنِ شَعْبِي أَنْتُمَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعاً، وَٱذْهَبُوا ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ».

ص 11: 1 ومزمور 105: 38 ص 10: 9

فَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ لم يلزم من هذا أن فرعون نفسه دعاهما إلى حضرته فيصح أنه أرسل إليهما من يبلغهما كلامه (انظر ص 11: 8). ولا ريب في أن الرسل كانوا من كبراء البلاط. فإنهم سجدوا لموسى لأنه كان يعد يومئذ عظيماً جداً (ص 11: 3). وبلغوه مقال سيدهم وخلاصته التسليم بكل ما طلبه موسى فذلّت نفس فرعون إلى حين.

32 «خُذُوا غَنَمَكُمْ أَيْضاً وَبَقَرَكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ وَٱذْهَبُوا. وَبَارِكُونِي أَيْضاً».

ص 110: 26 تكوين 27: 34

بَارِكُونِي بلغ تواضع فرعون بتلك الضربة حداً بعيداً حتى أنه طلب بركة من كان يحتقره ويوبخه وينذره وينتهره (ص 5: 4) وطرده من حضرته وأوعده بالقتل (ص 10: 28) فالذي كان له بحسب المتعارف قدرة وسلطان على قتل موسى وإبقائه حياً شعر بأن لموسى سلطاناً على أن يباركه أو يلعنه.

33 «وَأَلَحَّ ٱلْمِصْرِيُّونَ عَلَى ٱلشَّعْبِ لِيُطْلِقُوهُمْ عَاجِلاً مِنَ ٱلأَرْضِ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: جَمِيعُنَا أَمْوَاتٌ».

ص 11: 8 ومزمور 105: 38 تكوين 20: 3

أَلَحَّ ٱلْمِصْرِيُّونَ لم يلح فرعون وحده بل ألح المصريون جميعاً على الإسرائيليين بالانطلاق سريعاً حتى ان النساء لم تتوقف عن إعطاء حليها لكي لا يُعاق الإسرائيليون (ع 35).

34 «فَحَمَلَ ٱلشَّعْبُ عَجِينَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ، وَمَعَاجِنُهُمْ مَصْرُورَةٌ فِي ثِيَابِهِمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ».

مَعَاجِنُهُمْ (جمع معجن وهو الإناء الذي يُعجن الدقيق فيه) وكانت من الآنية الخشبية الخفيفة كالمعهودة اليوم عند الأعراب.

35 «وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً».

ص 3: 22 و11: 2

طَلَبُوا مِنَ ٱلْمِصْرِيِّينَ (انظر تفسير ص 3: 22).

36 «وَأَعْطَى ٱلرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا ٱلْمِصْرِيِّينَ».

ص 3: 21 و11: 3 تكوين 15: 14 وص 3: 22 ومزمور 105: 37

أَعَارُوهُمْ مع أنهم لم يتوقعوا رجعوهم ولم يريدوه.

ارتحال الإسرائيليين وعددهم وقت غربتهم في مصر ع 37 إلى 41

أهم ما في هذه الآيات أمران (1) تغرّب بني إسرائيل في مصر أربع مئة وثلاثين سنة و(2) إنه كان عدد رجالهم وقت الخروج ست مئة ألف. والكلام هنا مجمل ولكنه فُصّل في سفر العدد (عدد ص 1 و2). فبلغ فيه عدد الذكور البالغين ما عدا اللاويين 603550 (عدد 1: 32) ويستلزم ذلك أنهم كانوا يزيدون على ألفي ألف.

وفيما ذُكر مشكلان (1) زيادة الإسرائيليين إلى ذلك الحد مدة غربتهم في مصر من «سبعين نفساً» نزلوا مع يعقوب إلى مصر و(2) خروج ألفي الف من مصر بمواشيهم وقطعانهم في يوم واحد وسيرهم جيشاً في أودية أرض سيناء الضيقة إلى السهل المقابل لسيناء وان ذلك السهل وسع كل ذلك الجيش العظيم. أما الأول فيحسن قبل الكلام عليه النظر في مدة إقامة الإسرائيليين في مصر وماذا كان عدد الذين نزلوا مع يعقوب إلى مصر فنقول. قد سبق في تفسير (ص 1: 5) ترجيح أن عدد الذين ذهبوا مع يعقوب إلى تلك البلاد مئة واثنان وثلاثون نفساً وإنه كان معهم زوجاتهم وسائر أهل بيوتهم وكانوا كثيرين (انظر تفسير تكوين 17: 13) فيُعتبر أنهم كانوا بذلك بضعة ألوف ولنفرض أنهم ثلاثة آلاف.

ومدة غربتهم في مصر على ما في التوراة العبرانية 430 سنة وجاء في السبعينية والسامرية أنها كانت نصف ذلك أي 215 سنة. وإذا سلّمنا بقول المستر ملثوس أن السكان يتضاعفون كل عشرين سنة كان لنا أن الثلاثة الآلاف يصيرون في مدة قرنين أي مئتي سنة أكثر من ثلاثة آلاف ألف فالمدة المذكورة في السبعينية والسامرية وافية بأكثر من ذلك. ولكن لا سبب يحملنا على إيثار ما في هاتين على ما في الأصل العبراني أي على اختيار 215 على 430 فلنا أن نعتقد صحة المدة في العبراني. وإذا فرضنا أن السكان يتضاعفون في كل خمس وأربعين سنة كان لنا العدد المذكور هذه بقطع النظر عن خصب أرص مصر وبركة الله على العبرانيين. هذا وقت عرفت أن كثيرين من الأمم هادوا وحُسبوا من بني إسرائيل.

وأما صعوبة سير هذا العدد الوافر من جاسان إلى البحر الأحمر ومن البحر إلى سيناء فلا ننكرها إذا حسبنا الإسرائيليين ساروا على خط واحد ولكن لا يمنع مانع من أن يسيروا صفوفاً متوازية أو غير متوازية على قدر ما تسع الأرض وإنهم لم يسيروا في وادٍ واحد فتفرقوا في الأودية يسيرون في جهة واحدة.

37 «فَٱرْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ، نَحْوَ سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ مِنَ ٱلرِّجَالِ عَدَا ٱلأَوْلاَد».

ع 33: 3 و5 تكوين 47: 11 تكوين 12: 2 و46: 3 وص 38: 26 وعدد 1: 46 و11: 21

مِنْ رَعَمْسِيسَ إِلَى سُكُّوتَ لا فرق بين رعمسيس (ص 1: 11) ورعمسيس هنا فإن بيرعميسو كانت عاصمة الدولة التاسعة عشرة وكانت تشتمل على تنيس التي كانت من الضواحي (انظر تفسير ص 1: 11). والمرجح أن الاسم سكوت سامي معناه خيام أو مظال فإن الأرض التي في الجنوب الشرقي من تنيس اشتهرت يومئذ بكثرة الخيام. والمرجّح أن بعض مجاميع تلك الخيام كان على القرب من تل دفنة الحديثة وعلى غاية خمسة عشر ميلاً في الجنوب الشرقي من تنيس. ورأى الدكتور برغش أنها هي المعروفة اليوم بتكوت.

38 «وَصَعِدَ مَعَهُمْ لَفِيفٌ كَثِيرٌ أَيْضاً مَعَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ مَوَاشٍ وَافِرَةٍ جِدّاً».

عدد 11: 4

وَصَعِدَ مَعَهُمْ لَفِيفٌ كَثِيرٌ لم يذكر ما هذا اللفيف لكننا وقفنا قي سفر العدد على أنه كان يشتكي فجعل بني إسرائيل يتذمرون (عدد 11: 4) فدل ذلك على أنه جمع بقي مع الإسرائيليين ولعل بعضه من المصريين المتهودين لما رأوا من المعجزات وبعضه خدم للإسرائيليين هربوا معهم بغية الخلاص من إذلال المصريين. ومما يستحق الذكر هنا أن المؤلفين المصريين في كلامهم على خروج الإسرائيليين من مصر ذكروا أنه خرج مع العبرانيين كثيرون من الهكسوس.

39 «وَخَبَزُوا ٱلْعَجِينَ ٱلَّذِي أَخْرَجُوهُ مِنْ مِصْرَ خُبْزَ مَلَّةٍ فَطِيراً، إِذْ كَانَ لَمْ يَخْتَمِرْ. لأَنَّهُمْ طُرِدُوا مِنْ مِصْرَ وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَتَأَخَّرُوا. فَلَمْ يَصْنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ زَاداً».

ص 6: 1 و11: 1 وع 33

فَطِيراً كثيراً ما يأتي العرب ذلك فيعجنون الدقيق ويخبزونه سريعاً.

40 «ًوَأَمَّا إِقَامَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّتِي أَقَامُوهَا فِي مِصْرَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَة».

تكوين 15: 13 وأعمال 7: 6 وغلاطية 3: 17

أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً قابل بهذا النبوءة «ٱعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ (هي أرض مصر لا أرض كنعان) وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. ثُمَّ ٱلأُمَّةُ ٱلَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا» (تكوين 15: 13 و14) فذُكرت هنا المدة بالتقريب الجميل.

41، 42 «41 وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ أَرْبَعِ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ، أَنَّ جَمِيعَ أَجْنَادِ ٱلرَّبِّ خَرَجَتْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 42 هِيَ لَيْلَةٌ تُحْفَظُ لِلرَّبِّ لإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. هٰذِهِ ٱللَّيْلَةُ هِيَ لِلرَّبِّ. تُحْفَظُ مِنْ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَجْيَالِهِمْ».

ص 7: 4 وع 51 تثنية 16: 6

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ، أَنَّ جَمِيعَ أَجْنَادِ ٱلرَّبِّ خَرَجَتْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أي خرجوا جميعاً في ذلك اليوم الخامس عشر من أبيب. فخرجوا في يوم واحد ولكن يمكن أن بعضهم خرج ليلاً وبعضهم خرج صباحاً وبعضهم خرج في أوقات مختلفة من النهار وكانوا على مسافات مختلفة من الطريق إلى سكوت.

كلام في الفصح ع 43 إلى 51

43 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: هٰذِهِ فَرِيضَةُ ٱلْفِصْحِ: كُلُّ ٱبْنِ غَرِيبٍ لاَ يَأْكُلُ مِنْهُ».

لاويين 23: 5 إلى 8 وعدد 9: 11 إلى 14 وتثنية 16: 1 إلى 8

هٰذِهِ فَرِيضَةُ ٱلْفِصْحِ يرجّح أن هذه الفريضة مع ما يليها من تقديس الأبكار (ص 13: 1 - 16) أعلنها الله لموسى في سكوت. وفيها ثلاثة أمور:

  1. منع غير المختونين من أكل الفصح (ع 43).

  2. السماح بأكله للمتهودين (ع 48 و49).

  3. إن لا يُكسر من خروف الفصح عظم (ع 46).

كُلُّ ٱبْنِ غَرِيبٍ إن لم يؤمن إيمان الإسرائيليين ويختتن (ع 48).

44 «وَلٰكِنْ كُلُّ عَبْدٍ مُبْتَاعٍ بِفِضَّةٍ تَخْتِنُهُ ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْهُ».

تكوين 17: 12 و13

كُلُّ عَبْدٍ كان على الإسرائيليين أن يختنوا كل عبد يولد في بيوتهم في اليوم الثامن (تكوين 17: 13). ومن الأمور المستحقة الذكر هنا أنه كان للعبد المختون كل ما كان لسيده من الامتيازات الدينية.

45 «ٱلنَّزِيلُ وَٱلأَجِيرُ لاَ يَأْكُلاَنِ مِنْه».

لاويين 22: 10

ٱلأَجِيرُ أي الأجير الغريب عن الدين.

46 - 50 «46 فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يُؤْكَلُ. لاَ تُخْرِجْ مِنَ ٱللَّحْمِ مِنَ ٱلْبَيْتِ إِلَى خَارِجٍ، وَعَظْماً لاَ تَكْسِرُوا مِنْهُ. 47 كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ يَصْنَعُونَهُ. 48 وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ نَزِيلٌ وَصَنَعَ فِصْحاً لِلرَّبِّ، فَلْيُخْتَنْ مِنْهُ كُلُّ ذَكَرٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِيَصْنَعَهُ، فَيَكُونُ كَمَوْلُودِ ٱلأَرْضِ. وَأَمَّا كُلُّ أَغْلَفَ فَلاَ يَأْكُلُ مِنْهُ. 49 تَكُونُ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَوْلُودِ ٱلأَرْضِ وَلِلنَّزِيلِ ٱلنَّازِلِ بَيْنَكُمْ. 50 فَفَعَلَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ. هٰكَذَا فَعَلُوا».

عدد 9: 12 ويوحنا 19: 33 و36 ع 6 وعدد 9: 13 عدد 9: 14 عدد 9: 14 و15: 15 و16 وغلاطية 3: 28

وَعَظْماً لاَ تَكْسِرُوا مِنْهُ فكانوا يشوونه كامل الأعضاء بخلاف غيره من الخراف. وكان ذلك إشارة إلى الوحدة ورمزاً إلى أن الناس سيتحدون بالله بجسد المسيح الواحد (يوحنا 19: 33 - 26).

51 «وَكَانَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِحَسَبِ أَجْنَادِهِمْ».

ع 41 ص 6: 26 وع 41

كان من المناسب أن تكون هذه الآية أول الأصحاح الثالث عشر وهي متعلقة بالآية الحادية والأربعين قبلها.

أَجْنَادِهِمْ (سموا بالأجناد لأنهم كانوا عسكر الرب).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

تقديس الأبكار وشريعة الفداء

1، 2 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 2 قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ ٱلنَّاسِ وَمِنَ ٱلْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي».

ع 12 و13 و15 وص 22: 29 و30 و34: 19 ولاويين 27: 26 وعدد 3: 13 و8: 16 و17 و18: 15 وتثنية 15: 19 ولوقا 2: 23

قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ هذا الطلب مبني على ما يقتضيه العقل السليم والعدل فإن الله ضرب أبكار المصريين وحفظ أبكار الإسرائيليين فكانوا مفرزين لخدمته وكان أبكار البهائم كذلك فكان من ذلك الوقت كل بكر من أبكارهم وأبكار بهائمهم له وأوجب عليهم ذلك تذكيراً لهم برحمته لهم ونعمته عليهم فجعل أبكار بهائمهم والبهائم الطاهرة بدل أبكار بهائمهم لأنها كانت أيضاً فداء للمختونين الذي يشير ختانهم إلى وجوب طهارتهم (انظر عدد 3: 40 - 51 و18: 16).

3 «وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: ٱذْكُرُوا هٰذَا ٱلْيَوْمَ ٱلَّذِي فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَكُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ هُنَا. وَلاَ يُؤْكَلُ خَمِيرٌ».

ص 12: 42 وتثنية 16: 3 ص 6: 1 ص 12: 8

ٱذْكُرُوا هٰذَا ٱلْيَوْمَ كانت أمور الذكر أربعة:

  1. كون أول السنة الدينية غير أول السنة السياسية.

  2. سُنّة الفصح.

  3. سبعة أيام الفطير.

  4. تقدمة الفداء وما ينتج بالضرورة عن ذلك من سؤال أولادهم عن العلة (ع 14 و15).

4 «اَلْيَوْمَ أَنْتُمْ خَارِجُونَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ».

ص 23: 15 و34: 18 وتثنية 16: 1

شَهْرِ أَبِيبَ معنى أبيب سنابل الزرع الخضراء أو الخضرة (فهو يقرب من الأب في العربية). وكان أبيب شهر سنبلة الحنطة أي مصيرها ذات سنابل وتجدد خضرة الأرض. وكان أوله يوم البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي. وبقي اسمه أبيب إلى جلاء بابل. وكان البابليون يسمونه نيسان فغلب هذا الاسم على ذاك (نحميا 2: 1 وأستير 3: 7).

5 «وَيَكُونُ مَتَى أَدْخَلَكَ ٱلرَّبُّ أَرْضَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ ٱلَّتِي حَلَفَ لآبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَكَ، أَرْضاً تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً، أَنَّكَ تَصْنَعُ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةَ فِي هٰذَا ٱلشَّهْرِ».

ص 3: 8 ص 6: 8 ص 12: 25 و26

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ الخ كانت قبائل أرض كنعان سبعاً ذكر خمساً منها هنا والقبيلتان الباقيتنان هما الفرزيون والجرجسيون والظاهر أنهما لم تكونا من ذوات الشأن. وكان أشهر تلك القبائل الكنعانيون والحثيون والأموريون ولهذا كانوا يُذكرون أولاً. وكان الحثيون من زمن الخروج إلى عدة قرون بعده أمة قوية جداً (انظر يشوع 1: 4 و1ملوك 10: 29 و2ملوك 7: 6).

أَرْضاً تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً (انظر تفسير ص 3: 8).

تَصْنَعُ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةَ استنتج كاليش من هذه الآية ومن الآية الخامسة والعشرين من الأصحاح السابق أن الإسرائيليين لم يكلفوا بحفظ الفصح فعلاً إلا بعد أن ملكوا أرض كنعان. وإنهم لم يحفظوا الفصح قبل ذلك إلا مرتين الأول بأمر موسى في برية سيناء والثاني بأمر يشوع في الجلجال في سهل أريحا (عدد 9: 1 - 5 ويشوع 5: 10 و11).

6 - 8 «6 سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيراً وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ عِيدٌ لِلرَّبِّ. 7 فَطِيرٌ يُؤْكَلُ ٱلسَّبْعَةَ ٱلأَيَّامِ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ مُخْتَمِرٌ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ خَمِيرٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ. 8 وَتُخْبِرُ ٱبْنَكَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ إِلَيَّ ٱلرَّبُّ حِينَ أَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرَ».

ص 12: 15 و16 ص 12: 19 ص 12: 26 و27 وع 14

عِيدٌ لِلرَّبِّ قابل هذا بما في (ص 12: 16) فإن الاحتفال ذا الشأن كان في اليوم السابع وهو اليوم الحادي والعشرين من أبيب وكان كذلك لأنهم جازوا فيه البحر الأحمر.

9، 10 «9 وَيَكُونُ لَكَ عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَتَذْكَاراً بَيْنَ عَيْنَيْكَ، لِتَكُونَ شَرِيعَةُ ٱلرَّبِّ فِي فَمِكَ. لأَنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَكَ ٱلرَّبُّ مِنْ مِصْرَ. 10 فَتَحْفَظُ هٰذِهِ ٱلْفَرِيضَةَ فِي وَقْتِهَا مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ».

ص 12: 14 وع 16 وعدد 15: 39 وتثنية 6: 8 و11: 18 وأمثال 1: 9 وإشعياء 49: 16 وإرميا 22: 24 ومتّى 23: 5 ص 12: 14 و24 و43

وَيَكُونُ لَكَ عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَتَذْكَاراً بَيْنَ عَيْنَيْكَ ما فتئ اليهود يلبسون العصائب منذ أيام الخروج وكانت تشتمل على ما فُصل في سفر التثنية على آيات الفصح. والذي عُرف من أمرها أنها كانت قدداً طويلة من الرق مكتوباً فيها الآيات الفصحية وهي ما في (خروج 13: 2 - 10 وتثنية 6: 4 - 9 و11: 13 - 21). وكانوا يربطونها بعد طيها ويضعونها في علب صغيرة ويربطونها في الأرساغ اليسرى وعلى الجباه عند الصلاة. وقد عُرف ما يشبه ذلك عند قدماء المصريين. ومن ذلك اعترض بعضهم بأن موسى أخذ ذلك من خرافات المصريين. ودفع هذا الاعتراض بأن المصريين كانوا يحملون الأحراز والتمائم السحرية الباطلة لا كلام الله تذكاراً لإحسانه فشتان بين الأمرين. على أنه كان على الإسرائيليين أن يحملوا شريعة الله في قلوبهم لا على مجرد معاصمهم وجباههم (تثنية 11: 18).

11 «وَيَكُونُ مَتَى أَدْخَلَكَ ٱلرَّبُّ أَرْضَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ كَمَا حَلَفَ لَكَ وَلآبَائِكَ وَأَعْطَاكَ إِيَّاهَا».

ع 5

أَرْضَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ نُسبت أرض فلسطين إلى الكنعانيين إما لسموّ مقامهم على مقام غيرهم وإما لسموّ نسبهم (تكوين 10: 15). وسُميت بأرض الكنعانيين دائماً (تكوين 11: 31 و12: 5 و13: 12).

12 «أَنَّكَ تُقَدِّمُ لِلرَّبِّ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَكُلَّ بِكْرٍ مِنْ نِتَاجِ ٱلْبَهَائِمِ ٱلَّتِي تَكُونُ لَكَ. ٱلذُّكُورُ لِلرَّبِّ».

ع 2

أَنَّكَ تُقَدِّمُ لِلرَّبِّ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ وترجم بعضهم الأصل بقوله «الذي أنت تفرز للرب كل الذي يفتح رحماً». ومعنى ذلك على ما قال أحد المفسرين أن يعزله عن القطيع لكي لا يختلط بغير المقدَّس. والعبارة على ما في العبرانية «والذي تصبّره كل فاطر رحم للرب» والتصبير الجمع وجعل الطعام صبرة واحدة. ولازم معنى ذلك تفرز للرب أو تقدم له كل بكر.

13 «وَلٰكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ. وَكُلُّ بِكْرِ إِنْسَانٍ مِنْ أَوْلاَدِكَ تَفْدِيهِ».

ص 34: 20 ولاويين 27: 37 وعدد 18: 14 و16 عدد 3: 46 و47 و18: 15 و16

كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ مما يُنتبه له هنا أنه لم يذكر أن الإسرائيليين اقتنوا خيلاً. فإن الخيل كانت مما عرفه المصريون ولكن لم يقتنها إلا الملوك والكبراء. ولم يكن عند الإسرائيليين فرس ولكن الحمير كانت وافرة عندهم وكانت أكثر بهائم الحمل لأنهم لم يكن لهم جمال على ما ظهر فاضطروا أن يحملوا خيامهم وسائر أمتعتهم على الحمير.

تَفْدِيهِ لأن الحمار ليس من الحيوانات الطاهرة. وكان فداءه بشاة وهي هنا الخروف مما سرّ صاحبه لأن الحمار أثمن من صغير الضأن.

وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ العادة في كل أمة أن يُعاقب كل من يأبى أن يقدم المفروض عليه لله.

كُلُّ بِكْرِ إِنْسَانٍ مِنْ أَوْلاَدِكَ تَفْدِيهِ كان هذا إلى أن صار الكهنة سبط لاوي بدلاً من الأبكار الخدمة الأقداس فكان على سائر أسباط إسرائيل أن يفدوا أبناءهم بأن يعطوا الكهنة خمسة شواقل عن أبنائهم (عدد 3: 40 - 45 و18: 15 و16).

14، 15 «14 وَيَكُونُ مَتَى سَأَلَكَ ٱبْنُكَ غَداً: مَا هٰذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا ٱلرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. 15 وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ ٱلنَّاسِ إِلَى بِكْرِ ٱلْبَهَائِمِ. لِذٰلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ ٱلذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي».

ص 12: 26 وتثنية 6: 20 ويشوع 4: 6 و21 ع 3 ص 12: 29

(ما في هاتين الآيتين بيان الأمر الذي لأجله فُرض الفصح).

16 «فَيَكُونُ عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ وَعِصَابَةً بَيْنَ عَيْنَيْكَ. لأَنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا ٱلرَّبُّ مِنْ مِصْرَ».

ع 9

فَيَكُونُ عَلاَمَةً الخ (انظر تفسير ع 9). سُمّيت العصابة في العبرانية في هذه الآية «طوطفُت» وسُميت في سفر التثنية الكلداني «طفلِن» والمرجّح ان معنى كل منهما عصابة أو رباط.

عناية الله بجهة السفر

17 «وَكَانَ لَمَّا أَطْلَقَ فِرْعَوْنُ ٱلشَّعْبَ أَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، لأَنَّ ٱللّٰهَ قَالَ: لِئَلاَّ يَنْدَمَ ٱلشَّعْبُ إِذَا رَأَوْا حَرْباً وَيَرْجِعُوا إِلَى مِصْرَ».

ص 14: 11 و 12 وعدد 14: 1 إلى 4 تثنية 17: 16

أَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ الكلام من أول هذه الآية إلى آخر الآية التاسعة عشرة معترض من كلام معترض أوله من (ص 12: 42). وكان أول سفر الإسرائيليين من مصر إلى كنعان من مدينة تنيس أو رعمسيس في شرقي الذلتا على مقربة من البحر الأحمر. فإن موسى رأى على ما ظهر له أن أخصر الطرق وأسهلها على الإسرائيليين الطريق المجاورة الشاطئ من تنيس إلى بيلسيوم ومنها إلى رينوكولورا ومن هذه إلى غزة فعسقلان فأشدود أمهات مدن الفلطسينيين. وكانت مسافة هذه الطريق لا تزيد على مئتي ميل ويمكن قطعها بأربعة عشر يوماً. فإن قيل لماذا لم يسلكوا هذه الطريق قلنا إن الله لم يرد وعلة أنه لم يرد بُيّنت في قوله «لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر». ومن المعلوم أن فلسطين كانت بلاداً قوية حصينة ورجالها من أبطال الحرب وإن لم يُذكر ذلك في الآثار المصرية فإنه لم يُذكر فيها سوى أسماء قليلين من أفراد سورية وأممها.

مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ والأصل العبراني يحتمل «لأنها قريبة» فيكون المعنى على هذا وهو الذي رجّحه بعضهم هو أن الله لم يهدهم... لأنها قريبة فقادهم في طريق بعيدة.

إِذَا رَأَوْا حَرْباً إن كان الفلسطينيون هم بقية المصريين المعروفين بالبرساتا على ما قال بعضهم فلا بد من أنهم كانوا مشهورين بأنهم أبطال حرب. ولكن ذلك غير محقق فنحكم بأنهم قبائل سورية ذات شأن. وكان لها في عصر يشوع خمسة حصون منيعة غزة وعسقلان وأشدود وجت وعقرون (يشوع 13: 3). وكان لها اسم عظيم في أيام القضاة وسُميت فلسطين باسمهم وهذا لا يكون ما لم يكونوا قوماً مشهورين بالعظمة والقوة. ولا ريب في أن الإسرائيليين كانوا بعد أن استُعبدوا أربعة قرون قد اعتادوا الذل والانكسار ضعفاء عاجزين عن مباراة الفلسطينيين فإذا التظت الحرب بينهم وبين الفلسطينيين انهزموا ورجعوا إلى مصر.

18 «فَأَدَارَ ٱللّٰهُ ٱلشَّعْبَ فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ بَحْرِ سُوفٍ. وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُتَجَهِّزِينَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ص 14: 2 وعدد 33: 6 إلى 10 يشوع 1: 14 وقضاة 7: 11

فَأَدَارَ ٱللّٰهُ ٱلشَّعْبَ أي لم يقودهم في الطريق المستقيمة في بيلسيوم وراء بحيرة سربونيس إلى رينوكولورا وغزة بل قادهم في طريق منحنية طريق البحر الأحمر وبرية سيناء إلى عبر الأردن أرض الأموريين فقطعوا الأردن إلى كنعان. وهذا مناف لقول برغش أن كاتب سفر التكوين أراد بالبحر الأحمر بحيرة سربونيس وإنهم ساورا جنوباً بعد قطعهم تلك البحيرة.

وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُتَجَهِّزِينَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وفي الأصل العبراني صعدوا «حمشيم» واختلف اللغويون في هذه اللفظة كثيراً فرأى بعضهم أن معناها «مستعدين للحرب» وبعضهم أنها «شجعان» وغيرهم غير ذلك. ومن المذاهب الموافقة هنا أن «حمشيم» جمع «حمش» أي «خميس» وهو الجيش (لأنه خمس فِرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة). (وعلى ما في الأصل العربي أنهم صعدوا متهيئين ومستعدين مطلقاً). وقال احد مشاهير المفسرين «إنهم صعدوا مترتبين كالعساكر». (وهذا موافق للترجمة الموافقة لسياق القصة وحال الإسرائيليين وعلى المرجّح تترجم العبارة هكذا وصعد بنو إسرائيل من مصر جيوشاً).

19 «وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ ٱسْتَحْلَفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَلْفٍ قَائِلاً: إِنَّ ٱللّٰهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا مَعَكُمْ».

تكوين 50: 25 ويشوع 24: 32 وأعمال 7: 16

وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ كان جسد يوسف محنطاً على عادة المصريين (تكوين 50: 26) وكان قد أوصى أن يُنقل أثره إلى أرض كنعان (تكوين 50: 25).

استئناف السير

20 «وَٱرْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ فِي طَرَفِ ٱلْبَرِّيَّةِ».

عدد 33: 6

ٱرْتَحَلُوا مِنْ سُكُّوتَ وَنَزَلُوا فِي إِيثَامَ لم يتحقق موقع سكوت ولا موقع إيثام والمرجّح أنهما كانا على الجنوب الشرقي من تنيس بينها وبين البحيرات المالحة. وربما كانت سكوت قرب تل دفنة على غاية خمسة عشر ميلاً من تنيس وإيثام قرب الإسماعيلية على تخم البرية. ورأى الدكتور برغش أن إيثام هي خيتام المصرية وهو رأي بعيد لأن الخاء يبعد أن تتحول في العبرانية الفاً. ومعنى إيثام (أو ايتام) بيت تام أو تم وهو هيكل الشمس وكان المصريون يعبدونها في الذلتا في هيلوبوليس وفاثوم ومواضع أُخر.

21 «وَكَانَ ٱلرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَاراً فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ لِكَيْ يَمْشُوا نَهَاراً وَلَيْلاً».

ص 14: 19 و24 و40: 38 وعدد 9: 15 و10: 34 و14: 14 وتثنية 1: 33 ونحميا 9: 12 و19 ومزمور 78: 14 و99: 7 و105: 39 وإشعياء 4: 5 واكورنثوس 10: 1

وَكَانَ ٱلرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ أبان الكاتب في ع 18 و19 أن الله قاد الشعب وأوضح هنا كيف قادهم. فإنه سار أمام الشعب من سكوت والمرجّح أنه سار كذلك من رعمسيس بآية عمود كان يظهر كالدخان نهاراً وكالنار ليلاً. وكان الإسرائيليون يتبعونه جزءاً من النهار وجزءاً من الليل وكانوا ينزلون حيث يقف ويسيرون متى سار (ص 40: 36 - 38) فأشبه الدخان والنار اللذين كان القواد يتخذونهما علامتين أمام الجيوش على ما أفاد المؤرخون. فكان الله بمنزلة قائد للإسرائيليين لكن عمله كان معجزة.

لَيْلاً ذُكر سفر الشعب ليلاً في (عدد 33: 49).

22 «لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ نَهَاراً وَعَمُودُ ٱلنَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ ٱلشَّعْبِ».

لَمْ يَبْرَحْ (قابل هذا بما في ص 40: 38 وعدد 9: 16). ولعل السحابة توارت عنهم في آبل شطيم (عدد 33: 49).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ

اتباع فرعون واجتياز البحر الأحمر

1، 2 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 2 كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا وَيَنْزِلُوا أَمَامَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ بَيْنَ مَجْدَلَ وَٱلْبَحْرِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ. مُقَابِلَهُ تَنْزِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ».

ص 13: 18 عدد 33: 7 و8 إرميا 44: 1 و46: 14 وحزقيال 29: 10 و30: 6

كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجِعُوا كانت جهة سير الإسرائيليين حينئذ الجنوب الشرقي تقريباً فبلغوا تخم البرية (ص 13: 20) قرب رأس البحيرات المالحة. فلو وصلوا السير في تلك الجهة لأدى بهم المسير من مصر إلى برية إيثام فبلغوا قفراً لا ماء فيه ولا كلأ. وكانت البحيرات المالحة على يمينهم ولكن الله أمرهم بالرجوع فصارت على شمالهم.

فَمِ ٱلْحِيرُوثِ...مَجْدَلَ... بَعْلَ صَفُونَ لم يُعرف ما هذه الأماكن ولعلها كانت مدناً أو قرى مصرية غير ذات شأن على مقربة من خليج السويس على الشواطئ الغربية. ويقرب من فم الحيروث فيحر أو فيحورث في الجغرافية المصرية وربما كانت مجدل مكتل المصرية وكانت مدينة مصرية اسمها كذلك على القرب من بيلسيوم ولا شك في أنها لم تُقصد في هذه الآية. والمرجح أن بعل صفون كانت من مساكن الساميين سماها بذلك عبدة البعل. وكان لهم في شرقي مصر كثير من المنازل.

عِنْدَ ٱلْبَحْرِ اختلف المفسرون في حقيقة هذا البحر فرأى برغش أنه البحر المتوسط ويُعترض عليه بأنه لم يسبق ذكر لهذا البحر من أول سفر الخروج إلى هذه الآية ولما ذُكر فيه لم يُذكر بالبحر مطلقاً بل قُيّد بالإضافة فقيل بحر فلسطين (ص 23: 31). والظاهر أنه البحر الأحمر فأل فيه للعهد الذكري قد سبق ذكره في (ص 13: 18). ويؤيد ذلك أن بلوغهم هذا البحر يقتضي أن ينحرفوا من الجنوب الشرقي إلى الجنوب فيبقوا على حدود مصر.

3 « فَيَقُولُ فِرْعَوْنُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلأَرْضِ. قَدِ ٱسْتَغْلَقَ عَلَيْهِمِ ٱلْقَفْرُ».

مُرْتَبِكُونَ فِي ٱلأَرْضِ (قابل هذا بما في أستير 3: 15). سيقول فرعون لكل لما يعلمه من رجوعهم ومصير البحيرات المالحة على شمالهم بعد أن كانت على يمينهم في الجهة التي تؤدي بهم سريعاً إلى البحر الأحمر.

4، 5 «4 وَأُشَدِّدُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ حَتَّى يَسْعَى وَرَاءَهُمْ. فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ جَيْشِهِ، وَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ. فَفَعَلُوا هٰكَذَا. 5 فَلَمَّا أُخْبِرَ مَلِكُ مِصْرَ أَنَّ ٱلشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى ٱلشَّعْبِ. فَقَالُوا: مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟».

ص 14: 21 ص 9: 16 وع 17 و18 وحزقيال 38: 22 و23 ورومية 9: 17 و22 و23 ص 7: 5 مزمور 105: 25

تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى ٱلشَّعْبِ لا ريب في أن التغير ابتدأ على أثر سير الإسرائيليين فإنهم تركوا شرقي مصر فراغاً ووقفت كل الأعمال الملكية التي كانوا مسخرين بها فتشوشت كل الأمور التجارية والصناعية. ولم يخطر على بال المصريين قبل رحيل الإسرائيليين ما يترتب على رحيل ست مئة ألف عامل من الخسران فلا شك في أن المصريين من فرعون إلى ما دونه ندموا ندماً عظيماً على رحيل الإسرائيليين عنهم.

6 «فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ وَأَخَذَ قَوْمَهُ مَعَهُ».

فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ كان الملوك المصريون من عهد رعمسيس هم الذين يقودون الجيوش إلى الحرب غالباً. وكان الواحد منهم يستقل على مركبته ولا يصحبه سوى سائق المركبة وكان ما يُجري مركبته فرسين. ومعنى قوله «شدها» أعدها للركوب.

7 «وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ وَجُنُوداً مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا».

ص 15: 4

سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ كان جلّ مُعتمد المصريين في الحرب على المركبات منذ نشأة الدولة الثامنة عشرة. فما أنبأ به ديودورس سيكولس أنه كان لسوستريس (والمرجّح أنه رعمسيس الثاني) 27000 مركبة والظاهر أن في ذلك شيئاً من المبالغة. والذي أجمع عليه المؤرخون المحدثون إن أكثر عدد المركبات التي أُعدت لواقعة واحدة 3940 وكان كثير منها مما أتى به الأحلاف في محاربة ملك الأشوريين على أنه جاء في سفر صموئيل الأول ان مركبات الفلسطينيين كانت 30000 وقال بعضهم إن في هذا العدد غلطاً وقع من الناسخ فإن التاريخ القديم أعلن إن أعظم جيش الحثيين. الذي حارب رعمسيس الثاني كانت مركباته 3500 فذكر إن فرعون أخذ ست مئة مركبة من الأمور المعقولة المرجحة. والمرجح إنه كان من جملة تلك المركبات مركبات الجرس الملكي. (انتهى منقولاً عن بعض المفسرين. وهنا نقول إن بعض المفسرين اعتاد السرعة إلى نسبة ما لا يصدقه إلى غلط النساخ على أن العدد المذكور في سفر صموئيل ممكن عقلاً وعادة. وعلى فرض عدم إمكانه لماذ لا يحمل على أنه أراد به مجرد الكثرة ومثل هذا كثيراً ما يقع في العبرانية والعربية فيُقال كان الناس في المشهد ربوات في حين لا يزيدون على بضعة آلاف فكأن القائل يريد أنهم كانوا كثيرين كأنهم ربوات وقس على ذلك. على أنه ما أتى به المفسر من أقوال المؤرخين لا دليل فيه على نفي ذلك العدد. وكون المركبات المنتخبة ست مئة يُفهم أن المركبات كانت كثيرة إلى حد بعيد. فإن المنتخب قليل من كثير فكثيراً ما يُنتخب عشرة من ألف أو أكثر فتأمل).

وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ أي والمنتخب من سائر مركبات مصر السفلى ولعلها كانت مئات.

وَجُنُوداً مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا أي كان على كل منها جنود محاربون.

8 «وَشَدَّدَ ٱلرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ حَتَّى سَعَى وَرَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ خَارِجُونَ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ».

ع 4 ص 6: 1 و13: 2 و 9 وعدد 33: 3

بِيَدٍ رَفِيعَةٍ أي بقوة عظيمة جعلت المصريين يسألوهم الانطلاق.

9 «فَسَعَى ٱلْمِصْرِيُّونَ وَرَاءَهُمْ وَأَدْرَكُوهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَفُرْسَانِهِ وَجَيْشِهِ وَهُمْ نَازِلُونَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ عِنْدَ فَمِ ٱلْحِيرُوثِ أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ».

ص 15: 9 ويشوع 24: 6

جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ التي انتخبها وأخذها يومئذ.

وَفُرْسَانِهِ ما المقصود بالفرسان هنا الخيالة كما هو معنى الكلمة الحقيقي أم راكبوا المركبات كما يظن من سياق الحديث فإنه تُعنى الخيالة في غير هذا السفر من أسفار كتاب الله. ولم يذكر أن المصريين كانوا يمتطون الخيل في الحرب على أنه كثيراً ما ذُكر أنهم كانوا يستخدمون الخيل. ومما جاء في تاريخ ديودوروس سيكولوس أنه كان لسوستريس 24000 فارساً مع 27000 مركبة. وذُكر في كتاب الوحي أنه «صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ» (2أيام 12: 2 و3) وذكر هيرودوتس أنه ان لاماسيس جيش من الفرسان. وفي الرسوم المصرية العادية الفرسان جزء من الجيش لكن الفرسان في ما ظهر من الرسوم أجانب لا مصريون على ما ظن بعضهم. (وقلنا وفي ترنيمة موسى وبني إسرائيل في هذه الحادثة «الفرس وراكبه طرحهما في البحر» (ص 15: 1) وهذا نص صريح على أن المقصود بالفرسان راكبو الخيل حقيقة).

وَجَيْشِهِ أي المشاة. كان جيش فرعون كجيش شيشق ثلاثة أقسام الفرسان والمشاة والمركبيون (2أيام 12: 3).

10 «فَلَمَّا ٱقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ رَفَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عُيُونَهُمْ وَإِذَا ٱلْمِصْرِيُّونَ رَاحِلُونَ وَرَاءَهُمْ، فَفَزِعُوا جِدّاً. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ».

يشوع 24: 7 ونحميا 9: 9 ومزمور 34: 17 و107: 6

فَفَزِعُوا جِدّاً إن قيل كيف خاف ست مئة ألف رجل من الإسرائيليين ممن تبعهم من جنود فرعون وهم كلهم على ما قال هيرودوتس 410000 وهب الذين تبعوا الإسرائيليين 100000 منهم فهل يخاف الستة واحداً. قلنا إن الإسرائيليين كانوا مذلين غير معتادين الحرب وأكثرهم أعزل أي بلا سلاح وكان المصريون كماةً (أي متسلحين) متدربين في الحرب المصرية. ويحسن أن نذكر هنا أن سبعة وأربعين ألفاً من اليونان غلبوا في بعض الأزمنة أكثر من ألف ألف من جنود الفرس.

صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلرَّبِّ عرف الإسرائيليون أن لا ملجأ سوى يهوه ولا عاصم مثله.

11 «وَقَالُوا لِمُوسَى: هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ؟ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟».

مزمور 106: 7

هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ هذا التذمر نتيجة الخوف وضعف الإيمان (ومعناه ظاهر).

12 «أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ ٱلْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».

ص 5: 21 و6: 9

أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ الخ كان الإسرائيليون قد أبوا أن يصغوا إلى موسى (ص 6: 9) لكنهم سمعوا له غالباً وسلموا بما عزم عليه. فكان تذمرهم عليه هنا منافياً للعدل. ولكن من خوالص الطبيعة البشرية أن ترتكب مثل ذلك في زمان الخطر والنوازل.

13، 14 «13 فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَٱنْظُرُوا خَلاَصَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ٱلْيَوْمَ لاَ تَعُودُونَ تَرَوْنَهُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلأَبَدِ. 14 ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».

2أيام 20: 15 و17 وإشعياء 41: 10 و13 و14 ع 25 وتثنية 1: 30 و3: 22 و20: 4 ويشوع 10: 14 و41 و23: 3 و2أيام 20: 29 ونحميا 4: 20 وإشعياء 31: 4 إشعياء 30: 15

لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَٱنْظُرُوا «بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم» (إشعياء 30: 15) فعلينا أن نفعل ما في طاقتنا ونكِل العاقبة إلى الرب. وما أحسن قولهم «إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم». على أنه لم يكن هنا من شيء على الإسرائيليين سوى أن يتركوا كل شيء للرب (2أيام 20: 17). فعلينا في مثل هذه الحال أن نصبر وننتظر ونتشجع كما فعل موسى فإنه لم يكن يعلم ماذا سيصنعه لإسرائيل ومع ذلك هدأ واطمأن.

كَمَا رَأَيْتُمُ ٱلْمِصْرِيِّينَ ٱلْيَوْمَ لا ترونهم فيما عهدتم من قوتهم عليكم وإذلالهم إياكم فإن الله سيبيد كبرياءهم ويطرحهم جثثاً في البحر الأحمر (انظر ع 30).

ٱلرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ (هذا خير من كل شيء للاطمئنان).

15 - 18 «15 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ؟ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَلُوا. 16 وَٱرْفَعْ أَنْتَ عَصَاكَ وَمُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَشُقَّهُ، فَيَدْخُلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. 17 وَهَا أَنَا أُشَدِّدُ قُلُوبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ حَتَّى يَدْخُلُوا وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَكُلِّ جَيْشِهِ، بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ. 18 فَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَ أَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ».

ص 7: 19 وع 21: 26 ع 4

مَا لَكَ تَصْرُخُ إِلَيَّ (ع 10) كما يصرخ الشعب. صرخ موسى إلى الله فقال الله له الوقت ليس بوقت صراخ بل وقت عمل «قل لبني إسرائيل أن يرحلوا الخ» فإنه كان على الإسرائيليين أن يقلعوا خيامهم ويتأهبوا للرحيل حالاً. وكان على موسى أن يهبط شاطئ البحر وعصاه في يده ويمدها إلى البحر ويتوقع النتيجة. وهي أنه تنقسم المياه ويظهر القرار ويجف إلى الأمد المُقتضى ويعبر الإسرائيليون إلى الشاطئ المقابل (ع 16). والمصريون يتبعونهم فيهلكون «فيتمجد الرب بفرعون وكل جيوشه» (ع 17 و18). ولم يبين له حينئذ طريق إهلاكهم بالتفصيل.

19، 20 «19 فَٱنْتَقَلَ مَلاَكُ ٱللّٰهِ ٱلسَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ وَسَارَ وَرَاءَهُمْ، وَٱنْتَقَلَ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ مِنْ أَمَامِهِمْ وَوَقَفَ وَرَاءَهُمْ. 20 فَدَخَلَ بَيْنَ عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَعَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ، وَصَارَ ٱلسَّحَابُ وَٱلظَّلاَمُ وَأَضَاءَ ٱللَّيْلَ. فَلَمْ يَقْتَرِبْ هٰذَا إِلَى ذَاكَ كُلَّ ٱللَّيْلِ».

تكوين 16: 7 وص 13: 21 و23: 20 و32: 34 وعدد 20: 16 وإشعياء 63: 9 إشعياء 8: 14 و2كورنثوس 4: 3

مَلاَكُ ٱللّٰهِ ٱلسَّائِرُ أَمَامَ عَسْكَرِ إِسْرَائِيلَ مَن قيل في الآية الحادية والعشرين من (ص 13) أنه «ملاك الرب» قيل هنا أنه «ملاك الله». وقيل في نبإ العليقة الملتهبة أن الذي خاطبه «ملاك يهوه» أي الرب ثم قيل أنه «الله» ثم قيل أنه «يهوه» (انظر ص 3: 2 و4 و7). وكان في عمل الرب هنا أمران (1) الأول ضرب المصريين وتركهم يضطربون في السحاب والظلمة. و(2) إغاثة الإسرائيليين وإضاءته لهم.

21 «وَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ، فَأَجْرَى ٱلرَّبُّ ٱلْبَحْرَ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كُلَّ ٱللَّيْلِ، وَجَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً وَٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ».

ع 16 أيوب 27: 21 ومزمور 48: 7 وإرميا 18: 17 وحزقيال 27: 26 مزمور 66: 6 ص 15: 8 ويشوع 3: 16 و4: 23 ونحميا 9: 11 ومزمور 74: 13 و106: 9 و114: 3 وإشعياء 63: 12

بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ بين الشمال الشرقي والجنوب الغربي. إذا تصوّرنا أن البحيرات المالحة كانت متصلة بالبحر الأحمر بقناة ضيقة هان علينا أن الماء رجع إلى الشمال وظهر القرار بالجَزر في البحر الأحمر من الجهة المقابلة أي ارتد إلى الجنوب وجف القرار بالريح الحارة فيكون موسى صبر هنالك إلى أن تم الجَزر وهبت الريح فرد مياه تلك البحيرات على أن الكتاب لم يذكر شيئاً من أمر الجزر. لكن في تقليد المصريين «إن موسى تربص هنالك إلى أن تم الجَزر واجتاز بالإسرائيليين». على ما أفاد بعض المؤرخين. وكيف كان الأمر فإن ذلك كله تم بعناية الله فهو قادر أن يستخدم قوات الطبيعة لما أراد وقادر على صنع المعجزات.

جَعَلَ ٱلْبَحْرَ يَابِسَةً (أي أرضاً يابسة أي أظهر قرار البحر وأيبسه).

ٱنْشَقَّ ٱلْمَاءُ أي بقي ماء البحيرات المالحة منفصلاً وقتاً عن ماء البحر الأحمر فاجتاز بنو إسرائيل في القناة عند ظهور قرارها ويبسِه.

22 «فَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ».

ع 29 وص 15: 19 وعدد 33: 8 ومزمور 66: 6 و78: 13 وإشعياء 63: 13 و1كورنثوس 10: 1 وعبرانيين 11: 29

وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ اعتاد الكتاب المقدس أن يسمي كل واقٍ سوراً وحصناً أو مترسة (1صموئيل 25: 16 وأمثال 18: 11 وإشعياء 26: 1 وإرميا 1: 18 ونحميا 3: 8). وهنا وفى الماء الإسرائيليين من الجانبين الجانب الواحد البحيرات المرة على الشمال والثاني البحر الأحمر على اليمين على أن في العبارة تخيلاً شعرياً كما جرت عادة الكتاب (مزمور 78: 13 وص 15: 8) فلا يُكترث بقول المحدثين أن المياه انتصبت كسور حقيقة.

23 «وَتَبِعَهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَدَخَلُوا وَرَاءَهُمْ، جَمِيعُ خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

وَتَبِعَهُمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ دخل الإسرائيليون قرار البحر وعمود السحاب وراءهم على ما يظهر. والمصريون إن لم يستطيعوا أن يروهم قدروا أن يسمعوا حركة مرورهم فاقتفوهم على الصوت. وهل انتبهوا للمعجزة أو لا ذلك يصعب علينا أن نعرفه ولكنهم لم يدخلوا قرار البحر وراء الإسرائيليين إلا وهم قد عرفوا أن القرار يابس وظنوا أنه يبقى زمناً كافياً كذلك. ولعل المجاز لم يكن طويلاً وربما كان نحو ميل فرأوا أنهم قادرون أن يقطعوه بنحو عشر دقائق ولكن ما دخلوا إلا والاضطراب قد علاهم «فإِنَّ ٱلرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ» (ع 24). فإنه تعالى برهبة حضوره وغضبه عليهم أوقعهم في شديد الإرتباك والقلق وابتلعهم الرعب فبعضهم وقف وبعضهم هرب. ونزلت بهم نازلة أخرى وهي انفصال عجال مركباتهم عن محاورها على ما يُستفاد من النص العبراني (ع 25) فوقفت بالضرورة. ونزولها في الطين على ما يُستفاد من السبعينية والسامرية ففيهما أن «البكَر اشتبك فساقوا المركبات بثقله». والخلاصة أن الرب قاتل المصريين عن الإسرائيليين (ع 25) فهرب بعضهم لكن الهرب كان أصعب عليهم من التقدم ثم طغت اللجة وأغرقتهم فهلكوا.

خَيْلِ فِرْعَوْنَ وَمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ ذكر أن هؤلاء دخلوا البحر ولم يذكر أن المشاة دخلوه. وهنا مسئلة ذات شأن وهي أنه هل دخل فرعون معهم أو بقي مع المشاة المرجح الثاني فإن منفتاح وهو فرعون الخروج على الراجح كان جباناً كثير الحذَر والحرص على حياته على ما أفاد بعض المؤرخين.

24 «وَكَانَ فِي هَزِيعِ ٱلصُّبْحِ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي عَمُودِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ، وَأَزْعَجَ عَسْكَرَ ٱلْمِصْرِيِّينَ».

مزمور 77: 17 إلى 19

هَزِيعِ ٱلصُّبْحِ (الهزيع قسم من الليل) وهزيع الصباح ثُلث الليل الأخير أو ربعه الأخير وعلى كل من القولين هو ما بين الساعة الثانية والسادسة أو الثالثة والسادسة قبل الظهر.

25 «وَخَلَعَ بَكَرَ مَرْكَبَاتِهِمْ حَتَّى سَاقُوهَا بِثَقْلَةٍ. فَقَالَ ٱلْمِصْرِيُّونَ: نَهْرُبُ مِنْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ يُقَاتِلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ عَنْهُمْ».

ع 14

(انظر تفسير ع 23).

26 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ عَلَى ٱلْبَحْرِ لِيَرْجِعَ ٱلْمَاءُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ، عَلَى مَرْكَبَاتِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ».

ع 16

فَقَالَ ٱلرَّبُّ المرجّح أن الرب قال ذلك على أثر نجاة الإسرائيليين.

27 «فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ فَرَجَعَ ٱلْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ ٱلدَّائِمَةِ، وَٱلْمِصْرِيُّونَ هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ. فَدَفَعَ ٱلرَّبُّ ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

يشوع 4: 18 ص 15: 1 و7 وتثنية 11: 4 ونحميا 9: 11 ومزمور 78: 53 وعبرانيين 11: 29

عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ ربما كان ذلك نحو الساعة الخامسة قبل الظهر فأظهر ضوء البحر للمصريين ما كانوا فيه من الخطر فرأوا الأمواج تسرع إليهم من الجانبين وعلى وشك أن تشغل القناة فاجتهدوا في النجاة فذهب اجتهادهم عبثاً فكانت حركتهم بطيئة لما نزل بمركباتهم وكانوا مثقلين بأسلحتهم (فكانت عوناً عليهم لا لهم). وكانت خيلهم لرطوبة الأرض وما عليها من الأثقال بطيئة الجري جداً وكانوا بعيدين عن الشاطئ فما لبثوا أن غمرتهم اللجج (فجلعهم الله غنيمة للحيتان أو جثثاً ميتة تقذف بها الأمواج).

هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ (أي هاربون في جهة تقدم ماء البحر ليدركوا اليبس قبل أن يدركهم الماء).

28 «فَرَجَعَ ٱلْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ ٱلَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي ٱلْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ».

ص 15: 5 ومزمور 106: 11

يتبين من هذه الآية ان المشاة لم يدخلوا البحر.

لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ لم يتمكن أحد من أولئك الكماة من السباحة للنجاة لما عليهم من الأسلحة (ولقوة مصادمة بعض اللجج لبعض) فغرقوا كلهم أجمعون. ولا سبيل لنا هنا إلى الحكم بغرق فرعون إذ لا دلالة عليه في هذا النبإ ولا من قول المرنم (مزمور 78: 53 و106: 11). وبقي هنا أن يُقال:

  • أولاً: أيمكن إن كان فرعون قد غرق أن لا يُذكر غرقه صريحاً ومعظم القصة متعلق به.

  • ثانياً: إن كان فرعون قد غرق أفيمكن أن يسكت كل المؤرخين عن الإنباء بذلك الأمر العظيم.

  • ثالثا: إن كان قد غرق لم يكن ملكه إلا نحو سنتين أو ثلاث سنين (قابل ما في ص 2: 23 بما في ص 4: 19 الخ). ولكن منفتاح ملك على أقل التقادير ثماني سنين.

  • رابعاً: إنه لا يتوقع أن ملكاً عظيماً مثله مع ما عُرف من أمره من فرط التوقي أن يعرّض نفسه لمثل ذلك الخطر العظيم ويؤيد ذلك ما جاء في التواريخ المصرية منقولاً عن منفتاح نفسه إنه كان يحذر الأخطار ويقي نفسه منها. وإنه غزا بلاده جيش كبير من الليبيين وغيرهم من الشمال الغربي في السنة الخامسة من ملكه وحملوا على أمهات المدن وكان الخطر عظيماً. فجمع منفتاح كل جيوشه لكنه لم يرد أن يقودها هو نفسه بدعوى إن فتح وهو أحد آهلة المصريين منعه من أن يترك ممفيس (انظر تاريخ مصر لبرغش مجلد 2 صفحة 119). وكل ما ذُكر إن لم يكن دليلاً قاطعاً فهو يرجح كل الترجيح أن منفتاح بقي مع المشاة على البر.

29 «وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَٱلْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ».

ع 22

(انظر تفسير ع 22).

30 «فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتاً عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ».

مزمور 106: 8 و10 مزمور 58: 10 و59: 10

وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتاً عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ لا ريب في أن هذا المنظر كان شديد التأثير ولنا منه إشارة إلى أن الكاتب كان من المشاهدين.

31 «وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفِعْلَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ بِٱلْمِصْرِيِّينَ. فَخَافَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ وَآمَنُوا بِٱلرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى».

ص 4: 31 و19: 9 ومزمور 106: 12 و يوحنا 2: 11 و11: 45

رَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفِعْلَ ٱلْعَظِيمَ أي إهلاك جنود فرعون المركبية والفرسان في البحر الأحمر. ونجاة الإسرائيليين من أعدائهم ومن الغرق. فأن قلوب الإسرائيليين كانت قد تمزقت حزناً وألماً من جور المصريين وتثقيلهم فكانت قلوب من بقي من المصريين منكسرة بذلك ورضي ملكهم من الغنيمة بالأياب فكان قد خسر نخبة مركباته وخيله ويئس من كل نجاح. وذهب الإسرائيليون مسرعين إلى سيناء ولما بلغوا تلك الأرض أمنوا كل أخطار المصريين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

أغنية موسى

1 «حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هٰذِهِ ٱلتَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ: أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ».

قضاة 5: 1 و2صموئيل 22: 1 ومزمور 106: 12 ع 21

حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ أي حين نجا موسى ومن معه ورأوا هلاك أعدائهم رنم الخ. والشعر الذي ترنموا به من منظوم موسى ولكنه لم يذكر هنا أنه هو الناظم تواضعاً كعادته ويبعد أن يظن الناظم غيره. فإن هذا الشعر يشبه كل الشبه أشعار المصريين الدينية. ومَن من المصريين أحكم الفنون المصرية كموسى فإنه ألِف ذلك منذ الطفولية وسمع الأغاني الدينية المصرية منذ صغره. على أن الكلمات النبوية الأخيرة من الأغنية حملت بعض الناس على القول بأنها كانت بعد يشوع والصحيح أنه أنباء بما سيكون في أيام يشوع أو بعده لا أخبار بما وقع وشوهد كالذي قبلها. وأول هذه الأغنية في العبرانية «أشيره ليهوه جاه جاه» (والجيم هنا كالجيم المصرية) (أي «أرنم للرب فإنه قد تعظم» على ما في الترجمة العربية. والترجمة الحرفية «أغني للرب لأنه سما سموا»).

2 «ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هٰذَا إِلٰهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلٰهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ».

مزمور 18: 2 و59: 17 و62: 6 و18: 14 و140: 7 وإشعياء 12: 2 وحبقوق 3: 18 و19 ص 3: 15 و16 و2صموئيل 22: 47 ومزمور 99: 5 و18: 28 وإشعياء 25: 1

ٱلرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي وفي الأصل العبراني «عزي ونشيدي ياه» (والعز القوة بعد الذل وياه الرب كيهوه). واستعمال ياه بدلاً من يهوه أول ما أُتي هنا من الكتاب المقدس لكنه جاء قبل ذلك مركباً مع غيره كما في لفظة «مورياه» (تكوين 22: 1).

وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي وفي العبرانية «قد كان لي لخلاص» أي قد خلصني من فرعون. وما في هذه الأغنية من القوة والجمال جعل بني إسرائيل يتخذونها نشيد ابتهاج وشكر لله على مراحمه (إشعياء 22: 1).

هٰذَا إِلٰهِي فَأُمَجِّدُهُ وفي العبرانية «وانوهو» فترجمها بعضهم بقوله «فأعد له مسكناً» (لأن معنى «تنوه» بنى) ومن هذا البعض انكيلوس وابن عزرا. وبعضهم ترجمهما «أمجده» ومن هذا البعض جرشي وترجوم أورشليم ويوناثان ومترجمو السبعينية والفلغاتا وأكثر المحدثين وهي الترجمة المناسبة لقوله في الشطر الثاني «فأرفعه» (ولم يزل معنى التمجيد في هذه اللفظة مستعملاً في اللغة العربية ففي كتب اللغة ناه النبات وغيره بنوه ارتفع. ونوهة ونوّه به مدحه وعظمه فتكون ترجمتها الموافقة «هذا هو إلهي فأنوّهه» وهي مثل ما في الترجمة العربية).

إِلٰهُ أَبِي أي سلفي من الآب فصاعداً أو الجد عموماً (قابل بهذا تفسير ص 3: 6).

3 «ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ. ٱلرَّبُّ ٱسْمُهُ».

مزمور 24: 8 ورؤيا 19: 11 2 6: 3 ومزمور 83: 18

ٱلرَّبُّ رَجُلُ ٱلْحَرْبِ وفي النسخة السامرية «الرب قوي في الخرب». وفي السبعينية «الرب محطم (أو كاسر) في الحرب» (فكأن المترجمين اكتفوا بالمعنى لاستهجانهم استعارة الرجل للرب في لغتهم. ولكن ذلك غير مستهجن في العبرانية إذ المقصود المجاز لا الحقيقة. وجاءت استعارت النور والشمس لله في كل اللغات تقريباً وهما دون الإنسان كما لا يخفى على عاقل (انظر تفسير ع 6).

ٱلرَّبُّ ٱسْمُهُ ومفاد هذا الاسم العظيم الذي له كل القدرة والسلطان الواجب الوجود وحده وإن وجود كل العالمين متوقف على وجوده فلا قوة بدون قوته بالضرورة.

4 «مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَجَيْشَهُ أَلْقَاهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ ٱلْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ».

ص 14: 28 ص 14: 7

أَفْضَلُ جُنُودِهِ لأنهم كانوا جنوداً منتخبين (ص 14: 7).

5 «تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي ٱلأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ».

ص 14: 28 نحميا 9: 11

تُغَطِّيهِمُ ٱللُّجَجُ (جاء في بعض التراجم «غطتهم» وما في العربية على وفق الأصل العبراني والمعنى أنهم الآن مغطون بالمياه العامرة) والظاهر إن من أول الأغنية إلى هنا كان يُكرر بدليل ما أتته مريم وصاحباتها (ع 21).

6 «يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِٱلْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ ٱلْعَدُوَّ».

مزمور 118: 15 و16 وإشعياء 63: 12

يَمِينُكَ أي قدرتك (واستعارة اليمين واليد لقدرة الله وردت في كل اللغات المشهورة وهي بعض الرجل فكيف تستهجن استعارة رجل الحرب له (انظر ع 3 وتفسيره). وقد تكررت هذه الاستعارة في الكتاب لكنها أول ما ذُكرت هنا.

تُحَطِّمُ (أي تكسر) يراد بالفعل المضارع هنا الاستمرار أو التجدد الدائم أي تحطم ولا تزال كذلك.

7 «وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سَخَطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَٱلْقَشِّ».

تثنية 33: 26 مزمور 59: 13 إشعياء 5: 24 و47: 14

تَهْدِمُ أي تهلك.

8 «وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ ٱلْمِيَاهُ. ٱنْتَصَبَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْجَارِيَةُ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ ٱللُّجَجُ فِي قَلْبِ ٱلْبَحْرِ».

ص 14: 21 و 2صموئيل 22: 16 وأيوب 4: 9 و2تسالونيكي 2: 8 مزمور 78: 13

بِرِيحِ أَنْفِكَ هي الريح الشرقية المذكورة في (ص 14: 21 قابل هذا بما في مزمور 18: 15) فإن تلك الريح علة انقسام المياه مع الجزر إن صح أنه كان جزر. وكيف كان الأمر فالعلة طبيعية استخدمها الله لمقصده. ويراد بالأنف هنا عزة الله وإنفته من بقاء الأعداء وغضبه عليهم (ويراد به في العربية مثل ما يراد به في العبرانية انظر أيوب 4: 9).

ٱنْتَصَبَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْجَارِيَةُ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ ٱللُّجَجُ أي كأن المجاري انتصبت كتل وكأن اللجج جمدت. وقد ذهب بعضهم إلى أن الكلام حقيقة لا مجاز وإن الأمر كله خارق العادة حتى أنه قال ريح أنف الله حقيقة. ولا يخفي ما في ذلك.

9 «قَالَ ٱلْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً! تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي!».

قضاة 5: 29 و30 تكوين 49: 27 وإشعياء 53: 12

قَالَ ٱلْعَدُوُّ كان عسكر فرعون راغباً في أن يضرب الإسرائيليين كفرعون نفسه. ورغبهم في ذلك ما توقعوه من الغنائم ونهب ما حمله الإسرائيليون من المصريين من الذهب والفضة والمواشي وغير ذلك من المقتنيات (ص 12: 35 و36 و38).

تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي أي تدرك كل ما اشتهت.

10 «نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ ٱلْبَحْرُ. غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ».

ص 14: 21 ومزمور 147: 18 ع 5 وص 14: 28

نَفَخْتَ بِرِيحِكَ هذا إيضاح للنبإ في (ص 14) وهو لم يُذكر قبلاً فإن الريح الشرقية الشديدة (أو الشرقية الجنوبية) دفعت ماء البحيرات المرّة إلى الغرب الشمالي وأرجعتها الريح من الجهة المقابلة فغطت المصريين.

غَاصُوا كَٱلرَّصَاصِ قابل هذا بالآية الخامسة. قال هذا لأنهم غرقوا كأنهم حجارة أو رصاص لا يطفو ويرسب كالمشرف على الغرق وهو ييذل الجهد في النجاة ولعل علة ذلك ثقل أسلحتهم.

11 «مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزّاً فِي ٱلْقَدَاسَةِ، مَخُوفاً بِٱلتَّسَابِيحِ، صَانِعاً عَجَائِبَ؟».

2صموئيل 7: 22 و1ملوك 8: 23 ومزمور 89: 6 وإرميا 10: 6 إشعياء 6: 3 مزمور 77: 14

مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ الخ أي أنت فوق كل الآلهة ولا يماثلك أحد منهم في العزة والقداسة والرهبة والقدرة على صنع المعجزات (انظر ص 7: 5 و14: 4 و18). نظر موسى هنا إلى ثلاث من صفات الله ترفعه على كل الآلهة.

  1. إنه «معتز في القداسة» وهذه العزة من صفات الله ترفعه على كل الآلهة.

  2. إنه «مخوف بالتسابيح» أي إنه رهيب جداً في خلقه حتى الذين يقتربون إليه بالتسابيح والشكر.

  3. إنه «صانع عجائب» بالوسائل الطبيعية وغير الوسائل فأعماله تحمل النفوس على العجب والحيرة فيعجب كل إنسان من قدرته العظمى. وما كانت آلهة الأمم إلا اعداماً أو أرواحاً شريرة فكيف يمكن أن تماثل الله فإنها قاصرة عنه كل القصور في كل شيء من صفات الكمال. فالقداسة لا يملكون منها شيئاً وأما الرهبة فهم منحطون عنها ولا يرهبهم إلا الجاهل المتوهم. وأما العجائب فهم لا يستحقون أن يُذكروا عند ذكرها. وما أحسن قول المرنم «لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ» (مزمور 86: 8).

12 «تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ ٱلأَرْضُ».

ع 6

فَتَبْتَلِعُهُمُ ٱلأَرْضُ الذي ابتلعهم البحر لكنه نسب ذلك إلى الأرض لأنه جزء منها. وهذا يدفع قول المعترضين بمنافاة هذه الآية للآيات الرابعة والخامسة والعاشرة فلو عرف المعترض فنون البلاغة ما اعترض هذا الاعتراض السخيف. وكثير من مشاكل الكتاب متوقف على علم البيان أي علم البلاغة والمصطلحات اللغوية (قلنا إن إسناد الابتلاع إلى الأرض وهو للبحر لأنه جزء من الأرض يعرف بعلم البلاغة بالمجاز المرسل وهو من تسمية الجزء باسم الكل. ومثله كثير في العبرانية والعربية وسائر اللغات السامية وغيرها ومنه دخلت البلد ومسحت بالمنديل فإنك تقول هذا وأنت لم تدخل إلا جزءاً من البلد ولم تمسح إلا بجزء من المنديل).

13 «تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ».

مزمور 77: 20 و78: 52 و80: 1 وإشعياء 63: 12 وإرميا 2: 6 مزمور 78: 54

تُرْشِدُ... ٱلشَّعْبَ... تَهْدِيهِ أخذ الشاعر الملهم هنا ينبئ بما يكون في المستقبل (انظر تفسير ع 1). من عناية الله بالشعب في البرية وهدايته إياه إلى أن أوصله إلى أرض الموعد.

مَسْكَنِ قُدْسِكَ عرف موسى بالوحي إن الله سيختار موضعاً «يضع فيه اسمه» (تثنية 12: 5 و11 و14 و16: 6 و11 الخ).

14 «يَسْمَعُ ٱلشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ ٱلرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ».

عدد 14: 14 ويشوع 2: 10

ٱلشُّعُوبُ كل قبائل فلسطين وأممها وكل سكان البرية من العمالقة والآدوميين والفلسطينيين والمؤابيين والآموريين وغيرهم.

فَيَرْتَعِدُونَ (انظر عدد 12: 3 ويشوع 2: 11 و5: 1 و9: 3 - 15).

سُكَّانَ فِلِسْطِينَ هم الفلسطينيون وباسمهم سُمّيت الأرض المقدسة قديماً ولا تزال تُسمى بذلك في أكثر لغات أوربا الحديثة واسمها في العبرانية «فلَشَه».

15 «حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ ٱلرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ».

تثنية 2: 4 تكوين 36: 40 عدد 22: 3 وحبقوق 3: 7 يشوع 2: 9 و5: 1

أُمَرَاءُ أَدُومَ (قابل هذا بما في تكوين 36: 15). والظاهر أنه بعد نحو ثماني وثلاثين سنة للخروج بُدل الأمراء بالملوك (انظر عدد 20: 41) وانتشرت رهبة الإسرائيليين في الأنحاء. وخرج الأدوميون على موسى بخلق كثير وقوة. وكان ذلك أساس البغض الطويل بين الفريقين (2صموئيل 8: 14 و1ملوك 8: 20 - 22 و2أيام 20: 16 ومزمور 137: 7 الخ).

أَقْوِيَاءُ مُوآبَ كان رعب الموآبيين من الإسرائيليين شديداً (عدد 22: 3 و4) حتى اضطر بالاق أن يسأل بلعام أن يلعنهم.

يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ (الكلام هنا استعارة بالكناية فإن شبّه في نفسه رهبة بني إسرائيل على الكنعانيين بالنار ودل على هذا التشبيه المضمر بإثبات الإذابة للرهبة فإن كانت قلوب الكنعانيين حديداً فهي تذوب من نار رهبة الإسرائيليين. أو شبه خوف سكان كنعان من الإسرائيليين بالنار وتأثير الكنعانيين به بالذوبان الخ. والمعنى أنهم يخافون شديد الخوف حتى لا يبقى فيهم شيء من الشجاعة. وكثرت هذه الاستعارة في اللغات السامية ومن ذلك قول المعري:

Table 6. 

يذيب الرعب منه كل غضبفلولا الغمد يمسكه لسالا    

وكُررت هذه الاستعارة في الكتاب المقدس قالت راحاب للجاسوسين «عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ. سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا» (يشوع 2: 9 و11).

16 «تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَٱلْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي ٱقْتَنَيْتَهُ».

تثنية 2: 25 ويشوع 2: 9 و1صموئيل 25: 37 و2صموئيل 7: 23 ومزمزر 74: 2 وإشعياء 43: 1 و51: 10 وإرميا 31: 11 وتيطس 2: 14 و2بطرس 2: 1

تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلْهَيْبَةُ وَٱلرُّعْبُ (هذا تفسير لقوله «يذوب جميع سكان كنعان» (ع 15) فإن بعض الأدوميين خافوهم إلى حد أن سمحوا لهم أن يدخلوا تخومهم (تثنية 2: 4) وفعل فعلهم الموآبيون (تثنية 2: 29).

17 «تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ. ٱلْمَقْدِسِ ٱلَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ».

مزمور 44: 2 و80: 8 مزمور 78: 54

جَبَلِ مِيرَاثِكَ رأى بعضهم ان هذا الجبل جبل موريّا والمناسب أنه أرض كنعان كلها لكثرة الجبال فيها حتى عُدّ ما فيها من السهل أغواراً في الجبل وليس فيها ما يُذكر من السهول سوى شارون وأسدرالون.

ٱلْمَقْدِسِ أي المكان الذي وضع الله فيه اسمه (انظر تفسير ع 13). وذكر أنه صنعه وهو لم يُصنع بعد تحقيقاً أنه يُصنع لأن ذلك ما قصده الله وقصد الله لا يبطل وقد عرف موسى ذلك بالوحي (انظر تثنية 12: 5 و11 و14 و14: 23 و24 الخ).

18 «ٱلرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ».

مزمور 10: 16 و29: 10

هذه الآية تأكيد لأن الله لا بد من أن يجري مقاصده بقدرته على كل شيء لأن ملكه أبدي وقدرته لا تضعف (والظاهر أنها ختام الأغنية).

19 «فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَرَدَّ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ ٱلْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ».

ص 14: 23 وأمثال 21: 31 ص 14: 28 و29

هذه الآية تابعة للتاريخ وتعليل للتسبيح.

20 «فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ ٱلدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ ٱلنِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ».

قضاة 4: 4 عدد 26: 59 و1صموئيل 10: 5 ومزمور 68: 25 قضاة 11: 34 ومزمور 150: 4

مَرْيَمُ ٱلنَّبِيَّةُ مريم أول النساء الدينيات اللواتي ذُكرن في الكتاب المقدس فإن هؤلاء النساء نساء الدين لم يكن مقصورات على التقوى والعبادة بل كن أيضاً خادمات للدين (انظر قضاة 4: 4 و2ملوك 12: 14 وإشعياء 8: 3 ولوقا 2: 36). وكانت مثلهن الشماسات في العهد الجديد (رومية 16: 1). والظاهر ان النبوءة كانت مما يؤذن به للنساء في مصر ولكنهن حُظرت عليهن الكاهنية إلى عصر بطلميوس.

أُخْتُ هَارُونَ دُعيت أخت هارون لا أخت موسى لأن هارون كان رأس البيت (ص 6: 20 و7: 7). ولا ريب في أن مريم هذه هي أخت موسى التي كانت تراقبه وهو في السفط عل مياه النيل (ص 2: 3 - 8). وتاريخ آخر زمانها في سفر العدد (انظر عدد 12: 1 - 15). قال النبي ميخا أنه كان لها يد في إنقاذ الإسرائيليين (ميخا 6: 4).

بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ (الدفوف جمع دف وهو مثل محيط دائرة يشد عليه الجلد ويُضرب عليه للتطريب) ولا يزال الرجال والنساء في مصر وسورية وغيرها يستعملونه لذلك. وكان من أدوات التطريب في العبادة عند الإسرائيليين ولكنه أول ما ذُكر هنا. وكان من جملة أدوات الطرب المتعددة في عصر داود (2صموئيل 6: 15 و1أيام 23: 5 و25: 1 - 6). واستُنسب للخدمة الدينية في الهيكل منذ بنائه (2أيام 5: 12). وقدسه العهد الجديد بأمره بالترنم بالمزامير وباستعمال الكنيسة المنتصرة إياه على ما مُثل في سفر الرؤيا (رؤيا 5: 8 و14: 2 و3). وبقي استعماله في بعض الكنائس المسيحية ولا يزال إلى هذا اليوم. أما الرقص مع أنه قُدّس لم يأته سوى قليلين من فرق المسيحيين وعلة ذلك مصيره إلى حال دنيئة بين عامة الناس وأوباش الأرض فأنف الأتقياء إتيانه في العبادة لله القدوس.

21 «وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ! ٱلْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي ٱلْبَحْرِ!».

1صموئيل 18: 7 ع 1

وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ أي أجابت الرجال المرنمين هي ومن معها من الصبايا بغناء ورقص مقدّسين.

السفر من البحر الأحمر إلى إيليم ع 22 إلى 27

22 «ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ. فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً».

تكوين 16: 7 و25: 18

ثُمَّ ٱرْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ هذا عود إلى النبإ من (ص 14: 31) فإن الإسرائيليين في سفرهم إلى سيناء أتوا أولاً إلى مارة (ع 23) ثم أتوا إلى إيليم (ع 7) فذكر هنا ذلك بالتفصيل. ولم تتعين النقطة التي ساروا منها من البحر الأحمر والمرجّح أنها كانت قرب السويس. والمرجّح أن «ينابيع موسى» (أو عين موسى) وهي على غاية سبعة أميال من السويس هي المكان الذي استراحوا فيه ونُظمت فيه الأغنية المقدسة. فإن في هذه الأرض كثيراً من الكلإ والبقول والآبار.

بَرِّيَّةِ شُورٍ هي أرض جرداء تمتد من بحيرة سربونيس في الشمال إلى عين حوارى في الجنوب وسُمّيت أيضاً برية أثام (عدد 23: 8). والإسرائيليون لم يسافروا إلا في الجزء الجنوبي. وهنالك البريٍة عراء وفلاة لا ماء فيها تخلو من الكلإ في سوى أول الربيع.

فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ما بين عين موسى وعين حواري نحو 36 ميلاً فإذا كانت حواري هي مارة فيكون معدل سيرهم في اليوم 12 ميلاً وهذا ما يتوقع من مثل ذلك الجيش الكبير ولا داعي له إلى السرعة هنالك.

23 «فَجَاءُوا إِلَى مَارَّةَ. وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنْ مَارَّةَ لأَنَّهُ مُرٌّ. لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا «مَارَّةَ».

عدد 33: 8

لأَنَّهُ مُرٌّ شهد بمرارة الينابيع في تلك الأرض كل من مر بها من المسافرين.

لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا مَارَّةَ أي المرّة.

24 - 26 «24 فَتَذَمَّرَ ٱلشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: مَاذَا نَشْرَبُ؟ 25 فَصَرَخَ إِلَى ٱلرَّبِّ. فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً فَطَرَحَهَا فِي ٱلْمَاءِ فَصَارَ ٱلْمَاءُ عَذْباً. هُنَاكَ وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً وَحُكْماً، وَهُنَاكَ ٱمْتَحَنَهُ. 26 فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ، وَتَصْنَعُ ٱلْحَقَّ فِي عَيْنَيْهِ، وَتَصْغَى إِلَى وَصَايَاهُ وَتَحْفَظُ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ، فَمَرَضاً مَا مِمَّا وَضَعْتُهُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ لاَ أَضَعُ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ شَافِيكَ».

ص 16: 2 و17: 3 ص 14: 10 ومزمور 50: 15 و2ملوك 2: 21 و4: 41 يشوع 24: 25 ص 16: 4 وتثنية 8: 16 وقضاة 2: 22 ومزمور 81: 7 تثنية 7: 12 إلى 15 تثنية 28: 27 و60 ص 23: 25 ومزمور 41: 3 و4 و103: 3 و147: 3

فَأَرَاهُ ٱلرَّبُّ شَجَرَةً من الأشجار ما من خواصه أن يعذب الماء به ولكن لا أثر له اليوم في سيناء. والعرب هناك لا تعرف واسطة لجعل تلك الأرض كان ينبت فيها قديماً أشجار لها تلك الخاصة. ولو لم تكن تلك الشجرة وسيلة إلى جعل المياه المرة عذبة ما أراه إياها الرب. فإن الله يستخدم ما وضعه من الشرائع الطبيعية لقصده وإن لم تقف تلك الشرائع بما قصد فهو صانع العجائب لقدرته على كل شيء.

وَضَعَ لَهُ فَرِيضَةً أي وضع للشعب الخ لا لموسى بخصوصه فإنه علمهم بجعل الماء عذباً إنه إذا آمنوا بوصاياه وأطاعوه شفاهم ووقاهم (ع 26).

27 «ثُمَّ جَاءُوا إِلَى إِيلِيمَ وَهُنَاكَ ٱثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنَ مَاءٍ وَسَبْعُونَ نَخْلَةً. فَنَزَلُوا هُنَاكَ عِنْدَ ٱلْمَاءِ».

عدد 33: 9

إِيلِيمَ تُعرف اليوم أرض إيليم بوادي غرنديل وهي أرض كثيرة المياه والكلإ يكثر فيها القرظ والطرفاء ولم يزل فيها أشجار من النخل. وعدد العيون والنخل لم يبق على ما كان لتقادم الزمان وتغيرات وجه الأرض المعهودة في كل مكان.

فَنَزَلُوا هُنَاكَ ولا ريب في أنهم شغلوا جهات كثيرة من تلك الأرض فنزل القواد في إيليم أي وادي غرنديل وتوزع الباقون في وادي أسيان وأتال وطيبة وغيرهما. وكل تلك الجهات كثيرة بالخصب وافرة المياه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

السفر من إيليم ونزول المنّ

1 «ثُمَّ ٱرْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ. وَأَتَى كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ (ٱلَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ) فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

عدد 33: 10 و11 حزقيال 30: 15

ٱرْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ المرجّح أنهم أقاموا بإيليم أياماً فإنهم بلغوا بريّة سين بعد شهر لخروجهم من مصر ولم ينزلوا في سوى خمس منازل بين بريّة سين ورعمسيس وكان أحد أسفارهم ثلاثة أيام في البريّة (ص 5: 22). فلا ريب في أنهم كانوا يستريحون أياماً في كل منزلة والمرجّح أنهم أقاموا كذلك بعين موسى ومارة وإيليم. وكان قوادهم في هذه المنازل وسائرهم متوزعين في الجهات كما ذُكر آنفاً.

أَتَى كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ لا يمكن أن يجتمع كل بني إسرائيل إلا في أرض واسعة. ومثل هذه الأرض ما تعرف اليوم بالمركاة (el markah) وطولها من الشمال إلى الجنوب عشرون ميلاً وعرضها في أكثر النصف الشمالي ما بين ثلاثة أميال أو أربعة أميال. وكان لا بد لبني إسرائيل في السفر إلى هذه الأرض من قطعهم وادي أسيات (Useit) أو وادي طيبة إلى التخم القريب من رأس «أبي زُنيمة» وأن يظلوا سالكين على ذلك التخم إلى أن يبلغوا بريّة سين. وقد ذكرت هذه الطريق في سفر العدد ففيه «ثُمَّ ٱرْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ وَنَزَلُوا عَلَى بَحْرِ سُوفَ. ثُمَّ ٱرْتَحَلُوا مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَنَزَلُوا فِي بَرِّيَّةِ سِينٍ» (عدد 33: 10 و11).

2 «فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ».

ص 15: 24 ومزمور 106: 25 و1كورنثوس 10: 10

فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا تذمر ثالث الأول كان في فم الحيروث عند ظهور جيش فرعون (ص 14: 11 و12). والثاني في مارة حيث لم يكن الماء صالحاً للشرب (ص 15: 24). والثالث في برية سين. وكان زادهم الذي حملوه من مصر قرب من النفاد وكانوا قد سئموا من عيشهم في البرية وهم بين نزول وارتحال وجبنوا عما توقعوه من الحوادث في مستقبلهم.

3 «وَقَالَ لَهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ ٱللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزاً لِلشَّبَعِ! فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هٰذَا ٱلْقَفْرِ لِتُمِيتَا كُلَّ هٰذَا ٱلْجُمْهُورِ بِٱلْجُوعِ».

مراثي إرميا 4: 9 عدد 11: 4 و5

لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ ٱلرَّبِّ أي ليت الرب أماتنا. ولعلهم أرادوا بذلك أنهم ودوا لو أماتهم الرب بالضربات كما أمات المصريين لاعتقادهم إن الموت دفعة خير لهم من أن يموتوا شيئاً فشيئاً في البريّة (قابل بما في مراثي إرميا 4: 9).

نَأْكُلُ خُبْزاً لِلشَّبَعِ كان الإسرائيليون مع ذلهم في مصر يأكلون ويشبعون وكان طعامهم لحم البهائم البرية والسمك والبقول والأثمار والخبز والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم (عدد 11: 5). وكان من عادة المصريين أن يُشبعوا المسخرين ليحسنوا العمل على ما أفاد هيرودتس المؤرخ وكذا يفعل السادة لعبيدهم. فإن ألم الإسرائيليين في البرية ذكرهم ما كان لهم من اللذة في مصر.

لِتُمِيتَا كُلَّ هٰذَا ٱلْجُمْهُورِ بِٱلْجُوعِ يصعب الحكم بأنهم كانوا مشرفين على الموت جوعاً. نعم إن قطعانهم ومواشيهم كانت تتعب في سير البرية لكن كان أكثرها إن لم نقل كلها حياً (ص 17: 3). وكان عندهم كثير من الخراف بدليل أنهم ذبحوا خراف الفصح بعد بضعة أشهر في سيناء (عدد 9: 1 - 5). ولكن المرجّح أن كثيرين من الإسرائيليين لم يكن لهم شيء من الماشية ولعله ماتت مواشي بعضهم أو لعل كثيرين منهم أكل ما له منها فأراهم ذلك إن في المستقبل أهوالاً وإن كلأ البرية لم يكن كافياً للبهائم في كل جزء منها لتمد نحو مليونين أي ألفي نفس باللحم واللبن فتوقعوا أنه ستنفذ بهائمهم بالنقص على توالي الأيام فيهلكون جوعاً.

4 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هَا أَنَا أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ! فَيَخْرُجُ ٱلشَّعْبُ وَيَلْتَقِطُونَ حَاجَةَ ٱلْيَوْمِ بِيَوْمِهَا. لأَمْتَحِنَهُمْ، أَيَسْلُكُونَ فِي نَامُوسِي أَمْ لاَ؟».

نحميا 9: 15 ومزمور 78: 24 و25 و105: 40 ويوحنا 6: 31 و32 و1كورنثوس 10: 3 أمثال 30: 8 ومتّى 6: 11 ص 15: 25 وتثنية 8: 2 و16

أُمْطِرُ لَكُمْ خُبْزاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ هذا أول ما ذُكر في الكتاب المقدس من الطعام الخارق العادة وهو «خبر السماء». وليس هو مجرد خبز ينزل من الهواء إنما هو طعام أعده لهم رب السماء يوماً فيوماً.

حَاجَةَ ٱلْيَوْمِ بِيَوْمِهَا أي ما يكفي كل رجل وأهل بيته كل يوم على حدته.

لأَمْتَحِنَهُمْ حياة الإنسان امتحان والله يمتحن أكثر مختاريه محبوبية. وكثيراً ما تكون المحن من وسائل التعليم والتهذيب الواجبة أو الفروض التي لا بد منها ولا سيما إن كان المختار ممن يحتاجون إلى كمال الاتضاع والطاعة. فنسل إبراهيم امتُحن بفرض الختان كما امتُحن أبوانا الأولان في الفردوس بالامتناع عن الثمرة المعينة. وعلى هذا امتُحن الإسرائيليون في البرية وفي أرض ميراثهم مراراً كثيرة بفروض متعددة منها فريضة المن. وامتُحن المسيحيون بفرائض كثيرة كالصلاة الجمهورية وغيرها من الصلوات والشركة العامة والأسرار. وكلها ابتلاء للإنسان ليتبين «أيسلك في ناموس الرب أم لا».

5 «وَيَكُونُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمْ يُهَيِّئُونَ مَا يَجِيئُونَ بِهِ فَيَكُونُ ضِعْفَ مَا يَلْتَقِطُونَهُ يَوْماً فَيَوْماً».

ع 22 ولاويين 25: 21

ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أي السابع من يوم إنزال المن أول مرة. على أن اليوم السابع كان يُقدس في بابل قبل زمن الخروج. فإنهم كانوا يقدسون اليوم السابع واليوم الرابع عشر واليوم الحادي والعشرين واليوم الثامن والعشرين من كل شهر على ما أبان سَيس في كتابه المسمى بأخبار الماضي (أخبار الماضي مجلد 7 صفحة 157 - 167). وليس لنا دليل على أنهم كانوا يقسمون السنة إلى أسابيع والأسابيع لم تكن معروفة يومئذ في مصر.

يُهَيِّئُونَ ذُكر أسلوب التهيئة في (عدد 11: 8) فاطلبه هناك.

فَيَكُونُ ضِعْفَ مَا يَلْتَقِطُونَهُ يَوْماً فَيَوْماً ظن بعضهم ذلك وصية والواقع أنه أنباء بما سيقع فكأنه قال لهم وسيكون ما تجمعونه في اليوم السابع ضغفي نفسه أي إن الله يكثره إلى ذلك الحد فيكون مصيره ضعفين بطريق المعجزة (انظر ع 22).

6 «فَقَالَ مُوسَى وَهَارُونُ لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: فِي ٱلْمَسَاءِ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ص 6: 7 وع 12 و13 وعدد 16: 28 إلى 30

فِي ٱلْمَسَاءِ تَعْلَمُونَ الإشارة هنا إلى السلوى التي صعدت وغطت المحلة (انظر ع 12 و13).

7 «وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ لٱسْتِمَاعِهِ تَذَمُّرَكُمْ عَلَى ٱلرَّبِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَاذَا حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْنَا؟».

ع 10 وإشعياء 35: 2 و40: 5 ويوحنا 11: 4 و40 عدد 16: 11

وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ الإشارة هنا إلى المن الذي كان حوالي المحلة (ع 13) لا إلى المظهر الذي ذُكر في الآية العاشرة وسبق مجيء السلوى. ولم يقتصر ظهور مجد الرب على ذلك الصباح بل بقي معهم في كل أسفار البرية (انظر ع 8 - 10 و12).

8 - 10 «8 وَقَالَ مُوسَى: ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱلرَّبَّ يُعْطِيكُمْ فِي ٱلْمَسَاءِ لَحْماً لِتَأْكُلُوا، وَفِي ٱلصَّبَاحِ خُبْزاً لِتَشْبَعُوا، لٱسْتِمَاعِ ٱلرَّبِّ تَذَمُّرَكُمُ ٱلَّذِي تَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَاذَا؟ لَيْسَ عَلَيْنَا تَذَمُّرُكُمْ بَلْ عَلَى ٱلرَّبِّ. 9 وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ٱقْتَرِبُوا إِلَى أَمَامِ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ تَذَمُّرَكُمْ. 10 فَحَدَثَ إِذْ كَانَ هَارُونُ يُكَلِّمُ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمُ ٱلْتَفَتُوا نَحْوَ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَإِذَاؤ مَجْدُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي ٱلسَّحَابِ».

1صموئيل 8: 7 ولوقا 10: 16 ورومية 13: 2 عدد 16: 16 ص 13: 21 وع 7 وعدد 16: 19 و1ملوك 8: 10 و11

مَجْدُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي ٱلسَّحَابِ وفي العبرانية في سحابة ولكن لا ريب في أن تلك السحابة هي عمود السحاب إذ لا سبب إلى العدول عنه إلى غيره. وهذا ما أريد أن يقترب إليه في الآية التاسعة. وكان هذا العمود سبباً كافياً ليمنعهم من التذمر ويطيعوا موسى وهارون.

11 - 13 «11 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 12 سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلْ لَهُمْ: فِي ٱلْعَشِيَّةِ تَأْكُلُونَ لَحْماً، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَشْبَعُونَ خُبْزاً، وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ. 13 فَكَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّ ٱلسَّلْوَى صَعِدَتْ وَغَطَّتِ ٱلْمَحَلَّةَ. وَفِي ٱلصَّبَاحِ كَانَ سَقِيطُ ٱلنَّدَى حَوَالَيِ ٱلْمَحَلَّةِ».

ع 8 ع 6 ع 7 عدد 11: 31 ومزمور 78: 27 و28 و105: 40 عدد 11: 9

فَكَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّ ٱلسَّلْوَى صَعِدَتْ يكثر طير السلوى في المشرق والسلوى من قواطع الطير فإنها تقطع من سورية والعربية في الخريف لتشتي في أواسط إفريقية وترجع أسراباً كبيرة في الربيع. وتصل إلى البحر الأحمر معيية فتقع على الأرض حتى يقدر الإنسان أن يصيدها بيده أو بعصاه. قال ديودورس إن سكان العربية الصخرية ينصبون لها أشراكاً على شاطئ البحر فيمسكون كثيراً منها. ولحم السلوى لذيذ عند أهل الشرق.

سَقِيطُ ٱلنَّدَى الظاهر أنه يريد بذلك أنه كان كثيراً وقريباً.

14 «وَلَمَّا ٱرْتَفَعَ سَقِيطُ ٱلنَّدَى إِذَا عَلَى وَجْهِ ٱلْبَرِّيَّةِ شَيْءٌ دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ. دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ع 4 وعدد 11: 7 وتثنية 8: 3

ٱرْتَفَعَ أي ذاب بحرارة الشمس.

شَيْءٌ دَقِيقٌ مِثْلُ قُشُورٍ. دَقِيقٌ كَٱلْجَلِيدِ وقعت مناقشات كثيرة في حقيقة هذا المن فقد شُوهد مادتان ذهب قوم إلى أن إحداهما هي المن وذهب غيرهم إلى أن الأُخرى هو. وإحدى تلك المادتين تجتمع من الهواء على الأشجار والحجارة والأعشاب وغيرها. وهي في الغالب غليظة لزجة كالعسل وتجتمع في كثير من الأحوال كقشور مستديرة محببة. وهذا ما قاله أرسطوطاليس وبليني وابن سينا وإليان. وسُمي في اليونانية بما معناه العسل الجوي أو العسل الهوائي. وهذا يجمعه العرب ويأكلونه بالخبز الفطير. وهو يجتمع على الأرض كالندى ويذوب متى ارتفعت الشمس لكنه لا يكون كثيراً ولا ينشأ إلا في شهرين من السنة ولا يصلح أن يكون الطعام الضروري للإنسان أي أنه لا يغني الإنسان عن غيره وهو أشبه بالعسل من كل ما سواه من الأطعمة الحلوة. والمادة الأخرى صمغ ينشأ من بعض الأشجار في وقت معين من السنة فهو يكاد يكون مادة صلبة تهز الشجرة فيقع من أوراقها حبوباً بيضاء صغيرة قاسية تضرب الى الصفرة شبهها بعض المحدثين بحبوب الكزبرة (المعروفة عند العرب بالجلجلان). وهذه المادة هي المعروفة عند أهل المشرق بالمن. (وفي التذكرة للانطاكي ما نصه «المن كل طل انعقد بالحرارة في طبقة الهواء وسقط في قوام الشمع كالخشكنجبين والصمغ على القول بأنه طل حتى عد منه البارود ولكنه الآن علم على عسل يسقط عند قلة المطر أبيض ما لم يخالط شيئاً فيتغير به». ولا يخفى ما فيه من مزج الخطإ بالصواب). وهذا أيضاً يختلف عن منّ الكتاب في أنه مقصور على بعض الأشجار والأنجم وفي أنه غير صالح لأن يكون وحده غذاء للإنسان وهو كالمن السابق في قصر المدة فإنه ينشأ في تموز وآب.

ومن الكتاب يشبه في أحد الاعتبارات إحدى المادتين المذكورتين وفي بعضها يشبه الأخرى لكنه يخالف المادتين في أكثر صفاته بدليل ما يأتي:

  1. إنه كان صالحاً وحده لغذاء الإنسان فإن بني إسرائيل اتخذوه طعاماً نحو أربعين سنة.

  2. إنه كان ينشأ كثير المقادير بخلاف المن الطبيعي.

  3. إنه كان لا ينقطع في وقت من أوقات السنة.

  4. إنه كان ينشأ كل ستة أيام ولا ينشأ في السابع مدة أربعين سنة.

  5. إنه كان ينتن ويصير فيه دود إذا بات عندهم غير ليلة السبت ولكنه كان يبيت ليلة السبت ولا يلحقه شيء من ذلك فينتج إن منّ الكتاب كان ينشأ بمعجزة.

15 «فَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ؟ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: هُوَ ٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي أَعْطَاكُمُ ٱلرَّبُّ لِتَأْكُلُوا».

ع 31 يوحنا 6: 31 و49 و58 و1كورنثوس 10: 3

مَنْ هُوَ أي ما هو (وما في المتن هو اللفظ في الأصل العبراني. والظاهر أنه سمي منها من أداة الاستفهام المذكورة هنا).

هُوَ ٱلْخُبْزُ أي الموعود به (انظر ع 4).

16 «هٰذَا هُوَ ٱلشَّيْءُ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ. اِلْتَقِطُوا مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ. عُمِراً لِلرَّأْسِ عَلَى عَدَدِ نُفُوسِكُمْ تَأْخُذُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لِلَّذِينَ فِي خَيْمَتِهِ».

ع 36

كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ أي يجمع كل واحد القدر الذي يحتاج إليه وهو وكل واحد من أهل بيته (قابل هذا بما في ص 12: 4).

عُمِراً العُمر مكيال للحبوب يعدل عُشر الإيفة أو 7 على 60 من الكيلة السلطانية ووزن ملء الكيلة السلطانية من الحنطة نحو سبعة أرطال بيروتية. فإذا حسبنا نفوس الإسرائيليين يومئذ مليونين كان مبلغ ما يجمع من المن في اليوم يزيد على ملء 233333 كيلة سلطانية.

17 «فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هٰكَذَا، وَٱلْتَقَطُوا بَيْنَ مُكْثِرٍ وَمُقَلِّلٍ».

بَيْنَ مُكْثِرٍ وَمُقَلِّلٍ لأنه جمع على التقدير ظناً.

18 «وَلَمَّا كَالُوا بِٱلْعُمِرِ لَمْ يُفْضِلِ ٱلْمُكْثِرُ وَٱلْمُقَلِّلُ لَمْ يُنْقِصْ. كَانُوا قَدِ ٱلْتَقَطُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ».

2كورنثوس 8: 15

وَلَمَّا كَالُوا بِٱلْعُمِرِ الخ كانوا يجمعون ما يظنونه المقدار المعيّن فأكثر بعضهم وأقل الآخر فجاء المجموع عند الكيل على القدر المطلوب وذلك دليل على أن الحادث كله معجزة.

19 «وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: لاَ يُبْقِ أَحَدٌ مِنْهُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ».

لوقا 11: 3

لاَ يُبْقِ أَحَدٌ مِنْهُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ ما أمرهم موسى بهذا إلا لأن الله أمره به والغاية من ذلك أن يتكل الإسرائيليون على الله لا على أنفسهم ويثقوا بأنه يعطيهم طعامهم يوماً فيوماً ليعتادوا التوكل عليه.

20 «لٰكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى، بَلْ أَبْقَى مِنْهُ أُنَاسٌ إِلَى ٱلصَّبَاحِ، فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ. فَسَخَطَ عَلَيْهِمْ مُوسَى».

فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَأَنْتَنَ لكن الذي كان يحفظ إلى السبت «لم ينتن ولا صار فيه دود» (ع 24). وهذا يدل أن ذلك التغيير أو الفساد كان قصاصاً للإسرائيليين على طريق الإعجاز لا أمراً طبيعياً.

21 «وَكَانُوا يَلْتَقِطُونَهُ صَبَاحاً فَصَبَاحاً كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أَكْلِهِ. وَإِذَا حَمِيَتِ ٱلشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ».

كَانَ يَذُوبُ (بحرارة الشمس فهو يشبه العسل في ذلك).

22 «ثُمَّ كَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمُ ٱلْتَقَطُوا خُبْزاً مُضَاعَفاً، عُمِرَيْنِ لِلْوَاحِدِ. فَجَاءَ كُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجَمَاعَةِ وَأَخْبَرُوا مُوسَى».

ع 5

ثُمَّ كَانَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ أَنَّهُمُ ٱلْتَقَطُوا خُبْزاً مُضَاعَفاً (انظر الفرق الخامس في تفسير ع 14 وانظر تفسير ع 5).

فَجَاءَ كُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجَمَاعَةِ وَأَخْبَرُوا مُوسَى أخذتهم الحيرة والعجب فجاءوا إلى موسى ليوضح لهم العلة. فالظاهر أن موسى لم يكن قد أخبرهم بأمر الله بذلك أو إنه أخبرهم ولم يفهموا.

23 «فَقَالَ لَهُمْ: هٰذَا مَا قَالَ ٱلرَّبُّ. غَداً عُطْلَةٌ، سَبْتٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. ٱخْبِزُوا مَا تَخْبِزُونَ وَٱطْبُخُوا مَا تَطْبُخُونَ. وَكُلُّ مَا فَضَلَ ضَعُوهُ عِنْدَكُمْ لِيُحْفَظَ إِلَى ٱلْغَدِ».

تكوين 2: 3 وص 20: 8 و31: 15 و25: 3 ولاويين 23: 3

غَداً عُطْلَةٌ، سَبْتٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ تنكير العطلة هنا حمل بعض المفسرين على القول بأن تقديس السبت كان حينئذ وصية جديدة. وإن كان مما أتاه بيت إبراهيم قبلاً (تكوين 2: 2 و3) لأن الإسرائيليين لم يستطيعوا أيام مذلتهم في مصر وتسخيرهم أن يستمروا على تقديسه.

ٱخْبِزُوا مَا تَخْبِزُونَ وَٱطْبُخُوا مَا تَطْبُخُونَ هذا فرق عظيم بين المن الطبيعي والمن السماوي فإن الطبيعي لا يُخبز ولا يُطبخ.

24 «فَوَضَعُوهُ إِلَى ٱلْغَدِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى، فَلَمْ يُنْتِنْ وَلاَ صَارَ فِيهِ دُودٌ».

ع 20

(انظر تفسير ع 22).

25، 26 «25 فَقَالَ مُوسَى: كُلُوهُ ٱلْيَوْمَ، لأَنَّ لِلرَّبِّ ٱلْيَوْمَ سَبْتاً. ٱلْيَوْمَ لاَ تَجِدُونَهُ فِي ٱلْحَقْلِ. 26 سِتَّةَ أَيَّامٍ تَلْتَقِطُونَهُ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ. لاَ يُوجَدُ فِيهِ».

ص 20: 9 و10

لأَنَّ لِلرَّبِّ ٱلْيَوْمَ سَبْتاً الخ (فهو ليس لكم) وهذا يدل على أن تقديس السبت صار فرضاً على الإسرائيليين سواء كان واجباً قبلاً أم لم يكن كذلك. ولتقديس السبت أسباب:

  1. إن معنى اسمه راحة.

  2. إن الله استراح فيه من إعطاء المن.

  3. إن انقطاع المن في السبت كان حثاً للشعب على تقديسه. وكان هذا كله تمهيداً للوصية الرابعة من وصايا الله التي كتبها بإصبعه على لوحي الحجارة.

27، 28 «27 وَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ أَنَّ بَعْضَ ٱلشَّعْبِ خَرَجُوا لِيَلْتَقِطُوا فَلَمْ يَجِدُوا. 28 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: إِلَى مَتَى تَأْبَوْنَ أَنْ تَحْفَظُوا وَصَايَايَ وَشَرَائِعِي؟».

2ملوك 17: 14 ومزمور 78: 10 و22 و106: 13

إِلَى مَتَى تَأْبَوْنَ أَنْ تَحْفَظُوا وَصَايَايَ كان الشعب عرضة لمخالفة الأوامر المتعلقة بالمن فإنهم خالفوا أحدها على ما مر في الآية العشرين. وثم خالفوا أمراً آخر هنا لكنهم لم يجدوا ما يجمعوه فكان ذلك توبيخاً لهم وردعاً عن المعصية. فأغاظوا الله وأوجبوا عقابه على أنفسهم «أَمَّا هُوَ فَرَؤُوفٌ يَغْفِرُ ٱلإِثْمَ وَلاَ يُهْلِكُ، وَكَثِيراً مَا رَدَّ غَضَبَهُ وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ» (مزمور 78: 38). وهذه المخالفة تدل على أن بني إسرائيل كانوا غير معتادين حفظ السبت في مصر وإن الوصية كانت جديدة بالنسبة إلى أحوالهم.

29، 30 «29 اُنْظُرُوا! إِنَّ ٱلرَّبَّ أَعْطَاكُمُ ٱلسَّبْتَ. لِذٰلِكَ هُوَ يُعْطِيكُمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّادِسِ خُبْزَ يَوْمَيْنِ. ٱجْلِسُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ. لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ مَكَانِهِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. 30 فَٱسْتَرَاحَ ٱلشَّعْبُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ».

ٱجْلِسُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ بعض اليهود فهم الأمر على ظاهره فكان إذا صار السبت بقي في المكان الذي هو فيه لا ينتقل منه إلى أن يمضي السبت كله. والصحيح إن المقصود من هذا الأمر أن لا يتركوا منزلهم ويذهبوا لجمع المن. وكان لهم أن يمشوا في المنزل أو المخيم من منزله إلى الطرف في يوم السبت ومن هذا سمي ما يجوز للإسرائيلي أن يمشيه في يوم الرب بسفر السبت (أعمال 1: 12). وهو مسافة نحو خمس غلوات أو ألف وست مئة وخمس وعشرين ذراعاً. وجاء في التقليد اليهودي أن المسافة بُعد ما بين مركز المخيم وأقصاه (فيكون قطر المخيم ثلاثة آلاف ومئتين وخمسين ذراعاً).

31 «وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ ٱسْمَهُ «مَنّاً». وَهُوَ كَبِزْرِ ٱلْكُزْبَرَةِ، أَبْيَضُ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ» .

عدد 11: 7 و8

مَنّاً (انظر تفسير ع 15).

كَبِزْرِ ٱلْكُزْبَرَةِ ذُكر قبلاً أنه كان كالصقيع أو الجليد (ع 14). وذُكر هنا وفي سفر العدد أنه كبزر الكزبرة (عدد 11: 7). فالوصف الأول لهيئته وهو على الأرض والثاني لهيئته بعد جمعه. وبزر الكزبرة (ويسمى بالجلجلان) حب صغير مستدير أبيض يضرب إلى الصفرة. وزيد في سفر العدد أن منظره كمنظر المُقل. والمُقل مادة صمغية إلى البياض.

طَعْمُهُ كَرِقَاقٍ بِعَسَلٍ وفي سفر العدد «كطعم قطائف بزيت». وكان رقاق العسل عند المصريين واليونانيين يُصنع من نقي دقيق الحنطة والزيت والعسل. وعلى ما تقاليد اليهود وأيّده سفر الحكمة «إن المن كان مخلتف الطعم وكان طعمه لكل واحد كما يشتهي».

32 «وَقَالَ مُوسَى: هٰذَا هُوَ ٱلشَّيْءُ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ. مِلْءُ ٱلْعُمِرِ مِنْهُ يَكُونُ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ. لِيَرَوْا ٱلْخُبْزَ ٱلَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ حِينَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

وَقَالَ مُوسَى... مِلْءُ ٱلْعُمِرِ هذا الكلام يتعلق بما بعد هذا التاريخ من نبإ الخروج لأنه يقتضي أن الخيمة كانت قد نُصبت (ع 34) وذُكرت هنا لعلاقتها بالمن الذي هو الموضوع ولأن موسى أراد أن يستوفي نبأ المن هنا. وفي هذا أمران (1) حفظ المن ذكراً دائماً (ع 32 - 34) و(2) الدليل على أنه يبقى ينزل عليهم كل يوم إلى أن يبلغوا أرض كنعان. قال بعضم «الظاهر أن هذه العبارة مزيدة على الكتاب الأصلي ولكنها لا تشتمل على ما لم يكتبه موسى» (ولا يقتضي لهذا القول لأن الخيمة كانت في عصر موسى ولم تقم بيّنه على أن موسى كان يكتب كل حادثة عند وقوعها ومن العجب إن بعض المفسرين يسرع إلى مثل هذه الأقوال ونسبة بعض الأقوال التي تظهر بعد نظر قليل أنها حق إلى غلط النساخ).

33، 34 «33 وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: خُذْ قِسْطاً وَاحِداً وَٱجْعَلْ فِيهِ مِلْءَ ٱلْعُمِرِ مَنّاً وَضَعْهُ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ. 34 كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَضَعَهُ هَارُونُ أَمَامَ ٱلشَّهَادَةِ لِلْحِفْظِ».

عبرانيين 9: 4 ص 25: 16 و21 و40: 20 وعدد 17: 10 وتثنية 10: 5 و1ملوك 8: 9

أَمَامَ ٱلرَّبِّ (ع 33). وفي الآية التالية «وضعه هارون أمام الشهادة» وأراد بالشهادة لوحي الوصايا. وكان في التابوت تابوت العهد على ما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين ثلاثة أشياء «قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ ٱلْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ ٱلَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا ٱلْعَهْدِ» (عبرانيين 9: 4). ولعل ذخر ذلك المن في ذلك الموضع المقدس عُد رمزاً إلى «الخبز الحقيقي من السماء» (يوحنا 6: 32).

35 «وَأَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا ٱلْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ».

عدد 33: 38 وتثنية 8: 2 و3 ونحميا 9: 20 و21 يشوع 5: 12

أَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً هذا لا يستلزم أنه انقطع بعد ذلك فإنه بقي إلى أن قطعوا الأردن بقيادة يشوع ووصلوا أرض كنعان (يشوع 5: 10 - 12).

36 «وَأَمَّا ٱلْعُمِرُ فَهُوَ عُشْرُ ٱلإِيفَةِ».

العمر والإيفة من مكاييل المصريين وظلوا يستعملون الإيفة إلى زمان السبي (حزقيال ص 45 و46) وعدلوا عن استعمال العُمر منذ أمد بعيد (وقد تقدّم الكلام على مقدار العُمر والإيفة في تفسير ع 16 فارجع إليه).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

تذمر بني إسرائيل في رفيديم ومحاربة عماليق

1 « ثُمَّ ٱرْتَحَلَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ بِحَسَبِ مَرَاحِلِهِمْ عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ ٱلرَّبِّ، وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِيَشْرَبَ ٱلشَّعْبُ».

ص 16: 1 وعدد 33: 12 و14

ٱرْتَحَلَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ لم يتحقق الطريق التي ساروا فيها والمرجّح أنهم ساروا في الأرض المعروفة بأرض المركاة لسعتها وبلغوا منها الجبل عند وادي فيران.

رَفِيدِيمَ (أي راحات) الأرجح أنها كانت في وادي فيران فإن معنى اسمها يوافقه لأنه كثير المياه والمراعي وإن ذلك الوادي يناسب سير الإسرائيليين لسعته. وهنالك موضع يسمى حصى الخطاطين فيه صخرة يزعم العرب إلى هذا العهد أنها الصخرة التي منها أخرج موسى الماء. وظن بعضهم إن جبل الطاحونة هو الجبل الذي وقف عليه موسى لمشاهدة القتال. وفي ذلك الجبل كثير من الآثار التي تدل على وفرة اعتبار القدماء إياه. وبلغوا رفيديم بعد مراحل بدليل قوله «ارتحلوا من برية سين بحسب مراحلهم» وكانت هذه المراحل ثلاثة الأولى من برية سين إلى دفقة. والثانية من دفقة إلى الوش. والثالثة من الوش إلى رفيديم (عدد 33: 12 و13). وهذا يوافق السفر في المركاة لأن طول تلك الطريق نحو خمسين ميلاً فيكون معدل كل مرحلة نحو سبعة عشر ميلاً (انظر تفسير ص 15: 22).

وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ إن وادي فيران مشهور بكثرة المياه والجداول ولكن قد تجف ينابيعه ومجاريه في بعض الأحيان. قيل إن غرول وجده خالياً من الماء في آذار سنة 1858.

2 «فَخَاصَمَ ٱلشَّعْبُ مُوسَى وَقَالُوا: أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ! فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ ٱلرَّبَّ؟».

عدد 20: 3 و4 تثنية 6: 16 ومزمور 78: 18 و41 وإشعياء 7: 12 ومتّى 4: 7 و1كورنثوس 10: 9

فَخَاصَمَ ٱلشَّعْبُ مُوسَى كان الماء قليلاً في طريق الإسرائيليين من سين إلى وادي فيران وكان ما حملوه من الماء من إيليم قد نفد فكانوا يتوقعون أن يرووا من مياه رفيديم فحمي غضبهم لشدة ظمإهم وخيبتهم وتوقعهم هلاك أنفسهم ومواشيهم (ع 3). فلا ننتظر في مثل تلك الحال أن يسكت الإسرائيليين عن تعنيف موسى ما لم يكونوا على غاية من قوة الإيمان ونعمة الصبر.

أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ (أول الآية تدل على أنهم خاطبوا موسى وهنا الكلام صريح بأنهم يخاطبون جماعة فالظاهر أنهم خاطبوا موسى معتبرين معه الرؤساء). وهذا الطلب ليس بطلب الإيمان بل طلب الغيظ واليأس لأنهم كانوا يعتقدون أن موسى عاجز عن أن يعطيهم الماء في أرض لا ماء فيها بدليل أنهم كادوا يرجمونه (ع 4). وهل من دليل على الغيظ واليأس أوضح من هذا.

3 «وَعَطِشَ هُنَاكَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْمَاءِ، وَتَذَمَّرَ ٱلشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: لِمَاذَا أَصْعَدْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمَوَاشِيَنَا بِٱلْعَطَشِ؟».

ص 16: 2

لِتُمِيتَنَا لا غلوّ في هذا الكلام فإن العطش يميت كالجوع وهو أسرع من الجوع إماتة فإن جيوشاً ماتت من العطش على ما روى هيرودوتس فلو لم يحصل الإسرائيليون على الماء سريعاً لماتوا هم وكل بهائمهم.

4 «فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ: مَاذَا أَفْعَلُ بِهٰذَا ٱلشَّعْبِ؟ بَعْدَ قَلِيلٍ يَرْجُمُونَنِي!».

ص 14: 15 و1صموئيل 30: 6 ويوحنا 8: 59 و10: 31

بَعْدَ قَلِيلٍ يَرْجُمُونَنِي ذُكر الرجم وبعض ما يتعلق به في تفسير (ص 8: 26).

5 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُرَّ قُدَّامَ ٱلشَّعْبِ وَخُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَ ٱلَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا ٱلنَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَٱذْهَبْ».

ص 7: 20 وعدد 20: 8

مُرَّ قُدَّامَ ٱلشَّعْبِ الظاهر أن الشعب كان معيياً من السير لأنهم كانوا مشاة أما موسى والشيوخ فكانوا أقوى من الشعب لأنهم سافروا ركوباً على الحمير على ما يرجح فاستطاعوا أن يسبقوا الشعب إلى المكان المعين.

خُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ ليكونوا شهوداً فإن المعجزة من أحسن مقويّات الإيمان.

6 «هَا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى ٱلصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ ٱلصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ ٱلشَّعْبُ. فَفَعَلَ مُوسَى هٰكَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ».

عدد 20: 10 و11 ومزمور 78: 15 و20 و105: 41 و114: 8 و1كورنثوس 10: 4

ٱلصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ لا ريب في أن تلك الصخرة كانت معهودة لموسى مدة إقامته السابقة بتلك الأرض وليست هي ما تُعرف بصخرة موسى في سهل اللجا تحت رأس الصفصافة فإنها بعيدة سفر يوم عن رفيديم.

7 «وَدَعَا ٱسْمَ ٱلْمَوْضِعِ «مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ» مِنْ أَجْلِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ أَجْلِ تَجْرِبَتِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: أَفِي وَسَطِنَا ٱلرَّبُّ أَمْ لاَ؟».

عدد 20: 13 ومزمور 81: 7 و95: 8 وعبرانيين 3: 8

مَسَّةَ معنى هذا الاسم تجربة وتُرجم بذلك في سفر التثنية (تثنية 6: 34 و7: 19 و29: 3) وفي سفر أيوب (أيوب 9: 23).

مَرِيبَةَ أي مخاصمة. وفي الكتاب ذكر مكان آخر سمي بهذا الاسم وأخرج فيه موسى الماء من الصخرة بمعجزة (عدد 20: 13). وأُشير إليه في سفر التثنية والمزامير (تثنية 33: 8 ومزمور 81: 7). ومُيّز عن مريبة المذكورة بإضافته إلى قادش (تثنية 32: 51).

8 «وَأَتَى عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ».

تكوين 36: 12 وعدد 24: 20 وتثنية 25: 17 و1صموئيل 15: 2

أَتَى عَمَالِيقُ ذكر العمالقة في سفر التكوين بما يدل أنهم أمة (تكوين 14: 7). وسموا بالعمالقة نسبة إلى عماليق حفيد عيسو (تكوين 36: 12 و16). والظاهر أنهم عظموا وكثروا في شبه جزيرة سيناء. قال بلعام أنهم «أول الشعوب» (عدد 24: 20). وكان العمالقة من القبائل المعادية للمصريين وكثيراً ما حاربوهم على التخم الشمالي الشرقي. وكانوا يقاومون الإسرائيليين على مرور الأوقات (ع 16). وعلة ذلك أنهم كانوا يرون أن تلك الأرض ملكهم وأنها أحسن أقسام البلاد لكثرة ما فيها من المراعي الخريفية والصيفية. ولم يظنوا الإسرائيليين أتوا ليقيموا وقتاً قصيراً في تلك الأرض بل حسبوهم غزاة مغتصبين فأتوا وقتلوا كثيرين منهم «لاقوهم في الطريق وقطعوا من مؤخرهم كل المستضعفين وراءهم وهم كليلون ومتعبون» (تثنية 25: 17 و18). وكانوا قد عزموا أن يحاربوهم في الغد فأخذ موسى يستعد لمحاربتهم.

9 «فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: ٱنْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً وَٱخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ. وَغَداً أَقِفُ أَنَا عَلَى رَأْسِ ٱلتَّلَّةِ وَعَصَا ٱللّٰهِ فِي يَدِي».

ص 4: 20

فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ هذه أول المرار لذكر يشوع. وكان يشوع من سبط أفرايم ابن رجل اسمه نون وكان العاشر من يوسف (انظر تفسير ص 6: 16). وكان في نحو سن الخامسة والأربعين. والمرجّح أنه كان من أبطال القواد. وكان اسمه في أول الأمر هوشع وكان فألاً حسناً لأن معناه مخلص ثم غيّر موسى اسمه فدعاه يشوع (عدد 13: 16). وقد ظهر لنا أنه كان تابعاً وخادماً لموسى (ص 14: 13 و32: 17 و33: 11) ورافقه إلى رأس جبل سيناء وساعده على صنع الخيمة واغتاظ لغيظه (عدد 14: 6 - 9). وكان رفيق كالب في تجسس أرض كنعان ومن هذا وغيره كان خليفة لموسى (عدد 27: 18 - 23).

ٱنْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً كان الإسرائيليون بلا نظام عسكري ولا تُحكم الأعمال بلا نظام. فرأى موسى أن يُعيّن رجال منتخبون لدفع الأعداء وأصاب وأمر يشوع بذلك فأجاب (ع 10).

أَقِفُ أَنَا عَلَى رَأْسِ ٱلتَّلَّةِ هي تل معيّن معهود كما يفيد النص.

10 «فَفَعَلَ يَشُوعُ كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى لِيُحَارِبَ عَمَالِيقَ. وَأَمَّا مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ فَصَعِدُوا عَلَى رَأْسِ ٱلتَّلَّة».

ص 24: 14 و1أيام 2: 19

أَمَّا مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ فَصَعِدُوا كان موسى يومئذ في سن الثمانين (ص 7: 7) وهارون في سن الثالثة والثمانين. وحور هو جد بصلئيل (ص 31: 2). ولم يكن أهلاً للحرب لكنهم كانوا أهلاً للصلاة فانفردوا عن الجماعة وأخذوا في الصلاة. وكان حور على ما في تقاليد اليهود زوج مريم أخت هارون. و كان من نسل يهوذا (1أيام 2: 3 - 20). تركه موسى مع هارون حين صعد إلى سيناء (ص 24: 14).

11 «وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُ، وَإِذَا خَفَضَ يَدَهُ أَنَّ عَمَالِيقَ يَغْلِبُ».

إشعياء 35: 3 وعبرانيين 12: 12

وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُ الله أراد أن يبيّن للإسرائيليين قوة الصلاة فجعل أحوال الحرب تتغيَّر بتغيُّر وضع يد موسى.

12، 13 «12 فَلَمَّا صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ، أَخَذَا حَجَراً وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَدَعَمَ هَارُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، ٱلْوَاحِدُ مِنْ هُنَا وَٱلآخَرُ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ إِلَى غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ. 13 فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ».

صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ الخ كتب موسى هنا نبأ ما كان يشعر به هنالك فإنه تعبت يداه من طول الوقت الذي مر عليهما وهما مرفوعتان إلى السماء. وهذه العبارة لا يكتبها إلا المختبر وهي قليل من كثير مما يدل على أن موسى هو كاتب هذا السفر (راجع الفصل الخامس من المقدمة).

14 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱكْتُبْ هٰذَا تِذْكَاراً فِي ٱلْكِتَابِ وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ ٱلسَّمَاءِ».

ص 34: 27 ص 12: 14 عدد 24: 20 وتثنية 25: 19 و1صموئيل 15: 3 و7 و30: 1 و17 و2صموئيل 8: 12

ٱكْتُبْ هٰذَا تِذْكَاراً فِي ٱلْكِتَابِ أي الكتاب المعهود. وهذا يدل على أنه كان لشعب الله كتاب قبل موسى كان موسى يكتب فيه بعض الأمور ويقتبس منه (انظر تكوين 5: 1 وعدد 21: 14). وقد أيّد ذلك حديثاً المكتشفات من العاديات المصرية. والظاهر أن أول ما كُتب في ذلك الكتاب كان من أول ما أخذ الله يخاطب البشر. والمرجّح أن هذا الكتاب أساس ما كتبه موسى في الأسفار الخمسة من أمور الخليقة وأنساب آدم وغير ذلك مما كان قبله.

أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ هذا نبوءة أتمها الله بأيدي بني إسرائيل (تثنية 25: 19). وأنجز بعضها شاول وداود (1صموئيل 14: 48 و15: 7 و30: 17 و2صموئيل 8: 12). وبلغت تمامها في عصر حزقيال (1أيام 4: 32) وكانت خطية عماليق أنهم بعد كل ما رأوا من الآيات والعجائب الدالة على أن إسرائيل شعب الله أغاظوا الله بمحاربتهم إياه (تثنية 25: 18).

15 «فَبَنَى مُوسَى مَذْبَحاً وَدَعَا ٱسْمَهُ «يَهْوَهْ نِسِّي».

فَبَنَى مُوسَى مَذْبَحاً بناه لأمرين الأول تقديم ذبائح الشكر لله على نصره إسرائيل والثاني ليبقى ذكراً لمراحم الله وذلك النصر.

وَدَعَا ٱسْمَهُ يَهْوَهْ نِسِّي سمى يعقوب المذبح الذي بناه «إيل إله إسرائيل» (تكوين 33: 20) ولم نقف على اسم مذبح مخصوص لغير هذين. ومعنى «يهوه نسي» الرب عَلمي (أو بيرقي أو رايتي أو لوائي). وهذا يذكر كل من يشاهده أن الرب نصر الذين يعبدونه. ولا يظهر أن في هذا إشارة إلى «عصا الله» (ع 9) باعتبار أنها كانت العَلم الذي حارب إسرائيل تحته. فالعَلم (أو اللواء الخ) أُريد به يهوه نفسه الذي حارب إسرائيل تحت وقايته ونصره أي حارب بعنايته وغلب.

16 «وَقَالَ: إِنَّ ٱلْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ».

إِنَّ ٱلْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلرَّبِّ أي إن يد عماليق وضعت على عرش الله أي أنهم حاربوا الله بمحاربتهم شعبه ولذلك كان للرب حرب معهم.

لِلرَّبِّ حَرْبٌ أي إن الرب نفسه يحاربهم بقوته التي يهبها لإسرائيل إلى أن يفنيهم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

زيارة يثرون

1 « فَسَمِعَ يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ، حَمُو مُوسَى، كُلَّ مَا صَنَعَ ٱللّٰهُ إِلَى مُوسَى وَإِلَى إِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ: أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ».

ص 2: 16 و3: 1 مزمور 44: 1 و77: 14 و15 و78: 4 و105: 5 و43 و106: 2 و8

يَثْرُونُ كَاهِنُ مِدْيَانَ، حَمُو مُوسَى ذُكرت علاقة يثرون بموسى في تفسير (ص 3: 1) وكهنوت رعوئيل الذي ورثه عن يثرون في تفسير (ص 2: 16).

أَنَّ ٱلرَّبَّ أَخْرَجَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ سمع يثرون هذا النبأ فكان علة مسيره إلى موسى.

2 «فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى صَفُّورَةَ ٱمْرَأَةَ مُوسَى بَعْدَ صَرْفِهَا».

ص 4: 26

بَعْدَ صَرْفِهَا لم يُذكر نبأ صرفها قبلاً ولكنه مما يناسب القصة ومما تقتضيه فإن صفورة لم تُذكر من الأصحاح الرابع إلى هنا (ص 4: 26). فإن موسى كان قد أرسل صفورة إلى أهلها إما لغيظه منها مما ذُكر في (ص 4: 24 - 26) وإما لأنه رأى أنه بأخذه إياها مع الأولاد يعرضها لخطر عظيم من الأخطار التي كانت عليه في مصر. وكان مبتهجاً حينئذ برجوع امرأته وأولاده إليه.

3 «وَٱبْنَيْهَا، ٱللَّذَيْنِ ٱسْمُ أَحَدِهِمَا جَرْشُومُ (لأَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ نَزِيلاً فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ)».

ص 4: 20 وأعمال 7: 29 ص 2: 22

جَرْشُومُ (انظر تفسير ص 2: 22).

4 «وَٱسْمُ ٱلآخَرِ أَلِيعَازَرُ (لأَنَّهُ قَالَ: إِلٰهُ أَبِي كَانَ عَوْنِي وَأَنْقَذَنِي مِنْ سَيْفِ فِرْعَوْنَ)».

أَلِيعَازَرُ المظنون أنه هو الولد الذي ختنته صفورة في البرية (ص 4: 25). وكان قد كبر وصار له ابناً سماه رحبيا (1أيام 23: 17). وكان نسله كثيراً في أيام داود (1أيام 23: 17 و26: 25 و26). ولم يتحقق أن موسى سماه بذلك قبل انطلاقه عنه إشارة إلى أنه نجا من فرعون الذي كان يبتغي قتله (ص 2: 15) أو بعد مشاهدته إياه لأن الله خلصه في البحر الأحمر من جيش المصريين الذي أغرقهم الله فيه.

5 «وَأَتَى يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى وَٱبْنَاهُ وَٱمْرَأَتُهُ إِلَى مُوسَى إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ كَانَ نَازِلاً عِنْدَ جَبَلِ ٱللّٰهِ».

ص 3: 1 و12

حَيْثُ كَانَ نَازِلاً عِنْدَ جَبَلِ ٱللّٰهِ لا يبعد أن يكون المقصود بجبل الله هنا كل أرض سيناء الجبلية أي سلسلة جبال سينا كما كان المقصود بالبرية كل القفر بين مصر وفلسطين. ولعل ما ذُكر في (ص 18: 1 و2) كان قبل وصول يثرون وإن ذُكر بعد وصوله. ويجب هنا ان نذكر ترجيح أن سفر التكوين كتبه موسى قطعاً متفرقة ثم رتبه. والمرجّح أن هذا الأصحاح كُتب على حدته.

6 «فَقَالَ لِمُوسَى: أَنَا حَمُوكَ يَثْرُونُ، آتٍ إِلَيْكَ وَٱمْرَأَتُكَ وَٱبْنَاهَا مَعَهَا».

فَقَالَ لِمُوسَى الخ (الظاهر أنه أرسل إليه هذا الكلام مع رسول بدليل ما في الآية التالية).

7 «فَخَرَجَ مُوسَى لٱسْتِقْبَالِ حَمِيهِ وَسَجَدَ وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ عَنْ سَلاَمَتِهِ. ثُمَّ دَخَلاَ إِلَى ٱلْخَيْمَةِ».

تكوين 14: 17 و18: 2 و19: 1 و1ملوك 2: 19 تكوين 29: 13 و33: 4 تكوين 43: 27 و2صموئيل 11: 7

فَخَرَجَ مُوسَى... وَسَجَدَ بمقتضى العادة التي هي دليل على الإكرام (تكوين 18: 2 و19: 1 الخ) وكان ذلك فعلاً اختيارياً يشير إلى الإنسانية وكرم الأخلاق. ودل هنا على لطف موسى وتواضعه فإنه مع كونه أمير أمة كبيرة خرج للقاء حميه وسجد له.

وَقَبَّلَهُ كعادة بلادنا التي لم تزل جارية. وكان الفُرس يأتون مثل ذلك. قال هيرودوتس «إذا التقى اثنان من الفُرس في الطريق وأردت أن تعرف أنهما من رتبة واحدة دلك على ذلك أن كلا منهما يقبّل شفتي الآخر. وإن كان أحدهما دون الآخر دلّك على ذلك أن كلاً منهما يقبّل خد الآخر» (قابل هذا بما في 2صموئيل 15: 5 و19: 39 ومتّى 26: 48 و49 وأعمال 20: 37 الخ).

8، 9 «8 فَقَصَّ مُوسَى عَلَى حَمِيهِ كُلَّ مَا صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِفِرْعَوْنَ وَٱلْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَجْلِ إِسْرَائِيلَ، وَكُلَّ ٱلْمَشَقَّةِ ٱلَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ فَخَلَّصَهُمُ ٱلرَّبُّ. 9 فَفَرِحَ يَثْرُونُ بِجَمِيعِ ٱلْخَيْرِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ».

تكوين 44: 34 وعدد 20: 14 مزمور 78: 42 و81: 7 و106: 10

الظاهر أن يثرون سأله عما سمع ليعرف القصة بكمالها (انظر تفسير ع 1 و2) فذكر له موسى الأمر كله فابتهج بسلامته وسلامة شعبه وعناية الله ومراحمه.

10، 11 «10 وَقَالَ يَثْرُونُ: مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ. اَلَّذِي أَنْقَذَ ٱلشَّعْبَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِي ٱلْمِصْرِيِّينَ. 11 ٱلآنَ عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ ٱلآلِهَةِ، لأَنَّهُ فِي ٱلشَّيْءِ ٱلَّذِي بَغَوْا بِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ».

تكوين 14: 20 و2صموئيل 18: 28 ولوقا 1: 68 و2أيام 2: 5 ومزمور 95: 3 و97: 9 و135: 5 ص 1: 10 و16 و22 و5: 7 و14: 8 ص 5: 2 ونحميا 9: 10 وإرميا 50: 29

مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ وفي العبرانية «مبارك يهوه» كان المديانيون نسل إبراهيم من قطورة فكانوا من المؤمنين بالله ومن عبدته وكان يجوز للإسرائيليين أن يعبدوا الرب معهم لكن ندر أن يعرف المديانيون الله باسمه يهوه. ويثرون لا شك في أنه سمع موسى في قصة النبأ عليه ينسب العناية والقدرة والخلاص إلى يهوه ويرفعه فوق كل الآلهة. فإن كثيرين من الأمم يومئذ كانوا يؤمنون بآلهة كثيرة ويعتقدون أنها أرواح قادرة (انظر تثنية 32: 16 و17).

12 «فَأَخَذَ يَثْرُونُ حَمُو مُوسَى مُحْرَقَةً وَذَبَائِحَ لِلّٰهِ. وَجَاءَ هَارُونُ وَجَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ لِيَأْكُلُوا طَعَاماً مَعَ حَمِي مُوسَى أَمَامَ ٱللّٰهِ».

تثنية 12: 7 و1أيام 29: 22 و1كورنثوس 10: 31

فَأَخَذَ يَثْرُونُ... مُحْرَقَةً وَذَبَائِحَ لِلّٰهِ كانت هذه الذبائح من البهائم التي أتى بها يثرون وقدّمها حينئذ شكراً لله بمنزلة ملكي صادق (تكوين 14: 18). أي كان كاهناً من رتبة الكهنة الأقدمين. والمرجح أنه كان أباً روحياً لقبيلته ورث الكهنوت بحق البكورية. وكما اعترف إبراهيم بكهنوت ملكي صادق (تكوين 14: 18) اعترف موسى وهارون بكهنوت يثرون. فأكل موسى وهارون وشيوخ إسرائيل طعاماً معه أمام الله علامة أنهم سلموا بكهنوته.

13 «وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ. فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ عِنْدَ مُوسَى مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ».

ٱلْغَدِ أي اليوم الثاني لوصول يثرون إلى موسى.

مُوسَى جَلَسَ لِيَقْضِيَ لِلشَّعْبِ كان الرؤساء أو الأمراء في تلك الأزمنة قضاة الشعب كما كان رؤساء إسرائيل من يشوع إلى صموئيل. وكان من هو أهل للقضاء يُعد عظيماً جداً ويقرب مقامه من مقام الملك كما أوضح هيرودوتس المؤرخ. والظاهر أن موسى تولى القضاء منذ صار رئيس أمته يسمع كل الدعاوي ويقف على الأسباب ويحكم يمقتضى العدل. ولا أحد غيره يقطع بشيء من الأحكام. ولعله كان يرى من الواجب أن لا يكل أمر القضاء إلى غيره أو إنه لم ير في الشعب من هو أهل له. وإذ كان القضاء لا بد منه لمصلحة الأمة لم يسمح بتركه ولو كان عنده ضيوف ولهذا زاوله ويثرون ضيفه كأنه لم يكن ضيفاً.

َفَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ عِنْدَ مُوسَى مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ فإن الشكايات كانت كثيرة وكان القاضي واحداً. وربما كان كثيراً منها مما يحتاج إلى نظر وإمعان لحل مشاكلها فتشغل وقناً طويلاً. وكان يجلس للقضاء باكراً كعادة الشرقيين ويرى من الضرورة أن يبقى إلى المساء. ولم يتبين ما كانت تلك الشكايات حينئذ. ورأى بعضهم أن رجال إسرائيل اختلفوا يومئذ في قسمة ما غنموه من عماليق.

14 «فَلَمَّا رَأَى حَمُو مُوسَى كُلَّ مَا هُوَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ، قَالَ: مَا هٰذَا ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ مَا بَالُكَ جَالِساً وَحْدَكَ وَجَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ؟».

مَا بَالُكَ جَالِساً وَحْدَكَ أي لماذا لا تتخذ مساعدين لك على القضاء.

15، 16 «15 فَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ: إِنَّ ٱلشَّعْبَ يَأْتِي إِلَيَّ لِيَسْأَلَ ٱللّٰهَ. 16 إِذَا كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَيَّ فَأَقْضِي بَيْنَ ٱلرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ ٱللّٰهِ وَشَرَائِعَهُ».

لاويين 24: 12 وعدد 15: 34 ص 24: 14 وتثنية 17: 8 و1كورنثوس 6: 1 لاويين 24: 15 وعدد 15: 35 و27: 6 إلى 11 و36: 6 إلى 9 وتثنية 5: 5

أبان موسى في هاتين الآيتين علتين لاشتغاله مع الشعب (1) إن الشعب كان يريد قاضياً مُلهماً أو إلهياً مقدساً يأتون إليه ليسألوا الله لأنهم لم يعتقدوا أن من كان دون ذلك يصلح للقضاء (2) إنه لم يكن مقتصراً على الحكم بل كان يتخذ النظر في الدعاوي وسيلة إلى الوعظ والإنذار والتهذيب والتعليم فكان يؤيد الأدبيات بواسطة السياسيات. وكان الأمران كلاهما من الأمور ذات الشأن ومن أحسن البراهين القاطعة على ضرورية عمله.

17، 18 «فَقَالَ حَمُو مُوسَى لَهُ: لَيْسَ جَيِّداً ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ. 18 إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهٰذَا ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي مَعَكَ جَمِيعاً، لأَنَّ ٱلأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ».

عدد 1: 14 و17 وتثنية 1: 9 و12

لَيْسَ جَيِّداً لم يقنع البرهان يثرون مع ما فيه من القوة فإنه أقام من البراهين ما يبطله. وخلاصة حجج يثرون أمران:

الأول: إن موسى باستمراره على ما هو عليه ينهك قوته.

والثاني: أنه يفني صبر الشعب بالعاقة لأنه لا يقدر أن ينجز كل الأقضية إلا بأن يشغل زماناً طويلاً فكان عمله ما يؤدي إلى إضرارا نفسه وإضرار شعبه.

19، 20 «19 اَلآنَ ٱسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ ٱللّٰهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ ٱللّٰهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ ٱلدَّعَاوِيَ إِلَى ٱللّٰهِ، 20 وَعَلِّمْهُمُ ٱلْفَرَائِضَ وَٱلشَّرَائِعَ وَعَرِّفْهُمُ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يَسْلُكُونَهُ وَٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي يَعْمَلُونَهُ».

ص 3: 12 ص 4: 16 و20: 19 وتثنية 5: 5 ص 4: 16 ص 21: 6 و22: 8 و9 ولاويين 24: 12 و13 وعدد 15: 34 و35 و27: 5 وتثنية 17: 8 إلى 13 تثنية 4: 1 و5 و5: 1 و6: 1 و2 و7: 11 مزمور 143: 8 تثنية 1: 18

فَلْيَكُنِ ٱللّٰهُ مَعَكَ أي وهب الله لك حكمة تتمكن بها من أحكام أعمالك على خير سنن.

كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ ٱللّٰهِ أي كن نائباً عن الشعب أمام الله ونائباً عن الله أمام الشعب. ارفع المشاكل إليه تعالى وبلغ الشعب أحكامه. ومع ذلك أنبهم بشريعة الله وفرائضه. فكن لهم معلماً أدبياً ومرشداً لهم في أعمالهم (ع 20) وكل ذلك ميسور لك بالترتيب الذي أدلك عليه.

21 «وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ ٱللّٰهَ أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ ٱلرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ».

تكوين 47: 6 وع 25 تكوين 42: 18 و2صموئيل 23: 3 و2أيام 19: 9 حزقيال 18: 8 تثنية 16: 19 تثنية 1: 15 و16 و16: 18 و2أيام 19: 5 إلى 10 وأعمال 6: 3

تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ هذا لباب نصيحة يثرون. وتعريف يثرون للرجال الذين هم أهل للقضاء بذوي القدرة الخ من أحسن التعارف فإنه يتضمن ثلاثة أمور (1) أن يكون القاضي خائف الله. (2) أن يكون أميناً. (3) أن يكون مستقيماً يكره الرشوة أي البرطيل.

رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ فالقسمة عشرية. ولا يبعد أن موسى كان قد قسم الشعب هذه القسمة من أول زمان ذهابهم من مصر (ولكن لغير القضاء) في الحل والارتحال (انظر تفسير ص 13: 18). ورآها يثرون مناسبة للقضاء. فإن واحداً من عشرة قادر على القضاء في الدعاوي الزهيدة. فإن لم يُرض حكمه تُرفع الدعوى إلى رئيس خمسين فإن واحداً من الخمسين يرجّح أنه أحسن قضاء من واحد من عشرة. وإن لم يُرض حكم هذا تُرفع الدعوى إلى رئيس المئة وإن لم يُرض حكم هذا تُرفع إلى رئيس الألف وهناك يبت الحكم وينتهي الاستئناف.

22 «فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ. وَكُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. وَخَفِّفْ عَنْ نَفْسِكَ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مَعَكَ».

ع 26 ولاويين 24: 11 وعدد 15: 33 و27: 2 و36: 1 وتثنية 1: 17 و17: 8 عدد 11: 17

فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ لا في الأوقات المعيّنة للقضاء كما كان يفعل موسى بل في كل يوم.

كُلَّ ٱلدَّعَاوِي ٱلْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ يجب أن يترك الحكم للقضاة في الدعاوي الكبيرة والدعاوي الصغيرة. لكن في بعض الأحوال يميل أعضاء الحكومة إلى إحكام الأمر والتحقيق لكن صعوبة الحياة في البرية كانت تمنعهم من ذلك وتحملهم على الاختصار لا التطويل. ولما انتهت الحياة البرية تغير النظام اليثروني وبُدل بأبسط منه وأكثر قبولاً للتطويل والتمحيص.

23 «إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا ٱلأَمْرَ وَأَوْصَاكَ ٱللّٰهُ تَسْتَطِيعُ ٱلْقِيَامَ. وَكُلُّ هٰذَا ٱلشَّعْبِ أَيْضاً يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِٱلسَّلاَمِ».

ع 18 تكوين 18: 33 و30: 25 وص 16: 29 و2صموئيل 19: 39

إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا ٱلأَمْرَ وَأَوْصَاكَ ٱللّٰهُ في هذا إشارة إلى وجوب مشورة الله قبل الاعتماد على ذلك الترتيب. فإن موسى كان لا يأتي شيئاً من الأمور ذات الشأن ما لم يعرضه على الله تعالى ويرى مشيئته فيه. وهل كان ذلك يتم بالأوريم والتميم.

تَسْتَطِيعُ ٱلْقِيَامَ (قابل هذا بالآية 18) أي أنك لا تقدر أن تُبقي قوتك إلا بهذا التغيير وهذا النظام.

هٰذَا ٱلشَّعْبِ أَيْضاً يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِٱلسَّلاَمِ يذهبون إلى أرض كنعان بالوفق والمسالمة ولا يتعبونك كما يتعبونك الآن.

24 - 26 «24 فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ. 25 وَٱخْتَارَ مُوسَى ذَوِي قُدْرَةٍ مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوساً عَلَى ٱلشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ. 26 فَكَانُوا يَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. ٱلدَّعَاوِي ٱلْعَسِرَةُ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَى مُوسَى، وَكُلُّ ٱلدَّعَاوِي ٱلصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا».

ع 21 وتثنية 1: 15 وأعمال 6: 3 ع 22

فَسَمِعَ مُوسَى الخ لم يجر موسى على نصح حميه يثرون إلا بعد إعطاء الشريعة وصنع خيمة الشهادة (انظر تثنية 1: 9 - 15). ولم يخالف موسى يثرون إلا بأمر واحد وهو أن ينتخب هو الأقوياء أو الذين هم أهل للقضاء فإنه ترك اختيارهم للشعب (تثنية 1: 13) واكتفى بأن ولاهم ما انتخبوا له (انظر ما أتاه الرسل من النظام في أمر الشمامسة الأولين أعمال 4: 3 - 6).

27 «ثُمَّ صَرَفَ مُوسَى حَمَاهُ فَمَضَى إِلَى أَرْضِهِ».

عدد 10: 29 و30

صَرَفَ مُوسَى حَمَاهُ (الظاهر إن حماه كان يريد الانصراف وموسى يلح عليه بالبقاء حتى سمح له بالذهاب. فيكون معنى صرفه هنا سمح له بالانصراف). فكان أمره كأمر حوباب (عدد 10: 29) ولذلك ظن بعضهم أن حوباب هو يثرون نفسه وعلى كل حال إن موسى كان يريد بقاءه وهو يريد الرحيل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

ظهور الله للشعب على طور سينا

1، 2 «1 فِي ٱلشَّهْرِ ٱلثَّالِثِ بَعْدَ خُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ جَاءُوا إِلَى بَرِّيَّةِ سِينَاءَ. 2 ٱرْتَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَرِّيَّةِ سِينَاءَ فَنَزَلُوا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. هُنَاكَ نَزَلَ إِسْرَائِيلُ مُقَابِلَ ٱلْجَبَلِ».

ص 16: 1 و عدد 33: 15 ص 17: 1 و8 ص 3: 1 و12

ٱرْتَحَلُوا مِنْ رَفِيدِيمَ إن كانت رفيديم في وادي فيران كما قلنا سابقاً كان ارتحال الإسرائيليين إلى برية سيناء في وادي سلاف أو وادي الشيخ. ويمكن أنهم مروا في الواديين والمسافة على طريق وادي سلاف ثمانية عشر ميلاً. وعلى طريق وادي الشيخ نحو خمسة وعشرين ميلاً. وقد أجمع جمهور المفسرين اليوم على أن برية سيناء هي الأرض المعروفة اليوم بوادي الراحة. وطول هذا السهل ميلان وعرضه نصف ميل تحيط بها سلسلة جبال من الحجر الأسود والأصفر ويُعرف بعض أقسام ذلك الجبل في طرف البرية برأس الصفصافة. وهو هضبة يكثر عليها شجر الطرفاء ويظهر من كل موضع في السهل.

3 «وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى ٱللّٰهِ. فَنَادَاهُ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْجَبَلِ: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 20: 21 وأعمال 7: 38 ص 3: 4

وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى ٱللّٰهِ أي صعد إلى سيناء ليتوقع مخاطبة الله إياه.

فَنَادَاهُ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْجَبَلِ يظهر أن الله خاطبه وهو صاعد قبل أن يبلغ القنة حتى يخفف عنه مشقة الصعود إليها. فاذكر أن الله يلاقينا في الطريق إذا سرنا للقيام بالواجبات التي اقتضتها إرادته.

4 «أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِٱلْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلنُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ».

تثنية 29: 2 و3 تثنية 32: 11 وإشعياء 63: 9 ورؤيا 12: 14

حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ ٱلنُّسُورِ قابل هذا بقوله «كَمَا يُحَرِّكُ ٱلنَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ، هٰكَذَا ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ ٱقْتَادَهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلٰهٌ أَجْنَبِيٌّ» تثنية 32: 11 و12). قيل أن النسر إذا نبت ريش فرخه وجُنح ساعده على الطيران بطيرانه تحته حتى إذا تعب استقر على ظهره أو جناحيه. والمعنى أن الله ساعدهم بقدرته على سيرهم فلم يدعهم يسقطوا من الأعياء كما يساعد النسر فراخه فأنقذهم من الشدائد والأخطار.

جِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ أي أتيت بكم إلى حضرتي في سيناء كما أخرجتكم من مصر وفسادها والعبادة الباطلة (يشوع 24: 14) وقدتكم إلى عبادتي الطاهرة وديني الحق.

5 «فَٱلآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ ٱلأَرْضِ».

تثنية 5: 2 تثنية 4: 20 و7: 6 و14: 2 و26: 18 و32: 9 و1ملوك 8: 53 ومزمور 135: 4 وإشعياء 41: 8 و43: 1 وإرميا 10: 16 وملاخي 3: 17 ص 9: 29 وتثنية 10: 14 وأيوب 41: 11 ومزمور 24: 1 و1كورنثوس 10: 26

خَاصَّةً لأنه فداهم واشتراهم (ص 6: 6 و15: 13 و16).

مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ ٱلأَرْضِ لما ذكر الله أن إسرائيل له خاصة كان ذلك مما يوهم أنه ترك سائر البشر من عنايته. فقال دفعاً لذلك «إن لي كل الأرض» فإنه لا ينفك يعتني بكل خلائقه وهو «العلي على كل الأرض» (مزمور 83: 18) «تفرح وتبتهج الأمم» لأنه «يدين الشعوب بالاستقامة» «ويهدي أمم الأرض» (مزمور 67: 4).

6 «وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هٰذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَاتُ ٱلَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ».

1بطرس 2: 5 و9 ورؤيا 10: 6 و5: 10 و20: 6 لاويين 20: 26 وتثنية 7: 6 و26: 19 و28: 9 وإشعياء 62: 12 و1كورنثوس 3: 17 وأفسس 5: 27

مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ أي يكونون كلهم «كهنة وملوكاً لله» فمساواة بعضهم لبعض بالنسبة إلى الله. فكان للكهنة أن يقتربوا بالصلاة إلى الله مواجهة ويأتوه بالقرابين ويقدموا له النذور ويجتمعون معه بقلوبهم ونفوسهم. وأعلن الله هذا الامتياز لبطرس وليوحنا وأبان للمسيحيين أنهم إسرائيل الله (1بطرس 2: 9 ورؤيا 1: 6 انظر أيضاً غلاطية 6: 16).

وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً أي أن المجموع مقدس لا كل فرد من الأفراد فإنه لا بد من أن أحدهم لم يكن مقدساً. على أنه كان بذلك يتيسر لكل أحد أن يكون مقدساً بالطاعة لله كما تكون الأمة إذا سمعت لصوته وحفظت عهده (ع 5).

7 «فَجَاءَ مُوسَى وَدَعَا شُيُوخَ ٱلشَّعْبِ وَوَضَعَ قُدَّامَهُمْ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي أَوْصَاهُ بِهَا ٱلرَّبُّ».

شُيُوخَ ٱلشَّعْبِ كان الشيوخ صلة بين موسى والشعب يبلغونهم ما يأمر موسى به وكل ما يريد أن يعرفوه (انظر ص 4: 29 و12: 21 و17: 5 و6 و18: 2 و19: 4 الخ) وبيان مقام الشيوخ وسلطانهم في تفسير (ص 3: 16) فارجع إليه.

8 «فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مَعاً: كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ. فَرَدَّ مُوسَى كَلاَمَ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلرَّبِّ».

ص 24: 3 و7 وتثنية 5: 27

فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مَعاً بلا تأخر ولا جدال في الآراء فإن كل منهم راضياً بما وُكل إليه وراغباً في القيام بكل ما يريده الرب من سمع صوته وحفظ عهده وعمل مشيئته.

فَرَدَّ مُوسَى كَلاَمَ ٱلشَّعْبِ إِلَى ٱلرَّبِّ أٰي رفعه إليه أو أنبأه به (وأتى ذلك خضوعاً له وليعرف ماذا يأمره به في ذلك لا لأن الله لم يعرف ما كان).

9 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ ٱلسَّحَابِ لِيَسْمَعَ ٱلشَّعْبُ حِينَمَا أَتَكَلَّمُ مَعَكَ، فَيُؤْمِنُوا بِكَ أَيْضاً إِلَى ٱلأَبَدِ. وَأَخْبَرَ مُوسَى ٱلرَّبَّ بِكَلاَمِ ٱلشَّعْبِ».

ع 16 وص 20: 21 و24: 15 و16 وتثنية 4: 11 ومزمور 18: 11 و97: 2 تثنية 4: 12 و36 ويوحنا 12: 29 و30 ص 14: 31

فَقَالَ ٱلرَّبُّ كانت الخطوة الأولى في توثيق العهد بين الله وشعب إسرائيل قبول الشعب ما عرضه الله عليه. والخطة الثانية ما يذكره هنا وهي أنه كان لا بد من إعلان كلام العهد للشعب أو ما يقتضي أن يسمعه الشعب من الضروري منه وما هو بمنزلة الأساس للعهد كله. فأعلن حضوره لموسى وأرشده إلى كل ما يتعلق بذلك العهد.

هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ ٱلسَّحَابِ نعم إن الله نور ومع أنه نور أحاط به السحاب والضباب (مزمور 97: 2) حتى أنه حين يُعلن نفسه يبقى ساكناً في الضباب (2أيام 6: 1) وكان من الضروري أن يبقى محتجباً حين يقرب من الشعب وإلا لم يستطيعوا أن يحتملوا دقيقة واحدة بهاء حضرته (انظر ص 40: 35 و2أيام 5: 14 و7: 2). وإذا كان الإسرائيليون لم يستطيعوا أن يروا وجه موسى من البهاء الذي اكتسبه من القرب إلى الله حتى أنه لبس البرقع فكم يجدر أن يحتجب الله عن أبصارهم حين يكلمهم وهو مجد المجد وبهاء البهاء كله. ويظهر إن ظلام السحاب الذي أنبأ الله موسى أن يأتي فيه إليه هو عمود السحاب الذي كان يظللهم قائد إسرائيل به ومنه خاطب موسى والشعب.

ِلِيَسْمَعَ ٱلشَّعْبُ... فَيُؤْمِنُوا بِكَ إِلَى ٱلأَبَد كان لإظهار الله نفسه للشعب غايتان (1) تأثير حضرته في قلوبهم وقلوب نسلهم. و(2) جعلهم مستعدين للخضوع لموسى والإيمان به إلى الأبد. وقد تمّ كل ذلك. فإن الله بقي رهيباً للإسرائيليين أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وبقيت شريعة موسى إماماً وقائداً لهم. ولا يزال اليهود إلى هذه الساعة يؤمنون بموسى ويخضعون لشريعته.

10 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبْ إِلَى ٱلشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ».

لاويين 11: 44 وعبرانيين 10: 22 تكوين 35: 2 وع 14 ولاويين 15: 5

ٱذْهَبْ إِلَى ٱلشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ كان من ضروريات الاستعداد للوقوف أمام الرب أن يتقدس الإسرائيليون تقديسين تقديساً ظاهراً وتقديساً باطناً والتقديس الباطني هو الأولى والأشد ضرورية ولكن هذا لا يظهر كالظاهر فأمرهم موسى بالتقديس الظاهر دلالة على الباطن. وكان هذا التقديس الظاهر يشتمل على ثلاثة أعمال (1) اغتسال الشخص. (2) غسل الثياب. (3) اعتزال النساء (ع 15).

لْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ كانت شريعة اللاويين تأمر بغسل الثياب في أحوال كثيرة (لاويين 9: 25 و28 و40 و13: 6 و34 و58 و14: 8 و9 و47 و15: 5 - 22 الخ) وكانت هذه السنّة مما شاع عند المصريين على ما ذكر هيرودوتس وعند اليونان على ما قال أوميروس وعند الرومان على ما أفاد دولنجر. وظهر من هذا وغيره أن الاستحمام كان عند الجميع للإيماء إلى النظافة الأدبية علاوة على منفعته الطبيعية.

11 «وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. لأَنَّهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَنْزِلُ ٱلرَّبُّ أَمَامَ عُيُونِ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ».

ع 18 وص 34: 5 وتثنية 33: 2

مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ هذا يدل على أن التقديس شغل يومين ولم يكفهم لذلك يوم واحد وهذا يدلنا على أن دنس الإنسان مما يكرهه الله شديد الكره.

يَنْزِلُ ٱلرَّبُّ أي يُعلن نفسه للشعب كأنه ينزل من السماء إليهم (انظر تفسير ع 9).

12 «وَتُقِيمُ لِلشَّعْبِ حُدُوداً مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، قَائِلاً: ٱحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى ٱلْجَبَلِ أَوْ تَمَسُّوا طَرَفَهُ. كُلُّ مَنْ يَمَسُّ ٱلْجَبَلَ يُقْتَلُ قَتْلاً».

تُقِيمُ لِلشَّعْبِ حُدُوداً هنا إشارة عملية أو صناعية إلى أن الله لا يمكن الدنو من عظمته وقداسته. ومعنى إقامة الحدود هنا وضع موانع وحواجز بين المخيم وحضيض طور سيناء منعاً للبهائم وللناس من مس الجبل. أنبأنا المسافرون أنه عند رأس الصفصافة تجاه طور سيناء أحداباً وأحادير من الصخور تمنع من القرب إليه أو من مسه وهي أكمام طبيعية يُظن أن موسى جعلها حدوداً للشعب يوم استعلان الرب على الطور. وهو ظن غير مرجّح لأن النص يقتضي أن حدود موسى كانت صناعية ولا يبعد أن تلك الحدود على الحواجز الطبيعية وعلى خط امتدادها.

أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى ٱلْجَبَلِ لولا منع الله من ذلك ما ظهر لنا سبب لامتناع صعود أتقياء الإسرائيليين إلى الجبل ليقتربوا من الله بالصلاة والله أعلم بما هو الأحسن.

13 «لاَ تَمَسُّهُ يَدٌ بَلْ يُرْجَمُ رَجْماً أَوْ يُرْمَى رَمْياً. بَهِيمَةً كَانَ أَمْ إِنْسَاناً لاَ يَعِيشُ. أَمَّا عِنْدَ صَوْتِ ٱلْبُوقِ فَهُمْ يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْجَبَلِ».

عبرانيين 12: 20 ع 16 و19

لاَ تَمَسُّهُ يَدٌ رجّح كثيرون أن الضمير في قوله «لا تمسه يد». راجع إلى من يمس الجبل لا إلى الجبل وهو الموافق للنص. فالمعنى أنه لا تمس العاصي والمتعدي الحدود يدٌ بل يُرجم الخ. وترجيعه إلى الجبل يفسد المعنى والتركيب اللفظي معاً.

بَهِيمَةً كَانَ أَمْ إِنْسَاناً إن البهائم وإن كانت غير مكلفة أو مسوؤلة بالخطاء كان الله يطلب قتلها في بعض الأحوال (1) إذا كانت مؤذية (ص 21: 28) و (2) إذا دُنست (لاويين 20: 15). و(3) إذا كان ذنب صاحبها يوجب تخسيره أكثر منها (ص 13: 13).

أَمَّا عِنْدَ صَوْتِ ٱلْبُوقِ (قابل هذا بالآية 19).

فَهُمْ يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْجَبَلِ ما مُنع في (ع 12) أُبيح في (ع 13) ولكن الإباحة لمُعيّنين كهارون لا للشعب ولا للكنهة أنفسهم (انظر ع 24).

14، 15 «14 فَٱنْحَدَرَ مُوسَى مِنَ ٱلْجَبَلِ إِلَى ٱلشَّعْبِ وَقَدَّسَ ٱلشَّعْبَ وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. 15 وَقَالَ لِلشَّعْبِ: كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. لاَ تَقْرَبُوا ٱمْرَأَةً».

ع 10 ع 11 و1صموئيل 21: 4 و5 و1كورنثوس 7: 5

لاَ تَقْرَبُوا ٱمْرَأَةً (أي لا يقرب أحد زوجته) قابل هذا بما في (1صموئيل 21: 4 و5 و1كورنثوس 7: 5). واعتاد الناس منذ العصور الخالية أن يمتنعوا عن نسائهم عند المشروع في الأعمال المقدسة عل ما ثبت من أقوال المؤرخين الأقدمين. وكانت الشريعة اللاوية كذلك (لاويين 15: 18). وهذه السنة لا تزال بين الهنود والمجوس والمسلمين (قرآن س 4: آ 50).

16 «وَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ لَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ أَنَّهُ صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى ٱلْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ جِدّاً. فَٱرْتَعَدَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَحَلَّةِ».

مزمور 77: 18 وعبرانيين 12: 18 و19 ورؤيا 4: 5 و8: 5 و11: 19 ع 5 وص 40: 34 و2أيام 5: 14 ع 13 ورؤيا 1: 10 و4: 1 عبرانيين 12: 21

رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ قابل هذا بما في (تثنية 4: 11 و12). والذي في التثنية أوضح مما هنا وهو قوله «فَتَقَدَّمْتُمْ وَوَقَفْتُمْ فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ، وَٱلْجَبَلُ يَضْطَرِمُ بِٱلنَّارِ إِلَى كَبِدِ ٱلسَّمَاءِ، بِظَلاَمٍ وَسَحَابٍ وَضَبَابٍ. فَكَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ، وَلٰكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً». وكان الذي أثر في قلوب الشعب مشاهدة عدة أمور معاً وهي الرعد الشديد ولمعان البرق الباهر. ولهب النار الصاعد إلى كبد السماء. والدخان الكثيف الحجاب الجو المنشئ الظلام. وارتجاف الجبل كأنه زلزال دائم. وصوت بوق رفيع جداً يزداد على التوالي جهوراً وارتفاعاً. والخلاصة أن المشهد كان مخيفاً جداً لم يُعهد في عالم الطبيعة. فالقول بأن ذلك كان زلزالاً طبيعياً وثوراناً بركانياً مخالفاً للواقع والنص كل المخالفة.

صَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ صوت البوق من آيات حضور الله وكان تنبيهاً لأن يصغوا إلى ما يقال بعده. وفي اليوم الأخير يعلن صوت البوق مجيء المسيح منتصراً وذلك البوق «بوق الله» (1تسالونيكي 4: 16). وذُكر في سفر الرؤيا إن الملائكة يعلنون مجيئهم بصوت البوق (رؤيا 8: 7 و8 و10 و12 و9: 1 و14 الخ) وينبئون بما سيكون من الحوادث.

17 «وَأَخْرَجَ مُوسَى ٱلشَّعْبَ مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ ٱللّٰهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ».

تثنية 4: 10 و11

مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ (أي مكان الحلول وكان مخيماً لأنهم كانوا يسكنون في البرية الخيام). وكانت تلك المحلة هنا قرب طور سيناء يفصل بينها وبين الحدود التي وضعها موسى سهل أوقف فيه الشعب ليشاهدوا ما يكون على الطور ويسمعوا صوت الله.

فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ في السهل الذي تجاه رأس الصفصافة.

18 «وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِٱلنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ، وَٱرْتَجَفَ كُلُّ ٱلْجَبَلِ جِدّاً».

تثنية 4: 11 و33: 2 وقضاة 5: 5 ومزمور 68: 8 وإشعياء 6: 4 ص 3: 2 و24: 17 و2أيام 7: 1 - 3 تكوين 15: 17 ومزمور 144: 5 ورؤيا 15: 8 مزمور 68: 8 و77: 18 و14: 7 وإرميا 4: 24 وعبرانيين 12: 26

وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ أي كان السحاب عليه عاماً كثيفاً يشبه الدخان وإن كان الجبل قد احترق بالنار حقيقة (تثنية 4: 11) فالدخان على حقيقته.

وَٱرْتَجَفَ كُلُّ ٱلْجَبَلِ جِدّاً قابل هذا بما في (مزمور 68: 8) وهو قوله «ٱلأَرْضُ ٱرْتَعَدَتِ. ٱلسَّمَاوَاتُ أَيْضاً قَطَرَتْ أَمَامَ وَجْهِ ٱللّٰهِ. سِينَاءُ نَفْسُهُ مِنْ وَجْهِ ٱللّٰهِ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ» وهذا الصوت يصدق على الزلزلة أكثر مما يصدق على الاهتزاز الذي يحدث أحياناً من شدة الرعد.

19، 20 «19 فَكَانَ صَوْتُ ٱلْبُوقِ يَزْدَادُ ٱشْتِدَاداً جِدّاً، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَٱللّٰهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ. 20 وَنَزَلَ ٱلرَّبُّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ إِلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ، وَدَعَا ٱللّٰهُ مُوسَى إِلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ. فَصَعِدَ مُوسَى».

ع 13 نحميا 9: 13 ومزمور 81: 7

رَأْسِ ٱلْجَبَلِ أي على قنة رأس الصفصافة لا على قنة جبل موسى الذي لا يُرى من سهل الراحة.

تحذير الله للشعب من الاقتراب ع 21 إلى 25

كان هذا التحذير على أثر إعلان الله قصده صعود موسى إلى الجبل. ومنعاً للشعب من الاقتراب أمر موسى بوضع الحدود وبأن يأمر الشعب أن يبقوا وراءها. وكان جزاء من يجوز الحدود القتل (ع 12). ولا ريب في أن موسى أسرع في إقامة الحدود حيث أوصاه الله كما يظهر من الآية الثالثة والعشرين. وأنذر الشعب بقتل من يعصي الأمر. والذي يظهر من (ع 21 - 25) إن الإنذار الأول لم يكن كافياً فأمر الرب موسى بالانحدار لتقرير ذلك الإنذار (ع 21 و22). وحرّض الكهنة على التطهير وأنذر العاصي بالقتل أيضاً.

21 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱنْحَدِرْ حَذِّرِ ٱلشَّعْبَ لِئَلاَّ يَقْتَحِمُوا إِلَى ٱلرَّبِّ لِيَنْظُرُوا فَيَسْقُطَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ».

ص 3: 4 و1صموئيل 6: 19

لِئَلاَّ يَقْتَحِمُوا أي يتجاوزوا الحدود التي وضعها موسى بأمر الرب.

لِيَنْظُرُوا فَيَسْقُطَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ بأن يمسوا الجبل (ع 13). والمرجّح أن الإشارة هنا إلى ضربة سماوية كضربة أهل بيت شمس التي قتلت «خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَسَبْعِينَ رَجُلاً» (1صموئيل 6: 19).

22 «وَلْيَتَقَدَّسْ أَيْضاً ٱلْكَهَنَةُ ٱلَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِهِمِ ٱلرَّبُّ».

لاويين 10: 3 ص 24: 5 و2صموئيل 6: 7 و8

ٱلْكَهَنَةُ قال بعضهم أن ذكر الكهنة هنا خطأ لأن الكهنة كانوا من اللاويين بعد ذلك. والخطأ قولهم فإن الإسرائيليين يومئذ كانوا كسائر قدماء الشعوب في أن لهم كهنة. وكانت الكهنة رؤساء البيوت بدليل أنهم كانوا يقومون بالخدمة الكاهنية.

يَبْطِشَ بِهِمِ أي يعاقبهم بالموت علانية كما فعل بعزة (2صموئيل 6: 8).

23 «فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: لاَ يَقْدِرُ ٱلشَّعْبُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، لأَنَّكَ أَنْتَ حَذَّرْتَنَا قَائِلاً: أَقِمْ حُدُوداً لِلْجَبَلِ وَقَدِّسْهُ».

ع 12 ويشوع 3: 4

لاَ يَقْدِرُ ٱلشَّعْبُ أَنْ يَصْعَدَ المظنون أن موسى أراد أنه لا يصعد سهواً فإنه لم يظن أن الشعب يسهو عن الإنذار لكن الله عرف أن الشعب يميل إلى ذلك فكرر الإنذار.

24، 25 «24 فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: ٱذْهَبِ ٱنْحَدِرْ ثُمَّ ٱصْعَدْ أَنْتَ وَهَارُونُ مَعَكَ. وَأَمَّا ٱلْكَهَنَةُ وَٱلشَّعْبُ فَلاَ يَقْتَحِمُوا لِيَصْعَدُوا إِلَى ٱلرَّبِّ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِهِمْ. 25 فَٱنْحَدَرَ مُوسَى إِلَى ٱلشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ».

ٱذْهَبِ ٱنْحَدِرْ الخ «ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يعقوب 1: 17) دفع اعتراض موسى بعدم الاكتراث به واستمر على ما أراد من الإنذار وإجرائه فأطاع موسى الأمر وانحدر وأنذر الشعب وحذره من مجاوزة الحدود.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

الوصايا العشر

1 «ثُمَّ تَكَلَّمَ ٱللّٰهُ بِجَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ».

تثنية 5: 22

تَكَلَّمَ ٱللّٰهُ جاء في سفر التثنية صريحاً ان الرب كلم بالوصايا العشر كل الجماعة «فِي ٱلْجَبَلِ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَٱلسَّحَابِ وَٱلضَّبَابِ، وَصَوْتٍ عَظِيمٍ» (تثنية 5: 22). كان هذا أول المرائي الرهيبة التي رآها الشعب بعد خروجهم من مصر. وكيف كان ذلك الصوت لا نعلم فإنه لم يُعلن لنا سره فمن العبث والجهل أن نمثله كما نتخيّل. إن الرب تكلم في العهد القديم وبيّن في العهد الجديد إنه تكلم بواسطة الملائكة (أعمال 7: 53 وغلاطية 3: 19 وعبرانيين 2: 2).

بِجَمِيعِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ يعبّر الكتاب المقدس عن الوصايا العشر بالكلمات العشر (ص 34: 28 وتنثية 4: 13 و10: 4). وأجمع اليهود والنصارى على أن هذه الكلمات تتضمن كل شريعة الله الأدبية. وقد عظم الله شأنها بأنه تكلم بها بفمه على مسامع الشعب وكتبها بإصبعه على لوحي الحجارة. فهي خلاصة آداب العهدين القديم والحديث أو العتيق والجديد وهي شرائع لا تتغير إذ لم توضع إلى حين بل وُضعت إلى الأبد. وهي جوهر العهد الذي قطعه الله مع موسى. وحقائقها الأدبية فوق كل ما عرفه حكماء أمم الأرض من القواعد الأدبية. على أن أكبر حكماء العالم قصّر عنها فأين منها أدبيات كنفوشيوس وزورستير وحكماء المصريين واليونانيين والرومانيين. فهي في غاية الكمال ولا حد لكمالها (مزمور 119: 96). وكلها نافع للبشر وسور متين وحصن حصين لصحة العقل والنفس والجسد. وشاملة كل الشمول لما يجب على الإنسان لله ولنفسه وللقريب. فإن المسيح لما سئل ما معناه ما الذي يجب على الإنسان ليرث الحياة الأبدية أشار إلى هذه الكلمات بقوله «أنت تعرف الوصايا» (مرقس 10: 19). والكنيسة تقرر في نفوس أولادها ما يجب عليهم بتعليمها إياهم هذه الكلمات. وهي ضرورية في الدين المسيحي كما هي ضرورية في الدين الموسوي (على أن الحق واحد من أول الخليقة إلى نهاية العالمين).

2 «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّة».

لاويين 26: 1 و13 وتثنية 5: 6 ومزمور 81: 10 وهوشع 13: 4 ص 13: 3

أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ يتوقف تأثير الشريعة في ضمير سامعها أو قارئها على سلطان واضعها. وقدم الله اسمه وأنه هو الرب الإله لكي لا يبقى لأحد أن يقول أي سلطان للكلمات العشر إذ تبين أنها بسلطان واجب الوجود الأزلي.

ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أظهر الله بهذا قدرته على كل شيء ورحمته وشفقته لكي يطيعه الشعب لآلائه فإنه سبحانه يوثر طاعة المحبة على طاعة الخوف. (وما أحسن قول إحدى النساء التقيات اللهم إني أَمة مطيعة لك لا خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك لكن محبة لك لأنك أحببتني قبلاً).

3 «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي».

تثنية 5: 7 و6: 14 و2ملوك 17: 35 وإرميا 25: 6 و35: 15

لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي وفي العبرانية لا يكن لك «اللوهيم آخرون» واللوهيم جمع الوه وكثيراً ما يكون معناها مفرداً ولو نُعت بجمع فيصح أن تترجم بإله آخر (والجمع هنا أنسب). وقوله «أمامي» في الأصل العبراني قدام وجهي والمعنى لا تشرك بي فتعبد معى آلهة غيري. إن الله لم ير ان الإسرائيليين ينفونه بعد ما رأوه من آياته وعنايته ويتخذون آلهة أخرى بدلاً منه. ولكن رأى أنهم عرضة لأن يشركوا به ويعبدوا غيره معه. وهذا هو ما كان عليه المشركون من العرب والمصريين. فإنهم كانوا كلهم يؤمنون بالإله الأعظم ويعبدون معه غيره. فكان المصريون يعبدون معه أمون وباراً وانتا وعشتروت ورشبو أو ريسيف. وعبد السوريون معه عشتروت ومولوك والبعل. والعرب اللات والعزّى ومناة والهُبل وغيرها. وقد وقع الإسرائيليون أنفسهم بعد ذلك كله في الشرك فعبدوا البعل وعشتروت ومولوك وكموش ورمفان. فالوصية الأولى تنهي عن كل عبادة لغير الله وتأمر بعبادة يهوه أي الرب الواجب الوجود الأزلي الأبدي وحده.

4 «لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأَرْضِ».

لاويين 26: 1 وتثنية 4: 15 إلى 19 و5: 8 و27: 15 ومزمور 97: 7

لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا أي لا تتخذ شيئاً من ذلك للسجود أو العبادة بدليل قوله بعد هذا «لا تسجد لهن ولا تعبدهن» ولكن بعض العبرانيين الأقدمين أخذوا أول الكلام على إطلاقه فمنعوا من صناعة النحت والتصوير ولو لمجرد الزينة على أن موسى نفسه أمر بصنع الكروبيم لمجرد الزينة والإشارة ورفع الحية النحاسية رمزاً. وأقام سليمان تماثيل أسود على جانبي كرسيه وثيراناً تحت بحر النحاس و «جميع حيطان البيت في مستديرها رسمها نقشاً بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج» (1ملوك 6: 29). فالوصية الثانية تنهي عن عبادة الله بواسطة التماثيل والصور وتأمر بأن يُعبد عبادة روحية لأنه روح والساجدون له ينبغي أن يسجدوا بالروح والحق. وكانت الأمم الكثيرة تعبد الله وآلهتها بصورة وتماثيل ولا يزال أكثر الناس إلى هذه الساعة يعبدون الله بواسطة هذه الأشياء المنهي عنها. والله لا مثل له ولا شبه فأي صورة يصنعون له وبماذا يشبهونه. إنه منزه عن المواد فهو جوهر روحي لا تدركه الأبصار ولا يصوره الخيال.

فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ... فِي ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ... فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأَرْضِ قابل هذا بما في (تكوين 1: 1 - 7) وما في هذه الأماكن الثلاثة يعم كل عالم المادة. وكانت تماثيل المصريين من المواضع الثلاثة المذكورة.

5 «لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ».

ص 23: 24 ويشوع 23: 7 و2ملوك 17: 35 وإشعياء 44: 15 و19 ص 34: 14 وتثنية 4: 24 و6: 15 ويشوع 24: 19 وناحوم 1: 2 ص 34: 7 ولاويين 20: 5 و26: 39 و40 وعدد 14: 18 و1ملوك 21: 29 وأيوب 21: 19 وإشعياء 65: 7 وإرميا 32: 18

لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لم يقتصر قدماء الوثنيين على السجود لتماثيلهم وصورهم بل كانوا يعبدونها أيضاً ويعتقدون قوة فيها فوق الطبيعة كأنها آلهة بالذات. وكانوا يعبدون السماويات بتلك الأرضيات. ولكنهم عبدوا صورها وتماثيلها كما عبدوها. قال أرنوبيوس «إني أنا نفسي منذ عهد ليس ببعيد عبدت التماثيل تماثيل الآلهة على أثر خروجها من الأتون وأثر رفعها عن السندان وتماثيل العاج والخشب المنقوش والحجارة المصقولة المقررة في خشب الزيتون وكنت أحترمها كأن فيها قوة ذاتية وأتوسل وأطلب البركة مما لا حس فيه». وقال سنيكا «يصلي الناس لتماثيل آلهتهم وصورها ويجثون أمامها أو يقفون أمامها أياماً طويلة ويطرحون لها النقود ويذبحون لها البهائم ويحترمونها أحسن الاحترام».

إِلٰهٌ غَيُورٌ ليس معنى الغيرة هنا الحسد لمن ينال ما لم ينله الحاسد كما توهم بعض اليونان بل المعنى الإنفة من المشاركة له في المجد والكرامة لأن الله لا يسمح بأن يُعطى غيره كرامته (إشعياء 42: 8 و48: 11). أو يسمح بأن يباريه أحد في سلطانه (قابل ص 24: 13 بما في تثنية 4: 24 و5: 9 و6: 15 ويشوع 24: 19).

أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ من المحقق بمقتضى قضاء الله أن ذنوب الآباء تُفتقد في الأبناء. فالأمراض الخبيثة التي يُعرض الوالدون أنفسهم لها تلحق أولادهم إرثاً طبيعياً. وتوغُل الوالدين في الخلاعة والشهوات والمسكرات تترك أولادهم فقراء وأعمال الأشرار بلاء لأنسالهم حتى تصير أجسامهم وعقولهم على توالي العصور عرضة لكل ألم و مرض. ويكفي أن نذكر هنا ما لحقنا من خطيئة الأبوين الأولين. وكل أسرع فيها نقائص ورثتها عن أسلافها. فذكر الله هذه السنة التي أودعها عالم الطبيعة ردعاً للوالدين عن التهافت إلى المعاصي وارتكاب الآثام. على أن الأولاد يستطيعون بمعونة الله أن يقاوموا قبيح الأميال الوراثية فيستطيعوا بذلك أن يخلصوا منها بعد بضعة أجيال ولا يمكن الخلاص منها بلا الاجتهاد في إدراكه بمساعدة القادر على كل شيء. ولكن يجب أن يُعلم هنا أن الأولاد لا يُطالبون في يوم الدين بأعمال والديهم فخطيئة الأب لا تلحق الابن فكل مسؤول بعمله فالنفس التي تخطأ هي النفس التي تموت «اَلٱبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلأَبِ وَٱلأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلٱبْنِ. بِرُّ ٱلْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ ٱلشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ» (حزقيال 18: 20).

6 «وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ».

ص 34: 7 وتثنية 7: 9 ومزمور 89: 34 ورومية 11: 28

وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ أي ألوف من الأجيال أو الجيل الألف على الأرجح (تثنية 7: 9). إن رحمة الله فوق غيظه إلى حد لا يُدرك فالإثم يُفتقد إلى الجيل الثالث أو الرابع وأما الإحسان فيدوم إلى الأبد.

7 «لاَ تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلاً».

ص 23: 1 و7 ولاويين 19: 12 وتثنية 5: 11 ميخا 6: 11

لاَ تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً اختلف المفسرون في معنى هذه الوصية فقال قوم أنها تنهي عن القسم بالله على صحة ما هو كاذب. وقيل أنها تنهي عن التهاون والاستخفاف باسمه تعالى حتى تحظر على الإنسان أن ينطق باسمه بدون مراعاة الرهبة والاحترام. وعلى كل من القولين لا تمنع من إثبات الحق بالقسم إذا أوجبت الشريعة. وقد أبان المسيح في موعظته على الجبل إن الشريعة منعت عن القسم على صحة ما هو باطل فقط (متّى 5: 34). وهذه الوصية عظيمة الفائدة فإن تعديها يفسد أحوال الهيئة الاجتماعية ويطوح إلى الدمار ولهذا كان العقاب على تعديها شديداً. وكُرر معناها في الآية السادسة عشرة. ومنع من تعديها كل الشرائع السياسية فأوجبت الشريعة الموسوية على متعديها شديد العقاب (تثنية 19: 18 و19). وأوجبت الشريعة القدمى على متعديها القتل أو الجدع أو الجبّ. وعاقبت اليونانية متعديها بتأدية المال الكثير ثم الحرمان من الحقوق المدنية والرومانية القدمى بالقتل. واعتقد المصريون واليونانيون والرومانيون أن الآلهة تغضب على مرتكب هذا الإثم وإنها تضر به فتخسّره صحته أو ماله وتذهب بنجاحه.

ٱلرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ أي لا بد من أن يعاقبه على تعديه فإن لم يعاقبه في هذه الدنيا عاقبه في الآخرة فإن الرب يدفع عن كرامته.

8 «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ».

ص 31: 13 و14 ولاويين 19: 3 و30 و26: 2 وتثنية 5: 12 وحزقيال 20: 12

اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ يجب أن يُنتبه هنا في هذه الوصية لأمر لم يأت في غيرها تميزت به عن كل ما سواها من الوصايا وهو قوله «أذكر». فهذا دليل قاطع على أن هذه الوصية كانت قبل إعطاء الشريعة على طور سيناء. فلا بد من أنها كانت منذ إعطاء المن إن لم تكن قبله (ص 16: 23) والصحيح أنها كانت منذ زمن بعيد (انظر تفسير ص 16: 25).

لِتُقَدِّسَهُ فإذاً راحة السبت راحة مقدسة (ص 16: 23). ولم يتبين كل المقصود من هذا التقديس لكن معظمه الكف عن الأعمال العالمية دون الالتفات إلى الأمور الروحية (ص 16: 23 - 30 و20: 9 - 11 و23: 12 و24: 21 و25: 2 و3 وتثنية 5: 12 - 15). وإذ لم يُذكر في هذه الوصية وجوب تعليم العقائد الدينية والعبادة في ذلك اليوم اتخذه اليهود كما قال أوغسطينوس لمجرد الراحة البدنية على أن تقديم الذبائح فيه صباحاً ومساء إشارة واضحة إلى العبادة والتعليم الديني فيه.

9 «سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ».

ص 23: 12 و31: 15 و34: 21 ولاويين 23: 3 ولوقا 13: 14

سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ الكلام يفيد الأمر بالعمل في ستة أيام من الأسبوع. وإن كان في صورة الخبر على ما رأى كثيرون فيجب أن نعمل في الأيام الستة كما يجب أن نستريح في السابع. فالوصية لا تقتصر على النهي عن العمل في اليوم السابع بل تأمر بالعمل في سائر الأسبوع فيكون العمل فرضا. وقال بعضهم جاء الأمر في صورة الخبر والنفي في صورة النهي لبيان أن النهي هو الغرض الأسمى في هذه الوصية فكأنه قال لا تعمل سوى ستة أيام في الأسبوع.

10 «وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ».

تكوين 2: 2 و3 وص 16: 26 نحميا 13: 16 إلى 19

وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ أي يجب أن يكون في اليوم السابع راحة من الأعمال الدنيوية وعمل في الأمور الروحية (انظر تفسير ع 8).

لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا يشمل هذا المنع عن أمور كثيرة منها:

  1. جمع المن في يوم السبت (ص 16: 26).

  2. إيقاد النار فيه (ص 35: 3).

  3. الاحتطاب فيه (عدد 15: 35). واستُثنى من المنع خدمة الكهنة واللاويين في الهيكل والعناية بالمرضى وإنقاذ البهيمة من الخطر (انظر متّى 12: 5 و11). لكن اليهود تمادوا في ذلك حتى امتنعوا عن الضروريات. وكان في زمان المكابيين لا يجوز للإنسان أن يدفع العدو إذا هجم عليه في يوم السبت (1مكا 2: 32 - 38 و2مكا 5: 25 و26 و6: 11 و15: 1). لكن ربنا يسوع المسيح نبّه على هذا الخطإ وأبان جواز الأعمال الضرورية ولكن غير الضروريات ممنوع إتيانه في ذلك اليوم في العهدين فيجب الاعتناء بتقديس يوم الرب إلى نهاية العالمين.

وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ الخ كان على كل أهل البيت أن يقدسوا السبت ويستريحوا فيه من قوي وضعيف وسيد وعبد ومخدوم وخادم لأنهم في حاجة إلى الراحة في سُبع الأسبوع. والعبيد أشد احتياجاً إليها من غيرهم لكثرة أعمالهم ومشقاتهم وكذلك البهائم. وهذا يبين لنا أن رحمة الله شاملة كل حساس من مخلوقاته (تكوين 8: 1 و9: 9 - 11 وخروج 9: 19 وتثنية 25: 4 ويوحنا 4: 11).

11 «لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ».

تكوين 2: 2

لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ (قابل هذا بما في تكوين 2: 2 و3 وخروج 31: 17) والمرجّح كل الترجيح أن الله جعل أيام الخلق ستة ليعيّن اليوم السابع راحة وأن سُبع الأيام هو الوقت المناسب لراحة الإنسان وبهائمه. وإلا فالله قادر أن يخلق كل شيء في يوم واحد بل في أقل من دقيقة ولو أراد لأتى ذلك. فعيّن السابع لما ذُكر منذ الخليقة فخلق كل شيء في ستة أيام واستراح (أي كف عن خلق أشياء جديدة) في اليوم السابع فعلم الناس بالمثال ثم بالقول. وجعله رمزاً إلى الراحة الأبدية الباقية لشعب الله (عبرانيين 4: 9) وذكراً للراحة من أثقال العبودية (تثنية 5: 15) فيذكر به الإسرائيليون أعماله العجيبة في مصر وما أسبغه عليهم الرب من البركات والسلام ويتمتعون فيه بالراحة من الأعمال الدنيوية ويفرحون بالنجاة من نير المسخّرين المصريين.

12 «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».

ص 21: 17 ولاويين 19: 3 وتثنية 5: 16 وإرميا 35: 18 ومتّى 15: 4 ولوقا 18: 20 وأفسس 6: 2 ص 23: 26 وإرميا 35: 7

أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ ليس من مهمات الأمور قمسة الوصايا العشر ولا ماذا كان منها على كل من اللوحين ولكن يرجّح أن الوصية الخامسة أول وصايا اللوح الثاني فهو يتضمن ما يجب علنيا للقريب أي كل ما على الإنسان لغيره من الناس. واللوح الأول يتضمن الوصايا التي تبين ما يجب على الناس لله. وهذه الوصايا العشر خلاصة كل الشريعة النافعة للأرواح والأجساد.

وكان الاحترام واجباً على الأولاد للوالدين لأسباب كثيرة نقتصر على ذكر ثلاثة منها:

  1. إن الوالدين في بعض الاعتبارات علة وجود الأولاد.

  2. إنهم مربوهم ومغذوهم وملبسوهم.

  3. إنهم مدبروهم في كل ما ينفعهم من وقاية وتعليم وتهذيب فمنهم أساس آداب الأولاد وهم زارعو بذور الفضيلة فيهم من نعومة أظفارهم وركن سجاياهم ومبادئ معارفهم. فإن الوالدين في كل أمة حتى البرابرة المنحطين في سلم المدنية يبذلون جهدهم في تعويد أولادهم منذ الصغر كل ما يظنونه نافعاً لهم من الدينيات والأدبيات. وكان هذا شأن قدماء المصريين منذ نشأة تمدنهم. وكان من قواعدهم الدينية أن الولد العاق من ابن وابنة يحرم السعادة في الآخرة. ومن قواعد كنفوشيوس وجوب أن يكرم صغار الأولاد وكبارهم والديهم. وكان من قواعد اليونان أن نسبة الولد إلى والده كنسبة الإنسان إلى الله. وهذا مبسوط في فلسفة أرسطوطاليس الأدبية بأحسن بيان. وجعل الرومانيين سلطان الأب قاعدة كل نظام المملكة. وأوضحت شريعة الله التي أعلنها الرب على طور سيناء ذلك السلطان ووجب احترام الوالدين والطاعة لهما.

لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ الوصية الخامسة أول وصية بوعد (أفسس 6: 2). وهذا الوعد له معنيان الأول إن الشعب الإسرائيلي إذا استمرت فيه طاعة الأولاد للوالدين طال ملكهم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. والثاني أن كل ولد يكرم والديه يطيعهم يطول عمره حقيقة على تلك الأرض ويحيا عليها سعيداً. ومن مؤيدات المعنى الأول إن الإسرائيليين نجحوا زماناً طويلاً بإطاعة الأولاد للآباء كما قال كثيرون من القدماء. ومن مؤيدات الثاني آية الرسول في رسالة أفسس (أفسس 6: 2) فإنها تصريح بأن الوعد للأولاد بطول العمر حقيقة و هذا ما فهمه ابن سيراخ (حكمة 3: 6). ومما يستحق الذكر هنا أن أحد حكماء المصريين كتب قبل زمن موسى ما أوضح فيه أن الأولاد الذين يطيعون والديهم يعيشون طويلاً.

13 «لاَ تَقْتُلْ».

تثنية 5: 17 ومتّى 5: 21

لاَ تَقْتُلْ أبان الله بعد إعلان ما يجب على الأولاد لوالديهم ما يجب على كل إنسان لغيره من البشر عموماً وأول ذلك ما يتعلق بالحياة. وحفظ الحياة من أول غايات الحكومة. ولقد صدق من قال أن الناس انقسموا في أول أمرهم إلى ولايات وممالك رغبة في صيانة الحياة. وهذا ما صرّح به أرسطوطاليس في المقالة السياسية. وكل شرائع الناس السياسية على اختلاف صنوفهم وعقائدهم تنهي عن القتل.

والذين ليس لهم شرائع مكتوبة من أسافل الأمم مكتوب النهي عن القتل على لسان كل فرد منهم. وحين جعل الله علامة لقايين (تكوين 4: 15) كانت تلك العلامة النهي عن القتل. وهذه الوصية قديمة جداً فإن الله قال لنوح «َمِنْ يَدِ ٱلإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ ٱلإِنْسَانِ. سَافِكُ دَمِ ٱلإِنْسَانِ بِٱلإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ» (تكوين 9: 5 و6). وتواتر كل أرض وبين كل الأمم إن القتل المنهي عنه هنا من شر الذنوب وعرف الناس ذلك بالطبع والعقل. وامتازت الشريعة الموسوية في ذلك بأن فرّقت بين القتل عمداً والقتل خطأ (ص 21: 13 وعدد 25: 23). وتبرير قاتل السارق (ص 22: 2). وقبل هذا التفريق والاستثناء أُعلن القانون العام «لا تقتل» وجاء بالاستنثاء بعده.

14 «لاَ تَزْنِ».

تثنية 5: 18 ومتّى 5: 27

لاَ تَزْنِ أتى الله على أثر الشريعة المتعاقة بالحياة بالشريعة المتوقف عليها سلام البيت وصيانة العرض. إن الزناء عدو أهل البيت وشر ما ينشأ فيه من المعاصي وقاطع علاقات الزواج الطاهر ومُتلف اتحاد الزوجين وهادم أركان الترتيب الاجتماعي. وقد نهت عنه الأمم المتمدنة وعاقبت عليه بعض الأمم بالقتل وكذا الشريعة الموسوية (لاويين 20: 10 - 14 وتثنية 22: 22 - 24). وفيها أن الذي يخون «امرأة عهده» يرتكب إثماً عظيماً كالمرأة التي تخون زوجها فإن الله لا يحابي بالوجوه ولا يراعي جانب الجنسية في ذلك (ملاخي 2: 14 - 16).

15 «لاَ تَسْرِقْ».

لاويين 19: 11 وتثنية 5: 19 ومتّى 19: 18 ورومية 13: 9

لاَ تَسْرِقْ ثالث ما يجب علينا للقريب أن لا نعتدي عليه بأخذ شيء مما له. رأى بعض الناس أفضلية الاشتراك في الأملاك ولكن ذلك لم يتحقق أنه دام ووافق العمران وتقدم الناس في الأعمال. ولم تقم مملكة قط على المبدإ الاشتراكي بل على مبدإ أن لكلٍّ ما ملك. فشريعة الله أيّدت الشريعة التي جرى عليها الناس وحكموا بفضلها بالبداهة. فالبربري الذي يكابد عرق القربة بتحديد قطعة من الصوان لتكون سكيناً لا يرضى أن يأخذها أحد منه على رغمه ويعد ذلك اعتداء عليه. فالوصية الثامنة تنهي عن مثل هذا الاعتداء وتوجب علينا أن نعتزل أخذ ما لغيرنا بغير رضاه مطلقاً.

16 «لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ».

ص 23: 1 وتثنية 5: 20 ومتّى 19: 18

لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ رابع ما يجب علينا للقريب أن لا نضر بسجيته أو بصيته. قال شكسبير الشاعر الإنكليزي:

Table 7. 

ألا من يسرق المسكوك منيفذلك سارق شيئاً حقيرا    
ولكن سارق صيتي جهولفلا يغنى ويتركني فقيرا    

ومعنى ذلك أن سارق الصيت شر من سارق المال لأنه يضرّ بإفساد الصيت أكثر من ضره بسرقة المال وهو مع ذلك جاهل لأنه يضر غيره ولا ينفع نفسه. وشاهد شهادة الزور في المحكمة قد يتجاوز ضرره كل ضرر. وقد حكمت شرائع العالم بعقابه ولا سيما الشريعة العبرانية (تثنية 19: 16 - 20). وزادت على ذلك أن لا يصدق من عرف بشهادة الزور (ص 23: 1).

17 «لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ».

تثنية 5: 21 وميخا 2: 2 وحبقوق 2: 9 ولوقا 12: 15 وأعمال 20: 33 ورومية 7: 7 وأفسس 5: 3 وعبرانيين 13: 5 أمثال 6: 29 وإرميا 5: 8 ومتّى 5: 28

لاَ تَشْتَهِ أعلن الله هذه الوصية مبدأ عاماً لشريعته فنهى بها عن أصل كل قول وعمل محظور فلم تكتف بالنهي عن الأقوال والأعمال المحرمة فزادت عليه النهي عن أفكار القلب وأمياله الشريرة. وقد أصاب من قال أن الوصية العاشرة تتضمن الوصية السابعة والوصية الثامنة فإنهما من سكان مخادع الشهوة (قابل هذا بما في متّى 5: 27 و28). ولم ينتبه علماء الفلسفة الأدبية من الأقدمين لشر الشهوة فإنهم أجازوها وحرموا القول والعمل فقط. ولهذا لم يجتهد أحد منهم في لجم شهواته. فكان من الضرورة أن تنبه شريعة الله على ذلك لأن الشهوة أم كل محظور من الأقوال والأعمال. وما أحسن قول الرسول «مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ ٱلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 10: 5).

توسط موسى باختيار الشعب ع 18 إلى 21

خاف الإسرائيليون كثيراً من صوت الله في تبليغهم الوصايا العشر فإنهم لم يحتملوا شدة القرب من القدوس الأزلي القدير حتى أن موسى نفسه قال «أنا مرتعب ومرتعد» (عبرانيين 12: 21). وكان خوف الشعب يزيد على توالي الثواني حتى رجع إلى الوراء هرباً من ذلك الصوت الرهيب. ويتبين من سفر تثينة الاشتراع أن الإسرائيليين لجأوا إلى الخيام (تثنية 5: 30) وأرسلوا إلى موسى يسألونه أن يخاطبهم بالنياية عن الله ومن ثم كان موسى يسمع من الله وينبئهم.

18 «وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ وَٱلْبُرُوقَ وَصَوْتَ ٱلْبُوقِ، وَٱلْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ ٱرْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ».

عبرانيين 12: 19 ورؤيا 1: 10 ص 19: 18

وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ يَرَوْنَ ٱلرُّعُودَ أي يرون علامات الرعد ويسمعون الرعود أو المقصود بالرؤية هنا العلم والشعور. وقد ذكرت المظاهر على سيناء في تفسير (ص 15: 16 - 20).

وَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ إن موسى أتى بهم إلى القرب من الطور عند حضيض رأس الصفصافة (ص 19: 17) وهنالك سهل فقدروا أن يتأخروا.

19 «وَقَالُوا لِمُوسَى: تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا ٱللّٰهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ».

تثنية 5: 27 و18: 16 وغلاطية 3: 19 وعبرانيين 12: 19 تثنية 5: 25

تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا جاء في سفر التثنية ما نصه «قُلْتُمْ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا قَدْ أَرَانَا مَجْدَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَسَمِعْنَا صَوْتَهُ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ. هٰذَا ٱلْيَوْمَ قَدْ رَأَيْنَا أَنَّ ٱللّٰهَ يُكَلِّمُ ٱلإِنْسَانَ وَيَحْيَا.وَأَمَّا ٱلآنَ فَلِمَاذَا نَمُوتُ؟ لأَنَّ هٰذِهِ ٱلنَّارَ ٱلْعَظِيمَةَ تَأْكُلُنَا. إِنْ عُدْنَا نَسْمَعُ صَوْتَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا أَيْضاً نَمُوتُ! لأَنَّهُ مَنْ هُوَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَشَرِ ٱلَّذِي سَمِعَ صَوْتَ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ مِثْلَنَا وَعَاشَ؟ تَقَدَّمْ أَنْتَ وَٱسْمَعْ كُلَّ مَا يَقُولُ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، وَكَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يُكَلِّمُكَ بِهِ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنَعْمَلَ» (تثنية 5: 24 - 27).

20، 21 «20 فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ ٱللّٰهَ إِنَّمَا جَاءَ لِيَمْتَحِنَكُمْ، وَلِتَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا. 21 فَوَقَفَ ٱلشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ ٱللّٰهُ».

1صموئيل 12: 20 وإشعياء 41: 10 تثنية 13: 3 تثنية 4: 10 و6: 2 و10: 12 و28: 58 وأمثال 3: 7 و16: 6 وإشعياء 8: 13 ص 19: 16 و1ملوك 8: 12

فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْب لاَ تَخَافُوا استحسن الله رجوع الشعب إلى الخيام (تثنية 5: 28 - 30) فاقترب موسى حينئذ إليه ودخل الضباب الكثيف حيث كان الله (ع 21). ومما يستحق الاعتبار أن المظهر الذي دفع الشعب هو عينه الذي جذب موسى.

كتاب العهد ع 22 إلى 26

لنا في بقية هذا الأصحاح والأصحاحات الثلاثة التي بعده نسق الشرائع التي أعلنها الله لموسى على أثر إعلان الوصايا العشر وهي إيضاح مفصل لما في هذه الوصايا وقد ذُكرت متفرقة في أسفار اللاويين والعدد والتثنية وعُرفت هذه المعلنات بكتاب العهد (ص 24: 7). وبداءة هذا الكتاب مما يختص بعبادة الله (ص 20: 22 - 26). وبعدما يتعلق بالله بيان ما يتعلق بالإنسان (ص 21: 1032) من الحقوق الشخصية ثم حقوق الملك (ص 21: 33 - ص 22: 15). ثم عدة شرائع متفرقة (ص 22: 16 - ص 23: 19) وبعض ذلك يتعلق بالله وبعضه يتعلق بالإنسان. وما يتعلق بالله ذُكر آخراً فكان خاتمة «كتاب العهد» كمقدمته. وكانت محتوياته جوهر كل الشريعة التي ساس بها بني إسرائيل أربعين سنة.

الشرائع المتعلقة بالدين والعبادة

22 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ».

تثنية 4: 36 ونحميا 9: 13

أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ هذا كان ضرورياً لبيان أن معلن كتاب العهد هو معلن الوصايا العشر. وبناء على ذلك كان هذا التنبيه أول كلمات ذلك الكتاب.

23 «لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ وَلاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ».

2ملوك 17: 33 وحزقيال 43: 8 وصفنيا 1: 5 و2كورنثوس 6: 16 ص 32: 1 إلى 4

لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ الخ أي لا تعبدوا مع عبادتكم لي آلهة مصنوعة من فضة. وذكر آلهة الفضة وآلهة الذهب على الخصوص لأن بني إسرائيل كانوا أشد ميلاً إليها من ميلهم إلى غيرها من الأوثان وكفى دليلاً على ذلك عجلهم الذهبي. وكانت الأوثان المسبوكة من الفضة والذهب موضوع عبادة الإسرائيليين في أوقات الضلال الأوقات التي سبقت الجلاء. فإن يربعام أقام التماثيل المسبوكة في دان وبيت إيل (1ملوك 14: 9 و2ملوك 17: 16). وكان تمثال البعل من المسبوكات (2أيام 28: 2). والمرجّح أن تماثيل عشتروت وكموش ومولوك كانت كذلك. ولم يمل الإسرائيليون شديد الميل إلى عبادة البهائم التي كان المصريون يعبدونها. ولم يقدموا القرابين لتماثيل الرخام والحجارة التي كان الأشوريون واليونان يعبدونها ولا مالوا إلى السجود للمواشي والأشجار التي كانت الأمم المجاورة تسجد لها إٰنما مالوا كثيراً إلى عبادة المنحوتات والمسبوكات (قابل بهذه ما في إشعياء 30: 22 و42: 17 وإرميا 10: 14 وهوشع 13: 2 الخ). وقد كانوا يتخذون التماثيل من الخشب المغشى بصفائح الفضة والذهب أحياناً (حبقوق 10: 19) لكن تلك التماثيل كانت نادرة عندهم.

24 «مَذْبَحاً مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ، غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. فِي كُلِّ ٱلأَمَاكِنِ ٱلَّتِي فِيهَا أَصْنَعُ لٱسْمِي ذِكْراً آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ».

لاويين 1: 2 تثنية 12: 5 و11 و21 و14: 23 و16: 6 و1ملوك 9: 3 و2أيام 7: 16 وعزرا 6: 12 ونحميا 1: 9 ومزمور 74: 7 وإرميا 7: 10 و12 تكوين 12: 2 وتثنية 7: 13

مَذْبَحاً مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي كانت الذبائح القديمة من تراب وبعضها من حجارة خشنة تُجمع ركاماً لأن ذلك لا يحتاج إلى عمل يشغل زماناً طويلاً ولا يُفتقر فيه إلى أدوات البناء. ولكن لما تقدم الإسرائيليون في المدنية أخذوا يبنون المذابح على قواعد البناء. وغلب أن بنوا المذابح من الحجارة المقطوعة المهذبة وزانوها بصور الناس والبهائم. ونفهم من عبارة الوحي هنا وفي الآية الخامسة والعشرين أن الله قصد بنهيهم عن مثل المذابح الأخيرة وقايتهم مما يقود إلى عبادة الأوثان.

مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ أُخذ في تقدمة الذبائح على أثر الخروج من الفردوس (تكوين 4: 3 و4) ثم شاع تقديمها وعمّ فقدّم نوح الذبائح على أثر خروجه من الفلك (تكوين 8: 20). وكانت التقدمات من متعلقات عبادة إبراهيم وآله (تكوين 12: 7 و15: 9 و22: 7 و26: 25 و31: 54 الخ). وكانت الذبائح من متعلقات عبادات المصريين والأشوريين والفرس والفينقيين واليونان والسكيثيين والسلتيين والجرمانيين. والعبرانيون تركوا مصر في أول الأمر بغية تقديم الذبائح. وكانت تقدماتهم نوعين «محرقات» و «ذبائح سلامة».

25 «وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحاً مِنْ حِجَارَةٍ فَلاَ تَبْنِهِ مِنْهَا مَنْحُوتَةً. إِذَا رَفَعْتَ عَلَيْهَا إِزْمِيلَكَ تُدَنِّسُهَا».

تثنية 27: 5 ويشوع 8: 31

وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحاً مِنْ حِجَارَةٍ كانت كل مذابح المتمدنين تقريباً من الحجارة وكانت خيراً من المذابح الترابية في أنها أبقى. والله لم يمنع الإسرائيليين منها كل المنع لكنه منع من نحتها ونقشها دفعاً لأسباب التهافت إلى الديانة الوثنية فكانوا يبنونها في بعض الأحيان من الحجارة غير المنحوتة (يشوع 8: 31 و1ملوك 18: 32). وقد كُرر المنع من ذلك (انظر تفسير ع 24).

تُدَنِّسُهَا عمل يد الله فهي طاهرة ومقدسة إنما الإنسان يدنسها بأعماله. فكان من الواجبات أن يكون المذبح الذي تقدم عليه كفارة الخطيئة خالصاً من التدنيسات البشرية. وقد جاء الكلام في تقديس المذبح في (ص 24: 1).

26 «وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كَيْ لاَ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُكَ عَلَيْهِ».

وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كان ذلك متوقفاً على لبس الكهنة ولما تغيّر تغيّر الأمر فكان مذبح سليمان ذا درج (قابل ما في 2 أيام 2: 4 بما في حزقيال 43: 17).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

الشريعة المتعلقة بحقوق الإنسان

1 «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلأَحْكَامُ ٱلَّتِي تَضَعُ أَمَامَهُمْ».

ص 24: 4 و4 وتثنية 4: 14 و6: 1

هٰذِهِ هِيَ ٱلأَحْكَامُ فسّر بعضهم الأحكام بالحقوق وفسّرها بعضهم بالشرائع وبعضهم بالقواعد التي تتعلق بالحقوق ومعناها التام مجموع هذه الأقوال.

2 «إِذَا ٱشْتَرَيْتَ عَبْداً عِبْرَانِيّاً فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ، وَفِي ٱلسَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرّاً مَجَّاناً».

لاويين 25: 39 إلى 41 وتثنية 15: 12 وإرميا 34: 14

إِذَا ٱشْتَرَيْتَ عَبْداً عِبْرَانِيّاً كانت العبودية من مبادئ المجتمع البشري القديم. قال أرسطوطاليس غاية ما انتهت إليه مبادئ السياسة في البيت ما بين السيد ورفيقه والرجل وزوجته والوالد وأولاده. وكان العبيد صنفين وطنياً وأجنبياً. وكان العبراني يصير عبداً لثلاثة أسباب.

  1. أن يرتكب بعض الذنوب في بعض الأحوال (ص 22: 3).

  2. الدَّين إذا عجز عن إيفائه (لاويين 25: 39) لكنه لا يكون عبداً على رغمه سوى ست سنين (ع 5).

  3. أن يبيعه أبوه لأنه كان للعبراني أن يبيع ولده (نحميا 5: 5). وكان العبد الأجنبي إما أسيراً وأما مشترىً (لاويين 25: 45).

فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ ما كان للعبراني أن يستعبد عبرانياً أكثر من ست سنين وإن جاء اليوبيل قبل نهاية السنين الست حُرّر أيضاً قبل أن يتمها (لاويين 25: 39 - 41) إلا إذا شاء أن يبقى عبداً (ع 5). وهذه الشريعة بقيت زماناً طويلاً ولم تُنسخ إلا منذ زمن ليس ببعيد. وهي ليست من الشريعة الأدبية الواجبة البقاء إنما مما تُرك لاختيار الناس على ما اقتضته الأحوال.

3 «إِنْ دَخَلَ وَحْدَهُ فَوَحْدَهُ يَخْرُجُ. إِنْ كَانَ بَعْلَ ٱمْرَأَةٍ، تَخْرُجُ ٱمْرَأَتُهُ مَعَهُ».

تَخْرُجُ ٱمْرَأَتُهُ مَعَهُ كانت عبودية العبد المتزوج لا تلحق زوجته ولكنه كان له الحق أن يبقيها معه ولا ريب أنه كان له أن يُبقي أولاده معه مدة عبوديته.

4 «إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ ٱمْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتٍ، فَٱلْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ وَحْدَهُ».

إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ ٱمْرَأَةً كان للعبد العبراني العزب أن يتزوج أَمة وكان له أن يتحرر في نهاية المدة ولكن لم يكن لزوجته كذلك فتبقى هي ومن ولدت في العبودية.

5 «وَلٰكِنْ إِنْ قَالَ ٱلْعَبْدُ: أُحِبُّ سَيِّدِي وَٱمْرَأَتِي وَأَوْلاَدِي. لاَ أَخْرُجُ حُرّاً».

تثنية 15: 17 و17

وَلٰكِنْ إِنْ قَالَ ٱلْعَبْدُ أُحِبُّ سَيِّدِي الخ كان كثيرون من العبيد عند العبرانيين يحبون سادتهم لرفقهم بهم وحنوهم عليهم ولكن العبيد في رومية كانوا يقاسون جهد البلاء والعذاب الذي لا يحتمل فكانوا يشكرون السادة أعظم الشكر لأقل الرحمة. فكان الفرق عظيماً بين عبيد العبرانيين وعبيد الرومانيين فإن العبد العبراني لم يكن يُستعبد مثل استعباد الرقيق بل كان كأجير ونزيل (لاويين 25: 39 و40). وما كان لسيده أن يتسلط عليه بعنف (لاويين 25: 46). ولذلك غلب أن يحب العبد سيده ولا يريد أن يخرج من بيته ويود أن يبقى مع زوجته وأولاده مع إكرام سيده لهم.

6 «يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إِلَى ٱللّٰهِ وَيُقَرِّبُهُ إِلَى ٱلْبَابِ أَوْ إِلَى ٱلْقَائِمَةِ، وَيَثْقُبُ سَيِّدُهُ أُذُنَهُ بِٱلْمِثْقَبِ، فَيَخْدِمُهُ إِلَى ٱلأَبَدِ».

ص 18: 19 و22: 8 و9 وتثنية 17: 8 إلى 13 و19: 17 و18 1صموئيل 1: 22

يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إِلَى ٱللّٰهِ الخ ترجم بعضهم هذا بقوله يقدمه إلى القضاة لأن الكلمة في العبرانية «هالوهيم» أي الآلهة وهم القضاة وذلك لكي يثبت أنه اختار العبودية من تلقاء نفسه. وكانت علامة ذلك أن تثقب أذنه بالمثقب عند الباب أو القائمة ولذلك صار ثقب الأذن كناية عن العبودية اختياراً (مزمور 40: 6). وقد جاء إلوهيم بمعنى القضاة في (ص 22: 8 و9).

7 «وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ٱبْنَتَهُ أَمَةً، لاَ تَخْرُجُ كَمَا يَخْرُجُ ٱلْعَبِيدُ».

نحميا 5: 5 ع 2 و3

وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ٱبْنَتَهُ أَمَةً كان للقدماء حق أن يبيعوا أولادهم وكان ذلك فاشياً بينهم على اختلاف أممهم على ما يُفهم من تاريخ هيرودوتس. وان لليهود كذلك ولكنه كان نادراً عندهم. ولم يأت ذلك سوى بعض فقرائهم البائسين (نحميا 5: 5). وكان للنساء المستعبدات أن يتحررن بعد ست سنين إذا شئن (تثنية 15: 17 انظر أيضاً خروج 21: 8 و9). وكان للمَبيعة إن لم تُعامل حسناً أن تترك مشتريها ولا يُرد له الثمن (ع 11).

8 «إِنْ قَبُحَتْ فِي عَيْنَيْ سَيِّدِهَا ٱلَّذِي خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ يَدَعُهَا تُفَكُّ. وَلَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يَبِيعَهَا لِقَوْمٍ أَجَانِبَ لِغَدْرِهِ بِهَا».

ٱلَّذِي خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ المعنى أن الرجل الذي لا تروق له من اشتراها يجب عليه ما يأتي.

يَدَعُهَا تُفَكُّ الخ أن تحرر منه بأن يشتريها غيره من العبرانيين وليس له أن يبيعها أجنبياً لأن أباها لا يريد أن يتزوجها غير عبراني.

9 «وَإِنْ خَطَبَهَا لٱبْنِهِ فَبِحَسَبِ حَقِّ ٱلْبَنَاتِ يَفْعَلُ لَهَا».

أي أنه يزفها إلى ابنه كما تُزف غيرها من بنات العبرانيين.

10 «إِنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أُخْرَى، لاَ يُنَقِّصُ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا وَمُعَاشَرَتَهَا».

1كورنثوس 7: 5

إِنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أُخْرَى يُفهم من هذا أن الزواج بغير امرأة واحدة كان مباحاً للعبرانيين على أن شريعة موسى لم تمدح ذلك وإن لم تنه عنه لقساوة قلوبهم (متّى 19: 8).

11 «وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَهَا هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَ تَخْرُجُ مَجَّاناً بِلاَ ثَمَنٍ».

هٰذِهِ ٱلثَّلاَثَ الأولى التصاقه بها. والثانية تزويجها ابنه. والثالثة نقلها إلى عبراني غيره.

12 «مَنْ ضَرَبَ إِنْسَاناً فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلاً».

تكوين 9: 6 ولاويين 24: 17 وعدد 35: 30 و31 وعبرانيين 26: 52

مَنْ ضَرَبَ إِنْسَاناً فَمَاتَ حُرم القتل في الوصية السادسة إجمالاً وجاء هنا بعض التفصيل فإن الوصية لا تُرهب حق الرهبة ما لم يُرتب عليها العقاب أو الجزاء. ولنا هذا أمران الأول إن جزاء القتل القتل أي قتل القاتل. والثاني إعداد ملجأ للقاتل بلا عمد. ومعاقبة القاتل بالقتل سُنت منذ عصر نوح (تكوين 9: 6). والعقل والضمير يدلان على أن تلك الشريعة ثبتت عند الناس من أقدم العصور. فشريعة الطور تثبيت للشرائع الحقة التي كان عليها الناس قبل الكتاب وفرض إجرائها فعلاً (1ملوك 2: 28 - 34) حتى أنه أُوجب أن يُقتل القاتل ولو استجار بمذبح الله.

13 «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ، بَلْ أَوْقَعَ ٱللّٰهُ فِي يَدِهِ، فَأَنَا أَجْعَلُ لَكَ مَكَاناً يَهْرُبُ إِلَيْهِ».

عدد 35: 22 وتثنية 19: 4 و5 1صموئيل 24: 4 و10 و18 عدد 35: 1 وتثنية 19: 3 ويشوع 20: 2 و3

وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ، بَلْ أَوْقَعَ ٱللّٰهُ فِي يَدِهِ أي الذي يقتل عن غير عمد ولا مقصد شر كأن الله يدفع إنساناً ليقتله بيده فيقتله بدون أن يتعهد ذلك.

فَأَنَا أَجْعَلُ لَكَ مَكَاناً يَهْرُبُ إِلَيْهِ فيبقى آمناً في ذلك المكان إلى أن تجري المحاكمة وتتبين براءته من تعمّد القتل. وكانت الشريعة في الشرق أن القاتل يُقتل تعمّد القتل أم لم يتعمّده فلم يعهد أنه كان ملجأ للقاتل قبل ذلك. فمدينة الملجإ لم تُعرف قبل الشريعة التي خاطب الله بها موسى على طور سيناء. وكان الذين ينظرون في أمر تعمّد القاتل وخطإه شيوخ بلدته فإذا وجدوه قد قتل خطأ حموه وإلا عوقب (عدد 35: 22 - 25).

14 «وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ».

عدد 15: 30 و35: 20 وتثنية 19: 11 و12 وعبرانيين 10: 26 1ملوك 2: 28 إلى 34 و2ملوك 11: 15

وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ أي ظلمه واعتدى عليه.

فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ (قابل هذا بما في 1ملوك 2: 28 - 34). كان أكثر أهل العالم القديم يحظرون قتل الملتجئين إلى الأماكن المقدسة ويلعنون من يقتلهم بناء على ظنهم أنه لو كان معتدياً أو متعمداً للذنب ما لجأ إلى ذلك المكان. لكن الشريعة الموسوية حسبت ذلك من الخرافات. ورفضت أن يوقي القاتل في الأماكن المقدسة وأمرت بقتله إذا ثبت أنه قتل عمداً.

15 - 17 «15 وَمَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً. 16 وَمَنْ سَرِقَ إِنْسَاناً وَبَاعَهُ، أَوْ وُجِدَ فِي يَدِهِ، يُقْتَلُ قَتْلاً. 17 وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً».

تثنية 24: 7 و1تيموثاوس 1: 10 تكوين 37: 28 ص 22: 4 لاويين 20: 9 وأمثال 20: 20 ومتّى 15: 4 ومرقس 7: 10

كان القتل ثلاثة ذنوب (1) ضرب الأب أو الأم. (2) سرقة الإنسان. و(3) لعن الإنسان إحدى والديه. وفرض الله قتل مرتكب أحد هذه الذنوب دليل قاطع على شدة كرهه تعالى إياها. فإن الوالدين نائبا الله فضارب أحد الوالدين يعد معتدياً على الله سبحانه. ولعنة أحدهما استهانة بالله وإذ كانت اللعنة تُطلب من الله كان لاعن والديه طالباً من الله أن يلعن نائبه. وسابي الناس يقرب من القاتل لأنه يسلب من الإنسان حريته التي تتوقف عليها لذته بالحياة فكأنه بسبيه إياه وبيعه عبداً أو استعباده إياه لنفسه سلب حياته. وكثيرون من الناس يفضلون الموت على العبودية لأن عاقبتها عيش الشقاء إلى نهاية الحياة. وتاريخ يوسف ابن يعقوب يبين لنا كيف كان يسهل على الناس أن يجعلوا الحر عبداً ويفصلوه عن أهله وأقربائه وأصحابه ويجعلونه غريباً ذليلاً محتقراً بين الغرباء (تكوين 37: 25 - 28) وكان الناس في الأزمنة القديمة يقيمون سوقاً للرقيق فكان ما أتت به الشريعة الموسوية حينئذ من خير ما يضطر إليه الناس يومئذ.

18، 19 «18 وَإِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا ٱلآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ وَلَمْ يُقْتَلْ بَلْ سَقَطَ فِي ٱلْفِرَاشِ، 19 فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجاً عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ ٱلضَّارِبُ بَرِيئاً. إِلاَّ أَنَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ».

2صموئيل 3: 29

بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ (إذ قاصد القتل لا يكتفي بضرب الحجر أو اللكمة إنما يضرب بما يقتل قطعاً).

فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجاً عَلَى عُكَّازِهِ ما كان يثبت القتل بمجرد الضرب ولو كان المقصود منه القتل فإذا قام المضروب من فراشه ولو زماناً قليلاً واستعان بعكازه سقط جرم القتل ولو مات على أثر ما ينتج منه فما كان على الضارب إلا أن يؤدي التعويض والنفقة على العلاج.

20 «وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِٱلْعَصَا فَمَاتَ تَحْتَ يَدِهِ يُنْتَقَمُ مِنْهُ».

تكوين 4: 15 و24 ورومية 13: 4

وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَبْدَهُ إن الشريعة الموسوية لم تقف عند مجازاة القتل للأحرار كغيرها من الشرائع الكثيرة بل صرحت بعقاب قتل العبد أيضاً. فإنه في كثير من بلاد الشرق والغرب كان يُحسب العبد لسيده مطلباً حتى كان له أن يتصرف به كما يشاء. ولم نعلم أن سئل عن حياة العبد في العصور السالفة إلا في الشريعة الموسوية. ولم نعلم تمام العلم ماذا كان قصاص قاتل العبد ولكن جاء في التلمود أنه كان قتل السيد القاتل. وجاء في أقوال المحدثين من اليهود أنه كان يؤدي الديّة. وعل كل حال القتل محظوراً والقصاص معيناً لكل ضرر يلحق بالعبد من سيده (ع 26 و27).

بِٱلْعَصَا آلة القصاص غالباً لكن قد تضر ضرراً شديداً إذا كان الضرب شديداً.

21 «لٰكِنْ إِنْ بَقِيَ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ لاَ يُنْتَقَمُ مِنْهُ لأَنَّهُ مَالُهُ».

لاويين 25: 45 و46

إِنْ بَقِيَ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ لاَ يُنْتَقَمُ مِنْهُ (قابل بهذا ع 19) والغرض من ذلك إن الموت إذا لم يكن على أثر الضرب كان ذلك مما يدل على أن الضارب لم يقصد القتل ولا سيما إذا كان المضروب العبد لأن قتله خسارة لسيده.

22 «وَإِذَا تَخَاصَمَ رِجَالٌ وَصَدَمُوا ٱمْرَأَةً حُبْلَى فَسَقَطَ وَلَدُهَا وَلَمْ تَحْصُلْ أَذِيَّةٌ، يُغَرَّمُ كَمَا يَضَعُ عَلَيْهِ زَوْجُ ٱلْمَرْأَةِ، وَيَدْفَعُ عَنْ يَدِ ٱلْقُضَاةِ».

ع 30 وتثنية 22: 19

في هذه الآية دليل على اعتبار أن المرأة كالرجل في الحقوق وأنه يُطالب بإضرارها كما يُطالب بإضرار الرجل على خلاف كثير من الشرائع في العصور الخالية. فقاتل المرأة من الرجال يُقتل لأنه في الشريعة الموسوية ما في ما قبلها من شرائع شعب الله الحياة بالحياة.

وَإِذَا تَخَاصَمَ رِجَالٌ وَصَدَمُوا ٱمْرَأَةً حُبْلَى العقل يدل على أن هذه الشريعة كانت مراعاة قبل شريعة موسى. ويرجح وقوع هذا الصدم إذا كان رجل المرأة أحد المتخاصمين فإنها تقرب منهم رغبة في أن تقي زوجها.

وَلَمْ تَحْصُلْ أَذِيَّةٌ فوق أذيّة إسقاط الولد.

23 - 25 «23 وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ، 24 وَعَيْناً بِعَيْنٍ، وَسِنّاً بِسِنٍّ، وَيَداً بِيَدٍ، وَرِجْلاً بِرِجْلٍ، 25 وَكَيّاً بِكَيٍّ، وَجُرْحاً بِجُرْحٍ، وَرَضّاً بِرَضٍّ».

لاويين 24: 20 وتثنية 19: 21 ومتّى 5: 38

نَفْساً بِنَفْسٍ وهذه الشريعة يحكم بمقتضى العقل أنها روعيت قبل شريعة موسى والنص دل على أنها كانت تُراعى في شعب الله قبل أن يخلق موسى. وكانت شائعة بين أمم الأرض وعُرف أنها كانت في الهند ومصر وبلاد اليونان. قال أرسطوطاليس إن أصحاب فلسفة فيثاغورس استحسنوها. وحكم عقلاء الناس على اختلاف صنوفهم بأنها من سنن العدل والحق وخلاصتها العين بالعين الخ أي الجزاء من جنس العمل وقد يعدل عن ذلك إلى الدية. وكان ما في هذه الآية بين شعب اليهود أنفسهم ثم عمّ (انظر لاويين 24: 17 - 21 وتثنية 19: 21).

26، 27 «26 وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَيْنَ عَبْدِهِ أَوْ عَيْنَ أَمَتِهِ فَأَتْلَفَهَا، يُطْلِقُهُ حُرّاً عِوَضاً عَنْ عَيْنِهِ. 27 وَإِنْ أَسْقَطَ سِنَّ عَبْدِهِ أَوْ سِنَّ أَمَتِهِ يُطْلِقُهُ حُرّاً عِوَضاً عَنْ سِنِّهِ».

وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَيْنَ عَبْدِهِ الخ هنا استثناء في الشريعة النسبية وهو إن كان الضار حراً والمضرور عبداً كان ذلك مما يحتمل على تغيير نسبة الجزاء لكن لا يترك العبد بلا واق. فإن الشريعة الموسوية كما جعلت وقاية لحياته جعلت وقاية لسائر أعضائه. فكان جزاء السيد إذا أضر ببعض أعضاء العبد أن يحرر ذلك العبد حالاً. فكان يحرر عبده لإتلافه عينه أو سنه وإن كان الضرر الأول أعظم من الضرر الثاني.

28 «وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلاً أَوِ ٱمْرَأَةً فَمَاتَ، يُرْجَمُ ٱلثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ ٱلثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئاً».

تكوين 9: 5

يُرْجَمُ ٱلثَّوْرُ كان الضرر للإنسان إما من إنسان وإما من بهيمة فكان العدل يقتضي وقايته من ضرر الاثنين. وهذه الشريعة أُعلنت لنوح (تكوين 9: 5) وكررت هنا مع شيء من الإيضاح والتفصيل. فإذا كان الإنسان الذي له البهيمة عارفاً بأمرها كان يُعاقب أيضاً معها (ع 29). وإن كان جاهلاً ذلك اكتفى بتأدية العوض (ع 29). وكان عوض العبد ثمنه وهو ثلاثون شاقلاً من الفضة (لاويين 25: 44 - 46 و27: 3). وكان الثور يُرجم أي يُرمى بالحجارة إلى أن يُقتل.

وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لأنه إذا قُتل رجماً لا يُسفك دمه بالطريق المعتادة فيكون نجساً عند العبرانيين. وعلى ما قال الربانيون لم يكن مباحاً لهم أن يبيعوه للأمم بل كان عليهم أن يدفنوه. وهذا يدل على أن القاتل على اختلاف جنسه ملعون.

29 «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْراً نَطَّاحاً مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ فَقَتَلَ رَجُلاً أَوِ ٱمْرَأَةً، فَٱلثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضاً يُقْتَلُ».

وَصَاحِبُهُ أَيْضاً يُقْتَلُ هذا يدل على أنه كان لوكلاء القتيل أو المطالبين بدمه أن يجبروا الحكام على أن يأخذوا النفس بالنفس لكن يرجّح أنهم في أكثر الأحوال كانوا يكتفون بالدّية.

30، 31 «30 إِنْ وُضِعَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ يَدْفَعُ فِدَاءَ نَفْسِهِ كُلُّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ. 31 أَوْ إِذَا نَطَحَ ٱبْناً أَوْ نَطَحَ ٱبْنَةً فَبِحَسَبِ هٰذَا ٱلْحُكْمِ يُفْعَلُ بِهِ».

ع 22 وعدد 35: 31

كُلُّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الخ كان الذي يضع عليه الجزاء في أول الأمر حُزانة القتيل أي أهله أو عياله الذين يحزنون لضره أو موته. فإذا كان ما يضعونه فوق الطاقة رُفع الأمر إلى القضاة فعيّنوا الفدية المحتملة.

32 «إِنْ نَطَحَ ٱلثَّوْرُ عَبْداً أَوْ أَمَةً، يُعْطِي سَيِّدَهُ ثَلاَثِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ، وَٱلثَّوْرُ يُرْجَمُ».

لاويين 27: 3 إلى 7 وزكريا 11: 12 و13 ومتّى 26: 15 وفيلبي 2: 7 ع 28

معنى هذه الآية أن صاحب الثور القاتل يؤدي سيد العبد المقتول ثمنه ويخسر ثوره.

شريعة المقتنيات ع 33 إلى 36

هذه الشريعة تتعلق بأمرين:

  1. ترك الإنسان حفرته غير مغطاة بما يقي من السقوط فيها.

  2. إضرار أحد بهائم الإنسان ببهائم قريبه مع الجزاء على كل من الأمرين.

33 «وَإِذَا فَتَحَ إِنْسَانٌ بِئْراً أَوْ حَفَرَ إِنْسَانٌ بِئْراً وَلَمْ يُغَطِّهِ، فَوَقَعَ فِيهِ ثَوْرٌ أَوْ حِمَارٌ».

بِئْراً الآبار في الشرق لها أغطية تقي من السقوط فلا تُرفع عنها إلا وقت الاستقاء فكان أنه إذا أبقى أحد البئر مكشوفة سُئل بكل ما يحدث من الضرر بذلك. وكان حفر البئر وتركها مكشوفة ذنباً كذلك فالجزاء على كل منهما واحد.

34 «فَصَاحِبُ ٱلْبِئْرِ يُعَوِّضُ وَيَرُدُّ فِضَّةً لِصَاحِبِهِ، وَٱلْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ».

وَٱلْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ أي له بعد أن يؤدي الجزاء أن يتصرف بالثور أو الحمار الميت كما يشاء.

35، 36 «35 وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرُ إِنْسَانٍ ثَوْرَ صَاحِبِهِ فَمَاتَ، يَبِيعَانِ ٱلثَّوْرَ ٱلْحَيَّ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ. وَٱلْمَيِّتُ أَيْضاً يَقْتَسِمَانِهِ. 36 لٰكِنْ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ ثَوْرٌ نَطَّاحٌ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ صَاحِبُهُ، يُعَوِّضُ عَنِ ٱلثَّوْرِ بِثَوْرٍ وَٱلْمَيِّتُ يَكُونُ لَهُ».

وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرُ إِنْسَانٍ ثَوْرَ صَاحِبِهِ إذا لم يكن من لوم على صاحب الثور الناطح كانت الخسارة متساوية. وإذا كان صاحب الناطح عارفاً بأن ثوره من عادته ذلك كانت الخسارة كلها عليه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

مجازاة السارق مع تفصيل ثلاثة أمور:

(1) النقب و(2) السرقة قبل التصرف بالمسروق (3) السرقة بعد التصرف بالمسروق. والتعويض بضعفي المسروق قبل التصرف وبأربعة أضعاف بعده (ع 1 - 4). وكان لصاحب المسروق أو البيت المنقوب أن يقبض على السارق وأن يقتل الناقب إذا وجده وهو ينقب قبل أن تشرق الشمس (ع 2). وأن يبيعه إذا قبض عليه وهو ينقب على أثر شروق الشمس (ع 3).

1 «إِذَا سَرِقَ إِنْسَانٌ ثَوْراً أَوْ شَاةً فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ، يُعَوِّضُ عَنِ ٱلثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ، وَعَنِ ٱلشَّاةِ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ».

2صموئيل 12: 6 ولوقا 19: 8

إِذَا سَرِقَ إِنْسَانٌ ثَوْراً أَوْ شَاةً كان أعظم مقتنيات الإسرائيليين البقر والغنم ولهذا جُعلت سرقتهما نيابة عن سرقة كل مقتنى.

فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ فلا يبقى شبهة بأنه سارق.

بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ... بِأَرْبَعَةٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ لم تظهر علة هذا الاختلاف في الجزاء ولعل العلة سارق الثور يعد أكثر جسارة من سارق الشاة فزيد جزاؤه كزيادة جسارته.

2 «إِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ».

متّى 24: 43 عدد 35: 27

إِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ الخ يخرق الحائط ليدخل البيت. ووافق كثير من شرائع الأمم شريعة موسى في مقاومة الناقب ليلاً وإباحة قتله فإنه بذلك يُحرم الحقوق المدنية ويُحسب عدواً للأمة كلها.

3 «وَلٰكِنْ إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ ٱلشَّمْسُ فَلَهُ دَمٌ. إِنَّهُ يُعَوِّضُ. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُبَعْ بِسِرْقَتِهِ».

ص 21: 2 ومتّى 18: 25

إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ ٱلشَّمْسُ لأنه إذا كانت الشمس شارقة كان النهار وفي النهار تؤمن السرقة ويستطيع رب البيت أن يستعين بغيره على القبض على الناقب إن لم يستطع القبض عليه بنفسه فلا حاجة حينئذ إلى قتله. وشريعة بعض الأوربيين كشريعة موسى بذلك.

إِنَّهُ يُعَوِّضُ لم يُعين ما هو العوض ولكن ذهب أكثر المفسرين إلى أن مقدار العوض مضاعف قيمة الخسارة.

إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ما يعوض به أو ما يكفي أن يكون عوضاً.

يُبَعْ بِسِرْقَتِهِ أي يكن عبداً لرب البيت ست سنين فيوفي بذلك ما عليه (والظاهر أن لرب البيت أن يبيعه لغيره عبداً إذا شاء).

4 «إِنْ وُجِدَتِ ٱلسِّرْقَةُ فِي يَدِهِ حَيَّةً، ثَوْراً كَانَتْ أَمْ حِمَاراً أَمْ شَاةً، يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ».

ص 21: 61 ع 1 و7 وأمثال 6: 31

إِنْ وُجِدَتِ ٱلسِّرْقَةُ فِي يَدِهِ الخ أي إن لم يكن قد قتل المسروق أو تصرف به جوزي بالضعفين بدل خمسة الأصعاف أو الأربعة.

5 «إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلاً أَوْ كَرْماً وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ، فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ».

إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلاً أتى على أثر الكلام على السرقة بالكلام على الاعتداء المذكور وهو الإضرار بإتلاف المزروعات. ولم يذكر من ذلك سوى نوعين لكن ما ذكره من الجزاء يُقاس عليه في سائر أنواع الإضرار. فالإضرار غير المقصود الناشئ عن امتداد النار من حقل أحد الناس إلى حقل جاره جزاؤه مقدار قيمة الخسارة. ولكن الإضرار المقصود بذلك جزاؤه أعظم من المقدار المساوي وهو التعويض عما خسره بعد حساب قيمته من أحسن حاصلات المُضرّ.

6 «إِذَا خَرَجَتْ نَارٌ وَأَصَابَتْ شَوْكاً فَٱحْتَرَقَتْ أَكْدَاسٌ أَوْ زَرْعٌ أَوْ حَقْلٌ، فَٱلَّذِي أَوْقَدَ ٱلْوَقِيدَ يُعَوِّضُ».

إِذَا خَرَجَتْ نَارٌ وَأَصَابَتْ شَوْكاً في الشرق وغيره كما في إيطاليا وانكلترا يحرث الناس في بعض فصول السنة الأعشاب وغيرها من النباتات الضارة المزروعات بعد أن يقطعوها ويجمعونها كالكدس. فهذه النار قد تمتد كثيراً ولا سيما في ترب الشرق اليابسة إن لم يستفرغ المجهود في دفع انتشارها فتحرق بعض أكداس الحنطة أو غيرها من الحبوب في الحقل المجاور ويضمن الضرر حينئذ مُوقد النار.

7 «إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً لِلْحِفْظِ فَسُرِقَتْ مِنْ بَيْتِ ٱلإِنْسَانِ، فَإِنْ وُجِدَ ٱلسَّارِقُ يُعَوِّضُ بِٱثْنَيْنِ».

ع 4

المال المودوع يمكن المستودع أن يختلسه بسهولة أو أن يضيع بغفلته عنه فوجب أن توضع شريعة لوقايته وأن يوضع على المستودع جزاء إذا أتلف شيئاً مما أودع إليه بقصد وأن يعفى إذا كان بريئاً من قصد الشر كالاختلاس ونحوه. وقد وفت الشريعة الموسوية بالأمرين. فهي تطلب من المستودع العناية والحرص على الوديعة وتضع عليه المسؤولية إذا سُرقت الوديعة ولم يُعرف السارق. وجعلت جزاء الاختلاس تأدية المختلس ضعفي ما اختلس وأن للمستودع المتهم أن يتبرأ بالقسَم (ع 10) أو أن يبين أنه كان في أحوال تمنعه من أن يمنع من سرقة الوديعة.

إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً لِلْحِفْظِ كانت الوديعة شائعة كثيراً بين القدماء إذ لم يكن عندهم مصارف أو مستودعات كالتي عندنا في هذه الأيام. وكان إنكار الودائع نادراً جداً. وكان المُنكر إذا ثبت عليه أنه استودع يُعاقب وقد أفاد ذلك كله هيرودوتس المؤرخ. وكان لليونان طُرق خاصة لكشف الوديعة.

8 «وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ ٱلسَّارِقُ يُقَدَّمُ صَاحِبُ ٱلْبَيْتِ إِلَى ٱللّٰهِ لِيَحْكُمَ هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ».

ص 21: 6 وثتنية 19: 17 و18

هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ أي ألم يمد يده ويسرق أو يختلس شيئاً من الوديعة. وجاء في بعض التراجم «ليحلف إنه لم يمد يده».

9 «فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ، مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَفْقُودٍ مَا، يُقَالُ: «إِنَّ هٰذَا هُوَ» تُقَدَّمُ إِلَى ٱللّٰهِ دَعْوَاهُمَا. فَٱلَّذِي يَحْكُمُ ٱللّٰهُ بِذَنْبِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ بِٱثْنَيْنِ».

ص 21: 6 وع 8 وتثنية 19: 17 و18

فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ تتعلق بالوديعة.

مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ ودائع البهائم لم تُعهد في العصور الخالية ولكن يحتمل أنها كانت تحدث بين الأغنياء بالماشية والقطعان أي أرباب البهائم الكثيرة من الغنم والبقر والحمير فكانوا يستودعون بهائمهم أو أثوابهم في البرية إلى من يحسن العناية بها من الأغنياء.

تُقَدَّمُ إِلَى ٱللّٰهِ أي إلى نوابه القضاة فإذا ثبت عليه يعوّض ضعفين.

10، 11 «10 إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ حِمَاراً أَوْ ثَوْراً أَوْ شَاةً أَوْ بَهِيمَةً مَا لِلْحِفْظِ، فَمَاتَ أَوِ ٱنْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ وَلَيْسَ نَاظِرٌ، 11 فَيَمِينُ ٱلرَّبِّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا، هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ. فَلاَ يُعَوِّضُ».

عبرانيين 6: 16

فَمَاتَ أَوِ ٱنْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ اي مات موتاً طبيعياً أو سقط على صخرة فانكسرت أعضاؤه أو سرقه أحد من الناس الأجانب من أبناء السبيل أو الرحل من قبائل البرية فيؤتى حينئذ بمن استُودع فيحلف بالرب (ع 11).

12 «وَإِنْ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ».

تكوين 31: 39

إِنْ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ مما يستحق الاعتبار هنا أنه كان يعوّض عن المسروق لاحتمال أن الوديعة سُرقت لعدم الحرص ولكنه لم يكن على المستودع أن يعوّض عما تفترسه الوحوش أو يسقط فينكسر ولا إمكان لوقايته.

13 «إِنِ ٱفْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً. لاَ يُعَوِّضُ عَنِ ٱلْمُفْتَرَسِ».

تكوين 31: 39

إِنِ ٱفْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً وإذ لم يتهيأ إحضاره وجب اليمين.

14 «وَإِذَا ٱسْتَعَارَ إِنْسَانٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئاً فَٱنْكَسَرَ أَوْ مَاتَ وَصَاحِبُهُ لَيْسَ مَعَهُ».

وَإِذَا ٱسْتَعَارَ الاستعارة من الوديعة لكنها يطلبها من ليست له ولا يستودعها إياه من هي له. فكان على الطالب أي المستعير أن يضمنها فإن فقدت أو أتلفت وجب عليه الجزاء.

15 «وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ لاَ يُعَوِّضُ. إِنْ كَانَ مُسْتَأْجَراً أَتَى بِأُجْرَتِهِ».

إِنْ كَانَ مُسْتَأْجَراً إذا حصل ضرر للمستأجر فلا شيء من الجزاء على المستأجر سوى الأجرة المتفق عليها لأن الخطر الذي يمكن أن يتوقع للمستأجر فجزاؤه ضمن الأجرة.

شرائع متفرقة ع 16 إلى 31

هذه الشرائع لا تجمعها جهة واحدة ولا تتعلق بموضوع واحد ولذلك بقيت متفرقة.

16 «وَإِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ، فَٱضْطَجَعَ مَعَهَا يَمْهُرُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً».

تثنية 22: 28 و29

إِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاء كانت مراودة العذراء عند الأقدمين ذنباً أعظم مما هو عند المحدثين وكان لأبي العذراء أن يأخذ من المراوِد مالاً كثيراً. وكان هذا الجزاء يُنقص إذا تم الاتفاق أن تبقى المراوَدة زوجة للمراوِد. وإن كان المراوِد مما لا يرضاه أبوها زوجاً لابنته كان له أن يأخذ منه ما يستطيع مستحقها أن يجعله مهراً لها. ويحسن أن يجري أهل هذا العصر على السنّة الموسوية.

يَمْهُرُهَا الخ أي يؤدي أباها المهر المعتاد (انظر تثنية 22: 29) وكان المهر المعيّن خمسين شاقلاً من الفضة.

17 «إِنْ أَبَى أَبُوهَا أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، يَزِنُ لَهُ فِضَّةً كَمَهْرِ ٱلْعَذَارَى».

تكوين 23: 16 تكوين 34: 12 وثتنية 22: 29 و1صموئيل 18: 25

يَزِنُ لَهُ فِضَّةً كَمَهْرِ ٱلْعَذَارَى لم يُعيّن مقدار المهر في هذه الحال ولكن يرجّح أنه كان أكثر من المهر المعتاد.

18 «لاَ تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ».

لاويين 19: 26 و31 و20: 27 وتثنية 18: 10 و1صموئيل 28: 3 و9

لاَ تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ كان يغلب أن يكون أرباب السحر من النساء. والسحر إثم سواء كان حيلة أو من عمل الشيطان. فالساحر بمنزلة مقاوم لله كالمجدف وعابد الوثن فعقابه كعقابهما.

19 «كُلُّ مَنِ ٱضْطَجَعَ مَعَ بَهِيمَةٍ يُقْتَلُ قَتْلاً».

لاويين 18: 23 و20: 15

الخطيئة المذكورة في هذه الآية كانت كثيرة الحدوث بين الأمم الكنعانية (لاويين 18: 24) ولم تُعرف بين المصريين على ما قال هيرودتس المؤرخ ولما كان بنو إسرائيل ذاهبين إلى أرض كنعان نبههم الله على شر ذلك الإثم ونهاهم عنه.

20 «مَنْ ذَبَحَ لآلِهَةٍ غَيْرِ ٱلرَّبِّ وَحْدَهُ، يُهْلَكُ».

عدد 25: 2 و4 وتثنية 13: 1 و2 و5 و6 و9 و13 إلى 15 و17: 2 و3 و5

مَنْ ذَبَحَ لآلِهَةٍ غَيْرِ ٱلرَّبِّ الخ يُراد بالذبح هنا العبادة كلها لأن الذبح كان من أعمالها الضرورية وكان القتل جزاء من يعبد غير الله أو يدعو إلى عبادة غيره من الآلهة (تثنية 13: 1 - 16).

21، 22 «21 وَلاَ تَضْطَهِدِ ٱلْغَرِيبَ وَلاَ تُضَايِقْهُ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. 22 لاَ تُسِئْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَا وَلاَ يَتِيمٍ».

ص 23: 9 ولاويين 19: 33 وتثنية 10: 19 وإرميا 7: 6 وزكريا 7: 10 وملاخي 3: 5 تثنية 10: 18 و24: 17 و27: 19 وإشعياء 10: 2 وحزقيال 22: 7 وزكريا 7: 10 ويعقوب 1: 27

من هذه الآية إلى آخر الآية الرابعة والعشرين ثلاث خطايا حسبها الله من شر الآثام ويجمع تلك الخطايا الثلاث الظلم وهي اضطهاد الغريب ومضايقته والإساءة إلى الأرامل والأيتام. والشارع لم يضع العقاب الشديد على ذلك ولم يعيّن الجزاء بل تركه لانتقام الرب نفسه «بالسيف» (ع 24). فالمظلومون ثلاثة (1) الغريب والمقصود به الأجنبي. و(2) الأرامل. و(3) اليتامى. فإن الأرامل واليتامى قلما التفت إليهم حكام الأولين ما لم يكثر الجور عليهم ويُرفع إلى القضاة وقد حُسبوا أو كانوا من الوطنيين كما كان من أمر الميتوسي في أثينا. وكان في شريعة المتمدنين شيء من الوقاية لليتيم والأرملة وأكثر ما كانت في ما يتعلق بالمقتنيات ولكن أعظم من هذه كلها إن الله عدو المعتدين على اليتامى والأرامل.

لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فوجب لذلك أن تؤاسوا الغرباء وأن لا تغيظوهم وتضايقوهم بل أن تحبوهم كأنفسكم (لاويين 19: 34). على أن حال الغرباء بين الإسرائيليين كانت أحسن كثيراً من حال الغرباء بين الكنعانيين (قضاة 1: 16 و4: 11) كما في سلوك أرونة اليابوسي (2صموئيل 24: 18 - 24) وأوريا الحثي (2صموئيل 23: 39) وصالق العموني (2صموئيل 23: 37).

23، 24 «إِنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ فَإِنِّي إِنْ صَرَخَ إِلَيَّ أَسْمَعُ صُرَاخَهُ، 24 فَيَحْمَى غَضَبِي وَأَقْتُلُكُمْ بِٱلسَّيْفِ، فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ وَأَوْلاَدُكُمْ يَتَامَى».

تثنية 15: 9 و24: 15 وأيوب 35: 9 ولوقا 18: 7 أيوب 34: 28 ومزمور 18: 6 و145: 19 ويعقوب 5: 4 مزمور 69: 24 مزمور 109: 9 ومراثي إرميا 5: 3

إِنْ أَسَأْتَ... أَسْمَعُ صُرَاخَهُ الخ انظر ما يتعلق بالإساءة والظلم في (إرميا 5: 28 و7: 6 و22: 3 و17 وزكريا 7: 20 وملاخي 3: 5 ومتّى 23: 14 ا لخ). فسيف البابليين وسيف الرومانيين كانا النقمة حسب النبوءة (ع 24).

25 «إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي ٱلْفَقِيرِ ٱلَّذِي عِنْدَكَ فَلاَ تَكُنْ لَهُ كَٱلْمُرَابِي. لاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ رِباً».

لاويين 25: 35 و36 تثنية 23: 19 و20 ونحميا 5: 7 ومزمور 15: 5 وحزقيال 18: 8 و17

أبان في هذه الآية إلى آخر (ع 27) ما يتعلق بالإقراض ونهى فيه عن أخذ أقل رباً من فقراء الإسرائيليين. وأكد ذلك بما في (لاويين 25: 25 وتثنية 15: 7). وذلك كله متعلق بالفقير لأنه هو الذي يحتاج إلى ذلك فكان أخذ الربا منه إثماً (انظر مزمور 15: 5 وأمثال 28: 8 ونحميا 5: 7 و11 وحزقيال 18: 13 و22: 12). والنهي عن مثل هذا الربا ظاهر كل الظهور في (تثنية 23: 19). ولكن أخذ الربا من الأجنبي كان جائزاً (تثنية 23: 20) ولم يعيّن مقداره في الكتاب المقدس.

رِباً مقداراً من النقود فوق النقود المقرَضة وهو ما يُعرف اليوم بالفائدة وبالفائض.

26، 27 «26 إِنِ ٱرْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ فَإِلَى غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ تَرُدُّهُ لَهُ، 27 لأَنَّهُ وَحْدَهُ غِطَاؤُهُ. هُوَ ثَوْبُهُ لِجِلْدِهِ. فِي مَاذَا يَنَامُ؟ فَيَكُونُ إِذَا صَرَخَ إِلَيَّ أَنِّي أَسْمَعُ، لأَنِّي رَؤُوفٌ».

تثنية 24: 17 وأيوب 22: 6 و24: 3 و9 وأمثال 20: 16 وحزقيال 18: 7 و16 وعاموس 2: 8 ع 23 ص 34: 6 و2أيام 30: 9 ومزمور 86: 15

ثَوْبَ صَاحِبِكَ الخ أي عباءه فإن فقراء الإسرائيليين كانوا في شدة الحاجة إلى العباء ليلاً لأنه دثارهم.

28 «لاَ تَسُبَّ ٱللّٰهَ، وَلاَ تَلْعَنْ رَئِيساً فِي شَعْبِكَ».

لاويين 24: 11 جامعة 10: 20 وأعمال 23: 5 ويهوذا 8

لاَ تَسُبَّ ٱللّٰهَ وفي الترجمة السبعينية «لا تسب الآلهة» وكذا فهم العبارة فيلو ويوسيفوس فإنه قال إن اليهود منعوا عن أن يسبو آلهة الأمم. والواقع أن أتقياء اليهود في العصور المختلفة لم يكونوا كذلك (1ملوك 18: 27 ومزمور 115: 4 - 8 و135: 15 - 18 وإشعياء 41: 29 و44: 9 - 20 وإرميا 10: 11 - 15). نعم كان أنبياء الإسرائيليين يهزأون بآلهة الأمم ويسبونها. وقال بعضهم إن معنى الآلهة هنا القضاة فيكون المعنى «لا تسب القضاة» وهي في العبرانية «اللوهيم» وغلب أن يكون ذلك بمعنى الله وهذا هو الحق وعليه دي وتي ونوبل وكيل والقانون كوك وغيرهم.

29 «لاَ تُؤَخِّرْ مِلْءَ بَيْدَرِكَ وَقَطْرَ مِعْصَرَتِكَ، وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي».

ص 23: 16 و19 وأمثال 3: 9 ص 13: 20 و34: 29

مِلْءَ بَيْدَرِكَ أي لا تتأخر عن تقديم باكورات غلتك للرب. وكانت تقدمة أول الغلال سنَّة عند أتقياء الأمم المختلفة حتى أن تقدمة قايين كانت من أبكار غلاله.

قَطْرَ مِعْصَرَتِكَ من الخمر والزيت (انظر نحميا 10: 37 و39).

أَبْكَارَ بَنِيكَ (انظر تفسير ص 13: 13 وعدد 17: 15 و16).

30 «كَذٰلِكَ تَفْعَلُ بِبَقَرِكَ وَغَنَمِكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ تُعْطِينِي إِيَّاهُ».

تثنية 15: 19 لاويين 22: 27

بِبَقَرِكَ وَغَنَمِكَ ترجم بعضهم الأصل العبراني «بثيرانك» والكلمة العبرانية تُطلق على ذوات القرون من الجنسين.

سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ قابل هذا بما في لاويين 22: 27). كانت هذه الأيام السبعة لتقوية البكر بالرضاعة ولتمتع الأم بولدها وقتاً تنتعش بإرضاعه على ما اقتضته طبيعتها. فقابل بهذا ختان الولد الذكر في اليوم الثامن.

31 «وَتَكُونُونَ لِي أُنَاساً مُقَدَّسِينَ. وَلَحْمَ فَرِيسَةٍ فِي ٱلصَّحْرَاءِ لاَ تَأْكُلُوا. لِلْكِلاَبِ تَطْرَحُونَهُ».

ص 19: 6 ولاويين 19: 2 وتثنية 14: 21 لاويين 22: 8 وتثنية 14: 21 وحزقيال 4: 14 و44: 31 متّى 7: 6

تَكُونُونَ لِي أُنَاساً مُقَدَّسِينَ قابل هذا بما في (ص 19: 6). إن القداسة الحقة المطلوبة هي قداسة القلب والروح. والرسوم الخارجية لا تستطيع أن تنشئ تلك القداسة فما شأن تلك الرسوم إلا أنها توجه الأفكار دائماً إلى وجوب تلك القداسة. فهي مثال ظاهر لما يجب أن يكون باطناً. ومقصد الشريعة الجوهري القداسة الباطنة. وقد تبين من الآية هنا أن الحيوان المفترس من البهائم الطاهرة كان مضاعف النجاسة لأمرين:

  1. ملامسته الحيوان النجس الذي هو الوحش المفترس.

  2. عدم خروج كل دمه فيحرم أكله على العبرانيين.

لِلْكِلاَبِ تَطْرَحُونَهُ أي إن طرح ذلك الحيوان إلى الكلاب أولى من أن تأكلوه لا إنه يجب عليهم فرضاً أن يطعموا الكلاب إياه (قابل هذا بما في تثنية 14: 21).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ

في هذا الأصحاح من (ع 1 - ع 9) شرائع مختلفة. ومن (ع 10 - ع 19) شرائع تتعلق بما ذُكر من الوصايا العشر توكيداً وتقريراً مع شيء من التفصيل وفيها المنع من القساوة. والخلاصة أنها تكملة كتاب العهد (انظر تفسير ص 20: 22 - 26).

1 «لاَ تَقْبَلْ خَبَراً كَاذِباً. وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ ٱلْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ».

لاويين 19: 16 ومزمور 15: 3 و101: 5 وأمثال 10: 18 ص 20: 16 وتثنية 19: 16 ومزمور 35: 11 وأمثال 19: 5 و9

لاَ تَقْبَلْ خَبَراً كَاذِباً الخ أي لا تصدق الخبر الكاذب لتبني عليه أحكامك فالبناء على الباطل باطل. ولا يخفى ما في تصديق الشهادة الكاذبة من الضرر فقبول الخبر الكاذب ضلال وإضرار. وهذا من متضمنات الوصية التاسعة.

2 «لاَ تَتْبَعِ ٱلْكَثِيرِينَ إِلَى فِعْلِ ٱلشَّرِّ، وَلاَ تُجِبْ فِي دَعْوَى مَائِلاً وَرَاءَ ٱلْكَثِيرِينَ لِلتَّحْرِيفِ».

تكوين 19: 4 و7 وص 32: 1 و2 وأيوب 31: 34 وأمثال 1: 10 و11 و15 و4: 14 ومرقس 15: 15 ولوقا 23: 23 وأعمال 24: 27 لاويين 19: 15 وتثنية 1: 17

وَرَاءَ ٱلْكَثِيرِينَ لِلتَّحْرِيفِ الخ هذا دليل واضح أن الحق لا يكون مع الكثرة أبداً فقد يضل الأكثر ويبقى الأقل على الهدى. والكتاب صرّح بهذا في عدة أماكن. فيجب أن نتبع الحق ولا نخف من ضرر الجمهور إذا كان على الباطل. فإن أيوب افتخر بأنه لم يخف «جمهوراً غفيراً» (أيوب 31: 34). وقال داود «لاَ أَخَافُ مِنْ رَبَوَاتِ ٱلشُّعُوبِ ٱلْمُصْطَفِّينَ عَلَيَّ مِنْ حَوْلِي» (مزمور 3: 6). وما فتئ الجمهور معادياً للأنبياء. قال ربنا يسوع المسيح «اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ ٱلْبَابُ وَرَحْبٌ ٱلطَّرِيقُ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ ٱلْبَابَ وَأَكْرَبَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَجِدُونَهُ!» (متّى 7: 13 و14). فإذا سلكنا مع الرب غلب أن نكون مع القليلين.

3 «وَلاَ تُحَابِ مَعَ ٱلْمِسْكِينِ فِي دَعْوَاهُ».

لاَ تُحَابِ الخ يجب علينا أن لا نحرّف القضاء إكراماً للغني ولا شفقة على الفقير بل يجب أن نتبع العدل والتسوية في الحقوق (قابل هذا بما في لاويين 19: 15).

4 «إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِداً تَرُدُّهُ إِلَيْهِ».

تثنية 22: 1 ومتّى 5: 44

ثَوْرَ عَدُوِّكَ وجوب مسك الحيوان الضائع ورده إلى صاحبه ذكر في (تثنية 22: 1 - 3). وقد أوجب الكتاب ذلك ولو كان المفقود للعدو. وهذا خلاف ما كان عند الوثنيين. ولنا في هذه الآية ما هو مقدمة للدين المسيحي الذي زاد على ذلك الأمر بمحبة الأعداء والإحسان إليهم.

5 «إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعاً تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ».

تثنية 22: 1 و4

حِمَارَ مُبْغِضِكَ المعنى ظاهر. وهو أنه يجب على الإنسان إذا رأى حمار مبغضه قد وقع تحت حمله أن يساعده على إقامته. فعليه حينئذ أمران واجبان (1) لعدوّهِ (2) للبهيمة.

6 «لاَ تُحَرِّفْ حَقَّ فَقِيرِكَ فِي دَعْوَاهُ».

تثنية 27: 19 وجامعة 5: 8 وإشعياء 10: 1 و2 وإرميا 5: 28 وعاموس 5: 12

لاَ تُحَرِّفْ الخ أي لا تتخذ فقره وضعفه وسيلة إلى تضييع حقه (انظر تثنية 24: 17 و27: 19 وإرميا 5: 28 الخ).

7 «اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ ٱلْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ ٱلْبَرِيءَ وَٱلْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ ٱلْمُذْنِبَ».

لاويين 19: 11 ولوقا 3: 14 وأفسس 4: 25 تثنية 27: 25 وأمثال 17: 15 وإرميا 7: 6 ومتّى 27: 4 ص 34: 7 ورومية 1: 18

اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ ٱلْكَذِبِ الظاهر من سياق الكلام إن المقصود هنا الشكوى الكاذبة فإنه ربما نشأ عنها قتل البريء. وذلك من أفظع الآثام (على أن الكلام عام يحظر علينا كل كذب).

8 «وَلاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً، لأَنَّ ٱلرَّشْوَةَ تُعْمِي ٱلْمُبْصِرِينَ وَتُعَوِّجُ كَلاَمَ ٱلأَبْرَارِ».

تثنية 16: 19 و1صموئيل 8: 3 و12: 3 وأمثال 17: 23 و29: 4 وإشعياء 1: 23 وحزقيال 22: 12 وأعمال 24: 26

لاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً أي لا تقبل برطيلاً (لأن الرشوة تعمي أبصار الحكام). وقد فرض كل أهل العدل من أرباب القضاء العقاب عليها. وكان شأنها كذلك بين قدماء الأمم على ما أفاد هيرودوتس المؤرخ اليوناني. وقال يوسيفوس المؤرخ العبراني أن اليهود كانوا يقتلون القضاة المرتشين. والظاهر من الكتاب أن الرشوة كانت كثيرة بينهم (انظر 1صموئيل 8: 3 ومزمور 26: 10 وأمثال 17: 23 وإشعياء 1: 23 و5: 23 وميخا 3: 9 - 11 الخ). وكان إفساد القضاء بالرشوة من الشرور التي بها غضب الله على شعبه وسمح بسبيه إلى بابل وبها سلط عليه الرومانيين بعد ذلك.

9 «وَلاَ تُضَايِقِ ٱلْغَرِيبَ فَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ نَفْسَ ٱلْغَرِيبِ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ».

ص 22: 21 وتثنية 24: 17 و27: 19 وملاخي 3: 5

لاَ تُضَايِقِ ٱلْغَرِيبَ (انظر تفسير ص 22: 21). وتكرار النهي عن ذلك في هذا السفر يدل على مضايقة الغرباء والإساءة إليهم وميل الحكام إلى ظلمهم.

شريعة الرسوم

10، 11 «10 وَسِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ أَرْضَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهَا، 11 وَأَمَّا فِي ٱلسَّابِعَةِ فَتُرِيحُهَا وَتَتْرُكُهَا لِيَأْكُلَ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ. وَفَضْلَتُهُمْ تَأْكُلُهَا وُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ. كَذٰلِكَ تَفْعَلُ بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ».

لاويين 25: 3 و4

سِتَّ سِنِينَ... وَأَمَّا فِي ٱلسَّابِعَةِ كانت السنة السبتية أو شريعتها غير معروفة إلا عند العبرانيين. ومن العجيب أن كل قاض كان يحثهم على مراعاة هذه السنة مع أنها علة خسران سُبع غلالهم. وكان المنهي عنه زرع الأرض لا حرثها وتنقيتها من الأعشاب والشوك والحجارة. وكان الفقراء ينتفعون بغلالها في تلك السنة. على أننا نرى اليهود لم يراعوا تلك الشريعة دائماً فكانوا يهملونها أحياناً فأهملوها منذ الخروج إلى السبي سبعين مرة (2أيام 36: 21) لكنهم بعد السبي حفظوها حفظاً قياسياً. ورأى كبار المؤرخين القدماء أن اليهود راعوها في عصورهم كما قُرر في تاريخ تاسيتوس. ويوليوس قيصر سمح بها وأعفى اليهود من تأدية الأتاوة في كل سنة سابعة على ما أفاد يوسيفوس في تاريخ اليهود القديم. ولكن الغرض من هذه الشريعة ثلاثة أمور:

  1. امتحان الطاعة.

  2. نفع الفقراء والمحتاجين بغلال الأرض لأن غلالها كانت لهم في كل سنة سابعة (انظر آخر الآية 11).

  3. تطويل زمن التفرّغ للقرب من الله وعبادته ومراعاة الفروض الدينية مرة في كل سنة سابعة (انظر تثنية 31: 10 - 13).

لِيَأْكُلَ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ بُسط ما يتعلق بهذا في (لاويين 25: 1 - 7). إنه لم يكن لرب الأرض في السنة السابعة نصيب من حاصلاتها أكثر مما سواه. فلم يكن قسمه منها أعظم من قسم الأجير والغريب بل البهيمة التي ترعى فيها فإنه كان للبهائم أن ترعى ما شاءت تلك الأرض.

بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ غلة هذين كثيرة فكان للفقراء مساعدة عظيمة. وكانت الأعناب وأشجار الزيتون كثيرة في فلسطين (تثنية 7: 8 و2ملوك 18: 32 الخ). فكان للفقراء أن يحصلوا على كثير من الزيت والخمر.

12 «سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ عَمَلَكَ. وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ تَسْتَرِيحُ لِيَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ، وَيَتَنَفَّسَ ٱبْنُ أَمَتِكَ وَٱلْغَرِيبُ».

ص 20: 9 وتثنية 5: 13 ولوقا 13: 14

كرر هنا الوصية بالسبت الأسبوعي لذكر السبت السنوي ليُظهر العلاقة بينهما وإنهما جزءا نظام واحد. وهو أساس سنة اليوبيل (لاويين 25: 8 - 13). وليس في هذا زيادة على ما ذُكر في الوصية الرابعة من وصايا اللوحين سوى توسيع دائرة الرحمة في اليوم السابع من إراحة البهيمة والأجير والعبد والغريب.

13 «وَكُلُّ مَا قُلْتُ لَكُمُ ٱحْتَفِظُوا بِهِ. وَلاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلاَ يُسْمَعْ مِنْ فَمِكَ».

تثنية 4: 9 ويشوع 22: 5 ومزمور 39: 1 وأفسس 5: 15 عدد 32: 38 وتثنية 12: 3 ويشوع 23: 7 ومزمور 16: 4

ٱحْتَفِظُوا بِهِ أي احرصوا عليه واحذروا تعدّيه.

لاَ تَذْكُرُوا ٱسْمَ آلِهَةٍ أُخْرَى فهم مفسرو اليهود من هذا المنع عن الإقسام بالآلهة الغريبة وهذا ما فهمه مترجم الفلغاتا لكن النص أعمّ من ذلك. وعدم ذكر آلهة الأمم لاحتقارها. وكان ذكرها محظوراً إلا عند التحذير منها أو اقتضاء التاريخ إياه. وموسى نفسه ذكر البعل (عدد 22: 41) وبعل فغور (عدد 25: 3 و5) وكموش (عدد 21: 29) ومولوك (لاويين 20: 2 - 5 و23: 21).

14 «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي ٱلسَّنَةِ».

ص 34: 23 ولاويين 23: 4 وتثنية 16: 16

من هذه الآية إلى الآية السابعة عشرة كلام في العيد العظيم عيد الفصح الذي وُضع على أثر خروجهم من مصر (ص 12: 3 - 20 و13: 3 - 10). وقصد المشترع الإلهي هنا زيادة عيدين فوق عيد الفصح وجعل الثلاثة متساوية في الوجوب. فلنا أن نقول أنه حينئذ وضع كل من عيد الحصاد وعيد الجمع. وكان لكل أمة من الأمم منذ أقدم العصور أعياد دينية. ولا وقت مناسب لذلك أكثر من الذي يكون على أثر الفراغ من الحصاد. وجُعلت هذه الأعياد الثلاثة أجزاء جوهرية من الشريعة الموسوية. ودامت هذه الأعياد وذُيلت بعيدين. وحُفظت مدة بقاء اليهود أمة مستقلة. وكان لغير العبرانيين من الأمم أعياد كثيرة فأفادنا هيرودوتس أنه كان للمصريين ستة أعياد عظيمة. وأما اليونان والرومانيون فلم يخل شهر من عيد ديني لهم. فأثر ذلك عندهم تأثيراً عظيماً من جهة الدين والسياسة وتقوت بها وحدتهم. فإن كل قبائلهم كانت تجتمع بها في مركز واحد. فكما كانت لليونان الأعياد الثلاثة العظيمة وهي العيد الأسثمي والعيد الأولمبي والعيد اليثيني كانت للإسرائيليين الأعياد الثلاثة عيد الفصح وعيد الحصاد وعيد الجمع. فإن اليونان كانوا يمارسون في أعيادهم الثلاثة عبادة آلهتهم وتجديد ربط الوحدة وأن الإسرائيليين كانوا يجتمعون في أعيادهم الثلاثة لعبادة الإله الحق ولتقوية مواثيق الوحدة مع أنهم كانوا أسباطاً متميزة.

15 «تَحْفَظُ عِيدَ ٱلْفَطِيرِ. تَأْكُلُ فَطِيراً سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّهُ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ».

ص 12: 15 و13: 6 و34: 18 ولاويين 23: 6 وتثنية 16: 8 ص 34: 20 وتثنية 16: 16 و17

عِيدَ ٱلْفَطِيرِ (انظر تفسير ص 12: 15 - 20).

وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ من اليوم الرابع عشر من أبيب أو نيسان إلى اليوم الحادي والعشرين منه (انظر ص 12: 18 و13: 4 - 7).

وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ لأن تلك الأعياد كانت لتأدية الأمة الشكر لله على ما نالوه من المراحم والآيات الطبيعية والسماوية كالحصاد وخروجهم من مصر واجتيازهم البحر الأحمر وجمعهم الأثمار والحبوب وحصولهم على كثير من النعم في البرية. فكان ذلك الوقت وقت الوفرة والرغد فلم يحسن أن يأتوا إلى ربهم فارغين ولا أن يكتفوا بتقديم ثمر شفاههم بدون أثمار ما تمتعوا به من حسناته اعترافاً بجوده ورحمته. وكانت فريضة التقدمة هنا في العيد الأول ثم عمت الأعياد الثلاثة (تثنية 16: 16).

16 «وَعِيدَ ٱلْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ ٱلَّتِي تَزْرَعُ فِي ٱلْحَقْلِ. وَعِيدَ ٱلْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ ٱلسَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ ٱلْحَقْلِ».

ص 34: 22 ولاويين 23: 10 تثنية 16: 13

عِيدَ ٱلْحَصَادِ كان يوم عيد الحصاد اليوم الخمسين بعد عيد الفصح وكان يُبتدأ فيه بتقديم رغيفين من طحين الحنطة الجديدة وأما بقية التقدمات ففي سفر اللاويين (لاويين 23: 18 - 20). وكان هذا العيد يوماً واحداً وهو اليوم الخمسون ثم صار بعد ذلك يومين.

عِيدَ ٱلْجَمْعِ وسُمي في غير هذا الموضع عيد المظال (23: 34 وتثنية 16: 13 و16 و2أيام 8: 13 وعزرا 3: 4 وزكريا 14: 16 - 19 الخ). وكانت مدة هذا العيد أسبوعاً كعيد الفطير. وكانت نهاية هذا الأسبوع الحادي والعشرين من تسري أن تشرين الأول. وكان في هذا الوقت الفراغ من قطف العنب وجني الزيتون فكانوا يشكرون الله فيه على وفرة إحسانه في السنة كلها. وكان العيد تذكاراً لغربتهم في البرية ونزولهم فيها بالخيام المصنوعة من الأشجار والأغصان (انظر لاويين 23: 40 ونحميا 8: 14 - 17).

17 «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ».

ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ يظهر من مقابلة هذه الآية بالآية الرابعة عشرة إن الأعياد الثلاثة أُوجب فيها حضور كل الذكور أمام الرب ولكن ينبغي أن نفهم هنا أن المقصود بالذكور الرجال البالغون الأصحاء دون الصبيان والمرضى.

18 «لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي. وَلاَ يَبِتْ شَحْمُ عِيدِي إِلَى ٱلْغَدِ».

ص 34: 25 ولاويين 2: 11 وتثنية 16: 4

لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي أي لا تسفك دم ذبيحتي على خمير. رأى بعضهم أن هذا النهي مما أُوجب عليهم في كل ذبيحة لكن أكثر المفسرين على أنه خاص بذبيحة الفصح لأنها هي أول الذبائح التي أمر الله بها. والذي نعهده من اليهود أنهم لا يمتنعون عن الخمير إلا في عيد الفصح. وقد ذكر الكتاب ما يوضح أن الخمير لم يكن ممنوعاً في عيد الخمسين (لاويين 23: 17).

شَحْمُ عِيدِي أي شحم ذبيحته فإن شحم الحملان التي كانت تُذبح في الفصح كان يُحرق على المذبح مع البخور في مساء يوم الذبح وكان الخروف يؤكل قبل الصباح.

19 «أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْياً بِلَبَنِ أُمِّهِ».

ص 22: 29 و34: 26 ولاويين 23: 10 و17 وعدد 18: 12 وتثنية 26: 10 ونحميا 10: 35 ص 34: 26 وتثنية 14: 21

أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ أي أول غلالك من الأرض. وكان ذلك لأن الإنسان من طبعه أنه يميل إلى التأخير فأوجب الله أن يقدم العبراني أول ما يجمعه من غلته (ص 23: 29).

بَيْتِ ٱلرَّبِّ (قابل هذا بما في تثنية 22: 18) كان موسى يُعرّف المكان الذي يختاره الرب ليضع فيه اسمه بأنه بيته أو هيكله.

لاَ تَطْبُخْ جَدْياً بِلَبَنِ أُمِّهِ قال بعضهم إن الله نهاهم هنا عن خرافة كانت عند الأمم كانوا يأتونها في آخر الحصاد. وهي أنهم كانوا يطبخون الجدي بلبن أمه ويرشون الحقول والبساتين باللبن الذي طبخ به بغية الخصب في السنة الآتية. والصحيح وهو الذي يُفهم من الكتاب المقدس أنه نهى عن ذلك لما فيه من شدة القساوة بدليل أنه منع عنه مع المنع عن الأطعمة النجسة فهو مما يُطبخ للأكل لا للسحر الخرافي (انظر تثنية 19: 21).

مواعيد الله للإسرائيليين إذا حفظوا عهده ع 20 إلى 23

كتاب العهد ينتهي بسلسلة من المواعيد وبأن الله يثيب الذين يطلبونه باجتهاد. واختار أن يجازي الناس بمقتضى أعمالهم ويبين لهم حقيقة الجزاء لأنه يعلم ما صنعوا وما المؤثرات التي تؤثر فيهم. ومن أقوى تلك المؤثرات الرغبة في ما للنفس أو الذات وحب النفع الذاتي. وأبان للإسرائيليين أنهم إذا حفظوا عهده حصلوا على البركات الآتية:

  1. إن ملاكه يقودهم ويحميهم إلى أن يبلغوا أرض كنعان.

  2. إن الله يساعدهم على محاربيهم الذين سيسوقهم شيئاً فشيئاً من أمامهم.

  3. إنه يهب لهم كل أرض كنعان بين البحر الأحمر والبحر المتوسط من الجهة الواحدة وبين البرية والفرات من الجهة الأخرى.

  4. إنه يبارك مواشيهم وقطعانهم فلا تعقم ولا تطرح.

  5. إنه يبارك أنفسهم فيوقون من الأمراض وتطول أعمارهم وإنهم على قدر طاعتهم لله ينمون ويثمرون.

20 «هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكاً أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي أَعْدَدْتُهُ».

ص 14: 19 و32: 34 و33: 2 وعدد 20: 16 ويشوع 5: 13 وإشعياء 63: 9

أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكاً أَمَامَ وَجْهِكَ رأى كاليش أن المقصود بالملاك الرسول وأنه هو موسى. ورأى غيره أنه بعض الجيوش السماوية. ورأى أكثر المفسرين أنه «ملاك العهد» الذي هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الابن الأزلي كلمة الله فإنه تعالى حين وبّخهم على اتخاذهم العجل الذهبي قال «فإني لا أصعد معك» (ص 33: 3).

21 «اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَٱسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ ٱسْمِي فِيهِ».

عدد 14: 11 ومزمور 78: 40 و56 وعبرانيين 3: 16 ص 32: 34 وعدد 14: 35 وتثنية 18: 19 ويشوع 24: 19 وإرميا 6: 8 وعبرانيين 3: 11 إشعياء 8: 6 وإرميا 23: 6 ويوحنا 10: 30 و38

ٱسْمِي فِيهِ الضمير راجع إلى الملاك والله واسمه مترادفان ولم يقل قط أنه يضع اسمه في الإنسان فالملاك المذكور هو الله الابن.

22 «وَلٰكِنْ إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ».

تكوين 12: 3 وتثنية 30: 7 وإرميا 30: 20

أُعَادِي أَعْدَاءَكَ أي أحبك وأنصرك على مبغضيك.

23 «فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى ٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ. فَأُبِيدُهُمْ».

ع 20 وص 33: 2 يشوع 24: 11

فَأُبِيدُهُمْ أي أبطل أن يصيروا أمة لا أستأصلهم أو أفنيهم من الأرض فإنهم بقوا في أرض كنعان لكنهم اختلطوا باليهود أخيراً وصاروا منهم على الأرجح كاليابوسيين والحثيين ولم يبق منهم أمة ممتازة.

24 «لاَ تَسْجُدْ لآلِهَتِهِمْ وَلاَ تَعْبُدْهَا وَلاَ تَعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتَكْسِرُ أَنْصَابَهُمْ».

ص 20: 5 لاويين 18: 3 وتثنية 12: 31 ص 34: 13 وعدد 33: 52 وتثنية 7: 5 و25 و12: 3

لاَ تَعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ فإن الأمم الكنعانية لم تقتصر على أن تكون وثنية بل كانت فاسدة ديناً وأدباً وارتكبوا كل الآثام والرذائل المذكورة في (لاويين 18: 6 - 23) قل أن أُخذت أرضهم (لاويين 18: 24 - 30). ولا ريب أن الوثنية والرذيلة كانتا مقترنتين بين الوثنيين عموماً لكن رذائلهم وفسقهم كانت أقوى مخسراً لهم من وثنيتهم. وكان ذلك معظم علة خسران الأمم الكنعانية لأملاكها وأرضها. فكان من أول الضروريات تحذير الإسرائيليين من أعمالهم.

تَكْسِرُ أَنْصَابَهُمْ كان من عادة المنتصرين أن يحفظوا أصنام الذين انتصروا عليهم ذكراً للانتصار فنهى الله الإسرائيليين عن ذلك فإنهم كانوا مائلين على الوثنية فكان من الخطر أن يبقوا عندهم أصنام الكنعانيين ذكراً لانتصارهم عليهم (قابل بهذا ص 39: 13 وتثنية 7: 5).

25 «وَتَعْبُدُونَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ وَأُزِيلُ ٱلْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ».

تثنية 6: 13 و10: 12 و20 و11: 13 ويشوع 22: 5 و24: 14 و21: 24 و1صموئيل 7: 3 و12: 20 و24 تثنية 7: 13 و28: 5 و8 ص 15: 26 وتثنية 7: 15

فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ أي كل ما يغذيك من طعام وشراب لا الخبز والماء دون غيرهما. واختار التعبير بهما عن سائر الأطعمة والأشربة لأنهما قوام الحياة إذا لم يكن غيرهما متيسراً. ومعنى مباركة الله الأطعمة والأشربة جعله إياها نافعة لحفظ الصحة ومتوفرة ليسهل الحصول عليها.

أُزِيلُ ٱلْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ يكاد نصف الأمراض التي تعتري الناس يكون ناشئاً عن الخطيئة. ويمكن النجاة منه بالسير على سنن تقوى الله واعتزال الآثام وملازمة العفاف. وكثيراً ما كان الطاعون وغيره من الأوبئة عقاب الله لمن يعصونه. والمعنى هنا أنه إذا سار إسرائيل كما يجب في سبيل الله نجا من كل الأمراض على طريق المعجزة (قابل هذا بما في تثنية 7: 15).

26 «لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ فِي أَرْضِكَ. وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ».

تثنية 7: 14 وأيوب 21: 10 تكوين 35: 29 و1أيام 13: 10 وأيوب 5: 26 ومزمور 55: 23

لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ كان الإسقاط الكثير والعقر يُعدان في الأزمنة القديمة من آيات غضب الله. وكانوا يأتون رسوماً معينة دفعاً لهما فإذا رفُع ذلك بعد قليل كان عندهم آية على رضاه تعالى. فكان الوعد هنا من أعظم ما يبهجهم ويؤثر فيهم.

وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ قابل هذا بما في (ص 20: 12). إن طول العمر محسوب في الكتاب المقدس من بركات الله (مزمور 55: 23 و90: 10 وأيوب 5: 29 و42: 16 و17 و1ملوك 3: 11 وإشعياء 65: 20 وأفسس 6: 3 الخ).

27 «أُرْسِلُ هَيْبَتِي أَمَامَكَ وَأُزْعِجُ جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ تَأْتِي عَلَيْهِمْ، وَأُعْطِيكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مُدْبِرِينَ».

ص 15: 14 و16 وتثنية 2: 25 و11: 25 ويشوع 2: 9 و11 تثنية 7: 23

أُرْسِلُ هَيْبَتِي أَمَامَكَ الخ أي أجعل الرعب في قلوب أعدائك قبل أن تصل إليهم فيهربون منك.

28 «وَأُرْسِلُ أَمَامَكَ ٱلزَّنَابِيرَ، فَتَطْرُدُ ٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكَ».

تثنية 7: 20 ويشوع 24: 12

أُرْسِلُ أَمَامَكَ ٱلزَّنَابِيرَ قابل بهذا (يشوع 24: 12). لا ريب في أن الزنابير التي كان يرسلها كانت كثيرة مؤلمة حتى كان الذين تُرسل إليهم يتركون أرضهم ويهربون منها وأيّد ذلك أقوال المؤرخين. ولكن يحتمل أن يكون الزنابير هنا مجازاً ويُراد بها المصريون. وهم الذين في عصر رعمسيس الثالث قهروا الحثيين وغيرهم من أمم فلسطين وكان الإسرائيليون يسافرون في البرية. ولعله اختار استعارة الزنابير لهم لأن علامة الملك المصري في الهيرغليف صورة نحلة أو زنبور. وكاتب سفر الحكمة فهم بالزنابير الزنابير الحقيقية (حكمة 12: 8 و9).

29، 30 «29 لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلاَّ تَصِيرَ ٱلأَرْضُ خَرِبَةً، فَتَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ. 30 قَلِيلاً قَلِيلاً أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ إِلَى أَنْ تُثْمِرَ وَتَمْلِكَ ٱلأَرْضَ».

تثنية 7: 22

وُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ (قابل بهذا 2ملوك 17: 25 و26).

قَلِيلاً قَلِيلاً فإنه لو طردهم دفعة واحدة لكثرت عليهم وحوش البرية ووقع عليهم ما وقع على الأشوريين بطردهم السامريين (2ملوك 17: 25 و26).

31 «وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى ٱلنَّهْرِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ ٱلأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ».

تكوين 15: 18 وعدد 34: 3 وتثنية 11: 24 ويشوع 1: 4 و1ملوك 4: 21 و24 ومزمور 72: 8 يشوع 21: 44 وقضاة 1: 4 و11: 21

تُخُومَكَ الخ هذه نبوة بعيدة لم تتم إلا في عصر داود وسليمان. ولا ريب في أن معناها أن الإسرائيليين يملكون كل الأرض بين البرية (أي برية التيه) والفرات وهو المقصود بالنهر هنا وما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط. وهذا كله ملكه سليمان كما يتبين من تاريخ الكتاب (1ملوك 4: 21 و24 و2أيام 9: 26) وهذا تمام الوعد لإبراهيم (تكوين 15: 18).

32 «لاَ تَقْطَعْ مَعَهُمْ وَلاَ مَعَ آلِهَتِهِمْ عَهْداً».

ص 34: 12 و15 وتثنية 7: 2

لاَ تَقْطَعْ مَعَهُمْ الخ أي لا تجعل شروط السلام بينك وبينهم بأن تجعل لهم بعض الأرض وبعضها لنفسك. ومعنى العهد مع آلهتهم التسليم بأنها حقة فإن المتحالفين في ذلك الزمان كان يعترف كل منهم بآلهة الآخر كما تبين من التاريخ المصري القديم والمعاهدة بين رعمسيس الثاني والحثيين على ما بُين في التاريخ المعروف بتاريخ الماضي.

33 «لاَ يَسْكُنُوا فِي أَرْضِكَ لِئَلاَّ يَجْعَلُوكَ تُخْطِئُ إِلَيَّ. إِذَا عَبَدْتَ آلِهَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ فَخّاً».

ص 34: 12 وتثنية 7: 16 و12: 30 ويشوع 23: 13 وقضاة 2: 3 و1صموئيل 18: 21 ومزمور 106: 36

لاَ يَسْكُنُوا فِي أَرْضِكَ كان لهم أن يبقوا باعتبار أنهم أفراد متهودون كما كان أوريا الحثي وأرونة اليابوسي. نعم إن الجبعونيين بقوا جماعة بين الإسرائيليين ولكنهم كانوا خدماً وعبيداً. فالذي مُنعوا منه أن يبقوا معهم حلفاء مستقلين في ملكهم ووثنيتهم فيظلوا فخاً ومعثرة لبني إسرائيل ويبقى إسرائيل عرضة لأن يُجذب إلى العبادة الوثنية كما عُرف من أمر الإسرائيليين في عصر القضاة الأولين (انظر قضاة 1: 27 - 36 و2: 11 - 13 و3: 5 - 7).

فَإِنَّهُ أي سكنهم في أرضك.

فَخّاً أي كفخ تُصاد به البهيمة من حيث لا تدري فتقع في العبادة الوثنية بسكنهم معك كما تقع البهيمة في الفخ.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

قبول العهد

1، 2 «1 وَقَالَ لِمُوسَى: ٱصْعَدْ إِلَى ٱلرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَٱسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. 2 وَيَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ إِلَى ٱلرَّبِّ وَهُمْ لاَ يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا ٱلشَّعْبُ فَلاَ يَصْعَدْ مَعَهُ».

ص 28: 1 ولاويين 10: 1 و2 ص 1: 5 وعدد 11: 16 ع 13 و15 و18

وَقَالَ كنا ننتظر أن يقال هنا قال الله أو قال الرب. فالمرجّح أن كتاب العهد كان مستقلاً وأدخله موسى هنا معترضاً بين الآية الحادية والعشرين من الأصحاح العشرين والآية الأولى من هذا الأصحاح فيكون النص على وفق المنتظر ويكون نظم الكلام هكذا «فاقترب إلى الضباب حيث كان الله وقال لموسى الخ».

ٱصْعَدْ صعود هارون وناداب وأبيهو وسبعين من شيوخ إسرائيل مع موسى بمقتضى أمر الله كان لبيان عظيم الاحترام لله ولينوبوا عن إسرائيل في قبول العهد الذي هو الموضوع الأسمى في هذا الفصل. وكان موسى قد قبل التعليم الإلهي المتعلق بالموضوع قبل أن ينزل فأصعدهم معه حسب مشورة الله.

نَادَابُ وَأَبِيهُو هما ابنا هارون الأكبران (ص 6: 23).

سَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ ليسوا هم القضاة المذكورون في (ص 18: 21 - 26) لأنهم لم يكونوا قد عيّنوا (انظر تفسير ص 18: 24 و25) بل هم رؤساء القبائل الذين كانوا يسودون الإسرائيليين في مصر ويخاطب موسى الشعب بواسطتهم (ص 3: 16 و4: 29 و12: 21 و17: 5 و6).

3 «فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ ٱلشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ وَجَمِيعِ ٱلأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: كُلُّ ٱلأَقْوَالِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ».

ع 7 وص 19: 8 وتثنية 5: 27

فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ ٱلشَّعْبَ الخ أي أنبأ بني إسرائيل بما قاله الرب وكتبه هو (ع 4) وضمه إلى كتاب العهد (ع 7). والظاهر أنه قرأ عليهم ذلك الكتاب والمرجّح أنه تلا عليهم خلاصته. فسروا بالكتاب واعتقدوا أن الشريعة مقدسة صالحة ولم يعلموا صعوبة حفظها والطاعة لها.

4 «فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي ٱلصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحاً فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ، وَٱثْنَيْ عَشَرَ عَمُوداً لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ».

تثنية 31: 9 تكوين 28: 18 و31: 45

فَكَتَبَ مُوسَى قابل بهذا (ص 17: 14). كان موسى يحكم الكتابة وبيّنات ذلك كثيرة في الأسفار الخمسة. وقد شهد الكتاب بأنه تهذب بكل حكمة المصريين (أعمال 7: 22). وكان ذلك في عصر الدولة التاسعة عشرة من دول مصر القديمة. وكان يعرف كل ديانة المصريين ورسومهم.

أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ أي حضيض رأس الصفصافة.

ٱثْنَيْ عَشَرَ عَمُوداً كما كان المذبح رمزاً إلى حضور الله كان الاثنا عشر عموداً (والمرجّح أنها حجارة طويلة تكوين 28: 18) رمزاً إلى حضور الاثني عشر سبطاً. وقد جاء مثل هذا الرمز في موضع آخر من التوراة (انظر يشوع 4: 3 و9 و20).

5 «وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلثِّيرَانِ».

ص 19: 22

فِتْيَانَ... فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ مما يستحق الالتفات إليه هنا أنه كان لكل إسرائيلي يومئذ وبعده حتى بعد تعيين الكهنوت اللاوي أن يذبح التقدمة ويضع لحمها على المذبح (لاويين 1: 5 و6 و11 و12 الخ). ورش الدم وإيقاد النار كان مما يختص بالكهنة (لاويين 1: 5 و7 و11 و13). والظاهر أنه أمر الفتيان بالذبح لنشاطهم وقدرتهم على إحكامه.

ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ كانت المحرقات كفّارة وعلامة وقف النفس لله معاً. وذبائح السلامة آية الشكر لله على مراحمه وتقديم النوعين حينئذ كان يدل على أمرين (1) الشكر على العهد. و(2) وقف النفس لخدمة الله.

6 «فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ ٱلدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي ٱلطُّسُوسِ. وَنِصْفَ ٱلدَّمِ رَشَّهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ».

عبرانيين 9: 18

فِي ٱلطُّسُوسِ الطسوس جمع طس وهو المعروف بالطشت. ووضع الدم فيها ليحفظ للغاية المذكورة في (ع 8).

نِصْفَ ٱلدَّمِ رَشَّهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ هذا العمل كان الجزء الأعظم أو الضروري في كل ذبيحة فإن به الذبيحة تصير نائبة عن مقدمها كأنه هو قدم لله. وكان الغالب أن يُرش الدم كله ولكن هنا باقي الدم احتيج إليه لمقصد آخر.

7 «وَأَخَذَ كِتَابَ ٱلْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ. فَقَالُوا: كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ».

عبرانيين 9: 19 ع 3

كِتَابَ ٱلْعَهْدِ هو الكتاب الذي كتبه قبلاً وهو يشتمل على الشرائع والمواعيد التي في (ص 20: 22 إلى ص 23: 33).

فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ وفي العبرانية في آذان الشعب. فالمسامع جمع مسمع وهو الأذن.

فَقَالُوا هنا كما قالوا في الآية الثالثة توكيداً للطاعة (وما هو أهون القول وأصعب العمل).

8 «وَأَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَقَالَ: هُوَذَا دَمُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعَهُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالِ».

عبرانيين 9: 20 و13: 20 و1بطرس 1: 2

أَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ كان قد رش نصف الدم على المذبح الذي يشير إلى حضور الله وهنا رش النصف الآخر على الشعب إعلاناً لحضورهم أمام الرب (وقبولهم فداءه ووقفهم أنفسهم له). وكان الشيوخ وغيرهم وقوفاً على القرب من موسى فكان الجميع مرشوشين بالدم الواحد دلالة على الاتحاد. والظاهر أن الدم كان في المشرق آية الارتباط والاتحاد بالعهد. وشهد بهذا كثيرون من المؤرخين ومنهم هوميروس وهيرودوتس ولوسيان.

عَلَى ٱلشَّعْبِ رأى بعضهم أن الدم رُش على الاثني عشر عموداً التي هي رمز إلى الشعب لا على الشعب نفسه ولكن لا قرينة هنا على المجاز. وكاتب رسالة العبرانيين فهم أن الدم رُش على الناس أنفسهم (عبرانيين 9: 19).

9 «ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ».

ع 1

ثُمَّ صَعِدَ كان قبول العهد قد تم ولم يبق من حاجة إلى شيء آخر. فسّر الله أن ينجز العمل كله بختام مجيد روحي. وكانت الذبيحة حينئذ للطعام (ص 18: 12). وكان موسى قد عرف أن الله قصد بدعوته هارون وناداب والسبعين شيخاً إلى الجبل (ع 1) أن يُولم لهم هناك. وعلى ذلك صعد على أثر رش الدم بأولئك الرجال المدعويين إلى سيناء وأُعدت الوليمة. وكان تناول طعام الذبيحة يُعد عملاً دينياً وإنه عُمل أمام الله (ص 18: 12) وشركة معه. وأراد الله وقتئذ أن يظهر تلك الوليمة الذبحية على كل ما سواها بإعلان نفسه بمظاهر وآيات مرئية. ففيما كان موسى قد شرع هو وهارون وابناه ناداب وأبيهو والسبعون شيخاً يأكلون (ع 11) ظهرت لهم آية عجيبة ومظهر سام فإنهم رأوا إله إسرائيل (ع 10). إن الله أظهر نفسه لهم ولم يعلنها لهم بالبروق والرعود وكثيف الضباب والسحاب والنار والزلزال كما فعل قبلا (ص 19: 16 و18) بل بهيئة حبيب كله مشتهيات (نشيد الأناشيد 5: 16) يبهر جماله العيون «وتحت رجليه العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة». رأوا لله بلا ضرر ولا رعب رأوه وهم يأكلون ويشربون. ورأوا أنفسهم ضيوفاً في مسكنه فامتلأت قلوبهم سروراً بنسبتهم إليه وقربهم منه بذلك العهد. فشعروا بأنهم تعاهدوا مع إله محبوب وتعلموا أن يقفوا أنفسهم لخدمته وعبادته مسرورين وأن يتوقعوا حالاً مستقبلة سعيدة فيها يبقون في حضرته دائماً.

10 «وَرَأَوْا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ ٱلْعَقِيقِ ٱلأَزْرَقِ ٱلشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلنَّقَاوَة».

تكوين 16: 13 و32: 30 وص 3: 6 و33: 20 و23 وقضاة 13: 22 وإشعياء 6: 1 و5 ويوحنا 1: 18 و1تيموثاوس 6: 16 و1يوحنا 4: 12 حزقيال 1: 26 و10: 1 ورؤيا 4: 3 متّى 17: 2

رَأَوْا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ المرجّح أنهم رأوه في صورة إنسان كما رآه إشعياء (إشعياء 6: 1 - 5) وحزقيال (حزقيال 1: 26) ونبوخذنصر (دانيال 3: 25) ولم يرد موسى هذا المنظر بقوله «لم تروا صورة» (تثنية 4: 12) لأن الذي رأوه هنا كان ذا رجلين.

صَنْعَةٍ مِنَ ٱلْعَقِيقِ ٱلأَزْرَقِ ما تُرجم بالعقيق الأزرق هنا هو السفير في العبرانية وذُكر أيضاً في عدة مواضع من الكتاب (انظر ص 28: 18 وأيوب 28: 16 وحزقيال 28: 13 ورؤيا 21: 19) لكنه تُرجم في بعض تلك المواضع بالياقوت الأزرق. وكيف كان الأمر فإن القرينة تدل على أنه حجر كريم ثمين حسن المنظر. والنص أنه أزرق اللون نقي كالسماء عينها.

11 «وَلٰكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَوْا ٱللّٰهَ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا».

ص 19: 21 تكوين 16: 13 وتثنية 4: 33

أَشْرَافِ تُستعمل هذه الكلمة لأهل النسب الرفيع والمقصود بها هنا شيوخ إسرائيل. ومعنى قوله «لم يمد يده» لم يضر. لأن الاعتقاد العام يومئذ أنه لا أحد يرى الله ويحيا (تكوين 32: 30 وخروج 32: 20 وقضاة 6: 22 و23 الخ). وهذا صحيح بالنظر إلى ذات الله لأنه «الله لم يره أحد» لكن ابن الله أعلن نفسه في العهد القديم كما أعلنها في العهد الجديد ولم يُرهب أحداً (لأنه إله المصالحة والفداء لا إله الحرب والنقمة.

رَأَوْا ٱللّٰهَ وهم يأكلون ويشربون. والمسيحيون المؤمنون الإيمان الحق يرون الله وهم يأكلون خبز العشاء السري ويشربون خمره ويتحدون في تلك الشركة المقدسة بالله.

صعود موسى إلى سيناء ثانية ع 12 إلى 18

بقي هنا عمل عظيم. نعم أُعطي العهد وسلم به الشعب لكن بقي ما يحرك الإسرائيليين على العبادة وبيان أسلوبها وتعيين طرقها وما يرشدهم إلى حسن السلوك من السياسية العادلة النافعة وغير ذلك من الرسوم الظاهرة والأشخاص والأماكن المقدسة والوقف والتقديس وسائر ما يقربهم من الله. فدُعي موسى إلى الجبل لمخاطبة الله له وإرشاده إياه وقتاً طويلاً لكي يستطيع أن يعرف مقاصد الله في كل شيء ولذلك بقي معه أربعين يوماً وأربعين ليلة (ع 18). نعم إن كتاب العهد كان قسماً عظيماً مما يقوّم سجايا العبرانيين لكن الرسوم كانت القسم الأكبر فكانت تقتضي زماناً طويلاً وهي تتمة كتاب العهد.

12 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى ٱلْجَبَلِ وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ ٱلْحِجَارَةِ وَٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْوَصِيَّةِ ٱلَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ».

ع 2 و15 و18 ص 31: 18 و32: 15 و16 وتثنية 5: 22

ٱصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى ٱلْجَبَلِ وَكُنْ هُنَاكَ بعد أن فرغوا من الطعام الذبحي نزل الأربعة والسبعون إلى سهل الراحة وشغلوا بعض الوقت هناك قبل أن دُعي موسى الدعوة الثانية وأُوصي هنا أن لا يصحبه سوى خادمه يشوع (ع 13) وأبان له طول الإقامة بقول «وكن هناك».

لَوْحَيِ ٱلْحِجَارَةِ مما يستحق الاعتبار أنه لم يُبن هنا ولا في الأصحاح الحادي والثلاثين أن اللوحين يشتملان على الوصايا العشر لكن أبان ذلك في (تثنية 5: 22) وصرّح بالعدد في (ص 34: 28).

13 «فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ. وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ ٱللّٰهِ».

ص 32: 17 و33: 11

فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ هنا أول ذكر للعلاقة التي بين موسى ويشوع. وإقامة موسى إياه قائداً في حرب عماليق (ص 17: 9 - 13) تدل أنه كان من مهرة قواد العسكر. ومن هذه الآية وما بعدها يتبين أنه كان صاحباً لموسى يعتمد عليه ويثق به في كل أموره وعلى هذا كان خليفته (انظر ص 32: 17 و33: 11 وعدد 13: 8 و16 و27: 18 - 23 وتثنية 34: 9). ولم يكن أحد سواه يخالط موسى كما خالطه هو.

وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ ٱللّٰهِ أي صعد إلى أعلى مكان في طور سيناء لا جبل موسى بل رأس الصفصافة الذي استقرت عليه السحابة.

14 «وَأَمَّا ٱلشُّيُوخُ فَقَالَ لَهُمُ: ٱجْلِسُوا لَنَا هٰهُنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكُمْ. وَهُوَذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ. فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ دَعْوَى فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمَا».

ص 17: 10 ص 18: 16

وَأَمَّا ٱلشُّيُوخُ فَقَالَ لَهُمُ ٱجْلِسُوا كان موسى قد علم أن إقامته بالجبل ستطول (انظر ع 12) فكان من الضروري أن يعتني بترتيب الأحكام لتجري على سنن الحق مدة غيبته ويجري الشعب بمقتضاها. وظهر له أن هارون أخاه وحوراً أهل للرئاسة أكثر ممن سواهما فأقامهما لفض المشاكل الكبري.

هُنَا أي في السهل عند حضيض الجبل. وكان الأمر أن يبقى كل الشعب هنالك إلى أن ينزل موسى مهما طالبت غيبته بمقتضى إرادة الله.

15 «فَصَعِدَ مُوسَى إِلَى ٱلْجَبَلِ، فَغَطَّى ٱلسَّحَابُ ٱلْجَبَلَ».

ص 19: 9 و16 ومتّى 17: 5

فَغَطَّى ٱلسَّحَابُ ٱلْجَبَلَ أي السحابة التي كانت تصحبهم من سكوت (ص 23: 1 - 23).

16 «وَحَلَّ مَجْدُ ٱلرَّبِّ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَغَطَّاهُ ٱلسَّحَابُ سِتَّةَ أَيَّامٍ. وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ دُعِيَ مُوسَى مِنْ وَسَطِ ٱلسَّحَابِ».

ص 16: 10 وعدد 14: 10

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ دُعِيَ مُوسَى مِنْ وَسَطِ ٱلسَّحَابِ من الواضح أنه لم يكن لموسى أن يدخل السحاب إلا بدعوة الله واستحسن الله أن يدعوه في اليوم السابع. ولا ريب في أن موسى شغل الأيام الستة بالصلاة والتضرعات استعداداً للقرب من الله.

17 «وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 3: 2 و19: 18 وتثنية 4: 36 وعبرانيين 12: 18 و29

مَنْظَرُ مَجْدِ ٱلرَّبِّ كان منظر ذلك المجد للذين في السهل على قنة الجبل «كنار آكلة». فكان النور على قنة رأس الصفصافة كنار تتوقد كل مدة غياب موسى عنهم.

18 «وَدَخَلَ مُوسَى فِي وَسَطِ ٱلسَّحَابِ وَصَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ. وَكَانَ مُوسَى فِي ٱلْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً».

ص 34: 28 وتثنية 9: 9 ومتّى 4: 2

كَانَ مُوسَى فِي ٱلْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً ولم يذق في كل تلك المدة شيئاً من الطعام (تثنية 9: 9). وكذا صام إيليا (1ملوك 19: 8) وربنا المبارك (متّى 3: 2). وأما ما شاع من أنباء صياح بعض المحدثين كل تلك الأيام فإنما هي أنباء عمل خداعي على ما يرجّح.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

ما يقدّم للمقدس والكهنة

1، 2 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 2 كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً. مِنْ كُلِّ مَنْ يَحِثُّهُ قَلْبُهُ تَأْخُذُونَ تَقْدِمَتِي».

ص 35: 5 و21 و1أيام 29: 3 و5 و9 و14 وعزرا 2: 68 و3: 5 و7: 16 ونحميا 11: 2 و2كورنثوس 8: 12 و9: 7

كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً لما أراد الله أن يبني الإسرائيليون له أخذ يرشدهم إلى وجه بناءه وأنواع مواده. وأمر موسى بأن يدعوهم إلى أن يقدموا لله مما يملكون من المواد المختلفة الموافقة لبناء المسكن. وكان هذا المسكن من أحسن الوسائل إلى القرب من الله والشكر لله وتأدية التقدمات لوجهه عن حرية واختيار.

مِنْ كُلِّ مَنْ يَحِثُّهُ قَلْبُهُ إذا لم تكن التقدمات من القلب كانت مما يغيظ الله لا مما يسره. فطوبى للمعطي المسرور (انظر ص 35: 21 - 29 و36: 3 - 7).

تَقْدِمَتِي نسبه الله إلى نفسه ليدل على أنه له الحق أن يطلبها لأن الإنسان وكل ما له من آلائه تعالى.

3 «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلتَّقْدِمَةُ ٱلَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنُحَاسٌ».

ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنُحَاسٌ أتى الإسرائيليون من مصر بعدة مقتنيات (1) غنى السلف من إبراهيم إلى يوسف الذي بلغ ذروة الغنى. و(2) الثروة التي حصلوا عليها من المصريين يوم خروجهم وزادت هذه بما نهبوه من عماليق. فكان عندهم كثير من المعادن الثمينة وكثير من الذهب والفضة وغيرهما (ص 30: 12 - 16 و37: 25 - 28). والنحاس هنا البرُنز المعروف بالنحاس الأسمر فإن النحاس الأصفر لم يكن معروفاً حينئذ على ما يرجّح وكان النحاس الأسمر قليلاً (ص 38: 29) وقليل القيمة.

4 «وَأَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ وَقِرْمِزٌ وَبُوصٌ وَشَعْرُ مِعْزَى».

تكوين 41: 42

وَأَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ وَقِرْمِزٌ (الأسمانجوني هنا في العبرانية «تكلت» وفسرّوه في كتب اللغة العبرانية بالأرجوان النيلي. والأسمانجوني ما لونه كلون السماء واللفظة فارسية مركبة من «اسمان» أي سماء وجون (والجيم كالجيم المصرية) أي لون. قالوا وهو الأزرق الذي عرفه المصريون دون غيره من صنوف الأزرق. والأرجوان صبغ أحمر معرب أرغوان بالفارسية وكان يؤخذ من نوع من الأصداف واشتهرت به صور في خاليات العصور. والقرمز صبغ أحمر يُستخرج من حييوين يسمى القرمز أيضاً. قال صاحب التذكرة «القرمز حيوان يتولد على ورق الأشجار... ويصبغ الواحد منه عشرة أمثاله من الصوف والحرير صبغاً عظيماً إذا طبخ ووُضع الحرير فيه وهو يغلي خفيفاً». وقال أحد العلماء الأوربيين «أنه هوام يتكون على بعض صنوف البلوط». وتُطلق الألفاظ الثلاثة على المصبوغ بتلك الألوان أيضاً.

شَعْرُ مِعْزَى لا تزال بيوت عرب البادية إلى هذا اليوم من نسيج شعر المعزى وأحسن منسوجاته ما نُسج من شعر المعزى السوري. وكان أول أغطية خيمة الشهادة (ص 26: 7 - 14).

5 «وَجُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ، وَجُلُودُ تُخَسٍ، وَخَشَبُ سَنْطٍ».

جُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ أي مصبوغة بالصبغ الأحمر واشتهرت إفريقية قديماً بهذه الجلود. ولا تزال هذه الجلود كثيرة في أيامنا. ولعل الإسرائيليين أتوا بكثير منها من مصر.

جُلُودُ تُخَسٍ التُخس حيوان بحري يشبه الفقمة ويُطلق على عدة صنوف من الحيوانات البحرية كالدلفين وكلب البحر وكانت جلودها من أغطية خيمة الشهادة الخارجية (ص 26: 14).

خَشَبُ سَنْطٍ السنط نوع من شجر الأقاسيا فهو ليس من النخل. ولم يكن في أرض سيناء أشجار تؤخذ منها الأخشاب سوى النخل والسنط (ص 26: 15). وكان سنط سيناء كثير الشوك والعُقد كبير الأشجار. وهو في هذه الأيام لا تطول أشجاره إلا إلى حد يبلغ عنده طول ما يؤخذ منه من الألواح عشر أذرع عبرانية وعرضه ذراع ونصف ذراع. قال القانون ترسترام يمكن سنط فلسطين أن يبلغ ذلك الحد. ولعله كان كذلك في العربية. وخشبه صلب بردقاني اللون أسود اللب موافق لبناء أثاب البيوت الخشبية كالخزائن ونحوها.

6 «وَزَيْتٌ لِلْمَنَارَةِ وَأَطْيَابٌ لِدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ».

ص 27: 20 ص 30: 23 ص 30: 34 و35

زَيْتٌ لِلْمَنَارَةِ كان الزيت مما يحتاج إليه للإضاءة في المقدس (ع 8) والتقديس بالدهن به. وكان هذا الزيت يُستخرج من الزيتون بالرض (ص 28: 20).

وَأَطْيَابٌ لِدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ بالزيت كانت هذه الطيوب تمزج بالزيت (ص 30: 23 و24). وسيأتي أن الخيمة كلها وكل آنيتها والكاهن الذي يخدم فيها كانت تقدس بالدهن (ص 29: 7 و36 و30: 26 - 30).

لِلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ (وهو ما يُحرق فتنتشر رائحته الطيبة (ص 30: 1 - 8). وتركيب هذا البخور في (ص 30: 34).

7 «وَحِجَارَةُ جَزْعٍ، وَحِجَارَةُ تَرْصِيعٍ لِلرِّدَاءِ وَٱلصُّدْرَةِ».

ص 28: 6 ص 28: 15

جَزْعٍ (جاء في تذكرة داود الضرير الأنطاكي «الجزع حجر مشطب فيه كالعيون بين بياض وصفرة وحمرة وسواد. وغالب ما يوجد مستطيل». وهو في العبرانية «شحم». وترجمته في السبعينية بالجزع الحقيقي والفلغاتا بالزبرجد. وتُرجم في السبعينية عينها في سفر أيوب بالجزع (أيوب 28: 16). ووقع الشك في معنى «شحم» العبرانية كثيراً. والمرجّح أنه الجزع) وكان ثلاثة أحجار منه في التقدمة واحد لصدرة الكاهن الأعظم وإثنان لكتفي الرداء (ص 28: 9 - 12 و20).

حِجَارَةُ تَرْصِيعٍ لِلرِّدَاءِ وَٱلصُّدْرَةِ كان للرداء اثنان من تلك الحجارة وكلاهما من الجزع وكان للصدرة اثنا عشر حجراً مختلفة (ص 28: 17 - 20).

المقدس وما فيه

8 «فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ».

ص 36: 1 و3 و4 ولاويين 4: 6 و10: 4 و21: 12 وعبرانيين 9: 1 و 2 ص 29: 45 وملوك 6: 13 و2كورنثوس 6: 16 ورؤيا 21: 3

فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً كانت التقدمات المذكورة آنفاً (ع 3 - 7) لهذه الغاية لأنه لم يكن حينئذ من مسجد للإسرائيليين ولا مكان موقوف لعبادة الله. فالله رأى أن ذلك الوقت مناسب لإنشاء معبد له. وكان الإسرائيليين قد رأوا الأبنية العظيمة المشيدة للآلهة في مدن المصريين وكان لهم بعد أن نجوا من عبودية المصريين أن ينشئوا مقدساً للإله الواحد إله إسرائيل وهو المقدس المعروف ببيت الله. وإذ كانوا لا يتمكنون حينئذ من بناء بيت ثابت له رأى سبحانه وتعالى ما يمكنهم صنعه في ما هم عليه من الأحوال وأمرهم به. والكلام على صنع هذا البيت يشغل جزءًا كبيراً من سفر الخروج ووصفه وما يتعلق به في ستة أصحاحات متوالية (ص 25 - ص 30).

لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ قابل بهذا (ص 28: 42 - 46 و40: 34 - 38). فالله مع أنه لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيدي (أعمال 7: 48) سر بأن يعلن نفسه لشعبه في ذلك البيت وهذا معنى قوله أسكن في وسطهم فإنه كان كثيراً ما يُظهر آيات مجده لهم ليثقوا بحضوره ويخشوا حضرته.

9 «بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ ٱلْمَسْكَنِ وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هٰكَذَا تَصْنَعُونَ».

ع 40

مِثَالِ ذُكر أن الله أظهر لموسى:

  1. المواد التي يُصنع منه المسكن وما يتعلق به.

  2. الصورة الممثلة لكل البناء.

  3. الرؤى التي كانت تمثل الصور لعين الذهن وإن ذلك مثال السماء الحقيقية.

التابوت

10 «فَيَصْنَعُونَ تَابُوتاً مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ».

ص 37: 1 وتثنية 10: 3 وعبرانيين 9: 4

فَيَصْنَعُونَ تَابُوتاً الكلمة العبرانية المترجمة هنا بالتابوت تختلف عن الكلمة المترجمة بالفلك في (تكوين 6: 14) وبالسفط في (خروج 2: 3) فإنها هنا «أرون» وهنالك «تبت». والمرجّح أن معنى «أرون» صندوق متوسط المقدار توضع فيه النقود أو المواد الكثيرة القيمة (2ملوك 12: 9 و10 و2أيام 25: 8 - 11 الخ). وجاء بمعنى تابوت الميت المحنّط (تكوين 50: 26). ومعناه هنا صندوق من الخشب طوله ثلاث أقدام وثلاثة أرباع القدم وعرضه قدمان وربع قدم وعمقه كذلك. وكانت الغاية الأولى من هذا التابوت أن يوضع فيه لوحا الوصايا التي كتبها الله بإصبعه التي أخذها موسى منه تعالى على ذينك اللوحين قبل أن نزل من الجبل (انظر ص 24: 12 وقابل به ص 20: 16). وكانت التوابيت تحتوي على الصور والتماثيل وغيرها مما يتعلق بالآلهة وتُحمل إذا اقتضت الحال ذلك إلى حيث يشاء وضعها أو عرضها في الاحتفالات المصرية.

11 «وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ. وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ».

تُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ أي تغطيه بصفائح من الذهب ويحتمل أن المعنى أن يموّهه بالذهب فإن صناعة التمويه كانت عند المصريين قبل عصر موسى وكان بعض العبرانيين قد أحكم صناعاتهم ولكن المعنى الأول هو المرجّح وهو الذي عليه تقليد اليهود.

إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ أي إطاراً من الذهب يحيط بأعلاه.

12 - 14 «12 وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَتَجْعَلُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ ٱلأَرْبَعِ. عَلَى جَانِبِهِ ٱلْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ، وَعَلَى جَانِبِهِ ٱلثَّانِي حَلْقَتَانِ. 13 وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ. 14 وَتُدْخِلُ ٱلْعَصَوَيْنِ فِي ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلتَّابُوتِ لِيُحْمَلَ ٱلتَّابُوتُ بِهِمَا».

أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ لم يكن هذا التابوت يُحمل ويُطاف به في الاحتفالات كما كانت توابيت المصريين لكنه كان يُحمل حين كان الإسرائيليون يسافرون من موضع إلى آخر. وكان يُدخل في تلك الحلقات عصوان يحمل بهما التابوت على أكتاف الكهنة (ع 13 و14).

عَلَى قَوَائِمِهِ ٱلأَرْبَعِ لم تكن الحلقات الأربع على زوايا التابوت الأربع العليا بل على الزوايا السفلى حتى إذا حُمل يكون فوق الحملة ولا يمس أبدانهم. ويظهر في بادئ الرأي أن التابوت يكون على هذا الترتيب عرضة للميل وعدم الاستواء حين يُحمل لكن رأى كالش أن صغره يُمنع من ذلك وإن كانت الحلقات على قوائمه.

15 «تَبْقَى ٱلْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ ٱلتَّابُوتِ. لاَ تُنْزَعَانِ مِنْهَا».

1ملوك 8: 8

تَبْقَى ٱلْعَصَوَانِ الخ كانت العصوان لا تُنزعان من الحلقات أبداً عند حركة الحمل وعند السكون وكان من المحظور أن يُمس التابوت نفسه أو حلقاته. وكان الذي يمسه يموت (انظر 2صموئيل 6: 6 و7).

16 «وَتَضَعُ فِي ٱلتَّابُوتِ ٱلشَّهَادَةَ ٱلَّتِي أُعْطِيكَ».

ص 16: 34 و31: 18 وتثنية 10: 2 و5 و1ملوك 8: 9 وعبرانيين 9: 4

ٱلشَّهَادَةَ ٱلَّتِي أُعْطِيكَ المقصود بالشهادة هنا اللوحان الحجريان فإنهما كانا يسميان بالشهادة (قابل بهذا ص 16: 34) وسُميا بذلك لأن الله شهد بهما على بني إسرائيل بالخطيئة (تثنية 31: 26). وسُمي التابوت بتابوت الشهادة لوضع اللوحين فيه (ع 22 وص 26: 34 و30: 6 و26 الخ وعدد 4: 5 و7: 89 ويشوع 4: 16).

الغطاء

17 «وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعُ وَنِصْفٌ».

ص 37: 6 وعبرانيين 9: 5

تَصْنَعُ غِطَاءً الغطاء هنا ترجمة «כברה» واختلفوا في ترجمتها فترجمها بعضهم بمجلس الرحمة وبعضهم بالكفارة وفي نسختنا العربية غطاء وهو الأرجح لأن «كفر» في العبرانية ستر وغطّى كما في العربية. والمعنى الآخر محتمل لأن الكفارة المغفرة أيضاً والمغفرة ناشئة عن الرحمة لكن القرائن تؤيد ما في المتن العربي.

مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ فكان ذلك الغطاء كله ذهباً خالصاً لا خشباً مموهاً بالذهب أو مغشى بصفيحة منه حسب بعضهم ثقله 750 ليبرة وثمنه نحو 25000 ليرة إنكليزية.

18 «وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ ٱلْغِطَاءِ».

تكوين 3: 24 وص 26: 1 و2صموئيل 22: 11 و1ملوك 6: 29

كَرُوبَيْنِ (وفي العبرانية اثنين كروبيم مثنى كروب). وكان الكروبيم حراس جنة عدن يوم أُخرج آدم وحواء منها (تكوين 3: 24). وهم ملائكة معينون فما كل ملاك كروباً. فهم قسم مختار من الملائكة يقتربون من الله أكثر ممن سواهم من الجنود العلوية ويُعرفون بملائكة الحضرة والملائكة المقربين. ويفوقون سائر الملائكة بالقدرة (وقد سماهم بعض الكتبة بملائكة القدرة) ولهذا كانوا أهلاً لأن يكونوا حراساً. ولعل هذا علة اختيار وضع تماثيلهم على الغطاء إشارة إلى حراستهم ما في التابوت أو الشهادة على اللوحين بدليل أن وجهيهما كانا نحو الغطاء (ع 20). وليس من الضروري أن نعرف حقيقة صورة الكروب. وقد نظر بعض العلماء في ذلك كثيراً فرأى أن الكروب كان عجلاً أو ثوراً ذا أجنحة خلاف ما كان عند الأشوريين. ورأى بعضهم أنه كان في صورة سفنكس المصريين أو شيميري اليونان. والرأي الغالب أنه كان في صورة إنسان ذي جناحين (لا أجنحة) فهو كصورة «ما» الذي كثيراً ما شوهد في التوابيت المصرية يظلل يجناحيه ما في التابوت مما يتعلق بالآلهة.

صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ هذا مفاد الأصل العبراني وترجمه بعضهم «عمل طَرق» وهو ليس بالحق والخراطة غير الطرق وغير السبك المشهورين فكأنه قال تصنعهما بالخراطة لا بالطرق ولا بالسبك.

طَرَفَيِ ٱلْغِطَاءِ أي على كل من جانبي التابوت.

19 «فَٱصْنَعْ كَرُوباً وَاحِداً عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَا، وَكَرُوباً آخَرَ عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ ٱلْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ ٱلْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ».

هذا يدل على أن الكروبَين لم يكونا متماسين بل كان بين وجهيهما وبدنيهما فراغ.

20 «وَيَكُونُ ٱلْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى ٱلْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى ٱلآخَرِ. نَحْوَ ٱلْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا ٱلْكَرُوبَيْنِ».

1ملوك 8: 7 و1أيام 28: 18 وعبرانيين 9: 5

بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ كان جناحا كل من الكروبين منتشرين ومرفوعين على وضع به يظللان الغطاء. وكان في التابوت المصري تابوت «ما» التمثال الواحد رافعاً جناحيه دون الآخر.

نَحْوَ ٱلْغِطَاءِ كان وجهاهما مطرقين إلى الغطاء ناظرين إليه (قابل بهذا ص 27: 9).

21 «وَتَجْعَلُ ٱلْغِطَاءَ عَلَى ٱلتَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ. وَفِي ٱلتَّابُوتِ تَضَعُ ٱلشَّهَادَةَ ٱلَّتِي أُعْطِيكَ».

ص 26: 34 ع 16

(انظر تفسير ع 18).

22 «وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى ٱلْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ ٱلْكَرُوبَيْنِ ٱللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 29: 42 و43 و30: 6 و36 وعدد 17: 4 لاويين 16: 2 وعدد 7: 89 و1صموئيل 4: 4 و2صموئيل 6: 2 و2ملوك 19: 15 ومزمور 80: 1 وإشعياء 37: 16

أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ أي أظهر لك بين الكروبَين على الغطاء ومن هنالك كان يتكلم مع الشعب (ص 29: 42) أما حقيقة كما كان يخاطب الكهنة ويجيبهم بالأوريم والتميم وأما روحياً كما كان عند قبوله البخور ودم الذبائح والصلاة التي يقدمها الشعب بواسطة الكهنة لأنهم كانوا نوّاباً عنه ولهذا سُميت الخيمة بخيمة الاجتماع (انظر تفسير ص 27: 21).

مائدة خبز الوجوه ع 23 إلى 30

23 «وَتَصْنَعُ مَائِدَةً مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ طُولُهَا ذِرَاعَانِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ، وَٱرْتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ».

ص 37: 10 و1ملوك 7: 48 و2أيام 4: 8 وعبرانيين 9: 2

تَصْنَعُ مَائِدَةً كان التابوت والغطاء كل ما هو داخل المقدس الداخلي أو «قدس الأقداس» (ص 40: 20 و21). فبعد ما أعلن الله لموسى أعلن له الأشياء التي تكون في المقدس الخارجي أو القدس أمام المقدس الأول. وكانت تلك الأشياء:

  1. مائدة خبز الوجوه الموصوفة في هذه الآية وما بعدها إلى الآية الثلاثين.

  2. المنارة الذهبية الموصوفة في (ع 31 - 40).

  3. مذبح البخور الموصوف في (ص 30: 1 - 10). وكانت المائدة معدة لاثني عشر رغيفاً كانت توضع دائماً أمام الرب (لاويين 24: 8) تقدمة شكر من شعبه الاثني عشر سبطاً واعترافاً بدوام وقايته إياهم. وكانت سعتها كافية لاثني عشر رغيفاً توضع صفين طول كل منهما ثلاث أقدام وعرضه قدم ونصف. ولم توضع الآنية المختصة بالمائدة (ع 29) عليها.

خَشَبِ ٱلسَّنْطِ (انظر تفسير ع 5). ولم يتخذ غير هذا الخشب لشيء من المقدس نفسه أو أثاثه.

24 «وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَتَصْنَعُ لَهَا إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا».

تُغَشِّيهَا الخ كما غشّيت التابوت (ع 11) وتغشّي مذبح البخور (ص 30: 3). كانت المائدة مغشاة بصفائح من الذهب فكانت شبيهة بالمذبح الذي توضع عليه التقدمات لله وإذ كانت قريبة من مظهر الحضرة الإلهية وجب أن يكون غشاؤها من معدن ثمين.

إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ أي إطاراً عالياً ليقي ما يوضع عليها من السقوط.

25 «وَتَصْنَعُ لَهَا حَاجِباً بِعَرْضِ شِبْرٍ حَوَالَيْهَا. وَتَصْنَعُ لِحَاجِبِهَا إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا».

حَاجِباً بِعَرْضِ شِبْرٍ كان هذا الحاجب شبه منطقة بين أعلاها وقوائمها غايته أن تمكّن في موضعها وكان الإكليل لمجرد الزينة. ويمثل هذا ما يُشاهد في مائدة خبز الوجوه على قوس تيطس في رومية.

26 «وَتَصْنَعُ لَهَا أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَجْعَلُ ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى ٱلزَّوَايَا ٱلأَرْبَعِ ٱلَّتِي لِقَوَائِمِهَا ٱلأَرْبَعِ».

أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ (قابل بهذا ع 12). كانت المائدة كالتابوت في أنها تُحمل من مكان إلى آخر. ومع أنها كانت أقل من التابوت قداسة وجب أن تُحمل بالعصوين كالتابوت.

ٱلزَّوَايَا ٱلأَرْبَعِ ٱلَّتِي لِقَوَائِمِهَا أي التي عند قوائمها. فالحلقات لم تكن على الزوايا العليا بل كانت على الزوايا السفلى. وكانت تُحمل على الأكتاف كما يُحمل التابوت.

27، 28 «27 عِنْدَ ٱلْحَاجِبِ تَكُونُ ٱلْحَلَقَاتُ بُيُوتاً لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِ ٱلْمَائِدَةِ. 28 وَتَصْنَعُ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ، فَتُحْمَلُ بِهِمَا ٱلْمَائِدَةُ».

عِنْدَ ٱلْحَاجِبِ تَكُونُ ٱلْحَلَقَاتُ أي تحته على القوائم على أن المعنى غير جلي لأن الحاجب كان على نحو منتصف العلو فإن كانت الحلقات عنده لم تكن على أسفل القوائم.

29 «وَتَصْنَعُ صِحَافَهَا وَصُحُونَهَا وَكَأْسَاتِهَا وَجَامَاتِهَا ٱلَّتِي يُسْكَبُ بِهَا. مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ تَصْنَعُهَا».

ص 37: 16 وعدد 4: 7 ص 29: 40 و41

صُحُونَهَا الخ المرجّح أن صحون مائدة الوجوه كانت قصاعاً كبيرة يضعون فيها الأرغفة أو الكعك الذي كان يؤتى به إلى المائدة. وكان مثل هذه القصاع عند المصريين. وكان بعض الصحاف آنية البخور. ويُشاهد مثل هذا على مائدة قوس نصر تيطس في رومية وكانت الكاسات والجامات للشراب الذي لا بد منه مع الطعام المقدم.

30 «وَتَجْعَلُ عَلَى ٱلْمَائِدَةِ خُبْزَ ٱلْوُجُوهِ أَمَامِي دَائِماً».

لاويين 24: 5 إلى 9 و2أيام 13: 11

أَمَامِي دَائِماً إذا شئت أن تعرف أمور مائدة الوجوه بالتفصيل (فانظر لاويين 24: 5 - 9). وقد ذُكرت علة وضع خبز الوجوه أمام الله دائماً في تفسير (ع 23) فارجع إليه.

المنارة الذهبية ع 31 إلى 39

كانت المنارة الذهبية كمائدة خبز الوجوه في كون مثالها على قوس نصر تيطس وقد نُسخ رسمها بإرشاد ريلند سنة 1710. وكانت مركبة من ساق مستقيمة عمودية على القاعدة ولها ستة شُعب أو فروع على كل من جانبيها ثلاثة كلها في سطح واحد وارتفاع واحد. وكانت النساق والشُعب مزينة بأمثال زهر اللوز وعجر كهيئة الرمان وأمثال أزهار الزنبق مكررة كأنها بيت لها. والزينة التي في أعلاها زهرة زنبق تحمل سراجاً كروياً. ولم تكن هذه الصورة معروفة لكنها كذا كانت على قوس نصر تيطس. وصانعها أحد الرومانيين فالظاهر أنه زاد عليها ما لم يكن في الأصل. والغرض الخاص من تلك المنارة الإضاءة ليلاً. وكان يرفع سرجها الحبر الأعظم (ص 30: 8). وكانت تضيء من المساء إلى الصباح (ص 17: 21).

وكان ضوء المسكن كافياً في النهار يدخل إليه من الباب وكان على ذلك الباب سجف يُزاح قليلاً لدخول الضوء.

31 «وَتَصْنَعُ مَنَارَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. عَمَلَ ٱلْخِرَاطَةِ تُصْنَعُ ٱلْمَنَارَةُ، قَاعِدَتُهَا وَسَاقُهَا. تَكُونُ كَأْسَاتُهَا وَعُجَرُهَا وَأَزْهَارُهَا مِنْهَا».

ص 37: 17 و1ملوك 7: 49 وزكريا 4: 2 وعبرانيين 9: 2 ورؤيا 1: 12 و4: 5

عَمَلَ ٱلْخِرَاطَةِ كالكروبيم (انظر تفسير ع 18).

كَأْسَاتُهَا وَعُجَرُهَا وَأَزْهَارُهَا الخ كانت الكؤوس كزهر اللوز (ع 33). و(معنى العجرة في الأصل العقدة في الخشبة والخيط ونحوهما ومعناها هنا حجم ناتئ كهيئة الرمانة) وكانت كلها قطعة واحدة.

32 «وَسِتُّ شُعَبٍ خَارِجَةٌ مِنْ جَانِبَيْهَا. مِنْ جَانِبِهَا ٱلْوَاحِدِ ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ. وَمِنْ جَانِبِهَا ٱلثَّانِي ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ».

(انظر مقدمة الفصل قبل ع 31).

33 «فِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَفِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلثَّانِيَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَهٰكَذَا إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنَ ٱلْمَنَارَةِ».

ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ أي على هيئة زهر اللوز.

وَهٰكَذَا إِلَى ٱلسِّتِّ الخ أي كانت الزينة متماثلة في كل من الشُّعب.

34 - 36 «34 وَفِي ٱلْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجَرِهَا وَأَزْهَارِهَا. 35 وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنَ ٱلْمَنَارَةِ. 36 تَكُونُ عُجَرُهَا وَشُعَبُهَا مِنْهَا. جَمِيعُهَا خِرَاطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ».

فِي ٱلْمَنَارَةِ الخ يُراد بالمنارة هنا ساقها لأنها بمنزلة البدن وشُعبها بمنزلة الأطراف وكرر النظام الثلاثي هنا.

37 «وَتَصْنَعُ سُرُجَهَا سَبْعَةً. فَتُصْعَدُ سُرُجُهَا لِتُضِيءَ إِلَى مُقَابِلِهَا».

ص 27: 20 و21 و30: 8 ولاويين 24: 2 و3 و4 و2أيام 13: 22 عدد 8: 2

تَصْنَعُ سُرُجَهَا سَبْعَةً لأنه على رأس الساق واحد وعلى كل من الشُّعب الست واحد. وصورة هذه السُّرج على منارة قوس نصر تيطس أمثال أنصاف الكُرات.

فَتُصْعَدُ سُرُجُهَا (انظر تفسير ع 31 - 39 وقابل به ص 27: 31 و30: 8 ولاويين 24: 3).

38 «وَمَلاَقِطُهَا وَمَنَافِضُهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ».

مَلاَقِطُهَا وَمَنَافِضُهَا كانت الملاقط كالمقصات تقص بها رؤوس الفتائل والمنافض لتلقي القصاصة.

39 «مِنْ وَزْنَةِ ذَهَبٍ نَقِيٍّ تُصْنَعُ مَعَ جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلأَوَانِي».

وَزْنَةِ ذَهَبٍ اختلف العلماء في قيمة وزنة الذهب العبرانية ولم يجعلها أحد منهم أقل من أربعة آلاف ليرة إنكليزية على أن بعضهم جعلها 10000 ليرة أو 11000 ليرة.

40 «وَٱنْظُرْ فَٱصْنَعْهَا عَلَى مِثَالِهَا ٱلَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي ٱلْجَبَلِ».

ع 9 وص 26: 3 وعدد 8: 4 و1أيام 28: 11 و19 وأعمال 7: 44 وعبرانيين 8: 5

عَلَى مِثَالِهَا (قابل بهذا ع 9).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

الخيمة المقدسة التي كانت بيت الله للإسرائيليين مدة تيههم في البرية إلى أن بنى سليمان الهيكل وُصفت في هذا الأصحاح بالتدقيق وسُميت بالمسكن وبالخيمة (ع 36). وكانت قواعدها من الخشب للتمكن من نقلها. وكان لها خمسة أعمدة أخرى في الطرف الآخر لم تُذكر. وكان من فوق تلك الأعمدة الغطاء وهو نسيج من شعر المعزى (ع 7). وكان ولا شك مشدوداً بالحبال والأوتاد (ص 35: 18). وكانت تظلل أرضاً طولها ستون قدماً وعرضها ثلاثون قدماً. وفي هذه الخيمة كان المسكن. وكان طوله خمساً وأربعين قدماً وعرضه خمس عشرة قدماً مسوراً بالخشب من ثلاث جهات (ع 18 - 25) فهو مفتوح من أمام كالباب في صدر الرواق وعلى الباب سجف (ع 36). وسقف المسكن سجف آخر أو غطاء ذو ألوان لامعة وهو من ثمين المواد (ع 1 - 6). وكان قسمين اسم الأول القدس واسم الثاني قدس الأقداس. الأول في مقدمة الرواق الذي يُستطرق منه إلى الخارج والآخر وراءه. وكان بين القسمين حجاب معلق على أعمدة (ع 31 و32) ومساحته مجهولة. والمرجح أن قدس الأقداس كان أصغر من القدس أو نسبة قدس الأقداس إلى القدس كنسبة واحد إلى اثنين فتكون مساحة قدس الأقداس مربع خمس عشرة قدماً ومساحة القدس ثلاثين في خمس عشرة. وكان كل ذلك في ساحة تُسمى دار الخيمة وسيأتي وصفها في الأصحاح التالي.

(1) المسكن أو الخيمة إجمالاً ع 1 إلى 6

1 «وَأَمَّا ٱلْمَسْكَنُ فَتَصْنَعُهُ مِنْ عَشَرِ شُقَقِ بُوصٍ مَبْرُومٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ. بِكَرُوبِيمَ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ تَصْنَعُهَا».

ص 25: 8 و26: 8

ٱلْمَسْكَنُ (انظر ص 25: 9).

عَشَرِ شُقَقِ كانت هذه الشقق الأجزاء التي يتألف منها الغطاء الذي كان قسمين كل قسم خمس شقق (ع 3 - 5).

بُوصٍ مَبْرُومٍ (ترجم بعضهم البوص بالكتاب وفي بعض الكتب العربية «البوص الدمقس» وفُسر فيها الدمقس بالابريسم أو القز أو الديباج أو الكتاب أو الحرير الأبيض. قال اليشكري:

Table 8. 

الكاعب الحسناء ترفل بالدمقس وفي الحرير)    

والمقصود بالمبروم المُبرمة خيوطه من عدة خيوط. وكان كثير من مثل ذلك عند المصريين.

أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ (انظر تفسير ص 25: 4).

بِكَرُوبِيمَ صَنْعَةَ حَائِكٍ يظهر أن هذا مناقض لما جاء في الآية السادسة والثلاثين إذ يُقال «صنعة حائك» وهناك «صنعة طراز». (ولكن الكلام هنا على شقق المسكن وهناك على السجف بعينه) وحياكة الصور من الأمور التي تحتاج إلى مهارة عظيمة وكذا تصويرها بالإبرة. وكان المصريون ماهرين في الأمرين على ما تبين من قول هيرودوتس المؤرخ.

2 «طُولُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ذِرَاعاً، وَعَرْضُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. قِيَاساً وَاحِداً لِجَمِيعِ ٱلشُّقَقِ».

طُولُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ذِرَاعاً قال المستر فرغسون أن الغطاء الذي يغطي المساحة عشرون ذراعاً وكان الزائد نحو عشر أذرع على كل جانب على زاوية قائمة فذلك نحو ثمان وعشرين ذراعاً.

3 «تَكُونُ خَمْسٌ مِنَ ٱلشُّقَقِ بَعْضُهَا مَوْصُولٌ بِبَعْضٍ، وَخَمْسُ شُقَقٍ بَعْضُهَا مَوْصُولٌ بِبَعْضٍ».

خَمْسٌ مِنَ ٱلشُّقَقِ يخاط كل منها بالآخر فتكون على الجانب الواحد وخمس آخر كهذه تكون على الجانب الآخر فيكون الغطاء قسمين يصل بينهما رباط. وعلة جعله قسمين أنه لو كان متصلاً لصعب حمله لوفرة ثقله.

4 «وَتَصْنَعُ عُرىً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ فِي ٱلطَّرَفِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلْوَاحِدِ. وَكَذٰلِكَ تَصْنَعُ فِي حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلطَّرَفِيَّةِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلثَّانِي».

عُرىً يوثق بها كل من طرف أحد القسمين بالآخر وتحل عند الارتحال والحمل.

5 «خَمْسِينَ عُرْوَةً تَصْنَعُ فِي ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ، وَخَمْسِينَ عُرْوَةً تَصْنَعُ فِي طَرَفِ ٱلشُّقَّةِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمُوَصَّلِ ٱلثَّانِي. تَكُونُ ٱلْعُرَى بَعْضُهَا مُقَابِلٌ لِبَعْضٍ».

بَعْضُهَا مُقَابِلٌ لِبَعْضٍ فإذا وُثق بعضها ببعض لم يتغضّن الغطاء وكانت توثق بالشظاظ كما سترى.

6 «وَتَصْنَعُ خَمْسِينَ شِظَاظاً مِنْ ذَهَبٍ. وَتَصِلُ ٱلشُّقَّتَيْنِ بَعْضَهُمَا بِبَعْضٍ بِٱلأَشِظَّةِ. فَيَصِيرُ ٱلْمَسْكَنُ وَاحِداً».

شِظَاظاً (جاء في أساس البلاغة للزمخشري «شظظت الغرارة أدخلت الشظاظين في العروتين كا تقول زررت القميص إذا أدخلت الزر في العروة». وجاء في القاموس للفيروزبادي «الشظاظ خشبة عقفاء تُجعل في عروتي الجوالقين» والجوالق عدل كبير منسوج من صوف أو شعر يوضع فيه التبن ونحوه) والمقصود بالشظاظ هنا حلقة مثرومة كبعض أزرار أكمام القمصان الأوربية. وكانت الأشظة هنا من الذهب.

فَيَصِيرُ ٱلْمَسْكَنُ وَاحِداً أي يصير الغطاء بوصله بالأشظة كأنه غطاء واحد فيظهر المسكن كذلك.

(2) الغطاء الثاني من شعر المعزى ع 7 إلى 13

الخيمة على ما ذكر من الآية الأولى إلى الآية السادسة لا تقي من شمس ولا من مطر فاقتضى ذلك أن تغطى بنسيج من شعر المعزى فأوحى الله إلى موسى أن يصنع الغطاء الثاني من ذلك النسيح ليغطي به كل الخيمة. وكان الغطاء الثاني كالغطاء الأول في كونه قسمين (ع 9 - 11) لكن لم يكن القسمان متساويين. كان طول كل منهما ثلاثين ذراعاً لكن القسم المؤخر كان خمسة عروض والمقدم كان ستة عروض. فكان الغطاء الأعلى أعرض مما تحته بست أقدام. والغاية من هذا الغطاء وقاية الذي تحته (ع 9 و12).

7 «وَتَصْنَعُ شُقَقاً مِنْ شَعْرِ مِعْزَى خَيْمَةً عَلَى ٱلْمَسْكَنِ. إِحْدَى عَشَرَةَ شُقَّةً تَصْنَعُهَا».

ص 36: 14

خَيْمَةً خارجية تقي الخيمة الداخلية.

إِحْدَى عَشَرَةَ شُقَّةً أو عرضاً.

8 «طُولُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلاَثُونَ ذِرَاعاً، وَعَرْضُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. قِيَاساً وَاحِداً لِلإِحْدَى عَشَرَةَ شُقَّةً».

ثَلاَثُونَ ذِرَاعاً فالزيادة ذراع واحد من كل جانب (قابل بهذا ع 2) فتكون الذراعان الزائدتان ستراً لكل من جانبي الخيمة (انظر ع 13).

9 «وَتَصِلُ خَمْساً مِنَ ٱلشُّقَقِ وَحْدَهَا، وَسِتّاً مِنَ ٱلشُّقَقِ وَحْدَهَا. وَتَثْنِي ٱلشُّقَّةَ ٱلسَّادِسَةَ فِي وَجْهِ ٱلْخَيْمَةِ».

وَسِتّاً فالزيادة شقة أو عرض يتضاعف بها ظهر الغطاء فيكون كمالاً للسقف في المقدم.

10، 11 «10 وَتَصْنَعُ خَمْسِينَ عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ٱلطَّرَفِيَّةِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلْوَاحِدِ، وَخَمْسِينَ عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلثَّانِي. 11 وَتَصْنَعُ خَمْسِينَ شِظَاظاً مِنْ نُحَاسٍ. وَتُدْخِلُ ٱلأَشِظَّةَ فِي ٱلْعُرَى، وَتَصِلُ ٱلْخَيْمَةَ فَتَصِيرُ وَاحِدَةً».

(انظر تفسير ع 4 - 6).

12، 13 «12 وَأَمَّا ٱلْمُدَلَّى ٱلْفَاضِلُ مِنْ شُقَقِ ٱلْخَيْمَةِ، نِصْفُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْمُوَصَّلَةِ ٱلْفَاضِلُ، فَيُدَلَّى عَلَى مُؤَخَّرِ ٱلْمَسْكَنِ. 13 وَٱلذِّرَاعُ مِنْ هُنَا وَٱلذِّرَاعُ مِنْ هُنَاكَ، مِنَ ٱلْفَاضِلِ فِي طُولِ شُقَقِ ٱلْخَيْمَةِ، تَكُونَانِ مُدَلاَّتَيْنِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلْمَسْكَنِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ لِتَغْطِيَتِهِ».

ٱلْمُدَلَّى ٱلْفَاضِلُ أنه بعد تضاعف الظهر يبقى من نسيج شعر المعزى نصف عرض زائد على عرض البوص فكان هذا النصف يدلى على مؤخر الخيمة.

(3) الغطآن الخارجيان ع 14

14 «وَتَصْنَعُ غِطَاءً لِلْخَيْمَةِ مِنْ جُلُودِ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٍ. وَغِطَاءً مِنْ جُلُودِ تُخَسٍ مِنْ فَوْقُ».

ص 36: 19

لما كانت الغاية من الغطائين الوقاية من المطر كان لنا أن نحسبهما واقيين للمسكن كله لا للسقف وحده فوجب أن يكون طولهما ثلاثين ذراعاً وعرضهما أربع عشرة ذراعاً.

(4) جدران الخيمة ع 15 إلى 30

15، 16 «15 وَتَصْنَعُ ٱلأَلْوَاحَ لِلْمَسْكَنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ قَائِمَةً. 16 طُولُ ٱللَّوْحِ عَشَرُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ».

ٱلأَلْوَاحَ... مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ تقدّم الكلام على السنط في تفسير (ص 25: 5). وكان طول اللوح 15 قدماً وعرضه قدمين وربع قدم وذلك يعدل ما ذكره من القياس العبراني.

17 «وَلِلَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ رِجْلاَنِ مَقْرُونَةٌ إِحْدَاهُمَا بِٱلأُخْرَى. هٰكَذَا تَصْنَعُ لِجَمِيعِ أَلْوَاحِ ٱلْمَسْكَنِ».

رِجْلاَنِ أي قائمتان يقوم عليهما كانتا داخلتين في حفرتين في القاعدة عند طرف اللوح على بعد واحد في كل لوح.

18 «وَتَصْنَعُ ٱلأَلْوَاحَ لِلْمَسْكَنِ عِشْرِينَ لَوْحاً إِلَى جِهَةِ ٱلْجَنُوبِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ».

ٱلْجَنُوبِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ أي نحو اليمين فإن واجهة الخيمة كانت إلى الشرق فكانت جهة الجنوب إلى يمينها.

19 - 21 «19 وَتَصْنَعُ أَرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ ٱلْعِشْرِينَ لَوْحاً. تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ لِرِجْلَيْهِ وَتَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ لِرِجْلَيْهِ. 20 وَلِجَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلثَّانِي إِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ عِشْرِينَ لَوْحاً. 21 وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً لَهَا مِنْ فِضَّةٍ. تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ، وَتَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَان».

أَرْبَعِينَ قَاعِدَةً فكانت كل قاعدة مركزاً لرجل من رجلي اللوح أو لقائمة من قائمتيه فإن الألواح كانت عشرين (ع 18) وكان لكل لوح قائمتان (ع 17) فلزم أن تكون القواعد أربعين.

22، 23 «22 وَلِمُؤَخَّرِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ تَصْنَعُ سِتَّةَ أَلْوَاحٍ. 23 وَتَصْنَعُ لَوْحَيْنِ لِزَاوِيَتَيِ ٱلْمَسْكَنِ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ».

لِمُؤَخَّرِ أي القسم الغربي لأن مقدم الخيمة كان إلى الشرق (انظر تفسير ع 18).

سِتَّةَ أَلْوَاحٍ عرض كل منها كعرض غيره مما ذُكر من الألواح (ع 16) وطوله تسع أذرع أو نحو ثلاث عشرة قدماً ونصف قدم. والظاهر أن الألواح التي طول كل منها عشر أذرع كانت للزوايا وهذه الستة للمؤخر.

24 «وَيَكُونَانِ مُزْدَوِجَيْنِ مِنْ أَسْفَلُ. وَعَلَى سَوَاءٍ يَكُونَانِ مُزْدَوِجَيْنِ إِلَى رَأْسِهِ إِلَى ٱلْحَلْقَةِ ٱلْوَاحِدَةِ. هٰكَذَا يَكُونُ لِكِلَيْهِمَا. يَكُونَانِ لِلزَّاوِيَتَيْنِ».

مُزْدَوِجَيْنِ مِنْ أَسْفَلُ كانت الألواح الزاوية تتصل بالألواح الأخرى في مكانين أسفل وأعلى وتتصل في كل مكان بحلقة واحدة. والحلقات التي تمر فيها أطراف العوارض التي ذُكرت في (ع 26 - 29) يُظن أنها هي المقصودة هنا.

25 «فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ أَلْوَاحٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ فِضَّةٍ سِتَّ عَشَرَةَ قَاعِدَةً. تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ، وَتَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ».

سِتَّ عَشَرَةَ قَاعِدَةً لكل لوح من اللوحين الزاويين قاعدتان واثنتا عشرة قاعدة للألواح الستة التي بينهما.

26 «وَتَصْنَعُ عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، خَمْساً لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلْوَاحِدِ».

عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ كانت الغاية من العوراض ضبط الألواح وضمها معاً ومنع الخلال بينها. وكانت خمس عشرة لكل جانب من الجوانب الثلاثة خمس عوارض. وكانت العارضة الوسطى من كل جانب تمتد من أحد طرفي الخيمة إلى الآخر (ع 28). وكانت العوارض الأربع فوق وتحت أقصر مما سواها. وكل منها على ما يرجح يمسك نصف ألواح جانبه. وكانت العوارض تمر بحلقات ممكّنة في الألواح (ع 29). وكان في كل لوح حلقة من تلك الحلقات على أقل ما يُفرض. والمرجّح أن الحلقات كانت في ظاهر الخيمة أي خارج جدرانها.

27 «وَخَمْسَ عَوَارِضَ لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلثَّانِي، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ».

لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ وهي ستة ألواح (ع 22).

28 «وَٱلْعَارِضَةُ ٱلْوُسْطَى فِي وَسَطِ ٱلأَلْوَاحِ تَنْفُذُ مِنَ ٱلطَّرَفِ إِلَى ٱلطَّرَفِ».

وَسَطِ ٱلأَلْوَاحِ أي منتصفها من الأسفل إلى الأعلى.

29 «وَتُغَشِّي ٱلأَلْوَاحَ بِذَهَبٍ. وَتَصْنَعُ حَلَقَاتِهَا مِنْ ذَهَبٍ بُيُوتاً لِلْعَوَارِضِ. وَتُغَشِّي ٱلْعَوَارِضَ بِذَهَبٍ».

تُغَشِّي ٱلأَلْوَاحَ بِذَهَبٍ أي تصفحها بالذهب لا تموّهها.

30 «وَتُقِيمُ ٱلْمَسْكَنَ كَرَسْمِهِ ٱلَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي ٱلْجَبَلِ».

كَرَسْمِهِ الخ (انظر ص 25: 9 و40). فكان يجب أن يُصنع على وفق ذلك الرسم بكل تدقيق ولعل الكلام هنا موجز استُغني به عن التفصيل المطوّل بما رآه رأي العين.

(5) الحجاب ووضعه ع 31 إلى 33

31 «وَتَصْنَعُ حِجَاباً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ».

ص 36: 35 ولاويين 16: 2 و2أيام 3: 14 ومتّى 27: 51 وعبرانيين 9: 3

تَصْنَعُ حِجَاباً كان الحجاب من جوهريات المسكن ليكون له قسم داخل وقسم خارج الخارج لخدمة الكهنة اليومية والداخل لحضور الله. وما كان لأحد أن يدخله سوى رئيس الكهنة المعروف بالحبر الأعظم. وما كان يدخله إلا مرة واحدة في السنة (ص 30: 10 ولاويين 16: 2 - 34 وعبرانيين 9: 7). واسم الخارج القدس واسم الداخل قدس الأقداس وكان القدسان من مواد واحدة (ع 1).

32 «وَتَجْعَلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ مُغَشَّاةٍ بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ».

أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ الظاهر إنها أعمدة مستقلة عن الأعمدة التي هي دعائم الخيمة. والمرجّح أنها كانت متساوية الطول أو العلو وإنه يوصل بين رؤوسها بجائز فتؤلف مع الحجاب حاجزاً بين القدس وقدس الأقداس ولا ريب في أن علوها كان خمس عشرة قدماً كعلو الألواح (ع 16).

رُزَزُهَا (جمع رزة وهي قطعة من المعدن مطويّة يُدق طرفاها في الخشب وغيره). كان قرب رأس كل عمود رزة وكان الحجاب يُعلق بها.

عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ لكل عمود قاعدة أي القواعد للأعمدة لا للرزز وكان الطرف الأسفل من كل عمود ممكناً في قاعدته داخلاً منها في الأرض.

33 «وَتَجْعَلُ ٱلْحِجَابَ تَحْتَ ٱلأَشِظَّةِ. وَتُدْخِلُ إِلَى هُنَاكَ دَاخِلَ ٱلْحِجَابِ تَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ، فَيَفْصِلُ لَكُمُ ٱلْحِجَابُ بَيْنَ ٱلْقُدْسِ وَقُدْسِ ٱلأَقْدَاسِ».

ص 25: 16 و40: 21 لاويين 16: 2 وعبرانيين 9: 2 و3 و8

تَجْعَلُ ٱلْحِجَابَ تَحْتَ ٱلأَشِظَّةِ (فُسرت الأشظة في تفسير ع 6). كانت الأشظة كحلقات يوصل بها طرفا الحجاب (ع 6). ربما يُظن أن قسمي المسكن متساويان ولكن حكمنا آنفاً بأن قدس الأقداس ثُلث المسكن والقدس ثلثاه بناء على ما علمناه من هيكل سليمان الذي كان على مثال الخيمة فإن قدس الأقداس فيه كان متساوياً لنصف القدس.

(6) وضع الأثاث ع 34 و35

34، 35 «34 وَتَجْعَلُ ٱلْغِطَاءَ عَلَى تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ فِي قُدْسِ ٱلأَقْدَاسِ. 35 وَتَضَعُ ٱلْمَائِدَةَ خَارِجَ ٱلْحِجَابِ، وَٱلْمَنَارَةَ مُقَابِلَ ٱلْمَائِدَةِ عَلَى جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ. وَتَجْعَلُ ٱلْمَائِدَةَ عَلَى جَانِبِ ٱلشِّمَالِ».

ص 25: 21 و40: 20 وعبرانيين 9: 5 ص 40: 22 وعبرانيين 9: 2 ص 40: 24

كان أثاث المسكن الأقدس أو قدس الأقداس التابوت والغطاء وما في التابوت من لوحي الشهادة وراء الحجاب وأثاث القدس مائدة خبز الوجوه عند الجدار الشمالي والمنارة الذهبية تجاهها عند الجدار الجنوبي ومذبح الذهب الذي هو مذبح البخور بينهما خارج الحجاب (ص 30: 6 و40: 29).

(7) ما علق على المدخل ع 36 و37

36 «وَتَصْنَعُ سَجْفاً لِمَدْخَلِ ٱلْخَيْمَةِ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ».

ص 36: 37

كانت الضرورة إلى حجاب المدخل أو سجفه لمنع الحر والضوء لأنه كان إلى الشرق. وكان هذا الحجاب من النسيج يرفعه الداخل بيده. ويظهر مما ذُكر من وصف الخيمة أن طوله كان يزيد على 22 قدماً.

37 «وَتَصْنَعُ لِلسَّجْفِ خَمْسَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ وَتُغَشِّيهَا بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. وَتَسْبِكُ لَهَا خَمْسَ قَوَاعِدَ مِنْ نُحَاسٍ».

ص 36: 38

خَمْسَةَ أَعْمِدَةٍ الخ واحد منها من دعائم الخيمة وهو الأوسط. والرزز لتعليق السجف والنحاس هنا البرانزي النحاس الأسمر (انظر تفسير ص 25: 3).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

مذبح المحرقة ع 1 إلى 8

1 «وَتَصْنَعُ ٱلْمَذْبَحَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، طُولُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ. مُرَبَّعاً يَكُونُ ٱلْمَذْبَحُ. وَٱرْتِفَاعُهُ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ».

ص 38: 1 وحزقيال 43: 13

تَصْنَعُ ٱلْمَذْبَحَ يدل كون هذا المذبح في القدس إن العبادة بلا ذبيحة لم تكن معروفة (انظر ص 5: 1 - 3 و8: 25 - 28 و12: 27 و18: 12 و20: 24 - 26 الخ).

مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ يظهر في أول النظر أن هذا مناف لقوله في (ص 20: 24 و25) لأنه قيل هنا ان يُصنع المذبح من خشب السنط وقيل هناك أن يُبنى من تراب أو حجارة غير منحوتة. ودفع المنافاة مفسرو اليهود بما هو الصواب عينه وهو أن المذبح كان من تراب وإن خشب السنط كان مذبحاً فارغاً يملأ تراباً فالمذبح الحقيقي من التراب وخشب السنط قالبه. كانوا يحملونه في البرية ويملأونه تراباً في منازلهم فيها فيكون مذبحاً. وكان خشب السنط مغشى بالبرنز كما هو مدون في تفاسيرهم. ويوضح كل ذلك ما بعد هذه الأية من الآيات ولا سيما الآية الثامنة.

مُرَبَّعاً كانت مذابح الأمم القديمة إما مربعة وإما مستديرة. وكان المربع والدائرة يُعدان عند الأقدمين من الأشكال الكاملة. واكتشف المستر ليرد في ما بين النهرين مذبحاً مثلثاً ولكن كان أعلاه دائرة. وكان اليهود غالباً يعتزلون في أبنيتهم وأثاثهم الأشكال المحاطة بالخطوط المنحنية والظاهر أن علة ذلك كون صنع ذوات الحدود المنحنية أصعب من صنع ذوات الحدود المستقيمة.

ٱرْتِفَاعُهُ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ لأنه لو كان أعلى من ذلك لصعب ترتيب الذبيحة عليه ولحمل تصور الأمة كمال الأشكال على صنعه مكعباً فكان علوه خمس أذرع لأن كلاً من طوله وعرضه كذلك.

2 «وَتَصْنَعُ قُرُونَهُ عَلَى زَوَايَاهُ ٱلأَرْبَعِ. مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ. وَتُغَشِّيهِ بِنُحَاسٍ».

عدد 16: 38

قُرُونَهُ كان صنع القرون للمذبح عند اليهود خاصة ولا عبرة لقول بعضهم «غلب أن تكون مذابح الأمم القديمة ذوات قرون». وكانت تلك القرون تُعد من صنوف الزينة في أول الأمر ثم اعتُبرت ضرورية للمذبح لأنها كانت بمنزلة أوتاد تُربط الذبيحة بها (مزمور 118: 27). وكان المذنبون يتمسكون بها (1ملوك 1: 50 و2: 28). وكان يوضع عليها دم ذبيحة الإثم للاستغفار (ص 29: 12 ولاويين 8: 15 و9: 9 الخ).

مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ أي متصلة بالمذبح قطعة واحدة بلا فاصل أو وصل بغراء أو مسامير (قابل بهذا ص 25: 19).

تُغَشِّيهِ بِنُحَاسٍ أي ببرنز وهو النحاس الأسمر وقد مر وتكرر. كان كل خشب الخيمة مغشى بمعدني. وكان الغشاء المعدني ضرورياً لمنع الخشب من الاحتراق.

3 «وَتَصْنَعُ قُدُورَهُ لِرَفْعِ رَمَادِهِ وَرُفُوشَهُ وَمَرَاكِنَهُ وَمَنَاشِلَهُ وَمَجَامِرَهُ. جَمِيعَ آنِيَتِهِ تَصْنَعُهَا مِنْ نُحَاسٍ».

قُدُورَهُ لِرَفْعِ رَمَادِهِ كان الرماد وفضلات الذبيحة توضع في هذه القدور لنقلها عن المذبح وعبر عنها بالرماد وحده لأنه الجزء الأكبر.

رُفُوشَهُ الأدوات التي يُرفع بها الرماد إلى القدور.

مَرَاكِنَهُ آنيته التي يوخذ فيها دماء الذبائح (ص 24: 16) وكانت تصب منها إلى أسفل المذبح.

مَنَاشِلَهُ أدوات لكل منها ثلاث شُعب كانت تُستخدم لترتيب قطع الذبيحة على المذبح وكان الكهنة يستعملونها في غير ذلك من أمور الخدمة (1صموئيل 2: 13).

مَجَامِرَهُ الآنية التي يوضع فيها الجمر للتبخير. والمرجّح أنها هي التي كان يُحمل بها الجمر من مذبح النحاس إلى مذبح البخور (لاويين 16: 12).

4 «وَتَصْنَعُ لَهُ شُبَّاكَةً صَنْعَةَ ٱلشَّبَكَةِ مِنْ نُحَاسٍ. وَتَصْنَعُ عَلَى ٱلشَّبَكَةِ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَطْرَافِهِ».

شُبَّاكَةً (القطعة المصنوعة كالشبكة وكانت تُصنع عند العرب من القد أي خيوط الجلد على هيئة وهنا صُنعت من حبال النحاس). ولم يصرّح بموضع هذه الشباكة من المذبح. ومن الأقوال التي فيها أنها كانت تحيط بالمذبح من نصفه إلى أسفله لتقي جوانب المذبح من أرجل الكهنة. ومنها أنها كانت تحيط بأعلى المذبح وأن الغاية منها أن تقي بعض قطع الذبيحة من السقوط. ولا طريق إلى تحقيق شيء من تلك الأقوال فما لنا سوى الظن (انظر ع 5).

وَتَصْنَعُ عَلَى ٱلشَّبَكَةِ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ نُحَاسٍ كان مذبح النحاس كالتابوت ومائدة خبز الوجوه في أن الكهنة كانوا يحملونه في الانتقال من مكان إلى آخر فكان ذلك مقتضى أن يكون له حلقات مثلهما (ص 25: 12 و26). وكان قالب المذبح متصلاً بتلك الشبكة فاقتضى أن تكون صلبة قوية مثله.

5 «وَتَجْعَلُهَا تَحْتَ حَاجِبِ ٱلْمَذْبَحِ مِنْ أَسْفَلُ. وَتَكُونُ ٱلشَّبَكَةُ إِلَى نِصْفِ ٱلْمَذْبَحِ».

تَحْتَ حَاجِبِ ٱلْمَذْبَحِ في هذا إشارة خفية إلى موضع الشبكة فإن حاجب المذبح كان محيطاً بأعلاه أو كان مثال منطقة له تحيط به إلى نصفه.

6، 7 «6 وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ لِلْمَذْبَحِ، عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِنُحَاسٍ. 7 وَتُدْخَلُ عَصَوَاهُ فِي ٱلْحَلَقَاتِ. فَتَكُونُ ٱلْعَصَوَانِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلْمَذْبَحِ حِينَمَا يُحْمَلُ».

عَصَوَيْنِ تدخلان في الحلقات الأربع (ع 4 و7).

8 «مُجَوَّفاً تَصْنَعُهُ مِنْ أَلْوَاحٍ. كَمَا أُظْهِرَ لَكَ فِي ٱلْجَبَلِ هٰكَذَا يَصْنَعُونَهُ».

ص 25: 40 و26: 30

مُجَوَّفاً تَصْنَعُهُ مِنْ أَلْوَاحٍ (انظر تفسير ع 1).

دار الخيمة ع 9 إلى 18

كانت كل الهياكل تقريباً محاطة بسور مقدس يفصل بينه وبين عامة أهل العالم ويميز صفته الدينية تمييزاً تاماً ظاهراً لكل عين. وكان مثل هذا السور مما اعتاده المصريون. وكان يغلب عندهم أن يكون مستطيلاً أي ذا أربعة حدود طوله أكبر من عرضه وله مدخل واحد من أحد جوانبه. وكانت الدار مكشوفة والقدس مسقوفاً لأنه كان صعباً عليهم أن يذبحوا البهائم ويحرقونها في موضع مسقوف. فكان من الضرورة أن يكون المذبح المذكور (ع 1 - 8) خارج الخيمة فكان موضعه قدامها كما سيُذكر.

9 «وَتَصْنَعُ دَارَ ٱلْمَسْكَنِ. إِلَى جِهَةِ ٱلْجَنُوبِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ لِلدَّارِ أَسْتَارٌ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ مِئَةُ ذِرَاعٍ طُولاً إِلَى ٱلْجِهَةِ ٱلْوَاحِدَةِ».

ص 38: 9

ٱلْجَنُوبِ وفي العبرانية التيمنة أي الميمنة أو اليمين (انظر تفسير ص 26: 18).

أَسْتَارٌ جمع ستر وفي الترجمة السبعينية. أي قلوع والظاهر أنها ستور من خشن المنسوجات البوصية كانت ذوات خلال يُرى منها مَن في الدار وكانت الدار مفتوحة لكل الإسرائيليين (لاويين 1: 3 الخ).

بُوصٍ مَبْرُومٍ أي خيوط الكتان المبرَمة من عدة قوى لا من الكتان الرقيق النقي.

10 «وَأَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ».

أَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ هذا وما في (ص 38: 10) يبطل قول بعضهم أن أعمدة الدار كانت من خشب غير مغشى بمادة معدنية.

رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ (قابل بهذا ص 26: 27). لما كانت العُمُد لتعليق الأستار كانت الرزز فيها لمسك الأستار عليها.

قُضْبَانُهَا كانت القضبان تصل بين العُمُد التي عليها الستور.

11، 12 «11 وَكَذٰلِكَ إِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ فِي ٱلطُّولِ أَسْتَارٌ مِئَةُ ذِرَاعٍ طُولاً. وَأَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ، مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. 12 وَفِي عَرْضِ ٱلدَّارِ إِلَى جِهَةِ ٱلْغَرْبِ أَسْتَارٌ خَمْسُونَ ذِرَاعاً. أَعْمِدَتُهَا عَشَرَةٌ، وَقَوَاعِدُهَا عَشَرٌ».

جِهَةِ ٱلشِّمَالِ جانب الدار المقابل للجنوب. وكان الجانب الغربي نصف الطول أي خمسين ذراعاً فلم يقتض سوى نصف العُمُد والقواعد.

13 «وَعَرْضُ ٱلدَّارِ إِلَى جِهَةِ ٱلشَّرْقِ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ خَمْسُونَ ذِرَاعاً».

ٱلشَّرْقِ كانت واجهة كل من الخيمة والهيكل إلى جهة الشرق لأنه كان يُعتبر واجهة العالم عند الشرقيين كافة. والمرجّح أن الذي حملهم على هذا الاعتقاد شروق الشمس منه وكان القدماء يبتهجون بهذا المرأى كثيراً. وبين هذا الاعتبار وعبادة الشمس فرق بعيد.

14، 15 «14 وَخَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعاً مِنَ ٱلأَسْتَارِ لِلْجَانِبِ ٱلْوَاحِدِ. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ. 15 وَلِلْجَانِبِ ٱلثَّانِي خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعاً مِنَ ٱلأَسْتَارِ. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ».

ٱلأَسْتَارِ لِلْجَانِبِ ٱلْوَاحِدِ كانت الأستار على الجوانب الثلاثة الجنوبي والغربي والشمالي لم يكن بينها خلال ولا مدخل. فلم يكن للدار من مدخل في غير الجانب الشرقي. ولا ريب في أن الستار هنالك كان قسمين المدخل بينهما في وسط الجانب (ص 26: 36) ولكنه كان على أربعة أعمدة لا خمسة . وكان على وضع يمكن به رفعه وسدله وكان يشغل عشرين ذراعاً من الخمسين التي هي كل عرض الدار فكان يبقى من كل جانب من جانبي الستار خمس عشرة ذراعاً كانت تغطى بأستار كالأستار التي على جوانب الدار الثلاثة. وكان لكل من الباقين ثلاثة أعمدة تحمل أستاره فالأعمدة التي في الجهة الشرقية عشرة.

16 «وَلِبَابِ ٱلدَّارِ سَجْفٌ عِشْرُونَ ذِرَاعاً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ. أَعْمِدَتُهُ أَرْبَعَةٌ، وَقَوَاعِدُهَا أَرْبَعٌ».

لِبَابِ ٱلدَّارِ أي المدخل.

سَجْفٌ الكلمة العبرانية المترجمة بسجف هي الكلمة عينها في (ع 36 و37 من ص 26).

17 «لِكُلِّ أَعْمِدَةِ ٱلدَّارِ حَوَالَيْهَا قُضْبَانٌ مِنْ فِضَّةٍ. رُزَزُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ نُحَاسٍ».

قُضْبَانٌ مِنْ فِضَّةٍ (انظر تفسير ع 10).

18 «طُولُ ٱلدَّارِ مِئَةُ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا خَمْسُونَ فَخَمْسُونَ، وَٱرْتِفَاعُهَا خَمْسُ أَذْرُعٍ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ، وَقَوَاعِدُهَا مِنْ نُحَاسٍ».

طُولُ ٱلدَّارِ مِئَةُ ذِرَاعٍ قابل بهذا (ع 9).

عَرْضُهَا خَمْسُونَ (ع 12).

ٱرْتِفَاعُهَا خَمْسُ أَذْرُعٍ لم يُذكر هذا قبلاً ولم يُشر إليه. ومما يستحق الملاحظة هنا أن كل مقياس للخيمة والدار ومتعلقاتها ما عدا الأثاث والحجاب الداخل مضروب خمسة.

الآنية والأوتاد ع 19

19 «جَمِيعُ أَوَانِي ٱلْمَسْكَنِ فِي كُلِّ خِدْمَتِهِ وَجَمِيعُ أَوْتَادِهِ وَجَمِيعُ أَوْتَادِ ٱلدَّارِ مِنْ نُحَاسٍ».

جَمِيعُ أَوَانِي ٱلْمَسْكَنِ التي لم تكن من ثمين المعدنيات (ص 25: 38) كانت من النحاس الأسمر وكان هذا الخليط المعدني يصلح لأن تكون منه تلك الآنية وغيرها من الأدوات في هيكل سليمان العظيم عينه (1ملوك 7: 15 - 45 و2ملوك 25: 13 و14).

جَمِيعُ أَوْتَادِهِ هذه الأوتاد لم يسبق لها ذكر لأن الكاتب اعتمد على معرفة الناس إن مثل ذلك المسكن لا يكون بلا أوتاد.

جَمِيعُ أَوْتَادِ ٱلدَّارِ الظاهر أن هذه الأوتاد كانت داخل الدار وخارجها لحفظ الأعمدة في مواضعها وشد الأطناب بها.

زيت السرج ع 20 و21

20 «وَأَنْتَ تَأْمُرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُقَدِّمُوا إِلَيْكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ مَرْضُوضٍ نَقِيّاً لِلضَّوْءِ لإِصْعَادِ ٱلسُّرُجِ دَائِماً».

لاويين 24: 2

تَأْمُرُ... زَيْتَ زَيْتُونٍ ذُكر ذلك في (ص 25: 2 و6). وكانوا يستخرجون الزيت من الزيتون بالرض ليكون نقياً خالصاً من الغواشي لا كالزيت الذي يخرج بالطحن لأن ذلك لا يخلو من الأدران.

لإِصْعَادِ ٱلسُّرُجِ دَائِماً كل ليلة بلا انقطاع. قال يوسيفوس كان من السرج ثلاثة لا تطفأ لا ليلاً ولا نهاراً ولا شيء في الكتاب يثبت ذلك فإنه كان يدخل الخيمة نهاراً ضوء كافٍ من السجف الذي كان من الكتاب (ص 26: 36) هذا إذا فرضنا ان ذلك السجف لم يكن يُزاح. وأما إضاءة السرج ليلاً فذُكرت بصريح المقال فوق دلالة العقل (ص 30: 8) وكانت تطفأ صباحاً (1صموئيل 3: 3).

21 «فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ خَارِجَ ٱلْحِجَابِ ٱلَّذِي أَمَامَ ٱلشَّهَادَةِ يُرَتِّبُهَا هَارُونُ وَبَنُوهُ مِنَ ٱلْمَسَاءِ إِلَى ٱلصَّبَاحِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 26: 31 و33 ص 30: 7 و8 و1صموئيل 3: 3 و2أيام 13: 11 ص 28: 43 و29: 9 و28 ولاويين 3: 17 و16: 34 و24: 9 وعدد 18: 23 و19: 2 و1صموئيل 30: 25

خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أي المكان الأرضي الذي كان الله يجتمع فيه برئيس الشعب (انظر ص 25: 22).

أَمَامَ ٱلشَّهَادَةِ تجاه التابوت الذي فيه لوحا الشهادة (انظر تفسير ص 16: 34).

هَارُونُ وَبَنُوهُ تولية هارون ونسله الكهنوت في الأصحاح التالي.

مِنَ ٱلْمَسَاءِ إِلَى ٱلصَّبَاحِ (انظر تفسير ع 20).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ

تعيين هارون وأبنائه للكهنوت والإرشاد إلى وجوه الخدمة

1 «وَقَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ مَعَهُ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكْهَنَ لِي. هَارُونَ نَادَابَ وَأَبِيهُوَ أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ بَنِي هَارُونَ».

عدد 18: 7 وعبرانيين 5: 4

قَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ كان موسى منفرداً بالنيابة عن الله مع الشعب وبالنيابة عن الشعب مع الله. وكان مع ذلك هو الكاهن منذ الخروج من مصر وهنا انفرد للنيابة وجعل هارون وبنيه كهنة. ولعل اختيار هارون كاهناً كان لأنه أكبر من موسى سناً (ص 7: 7) فُسرّ الله بأن يجعل الكهنوت له ولنسله ولكن موسى بقي أرفع منهم.

لِيَكْهَنَ لِي لم يأخذ هارون في التكهين إلا بعد أن كملت الخيمة. وذُكر تعيين هارون كاهناً في الأصحاح الثامن من سفر اللاويين. وذُكرت أول أعماله الكاهنية في ما يلي ذلك الأصحاح (لاويين 9: 8 - 22).

نَادَابَ وَأَبِيهُوَ هما أكبر أنباء هارون (ص 6: 23 و14: 1).

أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ كان الكهنوت على استمراره في نسل هذين. وكان العازار الكاهن الأعظم حين مات هارون (عدد 20: 28). وخلفه ابنه فنحاس وكان الحبر الأعظم في عصر يشوع (يشوع 22: 13) وبعده (قضاة 20: 28). وأخيراً صار الكهنوت في آل إيثامار ومنهم عالي لأمور لم تُعلم.

2 «وَٱصْنَعْ ثِيَاباً مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ لِلْمَجْدِ وَٱلْبَهَاءِ».

ص 29: 5 و29 و31: 10 و39: 1 ولاويين 8: 7 إلى 9 و30 وعدد 20: 26 و28

ثِيَاباً مُقَدَّسَةً كان يعد كل ما يتعلق بخدمة الله مقدساً كما يُعلم ذلك من أماكن أُخر من الكتاب المقدس. وكانت هذه الثياب مقدسة خصوصاً لأنها ثياب الخدمة في الأقداس. وكانت ثياب كهنة المصريين في الهيكل ممتازة أيضاً. والمرجّح أنه لم تخل أمة من هياكل وكهنة تمتاز في بعض الأمور عن غيرها. ولا ريب في أن الامتيازات المتعلقة بكهنة العبرانيين وسائر متعلقات العبادة كانت مما أعلنه الله لموسى في طور سيناء ومن ذلك ثياب الحبر الأعظم وسائر الكهنة.

لِلْمَجْدِ وَٱلْبَهَاءِ في هاتين الكلمتين قوة عظيمة. أراد الله للكهنة السمو واللياقة لأمرين الأول أن يكونوا ممجدين وذوي منزلة عالية في عيون الشعب ليعتبروهم فيعتبروا خدمتهم لله كثيراً. والثاني أن يجعل العبادة في المسكن المقدس على غاية من الجمال فيكون الحسن والبهاء على خير مناسبة بين الخيمة والذين يخدمون الله فيها. ويصير للخدمة في قدسه شأن عظيم. وهذا يدلنا على أن الله يحب البهاء ولهذا خلق كل شيء حسناً (حتى قيل ليس في الإمكان أحسن مما كان).

3 «وَتُكَلِّمُ جَمِيعَ حُكَمَاءِ ٱلْقُلُوبِ ٱلَّذِينَ مَلأْتُهُمْ رُوحَ حِكْمَةٍ أَنْ يَصْنَعُوا ثِيَابَ هَارُونَ لِتَقْدِيسِهِ لِيَكْهَنَ لِي».

ص 31: 6 و36: 1 ص 31: 3 و35: 31

حُكَمَاءِ ٱلْقُلُوبِ الخ يُراد بحكماء القلوب هنا أرباب المعرفة الخاصة التي تقدرهم على أحكام صنع الثياب المقدسة على وفق ما أمر الله به من أمورها. ربما ظن بعض المحدثين أن ذلك مما لا يلتفت رب البرايا إليه لكن يجب أن نذكر الأمور الأتية:

  1. إن الله مصدر كل معرفة.

  2. إنه هو وحده يعلم ما يليق وما لا يليق به.

  3. إن ثياب الكهنة ليس مما لا يليق بالله الالتفات إليه إذ ليست من محتقرات الأشياء وإلا لما اعتنى بها الكتاب إلى هذا الحد بل إن الله اعتنى بالثياب مطلقاً منذ عصر الإنسان الأول (تكوين 3: 21 و37: 3 و41: 42 ولاويين 8: 7 - 9 و16: 4 وعدد 15: 38 الخ). والثياب التي تكون «للمجد والبهاء» يقتضي أن يكون صانعوها حكماء ماهرين ونُسبت الحكمة هنا إلى القلب لأن العبرانيين كانوا يعتبرون أن القلب مركز المعرفة لأنهم كانوا يشعرون بأنه مكان الانفعالات كما هو المعهود عندنا وعند سائر الأمم إلى هذه الساعة. على أن كل علم ومعرفة وإحكام في الصناعة وغيرها من مواهب الله.

4 «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلثِّيَابُ ٱلَّتِي يَصْنَعُونَهَا: صُدْرَةٌ، وَرِدَاءٌ، وَجُبَّةٌ، وَقَمِيصٌ مُخَرَّمٌ، وَعِمَامَةٌ، وَمِنْطَقَةٌ. فَيَصْنَعُونَ ثِيَاباً مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ وَلِبَنِيهِ لِيَكْهَنَ لِي».

ع 15 ع 6 ع 31 ع 39

وَهٰذِهِ هِيَ ٱلثِّيَابُ ذُكرت الثيات التي للحبر الأعظم أولاً ووُصفت بكل إتقان في الآية السادسة والثلاثين (انظر ع 4 - 39). وبُذلت العناية العظمى في وصف الصدرة (13 - 30) وذكرت هنا قبل كل ما سواها وذكر على أثرها الثوب الخاص المعروف بالأفود وهو جبة قصيرة كانت الصدرة فوقها ووُصف في (ع 6 - 12). وكان تحت هذا الرداء ثوب طويل أزرق يسمى جبة الرداء (أي ثوب الأفود) ووُصف في (ع 31 - 35). وكان الكاهن الأعلى يلبس على رأسه عمامة ذُكرت في (ع 36 - 38). ويلبس تحت الثوب قميصاً من كتان يشد عليه المنطقة (ع 39) وسراويل من كتان (ع 42 و43). ولم يذكر شيئاً من ملبوس الرجلين والمرجّح أنه كان نعلين من النعال المعتادة.

5 «وَهُمْ يَأْخُذُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلأَسْمَانْجُونِيَّ وَٱلأُرْجُوَانَ وَٱلْقِرْمِزَ وَٱلْبُوصَ».

ٱلذَّهَبَ وَٱلأَسْمَانْجُونِيَّ كان حكماء القلب (ع 13) يأخذون من موسى ما يحتاجون إليه من الذهب والأسمانجوني الخ. ومما يجب الالتفات إليه هنا إن هاتين المادتين من المواد التي صُنع منها حجاب الهيكل وسجوفه (ص 26: 1 و31 و36) لكن زيد هنا الحجارة الكريمة (ع 9 و17 - 21).

الرداء (أو الأفود) ع 6 إلى 12

قلنا إن الرداء (أو الأفود) كان جبة قصيرة (تفسير ع 4) وكان مصنوعاً من قطعتين إحداهما مقدمة والأخرى مؤخرة ويتصل كلاهما على الكتفين (ع 7) ويصلان إلى الحقوين وله زنار مثله في الصنع (ع 8) ويُعرف بمنطقة الرداء العجيبة (على ما في بعض الترجمات). وكان على كل من الكتفين حجر من الجزع يحيط به الذهب (ع 9 إلى 11) وعلى كل من الحجرين ستة أسماء من أسماء الأسباط.

6 «فَيَصْنَعُونَ ٱلرِّدَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ».

ص 25: 7 وع 4 وص 39: 2 ص 26: 1 و31 وع 15 و36: 8 و 35 و39: 3 و8

حَائِكٍ حَاذِقٍ أي ماهر (انظر تفسير ص 26: 1).

7 «يَكُونُ لَهُ كَتِفَانِ مَوْصُولاَنِ فِي طَرَفَيْهِ لِيَتَّصِلَ».

انظر مقدمة الفصل.

8 «وَزُنَّارُ شَدِّهِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْهُ كَصَنْعَتِهِ. مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ».

ص 29: 5

زُنَّارُ اختُلف في ترجمة الكلمة العبرانية المترجمة هنا بالزنار وترجمها يوسيفوس بالمنطقة وهو المرجّح فالترجمة العربية هي المعول عليها. وزاد يوسيفوس أن تلك المنطقة كانت ذات ألوان كثيرة يخالط نسيجها الذهب.

مِنْهُ كَصَنْعَتِهِ أي منسوجة قطعة واحدة لا قطع متصلة بالخياطة.

9 «وَتَأْخُذُ حَجَرَيْ جَزْعٍ وَتَنْقُشُ عَلَيْهِمَا أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

حَجَرَيْ جَزْعٍ (مرّ الكلام على الجزع والاختلاف في ترجمة عبرانيته في (ص 25: 7 فارجع إليه). قال بعضهم كان حجر الجزع المذكور من ثلاث طبقات سوداء وبيضاء وحمراء وذكر ذلك يوسيفوس المؤرخ اليهودي وعرفه الناس في مصر وغيرها منذ عهد قديم واتخذوا منه الخواتم.

تَنْقُشُ عَلَيْهِمَا أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كان الناس يحكمون النقش على الحجارة الكريمة في العصور القديمة كما يظهر من العاديات المصرية والكلدانية. وشاهدوا خواتم منه. ومن تلك الخواتم خواتم ملوك الأشوريين الذين كانوا قبل الميلاد بنحو 2000 سنة. وخواتم ملوك الدولة الثانية عشرة من دول مصر القديمة. وقد شاهدوا النقوش على أصلب الحجارة كالماس والياقوت والزمرد والنقش على الجزع أسهل من النقش على تلك الحجارة. والأسماء المذكورة هنا هي أسماء الأسباط لا اسم كل شخص من بني إسرائيل أي شعب اليهود بالضرورة أو البديهة وكذا قال يوسيفوس ويوضح ذلك أنها اثنا عشر (ع 10).

10 «سِتَّةً مِنْ أَسْمَائِهِمْ عَلَى ٱلْحَجَرِ ٱلْوَاحِدِ، وَأَسْمَاءَ ٱلسِّتَّةِ ٱلْبَاقِينَ عَلَى ٱلْحَجَرِ ٱلثَّانِي حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ».

أَسْمَاءَ ٱلسِّتَّةِ ٱلْبَاقِينَ أما أنه تُرك اسم لاوي وأما إنه وُضع اسم يوسف بدل إفرايم ومنسى.

حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ أي على ترتيب أسنانهم أي سنة ميلاد كل منهم.

11 «صَنْعَةَ نَقَّاشِ ٱلْحِجَارَةِ نَقْشَ ٱلْخَاتِمِ تَنْقُشُ ٱلْحَجَرَيْنِ عَلَى حَسَبِ أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. مُحَاطَيْنِ بِطَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَصْنَعُهُمَا».

نَقْشَ ٱلْخَاتِمِ (قابل بهذا تفسير ع 39). ذُكرت الخواتم في سفر التكوين (تكوين 38: 18 و25 و41: 42). وكانت خواتم المصريين أسطوانية وكذا كانت خواتم الكلدانيين وكانوا يربطونها غالباً بحبال يتزرون بها.

مُحَاطَيْنِ بِطَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ أي إطارين وكانا كحلقتين مفتوحتين وكان هذا هو المألوف عند المصريين.

12 «وَتَضَعُ ٱلْحَجَرَيْنِ عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ حَجَرَيْ تِذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَهُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ عَلَى كَتِفَيْهِ لِلتِّذْكَارِ».

ع 30 و38 وص 39: 7 ع 29 ويشوع 4: 7 وزكريا 6: 14

حَجَرَيْ تِذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اي للإسرائيليين لا لأبناء يعقوب الاثني عشر كما سبق. وكان ذلك التذكار لله وللإسرائيليين فيذكر الله بهما عهده لهم ويذكرون بهما إحسان الله إليهم. وكان الكاهن الأعظم يمثل بهما كل بني إسرائيل حين يدخل إلى قدس الأقداس ليذكرهم ويصلي من أجلهم ويطلب المغفرة لهم. وكان الكاهن يمثلهم بأمرين الحجرين المذكورين وحجارة الصدرة.

الصدرة ع 13 إلى 30

كانت الصدرة ذات شأن وكانت أثمن وأعجب من كل ثياب الحبر الأعظم وكانت يومئذ ذات أسرار عظيمة. وكانت مرصعة الخارج بالذهب والحجارة الكريمة وفي داخلها شيئان ثمينان جداً وهما الأوريم والتميم (ع 30) اللذين بهما كانت تُعرف الإرادة الإلهية وتُعلن للحبر الأعظم وبواسطته للشعب. وكانت الصدرة من مادة الرداء مربعة مثنية الأطراف كل من جوانبها نحو تسع عقد (اي ثلاثة أرباع قدم) عليها اثنا عشر حجراً كريماً مرصعة في الذهب مرتبة صفوفاً (ع 15 و17 - 21). والمرجّح أن هذه الحجارة كانت تشغل معظم ظاهر الصدرة. وكان على طرفي أعلاها حلقتا ذهب توثق بهما بسلاسل إلى طرفين في أعلى الرداء (أو الأفود) وكان على طرفي أسفلها كذلك (ع 13 و14 و22 - 28).

13 «وَتَصْنَعُ طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ».

طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ كهيئة وردتين جوفاوين الوسط يوضع في كل جوف حجر من الجزع وهما على كتفي الرداء (ع 11).

14 «وَسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. مَجْدُولَتَيْنِ تَصْنَعُهُمَا صَنْعَةَ ٱلضَّفْرِ. وَتَجْعَلُ سِلْسِلَتَيِ ٱلضَّفَائِرِ فِي ٱلطَّوْقَيْنِ».

سِلْسِلَتَيْنِ... مَجْدُولَتَيْنِ الخ مصنوعتين كهيئة الضفيرة أي خصلة الشعر المنسوج بعضها على بعض. وشوهد مثل هاتين السلسلتين على أعناق كبراء قدماء الفرس في منحوتات برسيبوليس (أي مدينة الفرس) والظاهر أن عظماء المصريين كانوا يلبسون مثلهما. وكانت كل سلسلة مضفورة من عدة أسلاك من الذهب. والسلسلتان المذكورتان هنا كالسلاسل المذكورة في (ع 22 - 25). وكانت الغاية منهما وصل زاويتي الصدرة العلويتين بأعلى الرداء (أو الأفود).

15 «وَتَصْنَعُ صُدْرَةَ قَضَاءٍ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ كَصَنْعَةِ ٱلرِّدَاءِ تَصْنَعُهَا. مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ تَصْنَعُهَا».

ص 25: 7 وع 4 وص 39: 8

صُدْرَةَ قَضَاءٍ سُميت بهذا لأنه كان الله يُعلن قضاءه للحبر الأعظم ليُعلنه للشعب بالأوريم والتميم اللذَين كانت تشتمل عليهما (انظر تفسير ع 30).

صَنْعَةَ حَائِكٍ (قابل بهذا ص 26: 1 و31 و28: 6).

16 «تَكُونُ مُرَبَّعَةً مَثْنِيَّةً طُولُهَا شِبْرٌ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ».

مُرَبَّعَةً كان التربيع يُعتبر من صفات الكمال (انظر تفسير ص 27: 1) لكن المرجّح أن الحجارة الكريمة كانت مصفوفة على شكل مستطيل.

مَثْنِيَّةً رأى بعضهم أن ثنيها كان ليتحصل منها مثل كيس يوضع فيه الأوريم والتميم إن كانا مادتين لا لتقويتها لأن الصدرة كانت قوية إلى حد لا يقطعها السيف عنده فتأمل.

شِبْرٌ كان الشبر نصف ذراع عبرانية أي نحو ثلاثة أرباع قدم.

17 - 20 «17 وَتُرَصِّعُ فِيهَا تَرْصِيعَ حَجَرٍ أَرْبَعَةَ صُفُوفِ حِجَارَةٍ. صَفُّ عَقِيقٍ أَحْمَرَ وَيَاقُوتٍ أَصْفَرَ وَزُمُرُّدٍ: ٱلصَّفُّ ٱلأَوَّلُ. 18 وَٱلصَّفُّ ٱلثَّانِي: بَهْرَمَانٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ. 19 وَٱلصَّفُّ ٱلثَّالِثُ: عَيْنُ ٱلْهِرِّ وَيَشْمٌ وَجَمَشْتٌ. 20 وَٱلصَّفُّ ٱلرَّابِعُ: زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ. تَكُونُ مُطَوَّقَةً بِذَهَبٍ فِي تَرْصِيعِهَا».

ص 39: 10 إلى 13 و1أيام 29: 2 وإشعياء 54: 11 و12 ورؤيا 21: 18 إلى 20

تُرَصِّعُ فِيهَا تَرْصِيعَ حَجَرٍ الخ أي تصف عليها الحجارة الكريمة بالترصيع المعروف عند أهل الصناعة الترصيعية. واعلم هنا أن الحجارة الآتية اختلفوا في ترجمتها. وما في الترجمة العربية هو المحقق أو الأرجح ولا فائدة في ذكر الأقوال المختلفة فيها. وكان على كل من جانبي الصدرة ستة حجارة فعلى الجانبين اثنا عشر حجراً كعدد الأسباط. وكانت كلها أربعة صفوف كل صف ثلاثة أحجار الأول عقيق أحمر وياقوت أصفر وزمرد. والثاني بهرمان وياقوت أزرق وعقيق أبيض والثالث عين الهر ويشم وجمشت. والرابع زبرجد وجزع ويشب. فالعقيق والياقوت والزمرد معروفة وأما البهرمان فهو كلمة فارسية. معناها العصفر. وهو في العبرانية نُفك وترجم إلى اليونانية المعروفية بالسبعينية «αrθpαε» ورأى يوسيفوس أنه نوع من الياقوت وعلى قوله وعلى ما في العربية يتبين أنه ياقوب لونه كلون العصفر. وأما عين الهر فهو حجر كالعقيق فيه مثل صورة الحدقة أي سواد العين ولهذا سمي بعين الهر. وأما اليشم فهو قريب من الزبرجد إلا أنه أصفى وأكثر شفافية. والزبرجد يشبه الزمرد. والجمشت ضرب من العقيق على ما يرجح. واليشب اليشم والظاهر أن المقصود به هنا حجر قريب من اليشم كثيراً.

21 «وَتَكُونُ ٱلْحِجَارَةُ عَلَى أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ٱثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَسْمَائِهِمْ. كَنَقْشِ ٱلْخَاتِمُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى ٱسْمِهِ تَكُونُ لِلٱثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً».

عَلَى أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أي أسماء الأسباط الاثني عشر.

كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى ٱسْمِهِ أي على كل حجر اسم سبط.

22 «وَتَصْنَعُ عَلَى ٱلصُّدْرَةِ سَلاَسِلَ مَجْدُولَةً صَنْعَةَ ٱلضَّفْرِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ».

سَلاَسِلَ مَجْدُولَةً اي مضفورة (انظر تفسير ع 14).

23 - 25 «23 وَتَصْنَعُ عَلَى ٱلصُّدْرَةِ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. وَتَجْعَلُ ٱلْحَلْقَتَيْنِ عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ. 24 وَتَجْعَلُ ضَفِيرَتَيِ ٱلذَّهَبِ فِي ٱلْحَلْقَتَيْنِ عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ. 25 وَتَجْعَلُ طَرَفَيِ ٱلضَّفِيرَتَيْنِ ٱلآخَرَيْنِ فِي ٱلطَّوْقَيْنِ، وَتَجْعَلُهُمَا عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ إِلَى قُدَّامِهِ».

ٱلْحَلْقَتَيْنِ عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ الخ أي على زاويتي الصدرة العلويتين. كانت السلاسل تدخل في الحلقيتن وتُربط بطوقي الرداء (انظر ع 13 و14).

26 «وَتَصْنَعُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَتَضَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ عَلَى حَاشِيَتِهَا ٱلَّتِي إِلَى جِهَةِ ٱلرِّدَاءِ مِنْ دَاخِلٍ».

حَلْقَتَيْنِ أُخريين توضعان على الزاويتين السفليتين من الرداء.

27، 28 «27 وَتَصْنَعُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. وَتَجْعَلُهُمَا عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ مِنْ أَسْفَلُ مِنْ قُدَّامِهِ عِنْدَ وَصْلِهِ مِنْ فَوْقِ زُنَّارِ ٱلرِّدَاءِ. 28 وَيَرْبُطُونَ ٱلصُّدْرَةَ بِحَلْقَتَيْهَا إِلَى حَلْقَتَيِ ٱلرِّدَاءِ بِخَيْطٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِتَكُونَ عَلَى زُنَّارِ ٱلرِّدَاءِ. وَلاَ تُنْزَعُ ٱلصُّدْرَةُ عَنِ ٱلرِّدَاءِ».

كانت الحلقتان مخيطتين بأسفل الرداء من أمام فوق منطقة الرداء ويُوصل بينهما وبين الحلقتين الأُخريين بخيط اسمانجوني أو أزرق فتجمع وتضم بذلك الصدرة إلى الرداء وتُظهر فوق المنطقة (أو الزنار) بدون تغطيتها.

29 «فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي صُدْرَةِ ٱلْقَضَاءِ عَلَى قَلْبِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى ٱلْقُدْسِ لِلتِّذْكَارِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ دَائِماً».

ع 12

عَلَى قَلْبِهِ أي قلب هارون (قابل بهذا ع 12). كان على الحبر الأعظم أن يكون مرتبطاً بالشعب ارتباطاً مقدساً مشاركاً لهم في الانفعالات ومؤاسيا لهم في الأحوال. وحمله أسماءهم على قلبه كناية عن المحبة والشفقة فكان ينوب عن الشعب في طلب أمرين القوة والرحمة.

30 «وَتَجْعَلُ فِي صُدْرَةِ ٱلْقَضَاءِ ٱلأُورِيمَ وَٱلتُّمِّيمَ لِتَكُونَ عَلَى قَلْبِ هَارُونَ عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. فَيَحْمِلُ هَارُونُ قَضَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى قَلْبِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ دَائِماً».

لاويين 8: 8 وعدد 27: 21 وتثنية 33: 8 و1صموئيل 28: 6 وعزرا 2: 63 ونحميا 7: 65

ٱلأُورِيمَ وَٱلتُّمِّيمَ الأوريم جمع أور في العبرانية وهو النور. والتميم جمع تم وهو التمام أو الكمال فيكون معناهما الأنوار والكمالات. وإن كان المقصود بالجمع مجرد التعظيم فيكون معناهما النور والكمال. ووضعهما في الصدرة يدل على أنها كانت بمنزلة الكيس (انظر تفسير ع 16).

واختلف العلماء في أنه أمادتان الأوريم والتميم أم غير مادتين وإن كانا مادتين فما هما. واستُدل على كونهما مادتين أولاً بأنهما جُعلا في صدرة القضاء أي وُضعا فيها وبأنهما يكونان على قلب هارون. وثانياً بتعريفهما بلام العهد كأنهما مادتان معلومتان. وثالثاً باتفاق فيلو ويوسيفوس على أنهما مادتان مع اختلافهما في سائر الأمور.

أما ماهيتهما فقال فيها فيلو أنهما جانبا الصدرة. ويدفع قوله أنهم وُضعا في الصدرة فكيف يكونان جانبيها (ع 30 ولاويين 8: 8). وقال يوسيفوس أنهما الحجارة الكريمة الاثنا عشر. ولكن إذا وصلنا الآية هنا بالآيات السابعة عشرة وما بعدها إلى الحادية والعشرين رأينا أن تلك الحجارة غير الأوريم والتميم. وثبت لنا أنهما شيئان كانا في باطن الصدرة وأنهما مما ألفه الإسرائيليون. ومن الأقوال في ذلك أنهما حجران من الماس أحدهما مصقول والآخر غير مصقول. ومنها أنهما قدتان من المعدنيات على إحداهما «نعم» وعلى الأخرى «لا». ومنها أنهما تمثالان صغيران كالترافيم (وقال بعضهم «لا نعرف ما هما» وأصاب أكثر من كل من سواه).

جبة الرداء ع 31 إلى 35

31 «وَتَصْنَعُ جُبَّةَ ٱلرِّدَاءِ كُلَّهَا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ».

ص 39: 22

جُبَّةَ ٱلرِّدَاءِ هي ثوب من العنق إلى الركبتين. قال يوسيفوس أنها كانت بلا كمين (فهي ما يُعرف بالعربية بالإتب والبقير بالباء لا النون كما وقع في بعض الكتب اللغة) يستر أعلاه الرداء (أي الأفود) وكان يظهر من الخصر إلى الركبتين.

32 «وَتَكُونُ فَتْحَةُ رَأْسِهَا فِي وَسَطِهَا. وَيَكُونُ لِفَتْحَتِهَا حَاشِيَةٌ حَوَالَيْهَا صَنْعَةَ ٱلْحَائِكِ. كَفَتْحَةِ ٱلدِّرْعِ يَكُونُ لَهَا. لاَ تُشَقُّ».

فَتْحَةُ رَأْسِهَا فِي وَسَطِهَا الخ (هذا يؤيد قولنا أنها اتب أو بقير لأنه ثوب يُشق في وسطه فيُلبس في العنق من غير جيب ولا كمين). وكانت هذه الجبة مما كثر عند قدماء المصريين وهي منسوجة من الكتان.

33 «وَتَصْنَعُ عَلَى أَذْيَالِهَا رُمَّانَاتٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ. عَلَى أَذْيَالِهَا حَوَالَيْهَا. وَجَلاَجِلَ مِنْ ذَهَبٍ بَيْنَهَا حَوَالَيْهَا».

رُمَّانَاتٍ هي قطع على هيئة ثمر الرمان وهذه الرمانات كانت من أدوات الزينة عند الأشوريين لا المصريين. ويتبين من سفر يشوع (يشوع 7: 21) أنها كانت تُصنع في بابل ويأتي بها التجار إلى سورية ثم أوصلوها إلى بلاد العرب ومصر على ما يرجح.

جَلاَجِلَ مِنْ ذَهَبٍ يرجح أن هذه الأجراس كانت من مصنوعات الأشوريين لا المصريين. والمرجّح أنه لم يسبق أمة اليهود إلى استعمالها في الخدمة الدينية غيرهم من الأمم فلنا هنا شيء جديد من الأدوات الدينية.

34 «جُلْجُلَ ذَهَبٍ وَرُمَّانَةً جُلْجُلَ ذَهَبٍ وَرُمَّانَةً، عَلَى أَذْيَالِ ٱلْجُبَّةِ حَوَالَيْهَا».

جُلْجُلَ ذَهَبٍ وَرُمَّانَةً على الترتيب.

35 «فَتَكُونُ عَلَى هَارُونَ لِلْخِدْمَةِ لِيُسْمَعَ صَوْتُهَا عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى ٱلْقُدْسِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ، لِئَلاَّ يَمُوتَ».

لِيُسْمَعَ صَوْتُهَا كانت الغاية العظمى من ذلك تنبيه الشعب لكي يلتفتوا إلى الخدمة الدينية حق الالتفات.

العمامة ع 36 إلى 38

كانت عمامة الحبر الأعظم من الكتان الأبيض النقي. ويتبين من وصف يوسيفوس لها أنها كانت عدة أكوار (جمع كور وهو الدور من العمامة) غليظة يزين مقدمها صفيحة من الذهب النقي مكتوب عليها «قدس للرب» يصلها بنسيج الكتان خيط اسمانجوني أي أزرق.

36 «وَتَصْنَعُ صَفِيحَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَتَنْقُشُ عَلَيْهَا نَقْشَ خَاتِمٍ «قُدْسٌ لِلرَّبِّ».

ص 29: 6 و39: 30 ص 39: 30 وزكريا 14: 20

تَصْنَعُ صَفِيحَةً كانت الصفيحة من ضروريات العمامة توضع في أعلى مقدمها وكانت من الذهب النقي (ص 39: 31) تجذب إليها العيون والالتفات أكثر من الصدرة. وكانت محملاً لما عليها من الكتابة فكان الالتفات إلى المكتوب علها وهو الحق العظيم الديني «قدس للرب» الذي لا قيمة بدونه لشيء من الرسوم والاحتفالات والكهنوت والأثواب والذبائح والصلوات. فإنه كان يقتضي أولاً أن الحبر الأعظم نفسه يجب أن يكون مقدساً. ولما كان الكاهن نائباً عن الأمة لزم أن تكون الأمة عينها «قدساً للرب» أو «أمة مقدسة» و «مملكة كهنة» (ص 19: 6). وأن تقف نفسها وقلبها للرب.

37 «وَتَضَعُهَا عَلَى خَيْطٍ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِتَكُونَ عَلَى ٱلْعِمَامَةِ. إِلَى قُدَّامِ ٱلْعِمَامَةِ تَكُونُ».

وَتَضَعُهَا عَلَى خَيْطٍ أَسْمَانْجُونِيٍّ (قابل بهذا ص 39: 31). المرجّح أنه كان في كل من جانبي الصفيحة ثقب يدخل فيه الخيط ويُربط أحدهما بالآخر على العمامة البيضاء وراء الرأس.

38 «فَتَكُونُ عَلَى جِبْهَةِ هَارُونَ. فَيَحْمِلُ هَارُونُ إِثْمَ ٱلأَقْدَاسِ ٱلَّتِي يُقَدِّسُهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، جَمِيعِ عَطَايَا أَقْدَاسِهِمْ. وَتَكُونُ عَلَى جِبْهَتِهِ دَائِماً لِلرِّضَا عَنْهُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

ع 12 ولاويين 10: 17 و22: 9 وعدد 19: 1 وإشعياء 53: 11 وحزقيال 4: 4 إلى 6 ويوحنا 1: 29 وعبرانيين 9: 28 و1بطرس 2: 24 لاويين 1: 4 و22: 27 و23: 11 وإشعياء 56: 7

فَيَحْمِلُ هَارُونُ إِثْمَ ٱلأَقْدَاسِ الخ يُراد بالأقداس هنا التقدمات التي يأتي بها الشعب وكانت لا تنفك عن الإثم من النقص المتعلق بها أو بمقدمها وكان الكاهن يدخل بتلك التقدمات إلى الرب بآثامها بدون أن يغيظ الرب فكان الله برحمته يقبلها على نقصها ونقص مقدميها وكانت الصفيحة على جبهة هارون دائماً.

الأثواب الداخلية ع 39

39 «وَتُخَرِّمُ ٱلْقَمِيصَ مِنْ بُوصٍ، وَتَصْنَعُ ٱلْعِمَامَةَ مِنْ بُوصٍ، وَٱلْمِنْطَقَةُ تَصْنَعُهَا صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ».

ع 4

كانت الأثواب المار ذكرها خارجية فأضاف إليها هنا أثواباً داخلية ولم يتكلم عليها إلّا قليلاً وكانت سراويل من كتان (ع 42 و43). وقميصاً من كتان ومنطقة مطرزة كثيرة الألوان (ص 39: 29).

تُخَرِّمُ اختُلف في ترجمة أصل هذه الكلمة العبراني فتجرمها بعضهم بتطرز وبعضهم بتنسج وآخر بتربع وآخر بتوشي وأصحها ما في الترجمة العربية هنا.

ٱلْقَمِيصَ كان ثوباً طويلاً من الكتان الأبيض إلى القدمين قصير الكمين وكان على ما يرجّح يظهر بعضه تحت جبة الرداء.

المنطقة الداخلية ع 40 إلى 43

يظهر من (ص 39: 29) أن المنطقة كانت من كتان نقي مبروم اسمانجوني وأرجوان وقرمز. ولم تكن منسوجة من هذه الملونات بل كانت ملونة بالتطريز أي بعمل الإبرة كالرداء (أو الأفود) انظر الآية السادسة. فإن الرداء لم يكن نسيجاً من ذوات تلك الألوان بل كان مطرزاً بالإبرة. وكانت هذه المنطقة فوق القميص وتحت جبة الرداء (لاويين 8: 7).

ملبوسات الخدمة الكهنوتية

40 «وَلِبَنِي هَارُونَ تَصْنَعُ أَقْمِصَةً، وَتَصْنَعُ لَهُمْ مَنَاطِقَ، وَتَصْنَعُ لَهُمْ قَلاَنِسَ لِلْمَجْدِ وَٱلْبَهَاءِ».

ع 4 وص 39: 27 إلى 29 و41 وحزقيال 44: 17 و18

لِبَنِي هَارُونَ تَصْنَعُ أَقْمِصَةً وكانت من الكتان النقي كأقمصة الحبر الأعظم (انظر تفسير ع 39) ولكنها لم تكن منسوجة على أسلوب خاص.

مَنَاطِقَ المظنون أنها كمنطقة الحبر الأعظم الداخلية ولم توصف وصفاً خاصاً في موضع من الكتاب.

قَلاَنِسَ ملبوسات للرأس تقرب مما يُسمى عندنا بالطرابيش وكان المصريون يلبسونها ولا يزالون كذلك.

لِلْمَجْدِ وَٱلْبَهَاءِ كانت مثل هذه الملبوسات على بساطتها كافية لأن تكون للمجد والبهاء وهي الملبوسات البيضاء والمناطق البسيطة غير المطرزة والقلانس البيضاء البسيطة أيضاً. والكتاب المقدس يحسب الثياب البيضاء من حلل المجد أبداً (دانيال 7: 9 ومرقس 9: 3 ويوحنا 20: 12 وأعمال 1: 10 ورؤيا 4: 4 و6: 11 و7: 9 - 14 و15: 6 الخ).

41 «وَتُلْبِسُ هَارُونَ أَخَاكَ إِيَّاهَا وَبَنِيهِ مَعَهُ، وَتَمْسَحُهُمْ، وَتَمْلأُ أَيَادِيهِمْ، وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي».

ص 29: 7 و30: 30 و40: 15 ولاويين 10: 7 ص 29: 9 إلى 24 ولاويين 8: 25 إلى 27 وعبرانيين 7: 28

تُلْبِسُ هَارُونَ... وَبَنِيهِ كان موسى قد وُكل إليه أن يقدس هارون وبنيه وقد ذُكر عمله ذلك في سفر اللاويين (لاويين 8: 6 - 30).

تَمْسَحُهُمْ (انظر تفسير ص 39: 7 - 9).

42 «وَتَصْنَعُ لَهُمْ سَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ لِسَتْرِ ٱلْعَوْرَةِ. مِنَ ٱلْحَقَوَيْنِ إِلَى ٱلْفَخْذَيْنِ تَكُونُ».

ص 39: 28 ولاويين 6: 10 و16: 4 وحزقيال 44: 18

سَرَاوِيلَ مِنْ كَتَّانٍ كان السراويل من الحقوين إلى ما فوق الركبة قليلاً. وكان كثيرون من المصريين يلبسونه وكان لبسه ضرورياً للغاية التي ذُكرت في الآية.

43 «فَتَكُونُ عَلَى هَارُونَ وَبَنِيهِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ، أَوْ عِنْدَ ٱقْتِرَابِهِمْ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلْخِدْمَةِ فِي ٱلْقُدْسِ، لِئَلاَّ يَحْمِلُوا إِثْماً وَيَمُوتُوا. فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ».

ص 20: 26 لاويين 5: 1 و17 و20: 19 و22: 9 وعدد 9: 13 و18: 22 ص 27: 21 ولاويين 17: 7

ٱلْقُدْسِ الظاهر أن القدس هنا دار الخيمة التي كان فيها المذبح (ص 40: 6 و29).

لِئَلاَّ يَحْمِلُوا إِثْماً وَيَمُوتُوا كان الموت جزاء على إهمال تلك الثياب كما كان جزاء على إهمال الرداء (ع 35). والمرجّح أن ذلك الموت كان انتقاماً إلهياً لا من أمور الشريعة الموكول إجراءها إلى الناس.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

صورة تقديس الكهنة

1 «وَهٰذَا مَا تَصْنَعُهُ لَهُمْ لِتَقْدِيسِهِمْ لِيَكْهَنُوا لِي: خُذْ ثَوْراً وَاحِداً ٱبْنَ بَقَرٍ، وَكَبْشَيْنِ صَحِيحَيْنِ».

لاويين 8: 2

هٰذَا مَا تَصْنَعُهُ لَهُمْ لِتَقْدِيسِهِمْ وكل الله إلى موسى تقديس الكهنة في الأصحاح السابق (ص 28: 41). وأبان هنا أنه يشتمل على خمسة أمور:

  1. الغسل (ع 4).

  2. التقليد أو التنصيب (ع 5 - 9).

  3. الدهن أو المسحة (ع 7).

  4. الذبيحة (ع 10 - 23).

  5. الوضع في اليد (ع 24).

وكل هذه الأمور كانت رموزاً وإشارات إلى الروحيات فالغسل يشير إلى طهارة القلب من الإثم أو إلى ترك الآثام التي هي للروح بمنزلة الأدران للجسد والثياب إشارة إلى شمول القداسة ونعمة الله إلى غير ذلك.

ثَوْراً كان أول ما يجب إتيانه الذبائح وإعدادها قبل ذبحها.

صَحِيحَيْنِ أي بلا عيب (انظر تفسير ص 12: 5).

2، 3 «2 وَخُبْزَ فَطِيرٍ، وَأَقْرَاصَ فَطِيرٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ. مِنْ دَقِيقِ حِنْطَةٍ تَصْنَعُهَا. 3 وَتَجْعَلُهَا فِي سَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَتُقَدِّمُهَا فِي ٱلسَّلَّةِ مَعَ ٱلثَّوْرِ وَٱلْكَبْشَيْنِ».

لاويين 2: 4 و6: 20 إلى 23

خُبْزَ فَطِيرٍ الظاهر أن الخبز الفطير حُسب أقدس من الخمير بالنظر إلى أن الاختمار نوع من الفساد.

أَقْرَاصَ فَطِيرٍ مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ كانت هذه الأقراص غليظة.

رِقَاقَ أقراص رقيقة جداً.

4 «وَتُقَدِّمُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَتَغْسِلُهُمْ بِمَاءٍ».

ص 40: 12 ولاويين 8: 6 وعبرانيين 10: 22

تُقَدِّمُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ الخ مكان المرحضة لم يكن قد ذُكر لكنه كان مما قصده الله وكانت المرحضة بين مذبح النحاس والخيمة (ص 30: 18) فبالضرورة أنها كانت قرب الباب. وفي تقاليد الربانيين أنها لم تكن تجاه الباب تماماً بل كانت مائلة إلى الجنوب شيئاً.

تَغْسِلُهُمْ هذا أول ما ذُكر من الغسل الديني في الكتاب المقدس. والماء رمز طبيعي إلى الطهارة. والغسل من أنسب ما يشير إلى التطهير من الخطية. ولذلك لا نعجب من اتخاذه رمزاً إلى ذلك في كثير من أمور الدين ولا من استنسابه في الإلهيات العبرانية وبقي رمزاً إلى ذلك في الدين المسيحي. ولا ريب في أنه كان كذلك في الأمور الدينية منذ أول أمرها. فإنه كان رمزاً إلى ذلك عند المصريين كما يُفهم من تاريخ هيرودوتس وعند المجوس كما يُفهم من الزندافستا وعند اليونانيين كما يتبين في ما كتبه دولنجر في كتابه المسمى باليهود واليونان وعند غيرهم من الأمم كما يشهد التاريخ. ولا يعترض على إدخال ذلك في شريعة الوحي لأن شريعة طور سيناء لم تكن مضادة للديانة الطبيعية بل جاءت لإيضاحها وتثبيتها.

5 «وَتَأْخُذُ ٱلثِّيَابَ وَتُلْبِسُ هَارُونَ ٱلْقَمِيصَ وَجُبَّةَ ٱلرِّدَاءِ وَٱلرِّدَاءَ وَٱلصُّدْرَةَ، وَتَشُدُّهُ بِزُنَّارِ ٱلرِّدَاءِ».

ص 28: 2 ولاويين 8: 7 ص 28: 8

تَأْخُذُ ٱلثِّيَابَ التي ذُكرت في الأصحاح السابق.

ٱلْقَمِيصَ (ص 28: 39) وذكر القميص أولاً لأنه يُلبس كذلك (لاويين 8: 7 - 9) وقد ذُكر إلباس الأثواب في اللاويين وفيه تسعة أعمال:

  1. إلباس القميص.

  2. إلباس المنطقة الداخلية.

  3. إلباس الجبة.

  4. إلباس الرداء.

  5. التنطيق.

  6. إلباس الصدرة.

  7. إلباس الأوريم والتميم.

  8. إلباس العمامة.

  9. وضع الصفيحة الذهبية على مقدم العمامة.

6 «وَتَضَعُ ٱلْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَتَجْعَلُ ٱلإِكْلِيلَ ٱلْمُقَدَّسَ عَلَى ٱلْعِمَامَةِ».

لاويين 8: 9 ص 28: 36

ٱلإِكْلِيلَ ٱلْمُقَدَّسَ كانت الصفيحة الذهبية التي كانت تُربط بالخيط الأسمانجوني على مقدم عمامة الكاهن تشبه الإكليل الذي كان يلبسه ملوك المشرق ليكون دليلاً على سلطانهم. وأول ما وُجدت الأكاليل في مصر على ما عُلم إلى اليوم في عصر أمنوفيس الرابع أحد ملوك الدولة الثامنة عشرة وهو تاسع ملوكها. وكان إكليل الحبر الأعظم دليلاً على سمو رتبته وسلطانه الديني أيضاً وبيان أنه نبي وكاهن وملك.

7 «وَتَأْخُذُ دُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ وَتَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ».

ص 28: 41 و30: 25 ولاويين 8: 12 و10: 7 و21: 10 وعدد 35: 25

دُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ ذُكر هذا الدهن في (ص 25: 6) وأُشير إليه في (ص 28: 41) وذُكر تركيبه في (ص 30: 23 - 25).

تَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ كان سكب الدهن على الرأس رمزاً إلى حلول النعمة الإلهية على الممسوح كما كان الغسل بالماء رمزاً إلى التطهير من الخطية. والمرجّح أن سكب الدهن على رأس هارون كان رمزاً إلى فورة النعمة التي يهبها الله لخدمه (قابل بهذا مزمور 133: 2).

8 «وَتُقَدِّمُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ أَقْمِصَةً».

ص 28: 40 ولاويين 8: 13

أَقْمِصَةً (انظر تفسير ص 28: 40).

9 «وَتُنَطِّقُهُمْ بِمَنَاطِقَ هَارُونَ وَبَنِيهِ. وَتَشُدُّ لَهُمْ قَلاَنِسَ. فَيَكُونُ لَهُمْ كَهَنُوتٌ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً. وَتَمْلأُ يَدَ هَارُونَ وَأَيْدِيَ بَنِيهِ».

عدد 18: 7 ص 28: 41 ولاويين 8: 25 إلى 27

قَلاَنِسَ (انظر تفسير ص 28: 40).

فَيَكُونُ لَهُمْ كَهَنُوتٌ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً أي لا يقتصر على أنهم يكونون كهنة بل يكون الكهنوت إرثاً دائماً لنسلهم.

وَتَمْلأُ يَدَ هَارُونَ وَأَيْدِيَ بَنِيهِ أي تجعل لهم نصيباً كافياً من الذبائح (ع 24).

10، 11 «10 وَتُقَدِّمُ ٱلثَّوْرَ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ ٱلثَّوْرِ. 11 فَتَذْبَحُ ٱلثَّوْرَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».

لاويين 1: 4 و8: 14

تُقَدِّمُ ٱلثَّوْرَ هو الثور المعد للذبيحة (ع 1).

فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ ٱلثَّوْرِ الخ كذا كانت تقدم كل ذبيحة من الذبائح التي تقدم عن الخطيئة فوضع الأيدي على رأسها إشارة إلى وضع أثم المقدم عليها (لاويين 4: 4 و15 و24 و29 و33 و16 و21 الخ). وتشير إلى أن المسيح وضع خطايانا على رأسه (غلاطية 3: 13).

12 «وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِ ٱلثَّوْرِ وَتَجْعَلُهُ عَلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ بِإِصْبِعِكَ، وَسَائِرَ ٱلدَّمِ تَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ ٱلْمَذْبَحِ».

لاويين 8: 15 ص 27: 2 و30: 2

تَأْخُذُ مِنْ دَمِ ٱلثَّوْرِ وَتَجْعَلُهُ عَلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ هنا يتبين الغرض من قرون المذبح حتى قال بعضهم أن القرون من عمدة أموره. فكان الهارب إليه يتمسك بتلك القرون (1ملوك 1: 50 و2: 28). وكان في كل ذبيحة عملان (1) إلصاق بعض دمها على قرون المذبح. و(2) صب ما يبقى من الدم عند قاعدته (لاويين 4: 7 و18 و30 و34).

13 «وَتَأْخُذُ كُلَّ ٱلشَّحْمِ ٱلَّذِي يُغَشِّي ٱلْجَوْفَ وَزِيَادَةَ ٱلْكَبِدِ وَٱلْكُلْيَتَيْنِ وَٱلشَّحْمَ ٱلَّذِي عَلَيْهِمَا، وَتُوقِدُهَا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ».

لاويين 3: 3

تَأْخُذُ كُلَّ ٱلشَّحْمِ ٱلَّذِي يُغَشِّي ٱلْجَوْفَ قلما ذُكر في تاريخ العالم القديم أن الذبيحة أُحرقت كلها. فإنه كان يُحرق بعض أجزائها على المذبح ومعظمها يأكله الكهنة والعبدة أو يُحرق على مكان آخر غير المذبح. وان أكثر مما يُحرق على المذبح اعتباراً الشحم وعلة ذلك إما أنه ألطف من سائر مواد المحرقة وإما أنه أسرع احتراقاً والتهاباً وإضاءة.

زِيَادَةَ ٱلْكَبِدِ الغشاء الذي يغشي أعلى الكبد.

14 «وَأَمَّا لَحْمُ ٱلثَّوْرِ وَجِلْدُهُ وَفَرْثُهُ فَتَحْرِقُهَا بِنَارٍ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ. هُوَ ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ».

لاوين 4: 11 و12 و21 وعبرانيين 13: 11

أَمَّا لَحْمُ ٱلثَّوْرِ... فَتَحْرِقُهَا بِنَارٍ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ (قابل بهذا لاويين 4: 11 و12 و21 وعبرانيين 13: 11 - 13). هذا كان القاعدة المطردة في محرقات الخطية. فكان الحيوان كله يُحسب غير طاهر ولا يناسب الإنسان أن يأكل منه شيئاً.

15 «وَتَأْخُذُ ٱلْكَبْشَ ٱلْوَاحِدَ، فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ ٱلْكَبْشِ».

لاويين 8: 18 لاويين 1: 4 إلى 9

ٱلْكَبْشَ ٱلْوَاحِدَ من الكبشين (ع 1).

أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ ٱلْكَبْشِ إشارة إلى أنهم والذبيحة واحد لأنها نائبة عنهم في كونها إيفاء عن الإثم (انظر ع 10 وتفسيره) فكأنهم رفعوا الإثم عن أنفسهم ووضعوه على الذبيحة (ع 18).

16 «فَتَذْبَحُ ٱلْكَبْشَ وَتَأْخُذُ دَمَهُ وَتَرُشُّهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ».

تَأْخُذُ دَمَهُ وَتَرُشُّهُ المعنى أن يُرش من الدم الذي في الإناء أسفل المذبح.

مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كان يُرش على زاويتين من زوايا المذبح وهما الزاوية في الشمال الشرقي والزاوية في الجنوب الغربي فيبلغ الرش كل جهاته أو جوانبه الأربعة (ميدوث 3: 2).

17 «وَتَقْطَعُ ٱلْكَبْشَ إِلَى قِطَعِهِ، وَتَغْسِلُ جَوْفَهُ وَأَكَارِعَهُ وَتَجْعَلُهَا عَلَى قِطَعِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ».

تَقْطَعُ ٱلْكَبْشَ إِلَى قِطَعِهِ كان ذلك دأب المقربين عند الإسرائيليين والمصريين على ما أبان هيرودوتس المؤرخ وعند اليونانيين والرومانيين على ما قال قدماء المؤرخين. والمرجّح أن الغاية من ذلك تعجيل الاحتراق. وكان المصريون على ما عُرف من تاريخهم يجزئون الذبيحة إلى الكتفين والأفخاذ والرأس والأضلاع والألية والقلب والكليتين ويصفونها على المذبح.

18 «وَتُوقِدُ كُلَّ ٱلْكَبْشِ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. هُوَ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ. رَائِحَةُ سُرُورٍ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ».

تكوين 8: 21 ولاويين 1: 17 وحزقيال 20: 41 و2كورنثوس 2: 15 وأفسس 5: 2

وَتُوقِدُ كُلَّ ٱلْكَبْشِ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ كانت المحرقة التي تمثل ذات مقدم الذبيحة مقبولة عند الله لذلك كان من الواجب أن تُحرق الذبيحة كلها على المذبح. أما غير ذبيحة الإثم فكان يحرق جزء منها (قابل ع 14 وانظر لاويين 4: 12 و21 الخ).

رَائِحَةُ سُرُورٍ (قابل بهذا تكوين 8: 21). كان اعتقاد الأمم أن آلهتهم تُسر برائحة المحرقات المقدمة لهم. وهذا لم يكن عند العبرانيين حقيقة إنما كان مجازاً.

19 «وَتَأْخُذُ ٱلْكَبْشَ ٱلثَّانِيَ. فَيَضَعُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى رَأْسِ ٱلْكَبْشِ».

ع 1 ولاويين 8: 22

ٱلْكَبْشَ ٱلثَّانِيَ (قابل بهذا ع 1 و15). وسمي هذا الكبش في سفر اللاويين «كبش الملء» (لاويين 8: 22) وكان يُقدس بدمه هارون وبنوه (ع 20 و21) وكان يوضع أقدس الأجزاء في أيديهم ليرددوه أمام الرب (ع 22 - 24).

20 «فَتَذْبَحُ ٱلْكَبْشَ وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَجْعَلُ عَلَى شَحْمَةِ أُذُنِ هَارُونَ، وَعَلَى شَحْمِ آذَانِ بَنِيهِ ٱلْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَيْدِيهِمِ ٱلْيُمْنَى، وَعَلَى أَبَاهِمِ أَرْجُلِهِمِ ٱلْيُمْنَى. وَتَرُشُّ ٱلدَّمَ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ».

لاويين 8: 23 و14: 14

تَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ الخ كان الدم يُعتبر كأنه الحياة (تكوين 9: 4). وكانت الحياة توقف لله ويقبلها تعالى وقد وهبها لخدمه حتى يقفوا أنفسهم لخدمته ويكونوا أهلاً لتلك الخدمة. ووضع الدم على شحمة الأذن إشارة إلى وجوب أن تكون الأذن مفتوحة لسمع كلام الله. وعلى إبهام اليد إلى وجوب أن لا يمسوا شيئا غير مقدس. وعلى إبهام الرجل إلى وجوب السير في سنن القداسة.

21 «وَتَأْخُذُ مِنَ ٱلدَّمِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْمَذْبَحِ وَمِنْ دُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ، وَتَنْضِحُ عَلَى هَارُونَ وَثِيَابِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَثِيَابِ بَنِيهِ مَعَهُ، فَيَتَقَدَّسُ هُوَ وَثِيَابُهُ وَبَنُوهُ وَثِيَابُ بَنِيهِ مَعَهُ».

ص 30: 25 و31 ولاويين 8: 30 ع 1 وعبرانيين 9: 22

مِنَ ٱلدَّمِ... وَمِنْ دُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ الخ في هذا إشارة إلى أمرين وهما التبرير بدم المسيح والتقديس بالروح القدس. والظاهر أن هذا الدم وهذا الدهن كانا لا يُنضحان إلا على هارون وبنيه (لاويين 8: 30).

22 «ثُمَّ تَأْخُذُ مِنَ ٱلْكَبْشِ: ٱلشَّحْمَ وَٱلأَلْيَةَ وَٱلشَّحْمَ ٱلَّذِي يُغَشِّي ٱلْجَوْفَ وَزِيَادَةَ ٱلْكَبِدِ وَٱلْكُلْيَتَيْنِ وَٱلشَّحْمَ ٱلَّذِي عَلَيْهِمَا، وَٱلسَّاقَ ٱلْيُمْنَى. فَإِنَّهُ كَبْشُ مِلْءٍ».

تَأْخُذُ مِنَ ٱلْكَبْشِ: ٱلشَّحْمَ كان هذا الجزء يُحرق على المذبح في محرقات السلامة (انظر لاويين 3: 9 - 11).

زِيَادَةَ ٱلْكَبِدِ (انظر تفسير ع 13).

23 «وَرَغِيفاً وَاحِداً مِنَ ٱلْخُبْزِ، وَقُرْصاً وَاحِداً مِنَ ٱلْخُبْزِ بِزَيْتٍ، وَرُقَاقَةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَّةِ ٱلْفَطِيرِ ٱلَّتِي أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

لاويين 8: 26

سَلَّةِ ٱلْفَطِيرِ ٱلَّتِي أَمَامَ ٱلرَّبِّ (قابل بهذا ع 3). هذه الأمور المذكورة هي التقدمة الطعامية التي كانت لا تنفك عن تقدمة السلامة. وما كان يؤخذ من السلة مع ما في الآية والعشرين كان يُحرق على المذبح فوق المحرقة (ع 25).

24 «وَتَضَعُ ٱلْجَمِيعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ وَفِي أَيْدِي بَنِيهِ، وَتُرَدِّدُهَا تَرْدِيداً أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

لاويين 7: 30

تَضَعُ ٱلْجَمِيعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ وَفِي أَيْدِي بَنِيهِ الخ كان موسى بعد أن يضع التقدمات في يدي أخيه وأيدي بني أخيه يضع يده تحت أيديهم ويرددها في أربع جهات السماء بياناً أنه يقدمها لله الحاضر في كل مكان. وبهذا أتم هارون وبنوه العمل الأول من أعمال التكهين. وكانت أيديهم آلة الترديد في يدي موسى فتمت بذلك كاهنيتهم (وذكر الكلام على الترديد في تفسير لاويين 7: 30).

25 «ثُمَّ تَأْخُذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُوقِدُهَا عَلَى ٱلْمَذْبَحِ فَوْقَ ٱلْمُحْرَقَةِ رَائِحَةَ سُرُورٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. وَقُودٌ هُوَ لِلرَّبِّ».

لاويين 8: 28

تَأْخُذُهَا... وَتُوقِدُهَا إن موسى بعد أن عيّن أخاه وأبناء أخيه كهنة وشاركهم في الخدمة لم يتركهم بل ابتدأ العمل وأكمله (قابل بهذا ع 31 - 37 ولاويين 8: 28 - 36).

26 «ثُمَّ تَأْخُذُ ٱلْقَصَّ مِنْ كَبْشِ ٱلْمِلْءِ ٱلَّذِي لِهَارُونَ وَتُرَدِّدُهُ تَرْدِيداً أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيَكُونُ لَكَ نَصِيباً».

لاويين 8: 29

تَأْخُذُ ٱلْقَصَّ إن القص بمقتضى الشريعة كان نصيب الكاهن الذي يقوم بالخدمة (لاويين7: 29 - 31) ولهذا كان هنا لموسى. (والمقصود بالقص هنا الصدر).

شريعة ترديد التقدمات ورفعها والثياب المقدسة

27، 28 «27 وَتُقَدِّسُ قَصَّ ٱلتَّرْدِيدِ وَسَاقَ ٱلرَّفِيعَةِ ٱلَّذِي رُدِّدَ وَٱلَّذِي رُفِعَ مِنْ كَبْشِ ٱلْمِلْءِ مِمَّا لِهَارُونَ وَلِبَنِيهِ، 28 فَيَكُونَانِ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُمَا رَفِيعَةٌ. وَيَكُونَانِ رَفِيعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلاَمَتِهِمْ رَفِيعَتَهُمْ لِلرَّبِّ».

لاويين 7: 31 و34 وعدد 18: 11 و18 وتثنية 18: 3 لاويين 10: 15 لاويين 7: 34

ٱلتَّرْدِيدِ (أي التقدمة المرددة) كان في كل تقدمة القص والكتف اليمنى للكاهن الذي يخدم ويردد التقدمة ويرفعها أمام الرب (لاويين 7: 32). وكان الرفع حركة واحدة إلى فوق وأما الترديد فحركات مكررة إلى الجهات الأربع وهو طريق عرض الأشياء على الله.

29، 30 «29 وَٱلثِّيَابُ ٱلْمُقَدَّسَةُ ٱلَّتِي لِهَارُونَ تَكُونُ لِبَنِيهِ بَعْدَهُ، لِيُمْسَحُوا فِيهَا، وَلِتُمْلأَ فِيهَا أَيْدِيهِمْ. 30 سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَلْبِسُهَا ٱلْكَاهِنُ ٱلَّذِي هُوَ عِوَضٌ عَنْهُ مِنْ بَنِيهِ، ٱلَّذِي يَدْخُلُ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ لِيَخْدِمَ فِي ٱلْقُدْسِ».

عدد 20: 26 و28 عدد 18: 8 و35: 25 لاويين 8: 35 و9: 1 عدد 20: 28

وَٱلثِّيَابُ ٱلْمُقَدَّسَةُ ٱلَّتِي لِهَارُونَ تَكُونُ لِبَنِيهِ بَعْدَهُ الخ قُدس العازار بثياب أبيه المقدسة (عدد 20: 26 - 28) لكن لم نُنبأ بمثل ذلك في من بعده من الأحبار الأعظمين والمظنون أن أمرهم كما ذُكر هنا.

لِيُمْسَحُوا فِيهَا جاء تقليد اليهود في مسح الكاهن الأعظم موافقاً لما أُشير إليه هنا.

وليمة التقدمات المقدسة

31 - 34 «31 وَأَمَّا كَبْشُ ٱلْمِلْءِ فَتَأْخُذُهُ وَتَطْبُخُ لَحْمَهُ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. 32 فَيَأْكُلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ لَحْمَ ٱلْكَبْشِ وَٱلْخُبْزَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّلَّةِ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ. 33 يَأْكُلُهَا ٱلَّذِينَ كُفِّرَ بِهَا عَنْهُمْ لِمِلْءِ أَيْدِيهِمْ لِتَقْدِيسِهِمْ. وَأَمَّا ٱلأَجْنَبِيُّ فَلاَ يَأْكُلُ لأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ. 34 وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ ٱلْمِلْءِ أَوْ مِنَ ٱلْخُبْزِ إِلَى ٱلصَّبَاحِ، تُحْرِقُ ٱلْبَاقِيَ بِٱلنَّارِ. لاَ يُؤْكَلُ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ».

لاويين 8: 31 متّى 12: 4 لاويين 10: 14 و15 و17 لاويين 22: 10 لاويين 8: 32

عدل الكاتب عن موضوعه الأعظم في الآية السابعة والعشرين (وهو من تقديس هارون وبنيه) إلى بعض الشرائع الدائمة التي اقتضاها المقام ثم رجع إلى موضوعه. وهنا يتكلم على الوليمة التقدمية على أثر تقديس التقدمة. فإن بعض الذبيحة لم يكن يحرق على المذبح ولا يُعطى الكاهن الخادم بل كان يُطبخ عند باب الخيمة (لاويين 8: 31) ويأكله هارون وبنوه بخبز فطير وقرص بزيت والرقاق الباقية في سلّة التقديس (لاويين 8: 31) المكذورة في (ع 3 و23). وما كان للأجنبي (يعني للذي ليس من الكهنة) أن يأكل منها (ع 33). وإذا لم يستطيعوا أن يأكلوا الكل كان عليهم أن يحرقوا ما بقي (انظر الكلام على خروف الفصح في (ص 2: 10 و23: 18). وجرى على سنن هذا بعض المسيحيين في أمر العشاء الرباني.

تكرار الاحتفال المقدس سبع مرات

35 «وَتَصْنَعُ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ هٰكَذَا بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَمْلأُ أَيْدِيَهِم».

ع 30 ولاويين 8: 33 إلى 35

سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَمْلأُ أَيْدِيَهِمْ كان العدد السابع عندهم عدداً كاملاً بناء على كون أيام الخليقة ويوم الراحة سبعة (تكوين ص 1 و2) والأسبوع العهدي مكرر دائماً منذ القدم (لاوين 4: 6 و17 و8: 11 و14: 7 و16: 14 و19: 4 و1ملوك 18: 43 و2ملوك 5: 10 ومزمور 119: 64 الخ). وهذا يبين علة تكرار الاحتقال المقدس أو التقديس الاحتفالي سبع مرات (انظر لاويين 8: 33 و34).

36 «وَتُقَدِّمُ ثَوْرَ خَطِيَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ لأَجْلِ ٱلْكَفَّارَةِ. وَتُطَهِّرُ ٱلْمَذْبَحَ بِتَكْفِيرِكَ عَلَيْهِ. وَتَمْسَحُهُ لِتَقْدِيسِهِ».

عبرانيين 10: 11 ص 30: 26 و28 و29 و40: 10

تُطَهِّرُ ٱلْمَذْبَحَ بِتَكْفِيرِكَ عَلَيْهِ كان تطهير المذبح يقوم بوضع الدم على قرونه (ع 12 ولاويين 8: 15).

تَمْسَحُهُ (لاويين 8: 11) كان يُمسح المذبح برش الزيت عليه سبع مرات. ولم يظهر لنا متى كان ذلك يُعمل.

37 «سَبْعَةَ أَيَّامٍ تُكَفِّرُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ وَتُقَدِّسُهُ. فَيَكُونُ ٱلْمَذْبَحُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّ ٱلْمَذْبَحَ يَكُونُ مُقَدَّساً».

ص 40: 10 ص 30: 29 ومتّى 23: 19

قُدْسَ أَقْدَاسٍ (أي بمنزلة قدس الأقداس).

كُلُّ مَا مَسَّ ٱلْمَذْبَحَ يَكُونُ مُقَدَّساً كان ذلك واجباً كالوصايا العشر.

شريعة الذبيحة اليومية ووعد الله بحضوره ع 38 إلى 42

ذُكر على أثر تقديس المذبح الذي كان بعد تقديس الكهنة تقرير الذبيحة اليومية وكانت تلك الذبيحة خروفين كل يوم يُقدم أحدهما في الصباح والآخر بين العشائين (ع 39) (ويعبر عن ذلك الوقت بالعشية). وكان بعض الغاية من ذلك تكفير الخطية اليومية التي يرتكبها الشعب ومعظمها تجديد عهد الشعب يومياً وقف نفسه لله وتقديمها ذبيحة حية مقدسة عقلية له. وكانت التقدمات الطعامية والشرابية التي تصحب تقدمات المحرقة علامة الشكر لله على مراحمه الدائمة والاعتراف بوقايته وعنايته وحبه وإحسانه. وكان البخور يوقد حينئذ على المذبح الذهبي أمام الحجاب رمزاً إلى الصلاة الدائمة الصاعدة من الشعب إلى عرش النعمة بغية استمرار الإحسان الإلهي (انظر ص 30: 7 و8).

38 «وَهٰذَا مَا تُقَدِّمُهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ: خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ كُلَّ يَوْمٍ دَائِماً».

عدد 28: 3 و1أيام 16: 40 و2أيام 2: 4 و13: 11 و31: 3 وعزرا 3: 3 ودانيال 12: 11

خَرُوفَانِ حَوْلِيَّانِ (انظر تفسير ص 12: 5) وزيد في الترجمة السبعينية ما معناه بلا عيب وهو لا يزيد على المطلوب العام (لاويين 22: 22 و24 و25) إلا في التقدمات الاختيارية (لاويين 22: 23) التي لا حاجة إلى تكرارها.

39 «ٱلْخَرُوفُ ٱلْوَاحِدُ تُقَدِّمُهُ صَبَاحاً، وَٱلْخَرُوفُ ٱلثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي ٱلْعَشِيَّةِ».

2ملوك 16: 15 وحزقيال 46: 13 إلى 15

فِي ٱلْعَشِيَّةِ وفي العبرانية «بين العشائين» (انظر معنى هذه العبارة في تفسير ص 12: 6).

40 «وَعُشْرٌ مِنْ دَقِيقٍ مَلْتُوتٍ بِرُبْعِ ٱلْهِينِ مِنْ زَيْتِ ٱلرَّضِّ، وَسَكِيبٌ رُبْعُ ٱلْهِينِ مِنَ ٱلْخَمْرِ لِلْخَرُوفِ ٱلْوَاحِدِ».

عُشْرٌ لا نعرف ماذا كان مقدرا العُشر يقيناً لأنه لم يُذكر لكن لنا أن نظنه الإيفة وكان عُشر الإيفة العمر وهو نحو ثلاثة أرباع الغالون.

زَيْتِ ٱلرَّضِّ (انظر تفسير ص 27: 20).

41 «وَٱلْخَرُوفُ ٱلثَّانِي تُقَدِّمُهُ فِي ٱلْعَشِيَّةِ. مِثْلَ تَقْدِمَةِ ٱلصَّبَاحِ وَسَكِيبِهِ تَصْنَعُ لَهُ. رَائِحَةُ سُرُورٍ، وَقُودٌ لِلرَّبِّ».

1ملوك 18: 29 و36 و2ملوك 16: 15 وعزرا 9: 4 و5 ومزمور 141: 2 ودانيال 9: 21

تَقْدِمَةِ ٱلصَّبَاحِ وَسَكِيبِهِ اي تقدمة الصباح الطعامية والشرابية وكانت توضع قبضة من كل تقدمة طعامية وتُطرح على المذبح وتُحرق (لاويين 2: 2) والباقي للكهنة (لاويين 2: 3). ولم يذكر الكتاب شيئاً من ترتيب التقدمة الشرابية ولكن قال يوسيفوس أنها كانت تُسكب على المذبح. وقال بعضهم إن جزءاً منه كان للسكب وجزءاً للكهنة وهو الباقي والقول الآخر هو المرجّح.

42 «مُحْرَقَةٌ دَائِمَةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكُمْ لأُكَلِّمَكَ هُنَاكَ».

ع 38 وص 30: 8 وعدد 28: 6 ودانيال 8: 11 إلى 13 ص 25: 22 و30: 6 و36 وعدد 17: 4

حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكُمْ هذا علة تسمية الخيمة بخيمة الاجتماع. فهو ليس من اجتماع الناس فيها لأنه كان ممنوعاً بل لاجتماع الله بشعبه باجتماعه بالوسيط الذي فيها وهو الحبر الأعظم الذي كان يخاطب الله ويأخذ الجواب منه في كل أمور الشعب ذات الشأن (انظر ص 25: 22 وتفسيره).

43 «وَأَجْتَمِعُ هُنَاكَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيُقَدَّسُ بِمَجْدِي».

ص 40: 34 و1ملوك 8: 11 و2أيام 5: 14 و7: 1 إلى 3 وحزقيال 43: 5 وحجي 2: 7 و9

فَيُقَدَّسُ بِمَجْدِي أي يقدس المكان الذي هو خيمة الاجتماع (انظر ص 40: 34 و35 وقابل به لاويين 9: 24 و1ملوك 8: 10 و11 و2أيام 5: 13 و14 و7: 2).

44 «وَأُقَدِّسُ خَيْمَةَ الٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحَ. وَهَارُونُ وَبَنُوهُ أُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي».

لاويين 21: 15 و22: 9 و16

هَارُونُ وَبَنُوهُ أُقَدِّسُهُمْ الظاهر إن هذا التقديس غير التقديس الرسمي المذكور آنفاً فإن الله كان دائماً يقدس الكهنوت اللاوي بحضور روحه القدوس عند إتيانهم أعمال الخدمة الإلهية بل في سيرهم يومياً إذا طلبوا خدمته.

45 «وَأَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلٰهاً».

ص 25: 8 ولاويين 26: 12 وزكريا 2: 10 ويوحنا 14: 17 و23 و2كورنثوس 6: 16 ورؤيا 21: 3

أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تظن أن إتمام هذا الوعد كان بمجرد حضور السكينة في الخيمة بل بعنايته لشعبه ووقايته إياه دائماً في كل أيام تاريخه.

46 «فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُهُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُهُمْ».

ص 20: 2

فَيَعْلَمُونَ الخ بعنايتي بهم ومحبتي ومساعدتي إني أنا منقذهم من العبودية المصرية لا بحكمة موسى ولا اجتهاده ولا اجتهادهم لأني أنا الحكيم القادر على كل شيء.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ

مذبح البخور

1 «وَتَصْنَعُ مَذْبَحاً لإِيقَادِ ٱلْبَخُورِ. مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ تَصْنَعُهُ».

ص 37: 25 و40: 5 ع 7

تَصْنَعُ مَذْبَحاً لإِيقَادِ ٱلْبَخُورِ لا ندري لماذا أخر الكلام على مذبح البخور إلى هنا ولم يذكره مع مما ذكره من أمور القدس (ص 25) وعدم درايتنا لا يأذن للشك في الآية. وما ذكره في شأن خدمة هارون يؤذن بأنه بُني لخدمة الحبر الأعظم (ع 7 - 10). وكان البخور من التقدمات التي طلبها الله قبلاً (ص 25: 6) ففيه إيماء إلى بناء المذبح. وكان مما استعمله الأمم المختلفة في العبادة. فكان الكهنة المصريون يحملون في معابدهم المباخر ويوقدون فيها البخور. وكانوا يكثرون منه في أعياد أمون على ما جاء في الكتاب المسمى أنباء الماضي (أنباء الماضي مجلد 10 صفحة 14 - 19). وقال هيرودوتس المؤرخ أن البابليين كانوا يوقدون البخور في عيد البعل. وإيقاد اليونان والرومان البخور في ذبائحهم مشهور. واستعماله في الأديان الباطلة لا يستلزم تركه في الدين الموسوي الحق.

مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ تَصْنَعُهُ فهو كخشب مذبح النحاس (ص 27: 1) لكن ذاك المذبح كان غشاؤه من النحاس وهذا كان غشاؤه من الذهب.

2 «طُولُهُ ذِرَاعٌ وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ. مُرَبَّعاً يَكُونُ. وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعَانِ. مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ».

مُرَبَّعاً يَكُونُ كهيئة النحاس (ص 27: 1) لكنه أصغر منه فإن هذا كان علوه ذراعين وذاك كان علوه ثلاث أذرع. وكان طول هذا ذراعاً وعرضه ذراعاً وكل من طول ذاك وعرضه خمس أذرع. وكان صغره مناسباً لما يوقد عليه لأن ذلك البخور كان ثميناً فأوقد عليه جزء صغير منه.

قُرُونُهُ الخ (ص 27: 2 وتفسيره) وكانت قرونه منه أي متصلة لا مركبة على حدتها.

3 «وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ: سَطْحَهُ وَحِيطَانَهُ حَوَالَيْهِ وَقُرُونَهُ. وَتَصْنَعُ لَهُ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ».

تُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ كان من أشياء الخيمة المقدسة التي في القدس أو في الدار وعد ثاني التابوت مذبح البخور وكان رمز الصلاة عامة (مزمور 131: 2 ولوقا 1: 10). وكان رمزاً إلى الكفارة أو الغفران بما يقدمه الكاهن حين يخطأ هو أو يخطأ الشعب كله (لاويين 4: 3 - 12 و13 - 21) فإذاً هو كان من أعظم الأقداس للرب وعلى هذا وجب أن تكون مواده من مواد التابوت أي تابوت العهد وأن يوضع تجاه ذلك التابوت وعلى القرب منه لكن خارج الحجاب (ص 40: 5).

إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ ارجع إلى ما قيل في مائدة خبز الوجوه (ص 25: 24) فإن الغرض من الإكليل في كليهما وقاية ما عليه من السقوط.

4 «وَتَصْنَعُ لَهُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ إِكْلِيلِهِ عَلَى جَانِبَيْهِ. عَلَى ٱلْجَانِبَيْنِ تَصْنَعُهُمَا، لِتَكُونَا بَيْتَيْنِ لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا».

حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ كان مذبح البخور أصغر من مذبح النحاس كما علمت فكانت الحلقتان كافية لرفعه وحمله بخلاف ذاك فإنه كان له أربع حلقات (ص 27: 4).

5 «وَتَصْنَعُ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ».

ٱلْعَصَوَيْنِ كعصوي مذبح النحاس إلا أنهما غُشيا بذهب وغُشي تانك بالنحاس (ص 27: 6).

6 «وَتَجْعَلُهُ قُدَّامَ ٱلْحِجَابِ ٱلَّذِي أَمَامَ تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ. قُدَّامَ ٱلْغِطَاءِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلشَّهَادَةِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ».

ص 25: 21 و22

قُدَّامَ ٱلْحِجَابِ كان تابوت العهد وراء الحجاب (ص 26: 33 و40: 3) وكان مذبح البخور تجاهه قدام الحجاب وأقرب إليه من المنارة الذهبية ومائدة خبز الوجوه ولهذا ذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين ما يفيد أنه من متعلقات قدس الأقداس (عبرانيين 9: 4). وحجاب تابوت الشهادة غير حجاب المدخل المؤدي إلى القدس.

حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ (قابل بهذا ص 25: 22 و39: 42 و 43).

7، 8 «7 فَيُوقِدُ عَلَيْهِ هَارُونُ بَخُوراً عَطِراً كُلَّ صَبَاحٍ. حِينَ يُصْلِحُ ٱلسُّرُجَ يُوقِدُهُ. 8 وَحِينَ يُصْعِدُ هَارُونُ ٱلسُّرُجَ فِي ٱلْعَشِيَّةِ يُوقِدُهُ. بَخُوراً دَائِماً أَمَامَ ٱلرَّبِّ فِي أَجْيَالِكُمْ».

ع 34 إلى 38 و1صموئيل 2: 28 و1أيام 23: 13 ولوقا 1: 9 ورؤيا 8: 3 ص 27: 21

فَيُوقِدُ عَلَيْهِ هَارُونُ بَخُوراً عَطِراً كُلَّ صَبَاحٍ (كان هذا البخور مركباً وذُكر تركيبه في ع 34 و35) وكان إيقاد البخور يصحب ذبائح الصباح وذبائح المساء كما يظهر من (مزمور 141: 2 ولوقا 1: 10). وكون ذلك رمزاً إلى الصلاة يتبين من (رؤيا 4: 8 و8: 3 و4).

حِينَ يُصْلِحُ ٱلسُّرُجَ (قابل بهذا ص 27: 31).

9 «لاَ تُصْعِدُوا عَلَيْهِ بَخُوراً غَرِيباً وَلاَ مُحْرَقَةً أَوْ تَقْدِمَةً، وَلاَ تَسْكُبُوا عَلَيْهِ سَكِيباً».

لاويين 10: 1

لاَ تُصْعِدُوا عَلَيْهِ بَخُوراً غَرِيباً اي مخالفاً تركيبه لتركيب البخور المأمور به في (ع 24 و35).

وَلاَ مُحْرَقَةً أَوْ تَقْدِمَةً، وَلاَ تَسْكُبُوا عَلَيْهِ سَكِيباً لأن ذلك من أمور مذبح النحاس لا مذبح البخور لأنه غير مناسب لها.

10 «وَيَصْنَعُ هَارُونُ كَفَّارَةً عَلَى قُرُونِهِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ. مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلَّتِي لِلْكَفَّارَةِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ يَصْنَعُ كَفَّارَةً عَلَيْهِ فِي أَجْيَالِكُمْ. قُدْسُ أَقْدَاسٍ هُوَ لِلرَّبِّ».

لاويين 16: 18 و23: 27

وَيَصْنَعُ هَارُونُ كَفَّارَةً عَلَى قُرُونِهِ مَرَّةً فِي ٱلسَّنَةِ هذه الآية تعين معنى ما جاء في (لاويين 16: 18). فإن هنالك ما ظن منه بعضهم أن المذبح الذي كان أمام الرب هو مذبح النحاس. والواقع أنه مرة في السنة في يوم الكفارة العظيم كان الحبر الأعظم بعد أن يدخل وراء الحجاب ويرش دم التقدمات على مجلس الرحمة أي الغطاء (لاويين 16: 14 و15) يخرج إلى المذبح الذي أمام الرب ويكفر عنه بأخذ من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً. وينضح عليه من الدم بإصبعه سبع مرات (لاويين 16: 18 و19).

فدية النفوس

11، 12 «11 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 12 إِذَا أَخَذْتَ كَمِّيَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ ٱلْمَعْدُودِينَ مِنْهُمْ، يُعْطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِدْيَةَ نَفْسِهِ لِلرَّبِّ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ، لِئَلاَّ يَصِيرَ فِيهِمْ وَبَأٌ عِنْدَمَا تَعُدُّهُمْ».

ص 38: 25 وعدد 1: 2 و26: 2 و2صموئيل 24: 2 عدد 31: 5 وأيوب 33: 24 و36: 18 ومزمور 49: 7 ومتّى 20: 28 و1تيموثاوس 2: 6 و1بطرس 1: 18 و19 2صموئيل 24: 15

إِذَا أَخَذْتَ كَمِّيَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هذا يدل على أنهم كانوا يعدون النفوس ويكتبون الأسماء في دفاتر معينة لذلك ولم يأتوا مثل هذا قبلاً ولذلك لا يُعتبر ما قيل في عدد بني إسرائيل عند خروجهم من مصر إلا تقريباً (ص 12: 37) ولكن هنا كان الضبط واجباً لأخذ الفدية. وموسى كان يعرف أسلوب ذلك الضبط لأنه يبعد عن الظن أنه لم يكن عند المصريين في عصره وهم من أول الأمم المتمدنة يومئذ. وقد أيّد ذلك ما عُرف من الآثار وذُكر في الكتاب المسمى بأنباء الماضي.

يُعْطُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِدْيَةَ نَفْسِهِ ساوى الله بين النفوس في ذلك ليبين أنها ثمينة عنده على السواء وإنها كلها مفتقرة إلى الفداء.

لِئَلاَّ يَصِيرَ فِيهِمْ وَبَأٌ إذا لم يشعر الواحد منهم بحاجته إلى الفداء ويؤدي الفدية بسرور أعلن بذلك كبرياءه وأوجب على نفسه عقاب الله فضربه بالوبإ.

13 «هٰذَا مَا يُعْطِيهِ كُلُّ مَنِ ٱجْتَازَ إِلَى ٱلْمَعْدُودِينَ: نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ. (ٱلشَّاقِلُ هُوَ عِشْرُونَ جِيرَةً) نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ».

ص 38: 26 لاويين 27: 25 وعدد 3: 47 وحزقيال 45: 12

نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ كانت الشواقل قطعاً مستديرة من الفضة قيمة القطعة نحو سبعة عشر غرشاً لأن ثقلها 220 قمحة سلطانية. ولم تكن المسكوكات في زمن موسى. وكان نصف الشاقل قطعة ثقلها 110 قمحات فكانت الفدية نحو ثمانية غروش ونصف الغرش وهو فرض خفيف.

بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ كان هذا الشاقل معيّن الثقل عند الكهنة تعييناً محكماً. وكانت التقدمات تعتبر بقيمته (لاويين 27: 25).

ٱلشَّاقِلُ هُوَ عِشْرُونَ جِيرَةً الجيرة حبة الخروب (أو الخرنوب) الكبيرة فكان ثقل الجيرة نحو 11 قمحة.

14 «كُلُّ مَنِ ٱجْتَازَ إِلَى ٱلْمَعْدُودِينَ مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً يُعْطِي تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ».

مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً كان الإنسان عند اليهود لا يُعد كاملاً إلا بعد أن يبلغ سن العشرين وعند ذلك السن كان أهلاً للخدمة العسكرية (عدد 1: 3 و2أيام 25: 5). وفي هذا السن كان اللاويون يبتدئون الخدمة في القدس (1أيام 23: 24 - 27 و2أيام 41: 17 وعزرا 3: 8).

15 «اَلْغَنِيُّ لاَ يُكْثِرُ وَٱلْفَقِيرُ لاَ يُقَلِّلُ عَنْ نِصْفِ ٱلشَّاقِلِ حِينَ تُعْطُونَ تَقْدِمَةَ ٱلرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُم».

أيوب 34: 19 وأمثال 22: 2 وأفسس 6: 9 وكولوسي 3: 25 ع 12

اَلْغَنِيُّ لاَ يُكْثِرُ وَٱلْفَقِيرُ لاَ يُقَلِّلُ (انظر تفسير ع 12).

16 «وَتَأْخُذُ فِضَّةَ ٱلْكَفَّارَةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَجْعَلُهَا لِخِدْمَةِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ. فَتَكُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ تِذْكَاراً أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ».

ص 38: 25 إلى 28 عدد 16: 40

تَجْعَلُهَا لِخِدْمَةِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ يظهر من (ص 38: 27 و28) أن الفضة المجموعة من الشواقل التي كانت تبلغ نحو مئة وزنة كانت تنفق على القواعد التي كانت تضبط خشب الخيمة (ص 26: 19 - 25). وأعمدة الحجاب (ص 26: 32) ومما يتعلق بذلك من الشظاظ والعصي وما شاكل ذلك.

المرحضة النحاسية

17، 18 «17 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 18 وَتَصْنَعُ مِرْحَضَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَقَاعِدَتَهَا مِنْ نُحَاسٍ، لِلٱغْتِسَالِ. وَتَجْعَلُهَا بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ، وَتَجْعَلُ فِيهَا مَاءً».

ص 38: 8 و1ملوك 7: 38 ص 40: 7 و30

َ تَصْنَعُ مِرْحَضَةً مِنْ نُحَاسٍ أي برنز (وهو النحاس الأسمر انظر تفسير ص 25: 3). وكان لا بد من الماء لغسل الكهنة (ع 19 - 21) وغسل بعض أجزاء الذبيحة (ص 29: 27 ولاويين 1: 9 و13 الخ) ولتطهير المذبح والأرض عنده من الدم وغيره من الأوساخ على ما يرجّح.

قَاعِدَتَهَا المرجّح أن المرحضة كانت على هيئة قدم ذي قاعدة مستديرة. وقد شوهد مثل هذه المراحض في العاديات الأشورية.

تَجْعَلُهَا بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ كان من الضروري أن تكون المرحضة قريبة من المذبح لأن الكهنة كانوا كثيراً ما يحتاجون إلى الاغتسال وهم يخدمون عليه (ع 20). وكان من الضروري أيضاً أن تكون قريبة من مدخل الخيمة لأنهم كانوا مكلفين أن يغتسلوا قبل أن يدخلوا القدس. وجاء في تقاليد اليهود أن موضع المرحضة كان بين المدخل ومذبح النحاس بميلة إلى الجنوب.

19 «فَيَغْسِلُ هَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْهَا».

ص 40: 31 و32 ومزمور 26: 6 وإشعياء 52: 11 ويوحنا 13: 10 وعبرانيين 10: 22

أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ غسل الأيدي إشارة إلى طهارة العمل وغسل الأرجل إلى قداسة السلوك.

20 «عِنْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ يَغْسِلُونَ بِمَاءٍ لِئَلاَّ يَمُوتُوا. أَوْ عِنْدَ ٱقْتِرَابِهِمْ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلْخِدْمَةِ لِيُوقِدُوا وَقُوداً لِلرَّبِّ».

لِئَلاَّ (قابل بهذا ص 27: 35 و43). وليس من الهين أن نعرف لماذا كان جزاء مخالفة بعض الرسوم الموت دون غيره. والاغتسال كان من سهل الأمور. ولعل إهماله كان يُعد استخفافاً بالله سبحانه وتعالى.

21 «يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا. وَيَكُونُ لَهُمْ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لَهُ وَلِنَسْلِهِ فِي أَجْيَالِهِمْ».

ص 28: 43

فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً (قابل بهذا ص 27: 21 و28: 43 و29: 9). فكان من الواجب مراعات تلك الفريضة مدة بقاء النظام الموسوي. وكانت الطهارة الظاهرة رمزاً إلى الطهاة الباطنة الواجبة إلى الأبد لأنه لا يقدر أحد أن يقترب من حضرة الله ما لم يكن مقدساً (انظر عبرانيين 12: 14).

تركيب الزيت المقدس

22، 23 «22 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 23 وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ ٱلأَطْيَابِ. مُرّاً قَاطِراً خَمْسَ مِئَةِ شَاقِلٍ، وَقِرْفَةً عَطِرَةً نِصْفَ ذٰلِكَ: مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقَصَبَ ٱلذَّرِيرَةِ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ».

نشيد الأناشيد 4: 14 وحزقيال 27: 22 مزمور 45: 8 وإشعياء 43: 24 وإرميا 6: 20 وحزقيال 27: 19

أَفْخَرَ ٱلأَطْيَابِ الشرق مصدر كثير من أنواع الطيوب ولكن بعضها كان يفضل على سائرها. قال هيرودوتس أفخرها خمسة كانت تُرسل من بلاد العرب إلى سائر البلاد. وذُكر هنا اثنان منها.

مُرّاً قَاطِراً أي خالصاً من الشوائب (والقاطر في العربية كل صمغ يقطر. والمرّ مادة يسيل من بعض الأشجار وقد تُشرط شجرته بعد فرش شيء يسيل عليه فيجمد قطعاً إلى حُمرة صافية تنكسر عن نقط بيض في شكل الأظفار خفيفة هشة وهذا هو الجيد ويعرف بالمرّ الصافي لخلوصه وبالمرّ القاطر لقطرانه من شجرته). ويحصل من نبته بطريقين الأول ما كان قطرانه طبيعياً وهو الأنقى ولهذا سُمي بالخالص والصافي. والقاطر الثاني ما كان قطرانه صناعياً ويحصل بشرط قشور النبت. وكان المر يُستعمل كثيراً في الأزمنة القديمة. وكان المادة الأولى في محنطات المصريين على ما قال هيرودوتس. وكانوا يحرقونه مع بعض ذبائحهم. وكان المجوس يعتبرونه خير بخور. واتخذه اليونان مرخماً وبخوراً وأهل البلاط الروماني دهناً لشعور رؤوسهم. وكان اليهود في زمن المسيح يطيبون به جثث الموتى (يوحنا 19: 39). وهذه الآية أول موضع لذكر المرّ في الكتاب المقدس.

قِرْفَةً عَطِرَةً كانت القرفة نادرة في ذلك الزمان. وهي القشر الباطن من شجر القرفة. وموطن شجرتها سيلان وبورنيو وسومطرة والصين وكوصين صين والهند على تخم مالابار. وكانت على ما قال هيرودوتس وسترابو تنبت قديماً في بلاد العرب. ويقول مؤرخو العرب أنها نُقلت من الهند أو سيلان إلى فينيقية وزرعها الفينيقيون في مصر واليونان. والآية هنا أول مواضع ذكرها في الكتاب المقدس ولم تُذكر في غير موضعين آخرين في العهد القديم (أمثال 7: 16 ونشيد الأناشيد 4: 14).

قَصَبَ ٱلذَّرِيرَةِ في الشرق عدة أنواع من القصب العطري المسمى بقصب الذريرة. قال بليني أن نوعاً منه ينبت في سورية قرب جبل لبنان وأن نوعاً منه في الهند وبلاد العرب. ولا نعلم أي أنواعه المقصود هنا (وقد ذُكر في (نشيد الأناشيد 4: 14 وإشعياء 43: 24 وإرميا 6: 20 وحزقيال 27: 19). وقال الانطاكي في التذكرة «قصب الذريرة سمى بذلك لدخوله في الأطياب والذرائر وهو نبت كالقش عقد محشو بشيء أبيض وأجوده المتقارب العقد الياقوتي الضارب إلى الصفرة القابض المرّ. ومنه نوع رزين يتشظى كالخيوط رديء جداً».

24 «وَسَلِيخَةً خَمْسَ مِئَةٍ بِشَاقِلِ ٱلْقُدْسِ، وَمِنْ زَيْتِ ٱلزَّيْتُونِ هِيناً».

مزمور 45: 8 ص 29: 40

سَلِيخَةً وفي العبرانية قِدّه «קדה» قال رولنسون ذهب أحسن مفسري العبرانيين إلى أن معنى الكلمة العبرانية ما يُعرف باليوناني واللاتيني بالكاسيا وأصلها من القد أي القطع أو الفصل لأنها القشر الباطن لشجرة تُعرف عند النباتيين باسم «سينامومم كاسيا» موطنها الهند وجاوا وشبه جزيرة ملقا. وهي تقرب من القرفة في العطري والطعم لكنها أكثف وأشد حرافة. ولم تُذكر لفظة «קדה» إلا هنا وفي (حزقيال 27: 19).

(وقال الأنطاكي في تذكرته «السليخة... قشر شجر هندي ويمني وقيل هي من خواص بلاد عمان».

هِيناً (انظر تفسير ص 29: 40).

25 «وَتَصْنَعُهُ دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ. دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ».

ص 25: 6 و37: 29 وعدد 35: 25 ومزمور 89: 20 و33: 2

صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ كان صنعه يقتضي مهارة عظيمة فما كان هذا الطيب يمزج بالزيت كيفما اتفق. جاء عن اليهود أن هذا الطيب مركب من عدة طيوب يؤخذ من خالصها ثم يمزج بالزيت والمواد العطرية.

26 - 29 «26 وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ، 27 وَٱلْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَٱلْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا، وَمَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ، 28 وَمَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا 29 وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّساً».

ص 40: 9 ولاويين 8: 10 وعدد 7: 1 ص 29: 37

تَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ كان من الواجب أن تقدّس خيمة الاجتماع وكل ما فيها قبل كل شيء. وكانوا يبتدئون مسح التابوت في قدس الأقداس ومائدة خبز الوجوه وآنيتها والمنارة الذهبية ثم مذبح البخور ثم ما هو خارج الحجاب. وكان الزيت يرش على مذبح النحاس والمرحضة (انظر ع 26 - 29 وقابل به لاويين 8: 10 و11).

30، 31 «30 وَتَمْسَحُ هَارُونَ وَبَنِيهِ وَتُقَدِّسُهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي. 31 وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: يَكُونُ هٰذَا لِي دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ فِي أَجْيَالِكُمْ».

ص 29: 7 ولاويين 8: 12 و30

تَمْسَحُ هَارُونَ (قابل بهذا ص 29: 7 ولاوين 8: 12).

وَبَنِيهِ (انظر ص 29: 21).

لِيَكْهَنُوا لِي إن هارون وبنيه لم يكونوا أهلاً لخدمة الرب إلا بعد أن يُسكب عليهم الزيت المقدس. وكذلك المسيحيون الذين كلهم كهنة ليسوا بأهل لأن يخدموا الله ما لم يسكب عليهم روحه القدوس الذي كان الزيت المقدس رمزاً إليه.

32، 33 «32 عَلَى جَسَدِ إِنْسَانٍ لاَ يُسْكَبُ. وَعَلَى مَقَادِيرِهِ لاَ تَصْنَعُوا مِثْلَهُ. مُقَدَّسٌ هُوَ، وَيَكُونُ مُقَدَّساً عِنْدَكُمْ. 33 كُلُّ مَنْ رَكَّبَ مِثْلَهُ وَمَنْ جَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ».

ع 25 و37 ع 38 تكوين 17: 14 وص 12: 15 ولاويين 7: 20 و21

عَلَى جَسَدِ إِنْسَانٍ لاَ يُسْكَبُ أي لا يُسكب على إنسان ليس من الكهنة كالطيوب العادية لأنه عُين لعمل مقدس.

لاَ تَصْنَعُوا مِثْلَهُ لغير الكهنة فهو مختص بخدم الرب الذين يخدمونه في قدسه.

تركيب البخور المقدس

34 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: خُذْ لَكَ أَعْطَاراً: مَيْعَةً، وَأَظْفَاراً، وَقِنَّةً عَطِرَةً، وَلُبَاناً نَقِيّاً تَكُونُ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً».

ص 25: 6 و37: 29

خُذْ لَكَ أَعْطَاراً كان بخور القدماء في الغالب نوعاً واحداً من المواد العطرة وأما هذا البخور وغيره مما استعمله اليهود فكان من عدة طيوب على ما يُستفاد أيضاً من أقوال يوسيفوس المؤرخ اليهودي. والبخور الذي كانوا يوقدونه في الهيكل الآخر كان مركباً من ثلاث عشرة مادة.

مَيْعَةً (الميعة عسل اللبني السائل بنفسه خفيف عطر الرائحة أشقر إلى صفرة والمستخرَج بالتقطير أغلظ منه إلى الحمرة. واللبنى شجر معروف يُشاهد في مواضع كثيرة من جبال سورية وسهولها وتسمى به الميعة أيضاً). قال رولنسون والمرجّح أن الميعة صمغ اللبنى وهي شجرة تنبت كثيراً في سورية وفلسطين. وهذا مثل قول هيرودوتس المؤرخ فيها.

أَظْفَاراً (وتُعرف بأظفار الطيب وهي قشور صلبة كالأغشية على أطراف صدف فيه لحم رخو وأجودها الأبيض الصغير الضارب إلى الحمرة فالصافي البياض والفيروزي). وقال رولنسن أنها نوع من الحيوانات الصدفية الكثيرة في البحر الأحمر إذا أُحرقت فاحت منها رائحة قوية.

قِنَّةً ضرب من الصمغ العطر يجمع من نباتات مختلفة قيل أنه إذا أُحرق كان له رائحة قوية وأنها ليست عطرة بالذات لكنها تقوى رائحة غيرها من المواد العطرية. (وقال الأنطاكي أنها صمغ يؤخذ من أشجار القنا أو مثله. منه الأصفر وهو الأجود وأبيض خفيف. وقد يُغش بدقيق الباقلاء وصمغ البطم والأشق والفرق الخفة واللون وهي من الصموغ التي تبقى قواها عشر سنين).

لُبَاناً (وهو صمغ شجرة نحو ذراعين شائكة ورقها كالآس). والمرجّح أنه كان معظم أجزاء البخور المقدس. وهو البخور الذي كثر استعماله في الأزمنة المتأخرة وكثيراً ما يُستخرج من شجرته بجرح قشرها. وتكثر أشجاره في الهند وجزائرها. وكانت تنبت قديماً في بلاد العرب ويأتي المصريون والفينيقيون والعبرانيون بمقادير كثيرة من لبانها (إشعياء 40: 6 وإرميا 6: 2).

35 «فَتَصْنَعُهَا بَخُوراً عَطِراً صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ، مُمَلَّحاً نَقِيّاً مُقَدَّساً».

ع 25 لاويين 2: 13

صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ (انظر تفسير ع 25). وذكر أن كلاً من الزيت المقدس والبخور المقدس صنعة العطار (ص 37: 29).

مُمَلَّحاً أي مخلوطاً بملح.

36 «وَتَسْحَقُ مِنْهُ نَاعِماً، وَتَجْعَلُ مِنْهُ قُدَّامَ ٱلشَّهَادَةِ فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ. قُدْسَ أَقْدَاسٍ يَكُونُ عِنْدَكُمْ».

ص 25: 22 و29: 42 ولاويين 16: 2 ص 29: 37 وع 32 ولاويين 2: 3

تَجْعَلُ مِنْهُ قُدَّامَ ٱلشَّهَادَةِ كانوا يضعون بعض البخور أمام تابوت الشهادة إما على المذبح الذهبي وإما عند قاعدته ليكون معداً للوقود. وهذه رمز إلى الحاجة إلى الصلاة والاستعداد لها دائماً.

37، 38 «37 وَٱلْبَخُورُ ٱلَّذِي تَصْنَعُهُ عَلَى مَقَادِيرِهِ لاَ تَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ. يَكُونُ عِنْدَكَ مُقَدَّساً لِلرَّبِّ. 38 كُلُّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَهُ لِيَشُمَّهُ يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ».

ع 32 ع 33

قيل في البخور هنا ما قيل في الدهن المقدس آنفاً (ع 32 و33). فما كان يجوز أن يُستعمل شيء منهما استعمالاً دنيوياً.

يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ فجزاء استعمال البخور استعمالاً دنيوياً كجزاء استعمال الدهن المقدس كذلك (ع 33).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ

تعيين بصلئيل وأهوليآب ع 1 إلى 11

1، 2 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 2 اُنْظُرْ! قَدْ دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بِٱسْمِهِ».

ص 35: 30 و26: 1 1أيام 2: 20

تمّ التعليم المتلّعق بصنع الخيمة وثياب الكهنة وما يتعلق بهما وأنبأ موسى بما رآه من أمرهما. ولما كان موسى ليس من أهل الصناعة وكان في قومه من أحكم صناعة المصريين وجب أن يكل الصناعيات إلى غيره فعيّن له الرب من هو أهل لذلك من الصنّاع الكثيرين من الشعب لأنه هو أعلم بمن هو أمهرهم. وكان من اختار اثنين بصلئيل وأهوليآب فكان الأول رئيساً والثاني مساعداً (ص 38: 23). وكان روح الله القدوس يساعد الاثنين على أعمالهما (ع 3 و6). فكانا آلتين في يد الله.

دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ الخ دعاه الله باسمه وكانت دعوة الله للإنسان باسمه من أسمى آيات التشريف والإكرام وكانت مقصورة على من يعينون لعظيم الأعمال كموسى (ص 3: 4 و33: 12). وصموئيل (1صموئيل 3: 10). وقورش (إشعياء 44: 3 و4). وكان بصلئيل بن أوري بن حور فحور جده. وحور هو الذي دعم يدي موسى مع هارون (ص 17: 12). وكان نائباً معه عن موسى يوم صعد على سيناء (ص 24: 14).

3، 4 «3 وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ ٱللّٰهِ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ وَٱلْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ، 4 لٱخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ لِيَعْمَلَ فِي ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ».

ص 35: 31 و1ملوك 7: 14

مَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ ٱللّٰهِ... لٱخْتِرَاعِ «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلأَنْوَارِ» (يعقوب 1: 17). فأحكام الصناعات النافعة موهبة إليهة وهبة ثمينة جداً وأحسنها ما كان في خدمة الله التي تقتضيها مشيئته.

بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ وَٱلْمَعْرِفَةِ المرجّح أن المقصود «بالحكمة» هنا قوة الاختراع والتوليد والتركيب في الصناعة. و «بالفهم» إدراك طريق العمل المنقول عن الغير. و «بالمعرفة» علم أحكام العمل على الطريق الصناعية. وكانت هذه المواهب الثلاث لبصلئيل.

كُلِّ صَنْعَةٍ كان بصلئيل فوق كل ما ذُكر في هذه الآية ماهر اليدين في كل فنون الصناعة.

لٱخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ الخ لإبداع صور المصنوعات اليدوية في المعدنيات.

5 «وَنَقْشِ حِجَارَةٍ لِلتَّرْصِيعِ وَنِجَارَةِ ٱلْخَشَبِ. لِيَعْمَلَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ».

نَقْشِ حِجَارَةٍ النقش والرسم على صدر الحجارة كالياقوت وغيره.

نِجَارَةِ ٱلْخَشَبِ من تفصيل وجلاء وتركيب.

6 «وَهَا أَنَا قَدْ جَعَلْتُ مَعَهُ أُهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ سِبْطِ دَانَ. وَفِي قَلْبِ كُلِّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ جَعَلْتُ حِكْمَةً، لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ».

ص 35: 34 و36: 1 ص 28: 3 و35: 10 و35 و36: 1

أُهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ كان هذا الرجل نقاشاً وموشيّاً وطرّازاً. وقد مرّ أنه كان مساعداً لبصلئيل وهو في الحذق الصناعي كبصلئيل. والظاهر أنه اقتصر على النقش والتوشية والتطريز في الخيمة ولم يتعرض لغيرها.

مِنْ سِبْطِ دَانَ لم يكن هذا السبط من الأسباط الممتازة بالمهارة ولكن نشأ منه اثنان من أكبر الحاذقين أهوليآب المذكور وحورام وهذا كان حكيماً في صناعة الذهب والنحاس والحديد والأرجوان والقرمز والأسمانجوني ماهراً في النقش. وكان رئيس العملة في هيكل سليمان (2أيام 2: 14).

كُلِّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ (انظر تفسير ص 28: 3).

7 - 11 «7 خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ، وَٱلْغِطَاءَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ، وَكُلَّ آنِيَةِ ٱلْخَيْمَةِ، 8 وَٱلْمَائِدَةَ وَآنِيَتَهَا، وَٱلْمَنَارَةَ ٱلطَّاهِرَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَمَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ، 9 وَمَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا، 10 وَٱلثِّيَابَ ٱلْمَنْسُوجَةَ، وَٱلثِّيَابَ ٱلْمُقَدَّسَةَ لِهَارُونَ ٱلْكَاهِنِ وَثِيَابَ بَنِيهِ لِلْكَهَانَةِ، 11 وَدُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ وَٱلْبَخُورَ ٱلْعَطِرَ لِلْقُدْسِ. حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ يَصْنَعُونَ».

ص 36: 8 ص 37: 1 ص 37: 6 ص 37: 10 ص 37: 17 ص 38: 1 ص 39: 1 و41 وعدد 4: 5 إلى 15 ص 30: 25 و31 و37: 29 ص 30: 34 إلى 38 و37: 29

ذُكرت الأشياء في هذه الآيات على ترتيب التعليمات المتعلقة بها (ص 25 - ص 30) إلا أن الخيمة ذُكرت أولاً وذُكر مذبح البخور في موضعه مع مائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية (ع 8).

ٱلثِّيَابَ ٱلْمَنْسُوجَةَ (ع 10) رأى متأخرو المفسرين أن المقصود بهذه الثياب ملبوسات الحبر الأعظم إلا أن المفسرين من ربانيي اليهود ذهبوا إلى أنها ثياب الخيمة من غطاء التابوت وغيره من الأنسجة التي تُغطى بها آنية القدس وتُلف بها في أوقات السفر من مكان إلى آخر. فهي كالأثواب التي ذُكرت في الآية الأولى من (ص 39 انظر عدد 4: 6 - 13). وكانت تلك الأثواب إسمانجونية وأرجوانية وقرمزية. وكان من مقتضى الطبع أنها تميَّز من «الثياب المقدسة» كما كان هنا وفي (ص 35: 19 و39: 1 و41). ولم تُذكر هذه الثياب قبلاً. ويصح أن تكون أثواب هارون وبنيه فيكون ما بعدها عطف تفسير فيكون المعنى «الثياب المنسوجة» أعني ثياب هارون وبنيه، ويؤيد هذا ما جاء في (ص 39: 41).

شريعة السبت وجزاء الذي يدنّسه ع 12 إلى 17

12 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى».

كانت عبادة الله في خيمة الاجتماع مقترنة بمراعاة السبت كل الاقتران (لاويين 19: 30) فلا سبب للعجب من إعادة ذكر السبت هنا. ولم تُعد هذه الشريعة هنا لمجرد منع أهل الغيرة من العمل يوم السبت في الخيمة بل لتقرير معناها العام وحفظها في كل الأحوال. وزيد في تكرارها هنا الحث على التقديس التام وبيان قيمتها الثمينة فكانت مراعاة السبت من أعظم الواجبات (ص 16: 4). ورُفعت هنا إلى مقام سامي جعلها علامة بين الله وشعبه (ع 13). ولذلك وجب حفظ السبت بتقديس جديد وجزاء مدنّسه بالقتل (ع 14 و15).

13 «وَأَنْتَ تُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: سُبُوتِي تَحْفَظُونَهَا، لأَنَّهُ عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي يُقَدِّسُكُمْ».

لاويين 19: 3 و30 و26: 2 وحزقيال 20: 12 و20 و44: 24

عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ جعل الله لإبراهيم الختان علامة العهد ولكن اتخاذ كثير من الأمم إياه لم يبقه علامة فارقة فكانت الحاجة إلى علامة جديدة وهي حفظ السبت أو تقديس يوم من سبعة أيام لله. ولم يشارك اليهود في ذلك غيرهم من الأمم.

14 «فَتَحْفَظُونَ ٱلسَّبْتَ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ لَكُمْ. مَنْ دَنَّسَهُ يُقْتَلُ قَتْلاً. إِنَّ كُلَّ مَنْ صَنَعَ فِيهِ عَمَلاً تُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهَا».

ص 20: 8 وتثنية 5: 12 وحزقيال 20: 12 ص 35: 2 وعدد 15: 35

مَنْ دَنَّسَهُ يُقْتَلُ هذه سُنّة جديدة تدل على زيادة عظمة للسبت وحفظه وإنه صار علامة خاصة بين الله وشعبه. فإن مدنّس السبت يفصل نفسه عن الله وينبذ عهده ويكون شرّ مثال للشعب كله ولذلك كان الذنب عظيماً. والجزاء من جنس العمل فكان العقاب الموت (انظر ص 21: 16 و17 و29 و22: 18 - 20 الخ). وما كان العقاب يؤخر (عدد 15: 32 - 35).

تُقْطَعُ أي تُفرز أي تخرج من عدد شعب الله.

15 «سِتَّةَ أَيَّامٍ يُصْنَعُ عَمَلٌ. وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتُ عُطْلَةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. كُلُّ مَنْ صَنَعَ عَمَلاً فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ يُقْتَلُ قَتْلاً».

ص 20: 9 تكوين 2: 2 وص 16: 23 و20: 10

سِتَّةَ أَيَّامٍ (قابل بهذا ص 20: 9).

سَبْتُ عُطْلَةٍ أي راحة تامة.

16 «فَيَحْفَظُ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلسَّبْتَ لِيَصْنَعُوا ٱلسَّبْتَ فِي أَجْيَالِهِمْ عَهْداً أَبَدِيّاً».

أَبَدِيّاً فيوم الراحة دائم.

17 «هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلاَمَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ ٱسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ».

ع 13 وحزقيال 20: 12 و20 تكوين 1: 31 و2: 2

لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ مهما كانت الدواعي إلى حفظ السبت فالأصل في وجوب حفظه ما ذُكر في الآية فعلى المخلوق أن يقتدي بخالقه في ما يقدر عليه من الصالحات فيستريح في اليوم السابع من أعماله كما استراح الله فيه (تكوين 2: 2 و3) فيحصل بذلك على الراحة الباقية لشعب الله.

إعطاء لوحي الشهادة

18 «ثُمَّ أَعْطَى مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ ٱلْكَلاَمِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ ٱلشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبِعِ ٱللّٰهِ».

ص 34: 12 و32: 15 و34: 28 و29 وتثنية 4: 13 و5: 22 و9: 10 و11 و2كورنثوس 3: 3

كانت نتيجة اجتماع موسى بالله على طور سيناء أربعين يوماً وأربعين ليلة (ص 34: 18) إعطاءه إياه لوحي الشهادة أي لوحي الحجر المكتوب عليهما الوصايا العشر التي أُعلنت قبل صعوده إلى الطور (ص 24: 12). فوضع هذين اللوحين في التابوت الذي كان في قدس الأقداس من خيمة الاجتماع.

لَوْحَيِ ٱلشَّهَادَةِ وهما الذخيرة التي أُشير إليها في (ص 25: 21) وما وعد الله به في (ص 24: 12).

مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبِعِ ٱللّٰهِ (قابل بهذا ص 24: 12) فإنه قال هنالك «فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ ٱلْحِجَارَةِ وَٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْوَصِيَّةِ ٱلَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ». والمعنى أن الله كتب لوحي الحجارة بقوة فوق الطبيعة لا بيد إنسان على أن طريق ذلك لم تُعلن لنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

العجل الذهبي

1 «وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ مِنَ ٱلْجَبَلِ، ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ».

ص 24: 18 وتثنية 9: 9 أعمال 7: 40 ص 13: 21

وَلَمَّا رَأَى ٱلشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي ٱلنُّزُولِ بعد أن ذكر موسى في الأصحاحات السبعة الماضية ما يتعلق بالشريعة اللاوية عاد إلى النبإ التاريخي. ولما نزل من الجبل رأى ما قصه هنا مما حدث في السهل عند الحضيض مدة غيابه عن الشعب. رأى بعضهم أن (ص 31) تابع في الأصل (ص 25) وإن (ص 32 - ص34) كلام ممتاز أُلحق بالنبإ أخيراً وهو مما لم ينهض. فإنه لا علاقة بين (ص 35 وص 31) فإن بينهما فاصلاً عظيماً. وليس (ص 32) بداءة قصة مستقلة. إنما هو نبأ ما نتج عن إبطاء موسى على طور سيناء فهو كلام على ما سبق. فالكلام من (ص 32 - ص 34) في محله المناسب الذي يقتضيه الطبع.

ٱجْتَمَعَ ٱلشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ أمر موسى الشعب قبل أن صعد إلى الجبل أن يرفعوا المشاكل إلى هارون وحور (ص 24: 14) ولذلك اجتمعوا عليه. وكان هارون من أول أمر الخروج قائداً مع موسى (ص 17: 10).

قُمِ ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً قال بعضهم الأولى أن يترجم الأصل العبراني بقوله «قم اصنع لنا إلهاً» ونعجب كثيراً من أن نرى الإسرائيليين يميلون إلى عبادة الأوثان ولا إشارة إلى ميلهم إليها في كل ما مرّ من النبإ فما بقي إلا أن نقول نشأ فيهم ذلك الميل وهم في مصر ولذلك نهتهم الشريعة السينوية عن اتخاذ آلهة غير الله معه بل كان ذلك أول وصايا تلك الشريعة (ص 20: 4 و5 و23) وذلك الميل كان جرثومة الوثنية بينهم (لاويين 17: 7 ويشوع 24: 14 وحزقيال 20: 8 و23: 3). وهنا قوي ذلك الميل فيهم لأنهم أرادوا أن يكون لهم في غيبة موسى آلهة تسير أمامهم بدلاً من عمود السحاب فصرخوا وطلبوا من هارون ما طلبوه.

هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا انظر ما أسرع تبدُّل شكر الإنسان بالاحتقار والذّم ونسيان الجميل فإن موسى غاب عنهم بضعة أسابيع فحكموا سريعاً بأنه عاجز عن إنقاذهم واحتقروه قولاً وفعلاً.

2 «فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَأْتُونِي بِهَا».

قضاة 8: 24 إلى 27

فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: ٱنْزِعُوا أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ظنّ هارون أنه بذلك يقدر أن يمنعهم من عبادة الوثن بناء على أنه يصعب عليهم أن يعطوه الأقراط. وفعل هذا لأنه لم يجسر أن يثنيهم عن طلبهم رأساً. ولا شك في أنه رأى أن النساء لا تسمح بخسران حليها وحلي أولادها لكن كان الواقع على غير ما ظن ورأى.

وَبَنِيكُمْ كان أهل الشرق يتحلون بالأقراط رجالاً ونساء. وكثيراً ما تحلى بها ملوك الأشوريين والمصريين.

3 «فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ ٱلَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ».

فَنَزَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ أَقْرَاطَ ٱلذَّهَبِ لم يكن هارون يعرف مقدار تعصُّب الشعب للأوثان فإنه لم يرفض أحد طلبه ولم يبد أدنى خلاف أو اعتراض. «كل الشعب» نزع الأقراط فإنهم مالوا إلى آلهة منظورة أكثر من ميلهم إلى الروح الأزلي الذي لا يُرى والدين الروحي الذي سادهم منذ خروجهم من مصر.

4 «فَأَخَذَ ذٰلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِٱلإِزْمِيلِ وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكاً. فَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ!».

ص 20: 23 وتثنية 9: 16 وقضاة 17: 3 و4 و1ملوك 12: 28 ونحميا 9: 18 ومزمور 106: 19 وإشعياء 46: 6 وأعمال 7: 41 ورومية 1: 23

صَوَّرَهُ بِٱلإِزْمِيلِ (الإزميل في القاموس شفرة الحذّاء وحديدة في طرف رمح لصيد البقر والمطرقة والمقصود به هنا المنقار وهو حديدة يُنقر بها). جاء في بعض الترجمات «صورّه في قالب» وهو المناسب لقول في الجزء الثاني من الآية «وصنعه عجلاً مسبوكاً». وعلى ما في ترجمتنا يكون أنه سبكه ثم صوّره بالمنقار (والعطف بالواو لا يستلزم الترتيب فسقط الاعتراض على الترجمة. والكلمة المترجمة بالإزميل هي في العبرانية «חרט» (حرط) أي مخرط أو منقار ولا تعني القالب). وجاءت لفظة «חרט» بمعنى الخريطة أو الكيس (انظر 2ملوك 5: 23) فتصير ترجمة الآية بذلك «فأخذ ذلك» «أي الأقراط» من أيديهم وصرّه في خريطة وصنعه عجلاً مسبوكاً.

عِجْلاً مَسْبُوكاً صنعه إياه عجلاً دليل قاطع على ما نشأ فيهم من الميل إلى معبودات المصريين فإن العجل كان من معبوداتهم لكن المصريين لم يكونوا يعبدون تمثال العجل بل كانوا يعبدون عجلاً حياً. وكان اسم العجل الذي عبدوه إييس. وكان معبده في ممفيس. وكان عندهم عجل آخر اسمه منيفيس وكان معبده في هليوبوليس. واعتبروا العجلين إلهين متجسدين. فصنع العجل من الذهب يؤيد القول بأن هارون سألهم ذلك ليكفوا عن طلبهم ضناً بحليهم) ولعل المصريين كانا يصنعون في أول الأمر تمثالاً للعجل وقد أُشير إلى ذلك في (يشوع 24: 14). والمرجّح أن تماثيل العجول كانت مما عبده البابليون والأشوريون ونقلوا عبادتها إلى مصر. وكان تمثال عجل الكلدانيين ذا أجنحة ورأس إنسان إشارة إلى الحكمة والقوة والحضور في كل مكان.

هٰذِهِ آلِهَتُكَ والأحرى «هذا إلهك».

5 «فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحاً أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: غَداً عِيدٌ لِلرَّبِّ».

لاويين 23: 2 و4 و21 و37 و2ملوك 10: 10 و2أيام 30: 5

فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحاً أَمَامَهُ لما سلّم للشعب بطلبه الأول سلم له بطلبه التالي. فإنه بعد أن أذاب الذهب وسبكه عجلاً بنى له مذبحاً من خشان الحجارة ووضعه أمامه. ولا ريب في أن ذلك العجل كان يرمز إلى قوة الرب «يهوه» وحكمته وحضوره في كل مكان. وهذا ما حملهم على توهم أن الله لا يحسبهم مشركين بذلك ولذلك نادى هارون وقال غداً عيد للرب (وفي العبرانية «ليهوه»).

6 «فَبَكَّرُوا فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ ٱلشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ».

1كورنثوس 10: 7

فَبَكَّرُوا لفرط رغبتهم في العبادة الجديدة فلم يصبروا إلى أن ترتفع الشمس فنهضوا عند الفجر وأتوا بالقرابين والذبائح. وهل شاركهم هارون في ما أتوه. ذلك في ريب.

أَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ كانت المحرقات والذبائح قبل الشريعة الموسوية (انظر تكوين 4: 3 وخروج 18: 12).

جَلَسَ ٱلشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ كانت الولائم تلي الذبائح (ص 18: 12 و24: 5 و11). وهم لم يخطئوا بالوليمة إنما أخطأوا بالسلوك فيها إذ أتوا ما لا يوافق الدين بأن جروا مجرى الوثنيين «بلا خوف» (يهوذا 12) فجعلوا الرسوم الدينية من وسائل الخلاعة فأكلوا وشربوا وسكروا ورقصوا وتفتكوا وتهتكوا كما شاء الهوى (ع 19 و25). وأتوا كل ما يأتيه الوثنيون من مطالب الشهوات الجسدية، ولو لم ينزل موسى من الجبل ويوقفهم عند ذلك الحد ويمنعهم ما أتوه لأتوا مما لا يوصف من الرذائل.

تنبيه الله لموسى

7 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ! لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ع 1 وص 33: 1 وتثنية 9: 12 تكوين 6: 11 و12 وتثنية 4: 16 و32: 5 وقضاة 2: 19 وهوشع 9: 9

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ لا ريب في أن موسى كان حينئذ يجهل كل ما حدث في المحلة. والسحاب الكثيف الذي كان يغطي جبل سيناء منعه من أن يرى ما كان في السهل عند الحضيض (ص 24: 18). والقرينة تدل على أن الصوت في قوله تعالى يدل على الحضّ الشديد والإلحاح.

فَسَدَ شَعْبُكَ لم يقل سبحانه «شعبي» لأنهم خالفوا العهد ولكنهم لم يزالوا شعب موسى أو أمته لأن الخطيئة لا تبطل القرابة الدموية.

ومعنى فساد الشعب هنا خروجه من دائرة الصلاح واختيار طريق الرذيلة وإيثاره على طريق الفضيلة (تكوين 6: 12).

8 «زَاغُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكاً وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ص 20: 3 و4 و23 وتثنية 9: 16 و1ملوك 12: 28

هٰذِهِ آلِهَتُكَ الأولى أن يترجم بهذا إلهك (انظر ع 4 وتفسيره).

9 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: رَأَيْتُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ».

ص 32: 3 و5 و34: 9 وتثنية 9: 6 و13 و31: 27 و2أيام 30: 8 وإشعياء 48: 4 وأعمال 7: 51

صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ كثرت هذه العبارة في الكتاب المقدس وتداولتها الألسنة ولكن هنا أول ما ذُكرت فيه (ص 33: 3 و5 و34: 5 وتثنية 9: 6 و13 و10: 16 و2أيام 30: 8 و36: 13 ومزمور 75: 5 وإرميا 17: 23 وأعمال 7: 51). والمقصود بها عنيد ومقاوم. والمجاز مأخوذ من الفرس الصلب العنق الجموح الذي لا يستطيع راكبه أن يثنيه باللجام.

10 «فَٱلآنَ ٱتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْباً عَظِيماً».

تثنية 9: 14 و19 ص 22: 24 عدد 14: 12 وتثنية 9: 14

ٱتْرُكْنِي... أُفْنِيَهُمْ هذا يستلزم أن موسى شفع في الشعب فأبان له الله أنهم استحقوا بما أتوه الإفناء ويؤيده ما بعده.

فَأُصَيِّرَكَ شَعْباً عَظِيماً أي أفني هؤلاء الإسرائيليين فأقيم من نسلك شعباً عظيماً بدلاً منهم فأصنع لك كما صنعت لإبراهيم.

جواب موسى وعفو الله

11 - 13 «11 فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ، وَقَالَ: لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ ٱلَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ 12 لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ ٱلْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي ٱلْجِبَالِ وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ وَٱنْدَمْ عَلَى ٱلشَّرِّ بِشَعْبِكَ. 13 اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ ٱلَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى ٱلأَبَدِ».

تثنية 9: 18 و26 إلى 29 ومزمور 74: 1 و2 و106: 23 عدد 14: 13 وتثنية 9: 28 و32: 27 ع 14 تكوين 22: 16 وعبرانيين 6: 13 تكوين 12: 7 و13: 15 و15: 7 و18 و26: 4 و28: 13 و35: 11 و12

أتى موسى بثلاثة أدلة:

  1. إنه تعالى صنع كثيراً لشعبه فلا يكون منه أن يترك كل ذلك عبثاً (ع 11).

  2. إن إفناءه الإسرائيليين انتصار للمصريين (ع 12).

  3. إن إفناءه يبطل المواعيد لإبراهيم وإسحاق ويعقوب (تكوين 15: 5 و17: 2 - 6 و26: 1 و28: 12 و35: 11). فجعل موسى ذلك أباً حقاً ونائباً عن شعب الله. وزاد على تلك الأدلة أن تضرع أمام الله ليرجع عن حمو غضبه (ع 12 و13).

14 «فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِه».

تثنية 32: 26 و27 و2صموئيل 24: 16 و1أيام 21: 15 ومزمور 106: 45 وإرميا 18: 8 و26: 13 و19 ويوئيل 2: 13 ويونان 3: 10 و4: 2

فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ كان لشفاعة موسى تأثير عظيم فعفا الرب عن الشعب. والعبارة هنا مجاز اشتهر منذ القديم يراد منه إبطال العمل لأن من ندم على شيء رجع عنه. فقول الله «دعني... أفنيهم» يراد به أنهم ارتكبوا إثماً يستحقون عليه الإفناء. وقول الكاتب أنه «ندم على الشر» يراد به أنه لم يعاقبهم عليه مع استحقاقهم إياه. ولا يلزم من ذلك أن الله غيّر قصده لأنه كان عالماً أن موسى يشفع في الشعب وأنه يقبل شفاعته لأن عقابه مشروط بعدم الشفاعة والتوبة. وهنا حصل الأمران فإن موسى شفع والشعب تاب كما سيُذكر فلا ندم حقيقي ولا تغيير قصد.

نزول موسى من طور سيناء وإبطاله العبادة الوثنية

15 «فَٱنْصَرَفَ مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ ٱلْجَبَلِ وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ: لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا. مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا كَانَا مَكْتُوبَيْنِ».

تثنية 9: 15

فَٱنْصَرَفَ مُوسَى أي تحوّل ليرجع والظاهر أنه لم يُنبئ يشوع بشيء من الأمر مع أنه كان قريباً منه (انظر ع 17).

لَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ رأى بعضهم أن موسى نحت اللوحين وإن الله كتب عليهما وهو خطأ كما يتبين من (ع 16). وجاء في سفر التثنية أن اللوحين كانا في يديه (ولا منافاة بين النبأين لأن ما تحمله اليدان يحمله كل منهما).

مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا كانت أعمدة الأشوريين يُكتب على جانبيها وقل ذلك في الأعمدة المصرية. وحسب بعضهم أنه يمكن أن يكتب 172 كلمة التي هي كلمات الوصايا العشر في العبرانية بأحرف متوسطة المقدار على أوجه اللوحين الأربعة إذا كان طول اللوح 27 عقدة وعرضه 18 عقدة. وإن مثل هذين اللوحين مما يمكن الإنسان أن يحمله باليدين.

16 «وَٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللّٰهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللّٰهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ».

ص 31: 18

ٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللّٰهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللّٰهِ فسر بعضهم ذلك بأن الله وصف لموسى هيئة اللوحين وكتابتهما وإن موسى نحتهما على وفق الوصف وكتب عليهما الوصايا كذلك. ونص العبارة بخلاف ذلك فإنها تفيد أن الله نحتهما وأنه كتب الوصايا بإصبعه (انظر تفسير ص 31: 18). ولم يكن اللوحان اللذان بعدهما كذلك (ص 34: 1 و4) إلا في الكتابة.

17 «وَسَمِعَ يَشُوعُ صَوْتَ ٱلشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى: صَوْتُ قِتَالٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ».

سَمِعَ يَشُوعُ كان يشوع مع موسى على الجبل ولم يجر له من (ص 24: 13) ذكرٌ إلا هنا والظاهر أن موسى كان قد دعاه إلى السحاب (ص 24: 16). وبقي ذلك الخادم الأمين حيث كان إلى أن دعاه سيده. ولعله وجد ملجأ له في شق الصخرة وإن المن كان يقع حوله فاقتات به مدة الأربعين يوماً والأربعين ليلة التي غاب فيها سيده عنه.

صَوْتَ ٱلشَّعْبِ فِي هُتَافِهِ كان ذلك الهتاف من لوازم العبادة الوثنية (1ملوك 18: 28 وأعمال 19: 34 وهيرودوتس 2: 60 الخ). ولا ريب في أن بعضه كان مما هاجته الخلاعة فيهم. أما يشوع فلم يكن يعلم السبب فظن أن الأعداء هجموا على المحلة وإن ذلك الهتاف كان هتاف الحرب لكن موسى كان قد عرف العلة (ع 7 و8) فنفى قول خادمه يشوع.

18 «فَقَالَ: لَيْسَ صَوْتَ صِيَاحِ ٱلنُّصْرَةِ وَلاَ صَوْتَ صِيَاحِ ٱلْكَسْرَةِ. بَلْ صَوْتَ غِنَاءٍ أَنَا سَامِعٌ».

صَوْتَ غِنَاءٍ هذا يدل على أن المحلة كانت بعيدة عن رأس الصفصافة بعداً لا تميز به الأصوات حسناً وكان بينهما وادٍ يتغيّر الصوت بمرور أمواج الهواء فيه. فما علمه موسى من الله من أمر الشعب ساعده على أن يدرك أن الصوت صوت غناء.

19 «وَكَانَ عِنْدَمَا ٱقْتَرَبَ إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ ٱلْعِجْلَ وَٱلرَّقْصَ. فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى وَطَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ»

تثنية 9: 17

ٱلرَّقْصَ رأى موسى العجل والرقص فالعجل قد ذُكر قبلاً وأما الرقص فلم يسبق له ذكر وكان من عادات الوثنيين في عباداتهم وهو رقص فسق (ع 25) (بخلاف رقص الفرح الإسرائيلي كما كان من مريم أخت هارون وسائر النساء (ص 15: 20).

طَرَحَ ٱللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ (قابل بهذا تثنية 9: 17). كان غضب موسى بمقتضى العدل لكن لا يخلو من تأثير الطبع الذي قاد موسى في حداثته إلى ما لا يُحمد (ص 2: 12).

20 «ثُمَّ أَخَذَ ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِماً، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ، وَسَقَى بَنِي إِسْرَائِيلَ».

تثنية 9: 21

أَخَذَ ٱلْعِجْلَ الخ كان سحق العجل أول البراهين على بطلان العبادة الوثنية والأوثان ولا ريب في أنه كان في الشعب أناس يتقون الله ويكرهون الأوثان فساعدوا موسى على سحق العجل والظاهر أنه كلّس العجل حتى تمكن من سحقه بعد إحمائه في النار ورشه على الماء الذي يشربون منه في المحلة ليبلعوا إثمهم (قابل بهذا 2ملوك 23: 6 و12).

ولا ريب في أن إحراق العجل وسحقه شغلا زماناً طويلاً ولم يرد أنهم فرغوا من ذلك حين أخذ موسى غيره من الأعمال بل أراد أنهم شرعوا في ذلك.

21 «وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: مَاذَا صَنَعَ بِكَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيْهِ خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟».

تكوين 20: 9 و26: 10

قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: مَاذَا صَنَعَ بِكَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ كان من الطبع أن يسأل موسى بعد سحق العجل عن علة عبادة الشعب إياه فسأل هارون عن ذلك لأنه كان نائبه (ص 24: 14) فكان هو المطالب بذلك الإثم العظيم ولهذا شدد عليه الكلام. ولا ريب في أن إمارات غضب موسى على هارون كانت على وجهه حين خاطبه بدليل القرينة الحالية وكلام هارون.

22 - 24 «22 فَقَالَ هَارُونُ: لاَ يَحْمَ غَضَبُ سَيِّدِي! أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ شِرِّيرٌ. 23 فَقَالُوا لِيَ: ٱصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا. لأَنَّ هٰذَا مُوسَى ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ. 24 فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي. فَطَرَحْتُهُ فِي ٱلنَّارِ فَخَرَجَ هٰذَا ٱلْعِجْلُ».

ص 14: 11 و15: 24 و16: 2 و20 و28 و17: 2 و4 ع 1 ع 4

لا ريب في أن هارون بلا عذر وحجته الأولى ناقصة والثانية باطلة. فإن الأولى أن الشعب أجبره على صنع العجل والثانية أن الذهب خرج عجلاً من دون أن يسكبه في قالب. وكان هارون مستحقاً الهلاك لكنه نجا مع من نجوا بشفاعة موسى (تثنية 9: 20).

25 «وَلَمَّا رَأَى مُوسَى ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى (لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ)».

ع 2 و3 وص 33: 4 إلى 6 2أيام 28: 19

لَمَّا رَأَى مُوسَى ٱلشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى ترجم بعضهم الأصل العبراني بقوله «لما رأى موسى أن الشعب فاجر» والذي في متن الترجمة العربية هو الصحيح. فإن راقصي الوثنيين كانوا يتوغلون في الخلاعة في أثناء الرقص حتى أنهم يخلعون أثوابهم. وشوهدت صور الراقصين المصريين على الآثار القديمة عارية.

لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ (أي سمح له أن يتعرى كعادة الوثنيين).

لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ (اللام للعاقبة أي فكانت عاقبة ذلك هزء المقاومين). والمقصود بالمقاومين هنا العمالقة أو قبيلة عماليق فإنهم كانوا على التلال متمكنين من مشاهدة كل ما حدث في محلة الإسرائيليين.

26 «وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ ٱلْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ! فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي».

وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ ٱلْمَحَلَّةِ أتى موسى هنا أمراً ثالثاً وكان الأمران الأولان سحق العجل وتوبيخ هارون والثالث هنا قتل من لم يكف عن الأعمال الوثنية بمساعدة الأمناء لله.

جَمِيعُ بَنِي لاَوِي أي أكثرهم على مقتضى اصطلاح الكتاب والمعنى جميع بني لاوي الذين بقوا أمناء لله فإن بعضهم على ما يستفاد من (ع 7 - 29) بقي على الوثنية ولكن لقلته حُسب كالعدم (انظر تفسير ع 28).

27 «فَقَالَ لَهُمْ: هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَمُرُّوا وَٱرْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي ٱلْمَحَلَّةِ، وَٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ».

عدد 25: 5 تثنية 13: 6 إلى 11 و33: 9 و10 وزكريا 13: 3 ومتّى 10: 37

هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ أي أنه أمرهم بما أمر بوحي الله لا بمقتضى إرادته (ويدلك على ذلك أنه شفع في الشعب قبلاً وتذلل أمام الله من أجلهم) فكان أمره بقتل من بقوا على الوثنية في دائرة العدل والطاعة لله.

مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ أي مروا بكل المحلة من أولها إلى آخرها وكل من رأيتموه لا ينفك عن الأمور الوثنية اقتلوه.

ٱقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ (قابل بهذا ع 26). فلا بد من أن اللاويين الذين كانوا مع موسى وجدوا بعض إخوتهم وأبنائهم بين الباقين على الوثنية فقتلوا بعض أقربائهم.

28 «فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ ٱلشَّعْبِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ».

ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ (فإذا حسبنا رجال الإسرائيليين يومئذ 600000 وهو أقل ما يعتبر (ص 12: 37) كان معدل الذين بقوا على الوثنية وقُتلوا 3 على 600 أو 1 على 200. وكان اللاويون بالنسبة إلى المجموع على طريق التقريب 1 على 12 فيكون من قُتل من اللاويين 1 على 2400 على تقدير مساواة النسبة فيكونون بالنسبة إلى سائر اللاويين بمنزلة العدم فصحّ أن يُقال إن جميع اللاويين كانوا مع الله (انظر تفسير ع 26).

29 «وَقَالَ مُوسَى: ٱمْلأُوا أَيْدِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِٱبْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ ٱلْيَوْمَ بَرَكَةً».

ص 29: 9 و22 إلى 24 وعدد 25: 11 إلى 13

أنزل موسى ما أمر به اللاويين منزلة التقديس والتكهين لأنه وسيلة إلى تطهير الشعب.

شفاعة موسى في الشعب على عبادة العجل ع 30 إلى 35

كان موسى حين سمع أن الرب أراد أن يهلك الشعب قد تضرّع له وشفع في الشعب (ع 11 - 13) فعفا الله عنه ولكن موسى بقي في شك من العفو التام ولكنه لما رأى ما كان من أمره إياه بعقاب الإسرائيليين جدد التضرع والشفاعة فعفا الله صريحاً وصعد إلى الجبل وأخذ يجاهد مع الله بالصلاة منفرداً. ولم يكتف الشفاعة في الشعب بل سأل الله أن يجلعه فداء عن شعبه فشاء أن يُمحى من كتاب الله بشرط أن يبقى إسرائيل. فأبى الله ذلك الفداء لكنه أنبأ موسى بأنه عفا عن الشعب وأذن في أن يتمموا مسيرهم إلى أرض الموعد لكن جعل لهم الملاك قائداً بدلاً من أن يقودهم هو سبحانه وتعالى بنفسه وإنه سيعاقب الخطأة بمقتضى ما سبق من إنذاره (ع 10).

30 «وَكَانَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلشَّعْبِ: أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. فَأَصْعَدُ ٱلآنَ إِلَى ٱلرَّبِّ لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ».

1صموئيل 12: 20 و23 ولوقا 5: 18 و2صموئيل 6: 12 وعاموس 5: 15

لَعَلِّي (أي أرجو لا أتحقق لأن الخطيئة عظيمة).

31 «فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ وَقَالَ: آهِ قَدْ أَخْطَأَ هٰذَا ٱلشَّعْبُ خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ».

تثنية 9: 18 ص 20: 23

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلرَّبِّ رجع إليه إلى سيناء حيث أخذ لوحي الشهادة بعد أربعين يوماً وأربعين ليلة.

آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ الأولى ترجمة العبارة «إلهاً من ذهب» (انظر تفسير ع 1).

32 «وَٱلآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ».

مزمور 69: 28 ورومية 9: 3 مزمور 56: 8 و139: 16 ودانيال 12: 1 وفيلبي 4: 3 ورؤيا 3: 5 و3: 8 و20: 12 و14 و21: 27 و22: 19

فَٱمْحُنِي هذا كقول بولس «كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ» (رومية 9: 3). ولكن لما كان «ٱلأَخُ لَنْ يَفْدِيَ ٱلإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ ٱللّٰهَ كَفَّارَةً عَنْهُ» (مزمور 49: 7) لم يقبل الله موسى فداء عن الإسرائيليين لكنه عفا عنهم بعد ما أدبهم (ع 34 و35).

33 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي».

لاويين 23: 30 وحزقيال 18: 4

مَنْ أَخْطَأَ إِلَيَّ أَمْحُوهُ لأنه «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4). فالإنسان لا يحمل خطيئة إنسان آخر فالشر على النفس التي تخطئ. ولا مغفرة بلا توبة حتى أن استحقاق المسيح لا يقي الخاطئ الذي لا يريد أن يترك خطيئته ويبغضها ويهرب منها. ولا يخلص من الموت إلا الواحد الذي يغرس في النفس مبدأ الحياة.

34 «وَٱلآنَ ٱذْهَبِ ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلٰكِنْ فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ».

ص 33: 2 و4 و15 وعدد 20: 16 تثنية 32: 35 وعاموس 3: 14 ورومية 2: 5 و6

ٱهْدِ ٱلشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ أي لا تفتأ تقود الشعب إلى أن يبلغ أرض فلسطين (انظر ص 3: 8 و17 و6: 4 - 8 الخ).

مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ كان هذا الوعد مكرر الوعد السابق وهو قوله «هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكاً أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي أَعْدَدْتُهُ» (ص 23: 20). لكن معنى الوعد هنا تغيّر تغيُّراً عظيماً فإنه يتضح لنا من (ص 33: 1 - 3) أن الملاك الذي وُعد به هنا ليس الله لأنه تعالى قال «فإني لا أصعد في وسطك» بل هو مخلوق بينه وبين الله غاية البُعد.

فِي يَوْمِ ٱفْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ لأنه جعل الألم من توابع الخطيئة فلا ينفك عنها. إن الله رضي هنا أن يرجع عن قتل شعبه ويبقيه ويرده إلى كرامته لكن الإسرائيليين لم يكونوا يتوقعون أن أمورهم تبقى كأنهم لم يكونوا أخطأوا. فكان الله يفتقد خطيتهم ولكن لم يفتقدها بالموت بل بالعقاب. ولعل بقاءهم تائهين في البرية كان جزءاً من ذلك العقاب (عدد 14: 33).

35 «فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّعْبَ لأَنَّهُمْ صَنَعُوا ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ هَارُونُ».

2صموئيل 12: 9 وأعمال 7: 41

فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ ٱلشَّعْبَ ليس المعنى هنا أن الله ضرب الشعب ضربة خاصة بل أنه أصاب الذين عبدوا العجل بآلام مختلفة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ

تواضع الشعب لترك الله إياه ع 1 إلى 6

إن الله رضى أن يبقي شعبه بعد ارتكاب ما ارتكبوه من عبادة العجل ويحفظ عهده بعدما خالفوه على طريق جديدة فإنه في كتاب العهد الأول وعدهم أنه يصعد معهم بملاك وضع اسمه عليه (ص 23: 20 - 23) وهو كرهه إثمهم غيّر الوعد تغييراً كان بعض ما استحقوه وهو أن يرسل معهم ملاكاً مخلوقاً جعله آية حضوره معهم بدليل قوله «ارسل أمامك ملاكاً» (ع 2). وقوله «فإني لا أصعد في وسطك» (ع 3) فحزن الإسرائيليون لهذا البدل وناحوا (ع 4) واعتزلوا زينتهم كعادة الشرقيين في الحزن.

1 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱصْعَدْ مِنْ هُنَا أَنْتَ وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي حَلَفْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا».

ص 32: 7 تكوين 12: 7 وص 32: 13

قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى المرجّح أنه قال له هذا بعد نزوله من رأس الصفصافة إلى السهل عند حضيض الجبل.

ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي حَلَفْتُ لإِبْرَاهِيمَ يظهر من هذا أن الله لم يحرم الإسرائيليين من الوعد لإبراهيم على عبادتهم العجل أنه «أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ» (مزمور 110: 4).

2 «وَأَنَا أُرْسِلُ أَمَامَكَ مَلاَكاً، وَأَطْرُدُ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».

ص 32: 34 ص 34: 11 وتثنية 7: 32 ويشوع 24: 11

أُرْسِلُ أَمَامَكَ مَلاَكاً من الملائكة المخلوقين بدليل (التنكير) وقوله «لا أصعد في وسطك».

3 «إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً. فَإِنِّي لاَ أَصْعَدُ فِي وَسَطِكَ لأَنَّكَ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ، لِئَلاَّ أُفْنِيَكَ فِي ٱلطَّرِيق».

ص 3: 8 ع 14 و17 ص 32: 9 و34: 9 وتثنية 9: 6 و13 ص 23: 21 و32: 10 وعدد 16: 21 و45

أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً (انظر تفسير ص 3: 8).

لِئَلاَّ أُفْنِيَكَ (قابل بهذا ص 22: 10 ولاويين 10: 2 ومزمور 18: 21 و31 الخ) لأن الله نار آكلة (عبرانيين 12: 29) فمن يقترب من حضرته تعالى ولم يكن مقدساً يحترق. وكان الإسرائيليون يغيظون الله مراراً كثيرة في البرية ويجلبون على أنفسهم الهلاك ومن فرط رحمته إنهم إذا تابوا عفا عنهم.

4 «فَلَمَّا سَمِعَ ٱلشَّعْبُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ ٱلسُّوءَ نَاحُوا وَلَمْ يَضَعْ أَحَدٌ زِينَتَهُ عَلَيْهِ».

عدد 14: 1 و 39 و2صموئيل 19: 24 و1ملوك 21: 27 و2ملوك 19: 1 وعزرا 9: 3 وأستير 4: 1 وأيوب 1: 20 و2: 12 وإشعياء 32: 11 وحزقيال 24: 17 و23 و26: 16

فَلَمَّا سَمِعَ ٱلشَّعْبُ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ ٱلسُّوءَ نَاحُوا كان الإسرائيليون يشعرون أحياناً بالكلام السوء فيخافون. ومن الطبع أن الخطأة يخافون من القرب إلى الله (متّى 8: 34 ولوقا 5: 8) وعلى هذا ارتعدوا يوماً من قربه تعالى (ص 20: 18 و19). وهنا يرجّح أنهم كانوا يخافون القرب منه على أنهم لم يريدوا أن يترك الله هدايتهم وقيادتهم فإنهم كانوا يعرفون قيمة حضوره بينهم وخسرانهم بأن ينيب الملاك عن نفسه ولذلك لما أنبأهم موسى بقول الله في هذا الشأن ناحوا أي لم يقتصروا على أنهم حزنوا باطناً بل أظهروا الحزن الباطن بالنوح الظاهر.

وَلَمْ يَضَعْ أَحَدٌ زِينَتَهُ عَلَيْهِ كان من عادة الشرقيين رجالاً ونساءً أن يظهروا مسرّة قلوبهم بلبس ما لهم من نفيس الحلي والحلل ويحبون الزينة دائماً. قال هيرودوتس إن الفرس الذين صحبوا اكسرسيس إلى بلاد اليونان كانوا لابسين أطواقاً وإسورة. وقال اكسينوفون أن ذلك كان شأن الماديين أيضاً. وكان المصريون في زمن الخروج يلبسون القلائد والأطواق والدمالج والخلاخيل. وكان الأشوريون يلبسون الدمالج والإسورة والأقراط. فاعتزال هذه الحلى كان من أعظم صنوف إنكار النفس عند الشرقيين وأظهر أدلة الحزن ولهذا كانوا يعتزلون الزنية أيام المناحة والأسف لوقوع الرزايا (ولم يزل كثيرون منهم على ذلك إلى هذا اليوم).

5 «وَكَانَ ٱلرَّبُّ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ. إِنْ صَعِدْتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِكُمْ أَفْنَيْتُكُمْ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ ٱخْلَعْ زِينَتَكَ عَنْكَ فَأَعْلَمَ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ».

ع 3 عدد 16: 45 تكوين 18: 21 و22: 12 وتثنية 8: 2

قَالَ لِمُوسَى على أثر التوبة لا قبلها.

إِنْ صَعِدْتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِكُمْ أَفْنَيْتُكُمْ فعلم الشعب بهذا علة تنبيه الله و هي رحمته إياه فإنهم يهلكون إذا حضر بينهم ولم يكونوا قد تابوا ورجعوا إليه.

ٱخْلَعْ زِينَتَكَ عَنْكَ أي احزن على ما ارتكبت وتُب وحينئذ أعاملك بطريق لا تمكن تلك المعاملة بغيرها.

6 «فَنَزَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ زِينَتَهُمْ مِنْ جَبَلِ حُورِيبَ».

فَنَزَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ زِينَتَهُمْ أي حزنوا أو تابوا لأن اعتزال الزنيةآية الحزن والندم.

مِنْ جَبَلِ حُورِيبَ أي منذ معصيتهم عند حوريب أي طور سيناء.

نصب موسى خيمة اجتماع وقتية ع 7 إلى 11

كان على موسى أن يصنع خيمة الاجتماع على المثال الذي أراه إياه في سيناء ولكنه رأى الحاجة إلى بيت لله قد اشتدت وكان ذلك البيت للصلاة والشفاعة. وكان إنشاء الخيمة على ذلك المثال يشغل شهوراً فاكتفى حينئذ بأن جعل خيمة من الخيام العادية بيتاً للرب وسماها خيمة الاجتماع. والظاهر للمتأمل أن تلك الخيمة خيمته الخاصة التي كانت في وسط المحلة واختار لنفسه غيرها والله رضيَ ذلك ونزل بعمود السحاب عليها عند دخول موسى إليها.

7 «وَأَخَذَ مُوسَى ٱلْخَيْمَةَ وَنَصَبَهَا لَهُ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ بَعِيداً عَنِ ٱلْمَحَلَّةِ، وَدَعَاهَا «خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ». فَكَانَ كُلُّ مَنْ يَطْلُبُ ٱلرَّبَّ يَخْرُجُ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ ٱلَّتِي خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ».

ع 3 ص 29: 42 و43 تثنية 4: 29 و2صموئيل 21: 1

أَخَذَ مُوسَى ٱلْخَيْمَةَ الأَولى أن يترجم الأصل العبراني بقوله «أخذ موسى خيمته» لأن أداة التعريف في العبرانية تنوب عن الضمير كما في اليونانية (والعربية).

نَصَبَهَا لَهُ أي لنفسه والمعنى أنه أقامها لخدمة خاصة.

خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ (انظر تفسير ص 25: 22).

كُلُّ مَنْ... يَخْرُجُ إِلَى خَيْمَةِ مع أن موسى نصب تلك الخيمة لنفسه كان يأذن لكل من الشعب أن يستعملها لنفسه.

8 «وَكَانَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ إِذَا خَرَجَ مُوسَى إِلَى ٱلْخَيْمَةِ يَقُومُونَ وَيَقِفُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ وَيَنْظُرُونَ وَرَاءَ مُوسَى حَتَّى يَدْخُلَ ٱلْخَيْمَةَ».

ع 16: 27

إِذَا خَرَجَ مُوسَى إِلَى ٱلْخَيْمَةِ يَقُومُونَ احتراماً وإكراماً (قابل بهذا أستير 5: 9).

9، 10 «9 وَكَانَ عَمُودُ ٱلسَّحَابِ إِذَا دَخَلَ مُوسَى ٱلْخَيْمَةَ يَنْزِلُ وَيَقِفُ عِنْدَ بَابِ ٱلْخَيْمَةِ. وَيَتَكَلَّمُ ٱلرَّبُّ مَعَ مُوسَى، 10 فَيَرَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ عَمُودَ ٱلسَّحَابِ وَاقِفاً عِنْدَ بَابِ ٱلْخَيْمَةِ. وَيَقُومُ كُلُّ ٱلشَّعْبِ وَيَسْجُدُونَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِ خَيْمَتِهِ».

ص 25: 22 و31: 18 ومزمور 99: 7 ص 4: 31

عَمُودُ ٱلسَّحَابِ... يَنْزِلُ كان منزل عمود السحاب مدة إقامة الشعب بحضيض سيناء قنة الجبل (ص 19: 16 و20 و20: 21 و24: 15 - 18 و34: 5). وكان في هذا الوقت الخيمة الوقتية وكان ينزل عليها كلما دخلها موسى ويرتفع عنها متى خرج موسى منها.

يَتَكَلَّمُ ٱلرَّبُّ مَعَ مُوسَى من وسط السحاب.

11 «وَيُكَلِّمُ ٱلرَّبُّ مُوسَى وَجْهاً لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ ٱلرَّجُلُ صَاحِبَهُ. وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى ٱلْمَحَلَّةِ كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ ٱلْغُلاَمُ، لاَ يَبْرَحُ مِنْ دَاخِلِ ٱلْخَيْمَةِ».

تكوين 32: 30 وعدد 12: 8 وتثنية 34: 10 ص 24: 13

وَجْهاً لِوَجْهٍ (قابل بهذا عدد 12: 8). كان هذا التكلم مما امتاز به موسى ولا نعلم كيف كان. ولا ريب في أن الكلام كان على غاية القرب بدون واسطة مخلوق وهذا ما يدل عليه قوله وجهاً لوجه. وكان مثل هذا لبعض الأنبياء المتأخرين كإشيعاء (إشعياء 6: 1 - 5) وحزقيال (حزقيال 1: 28) على ما يرجّح.

خَادِمُهُ يَشُوعُ (ص 24: 13).

تجديد الوعد لموسى بأن الله يصعد معه ع 12 إلى 17

تواضع الشعب سكّن غضب الله (ع 4 إلى 6) كان راضياً بأن يتضرع إليه وكرر موسى حينئذ تضرعه وجدّده وسأله أن يعفو عن الشعب ويحضر فيه لأنه شعبه وأن يكون هو معهم بدلاً من الملاك. وكان موسى حينئذ يخاطب الله كما يخاطب الإنسان صديقه (ع 11) وتجاسر على إيضاح مبتغاه وألح حتى أدركه (ع 17).

12 «وَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: ٱنْظُرْ! أَنْتَ قَائِلٌ لِي أَصْعِدْ هٰذَا ٱلشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِٱسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضاً نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ».

ص 32: 34 تكوين 18: 19 وع 17 ومزمور 1: 6 وإرميا 1: 5 ويوحنا 10: 14 و15 و2تيموثاوس 2: 19

لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي كان لموسى الوعد في (ص 32: 34 وص 33) والتبس عليه المقصود بالملاك فما عرف الملاك الذي ذُكر في (ص 23: 20 - 23) هو أم ملاك آخر.

عَرَفْتُكَ بِٱسْمِكَ أعلن الله ذلك لموسى حين دعاه من العليقة الملتهبة (ص 3: 4) والمرجّح أنه أعلن ذلك أيضاً حين دعاه من السحاب (ص 24: 16). لكن هذه العبارة لم تُذكر في ما سبق ولا ريب في أنها إعلان امتياز عظيم لموسى (انظر تفسير ص 31: 2).

13 «فَٱلآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَٱنْظُرْ أَنَّ هٰذِهِ ٱلأُمَّةَ شَعْبُكَ».

ص 34: 9 مزمور 25: 4 و27: 11 و86: 11 و119: 33 تثنية 9: 26 و29 ويوئيل 2: 17

فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ أي أعلن لي قصدك وأسلوب إجرائه. أين لي هل تعرض عني وعن شعبك وتقيم نائباً عنك أحد مخلوقاتك.

َ ٱنْظُرْ أَنَّ هٰذِهِ ٱلأُمَّةَ شَعْبُكَ التفت موسى هنا إلى كلام الله في (ص 32: 7) وذكر أن إسرائيل شعب الله لا شعبه هو أي أنه شعب الله حقيقة وشعب موسى مجازاً وإنه تعالى صرّح بذلك (ص 3: 7 و10 و5: 1 و6: 7 و7: 4 الخ).

14 «فَقَالَ: وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ».

2صموئيل 17: 11 ومزمور 31: 20 و42: 5 و89: 15 وإشعياء 63: 9 تثنية 3: 20 ويشوع 21: 44 و22: 4 و23: 1 ومزمور 95: 11

وَجْهِي يَسِيرُ لم يذكر مع من يسير فلم يتبين أيسير مع موسى وحده أم مع الشعب كله ولذلك طلب الإيضاح أي سأل أيسير الله معه وحده أم مع الشعب كله كما وعد سابقاً.

15، 16 «15 فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ هٰهُنَا، 16 فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ».

ع 3 وص 34: 9 عدد 14: 14 ص 34: 10 وتثنية 4: 7 و34 و2صموئيل 7: 23 و1ملوك 8: 53 ومزمور 147: 20

هاتان الآيتان طلب الإيضاح الكافي.

17 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: هٰذَا ٱلأَمْرُ أَيْضاً ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِٱسْمِكَ».

تكوين 19: 21 ويعقوب 5: 16 ع 12

ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ رفع الله بهذا ما كان من الالتباس فأنعم على موسى بمبتغاه ورضي عن شعبه. فصعد مع الإسرائيليين وميّزهم من كل الأمم التي على وجه الأرض.

طلب موسى أن يرى مجد الله وإجابة الله إياه ع 18 إلى 23

لما حصل موسى على تحقق وعد الله أن يرد الشعب إلى كرامته السابقة وحصل على أن يخاطب الله وجهاً لوجه كما يخاطب الرجل صاحبه رغب في أن ينال بركة روحية فسأل الله أن يريه مجده فكأن كل ما رآه من بركات الله لم يره كافياً لرغبته في الروحيات فسأله ما لم يُنل إلا في العالم الآخر. فلم يسمح الله لموسى بكل سؤله لأنه مما لا يمكن الإنسان وهو في الجسد ويحيا. والله لم يره أحد قط (يوحنا 1: 18) لكن سمح له بكل ما يمكن فأجاز كل جودته قدامه. وأعلن له اسمه جديداً (ص 34: 76 و7). وأراه جزءاً من ذلك المجد ما لم يره أحد ممن بعده من الناس ولن يراه أحد إلى نهاية كل شيء (ع 22 و23).

18، 19 «18 فَقَالَ: أَرِنِي مَجْدَكَ. 19 فَقَالَ: أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَأَّفُ عَلَى مَنْ أَتَرَأَّفُ وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ».

ع 20 و1تيموثاوس 6: 16 ص 34: 5 إلى 7 و إرميا 31: 12 وهوشع 3: 5 وزكريا 9: 17 رومية 9: 15 و16 و18

أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ لم يتضح كيف تم هذا والمرجّح أنه حين أظهر له الله اسمه بقوله «ٱلرَّبُّ ٱلرَّبُّ إِلٰهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ الخ» (ص 34: 6 و7) أعلن له جودته بما شعر به في نفسه بغتة من تلك الصفات على نوع عجيب كأنه مرّ أمام عينيه.

أَتَرَأَّفُ عَلَى مَنْ أَتَرَأَّفُ أي أحسن إلى من أحسن وإن لم يكن مستحقاً الإحسان على سبيل الأجرة والمعنى أن إحسانه ورأفته ورحمته من هباته.

20 «وَقَالَ: لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ».

تكوين 32: 30 وص 34: 11 وتثنية 5: 24 وقضاة 6: 22 و23 و13: 22 وإشعياء 6: 5 ورؤيا 1: 17

ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ ما دام في الجسد البشري الخاطئ.

21 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى ٱلصَّخْرَةِ».

عِنْدِي مَكَانٌ كان هذا المكان على قنة طور سيناء.

22 «وَيَكُونُ مَتَى ٱجْتَازَ مَجْدِي أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ ٱلصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ».

إشعياء 2: 21 مزمور 91: 1 و4

أَسْتُرُكَ بِيَدِي لما كان الإنسان قاصراً عن مدركات السماويات ولغته قاصرة عن التعبير عنها أُشير إليها بالاستعارات المادية. والذي نعلمه من هذه الآية أن الله وقى موسى من الهلاك بطريق عجيبة كما يوقى المرء من الضرر بيد قدير تدفع عنه وأنه تعالى لم يُره إلا لمحة من ضياء مجده وسنى بهائه هي أثر لذلك المجد الأعظم.

23 «ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي. وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى».

ع 20 ويوحنا 1: 18

فَتَنْظُرُ وَرَائِي أي أثر مجدي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

الاستعداد لتجديد العهد ع 1 إلى 4

كان قبل إثبات العهد ووضع بني إسرائيل في حال الوقاية من العبادة الوثنية والسجود للعجل الذهبي من الضرورة أن يجدد الله عهده لهم. فإن موسى سأل الله رد الشعب إلى كرامته لكنه لم يتكلم على شيء من الشروط لأنه كان الله أن يضعها أو يفرضها. وأول تلك الشروط حفظ الشريعة الأدبية ولذلك أمره بأن ينحت لوحين من الحجر فبذلك وضع لهم تلك الشريعة ثانية وأبانها تمام البيان (ع 1) لما اقتضته أحوالهم. وحذرهم من كل ما يؤدي إلى تعدي الشريعة الأدبية ببعض السنن الرسمية (المعروفة عند الأكثرين بالطقسية) (ع 12 - 16) وإلا لم يمكن أن يرجعوا إلى كرامتهم. ولهذا عينه دعا الله موسى أن يصعد إلى سيناء أيضاً فيجدد له نص الشريعة وأمره بأن يأخذ إلى هنالك اللوحين الجديدين ليكتب الله عليهما ما كانت إصبع الله قد كتبته على اللوحين الأولين اللذين كسرهما موسى عند غيظه من مشاهدة الإسرائيليين يعبدون العجل.

1 «ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱنْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ ٱلأَوَّلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ ٱلأَوَّلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا».

ص 32: 16 و19 وتثنية 10: 1 ع 28 وتثنية 10: 2 و4

ٱنْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ بعض الأشياء يفقد بالخطيئة ولو غُفرت. فإن اللوحين كانا «صنعة الله» وأما اللوحان الآخران فكانا صنعة يد موسى.

مِنْ حَجَرٍ هذا لم يُقل في اللوحين الأولين ولم يذكر طريق صنع الله لهما.

مِثْلَ ٱلأَوَّلَيْنِ هذا يدل على أن الأولين كانا من حجر.

فَأَكْتُبَ أَنَا هذا دليل على أن إصبع الله كتبت اللوحين الآخرين كما كتبت الأولين فلم يجسر الإسرائيليون بهذا إلا صنع الله لهذين اللوحين كما صنع اللوحين الأولين (قابل بهذا تثنية 4: 13 و10: 2 و4). ومن جلي الأمور أنه كتب على هذين ما كتب على ذينك.

2 «وَكُنْ مُسْتَعِدّاً لِلصَّبَاحِ. وَٱصْعَدْ فِي ٱلصَّبَاحِ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَقِفْ عِنْدِي هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ ٱلْجَبَلِ».

ص 19: 20 و24: 12

كُنْ مُسْتَعِدّاً لِلصَّبَاحِ كان من الضروري أن يشغل وقتاً بنحت اللوحين.

رَأْسِ ٱلْجَبَلِ أي المكان الأول نفسه (قابل هذا بما في ص 19: 20 و24: 12 و18).

3، 4 «3 وَلاَ يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ، وَأَيْضاً لاَ يُرَ أَحَدٌ فِي كُلِّ ٱلْجَبَلِ. ٱلْغَنَمُ أَيْضاً وَٱلْبَقَرُ لاَ تَرْعَ إِلَى جِهَةِ ذٰلِكَ ٱلْجَبَلِ. 4 فَنَحَتَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَٱلأَوَّلَيْنِ. وَبَكَّرَ مُوسَى فِي ٱلصَّبَاحِ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ كَمَا أَمَرَهُ ٱلرَّبُّ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ لَوْحَيِ ٱلْحَجَرِ».

ص 19: 12 و13 و21

لاَ يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ هذه الوصية جديدة فإنه في ما سبق صعد معه هارون وحور والشيوخ (ص 24: 9 - 11) ورافقه يشوع إلى قنة الجبل تقريباً (ص 24: 13). وانتظره في بعض المواضع هنالك كل مدة إقامته (ص 32: 17). فموسى هنا صعد وحده ولم يكن سواه في كل تلك المواضع. وكان هذا مقروناً بالوعد أن يريه مجده (ص 23: 21 - 23).

سماح الله لموسى أن يرى مجده ع 5 إلى 8

كان لصعود موسى رأس الجبل غايتان:

  1. تعويض الخسارة من كسر اللوحين الأولين.

  2. رؤيا مجد الله حسب الوعد. وكان هذا مقروناً بوعد إعلان الله له اسمه على ما في (ع 6 و7) وإظهار مجده له على ما في (ع 5). ولم يذكر الكتاب أسلوب إعلان مجده أو معنى مرور مجده قدامه (قابل بهذا تفسير ص 33: 19).

5 «فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلسَّحَابِ، فَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ وَنَادَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ».

فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ فِي ٱلسَّحَابِ حين كان موسى يفرغ من خطاب الله ويخرج من خيمة الاجتماع كان السحاب يرتفع عن باب الخيمة يظهر أنه زال ولما بلغ موسى رأس الجبل ظهر السحاب ونزل إليه.

نَادَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ (قابل بهذا ص 33: 19). أي نادى الرب باسمه أي بصفاته التي أعلم بها موسى جديداً على ما سترى في (ع 6 و7).

6، 7 «6 فَٱجْتَازَ ٱلرَّبُّ قُدَّامَهُ. وَنَادَى ٱلرَّبُّ: ٱلرَّبُّ إِلٰهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ. 7 حَافِظُ ٱلإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ ٱلإِثْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ وَٱلْخَطِيَّةِ. وَلٰكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ وَفِي أَبْنَاءِ ٱلأَبْنَاءِ، فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ».

ص 33: 19 وعدد 14: 17 و18 و2أيام 30: 9 ونحميا 9: 17 ومزمور 86: 15 و103: 8 و111: 4 و112: 4 و116: 5 و145: 8 ويوئيل 2: 13 مزمور 57: 10 و108: 4 ص 20: 6 وتثنية 5: 10 ومزمور 31: 19 و86: 15 وإرميا 32: 18 ودانيال 9: 4 ورومية 2: 4 مزمور 103: 3 و4 ودانيال 9: 9 وأفسس 4: 32 و1يوحنا 1: 9 ص 23: 7 و21 ويشوع 24: 19 وأيوب 10: 14 وميخا 6: 11 وناحوم 1: 3

فَٱجْتَازَ ٱلرَّبُّ قُدَّامَهُ هذه العبارة تاريخ مختصر لإظهار الله مجده لموسى وتفصيله في كلمات الموعد (ص 33: 21 - 23). نعم إن ذلك التفصيل مختصر أيضاً ولكن فيه زيادة على ما هنا. وكان موسى تغطيه يد الله وهو في شق صخرة حين اجتاز مجد الرب قدامه. وما كان يسمح له أن يرى من مخبإه إلا أثر مجد الله المجتاز قدامه. على أن ذلك الأثر كان كافياً لأن يجعل بهاء وجهه مما لا يستطيع الإسرائيليون أن يروه بلا برقع (ع 29 - 35).

ٱلرَّبُّ ٱلرَّبُّ إِلٰهٌ هذا الاسم الجديد ليس بالاسم العلم كما يتبادر إلى الذهن بل وصف الله بعدة صفات متوالية. فإنه تعالى أعلن لموسى من العليقة الملتهبة أنه أبدي واجب الوجود. وفي نزوله على سيناء أبان له وللشعب أنه مرهوب جداً. وفي صفحه عن شعبه الإسرائيليين ومع هذا كله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء (انظر ص 20: 5 والتفسير).

8 «فَأَسْرَعَ مُوسَى وَخَرَّ إِلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ».

ص 14: 31

سَجَدَ عندما رأى موسى أثر مجد الرب سجد له عبادة ورهبة حتى أنه لم يجسر أن يرفع رأسه حتى اجتاز به مجد الرب.

9 «وَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ فَلْيَسِرِ ٱلسَّيِّدُ فِي وَسَطِنَا، فَإِنَّهُ شَعْبٌ صُلْبُ ٱلرَّقَبَةِ. وَٱغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكاً».

ص 33: 15 ص 33: 3 تثنية 32: 9 ومزمور 28: 9 و33: 12 و78: 62 و94: 14 وإرميا 10: 16 وزكريا 2: 12

إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ والأرجح أن يترجم الأصل بقوله «لأني وجدت الخ» إكرام الله لموسى هنا جرّأه على أن يسأل شيئاً جديداً في شأن شعبه. فإن الله وعد بأن يصعد في وسط شعبه الإسرائيليين فزاد موسى على ذلك أن سأله تعالى أن يغفر ما سوف يرتكبونه من الآثام في الطريق لجهلهم وقسوتهم وعنادهم وأن يجعلهم ملكه وميراثه فالله لم يجبه على ذلك رأساً بل بما يُعرف من الآثام الناشئة عنهم لما تمكن بهم من العادات والخصال المذمومة وهو أنه وعد بأن يجدد عهده لهم (ع 10 و27).

10 «فَقَالَ: هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْداً. قُدَّامَ جَمِيعِ شَعْبِكَ أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ ٱلأُمَمِ، فَيَرَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ ٱلرَّبِّ. إِنَّ ٱلَّذِي أَنَا فَاعِلُهُ مَعَكَ رَهِيبٌ».

تثنية 5: 2 و29: 12 و14 وتثنية 4: 32 و34 و2صموئيل 7: 23 ومزمور 77: 14 و78: 12 و147: 20 تثنية 10: 21 ومزمور 145: 6 وإشعياء 64: 3

قَاطِعٌ عَهْداً أي مجدد لهم العهد فاذهب معهم وأطرد الأمم من قدامهم (ع 11) وأصنع معجزات غريبة (ع 10) وأوسع ميراثهم (ع 24) وأمنعه من الأمم بشرط أن يحفظوا كتاب العهد.

عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ كجعل الأردن ينشف (يشوع 3: 16 و17). وإهلاك جيوش الملوك الخمسة بالبرد (يشوع 10: 11) وهدم أسوار أريحا (يشوع 6: 20) وغير ذلك.

رَهِيبٌ (قابل بهذا تثنية 10: 21 ومزمور 106: 22 و114: 6) إن الله رهبه أعداء شعبه.

11 «اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ ٱلْيَوْمَ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ ٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».

تثنية 5: 32 و6: 3 و25 و12: 28 و28: 1 ص 33: 2

ٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْكَنْعَانِيِّينَ الخ هنا ست أمم ذُكرت أيضاً في (ص 3: 8 و17 وص 23: 23 وص 33: 2 وتثنية 7: 1 ويشوع 3: 10 و24: 11) وزيد في الموضع الآخر الجرجاشيون فصار بهم عدد أمم الأرض المقدسة سبعة.

12 «اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْداً مَعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَصِيرُوا فَخّاً فِي وَسَطِكَ».

ص 23: 32 وثتنية 7: 2 وقضاة 2: 2 ص 23: 33

ما في هذه الآية وما بعدها إلى الآية السادسة عشرة بسط لما في (ص 23: 24 و25 و32 و33).

فَخّاً بُيّن معنى هذا الفخ في (ع 15 و16) قابل بذلك ص 23: 33).

13 «بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ».

ص 23: 24 وتثنية 12: 3 وقضاة 2: 2 ص 23: 24 وتثنية 7: 5 و12: 2 وقضاة 6: 25 و2ملوك 18: 4 و23: 14 و2أيام 31: 1 و34: 3 و4

تَهْدِمُونَ الخ جاء في «كتاب العهد» ما نصه «تكسر أنصابهم» (ص 23: 24) وزاد هنا لما كان منهم من عبادة العجل أن يهدموا «مذابحهم» وأن يقطعوا «سواريهم». وكانت المذابح كثيرة عند الأمم الوثنية كلها وكثيراً ما كانت تتصل بالهياكل (1ملوك 16: 32 و2ملوك 21: 4 و5). وكانت أحياناً منفصلة عنها (عدد 23: 1 و29 و2ملوك 16: 10 و11). وكانوا يتخذونها للغاية التي يتخذها العبرانيون لها أي للذبائح الدموية وغير الدموية ولإيقاد البخور. وأما السواري فهنا أول مواضع ذكرها في الكتاب المقدس وكانت عند بعض الأمم كالأشوريين والبابليين والفينيقيين والسوريين وقليلين ممن سواهم. والظاهر أنها كانت من مصنوعات أيدي البشر وإنها مصنوعة من الخشب أو الحجارة أو من كليهما على هيئة النبات. والمرجّح أنهم أرادوا بها الرمز إلى أعمال القوى الطبيعية. (والسواري في العربية الأعمدة). والكلمة العبرانية التي فُسرت بالسواري «اشريو» ظن بعضهم أن هذه الكلمة عينها حُرّفت فصارت عشتروت (ومما يستحق التأمل هنا أن الله لم يأمر بهدم هياكل يومئذ هذا عينه دليل قاطع على أن سفر الخروج قديم جداً).

14 «فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلٰهٍ آخَرَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱسْمُهُ غَيُورٌ. إِلٰهٌ غَيُورٌ هُوَ».

ص 20: 3 و5 ص 20: 5

فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلٰهٍ آخَرَ أي أنك بهدمك مذابحهم وكسرك أنصابهم وقطعك سورايهم تزيل العثرات التي يمكن أن تؤدي بك إلى عبادة الأوثان.

ٱلرَّبَّ ٱسْمُهُ غَيُورٌ (قابل بهذا ص 20: 5 والتفسير). رأى كثيرون أن الغيرة لا تليق بالحقيقة الإلهية وطبيعة الله الأزلية. ودُفع قولهم بأن الله إله واحد وإذا كان الأزلي ليس إلا إلهاً واحداً فلا يرضى أن يُعبد معه سواه لأن كرامته لا يعطيها غيره وهذا هو المقصود بالغيرة هنا. وفوق ذلك أن تلك الغيرة نافعة للإنسان كثيراً ولولاها لترك الله الشعب يعبد الأوثان ويهبط إلى أدنى دركات الشقاء وأين رحمته وعنايته حينئذ.

15، 16 «15 اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْداً مَعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ، فَتُدْعَى وَتَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ، 16 وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ».

ع 12 تثنية 31: 16 وقضاة 2: 17 وإرميا 3: 9 وحزقيال 6: 9 عدد 25: 2 و1كورنثوس 10: 27 مزمور 106: 28 و1كورنثوس 8: 4 و7 و10 تثنية 7: 3 و1ملوك 11: 2 وعزرا 9: 2 ونحميا 13: 25 عدد 25: 1 و2 و1ملوك 11: 4

اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْداً مَعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ كان يُخشى على الإسرائيليين أن يخالطوا الوثنيين في ولائمهم ويتزوجون نساء منهم فيقدن أولادهن إلى عبادة الأصنام. وكفاك دليلاً على هذا الخطر ما جاء في نبإ سليمان (1ملوك 11: 1 - 8).

17 «لاَ تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ آلِهَةً مَسْبُوكَةً».

ص 32: 8 ولاويين 19: 4

آلِهَةً مَسْبُوكَةً لا يبعد أن الإسرائيليين يوم عبدوا العجل ظنوا أنهم لم يخالفوا الوصية الثانية لأنها تنهي عن عبادة الأوثان المنحوتة وهم عبدوا العجل مسبوكاً من الذهب فنهاهم الله عن اتخاذ المسبوكات آلهة.

18 «تَحْفَظُ عِيدَ ٱلْفَطِيرِ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيراً كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّكَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ».

ص 12: 15 و23: 15 ص 13: 4

تَحْفَظُ عِيدَ ٱلْفَطِيرِ (ص 12: 15 - 20 و13: 3 - 10 و23: 15).

أَبِيبَ (انظر تفسير ص 13: 4).

19 «لِي كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَكُلُّ مَا يُولَدُ ذَكَراً مِنْ مَوَاشِيكَ بِكْراً مِنْ ثَوْرٍ وَشَاةٍ».

ص 13: 2 و12 و22: 29 وعدد 18: 15 ولوقا 2: 23

لِي كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ أي بكر (ص 13: 12). والكلام على تقديس الأبكار وفدائهم في (ص 13: 12 وفي عدد 18: 15 و16) وهو مفصّل هناك.

20 «وَأَمَّا بِكْرُ ٱلْحِمَارِ فَتَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ تَكْسِرُ عُنُقَهُ. كُلُّ بِكْرٍ مِنْ بَنِيكَ تَفْدِيهِ، وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ».

ص 23: 15 وتثنية 16: 16 و1صموئيل 9: 7 و8 و2صموئيل 24: 24

بِكْرُ ٱلْحِمَارِ (انظر تفسير ص 13: 13).

21 «سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَتَسْتَرِيحُ فِيهِ. فِي ٱلْفِلاَحَةِ وَفِي ٱلْحَصَادِ تَسْتَرِيحُ».

ص 20: 9 و23: 12 و35: 2 وتثنية 5: 12 و13 ولوقا 13: 14

تكررت الوصية في حفظ السبت في هذا السفر وفي كثير من أسفار الكتاب المقدس وهي من أركان النظام الموسوي وقد تشعبت في كل أجزائه. فقد عهدناها (1) في جمع المن (2) ص 16: 22 - 30). و(2) في الوصايا العشر وذُكرت الرابعة منها (ص 20: 8 - 11). و(3) في كتاب العهد (ص 23: 12). و(4) في الكلام على بناء خيمة الاجتماع (ص 31: 13 - 17).

فِي ٱلْفِلاَحَةِ وَفِي ٱلْحَصَادِ أي في أيام الحرث والاستغلال وذكر هذين الوقتين لأن الناس يكونون فيها عرضة لتدنيس السبت لكثرة الحاجة إلى العمل.

22 «وَتَصْنَعُ لِنَفْسِكَ عِيدَ ٱلأَسَابِيعِ أَبْكَارِ حَصَادِ ٱلْحِنْطَةِ. وَعِيدَ ٱلْجَمْعِ فِي آخِرِ ٱلسَّنَةِ».

ص 23: 16 وتثنية 16: 10 و13

عِيدَ ٱلأَسَابِيعِ وسُمّي عيد الحصاد أيضاً (ص 23: 16)، وسُمّي في العهد الجديد يوم الخمسين وهو آخر سبعة أسابيع بعد اليوم الأول من أيام الفطير (انظر تفسير ص 23: 16). وكانت التقدمة الخاصة في هذا العيد «رَغِيفَيْنِ عُشْرَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ دَقِيقٍ، وَيُخْبَزَانِ خَمِيراً» (لاويين 23: 17) وكان ذلك الدقيق من باكورة حصاد الحنطة.

عِيدَ ٱلْجَمْعِ وسُمّي عيد المظال أيضاً (لاويين 23: 34 وتثنية 16: 13 و16: 31: 10 الخ). وكانوا مأمورين أن يسكنوا في تلك المظال سبعة أيام (لاويين 23: 42). (راجع تفسير ص 23: 16).

23، 24 «23 ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ، 24 فَإِنِّي أَطْرُدُ ٱلأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ وَأُوَسِّعُ تُخُومَكَ، وَلاَ يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي ٱلسَّنَةِ».

ص 33: 14 و17 وتثنية 16: 16 ص 33: 2 ولاويين 18: 24 وتثنية 7: 1 ومزمور 78: 55 و80: 8 تثنية 12: 20 و19: 8 تكوين 35: 5 و2أيام 17: 10 وأمثال 16: 7 وأعمال 18: 10

أُوَسِّعُ تُخُومَكَ زاد الله في الوعد لإسرائيل الأرض الموعود بها فإن الله وعد إبراهيم بأرض كنعان وحدها (تكوين 12: 5 - 7) ولكنه وعد بعد ذلك بأكثر منها وهي البلاد بين «نهر مصر» أي النيل «والنهر الكبير نهر الفرات» (تكوين 15: 18) ففي ذلك وعدان تما تمامين فالأول الاستيلاء على أرض كنعان وحدها والثاني اتساع المملكة في أيام داود وسليمان. فإن سليمان ملك كل الممالك التي من نهر الفرات إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر (1ملوك 4: 21). وصغرت المملكة ورجعت إلى عهدها الأول بعصيان يربعام و إنشاء مملكة إسرائيل. ثم أن منحنيم افتتح البلاد ثانية وجعل المملكة إلى نهر الفرات كما كانت (2ملوك 15: 16).

لاَ يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ أي لا يطمع أحد بالاستيلاء عليها بعنايته تعالى.

25 «لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي. وَلاَ تَبِتْ إِلَى ٱلْغَدِ ذَبِيحَةُ عِيدِ ٱلْفِصْحِ».

ص 23: 18 ص 12: 10

لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي أي لا تسفك بالذبح دم الذبيحة التي تقدم لي على خميم (قابل بهذا ص 23: 18 وانظر التفسير).

26 «أَوَّلُ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْياً بِلَبَنِ أُمِّهِ».

ص 23: 19 وتثنية 26: 2 و10 ص 23: 19 وتثنية 14: 21

أَوَّلُ أَبْكَارِ أَرْضِكَ (انظر ص 23: 19).

لاَ تَطْبُخْ جَدْياً بِلَبَنِ أُمِّهِ (انظر تفسير 23: 19).

27 «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱكْتُبْ لِنَفْسِكَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْداً مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ».

ص 24: 4 وتثنية 31: 9 ع 10 وتثنية 4: 13

ٱكْتُبْ لِنَفْسِكَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ اكتبها لنفع نسلك ونفع شعبك. وتكرار هذا الأمر في الكتاب دليل على شدّة أهميته (فإن هذه الشريعة كانت من أحسن نافعات الإسرائيليين) واجتهاد في تقريره وتمكينه في الأذهان.

حَسَبِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ أي الوصايا العشر وما أُلحق بها (ع 12 - 26) وما غيّر الملحق شيئاً من كتاب العهد بل ثبّته وقرّره وجدّده.

28 «وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزاً وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ ٱلْعَهْدِ، ٱلْكَلِمَاتِ ٱلْعَشَرَ».

ص 24: 18 وتثنية 9: 9 و18 ع 1 وص 31: 18 و32: 16 وتثنية 4: 13 و10: 2 و4

وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً كما كان في ما سبق من أمر كتابة الشريعة (ص 24: 18). وطول هذا الوقت يظهر في بادئ الأمر غريباً لأنه لم يكن موسى حينئذ يسمع تعاليم جديدة ولكن إذا تأملنا قليلاً وطالعنا سفر تثنية الاشتراع علمنا أنه كان هنالك ما يشغل وقتاً طويلاً من بسط موسى أمور إسرائيل أمام الله وسؤاله إياه أن يغفر لشعبه ويصرف غضبه ويرضى عنه (تثنية 9: 18 و19).

لَمْ يَأْكُلْ خُبْزاً وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً كان من موسى مثل هذا في ما سبق من أمر اللوحين الأولين (تثنية 9: 9) وإن لم يُذكر في سفر الخروج. ولم يُذكر أن أحداً أتى مثل هذا الصوم إلا موسى وإيليا (1ملوك 19: 8) وربنا يسوع المسيح (متّى 4: 2). ولا شك في أن كلا من الأصوام الثلاثة معجزة. وقد حاول بعض المحدثين إتيان مثل ذلك فما نجحوا وكانوا من الخادعين.

فَكَتَبَ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ استدل بعضهم من هذا أن موسى عينه هو الذي رسم الكلمات على هذين اللوحين لا الله ولكن لنا في ما سبق أن الله كتبها بإصبعه ويوفق بين القولين بأن الكتابة أُسندت إلى موسى مجازاً لأنه وهو كان الساعي فيها أو لأنها كانت بواسطته (انظر ص 34: 1 وتثنية 10: 2 و4) فاللوحان الآخران كتاب بإصبع الله كالأولين (ص 31: 18 و32: 16).

نزول موسى من طور سيناء باللوحين الآخرين

29 «وَلَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، وَلَوْحَا ٱلشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ، عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ ٱلْجَبَلِ، لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ مِنْ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ مَعَهُ».

ص 32: 15 متّى 17: 2 و2كورنثوس 3: 7 و13

جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ يظهر أن هذا اللمعان كان من منشآت الله الطبيعية كما يستفاد من كلام بولس على هذه الحادثة (2كورنثوس 3: 7 - 18). ورأى بعض المفسرين أن اللمعان المذكور هنا كان هو اللمعان الأصلي الذي خُلق عليه الإنسان وفقده بالمعصية (تكوين 1: 27) ولا يُرد هذا المجد إلى الإنسان إلا في وقت رد كل شيء لكن الله رده بعض الأحيان إلى بعض رجاله المقدسين إيماء إلى مجد القداسة الباطنة كما رده هنا إلى موسى ثم إلى إيليا على طور التجلي (لوقا 9: 31) وإلى القديس استفانوس وهو يُحاكم في مجمع اليهود (أعمال 6: 15). وكان هذا المجد بكل عظمته لربنا يسوع عند التجلي وصار له عند الصعود ولكنه لم يكن وقتياً كمجد الطور بل أبدياً (رؤيا 1: 6 و10: 1 و21: 23 و22: 5). والمرجّح أن ما وهبه الله لموسى يومئذ كان ضرورياً لتأييد سلطته على الشعب الإسرائيلي الذي كانت تؤثر فيه الآيات المادية أكثر من الآيات الروحية.

مِنْ كَلاَمِ ٱلرَّبِّ مَعَهُ أي مع الله فلمعان وجه موسى كان لأشعة منعكسة عليه من أشعة المجد الأبدي الذي شهد له موسى ولو من وراء البرقع (ص 33: 23 و34: 5 و6) ولم يكن قد سبق له أن يشاهد مثله.

30 «فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ، فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ».

فَخَافُوا لأنهم رأوا ذلك مما هو فوق الطبيعة وكل ما شأنه كذلك يخيف الإنسان. وقد خاف من مثله حزقيال (حزقيال 1: 18). والقديس يوحنا (رؤيا 1: 17).

31 - 35 «31 فَدَعَاهُمْ مُوسَى. فَرَجَعَ إِلَيْهِ هَارُونُ وَجَمِيعُ ٱلرُّؤَسَاءِ فِي ٱلْجَمَاعَةِ. فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى. 32 وَبَعْدَ ذٰلِكَ ٱقْتَرَبَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْصَاهُمْ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ. 33 وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنَ ٱلْكَلاَمِ مَعَهُمْ جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعاً. 34 وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ يَنْزِعُ ٱلْبُرْقُعَ حَتَّى يَخْرُجَ. ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا يُوصَى. 35 فَإِذَا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَجْهَ مُوسَى أَنَّ جِلْدَهُ يَلْمَعُ كَانَ مُوسَى يَرُدُّ ٱلْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَدْخُلَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ».

>ص 24: 3 2كورنثوس 3: 13 و2كورنثوس 3: 16

جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعاً ظل موسى يضع ذلك البرقع إلا في وقتين (1) وقت انفراده بالرب في خيمة الاجتماع الوقتية أو في خيمة الاجتماع الدائمة فإنه في هذا الوقت كان يرفع البرقع ويخاطب الله وجهاً لوجه. و(2) وقت إرسال الله إياه إلى بني إسرائيل بأوامره ومناهيه نائباً عنه فكان في هذا الوقت يبلغهم رسالة الله بوجه مكشوف ويريهم مجد وجهه ولكنه كان في غير هذا الوقت لا ينفك في مخاطبته إياهم مبرقعاً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

تكرار وصية السبت ع 1 إلى 3

إذ كان موسى على وشك الشروع في بناء خيمة الاجتماع وأمر الشعب بالاشتغال بذلك من إعداد المواد وعمل الأدوات وإقامة الخيمة رأى من الواجب أن يكرر عليهم وصية السبت لتقريرها في أذهانهم وحثهم على حفظها مع إضافة شيء من الأمور الخاصة والأساليب الجديدة لتقديس السبت. وكان هذا الوجوب مما أعلنه الله له قبل أن ينزل من طور سيناء (ص 31: 12 - 17). فكان لا بد له من أن ينبه الإسرائيليين عليه. والمرجح أن ما ذكره موسى هنا خلاصة فاقتصر على ما كان ضرورياً لحملهم على تقديس السبت واتخاذهم إياه علامة بين الله وبينهم باعتبار كونهم شعبه (ص 31: 17).

1 - 3 «1 وَجَمَعَ مُوسَى كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ: هٰذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَاتُ ٱلَّتِي أَمَرَ ٱلرَّبُّ أَنْ تُصْنَعَ. 2 سِتَّةَ أَيَّامٍ يُعْمَلُ عَمَلٌ. وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ يَكُونُ لَكُمْ سَبْتُ عُطْلَةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلاً يُقْتَلُ. 3 لاَ تُشْعِلُوا نَاراً فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ».

ص 34: 32 ص 20: 9 و31: 14 و15 ولاويين 23: 3 وعدد 15: 32 إلى 36 وتثنية 5: 12 و13 ولوقا 13: 14 ص 16: 23

هٰذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَاتُ الخ معظم الآية الثانية مكرر ما في (ص 31: 5) وأما الآية الثالثة فهي كلها جديدة. وكان إشغال النار في الأزمنة القديمة صعباً يشغل وقتاً طويلاً فإنهم كانوا يحصلون على النار بفرك بعض العيدان ببعض ولا يخفى ما في ذلك من العناء وشغل الوقت الطويل.

4 - 9 «4 وَقَالَ مُوسَى لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هٰذَا هُوَ ٱلشَّيْءُ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ قَائِلاً: 5 خُذُوا مِنْ عِنْدِكُمْ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ. كُلُّ مَنْ قَلْبُهُ سَمُوحٌ فَلْيَأْتِ بِتَقْدِمَةِ ٱلرَّبِّ: ذَهَباً وَفِضَّةً وَنُحَاساً، 6 وَأَسْمَانْجُونِيّاً وَأُرْجُوَاناً وَقِرْمِزاً وَبُوصاً، وَشَعْرَ مِعْزىً 7 وَجُلُودَ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةً وَجُلُودَ تُخَسٍ، وَخَشَبَ سَنْطٍ، 8 وَزَيْتاً لِلضَّوْءِ، وَأَطْيَاباً لِدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ، 9 وَحِجَارَةَ جَزْعٍ وَحِجَارَةَ تَرْصِيعٍ لِلرِّدَاءِ وَٱلصُّدْرَةِ».

ص 25: 1 و2 ص 25: 2 و1أيام 29: 5 و9 و14 وعزرا 3: 5 ونحميا 11: 2 ص 25: 6

هذه الآيات مثل ما في (ص 25: 1 - 7) والمواد فيها هنا على ترتيبها هناك وفي كل من الموضعين بيان أن التقدمات المقبولة هي ما كانت اختيارية والحامل عليها ميل القلب (ص 25: 2 و25: 5).

10 - 19 «10 وَكُلُّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ بَيْنَكُمْ فَلْيَأْتِ وَيَصْنَعْ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ. 11 ٱلْمَسْكَنَ وَخَيْمَتَهُ وَغِطَاءَهُ وَأَشِظَّتَهُ وَأَلْوَاحَهُ وَعَوَارِضَهُ وَأَعْمِدَتَهُ وَقَوَاعِدَهُ، 12 وَٱلتَّابُوتَ وَعَصَوَيْهِ، وَٱلْغِطَاءَ وَحِجَابَ ٱلسَّجْفِ، 13 وَٱلْمَائِدَةَ وَعَصَوَيْهَا وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَخُبْزَ ٱلْوُجُوهِ، 14 وَمَنَارَةَ ٱلضَّوْءِ وَآنِيَتَهَا وَسُرُجَهَا وَزَيْتَ ٱلضَّوْءِ، 15 وَمَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ وَعَصَوَيْهِ، وَدُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ وَٱلْبَخُورَ ٱلْعَطِرَ وَسَجْفَ ٱلْبَابِ لِمَدْخَلِ ٱلْمَسْكَنِ، 16 وَمَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَشُبَّاكَةَ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي لَهُ وَعَصَوَيْهِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا، 17 وَأَسْتَارَ ٱلدَّارِ وَأَعْمِدَتَهَا وَقَوَاعِدَهَا، وَسَجْفَ بَابِ ٱلدَّارِ، 18 وَأَوْتَادَ ٱلْمَسْكَنِ، وَأَوْتَادَ ٱلدَّارِ وَأَطْنَابَهَا، 19 وَٱلثِّيَابَ ٱلْمَنْسُوجَةَ لِلْخِدْمَةِ فِي ٱلْمَقْدِسِ، وَٱلثِّيَابَ ٱلْمُقَدَّسَةَ لِهَارُونَ ٱلْكَاهِنِ وَثِيَابَ بَنِيهِ لِلْكَهَانَةِ».

ص 31: 6 ص 26: 1 ص 25: 10 ص 25: 23 2 25: 30 ولاويين 24: 5 و6 ص 25: 31 ص 30: 1 ص 30: 23 ص 30: 34 ص 27: 1 ص 27: 9 ص 31: 10 و39: 1 و41 وعدد 4: 5 إلى 12

الطلب الأول في هذه الآيات من الجميع أي كان على كل إنسان أن يقدم شيئاً من مواد الخيمة. والطلب الثاني من بعضهم فقط وهم كل حكيم القلب فهؤلاء وحدهم طلب منهم أن يعملوا أدوات الخيمة ويركبونها والخلاصة أن يصنعوا «كل ما أمر به الرب» ومعنى «حكيم القلب» في تفسير (ص 28: 3) فارجع إليه إن شئت وهو يشتمل على كثيرين من المهرة في الأعمال على اختلاف أنواعها حتى النساء البائسات اللواتي «غَزَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ وَجِئْنَ مِنَ ٱلْغَزْلِ بِٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ وَٱلْبُوصِ» (ع 25) ولم يرتب موسى المواد هنا على ترتيب إعلانها له بل رتبها على مقتضى الطبع. فذكر الخيمة كلها أولاً ثم ذكر أجزاءها (ع 11). ثم ما يحتوي عليه قدس الأقداس (ع 12). وثم القدس (ع 13 - 15) ثم الدار (ع 16 - 18) ثم ثياب خدم الخيمة (ع 19) ومرّ الكلام على الخيمة وأجزائها في (ص 26: 1 - 37) وعلى التابوت والألواح والغفران في (ص 25: 10 - 15) والحجاب في (ص 26: 31) والمائدة والمنارة في (ص 25: 23 - 30) ومذبح البخور في (ص 30: 1 - 10) وزيت المسحة في (ص 30: 23 - 25) والبخور العطر في (ص 30: 34 و35) وسجف المدخل في (ص 26: 36) ومذبح المحرقة في (ص 27: 1 - 8) والمرحضة في (ص 30: 17 - 21) وسجوف الدار وأعمدتها ورززها وقضبانها الخ في (ص 27: 9 - 19) وثياب الخدمة في (ص 28: 2 - 41) ومعاني ثياب الخدمة في تفسير (ص 31: 10).

غيرة الشعب في التقدمات والمساعدة على العمل

20، 21 «20 فَخَرَجَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قُدَّامِ مُوسَى، 21 ثُمَّ جَاءَ كُلُّ مَنْ أَنْهَضَهُ قَلْبُهُ وَكُلُّ مَنْ سَمَّحَتْهُ رُوحُهُ، بِتَقْدِمَةِ ٱلرَّبِّ لِعَمَلِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَلِكُلِّ خِدْمَتِهَا وَلِلثِّيَابِ ٱلْمُقَدَّسَةِ».

ص 25: 2 وع 5 و22 و26 و29 و36: 2 و1أيام 28: 2 و9 و29: 9 وعزرا 7: 27 و2كورنثوس 8: 12 و9: 7

كُلُّ مَنْ أَنْهَضَهُ قَلْبُهُ من رجال ونساء (ع 22) وأغنياء وفقراء ورؤساء (ع 27) والماهرات في الغزل بأيديهن (ع 25). وأكثرهم أعطى باختياره ما فوق الطاقة (ع 22 و29) ولم يكفوا حتى مُنعوا (ص 36: 6 و7).

بِتَقْدِمَةِ ٱلرَّبِّ أي التقدمة للرب.

22 «وَجَاءَ ٱلرِّجَالُ مَعَ ٱلنِّسَاءِ كُلُّ سَمُوحِ ٱلْقَلْبِ بِخَزَائِمَ وَأَقْرَاطٍ وَخَوَاتِمَ وَقَلاَئِدِ، كُلِّ مَتَاعٍ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ تَقْدِمَةَ ذَهَبٍ لِلرَّبِّ».

1أيام 29: 8

جَاءَ ٱلرِّجَالُ مَعَ ٱلنِّسَاءِ... بِخَزَائِمَ وَأَقْرَاطٍ الخ كان الرجال يتحلون بذلك كالنساء (انظر تفسير ص 32: 2).

23 «وَكُلُّ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ أَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوانٌ وَقِرْمِزٌ وَبُوصٌ وَشَعْرُ مِعْزىً وَجُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ وَجُلُودُ تُخَسٍ، جَاءَ بِهَا».

جُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ أي مصبوغة بالصبغ الأحمر.

تُخَسٍ (انظر تفسير ص 25: 5).

24 «كُلُّ مَنْ قَدَّمَ تَقْدِمَةَ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ جَاءَ بِتَقْدِمَةِ ٱلرَّبِّ. وَكُلُّ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ خَشَبُ سَنْطٍ لِصَنْعَةٍ مَا مِنَ ٱلْعَمَلِ جَاءَ بِهِ».

تَقْدِمَةَ فِضَّةٍ كانت تقدمات الفضة كثيرة (ص 25: 3 و35: 5) ولكن يصعب علينا أن نعرف لأي شيء كانت كذلك أو ماذا صنعوها. وكل ما أُتي به من الفضة إلى القدس كانت أنصاف شواقل أدّاها الإسرائيليون حين عُدّوا (ص 38: 25 - 28). ولعل الفضة التي قدمت اختياراً ردت إلى مقدميها.

25 «وَكُلُّ ٱلنِّسَاءِ ٱلْحَكِيمَاتِ ٱلْقَلْبِ غَزَلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ وَجِئْنَ مِنَ ٱلْغَزْلِ بِٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ وَٱلْبُوصِ».

ص 28: 3 و31: 6 و36: 1 و2ملوك 23: 7 وأمثال 31: 19 و22 و24

وَكُلُّ ٱلنِّسَاءِ ٱلْحَكِيمَاتِ ٱلْقَلْبِ أي الماهرات. وكان اشتغال النساء العبرانيات بالغزل مما شاع وعمّ على ما يرجّح. وكانوا يغزلون بالدولاب والعرناس والمغزل المعروف. وكانت المغزولات للقدس الكتان وشعر المعزى. وكانوا يصبغون الكتان قبل أن يغزلوه كما كان يفعل اليونان على ما فُهم من أقوال أوميروس الشاعر اليوناني.

ٱلْبُوصِ الكتان النقي الأبيض. وكان كتان المصريين أبيض يضرب إلى الصفرة لأنهم لم يكونوا يحسنون تبييضه.

26 «وَكُلُّ ٱلنِّسَاءِ ٱللَّوَاتِي أَنْهَضَتْهُنَّ قُلُوبُهُنَّ بِٱلْحِكْمَةِ غَزَلْنَ شَعْرَ ٱلْمِعْزَى».

أي إن اللواتي غزلن شعر المعزى كن من الماهرات المجتهدات فإن غزل هذا الشعر صعب جداً بخلاف الكتان فلا يستطيعه إلا الماهرات جداً.

27 «وَٱلرُّؤَسَاءُ جَاءُوا بِحِجَارَةِ ٱلْجَزْعِ وَحِجَارَةِ ٱلتَّرْصِيعِ لِلرِّدَاءِ وَٱلصُّدْرَة».

1أيام 29: 6 وعزرا 2: 68

وَٱلرُّؤَسَاءُ جَاءُوا بِحِجَارَةِ ٱلْجَزْعِ وَحِجَارَةِ ٱلتَّرْصِيعِ المرجّح أن المقصود بالرؤساء هنا أمراء الشعب (عدد 1: 16 و3: 3 و5 الخ). والإنسان يحكم بالطبع أن الاثني عشر حجراً من الحجارة الكريمة التي وُضعت على الصدرة جاء بها رؤساء الأسباط الاثني عشر التي كانت أسماؤهم مكتوبة عليها (ص 28: 21). ولعل حجري الجزع اللذين كانا على كتفي الرداء وعلى كل أسماء ستة أسباط قدمهما اثنان من الشعب كانا يملكان كبار الحجارة الكريمة لأنهما كانا يجب أن يكونا كبيرين ليسع كل منهما ما عليه من الأسماء.

28، 29 «28 وَبِٱلطِّيبِ وَٱلزَّيْتِ لِلضَّوْءِ وَلِدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ. 29 بَنُو إِسْرَائِيلَ، جَمِيعُ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ ٱلَّذِينَ سَمَّحَتْهُمْ قُلُوبُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ لِكُلِّ ٱلْعَمَلِ ٱلَّذِي أَمَرَ ٱلرَّبُّ أَنْ يُصْنَعَ عَلَى يَدِ مُوسَى، جَاءُوا بِهِ تَبَرُّعاً إِلَى ٱلرَّبِّ».

ص 30: 23 ع 21 و2أيام 29: 9

بِٱلطِّيبِ (انظر ص 30: 23 و24 و34 والتفسير).

شروع بصلئيل وأهوليآب في العمل ع 30 إلى 35

هذه الآيات كالآيات في (ص 31: 1 - 6) مع إضافة قليل في (ع 34 و35).

30 - 34 «30 وَقَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ٱنْظُرُوا! قَدْ دَعَا ٱلرَّبُّ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بِٱسْمِهِ، 31 وَمَلأَهُ مِنْ رُوحِ ٱللّٰهِ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ وَٱلْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ، 32 وَلٱخْتِرَاعِ مُخْتَرَعَاتٍ، لِيَعْمَلَ فِي ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلنُّحَاسِ 33 وَنَقْشِ حِجَارَةٍ لِلتَّرْصِيعِ وَنِجَارَةِ ٱلْخَشَبِ، لِيَعْمَلَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ مِنَ ٱلْمُخْتَرَعَاتِ. 34 وَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُعَلِّمَ هُوَ وَأُهُولِيآبُ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ سِبْطِ دَانَ».

ص 31: 2 ص 31: 6

وَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُعَلِّمَ كان من الضروري أن يُقام اثنان قادران في المعرفة والمهارة يستطيعان أن يُعلما من يرأسانهم في العمل فأعد الله هذين الرجلين وأهلهما لذلك.

أُهُولِيآبُ كان أهوليآب تحت أمرة بصلئيل لكنه كان رئيس فرقة من العملة وهي جماعة النقاشين والموشين والطرازين (ص 38: 23) وكان يعلمهم كما يعلمه بصلئيل.

35 «قَدْ مَلأَهُمَا حِكْمَةَ قَلْبٍ لِيَصْنَعَا كُلَّ عَمَلِ ٱلنَّقَّاشِ وَٱلْحَائِكِ ٱلْحَاذِقِ وَٱلطَّرَّازِ فِي ٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ وَٱلْبُوصِ وَكُلَّ عَمَلِ ٱلنَّسَّاجِ. صَانِعِي كُلِّ صَنْعَةٍ وَمُخْتَرِعِي ٱلْمُخْتَرَعَاتِ».

ص 31: 3 و6 وع 31 و1ملوك 7: 14 و2أيام 2: 14 وإشعياء 28: 29

مَلأَهُمَا حِكْمَةَ قَلْبٍ (انظر تفسير ص 28: 3 وقابل به ص 31: 3).

ٱلنَّقَّاشِ يُراد به هنا الذي ينقش بالحفر الحجارة والخشب والمعادن.

36: 1 «فَيَعْمَلُ بَصَلْئِيلُ وَأُهُولِيآبُ وَكُلُّ إِنْسَانٍ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ قَدْ جَعَلَ فِيهِ ٱلرَّبُّ حِكْمَةً وَفَهْماً لِيَعْرِفَ أَنْ يَصْنَعَ صَنْعَةً مَا مِنْ عَمَلِ ٱلْمَقْدِسِ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ».

ص 28: 3 و31: 6 و35: 10 و35 ص 25: 8

كتبت هذه الآيات مع آيات (ص 35) لتعلقها بما قبلها والخلاصة أن موسى أقام بصلئيل وأهوليآب رئيس عملة الخيمة كما أمره الرب (ص 31: 2) لأن الله نفسه دعاهما وأهلهما لذلك بعنايته.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

الشروع في العمل وسخاء الشعب

2 «فَدَعَا مُوسَى بَصَلْئِيلَ وَأُهُولِيآبَ وَكُلَّ رَجُلٍ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ، قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ حِكْمَةً فِي قَلْبِهِ. كُلَّ مَنْ أَنْهَضَهُ قَلْبُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى ٱلْعَمَلِ لِيَصْنَعَهُ».

ص 35: 21 و26 و1أيام 29: 5

ذُكرت الآية الأولى في نهاية (ص 35).

فَدَعَا مُوسَى بَصَلْئِيلَ دعا موسى بصلئيل وأهوليآب والرؤساء المساعدين لهما إلى حضرته وأعطاهم ما قدمه الشعب وأنبأهم بكل ما قاله الرب له وما أراه إياه على الجبل مما يتعلق بأمر خيمة الاجتماع. فأخذوا الفضة والذهب والنحاس وخضب السنط ومغزولات شعر المعزى وجلود الكباش والحجارة الكريمة والزيت والطيب الخ.

3 - 5 «3 فَأَخَذُوا مِنْ قُدَّامِ مُوسَى كُلَّ ٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّتِي جَاءَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لِصَنْعَةِ عَمَلِ ٱلْمَقْدِسِ لِيَصْنَعُوهُ. وَهُمْ جَاءُوا إِلَيْهِ أَيْضاً بِشَيْءٍ تَبَرُّعاً كُلَّ صَبَاحٍ. 4 فَجَاءَ كُلُّ ٱلْحُكَمَاءِ ٱلصَّانِعِينَ كُلَّ عَمَلِ ٱلْمَقْدِسِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِهِ ٱلَّذِي هُمْ يَصْنَعُونَهُ. 5 وَقَالُوا لِمُوسَى: يَجِيءُ ٱلشَّعْبُ بِكَثِيرٍ فَوْقَ حَاجَةِ ٱلْعَمَلِ لِلصَّنْعَةِ ٱلَّتِي أَمَرَ ٱلرَّبُّ بِصُنْعِهَا».

ص 35: 27 و2كورنثوس 8: 2 و3

تَبَرُّعاً أي بدون أن يُندبوا أو يؤمروا، وظلوا يأتون بالتقدمات اختياراً صباحاً بعد صباح حتى بلغ المقدم أكثر مما يحتاج إليه. فكانوا كمن تبرعوا بالتقدمات التي جمعها داود للهيكل (1أيام 29: 6 - 9) ومن تبرعوا بمثل ذلك للهيكل الثاني بعد السبي في أيام زربابل (عزرا 2: 68 - 70 ونحميا 7: 70 - 72).

6، 7 «6 فَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يُنْفِذُوا صَوْتاً فِي ٱلْمَحَلَّةِ قَائِلِينَ: لاَ يَصْنَعْ رَجُلٌ أَوِ ٱمْرَأَةٌ عَمَلاً أَيْضاً لِتَقْدِمَةِ ٱلْمَقْدِسِ. فَٱمْتَنَعَ ٱلشَّعْبُ عَنِ ٱلْجَلَبِ. 7 وَٱلْمَوَادُّ كَانَتْ كِفَايَتَهُمْ لِكُلِّ ٱلْعَمَلِ لِيَصْنَعُوهُ وَأَكْثَرَ».

فَٱمْتَنَعَ ٱلشَّعْبُ عَنِ ٱلْجَلَبِ زاد تبرع الشعب حتى اضطر موسى أن ينهاه عن التقدمات فإنه زاد على الحاجة ما أتو به من المواد ولا سيما المغزولات (انظر ص 35: 25 و26). فانظر كيف كانت أريحية الإسرائيليين الذين كان لهم ظل الخيرات أفيكون المسيحيون الذين لهم الخيرات عينها أقل منهم أريحية ورغبة في ملكوت الله.

بناء الخيمة

8 - 13 «8 فَصَنَعُوا كُلُّ حَكِيمِ قَلْبٍ مِنْ صَانِعِي ٱلْعَمَلِ ٱلْمَسْكَنَ عَشَرَ شُقَقٍ. مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ بِكَرُوبِيمَ، صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ صَنَعَهَا. 9 طُولُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ ذِرَاعاً، وَعَرْضُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. قِيَاساً وَاحِداً لِجَمِيعِ ٱلشُّقَقِ. 10 وَوَصَلَ خَمْساً مِنَ ٱلشُّقَقِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. وَوَصَلَ خَمْساً مِنَ ٱلشُّقَقِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. 11 وَصَنَعَ عُرىً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ فِي ٱلطَّرَفِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلْوَاحِدِ. كَذٰلِكَ صَنَعَ فِي حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلطَّرَفِيَّةِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلثَّانِي. 12 خَمْسِينَ عُرْوَةً صَنَعَ فِي ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ، وَخَمْسِينَ عُرْوَةً صَنَعَ فِي طَرَفِ ٱلشُّقَّةِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمُوَصَّلِ ٱلثَّانِي. مُقَابِلَةً كَانَتِ ٱلْعُرَى بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. 13 وَصَنَعَ خَمْسِينَ شِظَاظاً مِنْ ذَهَبٍ، وَوَصَلَ ٱلشُّقَّتَيْنِ بَعْضَهُمَا بِبَعْضٍ بِٱلأَشِظَّةِ، فَصَارَ ٱلْمَسْكَنُ وَاحِداً».

ص 26: 1 ص 26: 5

هذه الآيات كالآيات التي في (ص 26: 1 - 6) ولا تفرق عنها إلّا في زمن الفعل وهي تتعلق بصنع الغطاء الداخل.

14 - 18 «14 وَصَنَعَ شُقَقاً مِنْ شَعْرِ مِعْزىً خَيْمَةً فَوْقَ ٱلْمَسْكَنِ. إِحْدَى عَشَرَةَ شُقَّةً صَنَعَهَا. 15 طُولُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلاَثُونَ ذِرَاعاً، وَعَرْضُ ٱلشُّقَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. قِيَاساً وَاحِداً لِلإِحْدَى عَشَرَةَ شُقَّةً. 16 وَوَصَلَ خَمْساً مِنَ ٱلشُّقَقِ وَحْدَهَا، وَسِتّاً مِنَ ٱلشُّقَقِ وَحْدَهَا. 17 وَصَنَعَ خَمْسِينَ عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلطَّرَفِيَّةِ مِنَ ٱلْمُوَصَّلِ ٱلْوَاحِدِ. وَصَنَعَ خَمْسِينَ عُرْوَةً عَلَى حَاشِيَةِ ٱلشُّقَّةِ ٱلْمُوَصَّلَةِ ٱلثَّانِيَةِ. 18 وَصَنَعَ خَمْسِينَ شِظَاظاً مِنْ نُحَاسٍ لِيَصِلَ ٱلْخَيْمَةَ لِتَصِيرَ وَاحِدَةً».

ص 26: 7

هذه الآيات تتعلق بعمل الغطاء الخارج وهي تقرب مما في (ص 26: 7 - 11).

19 «وَصَنَعَ غِطَاءً لِلْخَيْمَةِ مِنْ جُلُودِ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةً، وَغِطَاءً مِنْ جُلُودِ تُخَسٍ مِنْ فَوْقُ».

ص 26: 14

هذه الآية على وفق ما في (ص 26: 14) وتتعلق بصنع الغطائين الخارجين.

20 - 34 «20 وَصَنَعَ ٱلأَلْوَاحَ لِلْمَسْكَنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ قَائِمَةً، 21 طُولُ ٱللَّوْحِ عَشَرُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. 22 وَلِلَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ رِجْلاَنِ مَقْرُونَةٌ إِحْدَاهُمَا بِٱلأُخْرَى. هٰكَذَا صَنَعَ لِجَمِيعِ أَلْوَاحِ ٱلْمَسْكَنِ. 23 وَصَنَعَ ٱلأَلْوَاحَ لِلْمَسْكَنِ عِشْرِينَ لَوْحاً إِلَى جِهَةِ ٱلْجَنُوبِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ. 24 وَصَنَعَ أَرْبَعِينَ قَاعِدَةً مِنْ فِضَّةٍ تَحْتَ ٱلْعِشْرِينَ لَوْحاً، تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ لِرِجْلَيْهِ، وَتَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ لِرِجْلَيْهِ. 25 وَلِجَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلثَّانِي إِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ صَنَعَ عِشْرِينَ لَوْحاً، 26 وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً لَهَا مِنْ فِضَّةٍ. تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ، وَتَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ قَاعِدَتَانِ. 27 وَلِمُؤَخَّرِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ صَنَعَ سِتَّةَ أَلْوَاحٍ. 28 وَصَنَعَ لَوْحَيْنِ لِزَاوِيَتَيِ ٱلْمَسْكَنِ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ. 29 وَكَانَا مُزْدَوِجَيْنِ مِنْ أَسْفَلُ. وَعَلَى سَوَاءٍ كَانَا مُزْدَوِجَيْنِ إِلَى رَأْسِهِ إِلَى ٱلْحَلْقَةِ ٱلْوَاحِدَةِ. هٰكَذَا صَنَعَ لِكِلْتَيْهِمَا، لِكِلْتَا ٱلزَّاوِيَتَيْنِ. 30 فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ أَلْوَاحٍ وَقَوَاعِدُهَا مِنْ فِضَّةٍ سِتَّ عَشَرَةَ قَاعِدَةً. قَاعِدَتَيْنِ قَاعِدَتَيْنِ تَحْتَ ٱللَّوْحِ ٱلْوَاحِدِ. 31 وَصَنَعَ عَوَارِضَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، خَمْساً لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلْوَاحِدِ، 32 وَخَمْسَ عَوَارِضَ لأَلْوَاحِ جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ ٱلثَّانِي، وَخَمْسَ عَوَارِضَ لأَلْوَاحِ ٱلْمَسْكَنِ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ. 33 وَصَنَعَ ٱلْعَارِضَةَ ٱلْوُسْطَى لِتَنْفُذَ فِي وَسَطِ ٱلأَلْوَاحِ مِنَ ٱلطَّرَفِ إِلَى ٱلطَّرَفِ. 34 وَغَشَّى ٱلأَلْوَاحَ بِذَهَبٍ. وَصَنَعَ حَلَقَاتِهَا مِنْ ذَهَبٍ بُيُوتاً لِلْعَوَارِضِ، وَغَشَّى ٱلْعَوَارِضَ بِذَهَبٍ».

ص 26: 15 ص 26: 26

أُتبع في هذه الآيات العمل على الترتيب في (ص 26 وع 20 - 34 هنا على وفق ع 15 - 29 من ص 26 قابل ع 32 يعقوب 27 من ص 26 وراجع التفسير).

35، 36 «35 وَصَنَعَ ٱلْحِجَابَ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِقٍ صَنَعَهُ بِكَرُوبِيمَ. 36 وَصَنَعَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ، وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. وَسَبَكَ لَهَا أَرْبَعَ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ».

ص 26: 31

لم يزل العمل في هاتين الآيتين على الترتيب في (ص 26) وهما على وفق (ع 31 و32 من ص 26).

37، 38 «37 وَصَنَعَ سَجْفاً لِمَدْخَلِ ٱلْخَيْمَةِ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ. 38 وَأَعْمِدَتَهُ خَمْسَةً وَرُزَزَهَا. وَغَشَّى رُؤُوسَهَا وَقُضْبَانَهَا بِذَهَبٍ. وَقَوَاعِدَهَا خَمْساً مِنْ نُحَاسٍ».

ص 26: 36

معظم ما في هاتين الآيتين مثل (ع 36 و37 من ص 26) وزيد فيهما أن القضبان كانت مغشاة بالذهب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

الآية الأولى من هذا الأصحاح وما بعدها إلى الآية الرابعة والعشرين على وفق (ع 10 - 39 من ص 25) وتشتمل على صنع أدوات المقدس وهي ما يأتي:

  1. أدوات قدس الأقدس أي التابوت (ع 1 - 5). والغطاء وما يتعلق به (ع 6 - 9).

  2. أدوات القدس أي مائدة خبز الوجوه (ع 19 - 16). والمنارة الذهبية وما يتعلق بها.

ع 1 - 5 يوافق ع 10 - 14 من ص 25

و6 - 9 يوافق ع 17 - 20

و10 - 16 يوافق ع 23 - 29

و17 - 24 يوافق ع 31: 39

1 - 6 «1 وَصَنَعَ بَصَلْئِيلُ ٱلتَّابُوتَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. 2 وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ. وَصَنَعَ لَهُ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ. 3 وَسَبَكَ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمِهِ. عَلَى جَانِبِهِ ٱلْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ، وَعَلَى جَانِبِهِ ٱلثَّانِي حَلْقَتَانِ. 4 وَصَنَعَ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ. 5 وَأَدْخَلَ ٱلْعَصَوَيْنِ فِي ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلتَّابُوتِ، لِحَمْلِ ٱلتَّابُوتِ. 6 وَصَنَعَ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ».

ص 25: 10 ص 25: 17

صَنَعَ بَصَلْئِيلُ لم يكن لأهوليآب عمل في صنع أدوات خيمة الاجتماع فكان عمله مقصوراً على الأغطية والحجاب والسجوف وثياب الكهنة (انظر ص 38: 23).

7 - 15 «7 وَصَنَعَ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ صَنْعَةَ ٱلْخِرَاطَةِ، صَنَعَهُمَا عَلَى طَرَفَيِ ٱلْغِطَاءِ. 8 كَرُوباً وَاحِداً عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَا وَكَرُوباً وَاحِداً عَلَى ٱلطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ ٱلْغِطَاءِ صَنَعَ ٱلْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ. 9 وَكَانَ ٱلْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا فَوْقَ ٱلْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ ٱلْوَاحِدِ إِلَى ٱلآخَرِ. نَحْوَ ٱلْغِطَاءِ كَانَ وَجْهَا ٱلْكَرُوبَيْنِ. 10 وَصَنَعَ ٱلْمَائِدَةَ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، طُولُهَا ذِرَاعَانِ، وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ، وَٱرْتِفَاعُهَا ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ. 11 وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَصَنَعَ لَهَا إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا. 12 وَصَنَعَ لَهَا حَاجِباً بِعَرْضِ شِبْرٍ حَوَالَيْهَا. وَصَنَعَ لِحَاجِبِهَا إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهَا. 13 وَسَبَكَ لَهَا أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَجَعَلَ ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى ٱلزَّوَايَا ٱلأَرْبَعِ ٱلَّتِي لِقَوَائِمِهَا ٱلأَرْبَعِ. 14 عِنْدَ ٱلْحَاجِبِ كَانَتِ ٱلْحَلَقَاتُ بُيُوتاً لِلْعَصَوَيْنِ لِحَمْلِ ٱلْمَائِدَةِ. 15 وَصَنَعَ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ لِحَمْلِ ٱلْمَائِدَةِ».

ص 25: 23

صَنْعَةَ ٱلْخِرَاطَةِ (هذا ما في الأصل العبراني وجاء في بعض التراجم «صنعة الطريق» (انظر ص 26: 18). ولعل خشب الكروبيم كان مخروطاً وكان غشاءهما من ذهب مطرّق).

16 - 18 «16 وَصَنَعَ ٱلأَوَانِيَ ٱلَّتِي عَلَى ٱلْمَائِدَةِ، صِحَافَهَا وَصُحُونَهَا وَجَامَاتِهَا وَكَأْسَاتِهَا ٱلَّتِي يُسْكَبُ بِهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. 17 وَصَنَعَ ٱلْمَنَارَةَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. صَنْعَةَ ٱلْخِرَاطَةِ صَنَعَ ٱلْمَنَارَةَ، قَاعِدَتَهَا وَسَاقَهَا. كَانَتْ كَأْسَاتُهَا وَعُجَرُهَا وَأَزْهَارُهَا مِنْهَا. 18 وَسِتُّ شُعَبٍ خَارِجَةٌ مِنْ جَانِبَيْهَا. مِنْ جَانِبِهَا ٱلْوَاحِدِ ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ. وَمِنْ جَانِبِهَا ٱلثَّانِي ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ».

ص 25: 29 ص 25: 31

عَلَى ٱلْمَائِدَةِ أي المخصتة بالمائدة وكذا فهمه مترجمو السبعينية وهذا نصه فيها

(وترجمته على وفق أصله «أدوات المائدة»).

19 - 24 «19 فِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلْوَاحِدَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَفِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلثَّانِيَةِ ثَلاَثُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجْرَةٍ وَزَهْرٍ. وَهٰكَذَا إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنَ ٱلْمَنَارَةِ. 20 وَفِي ٱلْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَأْسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِعُجَرِهَا وَأَزْهَارِهَا. 21 وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ، وَتَحْتَ ٱلشُّعْبَتَيْنِ مِنْهَا عُجْرَةٌ. إِلَى ٱلسِّتِّ ٱلشُّعَبِ ٱلْخَارِجَةِ مِنْهَا. 22 كَانَتْ عُجَرُهَا وَشُعَبُهَا مِنْهَا. جَمِيعُهَا خِرَاطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. 23 وَصَنَعَ سُرُجَهَا سَبْعَةً، وَمَلاَقِطَهَا وَمَنَافِضَهَا مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. 24 مِنْ وَزْنَةِ ذَهَبٍ نَقِيٍّ صَنَعَهَا وَجَمِيعَ أَوَانِيهَا».

فِي ٱلشُّعْبَةِ ٱلْوَاحِدَةِ الخ أي كان في كل شعبة ما كان في الأخرى (ص 25: 33).

25 - 28 «25 وَصَنَعَ مَذْبَحَ ٱلْبَخُورِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ، طُولُهُ ذِرَاعٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ. مُرَبَّعاً. وَٱرْتِفَاعُهُ ذِرَاعَانِ. مِنْهُ كَانَتْ قُرُونُهُ. 26 وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ، سَطْحَهُ وَحِيطَانَهُ حَوَالَيْهِ وَقُرُونَهُ. وَصَنَعَ لَهُ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ. 27 وَصَنَعَ لَهُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ إِكْلِيلِهِ عَلَى جَانِبَيْهِ، عَلَى ٱلْجَانِبَيْنِ بَيْتَيْنِ لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا. 28 وَصَنَعَ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِذَهَبٍ».

ص 30: 1

صَنَعَ الخ هنا اختلف الترتيب عما أُعلن له في طور سيناء فإن مذبح البخور بمقتضى ذلك الإعلان كان مستقلاً ومنفرداً عن مائدة خبز الوجوه والمنارة الذهبية وما هنا يفيد أن الثلاثة كانت في القدس. وهذه الآيات التي هنا توافق (ع 1 - 5 من ص 30).

29 «وَصَنَعَ دُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ مُقَدَّساً. وَٱلْبَخُورَ ٱلْعَطِرَ نَقِيّاً صَنْعَةَ ٱلْعَطَّارِ».

ص 30: 23 إلى 25 ص 30: 34 و35

هذا الدهن المقدس وهذا البخور العطر وُصفا في (ص 30: 22 - 25 و34 و35).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ

1، 2 «1 وَصَنَعَ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ. طُولُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ. مُرَبَّعاً. وَٱرْتِفَاعُهُ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ. 2 وَصَنَعَ قُرُونَهُ عَلَى زَوَايَاهُ ٱلأَرْبَعِ. مِنْهُ كَانَتْ قُرُونُهُ. وَغَشَّاهُ بِنُحَاسٍ».

ص 27: 1

الآيات من (ع 1 - 9) موافقة للآيات من (ع 1 - 8 من ص 27) وفي كل منهما بعض الخاصات.

صَنَعَ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ انتقل من عمل أثاث المقدس إلى عمل ما يتعلق بالدار التي هو فيها وهذا على وفق ما يقتضيه الطبع. وهو مذبح النحاس أو مذبح المحرقة والمرحضة النحاسية الكبيرة. ونبأ المذبح من (ع 1 - 7) ونبأ المرحضة (ع 8). (ع 1 - 9 ويوافق ع 1 - 8 من ص 27) في أهم المقصود والفرق زهيد في (ع 4 و 5) و هو حلقات العصوَين.

3 - 7 «3 وَصَنَعَ جَمِيعَ آنِيَةِ ٱلْمَذْبَحِ: ٱلْقُدُورَ وَٱلرُّفُوشَ وَٱلْمَرَاكِنَ وَٱلْمَنَاشِلَ وَٱلْمَجَامِرَ، جَمِيعَ آنِيَتِهِ صَنَعَهَا مِنْ نُحَاسٍ. 4 وَصَنَعَ لِلْمَذْبَحِ شُبَّاكَةً صَنْعَةَ ٱلشَّبَكَةِ مِنْ نُحَاسٍ تَحْتَ حَاجِبِهِ مِنْ أَسْفَلُ إِلَى نِصْفِهِ. 5 وَسَكَبَ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ فِي ٱلأَرْبَعَةِ ٱلأَطْرَافِ لِشُبَّاكَةِ ٱلنُّحَاسِ بُيُوتاً لِلْعَصَوَيْنِ. 6 وَصَنَعَ ٱلْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ ٱلسَّنْطِ وَغَشَّاهُمَا بِنُحَاسٍ. 7 وَأَدْخَلَ ٱلْعَصَوَيْنِ فِي ٱلْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ ٱلْمَذْبَحِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا. مُجَوَّفاً صَنَعَهُ مِنْ أَلْوَاحٍ».

ٱلْقُدُورَ جمع قدر وهو ما يُطبخ به. ورأى بعضهم أن المقصود بالكلمة العبرانية المترجمة هنا بالقدور الآنية التي يُنقل فيها الرماد من الهيكل (انظر تفسير ص 27: 3).

8 «وَصَنَعَ ٱلْمِرْحَضَةَ مِنْ نُحَاسٍ وَقَاعِدَتَهَا مِنْ نُحَاسٍ. مِنْ مَرَائِي ٱلْمُتَجَنِّدَاتِ ٱللَّوَاتِي تَجَنَّدْنَ عِنْدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».

ص 30: 18 أيوب 37: 18 عدد 4: 23 و8: 24 و1صموئيل 2: 22 ولوقا 2: 37

ٱلْمِرْحَضَةَ مِنْ نُحَاسٍ (ص 30: 18 - 21).

مَرَائِي جمع مرآة كالمرايا. وكانت مرائي القدماء من مصقول المعادن لا الزجاج وغلب أن يصنعوها يومئذ من النحاس وكثر استعمال تلك المرائي في مصر فكانت صفائح مستديرة أو بيضية ذوات مقابض. وكانت أمثال هذه المرائي عند نساء الإيطاليين الأقدمين وكثيراً ما كان الصناع يحكمون نقوشها.

ٱلْمُتَجَنِّدَاتِ المجتمعات كالجنود لخدمة الرب فإن النساء كانت تجتمع أمثال فرق الجنود وتذهب إلى خيمة الاجتماع التي كان موسى قد أقامها حديثاً خارج المحلة (ص 33: 7) تقدّم طوعاً واختياراً مراياها خدمة للرب مع أن تلك المرايا كانت من أثمن مقتنياتها. فعمل منها موسى المرحضة تفضيلاً لها على كل الأدوات النحاسية فطابت نفوس النساء بذلك.

9 - 20 «9 وَصَنَعَ ٱلدَّارَ. إِلَى جِهَةِ ٱلْجَنُوبِ نَحْوَ ٱلتَّيْمَنِ أَسْتَارُ ٱلدَّارِ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ مِئَةُ ذِرَاعٍ. 10 أَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ، وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. 11 وَإِلَى جِهَةِ ٱلشِّمَالِ مِئَةُ ذِرَاعٍ. أَعْمِدَتُهَا عِشْرُونَ وَقَوَاعِدُهَا عِشْرُونَ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. 12 وَإِلَى جِهَةِ ٱلْغَرْبِ أَسْتَارٌ خَمْسُونَ ذِرَاعاً. أَعْمِدَتُهَا عَشَرَةٌ وَقَوَاعِدُهَا عَشَرٌ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ. 13 وَإِلَى جِهَةِ ٱلشَّرْقِ نَحْوَ ٱلشُّرُوقِ خَمْسُونَ ذِرَاعاً. 14 لِلْجَانِبِ ٱلْوَاحِدِ أَسْتَارٌ خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعاً. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ. 15 وَلِلْجَانِبِ ٱلثَّانِي مِنْ بَابِ ٱلدَّارِ إِلَى هُنَا وَإِلَى هُنَا أَسْتَارٌ خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعاً. أَعْمِدَتُهَا ثَلاَثَةٌ وَقَوَاعِدُهَا ثَلاَثٌ. 16 جَمِيعُ أَسْتَارِ ٱلدَّارِ حَوَالَيْهَا مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ، 17 وَقَوَاعِدُ ٱلأَعْمِدَةِ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُ ٱلأَعْمِدَةِ وَقُضْبَانُهَا مِنْ فِضَّةٍ وَتَغْشِيَةُ رُؤُوسِهَا مِنْ فِضَّةٍ وَجَمِيعُ أَعْمِدَةِ ٱلدَّارِ مَوْصُولَةٌ بِقُضْبَانٍ مِنْ فِضَّةٍ. 18 وَسَجْفُ بَابِ ٱلدَّارِ صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. وَطُولُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعاً وَٱرْتِفَاعُهُ بِٱلْعَرْضِ خَمْسُ أَذْرُعٍ بِسَوِيَّةِ أَسْتَارِ ٱلدَّارِ. 19 وَأَعْمِدَتُهَا أَرْبَعَةٌ وَقَوَاعِدُهَا أَرْبَعٌ مِنْ نُحَاسٍ. رُزَزُهَا مِنْ فِضَّةٍ وَتَغْشِيَةُ رُؤُوسِهَا وَقُضْبَانِهَا مِنْ فِضَّةٍ. 20 وَجَمِيعُ أَوْتَادِ ٱلْمَسْكَنِ وَٱلدَّارِ حَوَالَيْهَا مِنْ نُحَاسٍ».

ص 27: 9 ص 27: 16 ص 27: 19

الكلام على ما يتعلق بدار الخيمة هنا مماثل لما في (ص 27: 9 - 19).

بِقُضْبَانٍ مِنْ فِضَّةٍ (ع 17) مر في (ص 36: 38) أن موسى غشى هنالك رؤوس الأعمدة والقضبان التي عند باب خيمة الاجتماع بذهب وغشى هنا التي عند باب الدار بفضة وكل منهما هو الموافق للمثال الذي أراه الله إياه في الجبل (ص 25: 9 و40).

مبلغ الذهب والفضة والنحاس الذي أنفق على خيمة الشهادة

21، 22 «21 هٰذَا هُوَ ٱلْمَحْسُوبُ لِلْمَسْكَنِ، مَسْكَنِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّذِي حُسِبَ بِمُوجَبِ أَمْرِ مُوسَى بِخِدْمَةِ ٱللاَّوِيِّينَ عَلَى يَدِ إِيثَامَارَ بْنِ هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ. 22 وَبَصَلْئِيلُ بْنُ أُورِي بْنِ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا صَنَعَ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

عدد 1: 50 و53 و9: 15 و10: 11 و17: 7 و8 و18: 2 و2أيام 24: 6 وأعمال 7: 44 عدد 4: 28 و33 ص 31: 2

هٰذَا هُوَ ٱلْمَحْسُوبُ تُرجم بعضهم الأصل العبراني بقوله «هذه هي المحسبوات» وبعضهم بقوله «هذا هو المبلغ» وآخر بقوله «هذا هو المحسوب» وهو الموافق للأصل.

مَسْكَنِ ٱلشَّهَادَةِ سمى بذلك لأنه كان فيه شهادة الله على الخطيئة وهي الوصايا العشر.

بِخِدْمَةِ ٱللاَّوِيِّينَ أي بني لاوي.

إِيثَامَارَ هو أصغر بني هارون (ص 6: 23).

23 «وَمَعَهُ أُهُولِيآبُ بْنُ أَخِيسَامَاكَ مِنْ سِبْطِ دَانَ، نَقَّاشٌ وَمُوَشٍّ وَطَرَّازٌ بِٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ وَٱلْبُوصِ».

ص 31: 6

أُهُولِيآبُ... نَقَّاشٌ النقّاش هنا مترجم «חרש» (حرش) ومعناها غالباً محكم الصناعة في كل المواد. ومن معانيها نقّاش. وجاءت بالمعنى الغالب في (1أيام 29: 5 و2أيام 34: 11).

24 «كُلُّ ٱلذَّهَبِ ٱلْمَصْنُوعِ لِلْعَمَلِ فِي جَمِيعِ عَمَلِ ٱلْمَقْدِسِ، وَهُوَ ذَهَبُ ٱلتَّقْدِمَةِ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَزْنَةً وَسَبْعُ مِئَةِ شَاقِلٍ وَثَلاَثُونَ شَاقِلاً بِشَاقِلِ ٱلْمَقْدِسِ».

ص 25: 2 و3 ص 30: 13 و24 ولاويين 5: 15 و27: 3 و25 وعدد 3: 47 و18: 16

ذَهَبُ ٱلتَّقْدِمَةِ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَزْنَةً قال بول كانت وزنة الذهب 10000 شاقل وثمن الشاقل من الذهب ليرة إنكليزية وعُشر ليرة إنكليزية فتكون قيمة ما أُنفق من الذهب على خيمة الاجتماع يقرب من 320000 ليرة إنكليزية. وقال بعضهم أنها 175000 ليرة كذلك وغيره أنها 132000 وعلى الأقوال الثلاثة أن القيمة كانت كبيرة وتدل على كرم الإسرائيليين وأريحيتهم. ولا صعوبة في أن الإسرائيليين كانوا قادرين على بذل مثل ذلك لأنهم سلبوا المصريين ولم يتركوا شيئاً من النفائس التي كانت لهم قبل ذلك السلب (ص 3: 22 و12: 35 و36).

25، 26 «25 وَفِضَّةُ ٱلْمَعْدُودِينَ مِنَ ٱلْجَمَاعَةِ مِئَةُ وَزْنَةٍ وَأَلْفٌ وَسَبْعُ مِئَةِ شَاقِلٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ شَاقِلاً بِشَاقِلِ ٱلْمَقْدِسِ. 26 لِلرَّأْسِ نِصْفُ ٱلشَّاقِلِ بِشَاقِلِ ٱلْمَقْدِسِ. لِكُلِّ مَنِ ٱجْتَازَ إِلَى ٱلْمَعْدُودِينَ مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً. لِسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ وَخَمْسِ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ».

ص 30: 13 ص 30: 13 و15 عدد 1: 46

فِضَّةُ... مِئَةُ وَزْنَةٍ الخ وزنة الفضة 3000 شاقل وشاقل القدس 220 قمحة فتكون قيمة الفضة 40000 ليرة إنكليزية أو أقل من ذلك شيئاً زهيداً. وكان من فرائضهم أن كل واحد من المعدودين يؤدي فدية نفسه نصف شاقل من الفضة (ص 30: 12 - 16). وكان ذلك واجباً على مَن في سن العشرين فصاعداً (انظر تفسير ص 30: 14).

لِسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ وَثَلاَثَةِ آلاَفٍ وَخَمْسِ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ مطابقة هذا العدد للعدد المذكور في (عدد 1: 46) الذي كان في أول الشهر الثاني في السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر أوضح دليل على أن العدد في الموضعين كان في وقت واحد ونبإ حادثة واحدة. ولا بد من أن العدّ شغل عدة أشهر كان فيها جمع الفضة والذهب وإعداد الأدوات وغيرها من المواد وبناء الخيمة. وإن كتابة الأسماء أُخرّت بأن كان موسى وهارون يجولان بين الأسباط ليأخذا تقدماتهم ويكتبا أسماءهم في الكتاب. ويظهر من (عدد 1: 47) أن اللاويين لم يدخلوا في ذلك العدد ولم يؤخذ منهم مال الفدية.

27 «وَكَانَتْ مِئَةُ وَزْنَةٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ لِسَبْكِ قَوَاعِدِ ٱلْمَقْدِسِ وَقَوَاعِدِ ٱلْحِجَابِ. مِئَةُ قَاعِدَةٍ لِلْمِئَةِ وَزْنَةٍ. وَزْنَةٌ لِلْقَاعِدَةِ».

ص 26: 19 و21 و25 و32

قَوَاعِدِ ٱلْمَقْدِسِ (انظر ص 26: 19 و21 و25) كان أربعون منها على كل من الجانبين وست عشرة على الغرب فذلك ست وتسعون قاعدة.

قَوَاعِدِ ٱلْحِجَابِ (ص 26: 32) قواعد الحجاب أربع تحمل الأعمدة الأربعة التي عُلّق عليها الحجاب فجملة القواعد الفضية مئة.

28 «وَٱلأَلْفُ وَٱلسَّبْعُ مِئَةِ شَاقِلٍ وَٱلْخَمْسَةُ وَٱلسَّبْعُونَ شَاقِلاً صَنَعَ مِنْهَا رُزَزاً لِلأَعْمِدَةِ وَغَشَّى رُؤُوسَهَا وَوَصَلَهَا بِقُضْبَانٍ».

رُزَزاً لِلأَعْمِدَةِ كان لأعمدة الدار رزز من الفضة تناط بها «الأستار» (ص 27: 10 و 17 و38: 10 - 12).

رُؤُوسَهَا (قابل بهذا ع 17 و19).

29 «وَنُحَاسُ ٱلتَّقْدِمَةِ سَبْعُونَ وَزْنَةً وَأَلْفَانِ وَأَرْبَعُ مِئَةِ شَاقِلٍ».

ص 25: 2 و3

نُحَاسُ ٱلتَّقْدِمَةِ هو النحاس الذي قدمه الشعب بدعوة موسى إياه (ص 30: 5 و24).

سَبْعُونَ وَزْنَةً الخ لم تكن الحاجة إلى مقدار كبير لأن النحاس لم يكن من حاجة إليه إلا للمرحضة ومذبح المحرقة وآنيته وقواعد باب الخيمة والدار وأوتاد كل من الخيمة والدار.

30 «وَمِنْهُ صَنَعَ قَوَاعِدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَمَذْبَحَ ٱلنُّحَاسِ وَشُبَّاكَةَ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي لَهُ وَجَمِيعَ آنِيَةِ ٱلْمَذْبَحِ».

قَوَاعِدَ بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ (انظر ص 26: 37).

مَذْبَحَ ٱلنُّحَاسِ وَشُبَّاكَةَ ٱلنُّحَاسِ (انظر ص 27: 2 - 6).

آنِيَةِ ٱلْمَذْبَحِ (انظر ص 27: 3 و28: 3).

31 «وَقَوَاعِدَ ٱلدَّارِ حَوَالَيْهَا وَقَوَاعِدَ بَابِ ٱلدَّارِ وَجَمِيعَ أَوْتَادِ ٱلْمَسْكَنِ وَجَمِيعَ أَوْتَادِ ٱلدَّارِ حَوَالَيْهَا».

قَوَاعِدَ ٱلدَّارِ (انظر ص 27: 10 - 12 و15 - 18).

أَوْتَادِ ٱلْمَسْكَنِ (انظر ص 27: 19 و28: 20 والتفسير).

أَوْتَادِ ٱلدَّارِ (ص 27: 19).

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

صنع الثياب المقدسة ع 1 إلى 3

هذا الفصل على وفق (ص 28: 5 - 40) لكنه ليس على وفق ترتيبه (فع 2 - 7 موافق لع 5 - 12. وع 8 - 21 موافق لع 13 - 28. وع 22 - 26 لع 31 - 35. وع 27 - 29 لع 39 - 42 من ص 28 وع 30 و31 لع 26 - 38). ولم يظهر لنا سبب هذا التغيير. والظاهر أن الترتيب في (ص 28) هو أفضل مما سواه.

1، 2 «1 وَمِنَ ٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ صَنَعُوا ثِيَاباً مَنْسُوجَةً لِلْخِدْمَةِ فِي ٱلْمَقْدِسِ، وَصَنَعُوا ٱلثِّيَابَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي لِهَارُونَ. كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. 2 فَصَنَعَ ٱلرِّدَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ».

ص 35: 23 ص 31: 10 و35: 19 ص 28: 4 ص 28: 6

ثِيَاباً... لِلْخِدْمَةِ (انظر تفسير ص 31: 10)

3 - 6 «3 وَمَدُّوا ٱلذَّهَبَ صَفَائِحَ وَقَدُّوهَا خُيُوطاً لِيَصْنَعُوهَا فِي وَسَطِ ٱلأَسْمَانْجُونِيِّ وَٱلأُرْجُوَانِ وَٱلْقِرْمِزِ وَٱلْبُوصِ، صَنْعَةَ ٱلْمُوَشِّي. 4 وَصَنَعُوا لَهُ كَتِفَيْنِ مَوْصُولَيْنِ. عَلَى طَرَفَيْهِ ٱتَّصَلَ. 5 وَزُنَّارُ شَدِّهِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ كَانَ مِنْهُ كَصَنْعَتِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. 6 وَصَنَعُوا حَجَرَيِ ٱلْجَزْعِ مُحَاطَيْنِ بِطَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ مَنْقُوشَيْنِ نَقْشَ ٱلْخَاتِمِ عَلَى حَسَبِ أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

ص 28: 9

مَدُّوا ٱلذَّهَبَ صَفَائِحَ وَقَدُّوهَا خُيُوطاً هذا هو الأسلوب القديم في صنع الذهب أسلاكاً ولم يُذكر في غير هذا الموضع. فيظهر أن الصناعة المعدنية لم تكن كما يتوقع في تلك الأيام.

وَسَطِ ٱلأَسْمَانْجُونِيِّ الخ أي كانوا ينسجون الأسلاك الذهبية متفرقة في أوساط المذكورات. وكان هذا الوشي مما اشتهر عند المصريين على ما أفاد ولكنسون في كتابه الموسوم بالعاديات المصرية.

7 - 23 «7 وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ حَجَرَيْ تِذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. 8 وَصَنَعَ ٱلصُّدْرَةَ صَنْعَةَ ٱلْمُوَشِّي كَصَنْعَةِ ٱلرِّدَاءِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. 9 كَانَتْ مُرَبَّعَةً. مَثْنِيَّةً صَنَعُوا ٱلصُّدْرَةَ. طُولُهَا شِبْرٌ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ مَثْنِيَّةً. 10 وَرَصَّعُوا فِيهَا أَرْبَعَةَ صُفُوفِ حِجَارَةٍ. صَفٌّ عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَزُمُرُّدٌ. ٱلصَّفُّ ٱلأَوَّلُ. 11 وَٱلصَّفُّ ٱلثَّانِي: بَهْرَمَانُ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ. 12 وَٱلصَّفُّ ٱلثَّالِثُ: عَيْنُ ٱلْهِرِّ وَيَشْمٌ وَجَمَشْتُ. 13 وَٱلصَّفُّ ٱلرَّابِعُ: زَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ مُحَاطَةٌ بِأَطْوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي تَرْصِيعِهَا. 14 وَٱلْحِجَارَةُ كَانَتْ عَلَى أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ٱثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَسْمَائِهِمْ كَنَقْشِ ٱلْخَاتِمِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى ٱسْمِهِ لِلٱثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً. 15 وَصَنَعُوا عَلَى ٱلصُّدْرَةِ سَلاَسِلَ مَجْدُولَةً صَنْعَةَ ٱلضَّفْرِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. 16 وَصَنَعُوا طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَحَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلُوا ٱلْحَلْقَتَيْنِ عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ. 17 وَجَعَلُوا ضَفِيرَتَيِ ٱلذَّهَبِ فِي ٱلْحَلْقَتَيْنِ عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ. 18 وَطَرَفَا ٱلضَّفِيرَتَيْنِ جَعَلُوهُمَا فِي ٱلطَّوْقَيْنِ. وَجَعَلُوهُمَا عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ إِلَى قُدَّامِهِ. 19 وَصَنَعُوا حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَوَضَعُوهُمَا عَلَى طَرَفَيِ ٱلصُّدْرَةِ. عَلَى حَاشِيَتِهَا ٱلَّتِي إِلَى جِهَةِ ٱلرِّدَاءِ مِنْ دَاخِلٍ. 20 وَصَنَعُوا حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلُوهُمَا عَلَى كَتِفَيِ ٱلرِّدَاءِ مِنْ أَسْفَلُ مِنْ قُدَّامِهِ عِنْدَ وَصْلِهِ فَوْقَ زُنَّارِ ٱلرِّدَاءِ. 21 وَرَبَطُوا ٱلصُّدْرَةَ بِحَلْقَتَيْهَا إِلَى حَلْقَتَيِ ٱلرِّدَاءِ بِخَيْطٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِيَكُونَ عَلَى زُنَّارِ ٱلرِّدَاءِ. وَلاَ تُنْزَعُ ٱلصُّدْرَةُ عَنِ ٱلرِّدَاءِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. 22 وَصَنَعَ جُبَّةَ ٱلرِّدَاءِ صَنْعَةَ ٱلنَّسَّاجِ كُلَّهَا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ. 23 وَفَتْحَةُ ٱلْجُبَّةِ فِي وَسَطِهَا كَفَتْحَةِ ٱلدِّرْعِ. وَلِفَتْحَتِهَا حَاشِيَةٌ حَوَالَيْهَا. لاَ تَنْشَقُّ».

ص 28: 12 ص 28: 15 ص 28: 17 إلى 20 ص 28: 31

حَجَرَيْ تِذْكَارٍ (انظر تفسير ص 28: 12).

24 «وَصَنَعُوا عَلَى أَذْيَالِ ٱلْجُبَّةِ رُمَّانَاتٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ مَبْرُومٍ».

رُمَّانَاتٍ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ (قابل بهذا ص 28: 33).

25، 26 «25 وَصَنَعُوا جَلاَجِلَ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. وَجَعَلُوا ٱلْجَلاَجِلَ فِي وَسَطِ ٱلرُّمَّانَاتِ عَلَى أَذْيَالِ ٱلْجُبَّةِ حَوَالَيْهَا فِي وَسَطِ ٱلرُّمَّانَاتِ. 26 جُلْجُلٌ وَرُمَّانَةٌ. جُلْجُلٌ وَرُمَّانَةٌ. عَلَى أَذْيَالِ ٱلْجُبَّةِ حَوَالَيْهَا لِلْخِدْمَةِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 28: 33

جَلاَجِلَ مِنْ ذَهَبٍ (الجلاجل الأجراس الصغيرة) وقد ذُكرت في (ص 28: 35 انظر التفسير هناك).

27 «وَصَنَعُوا ٱلأَقْمِصَةَ مِنْ بُوصٍ صَنْعَةَ ٱلنَّسَّاجِ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ».

ص 28: 39 و40

ٱلأَقْمِصَةَ جمع قميص (انظر تفسير ص 28: 40).

28 «وَٱلْعِمَامَةَ مِنْ بُوصٍ. وَعَصَائِبَ ٱلْقَلاَنِسِ مِنْ بُوصٍ. وَسَرَاوِيلَ ٱلْكَتَّانِ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ».

ص 28: 4 و39 ص 29: 9 وحزقيال 44: 18 ص 28: 42

ٱلْعِمَامَةَ... وَعَصَائِبَ ٱلْقَلاَنِسِ كانت العمامة لهارون والقلانس له ولأبنائه (انظر تفسير ص 28: 42 و43).

سَرَاوِيلَ لهارون وبنيه (ص 28: 42 و43).

29 «وَٱلْمِنْطَقَةَ مِنْ بُوصٍ مَبْرُومٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ صَنْعَةَ ٱلطَّرَّازِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 28: 39

ٱلْمِنْطَقَةَ المنطقة لهارون وكانت صنعة الطراز (ص 28: 39).

30 - 32 «30 وَصَنَعُوا صَفِيحَةَ ٱلإِكْلِيلِ ٱلْمُقَدَّسِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، وَكَتَبُوا عَلَيْهَا كِتَابَةَ نَقْشِ ٱلْخَاتِمِ. «قُدْسٌ لِلرَّبِّ». 31 وَجَعَلُوا عَلَيْهَا خَيْطَ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِتُجْعَلَ عَلَى ٱلْعِمَامَةِ مِنْ فَوْقُ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. 32 فَكَمُلَ كُلُّ عَمَلِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ. وَصَنَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى. هٰكَذَا صَنَعُوا».

ص 28: 36 و37 ص 25: 4 وع 42 و43

صَفِيحَةَ ٱلإِكْلِيلِ ٱلْمُقَدَّسِ (انظر تفسير ص 29: 6).

عرض المصنوعات على موسى واستحسانه إياها ع 33 إلى 43

المرجّح أن هذه المصنوعات التي عُرضت على موسى إنما عُرضت عليه عند إنجازها حتى إذا رأى نقصاً في شيء منها أمر بصنع غيره أو أحكامه كما يجب لأن موسى وحده هو الذي رأى المثال في طور سيناء فهو وحده قادر على أن يعرف الموافق من المصنوعات وغير الموافق منها على أننا لم نخبر بأنه رفض شيئاً منها لأن الصناع كانوا مهرة وقد علمهم موسى وساعدهم الله على أعمالهم (ص 36: 42).

33 - 36 «33 وَجَاءُوا إِلَى مُوسَى بِٱلْمَسْكَنِ: ٱلْخَيْمَةِ وَجَمِيعِ أَوَانِيهَا، أَشِظَّتِهَا وَأَلْوَاحِهَا وَعَوَارِضِهَا وَأَعْمِدَتِهَا وَقَوَاعِدِهَا، 34 وَٱلْغِطَاءِ مِنْ جُلُودِ ٱلْكِبَاشِ ٱلْمُحَمَّرَةِ، وَٱلْغِطَاءِ مِنْ جُلُودِ ٱلتُّخَسِ، وَحِجَابِ ٱلسَّجْفِ، 35 وَتَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ وَعَصَوَيْهِ، وَٱلْغِطَاءِ، 36 وَٱلْمَائِدَةِ وَكُلِّ آنِيَتِهَا، وَخُبْزِ ٱلْوُجُوهِ».

حِجَابِ ٱلسَّجْفِ هو الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس لكي لا يرى الناس الثاني (قابل بهذا ص 40: 21).

37 - 40 «37 وَٱلْمَنَارَةِ ٱلطَّاهِرَةِ وَسُرُجِهَا: ٱلسُّرُجِ لِلتَّرْتِيبِ، وَكُلِّ آنِيَتِهَا وَٱلزَّيْتِ لِلضَّوْءِ، 38 وَمَذْبَحِ ٱلذَّهَبِ، وَدُهْنِ ٱلْمَسْحَةِ، وَٱلْبَخُورِ ٱلْعَطِرِ، وَٱلسَّجْفِ لِمَدْخَلِ ٱلْخَيْمَةِ، 39 وَمَذْبَحِ ٱلنُّحَاسِ، وَشُبَّاكَةِ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي لَهُ وَعَصَوَيْهِ وَكُلِّ آنِيَتِهِ، وَٱلْمِرْحَضَةِ وَقَاعِدَتِهَا، 40 وَأَسْتَارِ ٱلدَّارِ وَأَعْمِدَتِهَا وَقَوَاعِدِهَا، وَٱلسَّجْفِ لِبَابِ ٱلدَّارِ وَأَطْنَابِهَا وَأَوْتَادِهَا، وَجَمِيعِ أَوَانِي خِدْمَةِ ٱلْمَسْكَنِ لِخَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».

ص 27: 21

ٱلسُّرُجِ لِلتَّرْتِيبِ المرجّح أن المقصود بالترتيب وضع السرج في صف واحد (قابل بهذا لاويين 24: 6).

41، 42 «41 وَٱلثِّيَابِ ٱلْمَنْسُوجَةِ لِلْخِدْمَةِ فِي ٱلْمَقْدِسِ، وَٱلثِّيَابِ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِهَارُونَ ٱلْكَاهِنِ وَثِيَابِ بَنِيهِ لِلْكَهَانَةِ. 42 بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى هٰكَذَا صَنَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلَّ ٱلْعَمَلِ».

ص 35: 10

ٱلثِّيَابِ لِلْخِدْمَةِ... وَٱلثِّيَابِ ٱلْمُقَدَّسَةِ خلا الأصل العبراني من الواو العاطفة في هذه العبارة وحذفه جائز في العربية أيضاً) وهي هنا لعطف التفسير لأن ما بعدها تفسير لما قبلها (انظر تفسير ص 31: 10).

43 «فَنَظَرَ مُوسَى جَمِيعَ ٱلْعَمَلِ وَإِذَا هُمْ قَدْ صَنَعُوهُ. كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ هٰكَذَا صَنَعُوا. فَبَارَكَهُمْ مُوسَى».

لاويين 9: 22 و23 وعدد 6: 23 ويشوع 22: 6 و2صموئيل 6: 18 و1ملوك 8: 14 و2أيام 30: 27

فَنَظَرَ مُوسَى جَمِيعَ ٱلْعَمَلِ أي تأمل فيه ليرى هل هو على وفق المثال الذي أراه الله إياه. ولما رآه على وفق المقصود استحسنه وباركهم أي سأل البركة لأنهم عملوا بأمانة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ

تعليم إقامة الخيمة ع 1 إلى 8

إن عمل الأدوات والمواد المتعلقة بالخيمة كان قد أُكمل ومع ذلك بقي موسى يتوقع أمر الله بإقامتها كما توقع إعلانه يوم كان على الطور (ص 24: 16). وكان الذي توقع الأمر به وقت الإقامة لأن كل الأزمنة والأوقات وضعها الآب في سلطانه (أعمال 1: 7). فلم يكن لموسى أن يعيّن ذلك الوقت من تلقاء نفسه. وعيّن الله لإقامتها اليوم الأول من الشهر الأول (ع 2) وهو اليوم الأول من السنة الجديدة لتحرير الإسرائيليين من عبودية المصريين فعيّن فيه الإقامة بالتفصيل (ع 4 - 8).

1، 2 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: 2 فِي ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ مِنَ ٱلشَّهْرِ، تُقِيمُ مَسْكَنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».

ص 12: 2 و13: 4 ص 26: 1 و30 وع 17

فِي ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ خرج الإسرائيليون من مصر في اليوم الرابع عشر من أبيب (ص 12: 6) ووصلوا إلى برية سيناء في أثناء الشهر الثالث المعروف عندهم بسيوان (أو سيفان) ثم حلوا تجاه طور سيناء (ص 19: 1 و2). فشغل موسى بغيبته مرتين على الجبل ما يقرب من ثلاثة أشهر. وكان بين المرتين بعض الأيام. ولعل تلك الأيام لم تزد على سبعة. فلا بد من أنه مضى ستة أشهر أو سبعة أشهر قبل أن ابتدأوا العمل وأحد عشر شهراً أو سنة قبل أن أنجزوه فكان أول السنة الجديدة قريباً. وكان اختيار اليوم الأول منها على وفق ما يقتضيه الطبع لإقامة المسكن الجديد.

مَسْكَنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ أي المسكن الذي هو خيمة الاجتماع (انظر ع 6).

3 «وَتَضَعُ فِيهِ تَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ. وَتَسْتُرُ ٱلتَّابُوتَ بِٱلْحِجَابِ».

ص 26: 33 وع 21 وعدد 4: 5

تَضَعُ فِيهِ تَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ هو أثمن ما كان في الخيمة ووضع فيها أولاً وغُطي حالاً بالحجاب.

4 «وَتُدْخِلُ ٱلْمَائِدَةَ وَتُرَتِّبُ تَرْتِيبَهَا. وَتُدْخِلُ ٱلْمَنَارَةَ وَتُصْعِدُ سُرُجَهَا».

ص 26: 35 وع 22 ص 25: 30 وع 23 ولاويين 24: 5 و6 ع 34 و25

ٱلْمَائِدَةَ هي مائدة خبز الوجوه (انظر ص 35: 13 و37: 10 و39: 36 و40: 22).

تُرَتِّبُ تَرْتِيبَهَا المقصود بذلك خصوصاً ترتيب الأرغفة الاثني عشر وهل قصد معها اللبان المذكور في (لاويين 24: 7) ذلك لم يُعلم يقيناً ولعله أُضيف أخيراً.

ٱلْمَنَارَةَ (انظر ص 25: 31 - 37).

تُصْعِدُ سُرُجَهَا ما كان إصعادها ضرورياً في أول النهار فصحّ أن تُصعَد في آخره (انظر ص 30: 8).

5 «وَتَجْعَلُ مَذْبَحَ ٱلذَّهَبِ لِلْبَخُورِ أَمَامَ تَابُوتِ ٱلشَّهَادَةِ. وَتَضَعُ سَجْفَ ٱلْبَابِ لِلْمَسْكَنِ».

ع 26

تَجْعَلُ مَذْبَحَ ٱلذَّهَبِ لِلْبَخُورِ أَمَامَ التَابُوتِ خارج الحجاب في القدس لا داخله على أنه كان أقرب إلى الحجاب من المائدة ومن المنارة (انظر تفسير ص 30: 6).

6 «وَتَجْعَلُ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ قُدَّامَ بَابِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ».

مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ (انظر ص 27: 1 - 8).

7 «وَتَجْعَلُ ٱلْمِرْحَضَةَ بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ وَتَجْعَلُ فِيهَا مَاءً».

ص 30: 18 و ع 30

ٱلْمِرْحَضَةَ (قابل بهذا ص 30: 18) كان موضعها المناسب الموضع القريب من الباب لأنه كان على الكهنة أن يغسلوا أيديهم وأرجلهم متى وضعوا أقدامهم عند خيمة الاجتماع للدخول (ص 30: 19 و20).

8 «وَتَضَعُ ٱلدَّارَ حَوْلَهُنَّ. وَتَجْعَلُ ٱلسَّجْفَ لِبَابِ ٱلدَّارِ».

ٱلدَّارَ... ٱلسَّجْفَ (انظر ص 27: 9 - 18).

التعليم المتعلق بتقديس الخيمة والكهنة ع 9 إلى 15

كان مما يتعلق بإقامة الخيمة تقديسها وتقديس أثاثها وآنيتها بالدهن بدهن المسحة وتقديس هارون وبنيه بالغسل بالماء والمسح بالدهن وإلباسهم الثياب المقدسة (انظر لاويين 8: 1 - 13) وأُخر ما ذُكر إلى الغد لشغل اليوم بإقامة الخيمة.

9 - 11 «9 وَتَأْخُذُ دُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ وَتَمْسَحُ ٱلْمَسْكَنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، وَتُقَدِّسُهُ وَكُلَّ آنِيَتِهِ لِيَكُونَ مُقَدَّساً. 10 وَتَمْسَحُ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَتُقَدِّسُ ٱلْمَذْبَحَ لِيَكُونَ ٱلْمَذْبَحُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. 11 وَتَمْسَحُ ٱلْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا وَتُقَدِّسُهَا».

ص 30: 26 ص 29: 36 و37

دُهْنَ ٱلْمَسْحَةِ ذُكر تركيب هذا الدهن قبلاً (انظر ص 30: 23 - 25). وأُمر بأن يمسح به الخيمة والتابوت والمائدة والمنارة والمذبحان والمرحضة والآنية المختلفة التي كانت في المسكن (ص 30: 26 - 29).

12، 13 «12 وَتُقَدِّمُ هَارُونَ وَبَنِيهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَتَغْسِلُهُمْ بِمَاءٍ. 13 وَتُلْبِسُ هَارُونَ ٱلثِّيَابَ ٱلْمُقَدَّسَةَ وَتَمْسَحُهُ وَتُقَدِّسُهُ لِيَكْهَنَ لِي».

لاويين 8: 1 إلى 13 ص 28: 41

تُقَدِّمُ هَارُونَ وَبَنِيهِ... وَتَغْسِلُهُمْ (انظر تفسير ص 29: 4) فكان ذلك ومسّحهم وإلباسهم من أجزاء التقديس المعيّن قبلاً (ص 29: 4 و5 و7 الخ).

14 «وَتُقَدِّمُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ أَقْمِصَةً».

تُقَدِّمُ بَنِيهِ وَتُلْبِسُهُمْ أَقْمِصَةً (قابل بهذا ص 29: 8).

15 «وَتَمْسَحُهُمْ كَمَا مَسَحْتَ أَبَاهُمْ لِيَكْهَنُوا لِي. وَيَكُونُ ذٰلِكَ لِتَصِيرَ لَهُمْ مَسْحَتُهُمْ كَهَنُوتاً أَبَدِيّاً فِي أَجْيَالِهِمْ».

عدد 25: 13

تَمْسَحُهُمْ كَمَا مَسَحْتَ أَبَاهُمْ يظهر من النبإ الذي في سفر اللاويين أن بني هارون لم يُمسحوا على الأسلوب الذي مُسح هارون عليه فإن الدهن صُب على رأسه (لاويين 8: 12 ومزمور 133: 2) وأما هم فرشوا به ممزوجاً بدم (لاويين 8: 30) فدل ذلك على أن تقديسه أسمى من تقديسهم على أن الجميع مُسحوا.

لِتَصِيرَ لَهُمْ مَسْحَتُهُمْ كَهَنُوتاً أَبَدِيّاً رأر مفسرو اليهود من ذلك أن مسحة بني هارون أغنت عن مسح خلفائهم من الكهنة فكانوا كهنة بدون المسحة وأما الكاهن الأعلى فكان يمسح على توالي العصور ولذلك دُعي الكاهن الممسوح (4: 3 و5 و16 و21: 12 الخ).

16 «فَفَعَلَ مُوسَى بِحَسَبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ ٱلرَّبُّ. هٰكَذَا فَعَلَ».

مُوسَى... هٰكَذَا فَعَلَ أي قام بكل التعليم الإلهي الذي ذُكر من (ع 2 - 15) ولم يذكر الوقت الذي أتى ذلك فيه لكن الآيات من (ع 17 - 33) تفيد أنه أتى التعليم في اليوم الأول من السنة الثانية لخروجهم من مصر. ونبأ سفر اللاويين يفيد أنه أتى ما بقي على أثر ذلك (ع 2 - 8 ولاويين 8: 9 - 15).

إقامة المسكن

17 «وَكَانَ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلأَوَّلِ مِنَ ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ ٱلشَّهْرِ أَنَّ ٱلْمَسْكَنَ أُقِيمَ».

ع 2 وعدد 7: 1

ركّب المسكن بسرعة أي وصل بعض قطعه المتفرقة ببعض سريعاً ونُشرت عليه الأغطية من نسيج شعر المعزى والبوص أو الكتان النقي. ولا ريب في أن هذا كان أصعب ذلك العمل ولكن نسل إبراهيم كان قد آلف إقامة الخيام ومهَر في نصبها لأنه ألفها منذ خرج إبراهيم من أور الكلدانيين إلى أن دخل نسله مصر وأقام بها على حدود البرية في جوار قبائل مختلفة من أهل البادية فألفوا الخيام في مصر أيضاً وعرفوا تركيبها ونصبها وكل أمورها فلا عجب من أنهم استطاعوا أن يقيموا خيمة الاجتماع في يوم واحد أو بعض اليوم.

18 «أَقَامَ مُوسَى ٱلْمَسْكَنَ، وَجَعَلَ قَوَاعِدَهُ وَوَضَعَ أَلْوَاحَهُ وَجَعَلَ عَوَارِضَهُ وَأَقَامَ أَعْمِدَتَهُ».

جَعَلَ قَوَاعِدَهُ أي ثبتها لأن قيام المسكن متوقف على ثبات القواعد (ص 28: 27) فيُظن أن تلك القواعد كان نازلاً يضع أقدام منها في الأرض ولا ريب في أن ذلك كان أول أعمال الإقامة.

وَضَعَ أَلْوَاحَهُ وضع أولاً القواعد ثم ثبت فيها الألواح والأعمدة.

19 «وَبَسَطَ ٱلْخَيْمَةَ فَوْقَ ٱلْمَسْكَنِ. وَوَضَعَ غِطَاءَ ٱلْخَيْمَةِ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

بَسَطَ ٱلْخَيْمَةَ... وَوَضَعَ غِطَاءَ أي أنه غطّى موادها الخشبية بنسيج شعر المعزى وغطى كل ذلك بجلود الغنم وجلود التخس (انظر ص 26: 14).

20 «وَأَخَذَ ٱلشَّهَادَةَ وَجَعَلَهَا فِي ٱلتَّابُوتِ. وَوَضَعَ ٱلْعَصَوَيْنِ عَلَى ٱلتَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ».

ص 25: 16

أَخَذَ ٱلشَّهَادَةَ وَجَعَلَهَا فِي ٱلتَّابُوتِ الشهادة هنا لوحا الوصايا العشر المكتوبة بإصبع الله وهما اللوحان اللذان نزل بهما موسى من الطور بعد صعوده الآخر إليه (ص 34: 16). ولا يستلزم ما قيل هنا أنه لم يكن في التابوت سوى لوحي الوصايا.

وَوَضَعَ ٱلْعَصَوَيْنِ عَلَى ٱلتَّابُوتِ أي أدخلهما في الحلقات المعدة لهما (انظر ص 25: 14).

21 «وَأَدْخَلَ ٱلتَّابُوتَ إِلَى ٱلْمَسْكَنِ. وَوَضَعَ حِجَابَ ٱلسَّجْفِ وَسَتَرَ تَابُوتَ ٱلشَّهَادَةِ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 26: 33 و35: 12

حِجَابَ ٱلسَّجْفِ (انظر تفسير ص 39: 34 وقابل بذلك ع 3).

22 «وَجَعَلَ ٱلْمَائِدَةَ فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ فِي جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلشِّمَالِ خَارِجَ ٱلْحِجَاب».

ص 26: 35

جَعَلَ ٱلْمَائِدَةَ... فِي جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلشِّمَالِ على يمين من يواجه الحجاب وعرف موسى أن هذا هو موضعها المناسب من المثال الذي رآه على الجبل (ص 25: 40).

23 «وَرَتَّبَ عَلَيْهَا تَرْتِيبَ ٱلْخُبْزِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ع 4

وَرَتَّبَ عَلَيْهَا تَرْتِيبَ ٱلْخُبْزِ أي وضع الخبز عليها بترتيب وكان اثني عشر رغيفاً فجعلهما صفّين (لاويين 24: 6).

24 «وَوَضَعَ ٱلْمَنَارَةَ فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ مُقَابِلَ ٱلْمَائِدَةِ فِي جَانِبِ ٱلْمَسْكَنِ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ».

ص 26: 35

وَضَعَ ٱلْمَنَارَةَ... مُقَابِلَ ٱلْمَائِدَةِ أي تجاهها على اليد اليسرى من يدي المواجه الحجاب فيقع بذلك ضوءها على مائدة خبز الوجوه (انظر ص 25: 27).

25 «وَأَصْعَدَ ٱلسُّرُجَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 25: 37 وع 4

أَصْعَدَ ٱلسُّرُجَ أي كان يوقدها في الوقت المناسب أي مساء (قابل بهذا ص 30: 8 ولاويين 24: 3

26 «وَوَضَعَ مَذْبَحَ ٱلذَّهَبِ فِي خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ قُدَّامَ ٱلْحِجَاب».

ص 30: 6 وع 5

وَضَعَ مَذْبَحَ ٱلذَّهَبِ... قُدَّامَ ٱلْحِجَابِ تجاه التابوت والغطاء (ص 25: 22) والفاصل بينهما الحجاب (ص 30: 6).

27 «وَبَخَّرَ عَلَيْهِ بِبَخُورٍ عَطِرٍ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 30: 7

بَخَّرَ عَلَيْهِ بِبَخُورٍ عَطِرٍ كان يأتي عند المساء حين يوقد السرج على مقتضى تعليم الله (ص 30: 8).

28 «وَوَضَعَ سَجْفَ ٱلْبَابِ لِلْمَسْكَنِ».

ص 36: 36 وع 5

سَجْفَ ٱلْبَابِ (انظر ع 5 وقابل به ص 26: 36).

29 «وَوَضَعَ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ عِنْدَ بَابِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ، وَأَصْعَدَ عَلَيْهِ ٱلْمُحْرَقَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ع 6 ص 29: 38 إلى 42

وَضَعَ مَذْبَحَ ٱلْمُحْرَقَةِ عِنْدَ بَابِ مَسْكَنِ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ مرّ الكلام على مذبح المحرقة في (ص 27: 1 - 8 و38: 1 - 7). والخلاصة أن المذبح كان تجاه الباب.

أَصْعَدَ عَلَيْهِ ٱلْمُحْرَقَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ أي ذبيحة المساء الأولى وهي الخروف والتقدمة وهي الدقيق والزيت والخمر فكانا يحرقان معاً (انظر ص 29: 40).

30 «وَوَضَعَ ٱلْمِرْحَضَةَ بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ. وَجَعَلَ فِيهَا مَاءً لِلٱغْتِسَالِ».

ص 30: 18 وع 7

وَضَعَ ٱلْمِرْحَضَةَ بَيْنَ خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَٱلْمَذْبَحِ تقدّم الكلام على المرحضة النحاسية وموضعها في تفسير (ص 30: 18).

31، 32 «31 لِيَغْسِلَ مِنْهَا مُوسَى وَهَارُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ. 32 عِنْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلٱجْتِمَاعِ وَعِنْدَ ٱقْتِرَابِهِمْ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ يَغْسِلُونَ كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ مُوسَى».

ص 30: 19 و20

هاتان الآيتان كلام معترض وهو بيان لما فعله موسى في اليوم الأول من الشهر الأول وأنباء باستعمال المرحضة (قابل بهذا ص 30: 19 - 21).

33 «وَأَقَامَ ٱلدَّارَ حَوْلَ ٱلْمَسْكَنِ وَٱلْمَذْبَحِ وَوَضَعَ سَجْفَ بَابِ ٱلدَّارِ. وَأَكْمَلَ مُوسَى ٱلْعَمَلَ».

ص 27: 19 - 21

أَقَامَ ٱلدَّارَ... وَوَضَعَ سَجْفَ الخ تقدم الكلام على الدار في (ص 28: 9 - 18) وعلى السجف في (ص 27: 16).

حلول بهاء الرب على الخيمة

34 «ثُمَّ غَطَّتِ ٱلسَّحَابَةُ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ ٱلرَّبِّ ٱلْمَسْكَن».

ص 29: 43 ولاويين 16: 2 وعدد 9: 15 و1مولك 8: 10 و11 و2أيام 5: 13 و7: 2 وإشعياء 6: 4 وحجي 2: 7 و9 ورؤيا 15: 8

ثُمَّ غَطَّتِ ٱلسَّحَابَةُ هي السحابة التي كانت ترافق الشعب من سكوت (ص 13: 20 - 21) وكانت تغطي خارج الخيمة وكان بهاء الرب مظهر لمعان يدخل الخيمة ويملأ المسكن. وكان ذلك دليلاً على أن الله مع شعبه وأنه سر بأن يكون معه كما وعد (ص 33: 17).

35 «فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ، لأَنَّ ٱلسَّحَابَةَ حَلَّتْ عَلَيْهَا وَبَهَاءُ ٱلرَّبِّ مَلأَ ٱلْمَسْكَنَ».

لاويين 16: 2 و1ملوك 18: 11 و2أيام 5: 14

فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ ٱلٱجْتِمَاعِ لأن مجد الرب منعه من الدخول (قابل بهذا 1ملوك 8: 11 و2ايام 5: 14 و7: 2).

36 - 38 «36 وَعِنْدَ ٱرْتِفَاعِ ٱلسَّحَابَةِ عَنِ ٱلْمَسْكَنِ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ فِي جَمِيعِ رِحْلاَتِهِمْ. 37 وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعِ ٱلسَّحَابَةُ لاَ يَرْتَحِلُونَ إِلَى يَوْمِ ٱرْتِفَاعِهَا، 38 لأَنَّ سَحَابَةَ ٱلرَّبِّ كَانَتْ عَلَى ٱلْمَسْكَنِ نَهَاراً. وَكَانَتْ فِيهَا نَارٌ لَيْلاً أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ رِحْلاَتِهِمْ».

عدد 9: 17 و10: 11 ونحميا 9: 19 عدد 9: 19 إلى 22 ص 13: 21 وعدد 9: 15

كانت السحابة ملازمة الخيمة على أسلوب خاص فكانت تُرى في النهار غيماً وفي الليل عمود نار. وما كانت تفارقها إلا في حال واحدة وهي حين يريد الله أن يسير بنو إسرائيل (انظر عدد 9: 15 - 22).

ملحق أول لسفر الخروج

في التاريخ المصري المتعلق بسفر الخروج

معرفة تاريخ مصر في زمن خروج بني إسرائيل لذّتها أكبر من نفعها لتفسير الكتاب المقدس فيكاد تاريخ مصر يكون نبأ مستقلاً ولكن بني مصرايم لم يتركوا لنا من تواريخهم إلا ما وقفنا عليه من آثار ملوكهم ومتفرقات من أمور عقائدهم. والذي علم حسناً أن قوة مصر لم تتلاش مما طرأ عليها من الضربات والأرزاء وغرق المركبات في البحر الأحمر. والكتاب المقدس لم يتعرض لتفصيل تاريخ مصر ودولها وحوادثها فاقتصر على ذكر ما له علاقة بالإسرائيليين لأن هذا شأنه لا تاريخ مصر بالتفصيل على ما عُرف منه سيادة ملوكهم وعاداتهم. ومما تيقناه من ذلك أن تاريخ مصر يقسم إلى ثلاثة أقسام تاريخ العصور القديمة وتاريخ العصور المتوسطة وتاريخ العصور الحديثة. فتاريخ العصور القديمة هو تاريخ ما قبل إبراهيم والمرجّح أنه يتصل إلى سنة 1900 قبل الميلاد وأن بدائته سنة 2500 قبل الميلاد فمدته نحو 600 سنة. والثاني تاريخ انتصار الغزاة الأسيين على مصر ويُعرف بعصر الهكسوس أو الملوك الرعاة. ومدته لا تزيد على قول علماء زماننا على مئتي سنة أي ما بين سنة 1900 وسنة 1700 قبل الميلاد. وتاريخ العصور الحديثة تاريخ زمن قيام المصريين على الهكسوس وانتصارهم عليهم. وكان ذلك نحو 1700 قبل الميلاد. والقول الذي عليه الجمهور إن سفر الخروج يتعلق بهذا التاريخ فإنه هو الموافق لما جاء في أنباء ذلك السفر. فإنه جاء في سفر الخروج إنه كان لملوك مصر مركبات تجرها الخيل وذلك لم يُعرف في تاريخ العصور القديمة ولا أثر للمركبات فيه ويستدل منه أنه لم يكن حينئذ من خيل في مصر. وأجمع العلماء اليوم على أن ما في سفر الخروج لا يمكن أن يكون في تاريخ العصور المتوسطة في مصر لأمور منها ما سيأتي. فاتفقوا على أنه كان في تاريخ العصور الحديثة لكن الخلاف أنه في عصر أي ملك خرج الإسرائيليون من مصر وإن ذلك الملك من أي الدول المعروفة. فقد تبين أن الدولة الثانية والعشرين في تاريخ منيثو كانت معاصرة لسليمان ومنها عُلم أن شيشنق الكتاب المقدس هو شيشنق تاريخ منيثو. وكانت غزوة شيشنق لفلسطين على ما ظهر من رسوم هيكل كرنك أوضح دليل على أن زمن الخروج كان في أول تاريخ العصور الحديثة أو المملكة الجديدة. فلم يبق من احتمال إلا أن الخروج كان في أيام الدولة الثامنة عشرة أو الدولة التاسعة عشرة لأن الدولة العشرين لم تشغل العرش سوى مئة سنة وثلاثين سنة وبداءة ذلك لا تتجاوز زمن قضاء صموئيل. والدولة الثامنة عشرة لا تثبت أنها دولة الخروج وإن كان فيها بعض الأدلة لأنها ليست الدولة التي فيها اشتد الجور على الإسرائيليين في مصر وبُنيت فيثوم ورعمسيس عل ما حقق علماء التاريخ فلم يبق إلّا أن الخروج كان في زمن الدولة التاسعة عشرة.

وجاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور بوست ما خلاصته «ذهب أكثر علماء التاريخ المصري إلى أن رعمسيس الثاني هو الملك الذي لم يعرف يوسف وأن ابنه منفثاه الثاني هو فرعون الخروج وكان بدء ملكه سنة 1325 أو 1322 قبل الميلاد فإذا ذهبنا مذهب هؤلاء العلماء كان 15 نيسان سنة 1317 ق. م يوم عبور بني إسرائيل البحر الأحمر».

ملحق ثانٍ بسفر الخروج

في تهذيب موسى (ص 2: 10)

لا ريب في أن موسى تهذب كما يتهذب الأمراء لا كما يتهذب الكهنة لأنه كان بمنزلة أمير لتبني ابنة فرعون إياه. ولعل استفانوس لم يُرد غير ذلك بقوله «فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ ٱلْمِصْرِيِّينَ» (أعمال 7: 22). فبقي أن يُقال ماذا كان يُعلَّم الأمراء في عصر الخروج. والجواب على ذلك أنهم كانوا يعلمون أولاً القراءة ثم الصرف والنحو. فكان موسى يحسن التكلم والكتابة في اللغة المصرية ويحكم إنشاء الرسائل لأن هذا الفن كان عندهم مما يجب على الأعيان. وهل أحكم موسى نظم العشر ذلك مما شك فيه بعضهم ولكن تسبحته في (خروج 15: 1 - 9) وبركته في تثنية (ص 33) تدلان على أنه كان يجيد الشعر المصري. ولا بد من أنه كان متقناً الحساب والهندسة (لأن المصريين كانوا مشهورين بالعلمين ومتقدمين في الأول كثيراً) والآداب والإلهيات والشريعة الطبيعية الدينية والعلاقة بين الله والناس والحياة الآتية والنشر والحساب. فإن الأثار دلت على أن كبراء المصريين كانوا يتعلمون ذلك كله على أن كثيراً منه كان من أسرار الكهنة ولكن الواجبات الأدبية والعبادية والأمور المتعلقة بالمعاد والجزاء كانت مشهورة بين العامة. وأقوالهم الأدبية تشبه أمثال سليمان. وبقي فنون كثيرة من فنون المصريين قلما التفت إليها أعيانهم في العصور القديمة كالفلك والآليات والطب والتاريح والله أعلم.

 
Call of Hope  
P.O.Box 10 08 27  
D - 70007 
Stuttgart 
Germany