العودة الى الصفحة السابقة
الولادة العظمى

الولادة العظمى

عبد المسيح


Bibliography

الولادة العظمى. عبد االمسيح . Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1978. SPB 4310 ARA. English title: The Graetest Birth. German title: Die wichtigste Geburt. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

الولادة العظمى

قبل ألفي سنة، في زمن القياصرة والرومان، كانت قافلة تسير على ضفاف وادي الأردن العميق، وفيها تجار وفلاحون وصناع من منطقة الجليل الجبليّ، وكانوا سائرين نحو الجنوب في فصل الشتاء القارس. وقد فضلوا المسير في هذا الوادي لدفئه بدلاً من طريق الجبال الوعرة التي تعصف بها الرياح ويكمن فيها قطّاع الطرق. وكان خوف يخالطه غضب باد على المسافرين، ينمّ عليه سيل الشتائم التي كانت تُسمع وهم يكيلونها على قيصر روما، الذي كان قد أمر بإجراء إحصاء عام يشمل جميع السكان في إمبراطوريته الواسعة لكي يضبط جباته الضرائب ويجمعوها، فكان على كل مواطن أن يتواجد في بلده ومسقط رأسه.

لقد كان الرومان بحاجة ماسة إلى المال من أجل تجهيز الجيوش وشق الطرق ودفع الرواتب وبناء المسارح لإقامة المهرجانات. فكانت الشعوب المستضعفة المستعبدة لهم تدفع هذه التكاليف وهم خاضعون جزية عن جميع مقتنياتهم حتى بهائمهم وأشجارهم، فعظم الحقد واللعنة في قلوب الكثيرين.

كان من بين المسافرين في تلك القافلة نجار من بلدة الناصرة اسمه يوسف تصحبه خطيبته مريم التي كانت حاملاً في شهرها الأخير، وما كانا يودّان السفر الشاق لمدة ثلاثة أيام في مثل ظروفهما لولا ذلك الأمر الروماني الجائر لاكتتاب جميع المواطنين.

ولم يكن يوسف على علم أين ينزل في بيت لحم بلدته الأصلية، إذ لم يكن له فيها قريب يلجأ إليه. فابتدأ رحلته بسم الله والاتكال عليه.

أما مريم خطيبته فكانت وهي معهم في دنيا غير دنياهم وفي عالم غير عالمهم. كانت مشدودة نحو العلاء كمن يناجي ويتأمل. وقد انشغل فكرها بالخبر الغريب الفريد الذي حمله إليها الملاك البراق الذي أعلن لها بأنّ الروح القدس يحلّ عليها وقوة العليّ تظللها... وهي عذراء، فلذلك سيكون المولود منها قدوساً في ذاته. يا لعمق فكر الله وتدبيراته. فمع أنّ مريم لم تدرك أعماق وأبعاد هذا الكلام ولم تسبر غوره إلا أنها استسلمت بثقة وتقوى لإراداة العليّ قائلة: هوذا أنا أمة الرب.

وصلت القافلة مدينة أريحا التاريخية فاستراح ركابها بين النخيل بالقرب من نبع أليشع في ضواحي المدينة وشربوا من مائها العذب المتفجر من بين الصخور وسقوا دوابهم. وبعد تناول زاد طفيف وقيلولة يسيرة جددت نشاطهم، تابعوا رحلتهم عبر صحراء لاهبة جرداء خبت منها الحياة إلا ما ندر. وعلى يسارهم لمعت مياه البحر الميت الكبريتية كسراب يحسبه العطاش يروي غليلاً. وما أن خرجوا من تلك الصحراء وبدأوا في تسلق الجبال التي تأخذ في الارتفاع تدريجياً حتى ابتدأو بصلوات وترانيم:

«أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى ٱلْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي. مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، صَانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ. لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ» (مز 121: 1-3).

وبعد صعود في الوعر والأودية، تلألأت القباب والأبراج من بعيد فوق جبل الزيتون رجاء المسافرين. فلاحت على شفاههم ابتسامات تحولت إلى أدعية وصلوات. وقبل دخولهم إلى الرحاب المقدسة استراحوا قليلاً في بيت عنيا ثم شدّوا رحالهم وداروا مع الطريق حول قمة الجبل. فرأوا القدس العظيمة المنبسطة أمامهم وسط أسوارها، فانحدروا إليها عبر وادي قدرون. والمعبد المذهب يلمع قائماً وسط صحن الهيكل العظيم.

وهنا ثارت شجونهم واشتعلت أفئدتهم حزناً، وعلت الشكوى في نفوسهم وعلى ألسنتهم، وتساءلوا: هل تركنا الله وأسلمنا للرومان يذيقوننا سوء العذاب؟ هل نسي الرب وعوده وعهوده لنا؟ أه، متى يا رب ترد سبينا؟ متى يأتي المسيا ويقيم قرن خلاص لنا؟

لم يطل يوسف ومريم مكوثهما في القدس، بل عبرا شوارعها المزدحمة بالسائحين، والمكتظة بالحجاج، واتجها شطر بيت لحم البلدة التي ينتسبان إليها من جدهما الأكبر داود النبي الملك. وكانا وهما يسيران يحسّان بدافع أقوى من أمر القيصر يحثهما نحو المدينة، بحيث لم يعيرا انتباههما إلى جمال تلك الرّبى أو إلى ثغاء الأغنام وأصوات البهائم المختلفة.

ونظراً لأهمية القرية الصغيرة وعراقتها وكثرة ذرية الملك داود النازحين عنها قبلاً، والوافدين إليها آنذاك، فقد غصت شوارعها بالمارة وامتلأت أزقتها بالوافدين إليها وضاقت بيوتها وفنادقها بالنزلاء والقادمين، الأمر الذي أدى ببعضهم أن يلجأوا إلى الكهوف والمغاور المجاورة ليناموا فيها حتى ينتهي الاكتتاب أو يجدوا لهم مأوى آخر.

لم يجد يوسف ومريم مكاناً في بلدتهما ليبيتا فيه فالتجآ إلى مغارة في الحقول المجاورة كانت مأوى للبهائم وقطعان المواشي. فاضطجعت مريم لتستريح من عناء السفر. فجاءها المخاض منبئاً بقرب الوضع، فهبّ يوسف مضطرباً جزعاً على خطيبته وأخذ يدور حول نفسه لافتقارهما لما يحتاجانه في مثل ظروف مريم العصيبة.

وأما مريم فكانت هادئة مطمئنة ما خلا فكراً اقتحم ذهنها، فتمتمت به شفتاها... هل سألد هنا في الاسطبل يا رب؟؟ ألم يقل الملاك لي بأنّ مولودي هو قدوس مجيد؟؟ ولكن كان الإيمان يغمر قلبها، والنعمة كانت تنعش روحها فاستسلمت بثقة لإرادة الله، فلأجل إيمانها تحقق ما نطقت به سابقاً بتأثير الروح القدس: ها منذ الآن تطوبني الأجيال. لقد تأثر يوسف مما رأى فزال اضطرابه، ورفع قلبه نحو الله مصلياً. وأشارت إليه مريم، فناولها ربطة من الأقمطة واللفائف، كانت قد جلبتها معها. وأخذ هو في إعداد مذود حقير وجده في المغارة فوضع فيه القش والتبن وقرّبه إلى مريم فرتبته، وغطته بقطعة قماش نظيفة. وبعد قليل ولدت بكرها العجيب مشتهى الأمم ورجاء العالمين.

إنّ سيّد الكون الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، بعدما كلم الآباء بالأنبياء، رأى، لما جاء ملء الزمان... ضرورة إعلان السرّ الذي كان مكتوماً منذ الأزمنة الأزلية. فالله ظهر في الجسد وحلّ وسط مخلوقاته ليفتدي جميع الساكنين في ظلال الموت ويهبهم الحياة الأبدية.

لقد أرخى الليل سدوله على بيت لحم وروابيها، فآوى كل حيّ إلى مهجعه... إلا فرق الرعاة المتبدّين في البراري، فإنهم عادة يتناوبون السهر على قطعانهم في زرائبها حول نار يؤججونها وبها يصطلون اتقاء للبرد، ويتسامرون بين ترجيع الناي وأنين الرباب، يتذكرون المغامرات والقصص الشعبية عن شمشون الجبار وداود الملك وغيرهما. فقادهم السمر إلى ذكر الرومان وكيف أذلوهم ودنسوا شرفهم ومقدساتهم، فخيّم عليهم الغمّ والحزن وشاب أحاديثهم الأسى... فترنموا مع النبي في أيامه الحالكة:

«اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. ٱلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ ٱلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (إش 9: 2).

وفجأة انفتحت السموات ولمع حول الرعاة نور وضاء، كإنما البرق أضاء الليل البهيم، فأضحى وكأنه نهار بلا شمس، فبهرهم وأدهشهم، ومما زاد خوفهم ورعبهم... ظهور ملاك الرب أمامهم واقفاً ينظر إليهم بلمعان بهيج ومجد الرب أضاء حولهم بشكل لم تألفه الأرض ولم تختبره عيون البشر. فسقطوا أرضاً، وألجمت ألسنتهم، وتحجرت عيونهم، فظنوا أن القيامة قامت، والقارعة قرعت، ويوم الحساب العظيم أضحى وشيكاً.

واستيقظت ذنوبهم مشتكية على ضمائرهم وصارت حياتهم ظاهرة أمام الرب فخافوا خوفاً عظيماً وارتجفوا مرتعبين فزعين.

لقد بشر الملاك الرعاة بلطف قائلاً: لا تخافوا... أنا رسول السماء إليكم، رسول ربكم، جئت أزف لكم البشرى: إنّه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب... الذي به أعطي للناس كافة أن يخلصوا من دينونة الله العادلة. أن هذا المولود هو الموعود به على لسان الآباء والأنبياء، وفيه تحققت النبوات ومواعيد الله القدير.

لا تخافوا... هوذا ابن العذراء الذي تنبأ عنه إشعياء النبي، هوذا ابن مسرّة الله، ورسم جوهره تعالى، وكلمته المتجسد. لا تخافوا... فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الناس. لا تخافوا... لأنه في هذا المولود قد اقترب الله منكم وحل المسيح بينكم، افتحوا قلوبكم لهذه البشرى وآمنوا بكلمة الله فتبتهجوا وتخلصوا اليوم.

فامتزج الخوف والانبهار بالتساؤل الفرح في نفوس أولئك الرعاة المغبوطين بسبب ما رأوا وما حصل معهم، خصوصاً عندما ظهر جمهور من ملائكة السماء يرتلون بأصوات الطهر الملائكية قرارهم الغريب تتجاوب أصداؤه في ربوع بيت لحم وتردده أوديتها وصخورها:

«ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ» (لو 2: 14).

إن الله يحب الجميع وكل من يفتح قلبه لإنجيله يدرك أن العليّ القدوس نزل إلى الناس الخطاة ليخلصهم، ليس من سلطة الرومان بل من ذنوبهم العديدة وموتهم الأكيد ومن سلطان الشيطان.

لقد اخترقت كلمة الله الرعاة المندهشين ودفئت بالتسابيح السماوية قلوبهم، وهدأت نفوسهم. فخاطب بعضهم بعضاً قائلين: ينبغي أن نستجيب لداعي السماء، ونسرع إلى بيت لحم لنشاهد المولود العجيب، المسيح. فركضوا مسرعين يحدوهم الأمل ويملأهم الرجاء، وكلمات الملاك ترنّ في آذانهم: وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود.

وعند وصولهم ليلاً إلى القرية قرعوا الأبواب وطرقوا النوافذ صارخين: أين هو المولود الجديد في المذود؟ ولكن لم يعلم أحد شيئاً عن هذه الولادة. وهزّ الناس النعسون رؤوسهم لكلام الرعاة، مستنكرينه، لكنّ الرعاة تابعوا الاستفسار والبحث حتى وجدوا في مغارة بعيدة عن العمران مريم ويوسف حول الطفل الراقد في المذود، فانحنى الرعاة وجثوا، لأنهم لم يروا عجيبة، ولا أنواراً ساطعة، بل شموا رائحة الحيوانات، وأدركوا بساطة الطفل. ولعلهم قالوا: إن الله لم يحتقرنا نحن الرعاة، بل نزل إلى مستوانا، ولم يرفضنا نحن الخطاة، بل لبس جسد تواضعنا، وصار قريباً منا. وهكذا شعروا بالسرّ العظيم، أن إلهنا القدوس ليس إلهاً بعيداً مخيفاً، بل هو فاد قريب مدرك لطيف.

وفاضت قلوب الرعاة فرحاً وهنأوا الأم ولمسوا المذود وانطلقوا مرنمين في الليل البهيم، عائدين مرة أخرى إلى القرية مسرعين إلى رئيس البلدية. التجار عدّوا نقودهم، والجالسون في المقاهي فكروا بما سمعوه أنه خرافة ابتدعها الرعاة. فلم يثق أحد منهم بكلمة الله المتجسد ولم يركضوا إلى طفل المذود ليخضعوا له. عندئذ أدرك الرعاة السر الثاني في ليلة العيد أن الخلاص للجميع، ولكن ليس كل الناس يقبلون إعلان الله، إلاّ المطيعين للدعوة والمستنيرين. فصمتوا مدهوشين وتركوا بلدة الموعد وعادوا إلى خرافهم وأما قلوبهم فامتلأت ترنماً. وكانت تنطلق من أفواههم، وحمدهم ملء الليل.

ومريم المباركة كانت تحفظ هذا الكلام كله متفكرة به في قلبها بتأثر عميق وإيمان وثيق.

المسابقة

أيها القارئ العزيز،

إن تأملت في قصة الولادة العظمى وحمدت الله الحي معنا على هذا الحدث العجيب، تستطيع أن تجيب على هذه الأسئلة بسهولة.

  1. ما هو العجيب في ولادة المسيح؟

  2. من هو ابن مريم بالحقيقة؟

  3. ما هي بشرى الملاك إلى الرعاة المتبدّين؟

  4. لماذا كانت ولادة المسيح ضرورية للبشر؟

  5. ما هو موقفك الخاص تجاه المولود في المذود؟

اكتب جوابك مع عنوانك الدائم فنرسل لك احد كتبنا تشجيعاً لإيمانك بالمخلص الحبيب.


Call of Hope  P.O.Box 10 08 27
D-70007 
Stuttgart
Germany