العودة الى الصفحة السابقة
إن الله معنا

إن الله معنا


يشتاق الناس إلى الله. والأديان تدعي أنها قد عرفت شيئاً من عظمته. ولهم حق في ذلك، لأن الله عظيم وقوي. وهو أقوى من كل القنابل الذرية، وأبهى من الشمس، وأحكم من كل الفلاسفة. فعلى جيلنا أن يتعلم من جديد، إن الله هو القادر على كل شيء، لنخافه ونسجد له. إلا أن هذا النوع من الإيمان لا يكفي. لأن من يدرك القليل من مجد الله، ينتابه اليأس، كما حصل لإشعياء النبي لما رأى مجد الله، قال: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء 6: 5).

فلا تفكر بسطحية، إن الله صديقك الرفيق. كلا يا أخي، بل هو خصمك الأعظم، وعدوك الأكبر، طالما أنت عائش في خطاياك. تب سريعاً وارجع إلى القدوس، واطلب منه السماح والغفران. وأعلن أمامه أنك مستعد لتتميم مشيئته.

عندما تطلب الله بقلب منكسر مسحوق، تدرك أن هذا الإله العادل، قد أنعم عليك وبررك. وأنه يحبك، رغم خطاياك. وأنه يشتاق إلى كل ضال. وشوقه إلينا نحن المذنبين بلغ القمة، حتى أنه أخلى نفسه، ونزل إلينا في صورة طفل في المذود الحقير. فميلاد المسيح هو عثرة لكثيرين. لأنهم غير قادرين أن يفهموا بعقولهم تجسد روح الرب. أما نحن المؤمنين، فمجيء ابن الله يعني لنا أعظم فرح، لأنه منذ هذه اللحظة عرفنا وأيقنا أن الله معنا رغم خطايانا، وأنه لا يرفضنا بل يحبنا. فالأزلي قبلنا. ولحلوله بين البشر نتجاسر بالشهادة قائلين: «الله معنا».

وهذا القدوس المولود من الآب، برهن ألوهيته بطرق كثيرة. فقد قال: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ. أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 14: 9 و10 و30) وكذلك أمر العاصفة المهلكة أن تسكن، وأشبع بخمسة أرغفة وسمكتين خمسة آلاف من الجياع. وطرد من الملبوسين الشياطين. وأقام الموتى. وغفر الذنوب. وقبل السجود. فالذي ليس قلبه قاسياً، يلاحظ أن القدوس المولود من روح الرب، هو الله بالذات. فضابط الكل قد أتى إلينا. وحيث يكون فهناك الفردوس. ولم يظهر القدوس جباراً مخيفاً، بل أعلن أن الله محبة. وبالمحبة اقترب منا لكي نعرفه.

صحيح أن وصول المسيح إلى عالمنا، لم يغلب شر البشر تماماً. وإنما به اقترب الله الأزلي منا، رغم الذنوب التي فصلتنا عنه. ففي محبته قبل المسيح أن يشرب كأس غضب الله عوضاً عنا، ليزيل رجاساتنا. وحين تألم لأجلنا على الصليب كان يعبّر عن رحمة الله، التي لا تشاء أن يهلك أحد، بل تكون له الحياة الأبدية. والابن وحده يعرف معنى سؤاله الصارخ على الصليب: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46). ولعله قال هذا لأن الله القدوس، كان في تلك اللحظة ضده، إذ أخذ مكاننا. فالمصلوب صار في بعد عن الله، لكي يقربنا إلى القدوس. والمولود من الروح القدس كفر عن خطايانا، لكيلا يقطعنا الإثم عن أبيه. فمن يؤمن بالمسيح يتبرر ومن يشكره لخلاصه يتقدس. ولأجل ذبيحة المسيح وحده، يكون الله معنا. ولأجل موته على الصليب لك الحق أن تدعو الله أباك.

وبعدما صالح بموته كل الخليقة مع الله، قام المنتصر من قبره. وصعد إلى أبيه، ولبس مجده الأصلي، فضجت السماء حمداً وتسبيحاً، لدى وصوله. ولم يرد المسيح تركنا يتامى لأن قلبه كان معنا. فأرسل أحسن ما عنده، معزيه، الروح القدس، المنبثق من الآب والابن. وهذا الروح هو الله بالذات لأن الله روح.

انتبه الآن! لأنك تقترب من سر العهد الجديد. فالله القدوس المتعالي، الذي يرتجف كل مخلوق من جلاله، يأتي إلى الأنام الصغار الفانين، ليسكن فيهم. فإرادته ألا يكون معنا فقط، بل حالاً فينا. والمسيح نفسه، شهد بهذا القصد الإلهي، عندما رسم العشاء الرباني، وقال إنه يدخل فينا، كما أن الخبز والخمر يدخلان في أحشائنا، رمزاً لجسده ودمه، ليطهرنا ويقدسنا ويملأنا بمحبته. إن الله يشاء أن يعيش معنا في ألصق شركة. هذا هو معنى العهد الجديد. وهذه الشركة هي أفضل من العهد القديم. لأن الله، كان هناك مع مؤمنيه ليحفظوا وصاياه. إنما اليوم يسكن القدوس في قديسيه. لأنهم يؤمنون بدم المسيح. كلنا نرتجف إن تعمقنا في هذه الحقيقة. لأنه ليس أحد منا صالحاً، أو أفضل من غيره.

ولكن المسيح غفر خطايانا. والروح القدس حل فينا، فإيمانك الحي، يوحدك بالله.

اقرأ الكتاب المقدس يومياً، لأن من أحرف الإنجيل المطبوعة، تجري قوة الله إلى قلبك. وإن آمنت بكلمة المخلص، تحيا وتموت أنانيتك، ويزول كبرياؤك. فتصبح متواضعاً وديعاً، مفعم المحبة، ومستعداً لكل خدمة، كما المسيح. لأنه حيث يسكن روح الله في الإنسان يكون الرب معه ويعمل فيه.

وهذه الشركة مع الله المثلث الأقانيم، ثابتة وناضجة وغالبة. فإن ذهبت إلى المدرسة، أو كنت تجلي الأواني في المطبخ أو حملت مسؤولية في داوئر الدولة، أن كنست الشوارع، فالله معك. ويدعوك لتشهد بمجده المستتر فيك. وليشترك كل الناس بحضوره اللطيف فينا. أيها الإخوة التائبون تعالوا واجتمعوا في بلدتكم فتصبحوا هيكلاً لله، يظهر قوته في محبتكم وحقكم وتعففكم. لا تخافوا الموت لأن الحي فيكم. والموت صار لكم باباً إلى الخلود. لأن الأزلي يثبت في داخلكم.

امتحن نفسك، هل حل الله فيك؟ وهل يتحقق في شخصك مثل المذود؟ هل أصبحت مع كل المؤمنين، هيكلاً لروح الله؟ إن الله يشاء أن يسكن فيك. لأنه غفر في المصلوب خطاياك، ويرغب أن يغيرك ويجددك ويملأك. الله مستعد أن يحل فيك. فهل أنت مستعد لتصبح وسيلة لحضوره في عالمنا الحالك؟