العودة الى الصفحة السابقة
الصدق منجاة والكذب مهواة

الصدق منجاة والكذب مهواة


طلب رئيس مصنع أحد موظفيه الشبان، وقال له: «إن طلبني أحد، قل له إنني لست هنا». فأجابه الشاب: «أيها المحترم، أنا مؤمن حق، ولا أكذب. وأحاول التصرف بوعي، لكيلا أرتكب خطيئة». أجابه رئيسه قائلاً: «الكذبة البيضاء ليست خطيئة فإن لم تطع قولي، أصرفك من العمل. أنا أحتاج في عملي إلى من يطيع حرفياً بلا تردد». فرد الشاب بتواضع: «أنا مستعد لكل طاعة، ولكن إن كانت الطاعة يترتب عليها خطية ما، فعليّ أن أطيع الله أكثر منك». فغضب الرئيس الملحد واغتاظ جداً، وقال: «إن لم تسمع أوامري، فاذهب». ورن التلفون بعد قليل وسئل الشاب عن الرئيس، فقال: «نعم إنه موجود». فتقدم الرئيس عندئذ غاضباً ليرد على المكالمة. وبعد انتهائها، صرف الشاب من الخدمة بخشونة قاسية.

وصل الشاب إلى بيته حزيناً، وأخبر والدته المسكينة بما حل به، فهدأت من روعه وقالت له: «ربما كان واجباً عليك إطاعة رئيسك، لأنه يكون هو الكاذب ولست أنت». ولكن الشاب قال بإصرار: «حتى الاشتراك في الكذب. هو كذب أيضاً». ومضت الشهور، والشاب لا يجد عملاً آخر. وجاءه يوماً رسالة من رئيسه السابق، مع طلب ليمثل أمامه. ولما جاء مكتبه، ابتدأه الرئيس بالقول: «أتقدر أن تغفر لي ما سبق من تصرفاتي؟ فجاوبه الفتى: لا أحمل لك في قلبي أي حقد». فرد السيد: «شكراً. اسمع لقد اكتشفت في هذه الأيام اختلاساً، حدث أثناء وجودك هنا. وقد اشترك كل الموطفين في العملية إلاك. ومع ذلك فقد صرفت المستقيم، وأبقيت الغشاشين. فأسألك ثانية أن تغفر لي تصرفاتي؟ هل وجدت عملاً بعد؟» كلا، قال الشاب. فسأله: «أمستعد أنت أن تعود إليّ؟» فقال: «نعم، بفرح!» فقال الرئيس: «إني أجعلك مديراً على كل الموظفين».

أليس الكذب هو من أكثر الخطايا المتفشية اليوم؟ والإنسان أليس بطريقة لا مبالية وبمنتهى السهولة يعتذر عن أغلاطه وذنوبه الماضية بغير ندامة حقيقية؟ والطالب في المدرسة، إذ يكتشفه المعلم بعمل شرير، ينكر ويحاول تبرئة نفسه بكلمات مخادعة. والكتاب المقدس، يعلمنا أن تصور قلب الإنسان شرير، منذ حداثته. فإن أصبح الأولاد ماهرين بالكذب، فكم بالأحرى البالغون أكثر مهارة؟

هل كذبت مرة؟ لعلك فعلت على طريقة المجاملة، أو المداهنة. والناس لا يعتبرون هذا النوع من الكذب خطية. ولكن الكتاب المقدس يعلن، أن كل كذب هو ذنب. لأن الرب يقول: «لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ» (خروج 20: 16).

وفي حالة المرض خاصة، يكذب الناس على بعضهم كثيراً. فقد كانت ممرضة، تخدم مريضاً مشارفاً على الموت. لكن أهله طلبوا إليها، ألا تخبره بدنو أجله بتاتاً. فأطاعت الممرضة هذا الطلب، وأخفت عن المريض بتعزية كاذبة. ولكن لما شعر المريض بنهايته، استمسك بيدها خائفاً. ونظر إليها بعينين مشتكيتين. لأنه لم يعد قادراً على النطق، كأنه يقول لها يا بنت أنا أموت، لماذا لم تخبريني بذلك من قبل؟ فلم تنس الممرضة هذه النظرة المشتكية أمام عينيها، طيلة حياتها. وقررت قائلة: «لن أكذب على مريض بعد الآن البتة». وإن كنا نكذب على المريض، أو نخدعه، فإننا ننتشل منه الفرصة الأخيرة للاستعداد للموت. فكيف نواجه الله بهذا العمل؟

وكم يكذب الناس في التجارة والاقتصاد، حتى أنهم يبالغون في القول: «من لا يخدع في أساليبه التجارية، فسيواجه إفلاسه سريعاً».

لكننا نخبرك الحقيقة الأكيدة، إن العكس هو الصحيح. لأننا اختبرنا أن المؤمن الحق قادر على النجاح، بدون أكاذيب والتواءات. والله سبحانه وتعالى لا يكون معك إن شهدت على أخيك الإنسان شهادة زور. والرسول بولس يدعونا: «اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ» (أفسس 4: 25). والمسيح يعلن أنه الحق المتجسد، ويعلمنا: «لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ» (متّى 5: 37).

فمن يطالع الكتاب المقدس، يجد أن كل كذب خطية مستوجبة الهلاك. والرسول يوحنا، سمع في رؤياه القول: «أَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي» (سفر الرؤيا 21: 8). ويخبرنا مرة ثانية أنه سمع القول الإلهي: «ولَنْ يَدْخُلَهَا (المدينة المقدسة) شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا، إِلاَّ الْمَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ» (سفر الرؤيا 21: 27). أي المصالحون بدم المسيح.

لا تنس هذه الكلمات المؤثرة، لأن من يكذب يتبع إبليس، وهو أبو الكذابين. لهذا لا يوجد مكان للكاذبين في السماء. فكل ملتو وخادع وغشاش نهايته النار. ومن يدّعي أن الكذب ليس خطية، يستهزئ بالكتاب المقدس، ويجدف على الله القدوس، الذي يعتبر كل كاذب رجساً.

أيها الأخ إن تلاعبت في حياتك بالكذب أو بالغت بأقوالك فانحن أمام ربك. لأنه يطلبك ويريد أن يساعدك لحياة مستقيمة. اعترف أمامه بكل التاواءاتك، تختبر اعتراف الملك داود القائل: «طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لاَ يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ» (مزمور 32: 1 و2).

ونطلب إلى رب الحق أن يغرز في قلبك الاشمئزاز من الكذب وبغضه. وأن يزودك بالقوة للحق والفرح بالصدق، فيصبح شعار حياتك، من الآن فصاعداً الموت خير لي من أن أكذب.

إن اشتقت للثبات في الصدق والحق فنحن على استعداد لنرسل إليك أحد كتبنا إن طلبته منا.