العودة الى الصفحة السابقة
أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ (أعمال الرسل 24: 16)

أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ (أعمال الرسل 24: 16)


أصيبت طائرة حربية فاحترقت. ولكن قائدها استطاع أن يقذف بنفسه مع كرسيه في الفضاء بواسطة كبسه زراً أوتوماتيكياً معداً للإنقاذ في ساعات الخطر، ورجا أن تنفتح المظلة تلقائياً، وتنزله سالماً إلى الأرض وللأسف لم تنفتح المظلة هذه المرة. فسقط هذا الضابط بسرعة قصوى متزايدة نحو الأرض. فجّمد الفزع والرعب أطرافه، ورأى الموت مقبلاً عليه. وفجأة ظهر أمام عينيه حياته متسلسلة بكل وضوح كصور فيلم سينمائي. فكل أعماله وأقواله وتصرفاته السيئة وقفت أمامه مشتكية عليه. فقال بعدئذ لم أخف من الموت بتحطمي في السقوط، لكني كنت يائساً من شكوى ضميري علي. وفجأة انفتحت المظلة وبخبطة بسيطة ارتكزت على الأرض.

لقد استيقظ في هذا الرجل ضميره، وقد كان نسيه سنين. وأثناء سقوطه علم أنه لا مهرب من دينونة الله العادلة. فارتعب وتاب حقاً، وآمن بالوعود الإلهية، وصار تقياً مؤمناً.

هل تريد اكتشاف ضميرك الخاص؟ لا تسلك بسطحية وبلا مبالاة، بل ادرك نفسك في نور الله الساطع الكاشف. وإننا لدالوك على وظائف ست في ضميرك الذي وهبك الله:

  1. ضميرك هو بقية دستور الله عن الخير والشر. وهو مقياس تصرفاتك، والناموس لكل أعمالك. راجع ضميرك فتعرف في أكثر الحالات ما هو الحق والمعروف.

  2. ضميرك يحذرك من كل عمل شرير، تريد أن تعمله، ويثور ضد مقاصدك الرديئة، وينبهك ويهزك لأن فؤادك لا ينسجم مع الظلم. فضميرك حارس عليك ومنبه.

  3. هو أيضاً شاهد أعمالك ويراقبك، كأنه واقف منفصلاً عنك بجانبك. فلن تستطيع الهرب من أعين ضميرك، وتكون مكشوفاً له دائماً.

  4. وقلبك يشبه آلة تسجيل يسجل كل عمل وكلمة وفكرة. فداخلك ككتاب يقرأه الله، وأنت أيضاً تقرأ فيه عما عملته، وماذا صنعت في حياتك الدنيا. فكل نجاسة وكذب ولعنة مسجلة في ضميرك.

  5. وفؤادك هو المشتكي عليك، ولا يمنحك استراحة بعد خطيتك. وصوت قلبك يلحقك ليلاً نهاراً، ويشهد عليك، أنك خاطئ مجرم. لا تستطيع الهرب من صوت الله.

  6. وأخيراً ترى ضميرك قاضياً عليك. فلا يتمم الواجبات المذكورة سابقاً فقط بل يحكم عليك، أنك شرير حقاً ويؤكد لك، أنك مذنب، وأن آثامك كحبات الرمل على البحر وتتراكم كحجارة وصخرات فوق جبل عال، وها أنت ذا هالك أمام الله، ومسؤول ومُدان.

وبهذه المعرفة يصل الإنسان إلى مفرق حياته. فماذا يعمل؟ إن الأكثرية لتهرب من صوت الضمير أو تخنقه بواسطة زيادة الاجتهاد في العمل. أو يغرقونه في اللهو أو يقدمون تبرعات لإصلاح أنفسهم وكل ذلك ضلال مبين، لأن الصوت الرفيع في داخلنا لا يموت. وحتى إذا صمت لمدة طويلة، ففجأة يثور من جديد. وربما كنت آنذاك في جلسة ضاحكة مع صاحب أو بانفراد منظر طبيعي جميل. ولكن صوت ضميرك يخترقك أبداً. إن القوانين المدنية يمكن أن تسقط أحكامها عنك بعد مضي مدة معينة من الزمن. أما ضميرك فإنه لا يعفيك بل يشب في آخر لحظة عند الموت، كما سيشتكي عليك في يوم الدين. وكل زنا وخداع واستكبار سيسطو عليك في هذا اليوم، إن لم تجد طريقاً لإصلاح نفسك نهائياً.

ولكن الحمد لله، فإن الذي خلق الإنسان لا يريد إهلاكه ولا إدانته، بل يمنحه فرصة التوبة. لا يستطيع إنسان أن يشفي ضميرك إلا الله. وليس طبيب نفسي أو عالم أسرار الإنسان يستطيع حل تورط عقدك النفسية إلا خالقك بالذات. فإن أردت إصلاح ضميرك، فنقدم بين يديك اثنتي عشرة نقطة فعلية مهمة تبنيك في هذا السبيل:

  1. التجئ إلى الله في صلواتك الشخصية واعترف أمامه بخطاياك. عندئذ تختبر القاعدة الذهبية حسب قول الرسول: «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا 1: 9).

  2. واعترافك يتضمن ألا تريد فعل الخطية مرة أخرى، بل تعاهد القدوس عازماً، ألا تعود إلى الخطية فيما بعد. فلا تغرق نفسك لأن ضميرك يراقبك. والله يطلب تجديد إرادتك كاملاً.

  3. إن الله ينتظر اعترافك المطلق وانكسار كبريائك وتسليم إرادتك إليه. وعندئذ تختبر متعجباً أن الله القدوس هو المستعد - قبل أن ترغب أنت - لمنحك قلباً جديداً وفؤاداً مرتاحاً. والله هو الخالق القدير ويستطيع أن يعطيك ضميراً طاهراً. فاشترك بصلاة الملك داود وقل: «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور 51: 10)

    أيها الأخ، إن الله اليوم مستعد أن يصلح ضميرك الأثيم.

  4. والروح القدس يدلك على المسيح، الذي هو طبيب نفسك، ومنظم ماضيك، ومطهر قلبك. إن هذا البار حمل في سبيل المحبة خطاياك وكفّر عنها في غضب الله، ومات عوضاً عنك موتاً أليماً. قد سفك دمه لأجل آثامك العديدة، وبررك أمام الله، وأوجد حقاً عظيماً شاملاً لكل مؤمن به.

  5. ومن يدرك سر هذا الحق الجديد، ويتمسك بالمسيح ويلتجئ إليه في صلواته، يختبر الحقيقة العظيمة: «دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!» (عبرانيين 9: 14).

    ونؤكد لك يا أخانا أن الله لا يرفضك، بل يحبك ويطهرك لأجل موت المسيح شعورك الباطني تماماً، ويمنحك بعد اعترافك بالخطايا تطهيراً وتبريراً لفؤادك، فتحصل على ضمير مرتاح مطمئن.

  6. وإن آمنت بالمسيح المخلص تصير متجدداً وطاهراً مقدساً لأن الله يحل بروحه اللطيف في ضميرك، ويعزيك بتعزية أبدية. وهذه هي العجيبة العظمى في إصلاح نفسك، أن الروح القدس يغيّر لأجل إيمانك بالمسيح فؤادك ويملأك، ولا يفارقك. الحمد لله فمن يؤمن بدم المسيح ينل ضميراً طاهراً حياً، ثابتاً في هذه الدنيا وبعد الموت وفي دينونة الله، مسنوداً ببر المسيح الموهوب له.

  7. وبعد هذه الدرجات الشفائية في إصلاح النفس لم يقل الرسول الحمد لله قد حصلنا على قلب جديد فلا حاجة لي إلى انتباه بالغ وتقديس ذاتي إنما اعترف جهراً.

    فهذا الخبير في الأمور الروحية أدرك ضرورة هداية المؤمن بالروح القدس.. فكان متواضعاً وطلب الله ليهبه حكمة وقوة لتنفيذ إرادته. أيها الأخ هل مررت في دراسة فحص ضميرك، وهل حصلت في توبة وإيمان على قلب مرتاح من الله؟ فسجل الآن نفسك في مدرسة تدريب الروح القدس للمرحلة الثانية في إصلاح ذاتك ومرن ضميرك في طرق الله المستقيمة.

  8. عندئذ يريك روح الحق كل يوم بدقة ما هو صواب، وما هو خير. ويدرب أولاً ضميرك حسب دستور محبة الله، لأن القدوس هو محبة فيقصد تثبيتك في رحمته الأزلية. فهل تحب أعداءك وتحتمل الصعبين في محيطك؟ إن روح الله يخلق فيك محبته ورحمته ويمرنك في الحنو على المساكين. هل تكره إنساناً معيناً؟ أو يشتعل قلبك بانتقام؟ إن الله لم يهلكك لأجل خطاياك. فالروح القدس يدفعك إلى الغفران المطلق، لأن سر ضميرك الصالح هو التسامح. فالله قد محا كل التذكرات الرديئة من ذهنك. فاغفر من الآن بغنى وبالتمام كل زلات مضايقيك.

  9. ولعلك تقول مجاوباً: يستحيل. ليس إنسان يقدر أن يغفر دائماً. فالقلب يثور بسبب أضرار العدو المؤذي. فنجاوبك: إن كان قلبك كالحجر مسوداً ثقيلاً، فالله قادر أن يغير فؤادك ويملأك بروحه القدوس. فاطلب من أبي كل الرحمة، ليسكب من لطفه في فؤادك. إنك في حاجة ماسة إلى قوة الله وإلى انفتاح نفسك لقدرة روحه.

    عندئذ يحل فرح السماء في ضميرك، لأنك قد غلبت نفسك، وتحررت من بغضتك، وتجد نشاطاً روحياً فيك، وتعيش مع الله في السلام. وهو الآن يملأك بالصبر وطول الأناة والتواضع واللطف والتأني والوداعة، لأنه لا يقصد تطهير ضميرك على الدوام فقط، بل تغيير وجهه سيرتك ورفع أهدافك للمستوى الإلهي.

  10. والروح الطاهر يساعدك أن تتغلب على الكذب والنجاسة أيضاً. ليتك تعرف نفسك، وتعترف أنك ككل الناس كاذب ونجس في الجسد، فإذ ذاك تُشفى. لأن روح الرب يمنحك لساناً جديداً مسبحاً الله ومتكلماً بالصدق والاستقامة. كما أن هذا الروح يقويك عزيمة لتعيش طاهراً في العفة ضمن الأنظمة الطبيعية. فسلم جسدك إلى تدريب الله فيطهّرك ويقدسك ويجعلك إنساناً صالحاً.

  11. والرسول بولس القديس شهد، أنه درب نفسه دائماً ليحفظ ضميره صالحاً أمام الله والناس. فهذه الكلمة دائماً تدلنا على الكفاح اللازم ليلاً نهاراً لنثبت في شركة مع الله. فإنك لا تستطيع تثبيت وتقديس نفسك بنفسك، بل تحتاج دوماً إلى المكالمة مع الله في الصلاة، والتعمق في الكتاب المقدس، والشركة الأخوية. فلا تستكبرن بتاتاً، بل تخل عن عزلتك، وكن متواضعاً واطلب شركة الإخوة فتثبتوا معاً في المسيح الذي يحفظكم في التواضع والطاعة الروحية ويعلمكم السلوك المرضي أمام الله والناس ويمنحكم حكمة لتجدوا طريقة معقولة في كل المشاكل البيتية والاجتماعية والكنسية.

  12. أيها الأخ العزيز، مرّن ضميرك ولا تهمله. تعال إلى الرب، فتتحرر من ماضيك. ولا تخبئن أمامه آثامك بل صن قلبك لقوة دم المسيح المطهر فتختبر الروح القدس وقدرته الفائقة في هدايتك اليومية.

وإن كان لديك أسئلة حول إيمانك وضميرك وخلاصك، فنحن مستعدون أن نجاوبك بأمانة، لأننا قد اختبرنا مثلك إننا ضالون مذنبون. ولكن المسيح خلصنا وأعطانا قلباً جديداً صالحاً، نسلك في إرشاده يومياً بفرح. تعال ودرب ضميرك في قوة ربك.