العودة الى الصفحة السابقة
لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ (يوحنا 16: 33)

لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ (يوحنا 16: 33)


يصرخ العالم: سلاماً سلاماً. والمسؤولون في السياسة يسرعون من اجتماع لآخر، ويموتون بالسكتة القلبية لتعبهم بإيجاد الصلح والوساطات. والجرائد بعناوينها الضخمة تخوفنا من الحروب الفتاكة الصاخبة. والفضائح لا تنتهي رواياتها. والغلاء كغول يلاحقنا. فنجد أن كل الكلام عن السلام كذب، لأن قلب الإنسان شرير منذ حداثته. وما دمنا لا نستطيع أن نحافظ على السلام في عائلاتنا الخاصة وجيراننا المجاورين وأماكن عملنا، فلا حق لنا أن نتكلم عن السلام العام العالمي، لأن الحرب تنبع من صميم قلوبنا.

وأساس ضيقنا مرده إلى الانفصال عن الله. فخطايانا تتراكم كجبل عال بيننا وبين الفردوس. أنت يا أخي عائش مع الله في حرب روحية، لأنك لا تتمم وصايا محبته، ولا تسمع كلمته إلا لماماً. فغضب الله معلن على كل فجور الناس، وأسلمهم ليهلكوا بعضهم بعضاً، في البغضة والبخل والحسد والخصام. ودينونات الله على عدم إيماننا المخلص توقعنا للاضطراب والخوف والهموم. ليس ضيق آخر في العالم، إلا بعدنا عن الله. ومن هذا الانفصال عن الخالق نقع في الآثام، التي تفسد حياتنا وتقيدنا في خوف الموت. ونجد في العالم قوة شريرة، تدفعنا للعمل الشرير حتى ولو شئنا تنفيذ عمل الخير. فنرى بعد ارتكاب الخطية أننا ارتكبناها ضد إرادتنا. إن العالم كله قد وضع في الشرير. وكلنا عبيد مزاجنا الرديء.

ولكن الحمد لله. إن لنا رجاء، لأنه قد عاش في العالم إنسان، غلب شهوات جسده وعاش قدوساً. اسمه المسيح. وهو المولود من روح الله. ولم يطلب غنى ولا مجداً ولم يستكبر. وما قبل رشوة ولا سلطة سياسية، ورفض كل المداهنات. وقد تجسدت فيه المحبة غالبة الأنانية في البشر. فقوة الله حلت فيه وكان عظيماً. ورغم ذلك جعل نفسه خادماً لكل الناس، وتألم من عيوبنا القبيحة. ورفعها على كتفيه صامتاً. فأحبنا أكثر من نفسه، ومات عوضاً عنا في لهيب غضب الله، قرباناً مقدساً مقبولاً. فالمسيح أنهى بموته على الصليب الحرب بين الله والبشر، وأوجدت مصالحته لنا سلاماً تاماً. وقد دفع بحياته ثمن الدم، ليعم الصلح. فمنذ موت المسيح تغيرت حالة العالم مبدئياً. قد صار سلام وغفران وصلح تام.

المسيح غلب العالم في ذاته. ولم يجد الشيطان قدرة ليوقعه في خطية استغفالاً. فقام الغالب على كل الشرور من بين الأموات. لأن الموت لا يستطيع مسكه، حيث أن المسيح ثبت طاهراً كل حياته. فالمولود من الروح القدس غلب الموت مانحاً لنا رجاء عظيماً، ومقدماً لكل مؤمن الحياة الأبدية.

هل تعرف المسيح حقاً؟ أفتريد التعمق فيه؟ عندئذ تكسب ثقة في جودته، وتقترب من وعوده. وكل من يؤمن بكلماته يرتبط به مشتركاً بانتصاره. والمسيح لا يترك المتحدين به لوحدهم. فالجالس في عرش الآب أرسل إلينا قوة الروح القدس ليشبع قلوب الجائعين إلى البر.

هل يسكن روح المسيح فيك؟ فهو وحده الذي يريح ضميرك ويعلمك محبة الله. وهو يعلن لك أنك مولود ثانية وتعيش إلى الأبد لأجل المسيح. وهذا الروح المبارك يعزي المؤمنين في كل الكوارث، ويقودهم ليسامحوا أخطاء الصعبين. فالمسيحي الحق لا يكره أحداً، بل يتحرر من الأنانية، ويخدم خدمة متواضعة. إن المؤمن لا يستكبر، لأنه يعرف ماضيه الملوث، ويتعزى بحاضره المبارك، ويفرح لمستقبله المجيد. فلا يقيس ذاته بمقاييس البشر، إذ أن سلام المسيح هو مالئ قلبه بمعرفة مسرة الله. فيدرك ببهجة أن الأزلي ليس عدوه المهلك، بل أبوه الحنون. عندئذ يبتدئ فيه الحمد والشكر والفرح الذي لا يزول.

وكل هذه الامتيازات لا يملكها المؤمنون من تلقاء أنفسهم، بل يحصلوها من المسيح وفيه فقط. فهو الغالب على الخطايا والموت وإبليس، ويضع فينا سلام الله.

فيا أيها الأخ الكريم، هل تريد الدخول إلى رحاب المسيح؟ فنقترح عليك أن تصلي معنا هكذا: أيها الرب المسيح القدوس، نرى سيرتك بلا لوم، ونشكرك لمحبتك. أنت قد رفعت خطايانا على قلبك، وغفرت ذنوبنا على الصليب، ومنحتنا روحك القدوس. وهو حال فينا منشئاً فينا سلاماً تاماً. فمصالحتك هي سبب سلامنا، ومحبتك تدفعنا إلى الخدمة. املأنا بفضائلك، لكي نثبت فيك وأنت فينا.