العودة الى الصفحة السابقة
اللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يوحنا 4: 24)

اللهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يوحنا 4: 24)


يظن كثير من الناس أنهم يستطيعون أن يتستروا على نواياهم وأعمالهم عن غيرهم بمظاهر التقوى والرياء الاجتماعي فلا يكتشفهم أحد. فترى هؤلاء إذا صلوا أو قدموا عبادة ما يطيلون صلاتهم ويجهرون بها ويتفاخرون بأنهم صلوا وحجوا وصاموا وخدموا الله. ولم يعلم هؤلاء بأن الله غني عن العالمين. وأنه إذا لم يفعل كما أمرنا المسيح فكأننا لم نصلِّ ولم نصم. إذ يقول له المجد: «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا ٱلشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا ٱلْكَلاَمَ بَاطِلاً كَٱلأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوه» (يوحنا 6: 5 - 8).

وتحضرني الآن قصة لطيفة جميلة على بساطتها أثرت فيّ كثيراً. وهي أن أستاذاً حكيماً أراد اختبار ذكاء تلاميذه فأعطاهم عشرة عصافير، لكل واحد منهم عصفوره، وأمرهم أن يذهبوا ويذبحوا العصفور، كل واحد عصفوره، دون أن يراهم أحد. فتسعة فعلوا ما طلبه منهم، والباقي جاء ومعه العصفور حياً. وقال للمعلم لما سأله في ذلك أنه أينما مضى كان يجد الله معه. فسر الأستاذ بذلك التلميذ النجيب سروراً عظيماً.

ونعلم من الكتاب المقدس كما تبين لنا الآية الكريمة أن الله روح. وإذ هو روح فلا يخفى عليه شيء في السماء والأرض، حتى خلجات قلوبنا وومضات أفكارنا. ونجدهم مساكين جداً أولئك الذين يعبدون الله بغية الثواب والجزاء ودخول الجنة. فهم عبيد بطالون يخادعون الله ويستعملون معه طرق التجارة الغادرة والربا الفاحش. حيث يعتقدون أنهم بقليل من الصلوات والشعائر والتمتمات يحصلون على الجنة بطولها وعرضها ونعيمها وخلدها. ألا ساء ما يفتكرون.

إن المسيح أيها الإخوة لا يطلب منا سجوداً كاذباً ولا ركوعاً مخادعاً ولا نفاقاً ولا رياء. فذلك هو المسيح ابن الله الذي يقول وقوله الحق منبئاً ومخبراً عن حقيقة العبادة له: «وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 24).

إننا نعبد الله ليس لأجل الثواب أو خيفة من العقاب أو طلباً للجنان بل لأنه أحبنا وفدانا وكفّر عن ذنوبنا وخطاياناً. فأحببناه وسلّمناه حياتنا وسجدنا له بأرواحنا، سجوداً يعبّر عن شكرنا لخلاصه العظيم الذي غسل وأزال أوزارنا وجعلنا بعد ذلك أبناء له، والعاقبة للمتقين.

والسجود الحق لله يتم باعترافنا بخطايانا، لأننا جميعاً محتاجون إلى غفران الله وقبول فداء المسيح الذي حققه لنا على الصليب، فمن يؤمن به يخلص من الدينونة الرهيبة ويغفر ذنبه نهائياً ويتصالح مع الله القدوس.

والروح القدس يحل في قلب المؤمن على أساس هذا الغفران فيصير مصلياً لله بالروح والحق. ويعرف أن القدوس هو أبوه الروحي، ويفرح أمامه ويسلك في البر والمحبة آمناً، فتتغير حياته كلها إلى سيرة مرْضية أمام الله. ويصبح كيانه كله سجوداً لربه فكراً وقولاً وعملاً، وكما قال الرسول بولس: «كُلُّ مَا فَعَلْتُمْ فَٱعْمَلُوا مِنَ ٱلْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ» (كولوسي 3: 23).

وهكذا تصير حياة المؤمن كلها عبادة وشكراً وحمداً آمين.