العودة الى الصفحة السابقة
الصلاة المستجابة عند الله

الصلاة المستجابة عند الله


من أهم الأمور في حياة كل إنسان عاقل، أن يفتتح كل يوم من أيامه بالصلاة إلى الله ليوفقه ويهديه رشده. والصلاة هي من طبائع الإنسان ووظائفه كالتنفس والأكل والشرب. فيمارسها كأنها جزء من أجزاء وجوده.

ويخبرنا لوقا الإنجيلي، أن المسيح فيما هو في موضع خلاء يصلي، وإذ قد فرغ، سأله واحد من تلاميذه أن يعلمهم الصلاة ولعل التلاميذ أدركوا أن هناك علاقة بين حياة سيدهم العجيبة وبين الصلاة. فأتوا إليه ملتمسين أن يعلّمهم الابتهال إلى الله. ولا ريب في أنهم أصابوا كبد الحقيقة في اختيارهم المعلم. لأن يسوع معلم ناجح مختبر. والمعلم الناجح هو من علم الناموس من اختباراته. فلا يشير عليهم بماذا يفعلون لبلوغ الهدف، بل يريهم بالمثال كيف يمكنهم بلوغه.

فبهذا الأسلوب المشبع بروح الاختبار، قدم لهم نموذجاً حياً للصلاة، نموذجاً ضمّنه عبارات موجزة جعلها قاعدة لما يليق التفوه به، أمام عرش النعمة.

وهذا النموذج البسيط بكلماته، العميق بمعانيه، لقب بالصلاة الربانية، نسبة للرب الذي وضعه. وهو يحتوي على: المقدمة «أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 6: 9). وهذا النداء يضعنا في نسبة عجيبة، جاء الرب يسوع يقررها بينه وبين الآب وبيننا نحن أيضاً. إنها تتضمن سر الفداء. وهو أن المسيح منقذنا من اللعنة، حتى صرنا أولاداً. وتحوي أيضاً سر التجديد. وهو أن الروح القدس في الولادة الجديدة يهب لنا حياة جديدة. وكذلك فيها سر الإيمان.

ونفهم من هذه المقدمة أن الصلاة هي شركة المحبة الشخصية بين المصلي والرب الإله. وأن أساس قوتها ونمائها، هو معرفة أبوة الله معلنة بالروح القدس.

فالطلبات الثلاث الافتتاحية «لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ» (متّى 6: 9 و10) تختص بالله.

ثم ثلاث طلبات تختص بالإنسان. الأولى تتناول حاجات الجسد «خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ» (متّى 6: 11). والثانية الغفران «وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنا» (متّى 6: 12) والثالثة تعالج الخطية وتطلب العصمة منها «وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّير» (متّى 6: 13).

وبعدئذ الخاتمة. وفيها سبب الصلاة كلها وسبب تقديمها لله. لأن لله الملك، أي الحق والسلطة المطلقة على العالم، وله القوة، لكي يستجيب هذه الطلبات وله المجد، ونحن نطلب هذه الأشياء من أجل مجده «لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَد، آمين» (متّى 6: 13).

وعقب المسيح على عبارات الصلاة النموذجية بتحريض على الطلب، فقال: «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ» (متّى 7: 7). ثم اتبع التحريض بتأكيد جازم، إن من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يُفتح له.

وفي حديث الرب مع المرأة السامرية قال أن الآب السماوي طالب ساجدين ويسره أن نتعبد له. شرط أن يكون سجودنا بالروح والحق. «اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 24).

فالعبادة في المسيحية بالروح. والمسيحيون الحقيقيون يعبدون الله، لا في طقوس الناموس الموسوي، بل في فرائض روحية، تضع أهمية أقل على الممارسات الجسدية فهي مفعمة بالقوة الإلهية والنشاط الإلهي.