العودة الى الصفحة السابقة
اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي ٱللهِ وَٱللهُ فِيهِ (رسالة يوحنا الأولى 4: 16)

اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي ٱللهِ وَٱللهُ فِيهِ (رسالة يوحنا الأولى 4: 16)


ليس في لغة الناس والملائكة كلمة بعذوبة هذه الآية المجيدة «اَللهُ مَحَبَّةٌ» فهلا شكرت الله لأجل هذه الصفة التي تجعلك قريباً من قلبه؟ هلا شكرته لأنه أعطاك الحياة والقوة والعقل؟ ألا تعلم أن والديك وما يحيطانك به من عناية وإمكانية الدرس الذي يفتح أمامك مجالات كثيرة في المستقبل هم هبة الله؟ إن الهواء الذي تتنشقه، والماء الذي تشربه، والشمس التي تتمتع بنورها ودفئها هي من بركات هذا الخالق العظيم؟ والأهم من هذا كله فهو يدعوك لقبول خلاصه رغم ذنوبك الكثيرة. فأين شكرك؟ هل تحجَّر قلبك، وتجمَّدت عاطفتك، حتى لا يرتفع صوتك بالحمد للمنعم الجوّاد؟

إن الله محبة، ولكننا كبشر خطاة لا نعكس ولا نتجاوب مع محبته الشاملة. إننا في معظم الأحيان نتصرف تصرفاً لا يليق بقداسته ومحبته، تجاهه أولاً وتجاه البشر. إن هذا التصرف هو الخطيئة بعينها.

اذكر أن الله يحبك دائماً رغم أنك خاطئ بسبب عدم تجاوبك مع محبته. إنه مستعد أن يغفر لك خطيتك إن آمنت بابنه الوحيد، الذي بفدائه على الصليب عبّر عن محبة الله الفائقة لك.

ولما رآك في أسر الخطيئة أرسل ابنه لكي يحررك منها ويقودك إلى حرية أولاد الله. وحين تجسد في مذود بيت لحم، تجسد الحب وهللت الملائكة. وحينما بدأ رسالته على الأرض، جال بين الناس يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. ولما كرز بإنجيل السلام، تكلم بآيات المحبة لكل فئات الشعب، حتى صلاب الرقاب، وجالس الخطاة والمنبوذين وأعاد إليهم الاعتبار جزاءً لتوبتهم. كل هذا حدث بداعي المحبة.

بيد أن محبة الله ظهرت بأسمى تضحية في موت المسيح بديلاً عن الخاطئ. فقد حمل خطايانا في جسده على الصليب، وبذلك صالحنا مع الله. فاذكر إذاً أن يسوع اجتاز لظى غضب الله كي يجنّبك العذاب الأبدي. وبالتالي فإنه يعطيك نصيباً في ميراث المقدَّسين في النور.

تأمل في كل هذا، وقل مع جميع المتعجبين: «اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلآبُ» (1يوحنا 3: 1) إنه «لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ» (رومية 8: 32). ولعلك تعلم أن الله نفسه، تألم في ابنه يسوع المسيح، لكي يزيل عنك حكم الدينونة. الواقع أنه لأمر عجيب، أن يموت البار القدوس من أجل الأثمة النجسين! وأن يتألم الابن الحبيب لأجل العبيد العصاة المتمردين! حقاً إن الله يحبك. وكم تكون قاسي القلب إن لم تجثُ أمامه وتسلمه قلبك ذبيحة حمدٍ وشكر.

أجل إن المسيح مات لكي يطهرك من كل إثم، ويحي نفسك الميتة بروحه القدوس. فهل انسكبت محبة الله في قلبك كما قال الرسول بولس: «مَحَبَّةَ ٱللهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5: 5)؟ هل حصلت على قوة محبة الله من خلال موت المسيح، فتغفر لأعدائك كما غفر الله لك، وتحجم عن كل انتقام كما فعل هو معك؟ هل تأصَّلتَ في المحبة مردداً مع بولس: «ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لا تَحْسِدُ. اَلْمَحَبَّةُ لا تَتَفَاخَرُ، وَلا تَنْتَفِخُ، وَلا تُقَبِّحُ، وَلا تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلا تَحْتَدُّ، وَلا تَظُنُّ ٱلسُّوءَ، وَلا تَفْرَحُ بِٱلاِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِٱلْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لا تَسْقُطُ أَبَداً» (1كورنثوس 13: 4-8).

إن تثبت في المحبة تصبح خادماً للناس كما كان المسيح. إن محبة الله هي خير وسيلة لإحداث أعظم ثورة في تاريخ البشر. فمن يفتح نفسه لها يصبح إنسان السلام والمسرة، لأن المحبة لا تصنع سوءاً لأحد. وإن عذبك الآخرون واستهزأوا بك فاتبع المسيح واطلب منه أن يمنحك قوته الغالبة التي استطاع بها أن يحب أعداءه ويبارك لاعنيه ويُحسن إلى مبغضيه.

تأكد أن الله يريد أن يثبّتك في محبته، لأنه يعلم أنك أناني في نفسك. وإنه لشرف عظيم أن الله الحي يحل بروحه في المؤمنين لكي يطرد منهم روح البغضاء ويملأهم بروح المحبة.

هل يسكن الله في قلبك؟ لا تتعجب لأنه لا يأنف أن يسكن في قلبك، أنت الإنسان الخاطئ، ليجعل منك ابناً لمحبته!

اطلب منه انسكاب روحه القدوس في قلبك فتثبت في المحبة، لأن من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.