العودة الى الصفحة السابقة
الحرية الحقة تناديك اليوم

الحرية الحقة تناديك اليوم


عصرنا هذا عصر المناداة بالحرية، لأن الحرية أنشودة عذبة ينشدها كل إنسان. الإذاعات والصحف وكل وسائل الإعلام تتحدث عن الحرية والتحرر والشعوب التي ذاقت مرارة الاستعمار تطلب حريتها. وأهل الفكر ينادون بالحرية الفكرية في البلدان التي تقاوم أفكارهم. والمرأة تنادي بالتحرر من سيطرة الرجل واستبداده. ونشكر الله لأن عادة امتلاك العبيد واستعبادهم سائرة في الانقراض؟

والشبيبة اليوم تطلب أن تتحرر من العادات القديمة والتقاليد البالية من الدين والأخلاق، من سلطة الآباء والأمهات، بل يرغبون حتى في الحرية من منهج الدراسة، ليدرسوا ما أعجبهم ويتجنبوا ما لم يعجبهم. إنهم يطلبون الحرية المطلقة التي بلا حدود المؤدية إلى الفوضى. وهذا ما نراه في الغرب بل في الشرق أيضاً. فالحرية التي بلا قيود ولا ضوابط تتحول إلى تهديد مستمر وتنذر بمستقبل بشع وتقود المجتمع إلى نهاية مفجعة.

فالشبيبة في بلادنا العربية مسرعة في طريق الانحدار منكرة للفضائل الشريفة والمبادئ النبيلة. والحركات الفوضوية بشعار الحرية الكاذبة قد أخذت بعقول الكثير من الذين قد وصلوا إلى الإباحية واللاأخلاقية. وما أصدق المثل القائل: «تبدأ متاعب الإنسان عندما يكون في قدرته أن يفعل ما يشاء».

فالإحصاءات الحديثة عن حوادث الطلاق والقتل والسرقة، وتفكك الأسرة، وتفشي الكراهية. والتمييز العنصري والشذوذ الجنسي والإدمان على المسكرات والمخدرات مفزعة جداً ومهددة الحياة على كرتنا الأرضية أكثر مما تهددها القنابل الذرية.

اليوم يصدق على عالمنا قول إشعياء النبي المنادي: «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى» (إشعياء 59: 9 و10).

وأنبأ إشعياء أيضاً «تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلٰهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيداً. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاِسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُوماً، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ» (إشعياء 59: 12-15).

أيها القارئ العزيز هذا هو سبب آلام البشرية التي ابتعدت عن الله تعالى وانساقت وراء الشرير. وقد أغوتهم الشعارات الجوفاء عن الحرية الوهمية. فساروا على وجوههم هائمين لأن الشيطان الرجيم يتبع الذين ابتعدوا عن الله وأنكروا الإنجيل وكفروا بالمسيح المحرر الأعظم الذي قد خلصنا من عبودية الخطيئة. ولا نتعجب من حالة العالم لأن الإنجيل المقدس يوضح لنا: «وَلٰكِنِ اعْلَمْ هٰذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ» (2تيموثاوس 3: 1-3).

ما أصدق هذه الصورة على جيلنا في القرن العشرين. وكل هذه المشاكل سببها المفهوم الخاطئ عن الحرية التي هي أسمى هبات الله للإنسان العاقل.

فالله سبحانه وتعالى أعطى حرية للإنسان. أما هو فلا يريد أن يخضع لخالقه بل يشاء أن يكون حراً حتى من الله.

الإنسان متمرد وعاصٍ في طبيعته. والشيطان يوهم اليوم الشبيبة ليطلبوا الحرية في كل شيء، حرية مطلقة لا حدود لها. ولكن هذه الحرية المتلألئة تعني عبودية مرّة.

أكثرية الشباب والناس تقيّدهم العادات السيئة، ويعملون ما لا يريدون، رغم حريتهم في التصرف. كما قال المسيح: «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا 8: 34).

الإنسان الذي لا يؤمن بالمسيح ولا يعرف بعد أصول الإيمان المسيحي الحقيقي يظل بعيداً عن الحرية الحقة ولم يذق طعمها في رحاب المسيح. وقال الرب يسوع المسيح له المجد: «تَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً» (يوحنا 8: 32 و36). السيد المسيح له المجد قد جاء ليحرر الإنسان من يأسه، من خموله، من قلقه ومن عبودية الشر.

لا ولن يصل الإنسان إلى الحرية إلا بالمسيح الحنون الذي يقدم لنا الغفران الإلهي مجاناً على موته الكفاري عوضاً عنا. طوبى لك إن اختبرت غفران خطاياك، وحصلت على انفراج ضميرك، وتحررت من حمل ذنوبك الأثيمة. ما أعظم الحرية في غفران المسيح.

وكل من يؤمن بيسوع الناصري ينال القوة السرمدية ويتحرر من الفساد العميق ويتغير من أناني إلى مهتم بالآخرين، ومن متمرد عاص إلى وديع لطيف. ما أجمل الحرية الأخلاقية المعطاة لأتباع المسيح المخلص.

وقد أعلن المسيح هدف خدمته بقوله: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلَاقِ وَلِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ» (لوقا 4: 18).

فالحرية الحقيقية هي في معرفة الحق، واتباعه، والعمل به. ولهذا يدعوك المسيح قائلاً: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 14: 6). من آمن بي يتحرر تحرراً أبدياً. فاسمع صوته واقبل الحرية الثابتة.