العودة الى الصفحة السابقة
نشيد المحبة

نشيد المحبة


العالم مريض بأنانتيه، التي تتراءى زهورها المفتحة بألوف الأشكال المعطرة البديعة. ولكنها في الحقيقة سم زؤام. فبعض الناس يتباهون بموهبتهم الخطابية، ويفخرون بطنطنة كلماتهم الفارغة. ويل للزعماء الذين يخدّرون الناس بمواعيدهم البراقة، ويحتقرونهم في الحقيقة.

وويل لذوي الأديان الذين ببلاغة كتبهم يمجدون أصناماً معبودة، غير مدركين أن المحبة هي وحدها تكميل للناموس. وويل للجماعات التي تفتح أبوابها لملائكة الشيطان، ظانين أن التكلم بألسنة غريبة أعظم من التواضع والهدوء والوداعة. فليست أساليب محادثتك هي المهمة، بل محبتك للمخاطبين. فإنك بدون المحبة تشبه مادة ميتة، حتى ولو نطقت بطريقة تفوق المتنبي فصاحة.

والأنانية الروحية تتباهى أيضاً بمعرفة الله وتفتخر بما أدركت من أفكاره للمستقبل، وبتعمقها في أغوار الطبيعة وأسرار الآخرة وذلك إما بالاستعانة بالعلوم الحديثة، أو بالإتّصال بالأرواح النجسة. ولكن كل هذه المعارف بنسبة محبة الله هي أفكار ميتة. وحتى أن كل إيمان لا يُبنى على المحبة، يُحسب بلا قيمة. فكل علم أو تديّن، أو تعصّب، وجميع قوى الإيمان باطلة ومضلة، إن لم تملك فيها رحمة الله وصبره وصلاحه.

وأعمال الإنسان الصالحة المرائية هي خداع للنفس. فالمضحي بالمال أو المساهم بالأعمال الخيرية لربح السماء، يسقط إلى جهنم، لأن كل عون للآخرين مبني على أنانية روحية مسمم وشرير، ولا يفيد حقاً. والذي يحب خدماته الخاصة أكثر من الناس الذين يخدمهم، هو عابد للوثن. ومن يضحي بنفسه في زحمة الشغل، ويلتهب حماساً، ويجن همة يخدع نفسه. لأن محبة الله حكيمة ومتأنية وهادئة ووديعة.

ادرس سيرة يسوع المسيح وأخلاقه، لأن محبة الله ظهرت فيه كاملة بكل صفاتها. هو كان صبوراً، ولم يحكم على البشر السطحيين بسرعة. ولم يرفض أعداءه المستكبرين الضعفاء، وغفر ذنوبهم كل يوم مجدداً. وكان المسيح فقيراً، ولم يحسد الأغنياء، بل طالما ندّد بغرور الغنى. وكذلك لم يبن بيوتاً من حجارة، ولم يجمع مالاً بل أحب الله أباه السماوي، ووثق بعنايته. ولم يستكبر المسيح متفاخراً بقدرته، رغم أنه القادر على كل شيء.

وفي الحقيقة أن كل إنسان، هو كبالون منفوخ بالهواء، أما المسيح فقد حلّ فيه كل ملء اللاهوت جسدياً، لأنه من روح الله، وتجسدت فيه كلمته السرمدية. ولكن رغم قداسته الأصلية، لم يدن إنساناً بفضح رجاساته. بل تألم من قباحات العالم، حاملاً رجسنا، وغالباً ضعفنا الصريح. لم يعش المسيح لنفسه، بل لأنفسنا مع أننا ثائرون خطاة مجرمون. وهو لم يشتمنا، ولم ينتهرنا، ولم يرفع صوته على خبثنا. ولم يحتد على موبقاتنا، بل قبل كل تائب، وأعطى كل سائل، ورحب بكل راجع تائب إليه.

فالمسيح ينتظر أن تأتي إليه، وتستغفره، وتخلع أنانيتك بتوبة شاملة. لقد تألم من ظلمك وفرح لصلواتك. إنه يحبك أكثر من والديك ويرحمك برحمة الله الواسعة.

هل تعرف رحمة الله؟ أنظر إلى المصلوب، فترى كيف أنه يرفع خطية العالم، ويحمل رجاستنا متألماً في غضب الله، ومبطلاً سلطة الموت. فمحبة المسيح كانت وحدها قادرة أن تحمل كل الأنام ودينونتهم. فآمن بنصره كحمل الله الذي لأجلك عانى من انحجاب وجه أبيه عنه، لأن القدوس تركه لأجل خطايانا.

فالمسيح تألم في غضب الله إلى المنتهى، فوق صليبه، رمز المحبة السرمدية. ومنذ ذلك الوقت نعلم أنّ الله يحبنا لأنه بذل ابنه الوحيد، «لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). تعال إلى يسوع أيها الأخ الجائع إلى المحبة، فيطهر قلبك النجيس، ويملأك بلطفه. كما نقرأ «إنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5: 5). فليس إنسان يقدر أن يحقق محبة الله في حياته، إلا في قوة الروح القدس. ولأن المسيح ضحى بحياته لأجلك، يحق لك أن تطلب امتلاءك بمحبة روح الله.

هل تريد أن تصبح إنسان المحبة مشاركاً المسيح الذي عاش ومات وقام حياً؟ تعال إلى المخلص الحق، واعترف بأنانيتك وقساوة قلبك ونجاستك وبغضتك. واطلب منه إماتة شهواتك واتحادك بمحبة الله، فيجري تيار الأبدية فيك، ويغيّرك لتتجسد فيك صفات المسيح.

احفظ نشيد المحبة غيباً ومارسه في وحدة مع المسيح. تفكر في كل كلمة، وادرك تحقيقها في سيرته، فتجد هدفاً وقوة ومعنى جديداً لحياتك.