العودة الى الصفحة السابقة
دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ... (متّى 28: 18)

دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ... (متّى 28: 18)


الحروب والأكاذيب والفوضى، تعم العالم. واليأس والتشاؤم ينمو. والحكماء يعرفون من هذا كله، أن غضب الله معلن على كل فجور الناس وإثمهم. لذلك أسلمهم في شهوات قلوبهم إلى النجاسة، لإهانة أجسادهم. والعالم المبتعد عن الله، يخرب نفسه بنفسه.

«دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ»

وسط هذا الظلام الدامس، يشرق شخص يسوع نوراً للعالم، ينير عقولنا، خالقاً فينا رجاء جديداً. ليس المسيح اليوم ابن الإنسان المحتقر المرفوض بل رب الأرباب، وملك الملوك، جالساً عن يمين الله الضابط الكل، ومالكاً معه، في وحدة الروح القدس، في قوة ومجد عظيم.

لقد غلب كل الشر بمحبته ووداعته وتواضعه، وصالح البشر مع الله القدوس بالصليب. هو وحده أتم الخلاص، الذي لا يقدر عليه ملاك، ولا إنسان.

لذلك دفع أبوه السماوي إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض، عالماً أن ابنه لا يستعمله خطأ، بل لخلاص ودينونة العالم. حقاً إنّ المصلوب لم يخدم نفسه، بل بذلها فدية عن كثيرين. فسرّ سلطانه كامن في المحبة الإلهية.

«فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ» (متّى 28: 19)

المقام من بين الأموات يخلصك من إهمالك ويكسر أنانيتك ودورانك حول ذاتك ويدفعك لهدف جديد في حياتك ويرسلك إلى أخيك الإنسان. لا تجلس هكذا منطوياً في بيتك المريح، وفي حلقة أصدقائك. بل قم وتحرك، واركض إلى حيث يدفعك روح الله. المسيح يدعوك إلى الخدمة، فلا تستسلم إلى الاسترخاء والتكاسل.

ولا تنس أن كلمة المسيح هذه، ليست اقتراحاً بل أمراً، يتطلب التنفيذ رأساً. الله يأمرك، أن تشترك بفداء العالم. ما أعظم هذه الدعوة. رب العالمين يدعوك إلى خدمته، عالماً أنك لست مستحقاً ولا قادراً. ولكنه طهرك بدمه، وغلب شرك بروحه. ومحبته جهزتك وسلّحتك بالإنجيل، لتجاهد الجهاد الحسن، تحت إمرته وبقوة صبره.

اذهب وانشر ملكوت محبة الله في محيطك واربح أفراداً لمخلصهم الفريد، واجتذبهم إلى رحاب نعمته.

وليكن معلوماً عندك أن الناس حولك، لا يصغون لكلمتك، إلا إ ذا اكتشفوا في نفسك فرح السلام الخاص بأولاد الله. وحالما يشعرون أن فيك شيئاً ليس فيهم، يتساءلون عن مصدر قوتك. لا تربطهم بنفسك البتة، بل أرشدهم رأساً إلى معلم المعلمين، ليكتشفوا في طهارته وحقه ومحبته كذبهم وظلمهم وأنانيتهم.

فالالتقاء بالمسيح ينشئ الانقلاب الفكري، وينتج الرجوع إلى الله والتوبة الحقة. في سيرة المسيح، ندرك أننا خطاة، ومساكين بالروح. فمن يختبر هذه الثورة الروحية، يصبح تلميذ المسيح، ويسمع كلمته ويتعلم منه. فأفضل تمهيد للتبشير، أن يدرك الناس نقصهم وآثامهم. لأنه بلا رجوع إلى الله وبره، لا يطيب لهم الاستماع إلى كلمته.

لا تخف، من الكبار والزعماء والأغنياء، لأن المسيح أخذ على عاتقه مسؤولية خدمتك. لا تهمل الجهلاء، والضعفاء والمجرمين، لأن المسيح يحب الخطاة، ويسرّ بتوبتهم. اخدم العجائز، عزّ اليائسين، أرشد الفتيان، ضحّ بمالك للجياع، واغفر لأعدائك.

محبة الله تفتح عينيك لخدمات متعددة، وتمنحك القوة لتشهد للمسيح. صل بمواظبة، واطلب من الروح القدس أن يرشدك إلى المحتاجين لخدمتك. لأن المسيح لم يرسلك إلى جميع الناس بل إلى الأفراد، الذين يقصد خلاصهم الآن. أصغ إلى صوت المسيح في قلبك، وأطعه حالاً. تكلم، ولا تصمت، لأنك أصبحت سفيراً للملك الأعلى.

«وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ» (متّى 28: 19)

هذا هو هدف التبشير: شركة الخطاة المتبررين، مع الله. فالمسيح مات، لننال الحياة الأبدية مع غفران خطايانا. والمعمودية هي الرمز الخارجي، لإحياء الإنسان الداخلي، واتحاده بالله. فعلى الإنسان العتيق، أن يغرق مع شهواته في لجة التوبة، ويقوم مكانه الإنسان الجديد بواسطة حلول المسيح في قلب المؤمن. فمن يقبل غفران خطاياه بدم المسيح، يمتلئ بروح الله.

عندئذ تعرف، أن الله أبوك، وتصلي إليه كابن، وتشعر أنه تبناك، وولدك ثانية. فأصبحت أهلاً للانتساب لعائلته، حيث لا تعيش منعزلاً ومتروكاً. القادر على كل شيء يهتم بك، ويحميك كحدقة عينه. وبنفس الوقت، يجعلك عموداً في كنيسته، التي يسكنها بكل مواهبه.

وهذه الكنيسة الروحية، الشاملة كل المؤمنين، تسمى أيضاً جسد المسيح. لأنه افتداها بدمه، وملأها بروحه. فاتحدنا بالمسيح، كما الجسد برأسه. هو يفكر ويأمر، ونحن نعمل إرادته بفرح. هل تريد الحياة حسب أفكار المسيح، وتتحرك حسب كلمته؟ فاذهب وتلمذ كل الناس، لأن «الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَد» (عبرانيين 13: 8). إنه مخلص الضالين، ويريد أن يرسلك، كما أرسله أبوه.

لا تقدر أن تمارس هذه الخدمة بقوتك، ما لم تحصل على مسحة الروح القدس، الذي يثبت كيانك الجديد، ويخلق فيك فضائل أبيك السماوي: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. وقبل الكل يضع فيك إرادة التبشير، لأن الله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس 2: 4).