العودة الى الصفحة السابقة
يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ (عبرانيين 13: 8)

يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ (عبرانيين 13: 8)


يوجد في العالم شخصية واحدة تستحق التعظيم. ذلك هو المسيح لأنه غلب الموت بقيامته من بين الأموات وصعوده إلى الله. وهو الإنسان الوحيد في السماء. فمن الضروري أن ندرس حياته، ونفهم دوافعه وندرك جوهره.

لماذا يحب نصف البشر المسيح؟ لقد جاء وصنع خيراً، وشفى كل مريض في محيطه. وفتح أعين العميان، وطهّر البرص، وأقام الأموات من قبورهم وأكفانهم. ولم يستخدم سحراً ما، بل عمل عجائبه بقدرة كلمته الخالقة. وليس نهاية لمحبته. وهو لم يرفض أي إنسان التجأ إليه واستعانه، حتى أن الخطاة التائبين لم يرفضهم بتاتاً، بل خدمهم بلطف، لأنه محبة الله المتجسدة.

فلماذا أبغض اليهود المسيح ورفضوه إذاً؟ لقد بكتهم على خطاياهم، وقرعهم على ذنوبهم. وكشف رياءهم المتعصب. ولم ينكر بل صرّح بأنّ الله هو أبوه من الأزل. فجن شعب العهد القديم، لأنهم ظنوا أنهم صالحون ومستقيمون حسب الناموس. وتصوروا استحالة أن يكون لله ولد بهيئة إنسية، فسموا المسيح مجدفاً. وصلبوه وهم جاهلون. وما فهموا أن الله قادر على كل شيء. فمن يمنعه إن أراد أن يكون له ولد؟ ولم يقل المسيح البتة أن الله تزوج أمه مريم العذراء. حاشاه وكلا. إنما المسيح كلمة الله وروح منه، لأنه انبثق من الآب قبل كل الدهور، وثبت فيه دائماً.

فهل افتكرت مرة بأن المسيح هو كلمة الله؟ وهو لم ينطق بكلمات إلهية فقط، بل في شخصيته تلخصت كل كلمات الله جميعاً الخالقة والمشرعة والرحيمة. وكما أن الكلمة الصادرة من قلب الإنسان هي خلاصة إرادته وبطاقة شخصيته هكذا ترى في المسيح جوهر الله وقوته وصورته، مثلما قال المسيح بكل تواضع: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 9).

لقد خلق الله العالم بكلمة قدرته. وهذه القدرة نجدها في المسيح، الذي أشبع خسمة آلاف جائع بخمسة أرغفة وسمكتين. وأمر بسلطانه الإلهي العاصفة لتصمت فصمتت. أخرج الشياطين من الملبوسين بكلمته القوية. وغفر ذنوب النادمين. وحل العقد النفسية في المعترين (المصابين). فعمل المسيح الخلاصي يرينا سلطانه وألوهيته.

ورغم كل ذلك، فقد تجرأ اليهود أن يصلبوا ابن مريم. ولكن الله استخدم هذا القتل فداء للعالم. والمسيح في محبته حمل ذنوب الناس، وأصبح حمل الله عوضاً عن الخطاة. فلقد عاش بلا إثم وكان بريئاً. فلم يقدر أحد على لومه لأجل ظلم ولا ذنب. ولطهارته استحق أن يكفّر عن شر البشر. ومحبته دفعته للموت لأجلنا، لأن الله يبغض الخطية، ولكنه يحب الخطاة بنفس الوقت، مريداً خلاصهم وتطهيرهم. وهكذا حمل المسيح خطية العالم وغضب الله وعقوبات دينونته، وكفّر عنا بسفك دمه الثمين، «لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16).

ونعلم أن الله العظيم قبل ذبيحة المسيح النيابية عنا، وصالح البشر بنفسه. ربما تسأل: من أين تعلمون أنّ المسيح أكمل الكفارة عن خطايا العالم على الصليب؟ فنجاوبك مبرهنين، أن الله أقام يسوع من القبر، ولم يتركه في الموت. وجسده لم يتفتت كما تتفتت أجساد الناس جميعاً، حتى الأنبياء. وقد صعد حياً إلى الله. فقيامة المسيح من بين الأموات هي البرهان أن الله قبل ذبيحته على الصليب، وغفر كل خطايانا. فالآتي من السماء رجع إلى مصدره.

وكل الذين يربطون أنفسهم بالمسيح بواسطة الإيمان به، يتبررون وينالون من حياته السرمدية، كما قال: ربما تفكر في نفسك أن هذه الآية جميلة وقوية، ولكني غير قادر لهذا الإيمان لأنه فضفاض. فنجاوبك: لقد صعد المسيح إلى أبيه، ليسكب روحه القدوس على كل المصابين الأتقياء. ومنذ انسكاب هذا الروح على أتباع المسيح أدركوا جوهر الله، إنه أب حنان محب طويل البال وممتلئ الرحمة. فارتفع الشكر والفرح من قلوبهم، نحو علياء السماء، إلى عرش الذي يجلس على تسبيحات محبيه. فالابتهاج والغبطة والسرور والحمد لا ينتهي منذ انسكاب الروح القدس في قلوب المؤمنين. ونعظم المسيح الذي أعدّ هذه الحلول الإلهية بواسطة موته على الصليب شرعياً وحققها بعد صعوده إلى السماء.

أين المسيح اليوم وماذا يعمل؟ لقد أخبرنا بنفسه قبل موته، أنه سيرتفع إلى أبيه وأبينا. فمن هذا القول نعلم، أن المسيح حي وكائن اليوم في وحدة مع الله. ونحن لا نؤمن بآلهة مختلفة أو متعددة، ولا نرتكب ذنب الإشراك. ولا نجدف على وحدانية الله القدوسة مطلقاً، كما يتهمنا بعض المغرضين، بل نؤمن بوحدة الثالوث الأقدس، المنسجمة في أقانيمها انسجاماً كاملاً في حقيقة المحبة. وقال المسيح بكل وضوح: «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). فليسا اثنين بل واحد. والذي يقول أن المسيحيين يؤمنون بثلاثة آلهة يغلط ويجهل الحقيقة الدامغة. المسيح هو المحبة، وأبوه هو المحبة، والروح القدس ليس إلا محبة. فهذا الجوهر يوحّد الآب والابن والروح القدس كاملاً. ومن لا يدرك هذه الوحدة الإلهية لم يحصل على محبة الله بعد. ولم يعرف الروح القدس، الذي ينيرنا ويثبتنا في هذا الإيمان.

المسيح يحب كل إنسان، ويريد خلاص الجميع. وهو يجلس اليوم على عرش مجده، غير ناس البشر الأغنياء العنيدين النجسين، إنما يريد أن ينجو الناس جميعاً ويتقدموا إلى معرفة الحق.

وحسب متطلبات القداسة يكون الله عدواً لكل الخطاة. وعدله يتطلب موت كل كافر، متجاوز للناموس. وبما أن كل خطية هي تعد على الله وشريعته، فنعرف أن كل إنسان محكوم عليه بالموت والهلاك المحتم. كلنا نحتاج إلى خلاص المسيح، لأن غضب الله معلن على كل فجور الناس وإثمهم. لا تستطيع الهرب من الدينونة العادلة على أكاذيبك وابتزازاتك ونجاستك. ولكن من يؤمن بالمسيح، يخلص من غضب الله. ولا يدخل إلى دينونة، لأن المصلوب حمل القصاص عنا، وحررنا من العدل الضاغط علينا.

والمسيح اليوم يحقق بفاعلية عظيمة التطهير لعباده، ويشفع فيهم. فيسوع هو وسيطنا عند الله. وليس معين آخر أمام محكمة الله إلا هو، لأن المسيح هو الإنسان الوحيد الذي يعيش قرب الله. وهو قدوس منذ الأزل. ولم يستغفر الله البتة. فيستحق الثبات فيه ليقدسنا.

وخدمة المسيح الكهنوتية في السماء هي الكفالة للعهد الجديد القائم بين الله والناس. ففي الأمس سفك يسوع دمه، لكي يصبح من الخطاة أولاد الله. واليوم هو يحمينا ويحفظنا ويقوينا بواسطة ابتهالاته ويباركنا بحلول روحه، لتحل فينا قوة الله وصفاته السامية. كلنا عائشون من نتائج ذبيحة حمل الله، وننال مواهب الروح القدس، لأجل تكلم هذا الدم أمام الله. وكما أن الله الآب استمع لابنه على الأرض دائماً، هكذا يستجيب بلا تأخر للصراخ الصامت من دم ابنه.

والمسيح يشتاق إلى مؤمنيه، لأن قلبه مفعم المحبة، ويعرفهم فرداً فرداً بأسمائهم. ويكلمهم بكلمته، فيجاوبونه بصلواتهم، وهو يسكن فيهم بروحه. وهم يثبتون بإراداته كأنهم أعضاء جسده الروحي. ولكن المسيح لا يكتفي بارتباط روحي مع كنيسته، بل يريد أن يراهم، ويكون معهم عملياً، ليعشوا معاً إلى الأبد.

وفي الغد سيأتي المسيح إلينا، ليعضدنا ويقبلنا ويعانقنا، وليوحّد كل أحبائه في ملكوت قداسته. فإن المسيح هو هدف تاريخ البشر. أمساً، صالحنا مع الله. واليوم، يباركنا بحلول روحه فينا. وغداً، سيأتي بالمجد والسلطان ليشفي أرضنا الفاسدة، وينشئ مملكة سلامه. ولسنا متخيلين إذا قلنا أن المسيح سيأتي قريباً «لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5: 5). فتأكدنا أنه آت وأنه يحقق كل إمكانيات الله في ملكوته. وكما شفا المساكين أثناء حياته في العالم، وباركهم وخلصهم وطهرهم، هكذا بدرجة عليا، سيرشد المطيعين ويفديهم، ويملأهم بمواهبه وصفاته الإلهية.

ولكن يا للعجب! ليس كل الناس يريدون تغيير قلوبهم، بل يتمسكون بخطاياهم الخبيثة. فلا يستعدون لاستقبال الآتي، إنما يلتصقون بأموالهم وشهرتهم الفانية. فلهذا يصبح روحهم ظالماً، وقلبهم قاسياً. ويزدادون بخلاً وحسداً وطمعاً وشهوة. أيها الأخ، إما أن تفتح نفسك لروح المسيح وتصبح إنسان المحبة والحق والطهارة، أو تدخل إلى صفوف المسيح الكذاب، وتصبح صارماً وبارداً ونجساً. إما أن تتغير وتصير عضواً في جسد المسيح، أو عدواً لله مبغضاً حاقداً.

وعلامات مجيء المسح معروفة. فالأرض والنجوم ترتجفان وتهتزان خوفاً من المجيد الآتي، الذي يشرق ألمع من الصاعقة ظاهراً من المشرق إلى المغرب. ولا يرجع المسيح إلى هذه الدنيا ضئيلاً فقيراً فانياً، بل سيأتي بجلاله وسلطته، التي كانت له من قبل تأسيس العالم. وكل ملائكته القوية البراقة سيراقبونه، ويسرعون لفصل العالم إلى مؤمنين وغير مؤمنين محبين وأنانيين.

عندئذ يعلو الهتاف من أفواه المفديين، الذين ينطلقون إليه بفرح. ويحبونه لأنه أحبهم أولاً، وغسلهم من ذنوبهم وأحياهم وقدسهم. ففكروا فيه ليلاً نهاراً وكلموه بصلواتهم، وخدموه بالمساكين، وضحوا في سبيل استقباله بكل ما عندهم.

وبنفس الوقت سيعم الفزع بين المهملين وأعداء المسيح الذين يفضلون حدوث زلزال عظيم يسقط عليهم الجبال كثفاً، وتفتح فيه الأراضي شقوقاً لتبتلعهم. وهم متمنون أن يحدث هذا من أن يروا وجه المسيح القدوس المنعم بالمحبة والجلال والإكرام. فسيدين كل الذين يرفضون خلاصه، ولا يؤمنون أن الله دفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. فمن يرفض عمداً نعمة المسيح، ويقفل ذهنه لمحبته يطلب بهذا النكران أن يدينه الله حسب أعماله الناقصة. فعليك الاختيار إما أن تقبل المسيح وخلاصه مؤمناً، أو تسقط إلى الهلاك لأجل ذنوبك وعدم محبتك. لا اختيار آخر. فإن المسيح يريد خلاصك، لأنه غفر ذنوب كل الناس على الصليب. ومحبته سارية المفعول لك وللجميع. ولكنك إن رفضت غفرانه وأهملت محبته، فقد اخترت دينونتك. وعليك أن تحمل خطاياك على نفسك. عندئذ يبتدئ الخجل الكبير والحزن العميم في الذين جحدوا ربهم.

أيها الأخ إن درست معنا محبة المسيح، أدركت أن رحمته لا تتغير أمس واليوم وإلى الأبد، فنقترح عليك أن تصلي معنا الكلمات التكريسية بقلب واثق:

أيها الرب يسوع المسيح، قد قمت من بين الأموات منتصراً. أشكرك لمحبتك وأمانتك. وألتمس منك أن تغفر لي كل ذنوبي، وتصالحني مع الله. خلصني من غضبه العادل، وثبتني في حياتك الأبدية. حضّر قلبي لأنال روحك القدوس، وأتقوى في الإيمان، وأسلك في القداسة والتواضع والعفة. تعال أيها الرب يسوع، لأن بدونك لا يكون معنى للحياة. أنت مستقبلنا. وبحضورك تصبح الآخرة مشرقة.

أيها الأخ، هل تريد أن تتعمق في معرفة أمانة المسيح. إننا مستعدون لنرسل لك إنجيل يوحنا البشير، ليتجلى أمامك المسيح الأزلي المحب.