العودة الى الصفحة السابقة
إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (متّى 20: 28)

إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (متّى 20: 28)


مرضت سيدة وهي أم لعائلة كبيرة، فأرسلت تطلب من جارتها الفقيرة أن ترسل إحدى فتياتها لمساعدتها بمسح الأرض وجلي الأواني إلى أن تعود إليها صحتها، وتستطيع القيام بشؤون بيتها بنفسها.

وبعد حديث ارتكز على الحّجة حيناً وعلى العاطفة أحياناً، تقدمت إحدى البنات للمساعدة. وكم كانت دهشة السيدة عظيمة عندما أتت الفتاة وهي تحمل كتبها ودفاترها. سألتها السيدة قائلة: لماذا تُحضرين الكتب والدفاتر معك؟ أجابت الفتاة: ليظن الناس أنني أجيء إليكم للدراسة وليس كخادمة، لأنهم إن عرفوا أنني أمسح الأرض يحطون من كرامتي ومنزلتي.

ففضيلة الخدمة محتقرة اليوم، لأن الكل يقصد التسلط والاستقلال. وكل منّا يريد أن يكون إلهاً صغيراً في محيطه يسيّر الأمور حسب مشيئته ويكون مخدوماً لا خادماً. وهذا الاستكبار نجده في دمنا، حتى أن الصبية الصغار يُبرزون عضلاتهم ويفخرون بها. فلأجل كبريائنا نعيش بانفصال وخصام وحروب. والفخر هو من أقوى الدوافع للخطية.

لهذا أراد المسيح أن يكسر كبرياء البشر، ويظهر أن المحب يخدم ولا يتسلط على الآخرين، فأتى صغيراً وحقيراً إلى الأرض، ولم يتظاهر بعجائبه، بل كان متواضع القلب. ولم يسترح بل شفى المرضى طيلة النهار وأخرج شياطين، وبشّر بالإنجيل، محطماً قيود الخطية. وانحنى المسيح إلى أسفل، وغسل أرجل تلاميذه بعد التجوال الطويل، ليريهم أن الخادم المتطوع هو الأعظم.

وتجلت محبة المسيح وظهرت بأسمى معانيها عندما رفع خطايا العالم على كتفيه. وبيَّن قدرته في رحمته، فمات حمل الله في غضب الله القاضي الأزلي عوضاً عنا، وصالحنا مع القدوس. المسيح خدمك، سواء عرفت هذا أم لم تعرفه. وفداك وخلصك وحررك من خطاياك وذنوبك.

قليلون يدركون أن ابن الله على الصليب كان خادماً للخطاة، لينزع كل كبرياء من جذوره المتأصلة في قلوبنا. فبذل حياته ليفدي كل الأنام ويبررهم.

والمسيح غيّر مبدأ العالم، لأن الإله أصبح عبداً، لنصبح نحن العبيد في الخطية شركاء الطبيعة الإلهية. ونزل المجيد إلى قذارة العالم، وأصبح رمزاً للعار عوضاً عنا، لنتقدس نحن النجسين. والحرُ الوحيد خضع للناموس وشرائعه، لنتحرر من أسر الشريعة التي وقعت علينا. فالمسيح أصبح خادماً لكل الناس لنصبح نحن أحراراً مندفعين لخدمة الله.

متى تدرك أن الله متواضع ومحب، ولا يرضيه إنسان إلا إذا صار متواضعاً ومحباً أيضاً!

إن الله في حكمته المخلصة عرف أن روح التسلط يسكن في عظامك وعقلك، فلم يهَبْ لك غفران ماضيك الشرير فقط، بل يعطيك القوة للتغلب على كل ما تتعرض له في المستقبل أيضاً.

فبواسطة حلول الروح القدس في قلبك تستطيع أن تخدم الله. وكما أصبح ابن الله خادماً لكل الناس دون تمييز، هكذا يرسل الله أولاده المولودين من الروح ليخدموا كل الناس. فالروح القدس هو القوة الإلهية التي تدفع كل مؤمن حصل على الغفران بدم المسيح للخدمة.

وهذه الخدمة ليست دليلاً على الضعف بل هي دليل القوة، لأن من ينكر نفسه ويتغلب على كبريائه بعون الرب، فهذا هو القوي. ومن يحب الآخرين يشترك في قدرة القدير. فإن مسحَتْ بنتٌ لجارتها المريضة الأرض إحساساً مع الجارة المريضة وآلامها، وتحملاً للمسؤولية، فإنها تعلن بذلك عن محبتها الخدومة. وحيث يساعد القوي الضعيف في واجباته البيتية، فإنه يخدم الله. وإن ضحيت لكنيستك بوقتك ومالك فهذا يعني شكرك لفدائك الأبدي.

المسيحي الذي لا يخدم لا يبيِّن ما علمنا إياه المسيح في حياته المثالية، لأن ربنا الحي الجالس عن يمين أبيه يخدمنا حتى اليوم بما يشفع فينا. فمتى تتبع المسيح، وتكسر كبرياءك، وتصبح خادماً حقاً لكل الناس؟ صلِّ إلى ربك، ليعلن لك كيف تخدمه، فيعرفك الإنسان الذي يرسلك إليه اليوم.

أيها القارئ الكريم والآن، لا بد أن روح حب الخدمة أخذ يسري في عروقك بما علمك إياه المعلّم الصالح. نفرح معك باتخاذ هذه الخطوة. إذا أردت أن تعرف أكثر عن خدمة الله ومحبته لك فاكتب إلينا كي نرسل لك مطبوعاتنا حول هذا الأمر.