العودة الى الصفحة السابقة
المسافر

المسافر

الواعظ. إبراهيم دواني


Bibliography

المسافر. إبراهيم دواني. Copyright © 2008 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB ARA. English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

كلمة المؤلف

بقيادة روح الله وبعونه تعالى أقدمت على تأليف هذه النبذة الوضيعة لا أبغي أي شيء منها سوى أني أردت أن كل واحد من الناس يفكر بخير الناس وليعرف كل منا أننا لسنا سوى مسافرين فعلى الإنسان أن يكون لأخيه الإنسان خير معين. وحيث أنه يوجد أناس كثيرون الذين يديرون أسماعهم للوصايا السلبية فقط ويغضون أنظارهم عن الوصايا الإيجابية. ووجدت هذه القصة المدونة في الإنجيل بأنها قصة فريدة وهي ترى الإنسان ما يجب أن يفعل أو لا يفعل لإخوانه البشر دون أي تفرقة فيما بينهم في الجنس أو في اللون أو في الدين والمعتقد. كما وأن فيها درساً روحياً ثميناً لا يجب أن نهمله وهو أنه لا يوجد من يقدر أن يكون معواناً لبني الإنسان لخلاصهم من خطاياهم إلا شخص غريب عنهم الذي لم يسقط مثلهم في الخطايا والآثام. وإني لم أجد من يليق بهذا العمل غير شخص واحد أي الكلمة المتأنس الذي وإن كان قد لبس لباس البشر لكنه لم يكن من البشر لأننا نجد أن ليس له نظير بينهم. اطلب من الله أن يجعل هذه النبذة أن تأتي بالبركة والخير لكل من يقرأها اللهم آمين الذي لم تخذل من بك يستعين لأنك أرحم الراحمين ليكن لك المجد إلى أبد الآبدين آمين.

المسافر

نهض في الصباح مبكراً وكان مراده أن يسافر إلى بلاد أخرى ليبيع ويشتري ويتاجر ويسعى للربح الكثير والمال الوفير. سار منفرداً في الطريق ولم يصحبه رفيق. هاجمه اللصوص بالمدي والعصي والمعاول والفؤوس. أولائك الذين لا يهمهم في سبيل الحصول على المال قتل الأجساد وإهلاك النفوس. فجرحوه وسلبوا ما معه وكل ما في حوزته من نقود وأمتعة وتركوه مطروحاً على الطريق ودمه ينزف والله يعلم إذا كان سيقوم أو يستفيق وكان معرضاً للموت الأكيد الملموس.

مرّ عليه الكاهن الذي هو رئيس الدين ونظر إليه من بعيد وكان في أتعس حال يقاسي أشد الآلام ويكثر من التأوه والزفرات والأنين، وقال له أيها الرجل التعيس أراك بي تستغيث وتستعين لكني لا أقدر أن أكون لك معين لأني أخشى على نفسي من أولائك المعتدين الظالمين ولا أشاء أن أتأخر عن القيام بفروض العبادة والدين إذ ينتظرني جمهور العابدين. وسأسير وأكون لك من التاركين. ذهب في طريقه تاركاً ذلك المسكين بعينين دامعتين وقلب حزين. لكنه لم يتعدى الشعور والحنين لأنه لم يكن من المؤمنين العاملين ولم يتمسك سوى بقشور الدين.

في الوقت ذاته مرّ عليه رجل آخر وكان مثل هذا من الناس الدينيين والذين في فروض الدين متمسكين ولكنهم عن العمل به مُعرضون ومبتعدون وعن أعمال البر والرحمة من الغافلين وهم لحقيقة الدين ولبابه ليسوا فاهمين وللناحية العملية في الدين مهملون وناسون، سار في طريقه مسرعاً وقال له أيها الرجل البائس المسكين إني سأتركك وأسير لئلا يلقي رجال الأمن القبض علي ويحسبوني من المتهمين المعتدين فما عليك إلا أن تستسلم للقدر و بالله تستعين لأنه أرحم الراحمين وهو تعالى لأمثالك خير معين عساه يرسل لك من عنده عوناً مباشراً أو ملاكاً أمين فينجيك وهو الإله القدير العظيم.

لكن بعد قليل مرّ رجل دعي غريب الجنس ولا توجد أي رابطة بينه وبين ذلك الجريح المسكين لا قرابة عصبية ولا رابطة الجنس والدين. هذا مع أنه قدر ما قدره الشخصان الأولان وحسب ما حسبه ذينك الرجلين لما رآه على ذلك الحال، قال في نفسه كيف أمر عليه مرّ الكرام وأسير خطوة واحدة إلى الأمام، إن أنا فعلت ذلك وتركته على ذلك الحال وهو يتدرج إلى سوء المآل سأكون من أشر المجرمين لأن هذا الإنسان سيموت الموت الأليم وليس له من منجد ولا معين. كيف يقسو قلبي وأكتفي بالأقوال دون الأعمال وبالشعور والإحساس دون الأفعال لا يمكن أن أكون لهذا الإنسان من التاركين.

سأسعى جد السعي لنجاة هذا المسكين وسأكون له نجدة وخير معين لأن هذا هو الدين العملي القويم. سوف لا أبخل بسبيل إنقاذه لا بقوتي ولا بمالي وسأكون له من الأصدقاء المحبين. الدين العملي القويم هو مساعدة الفقراء البائسين ومؤاساة المرضى المتألمين والسعي لخلاص المظلومين والعمل الجدي لإطلاق الأسرى وفك النير وتحرير السجناء التعسين. تحرير يشمل الناحيتين المادية والمعنوية ليكونوا من الناس النافعين ويكونوا لغيرهم من المحبين ويغفرون الزلات ويغضون أنظارهم عن الهفوات ويصيرون من المسالمين.

ثم أردف وقال حتى وإن صرت هدفاً لاعتداء أولئك الأوغاد الأشرار سأكون لهذا الرجل من المنجدين والأنصار وأتكل على الإله العظيم. ثم أسرع ونزل عن دابته ومد يديه له وابتدأ بالعون والإسعاف وصب على جراحه زيتاً وخمراً وضمدها وقال أرجوك ربي أن تجعلني في عمليتي هذه أن أكون من الناجحين ليُشفى هذا الرجل المسكين ويرجع إلى أهله ويكون من الأصحاء المعافين السالمين ويكون مع ذوي القربى والأصحاب المخلصين من الفرحين المغتبطين.

وحالاً أركبه على دابته وصار وكان له من الساندين في كل ذلك الطريق الشاق الطويل. كان قرير العين وحائز على راحة القلب والضمير. فوصلا إلى أريحا فأريحا كلاهما المعان والمعين. ووضعه هناك في فندق كبير ولم يفارقه حتى أمّن له الراحة التامة وزوّده بكل ما يلزمه من أدوية وخدمة وعقاقير إلى أن يُشفى ويصبح ذا جسم صحيح وسليم.

أما غبطة ذلك الإنسان الذي فعل الخير والإحسان فلم تقل عن غبطة الجريح وأصبح الآن ذا جسم صحيح.

ما أتعس ذينك الرجلين اللذين مرّا عليه وهو على الأرض طريحاً وتركاه لأنهما لم يعلما ماهية الدين والمديح ومثل هذا الدين الخالي من الأعمال والمكتفي بالأقوال ليس هو بالدين الصحيح ولا يمكن ضمير صاحبه أن يهدأ أو يستريح فإذا ما استيقظ ضمير ذينك الرجلين يصبحان تعيسين وجلين وحزينين ويجدا أنهما للحياة الخالدة غير صالحين. الدين الصحيح هو أن لا تهدأ ولا تستريح حتى تمد يدك للمحتاجين وتكون لهم مساعداً ومريحاً وأن لا تغض النظر عن الفقير والمريض والمعدم السجين والجريح دون أن تنتظر مقابل ذلك تبجيلاً أو إطراءً أو مديحاً.

الناحية الأخلاقية

إن هؤلاء الفرقاء الذين كانوا في هذه القصة ظاهرين وشركاء يمثلون أربعة أنواع من بني الإنسان من كل الأجناس والألوان لنتأمل فيها جميعها حتى نرى من من هؤلاء أصلح للبقاء ومن الذي يستحق الخلود والحياة. كانت هذه القصة جواب لسائل متحير ومرتاب كيف يرث الإنسان الحياة بعد أن تنتهي رحلته في هذا العالم الذي هو دار الشقاء وليس هو دار الخلود والبقاء. الفريق الأول من هؤلاء هم اللصوص الذين يستحلون مال الغير ولسان حالهم يقول أن مالكم لنا ولا نفرق بين أحد سواء إن كان رئيس أو مرؤوس ونحن نحلل في سبيل ذلك قتل الأجساد والنفوس. قد نجد مثل أولائك بين التجار الذين يستغلون الظروف ويضيفون إلى أرباحهم القانونية أرباحاً يعتبرونها ملكاً لهم ويموهون على المغفلين والبسطاء ولا يصدهم عما يفعلون لا دين لا ناموس. كم وضعوا في جيوبهم أموالاً ليست لهم وأرباحاً ليست ملكهم وهم مطمئنوا القلب ومرتاحوا النفوس. أو نجد بين الموظفين أناساً يسيئون إلى وظيفتهم ويبتزون من الناس الفلوس ليكثروا من التبذير ويزيدوا البذخ والمصروف وهم لم يعلموا أنهم في هذا العالم ليسو سوى وكلاء فعليهم أن يكونوا أمناء وينهون عن المنكر ويتمسكون بالمعروف.

كذلك نجد بين رجال الدين الكثيرين الذين لا يمكن أن ننعتهم بالأمناء ولا هم لمواعيدهم بالأوفياء وليسوا لله أصفياء لأنهم في سبيل الحصول على المال يطيلون الصلاة ويذكرون الأحياء والأموات يهللون ويترنمون للأغنياء والأقوياء ويهملون الفقراء والضعفاء وينتظرون من الناس أن يقدموا لهم الحمد والثناء وهم لا يفقهون وقد اهتموا كثيراً في دار الفناء وأهملوا دار السعادة والبقاء.

مثل أولائك اللصوص نجد بين جميع الطبقات وبين جميع الأكوان والأجناس والألوان أولئك يستحلون مال الغير ولو كانوا يقطنون زاوية أو صومعة أو دير وعن الدنيا لا يترفعون.

وأما الطبقة الثانية التي يمثلها هذان الرجلان اللذان تركاه وهما لا يأبهان ماذا سيحل في ذلك الإنسان عندهم إن عاش أو مات على حد سواء ويحسبون أنفسهم من المنصفين والأبرياء إذ يقولون مالنا لنا وقوتنا ملكنا وليس لنا غير أنفسنا شركاء ويظنون أنهم لا يسألون عما يفعلون أو لا يفعلون وهم على أنفسهم أسخياء وكرماء وهم يكفون شرهم وخيرهم عن الآخرين وبذلك يشعرون أنهم مكتفون ولا يريدون أن يكونوا على غيرهم أوصياء. يطلبون الحمد والثناء على شيء لا يكلفهم تضحية أو بذل وسخاء. لا يضحون شيئاً في سبيل مساعدة الغير لا من مالهم ولا من قوتهم ولو حُرّمت عليهم الآخرة الصالحة ودار البقاء.

يمثل الطبقة الثالثة من هؤلاء الفرقاء صاحب الفندق الذي لسان حاله يقول ما لي ولك إن كان مالك لي خدمة بخدمة زيارة بزيارة أعطني وخذ مني وليست المسألة مسألة كرم وسخاء ولكنها مسألة أخذ وعطاء فما علينا إلا أن نتعامل على أساس المنفعة المتبادلة وليست مسألة أقوياء أو ضعفاء ولا يهمه مصير الضعفاء والفقراء ويحسب أن مسلكه هذا يجعله في مصاف الظرفاء والشرفاء ولم يحسب حساباً أنه ربما يكون يوماً ما من الضعفاء أو الفقراء المتسولين ولا يجد له من منجد ولا معين. لأن اليوم لنا وغداً علينا ولا يعش الإنسان دائماً برغد وسعادة وصفاء.

لكن الفريق الرابع الذي يمثله هذا الغريب الجنس هو الذي لسان حاله دائماً يقول مالي لك وقوتي لك وهو دائماً مستعد لنجدة المحتاجين والبائسين وللتخفيف عن المرضى والمتألمين وهو لا يطلب مقابل ذلك لا حمد ولا ثناء. هذه هي الميزة الإلهية التي وُضعت في الإنسان وهي الحقيقة وهي نسمة الحياة التي نفخها الله في المخلوق الأول. هي الحياة الدائمة الباقية لكن الإنسان أضاعها وخسرها وذلك بسبب سقوطه في الآثام وسيره في التمرد والعصيان. هذا هو بيت القصيد ليفهمه جميع الناس من ملوك وأسياد وعبيد أن الحياة العاملة هي ذاتها الحياة الباقية. لا يوجد أي ذكر لأولئك الفرقاء الثلاثة لأن كل منهم لا نفع منه إن مات أو عاش على حد سواء. وأما هذا الفريق الرابع ولو أنه مات فهو لم يزل في الحياة وفي كل جيل له تأثير وكأنه في الحياة يسير وفي كل أمة له عمله النافع وعلى جبين الحياة له طابع. كم من الملاجئ والمستشفيات التي فتحت على ذكر تلك الحياة. حياة ذلك السامري الحنون الذي نجى ذاك الجريح وكان له أحسن مريح ولم يتركه على الأرض طريحاً فكان له طول الحياة والبقاء وما لم يطلبه مقابل عمله لذلك الجريح أي الحمد والثناء قد ناله بعد الوفاة وعلى ذكره قد فتحت الملاجئ للأيتام والمستشفيات للمرضى والمدارس للمعوزين والفقراء. وكل من في هذه المعاهد يخدم وهو عامل وجاهد ويبذل ماله وقواه بكرم وسخاء ويقدم لله الحمد والثناء. يا ليت كل منا يتمثل بذاك العامل المريح والذي أعطى ماله وقوته بكرم وسخاء دون أن ينتظر أجراً وجزاء ولم يطلب لأجل عمله تبجيل أو مديح فيكون لنا طول الحياة.

الناحية الروحية

لكن عدا عن هذه الدروس الأخلاقية القيمة التي نستمدها من هذه القصة نجد فيها درساً روحياً لا يثمن بمال ولا ينال بالقوى العقلية أو بالذكاء ولا بالقوة الجسدية أو بالسيوف والنبال كم بالحري ببطش وقوة الكثرة من الأعوان والعدد المتوفر من الرجال. إن ذلك المسافر يمثل كلا منا لأننا في هذا العالم لسنا مقيمين ولو كنا لكل ما في هذه الدينا من الأشياء مالكين لسنا فيها سوى مارين وعابرين إن طالت أو قصرت الحياة لا بد من النهاية والممات.

قد ظننا أننا في طمأنينة نسير مالنا رفيقنا وعلمنا نصيرنا ولنا من الأعوان الشيء الكثير. كثرة من الأصحاب يحيطون بنا فلنا عندهم العون الوفير فلا خوف علينا ولا نحن نقع تحت أي تأثير. قد خفي علينا في رحلتنا عدو مبين إن هذه حقيقة وليست وهم ولا تضليل وذلك إن هذا العدو الذي به نستهين دائماً يترقبنا في الجلوس والوقوف والمسير وهو يريد أن يبطش بنا ويجعلنا أن نصبح من الهالكين. لهذا العدو جنود وأعوان كثيرين يهاجموننا ونحن مطمئنين وآمنين ويتركوننا في حالة تعسة مثلما ترك ذلك الجريح التعيس المسكين. أولائك هم لصوص الخطية الغادرين الذين على إهلاك نفوسنا قادرين. قد هاجمنا فعلاً أولائك اللصوص وكانوا علينا من المعتدين ولكل ما نملكه من السالبين.

خلق الإنسان صالحاً وأميناً خال من الزلات وهو ذا قلب نقي سليم لم يعرف الكذب ولا اللعن ولم يكن سارقاً ولا قاتلاً ولا زانياً ولا مستبيحاً ولا خبيثاً ولا لئيماً ولم يكن شريراً أو غداراً أو سافلاً أو ذميماً. أين الصدق يا إخوان بين بني الإنسان قد سلبه منهم الشيطان ولم يكن لهم معين. أين الأمانة والمحبة قد تبدلت بالخيانة والكراهة. أين العزة والكرامة أين النخوة والشهامة. أين الإخلاص أين الحمية أين الرحمة والشفقة وكأن كل ذلك قد فقد من بين جميع الناس. نعم إن لصوص الخطية سلبتنا كل تلك المزايا الطيبة فأصبحنا جرحى ومعدمين وقد نكثر من التأوه والأنين وإذا بقينا على تلك الحالة سنكون حتماً من الهالكين ولا ينفعنا حيئنذ لا مال ولا بنون.

وبينما نحن على تلك الحالة التعسة جرحى النفوس ومسلوبين أمواتاً بالخطايا والذنوب وليس لنا من واق ولا شفيع ولا معين لا يكون مصيرنا إلا الهلاك المبين فكيف نختم رحلتنا ونكون من السالمين.

هوذا الذي نحن نسيناه قد ذكره الله الذي هو للناس خير ملجأ ومعين. شاءت محبته أن تخلص الإنسان وترد له المسلوب وتجعله من الأبرار الصالحين. فرأى بعينه الصالحة أنه لا صالح من بني الإنسان وكلهم أخطأوا وضلوا السبيل ولم يسلم منهم أحد من الشياطين المعتدين. فرأى تعالى أنه لا يوجد بين البشر من يصلح ليكون للناس فاد أو مخلص أو معين ولم يجد بينهم من يقدر أن يكفر عن الخطاة المذنبين. ورأى أن الملائكة وجميع المخلوقات الأخرى لا تصلح لخلاصه ولا تكفر عن خطاياه ولا هي تفديه لأنها جميعها ليست بالذبح العظيم الذي هو حاجة الإنسان في القلب والصميم. ورأى أن الذي يقدر أن يخلص الناس هو ليس من الناس ولكن يلزم أن يكون من الخالقين ليخلق فيهم قلباً نقياً وسليم وليعبدوه تعالى بالروح والحق ويكونوا من الساجدين الحقيقيين.

أما الله الذي هو الواحد العظيم الذي هو تعالى واحد في الجوهر واللاهوت ولكنه متعدد الأقانيم والذي هو في كل مكان مقيم. هذه الأقانيم الثلاثة هي الآب والابن والروح القدس وجميعهم الإله الواحد الجامع العظيم. وقد دُعي أقنوم الابن كلمة الله التي ألقاها الله إلى مريم وبشرت بها وإن ذاك كان رحمة للعالمين.

وقد قيل في الإنجيل في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله وكان من الخالقين إذ قيل إن كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان وكان للأموات محي ومقيم. وهذا الكلمة قد صار جسداً ولكنه من الخطية سليم. هو لا شك الغريب الجنس الذي مع كونه كان يعيش كالبشر لكنه يختلف عنهم أجمعين وإلا لو كان من الناس فلماذا يكون آية ورحمة للناس وكان ذلك أمراً مقضياً به قبل خلق العالمين. أنا المسافر المسلوب والمجروح وإني على خلاص نفسي غير قادر ولا يقدر أن يخلصني أحد ولم أجد بين البشر من معين أو سند مثلما ترك ذينك الرجلين ذلك الرجل الجريح المسكين ومرا في طريقهما وكانا له من التاركين هكذا كل شخص بشري من أي جنس ومن أي أمة سيمر علي ويكون لي من التاركين لأنه على خلاصي ليس قدير فلا يكون لي ولياً بين البشر ولا نصير. صوبت نظري لجميع المخلوقات من سكان السماء والأرض الكثير وقلت يا سكان الأرض والبحر وكل من في السموات هل تقدرون أن تخلصوني من خطاياي وتضمدوا جراحي وترجعوا إليّ المسلوب وتهبوني قلباً نقياً خالياً من الأضران والفساد والعيوب. هل تقدرون أن تهبوا لي الحياة بعد الممات وأن تكفروا عن جميع خطاياي وذنوبي وهفواتي لأكون مطمئناً الآن وبعد مماتي. أجابت جميع هؤلاء إننا لا نقدر أن نخلصك ونكون لك أوليا أو نصراء. وإن أردنا أن نفعل لك ذلك فإننا على خلاصك غير قادرين إننا سنمر بك ونكون لك من التاركين وإن كنت تريد الخلاص فعليك أن لا تتكل على الناس. لا تتكل على الأولياء والرؤساء أو على الرجال الصالحين لأنهم مثلك من المسافرين وهم في حاجة إلى شخص سماوي محب وأمين لكي يكون لهم خير معين. بقي عليك أن تتجه بأنظارك إلى الله الرحمن الرحيم الذي هو تعالى في كل مكان مقيم هو الذي يخلق فيك قلباً نقياً وسليم. ونشير عليك أن تقرأ الإنجيل لترى فيه ما دوّن وقيل عن الله الذي هو واحد في اللاهوت والجوهر وهو تعالى مثلث الأقانيم. وأنه قد أرسل أحد الأقانيم ليولد من عذراء ويكون مع البشر مقيماً وكان أقنوم الآب مؤيداً والابن أو الكلمة مؤيداً وذاك بالروح القدس العظيم وما ذاك إلا عمل الله الواحد الرحمن الرحيم الذي هو ذات الثلاثة أقانيم. لذلك دعي ذلك المرسل الأمين الغريب الجنس بين البشر والملائكة أجمعين ودعي الابن الوحيد الذي ليس له ند ولا نظير وهو آية ورحمة للناس وذاك قضاء الله منذ الأزل وقبل خلق العالمين. إن الله الذي لا ينساك رأى أنك أنت الجريح المسلوب المملوء من الخبائث والخطايا والعيوب وليس لك من ولي ولا نصير أسرع لخلاصك بذلك الشخص العجيب. فما عليك إلا أن تذعن له وتستجيب وتسلم نفسك بين يديه فيكون لك فادياً ومخلصاً فيقبلك بصدر واسع ورحيب. الله الذي لا ينساك قد كفّر عن خطاياك وفداك وكان لك من الداعين إذ قال تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال لأني أريحكم وأكون لكم معين. بهذه الطريقة وحدها قد خلص المسافر الذي ضمد جراحه وأوصله دار الأمان وكان له من الضامنين. أنت الذي قد تظن أنك على خلاص نفسه قدير ونسيت أنك ذاك الجريح المسكين الذي وقع بين أولائك اللصوص والغادرين وأنك من الفضائل قد سلبت وفي خطيتك مت وأنك على إعادة الحياة لنفسك غير قادر وأنك لست سوى من الهالكين. ولا تقدر أن تكون لنفسك من المخلصين. فما عليك إلا بالله تستعين وتقرع باب الرحمن الرحيم وتؤمن بالله الواحد الأحد الذي هو واحد بالجوهر ومثلث الأقانيم الذي سبحانه وتعالى عرف أنك لا تخلص بالمال الكثير ولا بكثرة من الأقرباء ولا يخلصك البنات ولا البنين. كل هذه التي ذكرتها لا تقدر أن تنجدك ولا تفديك لأنها جميعها ليست بالذبح العظيم ولا هي بالصراط المستقيم وليست نعمة الله الذي هو تعالى خير المنعمين. انظر إلى الذي هو وحده يراك ويعرف أنك ما دمت سائراً في الطريق مسافراً بلا رفيق وما دمت مسلوباً وميتاً وطريحاً ليس أمامك إلا الهلاك هو تعالى يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح هذا الذي جاء آية ورحمة للناس، جاء لكي ينقذك وهو قد أعد لك الفداء والخلاص ويقول لك تعال إليّ واستريح لأنه أحد الأقانيم الثلاثة الذي كان المحي والمميت وكان من الخالقين. هو ترك لك الخيار بين أن تقبله وتستريح وتكون من المنعمين المفتدين أو تصر على عنادك وترفضه وتكون من النادمين فيكون مصيرك مع الهالكين. الله تعالى إلى وليمة الخلاص يدعوك فلا تقل أنك لست مثل باقي الناس وتستكبر أن الله لا يحب المستكبرين. لا تستكبر وتقول في نفسك أن بري لي فيكون لي من المنقذين لأن بر الناس ليس مبني على الأساس فلا يكون صاحبه من المنعمين ولا من الأبرار الصالحين. البر الذي بالإيمان في قدرتك أن تناله وهو هبة من رب منعم كريم فكن بالله من المؤمنين ولأقوال الله تعالى من المصدقين فيغفر لك خطاياك ويكفر عن ذنوبك ويستر عيوبك وهو تعالى لا يخذل كل من به يستعين لأنه الرحمن الرحيم آمن بالله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد لكنه تعالى ذات ثلاثة أقانيم. آمن بأنه محبة ويلذ له أن يخلص الخطاة المذنبين ليتمجد بخلاصهم كما في ويوم خلق المخلوقات والناس والملائكة أجمعين، آمن بالكلمة المتآنس الذي ألقي إلى مريم وبُشرت به كما بشر به جميع الناس أنه المسيح المخلص وأنه الشفيع الذي جاء متنازلاً وللموت مطيع وهو الذي قد أشير إليه بالذبح العظيم. آمن به لتكون لك الحياة بعد الممات وتكون للحياة الأبدية من المالكين. آمن به وكن له من التابعين فتكون فوق الذين كفروا به والذين لم يؤمنوا به أجمعين. والله يهديك لتكون من المنعمين. هذا هو الصديق لكل مسافر بلا رفيق فاسرع إليه وبه استعن. لأنه يضمد جراحك ويرد لك المسلوب ويكون لك من الضامنين.

شريعة الله بموسى أعطيت وهي لا تقدر أن تخلص المذنبين ولكن النعمة والحق فبالمسيح انحصرتا لأنه قد جاء ليفتدي الخطاة ويرد الضالين. هنيئاً لكل من قلبه يلين ويقبل إلى الفادي الأمين فينال راحة القلب والضمير ويكون حتماً من المنعمين.

نسأل الله القدير أن يوصل هذه الرسالة للقلب والضمير فتكون سبب بركة للكثيرين ونتكل على الله الولي والنصير الذي هو تعالى لكل أحوالنا بصير ونطلب منه العون الكثير اللهم القدير لا تخيب أولائك الذين يتخذونك لهم ولي ونصير، انعم علينا أجمعين بأن نكون عليك متكلين وعلى مواعيدك معتمدين وفي الثبات فيك صامدين إلى أبد الآبدين ولبعضنا البعض من المحبين المخلصين اللهم آمين.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany