العودة الى الصفحة السابقة
الوكيل

الوكيل

الواعظ. إبراهيم دواني


Bibliography

الوكيل. إبراهيم دواني. Copyright © 2008 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB ARA. English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

كلمة المؤلف

هذه نبذة أخرى من سلسلة النبذ التي أقدمها للقراء من وقت إلى آخر. قد أرشدني الله لأكتبها ولست أدعي أني لها من المؤلفين لأني أعتمد فيما أكتب على الله رب العالمين وعلى روحه الصالح والأمين الذي يوحي ويعين. وقد دعوتها الوكيل. وقد اقتبست أيضاً من الإنجيل وهي من أقوال السيد المسيح الذي وعد أن يكون للروح القدس من المرسلين وقال لتلاميذه الحواريين أنه أي الروح القدس سيكون لهم بأقوال المسيح واتخذت مواضيعي منها وأرشدني في الكتابة راجياً أن يعرف كل منا أننا لنسا سوى وكلاء، وأننا في وكالتنا لم نكن أمناء. لكن حتى لا نفشل ولا يخيب لنا الرجاء الله دبر لنا طريق الخلاص الأوحد فبشر بكلمة منه الذي جعله آية ورحمة لجميع الناس حتى لا يكون عذراً لأي إنسان في كل مكان وزمان ومن جميع الأجناس والألوان أو أن يفكر ويقول أن الله كان له من المهملين.

أرجو أن تكون هذه النبذة سبب بركة للكثيرين وتجذب الإنسان الخاطي الأثيم لفادي النفوس العظيم فيخلص ويكون من المنعمين ويتمجد بذلك الله رب العالمين اللهم آمين.

الوكيل

قد وُهب العقل الكبير وحصل على قسط و افر من التعليم والتهذيب المنير ونال شهادة التفوق والتقدير. جاء إلى رجل غني كان في حاجة إلى وكيل منذ أمد طويل فعينه وكيلاً له وقال له إني مسرور بك عساك تكون ذلك الوكيل الأمين فتنال مني الخير الجزيل والمحبة والتقدير.

كان غير أمين

كان مقتدراً في الإدارة والتدبير ولكنه كان يكثر من الإسراف والتبذير، واستمر على ذلك الحال لوقت طويل إلى أن بلغ الخبر لسيده، وقد استاء من ذلك العمل الدنيء الحقير فدعاه إليه وقال له يسيئني جداً إني عرفت أنك لست ذلك الوكيل الأمين وقد بالغت بالإسراف والتبذير .وطلب منه أن يعطي حساب وكالته لأنه سيقصى عن العمل ويُطرد فوراً بلا تمهل ولا تأخير.

اهتمام الوكيل بمستقبله

هذا الوكيل بعد اقترافه ذلك العمل الحقير قد حصل له ما لم يكن في الحسبان وما لم يكن على البال وتأكد بأنه سيقصى عن العمل وسيُطرد ولا بد أن يلقب بالخائن المحتال فلا يجد شغلاً عند أي كان. إلا أنه احتاط لنفسه وقال إني علمت ماذا أفعل هو ذا مال سيدي لم يزل في متناول يدي لذلك يمكنني أن أخفض ديون عملاء سيدي لدرجة تمكنهم أن يسددوا المال وبذلك أضمن معهم صداقة دائمة ويكونون لي من الأحباب والخلان ويقبلونني في بيوتهم وأكون عندهم من الضيوف المكرمين ومن أعز الأصحاب والأعوان. إني أفعل ذلك مضطراً لأني لست ذلك الرجل الذي يستطيع أن ينقب ولا بالذي يقدر أن يستعطي لأني لست من الأنذال فأسلم من العاقبة الوخيمة وسوء المآل.

سيده يمدحه

أما سيده صاحب المال بالرغم من دنائة عمله قد مدحه إذ قال إنه يعد من أحكم الرجال وهو من الأبطال لأنه فعل ما فعله عن حكمة ليتخلص من سوء المآل وقد ضمن له مستقبلاً عند أولئك الرجال فسوف يكون عبرة للأبرار والأشرار وفي كل زمان ومكان وفي جميع الأجيال.

الإنسان وكيل الله على الأرض

قد خلق الله جميع المخلوقات ومن بينها بني الإنسان وقد وهبهم الجسم المستقيم والعقل السليم ووضع فيهم القلب والضمير وأعطاهم جميع المؤهلات لاقتباس العلوم على أنواعها والتعود على الإدارة والتدبير وإنه تعالى وإن كان قد وضع في المخلوقات الحية الأخرى الحواس الخمس إلا أنه وضع في الإنسان حاسة زائدة وتلك هي حاسة الإيمان ليؤمنوا بإله حي قدير ووضع في قلوبهم الآخرة ويوم الدين. وأرادهم أن يكونوا له على هذه الأرض خلفاء ووكلاء ويكونون في وكالتهم أمناء وخصهم أن يلقبوا بالأبناء الأحباء ويكونون له أوفياء وأصفياء ويحيون حياة الغبطة والسعادة والهناء وتكون لهم حياة خالية من البؤس والشقاء. بلا تأوه ولا وجع ولا أنين يحيون معه تعالى إلى أبد الآبدين. وقال لهم إنكم أصبحتم الآن لي وكلاء وخلقاء فكونوا على ما وكلتم عليه أمناء فلا يأتي عليكم ضيم ولا أذى ولا جفاء بل تكون حياتكم كلها مملوءة بالسعادة والهناء.

الإنسان لم يكن أميناً

لكن الإنسان لم يكن أميناً في عدة أشياء فأذكر بعضها: أولاً قد جئنا إلى هذا العالم حفاة عراة بلا ثياب ولا حذاء ولا قوة ولا حول وقد أحطنا بعطف والدي الذي وضعه الله تعالى في قلوب والدينا منذ الخلق وذلك رحمة منه وإحسان من رب العالمين.

ثانياً أعطينا جسماً من أحسن أجسام الأحياء وقد نما ذلك الجسم تدريجياً ووكلنا لنحافظ عليه من كل شاردة وواردة. فهل إذا طُلب منا أن نعطي حساب وكالتنا عن هذا الجسم نستطيع أن نثبت أننا كنا أمناء عليه؟

قصة

توكل رجل على بيت جديد جميل وكان في استطاعته أن يستفيد منه بالسكن والتمتع به. لكن ذلك الرجل ابتدأ عمداً بإتلاف البيت فأزال قصارته وكسّر شبابيكه وهدم نوافذه وحيطانه وانتزع بلاطه وخرب منافعه وتركه خراباً. ماذا يكون مصير ذلك الرجل الوكيل وهل يوجد من يبرره في عمله هذا. ما قولنا في هذا الجسم البشري الذي وكلنا الله عليه ألسنا له من المخربين؟ أليس الأمر هكذا مع الذين يرتشفون المسكرات والذين يبالغون في استعمال التبغ أو أولئك الذين ينهكون قواهم ويخسرون نضارتهم وحيويتهم في الانهماك في الشهوات الجسدية؟ أو لا يكون الذين يصرفون جل أوقاتهم في الملاهي دون توقف ويغوصون في بؤرة الفساد ويصرفون الليالي وهم ساهرون؟ ألا تتحطم أجسامهم وهم لها من المحطمين والمخربين؟ اعط حساب وكالتك عما فعلته في هذا الجسم الجميل لا يسعك إلا أن تعترف بأنك مخل بهذه الوكالة وأنك مطالب فلا رحمة ولا هوادة. الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد. ثالثاً أعطانا الله نفساً خالدة وحياتها وسعادتها تتوقف على مسلكنا في هذه الحياة. النفس التي تخطئ تموت بمعنى تهلك فإذا هلكت نفس الإنسان فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ هل أستطيع أن أقول إني كنت أميناً على نفسي؟ هل فكرت أن حياتها وسعادتها تتوقف على مسلكي في هذه الحياة؟ هل أفكر بالخلاص من الخطية لكي أربح نفسي أم إني مهمل لهذه النفس ولا يهمني مصيرها إن خلصت أو هلكت على حد سواء؟ كيف أتنصل من هذه المسؤولية وكيف أتبرر من جراء الإخلال بالأمانة من أجل نفسي؟

حصل خصام بين قبيلتين واشتد أوره فطُلب من أحد الرجال المشهورين في حكمتهم أن يتوسط لأجل الصلح. فأجاب قائلاً إني إذا ذهبت إليهم يقطعون رأسي. فقال له أحد القواد الكبار إنهم إذا قطعوا رأسك سنقطع جميع رؤوسهم مجتمعة. لكنه أجاب على الفور وقال مع ذلك لا يوجد بين جميع تلك الرؤوس إذا قطعت رأس يقوم مقام رأسي. ليس لنا سوى نفس واحدة. هل إذا هلكت نجد بديلاً لها؟

رابعاً أعطانا الله زوجات وأولاد وإخوة وأخوات ومعارف وأصدقاء. إننا وكلاء على هؤلاء أيضاً. يُطلب منا أن نكون لزوجاتنا من المخلصين ولأولادنا من المعتنين والمرشدين ولأصدقائنا وأقاربنا من الأوفياء الناصحين المذكرين. فهل نحن نقوم بهذه الوكالة حق القيام. هل نهتم بخلاص نفوسهم وهل نحن لهم من المحبين؟

تزوج رجل امرأة ورزق من البنين أحسنهم لكنه أهمل بيته وأولاده. وكان له من الأصدقاء لطيبة عنصرهم. لكن الرجل كان منهمكاً كثيراً بأموره الخاصة فلم يكن عنده متسع من الوقت لخدمة زوجته وأولاده وأصدقائه. فضلّت تلك النفوس وسار كل منهم في ظلام عبوس. فهل كان ذلك الرجل أميناً من نحوهم أجمعين وهل يُعد مسؤولاً ويحاسب كأحد المهملين؟

خامساً إن الله وكلّنا على جميع الحيوانات والنبات وطلب منا أن نهتم بهذه المخلوقات ونتعطف عليها ونكون لها من الراحمين الشفوقين وأن لا نقسو عليها في كل حين وزمان. في هذا أيضاً لم نكن أمناء ولا بد أن نعطي عنها حساباً ونُدان لأن هذه جميعها نتنظر عونها من الخالق العظيم مصدر الخير والإحسان.

سادساً وقد أعطي الكثيرون منا أموالاً طائلة وقد حسب هؤلاء على ما يملكون وكلاء وعليهم أن يكونوا أمناء وأن يسحبوا بأنهم سيطالبون وسيؤدون حساباً عما يفعلون. كيف نستعمل أموالنا هل نستعملها لخير المجتمع وفائدته؟

عاش رجل العمر الطويل وكان يربح الربح الوفير ووفر المال الكثير. عاش عيشة خالية من خوف الله ومن الحكمة الحقيقية وبالغ بالصرف والتبذير وصرف في سبيل ملذاته المال الكثير وقلما كان يهتم بالبائس الفقير الذي ليس له منقذ ولا معين، قد رمق البائس من بعيد وأنشد ذلك النشيد قائلاً يا نفس لك المال الكثير عيشي بالترفه والتنعم والتبذير ولا تعيشي بالتقتير. وأشار إلى البائس الفقير وقال لنفسه مالك ومال هذا المخلوق الحقير ما هو الحكم المنطقي الصحيح من نمو رجل كانت له هذه الصفات والمصير؟ هل يرحمه الناس ويقولون إنه سار بموجب المنطق الصحيح؟ وهل ينجو في يوم الحساب ويوم الدين؟

سابعاً إننا نعد وكلاء في مجتمعنا من نحو الصغار والكبار ، من نحو النساء والرجال، من نحو الأقوياء والضعفاء، من نحو الأفراد والجماعات. وكلمة أين هابيل أخوك؟ ترن في آذان جميع الأجيال. كل منا يلزم أن يعمل لمجتمعه جاداً بحسب طاقته. بقدر ما أخذ عليه أن يعطي ولا يوجد أي شخص يقدر أن يقول إنه لا يقدر أن يقوم بدور العامل المنجد. من أقوال المسيح الذي عنده يعطى ويُزاد والذي ليس له أي الذي لا يعمل فالذي عنده يؤخذ منه.

قصة

عاشت فتاة صغيرة في إحدى البلدان وكانت ضعيفة وحقيرة حتى أنه لم يهتم بها أي إنسان. أتت إليها سيدة في أحد الأيام وأشارت عليها أن تقوم بخدمة نافعة لبني الإنسان. فقالت الفتاة ماذا أستطيع أن أعمل وأنا لست سوى فتاة صغيرة قاصرة وليس لي قوة ولا علم ولا مال ولا جمال؟ فطلبت منها السيدة أن تذهب إلى الحقول المجاورة وتجمع الأزهار وتأتي بها للمرضى المعدمين التعيسين الذين لا يهتم بهم أحد ولا هم على البال. فحبذت الفتاة هذه الفكرة ولفورها ذهبت جادة تبحث عن الأزهار وكم أسعدت قلوباً تعيسة من النساء والفتيان والرجال مع أنها لم تعطهم فضة ولا مال. بهذه الواسطة تحسنت صحتها وقامت بمسؤوليتها خير قيام إلى أن أتيح لها أن تعمل ما يعجز عنه أعظم الرجال. فقد مهدت طريقاً لأحد الجبال وهناك فوق الجبل التقت برجل مسن ومن أطيب وأحكم الرجال. هذا هداها إلى عدد ليس بقليل من العقاقير والأعشاب التي استعملتها لتسكين الآلام ولشفاء الكثير من الأمراض. بما في ذلك أمراض القلب والكبد واليرقان. وكم من مريض بها استعان وقد نُعتت تلك الفتاة بملاك الرحمة لبني الإنسان وامتدت شهرتها لأكثر البلدان. هل نحن أمناء لمجتمعنا؟ أليس أمامنا حقول واسعة للعمل ولتخفيف البؤس والألم عن كافة البشر من كل الأجناس والألسنة والألوان؟ ليتنا نجيب على هذا السؤال ونعمل جادين لمجتمعنا في خدمة المحتاجين من بني الإنسان ولا نفرق بين الأجناس والألوان والأديان.

ثامناً إننا نعد وكلاء على الأوقات التي في حوزتنا كيف نصرف تلك الأوقات؟ هل نرتاد الملاهي ونبالغ في الملذات والشهوات الجسدية. هل نصرف أوقاتنا في القال والقيل ونبعث الخلاف بين النساء والرجال؟ ونبث الفساد بين العباد ونوجد العداء بين العيال في السر والخفاء؟ هل نكثر من لعب الورق الذي لا يزيدنا إلا اضطراباً وقلقاً وسهداً وأرقاً. وقد يقودنا إلى القمار الذي يجلب علينا الفقر والبؤس والعار ويخسرنا الأصدقاء المخلصين والأعوان والأنصار. أجب أيها الإنسان على هذا السؤال وقل لي كيف تصرف أوقاتك في كل مكان وزمان؟ أتستطيع أن تقول أنك على أوقاتك ذلك الوكيل الأمين الذي مدحه من رب العالمين؟ إذ يقول نعماً أيها العبد الأمين بما أنك كنت أميناً على القليل سأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك الكريم.

الذي استخدم وقته وماله لخدمة الإنسانية

عاش رجل في بلدة وكان تاجراً غنياً ووفر المال الكثير. اقتربت إليه المنية ورأى أنه سيكون لأمواله الكثيرة من التاركين. فكر في أهل بلدته وسيرهم الذميم منغمسون في الفساد ومكثرون من السكر والعربدة ولعب القمار منذ القديم. وحيث أنه لم يكن له سوى ابن وحيد خشي عليه إن هو استلم ذلك المال الكثير أن ينضم لأولئك الفاسدين فيبدد تلك الأموال ويصبح من الفقراء المعدمين. فدعاه إليه وقال له هلم يا بني إلي لأزودك بالنصح الكثير. فقدم له ثلاثة نصائح أولها قال له يا ابني أنت تملك المال الوفير لذلك إذا أنت أردت أن تجاري أهل بلدتك وتلعب القمار لا تلعب إلا مع أكبر المقامرين. والثانية إذا أنت أردت أن تسكر فلا أمنعك عن عمل ذلك لتكون مثل الناس الآخرين. إنما أنصحك أن لا تبتدئ في السكر ولا تذهب إلى الحانة إلا بعد أن ينتهي النصف الأول من الليل. والثالثة إذا أنت اتخذت لك خليلة مثل الشبان المعاصرين لا تذهب إليها إلا قبل شروق الشمس في آخر الليل البهيم. سُرّ الابن بهذه النصائح وقال لأبيه سمعاً وطاعةً يا أبي إني سأعمل بحسب نصائحك وسأسترشد بها وأستعين. توفي الأب وقد أودع في ضريحه وصار الابن متصرفاً مسيطراً على المال الكثير. فابتدأ الشبان يدعونه ليشاطرهم في ملذاتهم ولماذا لا يفعل ذلك وهو يملك المال الكثير وإن لم يفعل حسب مشورتهم سينعتونه بالرجل الرجعي ويحسبونه قد انحرف عن الحق وضل السبيل. لكنه رفض بإباء قائلاً أنه عليه قبل كل شيء أن يعمل بنصائح والده الثلاث.

فابتدأ أن يبحث ويفتش عن أكبر المقامرين. فجيء به إلى بيت حقير وقيل له أن في هذا البيت يسكن أشهر المقامرين الذي ليس له بين المقامرين مثيل، قرع الباب وفُتح، أمامه رأى شيخاً ذميم الخلقة مقوص الظهر ونحيل الجسم فتوقف فترة عن الدخول لأنه ظن أنه قد ضل السبيل. لكن مضيفه أدخله إليه وقال له أخبرني عن مطلوبك ولا تخفي عني لأني لا أردك خائباً إذا كنت بي تستجير. ولما حدثه عن مطلبه قال له اسأل فأجيبك وسوف ترى إني حقاً من أعظم المقامرين وليس لي بينهم نظير. فامتحنه بمسائل حتى تحيّر الشاب وقال حقاً أنك من أكبر المقامرين ولكني كنت أظن أنك تسكن في بيت ملوكي فكيف أراك تأوي إلى هذا المنزل الحقير؟ ولما أجابه الشيخ وحدثه عن بؤسه وحالته التعيسة وما جلبه عليه لعب القمار تحنن عليه الشاب وقال له إني سآخذك إلي فتعيش باقي حياتك في عز ونعيم وسأتخذك عبرة وقال إني سوف لا ألعب القمار ولو فعل ذلك جميع المعارف والجوار. لا ألعب القمار لأنه لا يورث لاعبيه إلا الفقر والبؤس والعار. وقد تراجع الكثيرون في تلك البلدة عن لعب القمار بسبب ذلك المقامر المشهور الذي لعاقبة القمار السيئة كان شاهد عيان وقد عرف ذلك بالتجربة والاختبار.

وها شابنا قبل أن يقدم على ارتشاف المسكرات أراد أن يعمل بوصية أبيه الثانية فقام بعد انتهاء النصف الأول من الليل ليذهب إلى الحانة وهو يحمل مالاً كثيراً. لكنه لما جاء إلى الحانة في ذلك الوقت من الليل انبثت في منخريه روائح القيء ورأى رجالاً منطرحين على الأرض يتمرغون في قيئهم أشبه بالخنازير فرجع لفوره قائلاً إني سوف لا أذوق المسكر لأنه فيه شر عظيم وفيه تعاسة وويل للشاربين.

وقد تعرف بخليلة كانت تتزين فتصبح فتنة للعاشقين التي قد استهواها بالمال الكثير. لكنه قال في نفسه سوف لا أذهب إليها إلا بحسب وصية أبي الثالثة فذهب إليها مبكراً في آخر الليل وقد توقف قليلاً عندما رآها وظن أنها ليست بالفتاة التي قد استهوت الشبان بزينتها وزخارفها وأنبثت في منخريه أيضاً رائحة كريهة وأثرت على الأعصاب والشرايين. فتراجع فوراً وقال في نفسه ما هو هذا الشر العظيم المخيم على هذا البلد المسكين.

لقد ضل الشباب ضلالاً مبيناً وقد فسدوا ربي أعني حتى أكون لهم من الناصحين وقد أوقف قسماً من أمواله لخدمة المجتمع أخلاقياً وانتشل الكثيرين من الشبان والشابات الذين كانوا في حمأة الفساد غائصين وافتتح قاعة التي كثر فيها الخطباء والوعاظ والمرشدين وكان الكثيرون منهم به من المقتدين وأنه قد حمل مشعلاً في تلك البلدة وأضاء لكل من ضل السبيل.

لنرجع إلى قصة الوكيل غير الأمين.

لنتأمل في حياة ذلك الوكيل لنرى هل في استطاعتنا أن نستفيد ونتخذ منها عبرة على ممر الزمن للآباء والأبناء وليتعظ بها الملوك والصعاليك والعبيد. أولاً أنه لم يكن سوى وكيل ولم يجادل في هذا الأمر ولم يدع أنه كان المالك لذلك المال الكثير. ليتنا نعرف أننا لسنا على ما نملك سوى وكلاء ويجب علينا أن لا نكون من المبذرين والمسرفين. القوة والمال والأملاك والعيال والمعارف والأصدقاء والأبناء والبنات والمركز والحياة والأزواج والزوجات وكل ما في هذه الحياة سوف تترك الكل في يوم النهاية والممات. ثانياً أنه قد اعترف بواقع الحال أي أنه أخل بوكالته ولم يجرب أن يبرر نفسه ويبرهن أنه من الأبرار الصالحين. لماذا نحن نجرب أن نقنع أنفسنا أننا من الصالحين ونصرّح أمام المعارف والأجوار ونصوت في المجتمعات والنوادي بالإصرار والعناد أننا لسنا مثل باقي العباد ولسنا من الخطاة والفجار ولا مثل القتلة والزناة ونعيش دائماً في الصلاة والأصوام والزكاة ولسنا كالأوغاد والأشرار وكأننا لم نخل بوكالتنا مثل باقي العباد لماذا هذا التعنت والإصرار؟ ثالثاً أنه اقتنع أنه سيُطرد من وكالته حتماً وأنه سيُنعت بالخائن المحتال. أما نحن فننسى لا بل نتناسى العاقبة الوخيمة وسوء المآل ونسير باطمئنان مرتاحون وهادئي البال كأننا لن نسأل عما نفعل وكأنه لا دينونة ولا حساب ولا عقاب ولا عذاب.

وقد سمعنا لهمسات الشيطان الذي يهمس في آذاننا ويقول لا تخافوا أنه سوف لا يكون دينونة ولا حساب فلا تخشون العقاب والعذاب. رابعاً أنه احتاط لنفسه ليتقي شر ذلك اليوم الذي سيُطرد فيه ومن وكالته ويكون من المنبوذين واستخدم لهذه الغاية مال سيده الذي كان عليه وكيلاً ولم يزل في متناول يده وجرب أن يربح له أصدقاء ومحبين الذين سيقبلونه في بيوتهم ويكونون به من المرحبين. أما نحن فنستمر في أموال الدنيا التي نحن عليها وكلاء متمسكين فلا نصرفها في خدمة الفقراء والمحتاجين وإننا عن الآخرة من الغافلين.

رجلان أحدهما اشتغل وجد وساعده الحظ فجمع المال الكثير لكنه كان لأمواله كالرق والأسير فغفل عن الأمور الروحية وعاش كالبهيم الذي ليس له مطمح إلا أن يملأ بطنه من التين والشعير ولا يعرف شيئاً عن الآخرة ويوم الدين فمات شر ميتة وكان لأمواله من التاركين وحتماً كان من الخاسرين النادمين.

أما الرجل الآخر فقد اشتغل أيضاً وجمع أموالاً كثيرة وكان في هذا المضمار من الموفقين: لكن قد انجلت أمامه حقيقة ناصعة ولم يستطع أن يتهرب منها ويكون من المهملين وذلك أنه على هذه الأموال ليس سوى وكيل وفكر في الحساب ويوم الدين وابتدأ ينفق أمواله على الفقراء والمحتاجين وانصرف همه عن الأمور الدنيوية وفكر في الأمور الروحية وفي الآخرة ويوم الدين وصار من الناس المؤمنين. رد للناس الأموال المغتصبة والتي حصلها ظلماً من الآخرين وآمن بالخلاص العظيم الذي أعده الله لجميع البشر أي بأقنوم الكلمة الذي جاء متأنساً وهو آية ورحمة للناس أجمعين ووجد المسيح الذي كان لضميره الملطخ بالخطيئة خير مطهر وأحسن مريح. وصار للمسيح من التابعين وكان حقاً من الرابحين وحظي على نعمة من رب العالمين. خامساً أنه أقرّ بعدم مقدرته على العمل قائلاً لا أستطيع أن أنقب ولا أن أكون من العاملين. أما نحن فنظن أننا على العمل قادرون وفي استطاعتنا أن نكون عن ذنوبنا من المكفرين ولنفوسنا من المخلصين وأن في إمكاننا أن نرضي رب العالمين. نسينا أن الخطيئة قد شلت قوانا وعكست مسعانا وجعلتنا موتى الذنوب وعن عمل البر والصلاح مترددين. إننا وإن كنا نريد أن نعمل الصلاح والبر ونكون لأنفسنا من المخلصين نجد أن في أعضائنا وفي قلوبنا ناموساً آخر يوقفنا عن العمل ويجعلنا من الفاشلين. فالأحرى بنا أن نقتدي بذلك الوكيل ونقول أننا لا نستطيع وأننا عن خلاص نفوسنا قاصرين لا نقدر على العمل ولأجل خلاصنا ولا ينفعنا المال والبنون في يوم الدين. سادساً ذلك الوكيل قد اعترف أنه لا يقدر أن يستعطي وقد دل ذلك على شيئين أولاً أنه يخجل أن يكون من المتسولين ثانياً أنه لا يتجاسر أن يقرع أبواب من وكله على أمواله لكنه لم يكن أميناً ولم يسر في الطريق القويم. فكيف نتجاسر نحن أن نأتي إلى الله ونقرع أبوابه مسترحمين وهو الديّان العادل والمالك ليوم الدين؟

أما وقد تبين أننا قد أسأنا استعمال وكالتنا وكل منا أصبح متهماً أمام عدالة الله وحسبنا من الأثمة المذنبين وذلك هو المنطق الصحيح وهو الواقع ويتفق مع ذلك حكم الكتاب والعقل والضمير فلا يسلم من ذلك الحكم لا ملك ولا عبد ولا أمير. ومن الذي نستطيع أن نقول عنه أنه كان أميناً في وكالته في كل حين وكان من الأبرار الصالحين؟ لذلك علينا أن ننتظر أن نحصد ما زرعناه وأننا إن لا نتلافى أمرنا سنصبح حتماً من الهالكين. ماذا نفعل؟

أمام هذه الحقائق التي مرت علينا وعرفنا أننا أمام عدالة الله من المتهمين. لا يسعنا إذ ذاك إلا أن نسأل هذا السؤال جادين وليس هازلين وعازمين وليس مترددين. ماذا نعمل لكي نخلص ونحن نعرف أننا عن العمل لأجل خلاصنا من القاصرين وأننا على خلاص نفوسنا لسنا بقادرين؟ أجيب على هذا السؤال وأقول يا أخي الإنسان الوكيل غير الأمين أنك في سؤالك هذا قد اتجهت الأتجاه الحكيم. وهذا ما أرومه لك أن تخلص وأن تصبح من المتبررين. ولكن اصغ لما أقوله لك وعِ، وبصبر الله لا نستهين لأن صبره عليك إنما هو لكي يقتادك إلى التوبة لتكون إليه من الراجعين ولكي تلتجئ إليه تعالى وبه تستعين.

واعرف أنك متهم أمام عدالة الله التي حقاً أنها لا تتراجع ولا تلين وأنك على شريعة الله من المعتدين. افرض أنك متهم أمام العدالة العالمية فهل تستطيع أن تشتري نفسك بثمن مهما كان قدره وتكون من المتبررين؟ ألا ينفذ الحكم فيك حتى ولو كنت من الأثرياء الكبار أو من أصحاب الملايين؟ أجب على سؤالي يا أخي وقل إذا كانت الحكمة العالمية العادلة لا تقبل عنك بديلاً. لا أبناءك ولا أصحابك ولو بذلت في سبيل ذلك المال الكثير؟ فكيف تنتظر من محكمة الله أن تبررك وأنت الخاطئ الأثيم؟ صه وعِ إني أنصحك أن لا تهمل ما أهمله ذلك الوكيل غير الأمين لأننا لم نسمع أنه رجع إلى سيده وكان من التائبين لكنه دبر تدبيره الذي كان يظن أنه التدبير الحكيم. أما أنا فأشير عليك إن كنت قد ابتدأت أن تفكر في آخرتك وفي يوم الدين أن لا تخترع أي طريق لخلاصك لأنك وإن فعلت ذلك لا تكون من الناجحين. ابتدئ في التوبة والرجوع إلى الله حالاً ولا تكن من المترددين. وكن على ثقة ويقين أنك تجد في ربك خير معين. لأنه مع كونه الديّان العادل والمالك ليوم الدين هو تعالى الإله المحب وهو أرحم الراحمين الذي رحمته دائمة إلى أبد الآبدين. الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ أحد الواحد في اللاهوت والجوهر والجامع في الأقانيم قد دّبر طريق الخلاص وهو الإله الحكيم. إنه تعالى قد رأى أن جميع المخلوقات من أموال وممتلكات من حيوانات ونبات ورأى أن جميع الملائكة مجتمعين معاً لا يقدرون على خلاص واحد من البشر الذين أخلوا بوكالتهم وكانوا على شريعة الله من المعتدين. فما كان منه تعالى إلا أن دبر ذلك الخلاص العظيم الذي ليس له بين البشر لا ند ولا نظير. لا يفهمه الفلاسفة ولا يدركه العالم الشهير لأنه قد أخفاه عن الفلاسفة والعلماء وأعلنه للأطفال وكل من هو ذا قلب سليم. إن الله أراد أن يخلص البشر أجمعين وأراد أن يجمع بين مطالب العدل الذي لا يمكن أن يتبرر بموجبه أي معتد أثيم ومطالب الرحمة التي تريد أن ترأف وتشفق على المعتدين ليكونوا من المخلصين المنعمين. فأرسل أحد الأقانيم الذي هو الكلمة الذي كان عند الله وكان أحد الأقانيم والذي كان الله وكل شيء بن كان وكان من الخالقين.

هذا الكلمة قد بشر الله به مريم المباركة التي قد اختارها ليتأنس أقنوم الكلمة منها وقد اصطفاها عن نساء العالمين. والذي مع كونه أحد الأقانيم قد تنازل ولم يستنكف أن يصير عبداً وينفذ أحكام رب العالمين. إن الله قد توفاه وبذله لأجلنا أجمعين وبه يخلص كل خاطئ أثيم الذي قرر أن يرجع إلى الله وبه يستعين. قد حكم عليه كأحد المذنبين ونفذ الحكم فيه كالمجرم الأثيم، وبعد أن وفى مطالب العدل قال قد أكمل وأسلم الروح وكان من الميتين ودُفن وكان في القبر من الراقدين. ذلك ما جعل اليهود المعتدين أن يقولوا أننا قتلناه وانتهى أمره وهو من الميتين وقد غاب عنهم أن الله توفاه وليسو هم بالقاتلين. إنه قام من القبر منتصراً على الموت وارتفع إلى السماء جالساً عن يمين الله وهو من المقربين وأن جميع الذين آمنوا به اتخذوه لهم مخلصاً وفادياً يكونون فوق الذين كفروا به والذين ليسوا به من المؤمنين إلى أبد الآبدين.

هذا هو الخلاص العظيم الذي أعده الله رب العالمين ليخلص به الخاطئ الأثيم وقد أمر المسيح رسله الحواريين أن يبثوا هذه البشرى العظيمة لجميع الأمم والعالمين وقد دعي هذه البشارة إنجيل لذلك قال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها كل من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدُن ويكون من النادمين. قد تقول لي أن هذا الخلاص عجيب ولست له من المدركين فكيف أؤمن بخلاص لا أدركه وكيف يكون لي به إيمان ويقين؟ فأجيب أن هذا الخلاص لا تدركه عقول الناس لذلك جُعل آية ورحمة لجميع الناس فهل لك عذر أن لا تتناول الدواء لأجل الصحة والشفاء كونك لا تفهم تركيبه وما كوّن منه في السر والخفاء ألا تتناوله مؤمناً بالطبيب الذي أعطاك إياه وتقول على الله الشفاء؟ مالي أراك لا تصدق الله رب العالمين الذي قدم الخلاص والفداء ويقول لك هذا المخلص الكريم الذي أشير إليه بالذبح العظيم.

هذا الثمن الذي قد عيّنه الله لكي يحرر به الخطاة الذين أعد الله لهم آخرة صالحة ووهبهم الحياة وجعلهم أن يكونوا من المنعمين. آمن به واخلص لأنه يغفر ذنوبك ويكفّر عن سيئاتك ويتوفاك مع الأبرار الصالحين. اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم وكونوا من المؤمنين. نشكرك اللهم لأجل هذا الخلاص الذي تقدمه لجميع الناس. اعطنا قلوباً تائبة وعيوناً باكية حزناً على خطايانا وأن نكون لك من المصدقين وأن لا نرفض خلاصك العظيم ومحبتك الفائقة لأناس لا يستحقونها. مثلنا لأننا كنا وكلاء غير أمناء وأنت قابلتنا بهذه المحبة وقد ضللنا كالغنم الضالة وأنت وضعت خطايانا على ذلك الفادي العظيم حمداً وشكراً لك يا رب العالمين آمين.

دم الأمير كان ثمناً للعبد فتحرر

كان عبد مستعبد لسيده وكان سيده قاسياً عليه جداً وكان من البؤساء المظلومين. فكر بأمر نفسه طويلاً وأراد أن يخلص من هذا الظلم العظيم وعزم أن يهرب إلى قبيلة كانت لهم من المجاورين وكان يفصل بينهم نهر كبير. وسار مسرعاً نحو ذلك النهر وغاص فيه وكان من السابحين. فلحق به سيده وكان يحمل قوساً ونشاباً وأراد أن يكون له من القاتلين. أما ذلك العبد فاستمر ذاهباً إلى أن وصل إلى الشاطئ الآخر ورأى أمير القبيلة من بعيد فكان به من المستجيرين فمد الأمير يديه مشيراً إلى سيده لكي يمتنع عن قتله وسينظر في أمره بعد حين. لكن ما كان من سيده إلاّ أن رمى بنشابة فأصاب يدي الأمير وكان دمه يجري ويسيل. عندئذ تحرر العبد وكان سبب تحرره دم ذلك الأمير.

أخي القارئ إنّك قد استُعبدت لإبليس الرجيم وهو سيد قاس ولئيم فأغواك لتعصي الله رب العالمين فكنت ذلك الوكيل غير الأمين وكسرت شريعة رب العالمين وصرت لإبليس من المستعبدين. خف وتب وكن إلى الله من العائدين واعرف أن الله المثلث الأقانيم قد أعد لك ملجأ وهو ذلك الكلمة المتأنس الذي صار جسداً ولم يستنكف أن يصير عبداً ويتخذ جسداً ليكون لك من المفتدين. واعلم أن الله لم يفدك بحجارة كريمة أو بالمال الكثير إنما قد افتداك بذلك الدم الكريم. آمن واخلص وكن من المنعمين ليهدك الله إلى الصراط المستقيم اللهم آمين فآمين.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany