العودة الى الصفحة السابقة
الزائر الليلي

الزائر الليلي

الواعظ . إبراهيم دواني


Bibliography

الزائر الليلي. اسكندر جديد. Copyright © 2008 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB ARA. English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

كلمة المؤلف

الله الذي لا إله إلا هو قد خلقنا على صورته ومثاله لنحيا إلى الأبد لكننا بزيغاننا وضلالنا قد شوهنا تلك الصورة فحكم علينا بالموت الأبدي والهلاك المبين. لكن الله الذي هو محبة لم يشأ هلاكنا فأراد أن يوجد لنا فداء فما كان منه إلا أن بشر بكلمة منه الذي صار بشراً سوياً وبذله لأجلنا أجمعين لكي نحظى باسمه على الحياة الأبدية والعفو العظيم وهو تعالى أكرم الأكرمين. فلنقبل خلاصه الذي أنعم به على العالمين ولنتناول كأس الخلاص من يديه ونكون له من الشاكرين. من الله أطلب لكل من يقرأ هذه النبذة التي تعالج الولادة الثانية للحياة الأبدية التي قلما ينتبه إليها الناس وهم لها من المهملين. ليهتم بهذه المسألة الهامة ويكون من المفكرين فيجد أن أشواق النفس وأمانيها هي أن يولد الإنسان ثانية ويكون عند الله من المقربين. ذلك ما اختبرته بنفسي وإني لله من الشاكرين آمين.

الزائر الليلي

نشأ في بيت عريق ووُلد من أبوين تقيين وتربى في حياة الإيمان والتقوى وكان يعيش في مخافة الله ويؤمن به وبالآخرة ويوم الدين وكان معدوداً من الصالحين. ودرس العلوم على أنواعها ونما في المعرفة والثقافة العالية وكان في مختلف العلوم من المتضلعين درس كتب التوراة والأنبياء والمزامير. وتعمق في دروس اللاهوت والفقه والشرع والدين ونبغ في كل هذه، وعاش تقياً وكان يصلي ويصوم ويزكي أمواله وكان من المتعبدين. وانتُخب رئيساً دينياً فأمسى عضواً في مجلس السنهدريم الذي لا يدخله سوى الرجال الممتازين. وقد وصل إلى درجة عالية في الرقي وكان من الأشخاص المحترمين. كان عادلاً ومنصفاً ولم يكن من الرجال الغادرين. وكان لطيف المعشر سموحاً رقيق القلب ومحباً للبشر أجمعين ولم يكن مرة من الأغبياء المتعصبين. وعرف أن القلب نجيس لا يعرفه إلا الله رب العالمين وأن كل إنسان خاطئ أثيم. لذلك كان ينتظر مجيء المسيح الذي هو مشتهى كل الأمم ومخلص للناس أجمعين.

في وقته ظهر السيد المسيح وانتشرت أخباره في فلسطين والأردن وبلاد سوريا والفينيقيين. كان يجتمع رؤساء اليهود ويبحثون في أمره عله يكون المسيح الموعود الذي كانوا لمجيئه من المنتظرين. لكن كان أكثر أولائك الرؤساء أشراراً أغبياء وقد تمسكوا بقشور الدين معرضين عن اللباب ومن المستكبرين ولم يفهموا ماهية الدين الصحيح وما كانوا من المنصفين العادلين قد أصدروا أحكاماً على المسيح دون الرجوع إلى الشريعة والحكم العادل الصريح المبني على السنة والدين الصحيح وكانوا في أحكامهم من الأشرار الظالمين ولم يعدلوا في حكمهم وصموا آذانهم عن صوت المنطق والضمير. وَيْلهم كم حكموا على أنبياء ظلماً وكانوا لهم من القاتلين. ولم يرضَ بذلك هذا الزائر الكريم لأن مثل تلك الأحكام تتنافى مع العدل والحق والدين القويم ولا يرضى الله عنها لأنها ليست مبنية على الحق وتفتقر إلى الإثبات والدليل. ولم تنتج إلا عن قلب مخدوع وعن اللؤم والبغض والتعصب الذميم.

إن الله يتبرأ من حكم كهذا لأنه لم يصدر إلا عن الأشرار الأفاقين. وحدث مرة أنهم أجمعوا على حكم ظالم، بحق المسيح فأنبهم هذا الزائر وقال لهم: إن هذا ليس بالحكم الصحيح لأن ناموسنا لا يحكم على شخص بلا بينة ويتيح للمتهم أن يدافع عن نفسه بالحجة والبرهان والدليل فأجابوه بلهجة شريرة قائلين ألعلك من الجليليين المتطرفين وهل سُمع أن نبياً قام من الجليل؟ أما هو فقد استمر في البحث والاستقصاء عن ذلك المعلّم الكبير وكان يستقصي الأخبار عنه ويحفظها ويرددها في ذهنه في كل حين. ولم يشأ أن يحكم حكماً ظاهراً لكنه حكم حكماً عادلاً وقد استنتج من تلك الأخبار مجتمعة أن أعمال المسيح وتعاليمه وعجائبه إن دلت على شيء فإنما تدل على صحة دعواه وأنه كان هو المسيح المنتظر ومثله لا يمكن إلا أن يكون المسيح الموعود أن يأتي ويجلس على كرسي داود ويؤسس ملكوتاً سماوياً لا يزول مدى الأجيال وإلى دهر الداهرين. ولا تقوى عليه قوات الأبالسة وسيبقى إلى أبد الآبدين.

الزائر أصيب في السهد والقلق

قد انتاب هذا الزائر في أحد الأيام السهد والقلق وكان غير قادر على النوم لأنه قد ابتدأ يفكر في التعصب الأعمى الذي سيطر على رؤساء أمته الذين استمروا في الغلو بفضائلهم وعفتهم إزاء ذلك المعلم العظيم وكانوا في كل وقت يتعقبونه لكي يقضوا عليه وقد أجمعت كلمتهم على الفتك به وقتله أو تسليمه للسلطة الرومانية لتحكم عليه حكماً جائراً وتكون له من القاتلين، فكر كثيراً بهذه الأمور وقال في نفسه ماذا تكون النتيجة إذا نفذوا خططهم وقتلته السلطة الرومانية وكانوا هم أياه لها من المسلّمين. ثم فكر في الضلال الذي أحييت به أمته وقال: ماذا تكون العاقبة بعد ارتكابهم ذلك العمل المشين إلا سوء المصير؟ أيحكم على بريء ويكون الحكام من المبررين؟ كلا، كلا إن هذا لا يمكن ونهض لفوره من سريره وابتدأ يفتش في كتب الدين وكان بها يستعين لعله يهتدي إلى حل وإليه يستكين. وقال في نفسه إن هذا الشخص الذي يقاومه قادتنا ليس سوى ذلك المسيح المنتظر الذي جاء ليؤسس على الأرض ملكوتاً سماوياً وإني ألاحظ أن تعاليمه ليس لها مكان في قلوب قادتنا فنعتهم بالأشرار المرائين.

أواه ألا يتسنى لأمتنا الدخول في هذا الملكوت وقال لهم إن ملكوت الله يُنزع منهم ويُعطى لأمة تعطي أثماره وتكون به من الكارزين. كيف يدخل المولدين في الخطيئة إلى ملكوت الله ويكونون من المبررين. ألم يقل نبينا داود «بِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5) ألم يقل أيضاً «لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية 3: 12) وقال أنه «لن يتبرر عند الله أحد» وصلى قائلاً «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَلله» (مزمزر 51: 10) ألم يقل نبينا إشعياء «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6) فإذاً نحن نضل في تبريرنا لأنفسنا ونكذب الله الذي قال لن يتبرر أمامه حي.

ألا ينطبق حكم الله هذا على جميع البشر من أمم وإسرائيليين على السواء. إذ كيف يتسنى لنا الدخول إلى ملكوت الله ونكون فيه من المواطنين؟ وفي أقل من طرفة عين أمسى مستعداً للسير وهو يسأل نفسه إلى أين أنا سائر؟ إني سأذهب غير متردد لزيارة ذلك المعلم السماري. بالحق هو المسيح إنه صادق فيما يقول أن أعماله والآيات التي يفعلها تبرهن على صدقه ولو كذبه المفسدون. سأذهب إليه في هذا الوقت من الليل سأكشف له عما في قلبي وأسلم له أمري لأن نبينا داود قال «إِلَيْكَ يُسَلِّمُ الْمِسْكِينُ أَمْرَهُ» (مزمور 10: 14) سأضع الأمر أمامه لأنه ينبئني الحق ولا يخفى وسأسأله كيف يتسنى للإنسان المولود بالخطية أن يدخل إلى ملكوت الله إني سأجد عنده الجواب الشافي لأنه يتكلم كمن له سلطان وليس كغيره من رجال الدين. سأحصل على نتيجة وها أنا جاد في السير. كان الهدوء سائداً في ذلك الهزيع من اللهيل لأن الناس كانوا نياماً وعلى أسرتهم هاجعين.

سار إلى حيث كان يسكن المسيح وما أن قرع الباب حتى فتح له لأن المسيح كان عارفاً بأمره قبل أن يجيء فهو يعرف قلوب الناس وخفاياهم. عرف زائره من بعيد وعرف ما في داخله من سر دفين. وأراد أن يعطيه سؤل قلبه وأن يكون له خير معين. وابتدأ الزائر يقول له «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ» (يوحنا 3: 2). وأظهر له أنه يؤمن به إيمان المنطق والحق واليقين وأن الأعمال والآيات التي يعملها فهي له خير الشاهدين.

جواب المسيح والمحادثة المتبادلة بينهما

قبل أن يكمل الزائر كلامه ويكشف عما في قلبه نرى أن المسيح قد عرف ما كان في سريرته من سر دفين وعرف ما هو سؤال قلبه وغرضه في الصميم. كان ذلك الزائر مقتنعاً كل الاقتناع أن الناس جميعهم ولدوا في الخطيئة وكلهم من المذنبين وكان يردد السؤال مع نفسه كيف يتنسى للإنسان أن يخلص من خطيئته ويصير خليقة جديدة ويكون عند الله من المبررين فيرى ملكوت الله الذي هو بر وسلام في كل حين، فأجابه المسيح عن هذا الحق المبين قائلاً له «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ الله» (يوحنا 3: 3) ويكون من المبررين ولو ظن ذلك الإنسان ثانية وهل يقدر أن يرجع إلى بطن أمه ويكون مرى أخرى من المولودين؟ وتابع المسيح حديثه قائلاً «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا 3: 5) ويكون فيه من المواظبين وأضاف قائلاً «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» (يوحنا 3: 6).

كان هذا الزائر على علم بعقيدة كانت تسيطر على أكثر قادة أمته الذين كانوا يحسبون أن الدخول إلى ملكوت الله يُنال عن طريقين (1) عن طريق التسلسل من إبراهيم ولذلك كانوا يفتخرون أنهم أولاد إبراهيم. ولما جاء يوحنا وبخهم بقوله لهم «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي... اصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيم» (لوقا 3: 7 و8). وهو أقدر القادرين. (2) كانوا يعتمدون على الأعمال الصالحة والبر الذاتي الذي هو من صنع الإنسان الأثيم. لذلك أراد المسيح أن يقضي على هذا الاعتقاد ويزيله من أفكار الناس فأظهر له أولاً ضرورة الولادة من فوق أي من الله لأنها هبة منه تعالى وليست موروثة من الوالدين كما وأنها ليست من صنع الإنسان لأنها من صنع الله العظيم وأظهر له الخطأ الذي ارتكبه القادة وقد سيطر عليهم منذ وقت طويل.

أما قوله عن ضرورة الولادة من الماء والروح فإنه ذكر الماء أولاً ومن ثم الروح ليذكره أن هذا الخطأ قد سيطر عليهم منذ أيام النبيين إرميا وزكريا وسيطر على الكثيرين من بعدهم حتى يومنا الحاضر لذلك قال الله عن لسان إرميا «لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا 2: 13). وعن لسان زكريا إذ قال «لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (زكريا 4: 6). كما أنه أراد أن يرشده إلى بنبوع الماء الحي الذي كان هو نفسه. وإن ذلك العمل هو عمل روح الله كما قال زكريا. ولكي يولد الإنسان من فوق يجب أن يؤمن به ويعرفه أنه هو الماء الحي الذي دعي إليه العطاش في أيام إشعياء وغيره من الأنبياء، ليرشده إلى نفسه كما أرشد المرأة السامرية في الفصل الذي يلي هذا الفصل إذ قال لها لو علمت عطية الله ومن هو الذي يكلمك لطلبت أنت منه ماء حياً وإن الذي يشرب من ذلك الماء لن يعطش إلى الأبد ويولد من فوق ويصير خليقة جديدة. وقد وضع المسيح رسم المعمودية لأن الغسل الخارجي يرمز للغسل الداخلي الروحي وأنه بعمل الروح القدس الخفي يولد ثانية ويخلص ويستنير. ويحيا إلى الأبد ولا يكون من الهالكين. وتابع المسيح حديثه لزائره وقال لا تتعجب إني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق لأن هذا هو عمل الله الذي أنتم بعمله مخلوقين في المسيح يسوع «لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ (يوحنا 3: 7) لأن هذا هو عمل الله الذي أنتم بعمله «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10)

ثم قدم له مثال الريح التي «تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ» (يوحنا 3: 8) هكذا الذي يولد ثانية بالإيمان بالمسيح يسوع وإن كنا لا نرى تغييراً في جسده ولا تبديلاً في غرائزه أو في هييئته الخارجية غير أننا نلمس فيه تغييراً عجيباً مع أننا لا نفهم كيف تم ذلك لكننا نعرف أنه قد استقى من الينبوع الحي وصار إنسانأً جديداً في تفكيره وفي أعماله وفي استعمال غرائزه وفي جميع تصرفاته. نسمعه يهلل ويسبح الله بعد ان كان يشتم ويطفر كما قيل في المزامير «اِنْتِظَاراً انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي، وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ. ثَبَّتَ خُطُوَاتِي، وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَةً لإِلٰهِنَا. كَثِيرُونَ يَرَوْنَ وَيَخَافُونَ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ» (مزمور 40: 1-3). ولما كان الزائر متشوقاً لتلك الولادة الجديدة وعرف أنه لا سبيل أن ينال ويدخل ملكوت الله يجهوده وجدِه بل ينبغي أن يولد ثانية ويختبر هذا العمل الروحي الفريد العديم المثال والجزيل الأهمية، نراه يسأل مرى أخرى مشدداً وقائلاً كيف يكون هذا وكان قلبه يتلهف ليتعلم ويستنير. فيجيبه المسيح مع قليل من التأنيب أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا. أي المفروض فيك كمعلم في إسرائيل أن تعرف السبب الذي لأجله يأتي المسيح. إذا لم يأتي ليجدد حياة المؤمنين به ويجعلهم بولدون ثانية للحياة الأبدية ويؤسس ملكوته في قلوبهم فما هو الفرق إذاً بينه وبين الأنبياء الآخرين؟ ولماذا انفرد بهذا الاسم أي المسيح الذي تنبأ جميع الأنبياء عن مجيئه واشتهوا أن يروا يومه وكانوا له من المنتظرين؟

ولكي يشعره أنه أحد الأقانيم قال له «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا (أي الآب والكلمة والروح القدس) إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا» (يوحنا 3: 11) لأن لو قبل الناس شهادة الله عن الإنسان أنه خاطئ اثيم وأن خلاصه ليس بيده ولكن بالله رب العالمين الذي بشر بكلمة منه اسمه المسيح الذي يكون مخلصاً وفادياً للناس أجمعين لكانوا خلصوا وصاروا من المفتدين المنعمين. وقد أبان له أنه من العسير على الناس أن يفهموا جمع الأمور الأرضية فكم بالحري يستطيعون معرفة الأمور السماوية وأن يكونوا لها من الفاهمين. لكن لا بد أن يأتي يوم تنكشف أسرار الكون جميعها ونعرف الأمور السماوية لأننا سنعرف كما عرفنا وذلك ما عني عندما قال له «إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟» (يوحنا 3: 12) تابع المسيح حديثه له وأعلن أنه في السماء وعلى الأرض في آن واحد إذ قال «لَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ» (يوحنا 3: 13). بذلك نبر على أقنوميته ليقوي إيمان زائره ويشدده ليقبله ويؤمن به ويولد ثانية للحياة الأبدية ويكون من المنعمين.

كيف يولد الإنسان ثانية؟

وقد وُلد الإنسان في الخطيئة وصار من الضالين المتمردين وحتماً أضحى من الهالكين فكيف يتسنى له أن يخلص ويُتاح له أن يولد ثانية للحياة الأبدية ويدخل ملكوت الله ويكون من الأبرار المنعمين. أوضح المسيح ذلك بآيتين وذكر في آخر كل واحدة منها بل تكون له الحياة الأبدية بعد أن أنب زائره وأشعره بأنه يجب أن يلتجئ إليه ويثق به ويؤمن بأقنوميته ولاهوته وأنه في السماء وعلى الأرض في وقت واحد وأظهر له أنه يعلم بكل ما قضى الله به قبل خلق العالمين وأنه الكلمة الذي كان عند الله والذي كان الله وأنه أحد الأقانيم. أراد أن يستدرج زائره لحادثة واقعية قد حصلت لبني إسرائيل في البرية وكان يعلم بها زائره علم اليقين. وهي لما أخطأ بنو إسرائيل في تيههم في البرية سلط الله عليهم الحيات السامة فلذعتهم وكانوا جميعاً عرضة للموت الأليم لكنهم في ضيقهم صلوا إلى الله فاستجاب لهم وكان لهم من المنجدين إذ أمر عبده موسى لكي يصنع حية نحاسية ويعلقها على خشبة ويدور بها في المخيم وينادي لجميع الذين لذغتهم الحيات ونفثت سمومها فيهم أن ينظروا إليها ويشفوا ويعودوا إلى الحياة ويكونون من المعافين فنبّر المسيح على هذا الأمر وقال «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 14 و15). ويكون من المنعمين. بذلك قد حلت المشكلة التي كان الزائر في حيرة من جهتها إذ أظهر له انه سيرفع على خشبة ويتمم عمل الفداء الذي أشير إليه بالذبح العظيم وأنه هو وحده الذي سيكون «حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ» (يوحنا 1: 29) ويكفر عن خطايا المذنبين وعنه تنبأ إشعياء عندما قال «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ» (إشعياء 45: 22) وهو الذي تعين فادياً ومخلصاً للناس أجمعين. لأنهم بنظرة الإيمان إليه يولدون ثانية للحياة الأبدية بعد أن كانوا مولودن في الخطيئة ومن الهالكين. سبحان الله الرحمن الرحيم ذلك الثالوث القديم الذي دبر هذا الخلاص العظيم ليتيح للجميع أن يولدوا ثانية ويكونوا من المبررين المنعمين.

السبب الرئيسي لهذا العمل

أما وقد تشوق الزائر لهذا الأمر العظيم وصارت نفسه تتوق ليولد ثانية ويكون من المؤمنين. نرى أن المسيح قد أتحفه بآية ليستدل بها ويستعين ويعرف السبب الأساسي لهذا العمل الفذ الذي خفي عن أكبر الفلاسفة وعن كبار الرجال المتعلمين وأن ذلك العمل العظيم ليس سوى عمل الله المثلث الأقاينم. فأظهر له أن كل ذلك قد تم وأن السبب الرئيسي لم يكن في الناس وليس في أي بشر ما يدعو لذلك ولو كان من أكبر الصالحين. لكن هو في الله الذي لا إله إلا هو الذي هو محبة وهو تعالى من أعظم المحبين. وهذه الصفة كانت فيه قبل خلق الملائكة والناس أجمعين. وقد تبودلت بين الأقانيم. ومن فيض تلك المحبة نراه تعالى قد شاء أن يشترك البشر الذين قد وقعوا في شبكة الشيطان الرجيم الذي هو الحية القديمة التي أغرت البشر ونفثت فيهم سموم الخطية فصاروا من أبناء الموت والهلاك المبين. فشاءت تلك المحبة غير المحدودة والتي ليس لها ند و لا نظير أن ترسل لهم عوناً ونجدة فلنسمع ما قاله أحد الأقانيم شاهداً بذلك الحق المبين عن علم ومعرفة ويقين. فلنؤمن به ونصدقه ولا نكون من المتهاونين.

«لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة» (يوحنا 3: 16) السبب هو محبة الله وليست فيّ أو فيك أيها القارئ المستجير. ولدنا في الخطية. وحكم علينا بالموت الأبدي والهلاك المبين «اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4) وتهلك إلى أبد الآبدين. الحكم هو حكم الله فكيف يتبرر الخاطئ الأثيم؟ إلا أن محبة الله صادقة وهي حق وصدق الله العظيم أنه قد بذل ابنه الوحيد إذ أرسله إلى العالم وهو لم يستنكف أن يتخذ طبيعتنا ويصير إنساناً وعبداً لرب العالمين ويكون للناس آية ورحمة ومن المفتدين. الذي يؤمن به حقاً يولد ثانية للحياة الأبدية ولا يمكن أن يكون من الهالكين لأنه قد افتدي وأنعم عليه من رب العالمين. لذا نرى المسيح قد قال في مكان آخر لليهود المتعصبين إذا لم يحرركم الابن فلا تستطيعون أن تكونوا من خطاياكم من المتحررين «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّ» (رومية 6: 23).

سبحان واهب هذا الخلاص لجميع الناس وهو رب عظيم قدير. قد كلم المسيح الإمرأة السامرية المتشوقة لإرواء غليل قلبها من ينابيع الخلاص وقال لها «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا» (يوحنا 4: 10). ذلك هو الماء الحي والماء السلسبيل. الذي قال أيضاً «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 28) ووقف أيضاً في اليوم الأخير العظيم من العيد ونادى قائلاً إن عطش أحد فليأتي إلي ويكون من المرتوين. هلما يا أخي القارئ وتناول كأس الخلاص من يد ربك العظيم وآمن بحمل الله العظيم الذي بذل نفسه لأجلك لكي تكون من المفتدين آمن به لتولد ثانية للحياة الأبدية فيُتاح لك الدخول إلى ملكوت الله وتكون فيها مواطناً ومخلصاً ومن المنعمين.

درس من العناصر الطبيعية

معلوم أن عناصر الطبيعة تقسم إلى ثلاثة ممالك: مملكة الجماد ومملكة النبات ومملكة الحيوان. بزرة مجردة التي هي بزرة نبات تُزرع في كتلة من التراب التي هي جماد ويضع الخالق في تلك القطعة الترابية غذاء لتلك البزرة التي دفنت فيها وماتت أما هي فتمتص غذاء من تلك الكتلة الترابية فتنبت وتحيا فيتحول قسماً كبيراً من ذلك الجماد نباتاً وبتلك الطريقة السرّية العجيبة ينتقل ذلك القسم من الحجار إلى ممكلة النبات فيصير شجرة أو حنطة أو عشباً... كذلك يأخذ الحيوان النبات مهما كان نوعه فيأكله ويهضمه فتنقل تلك الكمية النباتية في الحيوان إلى مملكة الحيوان وتصير لحماً ودماً وعظماً... وتعد داخلة إلى ممكلة الحيوان. بنفس الطريقة أراد الخالق رحمة منه تعالى أن ينقل الإنسان من المملكة الحيوانية والإنسانية إلى مملكة أرقى وأعظم ويتيح له أن يولد ثانية وينتقل لملكوت الله وذلك بإرساله الكلمة الذي هو كلمة منه اسمه المسيح ألقاها إلى مريم واتخذ منها بشراً سوياً وهذا الكلمة المتأنس قد بذله الله ليفتدي الإنسان كي يتسنى له أن يولد ثانية ويدخل إلى ملكوت الله فيكون من أبناء هذا الملكوت ومن المنعمين لذلك قال الله في الإنجيل «أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ» (يوحنا 1: 12 و13).

نحن في حاجة ماسة إلى الولادة الجديدة ولا يمكننا بوجه من الوجوه أن ننالها إلا عن طريق تجسد الكلمة وموته لأجلنا لكي نحيا به. وإن كان ذلك العمل يعد عجيباً كما سبق وتنبأ إشعياء عنه قائلاً «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ اٰلرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لٰكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 1-6).

إذا ولدنا مرة في الجسد نموت مرتين الموت الجسدي ويليه الموت الروحي ولكن إذا ولدنا مرتين مرة من والدينا ومرة بقبولنا الله الكلمة المتأنس نموت مرة فقط الموت الجسدي لأن الموت الثاني الذي هو الموت الروحي ليس له سلطان علينا. كما قيل «لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ» (رومية 8: 1). وكما قال الكلمة المتأنس «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَ» (يوحنا 11: 25). فلنقبله ونكون باسمه من المؤمنين ولا نتغاضى عن هذا الأمر المهم وكما قيل «لاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ مَسَّةَ فِي الْبَرِّيَّة»(مزمور 95: 8) ولنعرف أن لهذا الأمر علاقة بخلاص نفوسنا وبالحياة الأبدية ويوم الدين. «مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟» (مرقس 8: 36).

إذا لم نؤمن نكون لله من المكذبين ونرفض شهادة الله العظيم ونكون حتماً من الهالكين. الحذر الحذر من الإقدام على هذا العمل المشين. اللهم ارحمنا وساعدنا لنكون من المؤمنين لأنك أرحم الراحمين وأعظم المحبين. فاستجب لنا يا رب العالمين «لأنه لا ملجأ منك إلا إليك» فكن لنا ملجأ دائماً وخير معين وكن لنا الولي والنصير اللهم آمين ثم آمين.

قصة خلاص القبطان

درس كثيراً وخاض في جميع العلوم وارتقى وصار قبطاناً وكان غنياً وكان يملك مركباً بحرياً وكان من المثرين. لم يكن مؤمناً بالله وكان للمؤمنين من أشد الأخصام والمقاومين. تعقب جميع الذين آمنوا بالله ولم يسمح لموظف في مركبه أن يحظى على نسخة من الكتاب المقدس ولو إلى حين. مرض واشتدت وطأة المرض عليه حتى أنه كان يخشى عليه من الموت الأليم. وما أن أحس بذلك إلا واستيقظ ضميره وابتدأ يطلب نجدة ورحمة من رب العالمين. ونظر إلى الذين حوله راجياً أن يؤتى إليه بكتاب مقدس لكي يستنير به وبه يستعين فوجدوا في المركب فتى كان يملك كتاباً مقدساً وكان يقدره أعظم تقدير. هذا قد جيء به إلى القبطان وقد خشي الفتى القصاص والحرمان وكان من المرتعبين. استنجد متضرعاً وقال يا سيدي القبطان لست من الكسالى ولا من الذين لأعمالهم من المهملين ولا أقرأ كتابي هذا إلاّ في وقت فراغي وأواظب على عملي في كل حين. وبعد أن هدأوا روعه طلب منه القبطان أن يتحفه بآية كتابية لتوجد فيه رجاء وتعزية لأنه أصبح من الأموات المحتضرين فأجاب الفتى إن أمي علمتني أن أضع اسمي تحت فقرات من سفر إشعياء 53. فتلا الآيات التي كان نصها كما يلي «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 5) بعد أن تليت فقرة فقرة وأصغى إليها القبطان إصغاء المتلهف المتشوق طلب من الفتى أن يكرر القراءة ويضع اسمه تحت كل فقرة ففعل الفتى كما أمر وكرر ذلك عدة مرات. وما أن سمع ذلك إلا وقد فتح ذهنه وقلبه وكان من المؤمنين.

استعان بربه وقبل المسيح كمجروح لأجل معاصيه ومسحوق لأجل آثامه وأن سلامه يتوقف عليه. فاحتل قلبه السلام وكان يشعر بأمان واطمئنان وقال ربي إني وإن كنت من المحتضرين لا أخشى من الدينونة ويوم الدين. وعرفت أنك لا تخذل من يلتجئ إليك وبك يستعين. اقترب إليك باسم الذي فداني ومات عني وأحياني سبحانك ربي إنّك من أعظم المنعمين وقد غفرت ذنبي وصرت لي من الغافرين. بعد ذلك الاختبار الجديد شُفي القبطان وأوقف وقته وأمواله على خدمة بني الإنسان وبثّ بشرى الإنجيل لجميع المحتاجين وخدم جيله وكان بركة للكثيرين. وهكذا خلص وولد ثانية وصار من الناس النافعين. المجد لله الذي بنعمته ومحبته يخلص الخاطئ الأثيم ويقبل التائبين إليه حقاً ويجعلهم أن يكونوا من المنعمين.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany