العودة الى الصفحة السابقة
القائد المحسن

القائد المحسن

الواعظ. إبراهيم دواني


Bibliography

القائد المحسن. إبراهيم دواني. Copyright © 2008 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB ARA. English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

كلمة المؤلف

أتقدم إلى القراء بهذه القصة التي اقتبستها أيضاً من الإنجيل لعلهم يجدون فيها لذة وسلوى ودرساً وعبرة. هي قصة قائد كبير كان من الوثنيين وقد ضل قومه في جهل كثير ووجد أن فلسفاتهم ومعتقداتهم قد ضللت بهم إلى حد كبير وعرف أنها لا تشبع جائع ولا تروي الغليل. أراد أن يعرف شيئاً عن الله رب العالمين فأتيح له أن يعرفه تعالى عن يد بعض المؤمنين. فآمن بالإله القدير إيماناً راسخاً بلا تزعزع ولا تبديل وصلى صلاة حارة ليرشده الله إلى السبيل القويم ليتأكد خلاص نفسه ومغفرة خطاياه وكيف يكون متبرراً أمام الله برؤيا ملاك الذي أرشده ليدعو أحد الحوارين الذي كان من تلاميذ المسيح المخلصين فبشره بالمسيح الذي جاء آية ورحمة للناس أجمعين ليخلص الخطاة ويكفر عن سيئات المذنبين ويقوم بعمل الفداء العظيم. فآمن به وقبله كالمخلص الوحيد ونجا من هلاك أكيد وصار من المنعمين وقد دونت قصته بالإنجيل الذي هو نور وهدى للمتقين لكي تكون عبرة في كل مكان وجيل راجياً من القارئ أن يتخذ منه عبرة وبالله يستعين آمين.

إبراهيم دواني

القائد المحسن

عاش جندي نشيط في جيش الرومانيين وترقى لدرجة قائد وذلك منذ ما ينيف عن الألف والتسعماية من السنين. تعين ليكون قائد مئة في أثناء حكم الرومان وفي فلسطين. تبلغ الأمر بالانتقال إليها فلبى الأمر وكان من المطيعين. وصل إليها وكان مركزه في قيصرية التي تقع في شمالي فلسطين. أقام هناك وكان من المجتهدين العاملين ومن العقلاء المثقفين، ذا عقل متريث رزين ومن المفكرين وذا خلق حسن قويم ومن المنصفين لكنه لم يكن من المؤمنين.

أتيح له أن يتعرف على الله

قد اجتمع مع بعض المؤمنين وتسنى له أن يطلع على ما احتوت عليه أسفار العهد القديم التي كانت متداولة في ذلك الحين وبواسطتها تعرف على الله رب العالمين وصار به من المؤمنين. فلم يمض عليه إلا القليل حتى أصبح من المؤمنين بالله ورسله وكتبه ويوم الدين وعرف أن هذا الإيمان لا يتناقض مع العقل ويتوافق مع المنتطق السليم.

إحساناته وصومه وصلاته

عرف أن الله رب العالمين الخالق القدير والمحسن الكريم فأراد أن يقتدي به تعالى ويكون من المؤمنين العاملين فوزع أمواله بسخاء على الفقراء المعوزين وصام وصلّى واعتكف وتعبد وثابر على ذلك إلى حين، واستمر في السير في سبيل الله والجد في معرفته تعالى وتابع ذلك دون توقف ولا ملل وكانت في نفسه رغبة ملحة وشوقاً عظيماً ليعرف ويتأكد مغفرة خطاياه وكيف يبرر المرء أمام الله ويكون من المنعمين

الملاك والرؤيا

الله الذي في استطاعته أن يرى جميع حركاتنا وسكناتنا ولا تُخفى عليه خافية قد رأى أشواق ذلك القلب الجاد المخلص وكان لصلواته وحسناته وصومه ومثابرته وتتبعه لمعرفة الله والخلاص من الذاكرين. فأرسل له ملاكاً رسولاً من الله العظيم وطلب منه ليرسل ويدعو بطرس تلميذاً للمسيح ومن الحواريين لكي يرشده إلى الحق العظيم كما دُون بالإنجيل. سبحانه من إله الذي لا يرفض طلبات الطالبين المجدين وبذكر حسنات المحسنين وصوم الصائمين الثائبين الذين يطلبون وجهه تعالى غير هازلين وليسو من المرائين. قد افتكر بهذا القائد المتريث الرزين الذي طلب خلاص نفسه والتمسه من الله رب العالمين ولم يكن من المتذبذبين المتهاونين المرائين.

تلبية لطلب الملاك وطلبه منه ليستدعي بطرس انتدب فوراً بلا تمهل أو تراخ أو تأجيل ثلاثة من رجاله المقربين وأخبرهم عما يكنه قلبه وعن قصة الملاك رسول الله رب العالمين الذي طلب منه أن يرسل رسلاً إلى يافا ويدعو سمعان الملقب بطرس النازل هناك عند رجل دباغ اسمه سمعان الذي كان عنده من المقيمين وأظهر لهم أهمية رسالتهم وحثهم ليكونوا من الجادين لأنه هكذا هو أمر الله رب العالمين. وطلب منهم أن يتكلوا عليه ليساعدهم للقيام بمهمتهم وأن لا يكونوا من المتهاونين.

ذهاب الرجال

فهب أولئك الرجال الذين كانوا من المنتدبين وساروا في طريقهم مسرعين غير مترددين. كانوا في سفره يتحدثون فيما بينهم متسائلين منذهلين بسبب تلك الرؤيا وغرابتها وكيف ظهرت لسيدهم الذي كان تقياً ومن المحسنين وكان يصلي ويصوم ويحافظ على جميع فروض الدين. هل مثله في حاجة إلى أكثر من ذلك وماذا عساه أن يفعل ليكفر عن خطاياه ويكون من المبررين. ونسألوا عما سيفعله بطرس لسيدهم وهل هو سيشدد في المبالغة على حفظ الفرائض والتكثير منها لبلوغ الخلاص والأمان والسلام في يوم الدين أو أنه سيخبرنا عن مخلص قدير الذي سيغفر الخطايا ويكفر عن سيئات المذنبين. وأردفوا قائلين اللهم كن لنا من المرشدين كي نجد بطرس الذي لسنا له بالعارفين وليأتي معنا إلى سيدنا ويكلمنا بكلام صادر عن الله العظيم حتى بواسطة كلامه نسترشد ونستنير إن الله على كل شيء قدير.

رؤيا بطرس

بينما كان أولئك يسيرون بجد مستديم وبإيمان ويقين أن الله سيرشدهم وينجح طريقهم ويكون لهم خير معين نرى بطرس يصعد إلى سطح البيت ليختلي مع الله ويبتهل وبصلي بحرارة وشوق كثير ليكون له في خدمته من المرشدين وبه يستعين متكلاً على وعده تعالى إذ قال له أنه سيكون للناس من الصيادين. وقد فكر بدعوة ربه التي وجهها لجميع الخطاة المتعبين ليأتوا إليه ويكونو من المستريحين وتسائل مع نفسه عن عظمة تلك الدعوة وروعتها وأن مثلها لا يمكن أن يصدر إلا عن إله قدير. وابتداء يتذكر أقوال المسيح وتصرفاته وأعماله التي إن دلت على شيء لا تدل إلا على أنه كلمة الله الأزلي وأحد الأقانيم. وقد بُشرت به مريم المباركة وآمنت بالمستحيل وهو الكلمة الذي كان موجوداً قبل خلق العالمين وألقى إلى مريم فحبلت به من الروح القدس ووضعته كطفل صغير. والذي صار جسداً كما ورد في الإنجيل وكان ما كان من ولادته من عذراء وما أروع ذلك الحديث العظيم. وفكر بقوله أنه لم يأت ليُخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن الكثيرين. توقف قليلاً وتبودلت هذه الأفكار في ذهنه وقال هل يعقل أن الله لا يهمه أمر جميع العباد وهل يمنع عنهم خلاصاً عظيماً قد نتج عن محبته تعالى التي لا تحد وعن رحمته الدائمة التي جعلته أن يتنازل ذلك التنازل العظيم وأن لا يستنكف أن يصير عبداً مثل الناس الآدميين ليخلص الإنسان الأثيم. ألا يقدم هذا الخلاص لجميع المحتاجين في كل مكان وجيل؟

لأن محبته تعالى تشمل جميع البشر وليست قاصرة بهذا القدر لتحتكر بشعب قليل وتتخلى عن الكثيرين. ربي إن ذلك مستحيل لأنك أرحم الراحمين كن لي يا إلهي من المرشدين وساعدني كي أتخلص من التعصب الذميم الذي اكتسبته عن بني أمتي الذي احتكروا الله وصغروه قائلين إن الله قد اختص فقط ببني إسرائيل. قويني لأقدم الفادي للناس أجمعين وأن لا أفرق بينهم في الجنس أو في الدين لأن الله رب العالمين.

جوع بطرس

في تلك اللحظة صلى بطرس وابتهل وتعبد وتضرع وكان على الله من المتكلين وسلم أمره لله وكان به تعالى من الواثقين لأنه لا يرد الذي يلتجئ إليه وبه يستعين. وبينما كان أهل البيت يهيئون له الطعام إذ كان من الجائعين وقعت عليه غيبة في وسط النهار كأن أمراً حصل له في المنام فرأى السماء مفتوحة وملاءة مربوطة من أربعة أطراف الأرض وفيها من جميع الزحافات والحيوانات والأطيار وسمع صوتاً يكلمه قائلاً قم يا بطرس اذبح وكل وهذا كان على ثلاث مرات وكان دائماً يجيب على الصوت كلا يا رب لست آكل شيئاً دنساً أو نجساً ولست من الخارجين على الدين - المستبحين. فأجابه الله على ذلك مؤنباً وقال له ليرعوى لأن الذي طهره الله لا ينجسه إنسان. فيما بعد اختفى كل شيء وكان في حيرة وريب كثير من جراء تلك الرؤيا والصوت المثير.

وصول الرجال وذهاب بطرس معهم

في فترة تأملاته بتلك الرؤيا وما ينطوي عليه ويتسائل عما يمكن أن يكون الحل والتفسير جاء الرجال وكانوا يسألون عن بيت سمعان الدباغ وعن بطرس إذا كان في ذلك البيت من النازلين. فكلم روح الله بطرس قائلاً هوذا ثلاثة رجال يطلبونك فاذهب معهم ولا تكن من المرتابين لأني أنا أرسلتهم واعلم أن خلاص الله لليهود والوثنيين وبشارة الإنجيل للناس أجمعين لكل من يلتجئ إلى الله وبه يستعين في كل مكان وجيل.

سفرهم معاً

بعد أن أضيف الرجال واستراحوا من سفرهم قام جميعهم ومعهم بطرس وبعض المرافقين وساروا وكان الجميع من المتأملين متسائلين عن تلك الأمور وعما يعني ذلك الحدث العجيب وكيف جمع بين الناس المتباينين في الجنس والمركز والدين. بين بطرس تلميذ المسيح الوضيع الذي كان صياداً وبين قائد في جيش الرومانيين المتكبرين.

وصولهم إلى قيصرية

وصل الجميع إلى قيصرية وكان القائد في استقبالهم وبهم من المرحبين وما أن رأى بطرس إلا أن سُرّ سروراً عظيماً وصافحه وخرّ أمامه وكان من الساجدين لكن بطرس أقامه وقال له أنا إنسان مثلك أسجد لله رب العالمين. وكان مجتمع معه جمهور من الأصدقاء المقربين.

كلمة بطرس

أما بطرس فقد ابتدأ يكلمهم مخبراً إياهم عن عادات اليهود وتقاليدهم التي لا تجيز ليهودي متدين أن يدخل بيت أممي أو يمتزج مع شعوب ليسوا من الإسرائيليين لئلا يتنجس ويصبح من المرفوضين. وأضاف قائلاً إن مجيئه إليهم لم يكن بترتيب منه لكن بترتيب وأمر رب العالمين الذي نهاه نهياً قاطعاً أن لا يقول عن شخص ما إنه نجس أو دنس ولو كان ذلك الشخص ليس من الإسرائيليين. ثم استخبر منهم عما يبغون منه ولماذا كانوا له من الداعين.

جواب القائد

أجاب القائد وأخبره عن صومه وتعبده وصلاته وحسناته وقيامه دائماً بما يفرض عليه الدين وثابر على ذلك لوقت طويل. لكنه بالرغم من سيره بالتدقيق ومحافظته على جميع فروض الدين لم يتأكد أنه نال عفواً وغفراناً ولم يكن من المخلصين المنعمين. وأضاف ذلك قائلاً إني كنت منذ أربعة أيام أصلي وأعتكف ومن الصائمين وطلبت من الله بإلحاح وشوق كثير وتضرعت إليه تعالى لكي يكشف عن ذلك الأمر الخطير ويكون لي من المرشدين وصممت أن أتتبع الحق حتى أناله ولو كلفني ذلك الجهد الكثير. ثابرت على ذلك وكنت بالله أستجير وأتلهف لكي اهتدي وأستنير ولي ملء الثقة أن الله لا يردني خائباً لانه السميع المجيب والإله القدير. ثم أخبره عن أمر الملاك الذي أمره ليدعو بطرس الذي لم يكن له من العارفين. وقال لأجل ذلك كنت لك من الداعين وأنت عملت حسناً لأنك أتيت وها نحن جميعاً أمامك وكلنا من الصاغين فقل لنا ما أعطيت من رب العالمين.

استئناف بطرس بالكلام

استأنف بطرس حديثه بعد أن سمع للقائد وقال له حقاً أنه لا يوجد عند الله محاباة ولا يفرق بين البشر الذين خلقوا جميعهم من دم واحد وكان الله لهم الموجد والخالق العظيم وأنه يسمع لكل تقي ولا يضيع أجر المحسنين وهو للجميع السميع المجيب والولي والنصير. ثم أخبرهم عن الكلمة الذي كان في البدء عند الله والذي كان الله واحد الأقانيم وإن كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان وقد بشر به بنو إسرائيل لكنهم لم يكونوا له من القابلين أما هو فقد أعطى جميع الذين قبلوه سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ومن المنعمين. لكن قد ضل رؤساء اليهود وكانوا عمياناً وليسو من المبصرين وحكموا عليه بالموت والعذاب الأليم وإذ سلموه للحكومة الرومانية وكانت هي للحكم عليه من المنفذين فراقهم ذلك وسروا وكانوا يتفاخرون بعملهم كأنهم هم من المنفذين وقالوا أنا قتلناه وقضينا عليه إلى أبد الآبدين ولكنهم ليسو هم بالقاتلين لأن الله بذله فدية لأجل الناس أجمعين لذا بعد أن أسلم الروح ومات وكان مدة ثلاثة أيام في القبر دفيناً وكان حراس عليه من جنود الرومانيين فهذا قام في اليوم الثالث من القبر وانتصر على الموت ونحن رأيناه بعد أن قام وشاهدناه بأعيننا ونحن لقيامته التي لا شك فيها من الشاهدين لذلك نحن نكرز ونشهد بحسبما أوصانا أنه هو المعين من الله دياناً للأحياء والأموات وللناس أجمعين. وإن كان كل من يؤمن به ينال الخلاص والغفران والتكفير ويكون من المنعمين.

حلول الروح القدس على السامعين

وما أن سمعوا ذلك الكلام عن فادي الأنام إلا وقد امتلأت قلوبهم المتجوعة للخلاص والغفران من الإيمان واتكلوا عليه في الحال وكانوا من الواثقين أنهم خلصوا من الآثام وتبرروا بالإيمان وصاروا أولاداً لله ومن المنعمين. فحل الروح القدس عليهم الذي كانوا له من المنتظرين وفي قلوبهم طلبوه ملحين وتكلموا بألسنة مختلفة وسبحوا الله وكانوا لاسمه من الحامدين الممجدين. سبحانك من إله عظيم أنت الذي تريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة حقك يقبلون أنك لم تمنع خلاصك عن ذلك القائد الروماني الكبير ولا عن جماعته الذين طلبوا خلاص نفوسهم ملحين فكانوا جميعهم من المنعمين.

حيرة الذين أتوا مع بطرس من اليهود

قد جاء مع بطرس بعض المؤمنين من اليهود الذين كانوا لم يزالوا متمسكين ببعض فروض الدين مثل الختان وغيره وكانوا يفتخرون أنهم من أولاد إبراهيم هؤلاء قد دهشوا وكانوا من المتحيرين لأنهم رأوا المؤمنين من الأمم قد نالوا موهبة الروح القدس ولم يفرق الله بينهم وبين الإسرائيليين الذين تسلسلوا من إبراهيم.

عماد الذين آمنوا في بيت القائد

أما بطرس لما رأى ما حصل لأولئك المؤمنين من الأمم وأنهم نالوا موهبة الروح القدس وتكلموا بألسنة وسبحوا الله ومجدوه وكانوا له من الحامدين وقد قبلوا المسيح مخلصاً وفادياً واعتقدوا أنه رب الكل. قرر أن يعمدهم باسم الله الواحد الأحد ذا الثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس القويم فاعتمدوا وانضموا إلى جمهرة المؤمنين الذين كانت تتألف منهم كنيسة المسيح من الأمم المختلفة ومن الإسرائيليين.

الإنسان الواعي وما يعترض سبيله من الأسئلة

أول سؤال يتبادر إلى ذهن الإنسان الواعي يسأل نفسه من أين أنا؟ ولا يمكن أن يرتاح أو يطمئن حتى يجد الجواب. نتصور أن هذا القائد قد مرّ به نفس هذا السؤال بينما كان لم يزل في بلاده وتتبع ذلك حتى وصل إلى فلسطين والتقى مع بعض المؤمنين ووقف على ما علمته كتب العهد القديم.

التناقض المنتظر

في هذه الفترة قد وجد جواباً لسؤاله وذلك أن الله هو المسبب الأول وأنه له من الخالقين لكنه وجد تناقضاً في أفكاره وقال كيف أومن بمن لم أرى والذي لست له من المبصرين إن هذا الأمر غير ممكن وأنه من المستحيل. لكن بسبب تتبعه وتعطشه لمعرفة الحق رجع إلى العقل والمنطق السليم وقال في نفسه إذا رأى الإنسان بناء كبيراً فخماً منظماً أحسن تنظيم يضطر بحكم المنطق أن يسلم أن بنائين أشادوه ومهندسين وضعوا له التصميم وليس في وسعه أن ينكر البنائين. والمهندسين الذين قاموا بإشادة ذلك البناء الكبير إذا هو لم يبصرهم ولم يكونوا من الموجودين.

كيف أجيز لنفسي؟

ثم قال ها أنا أنظر عالماً كبيراً وعوالم كثيرة وفيها من الخلائق تعد بالملايين. أرى الفضاء الواسع الأطراف وفيه ما لا يُحصى من الكواكب والسيارات التي هي منظمة أحسن تنظيم وتسير في أوقاتها دون توقف أو تلكئ أو تقصير. أبصر حيوانات ونباتات وحشرات وجميعها لها نواميس وقوانين. والإنسان الذي هو ذا جسم مستقيم وعقل ووجدان وضمير كما ويمكنني أن أتصور وأرى ما يقصر عن وصفه القلم ويعجز عنه النطق والتعبير. فعلى أي شيء تدل كل هذه؟ ألا تدل على وجود خالق قدير ومهندس كبير الذي نظمها ووضع لها التصميم. كيف أجيز لنفسي أن أنكر وجود الخالق القدير لأني لست له من المبصرين. يتحتم على أن أومن به وأكون له من العابدين لذا نراه قد آمن بالله وبكتبه ورسله يوم الدين.

السؤال الثاني

بعد أن يتركز إيمان الإنسان بالله لا بد أن يعترضه سؤال آخر فيسأل لمن أنا ولمن وجدت وهل الذي أوجدني يريد أن أعيش له وهل وضع لي شرائع وقوانين وهل أحسب من المسؤولين ويتحتم علي أن أكون لخالقي من المطيعين؟

لكل المخلوقات حدود وقوانين

إننا إذا تأملنا في جميع المخلوقات نجد أنه قد وُضع لها حدوداً وتسير بموجب نواميس وقوانين وإنها إذا تعدت تلك الحدود تجني على نفسها وعلى غيرها وتأتي بالضرر الكثير. وهي تشبه قاطرة كهربائية التي وضع لها الخط لتسير عليه وإن هي انحرفت عنه تدمر وتخرب كل ما يعترض طريقها وتحدث أضراراً للكثيرين.

هل الإنسان معفى من تلك القوانين؟

لا يمكن أن الإنسان يكون مُعفى من الحدود والقوانين وبما نه خُلق ذا عقل وضمير لا بد أن يسأل عما يفعل ويعطي حساباً ويلزم أن يكون من المطيعين وعليه أن يعيش للذي أوجده وأن يطيعه ويكرمه لأنه الموجد الأول. إذا كان من لا يبر بوالديه ولا يطيعهم ويكرمهم يُنعت بالإنسان العقوق ويُحسب من الجانين لأنهما كانا له من الموجدين. فكم بالحري الذي لا يطيع الله ويكرمه بصفته تعالى الموجد الأول. هل مثله يبرر ألا يعد جانياً ومن المجرمين؟

كيف أرضي الله؟

بما أن الإنسان بعد التعرف على الله يود أن يتمثل به ليكون من الصالحين المحسنين وأن يقتدي به تعالى ليكون أهلاً للاقتراب إليه وليصرف الحياة الأبدية معه. يعترض طريقه سؤال كيف أرضي الله وأخلص وأكون من المنعمين؟

التدرج المنتظر

في هذا الظرف يتدرج الإنسان تدرجاً منتظراً.

في أول الأمر يجرب أن يرضي الله ويربح ضميره مثلما جرب هذا القائد عن طريق التقيد والمحافظة على فروض الدين. هذا نبل يقتضيه الوعي والمنطق السليم لكن سرعان ما يشعر الإنسان بعدم كفاءة ذلك ويجد أنه في حاجة للتكفير عن سيئاته وللخلاص والفداء ولو كان من أكبر الصالحين. فتحوم نفسه طالبة نجدة وقد يلجئه اهتمامه الزائد في هذه المسألة للتقشف والتعبد والبذل من أمواله وقد يسلم جسده لعذاب أليم ليحظى على راحة النفس والضمير.

خطوة مباركة

أفضل شيء على الإنسان أن يفعل عندما يكون في مثل تلك الظروف أن يقتدي بهذا القائد الذي خطا تلك الخطوة المباركة إذ التجأ إلى الله تعالى وكان به يستعين ويصلي ويستجير وطلب منه بإلحاح أن يعلّمه ويرشده إلى الصراط المستقيم. لأنه اعتقد اعتقاداً راسخاً أنه لا يقدر أن يكّفر عن سيئاته ولا تُفدى النفس لا بالمال ولا بالبنين وأراد أن يعرف كيف يتبرر المرء عند الله العادل القدوس والمالك ليوم الدين وكيف يكون من المنعمين.

الله أمره أن يدعو بطرس

يا للعجب لماذا لم يطلب منه الله أن يدعو أحد أحبار اليهود المشهورين في ذلك الحين أو أحد رجال الدين الذين في كتب التوراة من المتضلعين؟ لكنه أمره أن يدعو بطرس الذي كان تلميذ للمسيح ومن الحواريين وكان من الصيادين. السبب طبعاً لأن أولائك لم يكن عندهم بشارة لتلك النفوس المتعطشة للخلاص والتكفير لأنهم كانوا من التقليدين وبعكسهم بطرس الذي كان ممتلئاً من الروح القدس وكان يحمل رسالة الإنجيل الذي هو نور وهدى للمتقين في كل مكان وجيل.

تأمل في رسالة بطرس لهم

ونحن إذا تأملنا برسالة بطرس نجد أنها لم تتضمن شرائع وقوانين ولم يشدد عليهم ليبالغوا بالمحافظة على فروض الدين ليس لعدم أهميتها أو للتقليل من قيمتها لكن أنها ليست بقادرة على التكفير عن الخطايا ولم توجد لتكون للإنسان من المخلصين ولا يمكن أن يتبرر الإنسان بواسطتها في يوم الدين. لأن الغاية من ممارستها لتقتاد الإنسان إلى الله ليتعرف على المخلص العظيم لأنه إذا رأى عجزه عن خلاص نفسه يلتجئ إلى الله الرحمن الرحيم الذي هو الواحد الأحد ذا الثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس القويم لذا نراه قد عمدهم باسم هذا الإله العظيم وانضموا إلى جماعة المؤمنين. وعرفوا أن الله غفر ذنوبهم وكفّر عن سيئاتهم وتبرروا أمام الله وحُسبوا من المنعمين في يوم الدين.

الخاتمة

أيها القارئ إن كنت عالم أو جاهل فاعلم أنك للموت سائر لست من الموت في حصن حصين وأنك حتماً ستقابل ربك في يوم الدين ولا تنسى أنك خاطئ وأنك مسؤولاً ولست بقادر على خلاص نفسك ولا يمكنك أن تكون عن خطاياك من المكفرين. اقتدي بهذا القائد الذي كان من الوثنيين لكنه عرف الله رب العالمين وصار به تعالى من المؤمنين وتتبع ذلك وأراد أن يكون لله من المرضين. قام بالفرائض وكان من المصلين وصنع إحساناً كثيراً وبالله يستعين. طلب إرشاده تعالى ليعرفه كيف يكون له من المرضين. صلى وصام وطلب واستعان إلى أن افتقده الرحمن وأرسل له بطرس أحد الحواريين. هذا بشره بالمسيح وأخبره أنه قد ذاق في سبيل خلاصه العذاب الأليم والرفض والعار. ودعاه للإيمان به والالتجاء إليه وقبوله كالمخلص العظيم لأنه أحد الأقانيم فآمن به وعرف أنه صار من المبررين في يوم الدين ومن المنعمين.

أنا مؤمن بالله الواحد الأحد الإله العظيم أدعوك أن تقبل المسيح الذي لنفسك يريح لأنه جاء آية ورحمة للناس أجمعين وهو الذي قد أشير إليه بالذبح العظيم. هو يعطيك الراحة للقلب والضمير ويخلصك من خطاياك لأنه بذل نفسه لأجلك وفداك. فلا تتأخر عن قبوله فتكون من النادمين لأن عدل الله يطالبك بكل مثقال ذرة. لا ترجئ خلاصك وبصبر الله ولطفه لا تستهين هذه نصيحتي لك. أرجو الله أن يكون لك الهادي والمعين اللهم آمين فآمين.

إبراهيم دواني


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany